الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرُوطٍ: نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَيُحْتَمَلُ تَجْزِئَةُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا، وَأَنْ لَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتُ الْإِسْنَادِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالِهِ كَسَائِرِ رُخَصِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ السَّيْرِ فِي رِوَايَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَقِيلَ: فِي جَمْعِ السَّفَرِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيمُ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَأَنَّ فِي جَمْعِ السَّفَرِ تُؤَخَّرُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا هُوَ قَوْلٌ فِي " الْمَذْهَبِ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ؛ وَهُوَ يَعُمُّ أَقْسَامَهُ.
لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا شَيْئًا.
قَالَ أَحْمَدُ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِذَا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ أَوْ غَابَ الشَّفَقُ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ.
[شُرُوطُ الْجَمْعِ]
(وَلِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) :
الْأَوَّلُ: (نِيَّةُ الْجَمْعِ) فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ عُمِلَ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (عِنْدَ إِحْرَامِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ اشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ اعْتُبِرَتْ فِي أَوَّلِهَا، كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُجْزِئَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا) هَذَا قَوْلٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَمْعِ مِنَ الْأُولَى إِلَى الشُّرُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرِ النِّيَّةُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى قَبْلَ إِحْرَامِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: مَحَلُّ النِّيَّةِ عِنْدَ إِحْرَامِ الثَّانِيَةِ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، وَعَلَى الْأُولَى: لَا تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَهُوَ الْأَشْهَرُ.
يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ. فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا، بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَ) الثَّانِي: الْمُوَالَاةُ؛ وَهُوَ (أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) فُرْقَةً طَوِيلَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُتَابِعَةُ وَالْمُقَارِنَةُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ التَّفْرِيقِ الطَّوِيلِ، وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَكُونَ الثَّانِيَةُ تَابِعَةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ وَقْتُهَا، وَسَوَاءٌ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهَا، كَالْفَوَائِتِ (إِلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ؛ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُهُ تَقْدِيرُ الْيَسِيرِ بِذَلِكَ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، فَإِنْ طَالَ، بَطَلَ الْجَمْعُ، وَاسْتَثْنَى مَعَهُمَا جَمَاعَةَ الذِّكْرِ الْيَسِيرِ، كَتَكْبِيرِ عِيدٍ.
فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا، بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ، فَبَطَلَ، كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ يَقَعِ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَجُوزُ تَنَفُّلُهُ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَّوَّعَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُطِلِ الصَّلَاةَ، فَإِنْ أَطَالَهَا، بَطَلَ الجَمْعُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، جَازَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْجَمْعَ يَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْفُصُولِ " الْمُوَالَاةَ. قَالَ: وَمَعْنَاهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ وَلَا كَلَامٍ، لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الِاسْمِ؛ وَهُوَ الْجَمْعُ.
وَقَالَ: إِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقُلْنَا: تَبْطُلُ بِهِ فَتَوَضَّأَ، أَوِ اغْتَسَلَ وَلَمْ يَطُلْ، فَفِي بُطْلَانِ جَمْعِهِ احْتِمَالَانِ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ) الْمُبِيحُ (مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى)
وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، كَفَاهُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى، مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَذَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَفَرَاغُهَا، وَافْتِتَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَحَّ الْجَمْعُ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: سَوَاءٌ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَوْ لَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ فِي الْأُولَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الْمَطَرُ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَعُدْ، أَنَّهُ يَبْطُلُ الْجَمْعُ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ وَحَلٌ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ لَهُ، لَمْ يَبْطُلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعُذْرِ إِلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنِ انْقَطَعَ السَّفَرُ فِي الْأُولَى، بَطَلَ الْجَمْعُ مُطْلَقًا، وَيَصِحُّ وَيُتِمُّهَا، وَإِنِ انْقَطَعَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا، أَوْ دَخَلَتِ السَّفِينَةُ الْبَلَدَ، بَطَلَ الْجَمْعُ، كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ. فَعَلَى هَذَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَانْقِطَاعِ الْمَطَرِ فِي الْأَشْهَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَيَخْلُفُهُ الْوَحَلُ؛ وَهُوَ عُذْرٌ مُبِيحٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَمَرِيضٌ كَمُسَافِرٍ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ، أَوْ أَقَامَ، أَوْ عُوفِيَ الْمَرِيضُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، صَحَّ الْجَمْعُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، كَمَا لَوْ قَدِمَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ.
(وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ) أَيْ: أَجْزَأَهُ (نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأَوْلَى) لِأَنَّهُ مَتَى أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، صَارَتْ قَضَاءً لَا جَمْعًا (مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا) كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي يَضِيقُ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى بِقَدْرِهَا، لِفَوْتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ؛ وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: أَوْ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُهَا بِهِ، وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يَنْوِيهِ مِنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ (وَ) يُشْتَرَطُ (اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ، لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي، كَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدِمُ، وَالْمَطَرِ يَنْقَطِعُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْعُذْرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ
فِعْلِهَا، وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِعْلِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي الْجَمْعَيْنِ، لَكِنْ إِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ إِحْدَاهُمَا، فَفِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِهِ وَجْهَانِ (وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ: مِمَّا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَوُجُودِ الْعُذْرِ عِنْدَ إِحْرَامِهِمَا، وَسَلَامِ الْأُولَى، وَالْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا، فَهِيَ أَدَاءٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأُولَى مَعَهَا كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّفْرِيقِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ أَثِمَ، وَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْأُولَى مَعَ وَقْتِهَا مَعَ نِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ تَرَكَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى الْأُولَى وَحْدَهُ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ صَلَّى إِمَامٌ الْأُولَى، وَإِمَامٌ الثَّانِيَةَ، أَوْ صَلَّى مَعَهُ مَأْمُومٌ الْأُولَى، وَأُخِّرَ الثَّانِيَةَ، أَوْ نَوَى الْجَمْعَ خَلْفَ مَنْ لَا يَجْمَعُ، أَوْ بِمَنْ لَا يَجْمَعُ، صَحَّ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى إِذَا بَانَ فَسَادُ أُولَاهُمَا بَعْدَ الْجَمْعِ بِنِسْيَانِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ، فَلَا جَمْعَ، وَلَا تَبْطُلُ الْأَوْلَى بِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ، وَلَا الْجَمْعُ إِنْ صَلَّاهَا قَرِيبًا، وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَهُ، أَعَادَهُمَا إِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا قَضَاهُمَا.
الثَّانِيَةُ: السُّنَّةُ تَتْبَعُ الْفَرْضَ تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِعْلُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ جَمْعًا، وَقِيلَ: إِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، لِبَقَاءِ الْوَقْتِ إِذَنْ.
الثَّالِثَةُ: صَلَاةُ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ كَغَيْرِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَمْعَ وَالْقَصْرَ مُطْلَقًا، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ: الْجَمْعُ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَلِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ لِلْمَكِّيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَوْسِمَ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْدِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم مِنَ الْمَدِينَةِ» ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ.