الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُعْطَى قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ بَلَدَهُ.
وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ، وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ، وَالْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[ابْنُ السَّبِيلِ]
(الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ) لِلنَّصِّ، وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ الْمُسَافِرُ ابْنًا لَهُ لِمُلَازَمَتِهِ كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ إِذَا كَانَ يُكْثِرُ الْخُرُوجَ فِيهِ (وَهُوَ الْمُسَافِرُ) سَفَرًا مُبَاحًا، وَفِي سَفَرِ النُّزْهَةِ خِلَافٌ، وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هُوَ نَظِيرُ إِبَاحَةِ الرُّخَصِ فِيهِ، لَا سَفَرِ مَعْصِيَةٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " الصُّغْرَى؛ وَهُوَ بِعِيدٌ (الْمُنْقَطِعُ بِهِ) أَيْ: لَيْسَ لَهُ مَا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ (دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ابْنُ سَبِيلٍ فِي بَاقِي الْحَالِ، فَلَا يَكُونُ مُرَادًا، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ، أَشْبَهَ الْأَوَّلَ، وَيُصَدَّقُ فِي إِرَادَةِ السَّفَرِ بِلَا يَمِينٍ (فَيُعْطَى) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ (قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُجَوَّزَ لِأَحَدِهِمَا هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَقِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَلَوْ كَانَ ذَا يَسَارٍ فِي بَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ غَيْرَ بَلَدِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ، ظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ الدَّفْعَ إِلَيْهِ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ، فَلَا يَجُوزُ إِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ، وَعَنْهُ وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ: يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ لِمُنْتَهَى قَصْدِهِ وَعَوْدِهِ إِلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى بُلُوغِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْطَى، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الشَّرْحِ " خِلَافًا لِلْمَجْدِ،
[مِقْدَارُ مَا يُعْطِيهِ لِكُلِّ صِنْفٍ]
(وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْحَاجَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا؛ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ إِلَى الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْغِنَى لَوْ سَبَقَ الدَّفْعَ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا إِذَا قَارَبَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، (وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِهِ (وَالْمُؤَلَّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (وَالْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا إِنَّمَا تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ
وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ، وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَامِلُ وَالْمُؤَلَّفُ وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي، وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ، وَالْبَاقُونَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ) مِنْ سِلَاحٍ وَفَرَسٍ إِنْ كَانَ فَارِسًا وَحُمُولَتِهِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُهُ لَهُ ولغزوه، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ نِصَابٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الدَّفْعِ الْحَاجَةُ، (وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْحَاجَّةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا (وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ كَالْأَخْذِ لِنَفْسِهِ (وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا ذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
فَائِدَةٌ: الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ، وَالسَّوِيُّ: الْمُسْتَوِي الْخَلْقِ التَّامُّ الْأَعْضَاءِ.
(إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَامِلُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، (وَالْمُؤَلَّفُ) ؛ لِأَنَّ إِعْطَاءَهُمْ لِمَعْنًى يَعُمُّ نَفْعُهُ كَالْغَازِي، (وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) مَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا مِنْ مَالِهِ، (وَالْغَازِي) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إِلَّا لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ: جَعَلَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ صِنْفَيْنِ، وَعَدَّ بَعْدَهُمَا بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ، وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهِمُ الْفَقْرَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ مَعَ الْغِنَى، وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغَارِمِ، وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاقِينَ يُشْتَرَطُ فِيهِمُ الْحَاجَةُ، وَابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ، فَهُوَ الْآنَ كَالْمَعْدُومِ، (وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ) حَتَّى وَلَوْ سَقَطَ مَا عَلَيْهِمَا بِبَرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ زَالَ، فَيَجِبُ رَدُّ الْعَامِلِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ، فَهَؤُلَاءِ أَخْذُهُمْ مُرَاعًى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَصْرِفُوهُ فِي حَاجَتِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُمْ بِكُلِّيَّتِهِ لِبُطْلَانِ وُجُودِ الِاسْتِحْقَاقِ،