الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ
وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا، يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَرَضِ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ النُّزُولِ بِالْمَطَرِ، لَكِنْ قَيَّدَهَا فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ النُّزُولَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ بِخِلَافِهِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْزِلُ مَرْضَاهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ أَسْكَنُ لَهُ، وَأَمْكَنُ، بِخِلَافِ صَاحِبِ الطِّينِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ مَعَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ زِيَادَةِ ضَرَرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ.
أَمَّا إِذَا خَافَ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ، أَوِ الْعَجْزَ عَنِ الرُّكُوبِ، فَيُصَلِّي كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ.
فَرْعٌ: مَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ أَوْ شَرْطٍ لِلصَّلَاةِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا - مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ وَاقِفَةً، أَوْ سَائِرَةً، صَحَّتْ. وَمَنْ كَانَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ، كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ، وَالْغَرِيقُ يَسْجُدُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ.
[فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ]
[السَّفَرُ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَالْإِفْطَارِ]
فَصْلٌ
فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَصْرِهَا بِشَرْطِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى غَالِبِ أَسْفَارِهِ عليه السلام، وَأَكْثَرُهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ عَدُوٍّ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْقَصْرَ قِسْمَانِ:
مُطْلَقٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْأَفْعَالِ، وَالْعُذْرُ، كَصَلَاةِ الْخَوْفِ حَيْثُ كَانَ مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَالْآيَةُ وَرَدَتْ عَلَى هَذَا.
وَمُقَيَّدٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْعَدَدِ فَقَطْ كَالْمُسَافِرِ، أَوْ قَصْرُ الْعَمَلِ فَقَطْ، كَالْخَائِفِ؛ وَهُوَ حَسَنٌ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ «قَوْلُ يَعْلَى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَظَاهِرُ مَا فَهِمْنَاهُ تَقْيِيدُ قَصْرِ الْعَدَدِ بِالْخَوْفِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ (إِنْ خِفْتُمْ) كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَعْنَاهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ.
«وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا) ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَرَخَّصُ فِي الْعَوْدِ مِنَ السَّفَرِ؛ وَهُوَ مُبَاحٌ، وَكَالْغَزْوِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " سَفَرًا جَائِزًا؛ وَهُوَ أَعَمُّ، وَالْمُرَادُ مَنِ ابْتَدَأَ سَفَرًا مُبَاحًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَالْأَصَحُّ: أَوْ هُوَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ وَالتَّفَرُّجِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ إِعَانَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي هَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ اخْتِصَاصُهُ بِسَفَرِ الطَّاعَةِ.
وَقَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": إِذَا سَافَرَ لِتِجَارَةٍ مُكَاثِرًا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ وَهُوَ شَامِلٌ إِذَا غَرَبَتِ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَلَهُ التَّرَخَّصُ، وَكَذَا الزَّانِي، وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ، وَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ، وَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَبَاحَ فِي " التَّلْخِيصِ " تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ عَصَى فِي سَفَرِهِ الْمُبَاحِ لَمْ يُمْنَعِ التَّرَخُّصَ، كَارْتِكَابِهَا فِي الْحَضَرِ لَا يَمْنَعُهُ، وَمَنْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إِلَى مَعْصِيَةٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ فِي الْأَصَحِّ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَإِنْ نَقَلَ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى مُبَاحٍ، وَقَدْ بَقِيَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ وُجُودَ مَا مَضَى مِنْ سَفَرِهِ كَعَدَمِهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": لَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّلَامُ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: الصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ كَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ مُلْحَقٌ بِالسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْحُلْوَانِيِّ هَلِ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ، أَوْ طَاعَةٌ كَزِيَارَتِهِ عليه السلام.
لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يَحْرُمُ الشَّدُّ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إِلَى الْمَشَاهِدِ. (يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا) الْفَرْسَخُ وَاحِدُ الْفَرَاسِخِ؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ، وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ، وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً، كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ، بُطُونُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، عَرْضُ كُلِّ شُعَيْرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتِ بِرْذَوْنٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَسَفَانَ» ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ احْتَجَّ بِهِ مَعَ تَضْعِيفِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ هَذَا تَقْرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تَحْدِيدٌ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ سَوَاءٌ، فَلَوْ قَطَعَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فِي الْبَحْرِ قَصَرَ، كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَسَالِكِ أَنَّ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْقَطِيفَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا، وَمِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْكُسْوَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا، وَعَنِ ابْنِ
رَكْعَتَيْنِ، إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ أَتَمَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: يَقْصُرُ فِي يَوْمٍ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ دَحْيَةَ أَفْطَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَأَفْطَرَ مَعَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ، وَقِيلَ: تُقْصَرُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مَسَافَةٌ تَجْمَعُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ مِنَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَجَازَ الْقَصْرُ فِيهِ كَغَيْرِهِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ إِلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى خِلَافِهِ.
(فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى رَكْعَتَيْنِ) وَلَا قَصْرَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ لَوْ قُصِرَتْ صَارَتْ رَكْعَةً، وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي الْفَرْضِ، وَالْمَغْرِبُ وَتْرُ النَّهَارِ، فَلَوْ قَصَرَ مِنْهَا رَكْعَةً لَمْ يَبْقَ وَتْرًا، وَرَكْعَتَانِ كَانَ إِجْحَافًا بِهَا، وَإِسْقَاطًا لِأَكْثَرِهَا، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ (إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ، وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا وَلَا مُسَافِرًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرَفَيِ السَّفَرِ، أَشْبَهَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يَقْصُرُ إِذَا ارْتَحَلَ» ، فَعَلَى هَذَا يَقْصُرُ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ، أَوْ لَا يَنْوِيَ الرُّجُوعَ قَرِيبًا، فَإِنْ فَعَلَ، لَمْ يَتَرَخَّصْ حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ، لَكِنْ بَدَا لَهُ لِحَاجَةٍ، لَمْ يَتَرَخَّصْ بَعْدَ نِيَّةِ عَوْدِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ ثَانِيًا، وَقِيلَ: وَالْخَرَابُ، كَمَا لَوْ وَلِيَهُ عَامِرٌ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: أَوْ جَعَلَ مَزَارِعَ، وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ، وَلَوْ فِي فَصْلِ النُّزْهَةِ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ بِمُفَارَقَةِ سُورِ بَلَدِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوِ اتَّصَلَ بِهِ بَلَدٌ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِصَالَهُ وَلَوْ بِذِرَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ فِي سَاكِنِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إِلَيْهِ عُرْفًا (وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الْإِتْمَامُ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَعَدَدًا؛ وَهُوَ الْأَصْلُ، أَشْبَهَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ (وَإِنْ أَتَمَّ جَازَ) فِي الْمَشْهُورِ لِلْآيَةِ، وَلِحَدِيثِ يَعْلَى،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَرَ» قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَبَيَّنَ سَلْمَانُ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، «وَلَمَّا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَحْسَنْتِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَصْرُ؛ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا يُعْجِبُنِي الْإِتْمَامُ، وَكَرِهَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ.
1 -
مَسَائِلُ: الْأُولَى: يُعْتَبَرُ تَحْقِيقُ الْمَسَافَةِ، فَلَوْ شَكَّ فِي قَدْرِ السَّفَرِ لَمْ يَقْصُرْ، وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ أَنَّهُ طَوِيلٌ، كَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى بَلَغَ الْمَسَافَةَ قَصَرَ، وَعَنْهُ: إِنْ بَلَغَ عِشْرِينَ فَرْسَخًا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ جِهَةً مُعَيَّنَةً، فَلَوْ سَافَرَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يَقْصُرْ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْجَزْمِ بِبُلُوغِ الْمَسَافَةِ، فَلَوْ عَلِمَ صَاحِبَهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَنَوَى إِنْ وَجَدَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَقْصُرْ، وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مَسَافَةَ قَصْرٍ قَصَرَ، وَكَذَا سَائِحٌ وَتَائِهٌ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا سَافَرَ لِيَتَرَخَّصَ، فَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَا خُفَّ فِي رِجْلِهِ، فَلَبِسَهُ لِغَرَضِ الْمَسْحِ خَاصَّةً، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ لِغَرَضِ التَّرَخُّصِ، وَيَأْتِي مَنْ سَافَرَ يَقْصِدُ حَلَّ يَمِينِهِ.
الرَّابِعَةُ: يَقْصُرُ، وَيَتَرَخَّصُ مُسَافِرٌ مُكْرَهًا، كَأَسِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، كَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ تَبَعًا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ فِي نِيَّتِهِ وَسَفَرِهِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ: لَا قَصْرَ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَالْجَيْشُ مَعَ الْأَمِيرِ، وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ إِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ فِي مَالِ