الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ. وَلَا أَخْرَسَ، وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الرُّكُوعِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِأَنَّهَا تُكْرَهُ إِمَامَةُ مَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ
[مَنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ]
(وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ وَالْوُضُوءِ، وَهُمَا لَا يَصِحَّانِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِمَجْنُونٍ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِكُفْرِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَخْفَى غَالِبًا، فَالْجَاهِلُ بِهِ مُفَرِّطٌ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ يُسِرُّهُ، وَعَلَى هَذَا لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، كَمَا لَوِ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُحْدِثَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ حَدَثَ نَفْسِهِ، وَالْكَافِرُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَصَلَّى خَلْفَهُ فَقَالَ بَعْدَ الصَّلَاةِ: هُوَ كَافِرٌ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهَا؛ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ هُوَ كَافِرٌ تَهَزُّؤًا، فَنَصُّهُ: يُعِيدُ الْمَأْمُومُ، كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: لَا، كَمَنْ جَهِلَ حَالَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْمُصَلِّينَ الْإِسْلَامُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ إِمَامًا، وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ أَوْ إِفَاقَةٌ وَجُنُونٌ لَمْ يُدْرَ فِي أَيِّهِمَا ائْتَمَّ، وَأَمَّ فِيهِمَا، فَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إِسْلَامَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُعِدْ، وَإِلَّا أَعَادَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "(وَلَا أَخْرَسَ) لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِفَرْضٍ الصَّلَاةِ، كَالْمُضْطَجِعِ يَؤُمُّ الْقَائِمَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَلَوْ بِمِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ نُطْقِهِ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ "، وَ " الْكَافِي " أَنَّهَا تَصِحُّ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّيِّ وَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ يَؤُمُّ مِثْلَهُ (وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ؛ لِكَوْنِهِ يُصَلِّي مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِحَدَثِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَنْ حَدَثُهُ مُسْتَمِرٌّ كَـ " الْوَجِيزِ "،
وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ.
وَلَا تَصْلُحُ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ، إِلَّا إِمَامَ الْحَيِّ الْمَرْجُوَّ زَوَالُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَ " الْفُرُوعِ " لَكَانَ أَوْلَى، وَتَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَجْهَانِ.
مَسْأَلَةٌ: لَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُتَطَهِّرِ بِعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ، وَلَا الْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِشَرْطٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، أَشْبَهَ ائْتِمَامَ الْمُعَافَى بِمَنْ حَدَثُهُ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقُعُودِ) أَيْ: لَا تَصِحُّ إِمَامَةُ عَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ بِالْقَادِرِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِرُكْنٍ لَا يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَالْقَاعِدِ يَؤُمُّ الْقَائِمَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ إِمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَاسَ أَبُو الْخَطَّابِ الْمَنْعَ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَرْبُوطِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ فَهُوَ أَخَفُّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّافِلَةِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُصَلِّينَ خَلْفَ الْجَالِسِ بِالْجُلُوسِ» ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ، وَتَصِحُّ إِمَامَتُهُمْ بِمِثْلِهِمْ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْمَطَرِ بِالْإِيمَاءِ» .
(وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، كَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِرَاءَةِ (إِلَّا إِمَامَ الْحَيِّ) وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فِي الْمَسْجِدِ، لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ،
عِلَّتِهِ، وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا. فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، وَلِأَنَّ إِمَامَ الْحَيِّ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيمِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَالْقِيَامُ أَخَفُّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّفْلِ (الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُهُ عليه السلام، وَكَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إِمَامِ الْحَيِّ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُهُ (وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا) لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْخِلَافِ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ، بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا فَيُتِمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا» وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ، لَكَانَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ كَانَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْفَهُ صَفٌّ، وَفَعَلَ مِثْلَ قَوْلِنَا أُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ، وَجَابِرٌ، وَقَيْسُ بْنُ فِهْرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ أَكْمَلُ، وَكَمَالُهَا مَطْلُوبٌ (فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ