الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - محمد بن أحمد الكاتب البصري، أبو عبد الله
المنبوز بالمُفَجَّعِ ولُقّب بذلك ببيت قاله وهو شاعر مكثر، عالم، أديب، صاحب كتاب " الترجمان " و " المنقذ " وغيرهما.
وتوفي قبل الثلاثين والثلاثمائة، وهو القائل في أبي الحسن محمد بن عبد الوهّاب الزَّينَبي الهاشمي يمدحه كامل:
للزَّينَبيِّ على جلالة قدره
…
خُلُقٌ كقَطْرِ الماء غيرُ مُزنّدِ
وشهامةٌ تُقْصِي اللُّيُوثَ إذ سَطا
…
ونَدىً يُغَرِّقُ كلَّ بحرٍ مُزْبِدِ
يحتلُّ بيتاً في ذُؤابةِ هاشمٍ
…
طالتْ دعائِمُهُ محلَّ الفَرْقَدِ
حُرٌّ يَروحُ المستميحُ ويغْتدي
…
بمواهِبٍ منه تروح وتغتدي
وإذا تحيَّفَ مالَهُ إعْطاؤهُ
…
في يومه نهك البقِيَّةَ في غَدِ
بضِياءِ سُنَّتِهِ المكارِمُ تهْتدِي
…
وبجودِ راحتِهِ السَّحائِبُ تقتدي
مِقدارُ ما بيني وما بينَ الغِنى
…
مِقدارُ ما بيني وبين المِرْبَدِ
وكان صاحب ابن دُريْد القائم مقامه بالبصرة قي التأليف والإملاء، وفيه قيل: مجزوء الكامل
إنَّ المُفَجَّعَ وَيْلهُشَرُّ الأوائِلِ والأواخِرْ
ومن النَّوادرِ أنَّهُ
…
يُمْلِي على الناس النَّوادرْ
وشعره قليل جداً، وديوانه كثير الحلاوة، ويكاد يقطر منه ماء الظّرْفِ، حكى أبو بكر الخوارزمي قال: قال لي اللحام: أنشدني المفجّع لنفه: خفيف
لِيَ أَيْرٌ أَراحَني الله منه
…
صارَ هَمّي به عَريضاً طَويلا
نام لمَّا رأى الحبيب عَياناً
…
ولعهدى به ينيك الرَّسولا
حُسِبَتْ زَوْرةٌ عليَّ لِحَيْني
…
وافترقنا وما شَفَيْتُ غليلا
وللمفجَّع في غلام له اسمه أبو سَعْد: خفيف
زفراتٌ تَعْتادُني عند ذِكْرَا
…
ك وذكراك ما تريمُ فؤادي
وسروري قد غاب عني مذ غِبْ
…
تَ فهل كنتما على ميعادِ؟
حاربتني الأيامُ فيكَ أبا سَعْ
…
دٍ بسيف الهَوى وَسهْمِ البِعادِ
ليس لي مَفزَعٌ سوى عَبراتٍ
…
من جفونٍ مكحولةٍ بالسُّهادِ
في سهادي لِطول أُنسي بذكرا
…
كَ اعتياضٌ من الكَرى والرُّقادِ
وبحسْبي من المصائب أني
…
في بلادٍ وأنتمُ في بلاد!
وله: هزج
أَلا يا جامع البَصْر
…
ة لا خرَّبَك الله
وأسقى صحنَك الغَيْثُ
…
من المُزْنِ فَروَّاهُ
فكم من عاشقٍ فيك
…
يرى ما يتمناه
وكم ظبيٍ من الإنس
…
مَليحٍ فيك مرْعاهُ
نصبنا الفخَّ بالعِلم
…
له فيك فَصِدْناه
بقرآنٍ قرأناهُ
…
وتفسير رويْنَاهُ
وكم من طالبٍ للشِّع
…
رِ بالشعر طلَبْناه
فما زالتْ يَدُ الأيَّا
…
م حتى لان مَتناهُ
وحتى ثُبِّت السَّرْجُ
…
عليه فركِبْناهُ
أَلا يا طالِب الأمْر
…
د كَذِّبْ ما ذكرناهُ
فلا يُغْرُرْكَ ما قلنا
…
فما بالجِدِّ قلناهُ
ولو كان من البُغْض
…
يزنِّي حين تلْقاهُ
فزُجَّ الدِّرهم الضَّرْب
…
إليه يتلاقاه
فبالدِّرهم يُستنز
…
لُ ما في الجوّ مأواه
وبالدرهم يُستخر
…
جُ ما في القفر مَثواهُ
وله في غلام مُغَنِّ جُدِّرَ فازداد حُسناً: سريع
يا قَمَراً جُدِّر حين استوى
…
فزادَهُ حُسناً وزادت همُومْ
كأنّما غنّىَ لِشمسِ الضُّحى
…
فَنَقَّطَتْهُ طَرَباً بالنُّجُومِ
ومن هجوه: سريع
فَسَا على قَوْمٍ فقالوا لهُ:
…
إن لم تَقُمْ من بَيْننِا قُمنا
وقال: لا عُدْتُ! فقالوا له:
…
من نَتْنِ فيهِ: ذاك ما كُنّا
وله: وافر
أداروها ولِلَّيْل اعْتِكارُ
…
فخِلْتُ اللّيلَ فاجأهُ النّهارُ
فقلتُ لصاحبي والليلُ داجٍ:
…
ألاحَ الصُّبح أم بدت العُقَارُ؟
فقال: هي العُقَار تدَاولوهَا
…
مُشَعْشَةً يطير لها شرارُ
فلولا أنّني أمتاحُ منها
…
حلَفْتُ بأنها في الكأس نارُ
وذكره أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم عبد المجيد بنُ بُشْران بن إبراهيم بن العباس بن محمد بن العباس بن محمد بن جعفر الأهوازي في تاريخه فقال: ففيها - يعني سنة سبع وعشرين وثلاثمائة - توفي أبو عبد الله كل محمد أبن أحمد بن عبد الله المفجّع الكاتب الشاعر، وكان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة، فيُكتَب عنه ويُقرَأ عليه الشعر واللغة والمصنفات، وامتنع من الجلوس مدة لسبب لحِقَهُ من بعض من حضره، فخُوطب في ذلك فقال:" لو استطعت أن أُنسيهم أسماءهم لفعلت " وشعره
مشهور، فمنه وقد دامت الأمطار وقطعت عن الحركة، قوله: مجزوء بسيط:
يا خالق الخلق أَجمعينا
…
وواهب المال والبنينا
ورافعَ السَّبْعِ فوق سَبْع
…
لم تستعن فيهما مُعينا
ومن إذا قال: كُنْ لشيءٍ
…
لم تقع النون أو يكونا
لا تسقِنا العام صوب غيثٍ
…
أكثر من ذا فقد رَوينا
وله في يخاطب أبا عبد الله البريديَّ، وقد أعاد عليه ذكر سبب مجزوء الخفيف.
قُل لِمن كان قد عفا
…
عن ذنوب المُفَجَّعِ
لا تُعِدْ ذِكْر ما مضَى
…
مَن عَفا لم في يُقَرِّعِ
وله وقد سأال بعض أصدقائه إيصال رُقعةٍ وشعر له بتهنئة في مهرجان إلى بعضهم، فقصَّر حتى مضى المهرجان: كامل.
إن الكتاب وإِن تضمَّنَ طيُّه
…
كنْهَ الفصَاحة كالفصيح الأخرس
وإذا أعانته عناية حاملٍ
…
فجوابه يأتي بنجح منفس
وإذا الرسول ونى وقصَّر عامداً
…
كان الكتاب صحيفة المتلمِّس
قد مات يوم المِهرجان فذكره
…
في الشعر أبرد من سخاء المفلِس
فسئل عن سخاء المفلس فقال: يعِد في إِفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه، قال وأنشدني أبو عبد الله الاذوائي قال: دخل يوماً إلى القاضي
أبي القاسم علي بن محمد التَّنُوخي، فوجده يقرأ " معاني الشعر " على العُبَيسي فقال: رجز.
قد قُدِّم العُجْب على الرُّويْس
…
وشارف الوهْدُ أبا قُبَيْس
وطاول البَقْل فروع الميس
…
وهَبَّت العنز لقرع التيس
وادَّعت الرُّوم أباً في قيس
…
واختلط الناس اختلاط الحيس
إذْ قرأ القاضي حَليف الكيْس
…
" معاني الشعر " على العُبيسي
وألقى ذلك إلى التنوخيِّ وانصرف، قال: وكان أبو عبد الله الاكفاني راويته، وكتب لي من مليح شعره شيئاً كثيراً، قال: ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاءً فكتب إليه: منسرح
لو أعْرض الناس كلُّهم وأبوْا
…
لم ينقُصوا رزقي الذي قُسما
كان ودادٌ فزالَ وانصرما
…
وكان عهد فبان وانهدما
وقد صحِبنا في عصرنا أُمماً
…
وقد فقدنا من قبلهم أمما
فما هلكنا هزلا ولا ساخت ال
…
أَرض ولم تقطر السماء دما
في الله من كل هالكٍ خلفٌ
…
لا يرهب الدهر من به اعتصما
حرٌّ ظنَّنا به الجميل فما
…
حقَّق ظنَّاً ولا رعى الذمما
فكان ماذا؟ ما كلُّ معتمد
…
عليه يرْعى الوفاء والكرما
غلطت، والناس يغلطون وهل
…
تعرف خلقاً من غلطة سلما؟
من ذا يخطي السَّداد فيه فلم
…
يعرف بذنب ولم يزل قَدَما!
شلَّت يدي لِمْ جلست عن تفهٍ
…
أكتُب شجوي وأمتطي القَلَما؟
يا ليتني قَبْلَها خرست فلَمْ
…
أُعمِل لساناً ولا فتحت فَما
يا زلَّةً ما أُقِلْت عَثْرتَهَا
…
أَبْقَتْ على القلْب والحَشا أَلَمَا
يا ربّ يا رب لا أَعودُ لَهَا
…
إن عدت فاشعر مسامعي صَمَمَا
مَنْ راعَهُ بالهَوان صاحبُهُ
…
فعاد فيه فَنَفَسه ظلَما
وله مجزوء البسيط
أَظْهرْتُ للرِّئم بعض وجدي
…
وإنما الكوت ما سَترْتُهْ
وقلتُ: حُبِّيك قد براني
…
فقال: دعه بذا أَمرْتُهْ
وله قصيدته " ذات الأشباه " وسميت بذات الأشباه لقصده فما ذكره فيها من الخبر الذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزُّهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (وهو في محفل من أصحابه: " إن أحببتم أن تنظروا إلى آدم في عِلْمِه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خُلُقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سِنِّه، ومحمد في هَدْ يه وحِلْمه، فانظروا إلى هذا المُقبِل "، فتطاول الناس، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام، فأورد المفجع ذلك في قصيدته، وفيها مناقب كثيرة، وأوّلها: خفيف
أيها اللائمي لحُبي علِياً
…
قُم ذميماً إلى الجحيم خزياَّ
أبخير الأنام عرَّضْت لا زلْ
…
ت مذوداً عن الهُدى مَزْويَّا
أشبه الأنبياء كهْلاً وزوْلاً
…
وفطيماً وراضِعاً وغذيَّا
كان في عِلمِه كآدم إذ عُ
…
لِّم شرْح الأسماء والمكْنِيَّا
وكنوحٍ نجّى من الهُلْك مَنْ سَيّ
…
رَ في الفُلْك إذ عَلا الجوديَّا
وجفا في رضا الإله أباهُ
…
واجتواه وعدَّه أجنبيَّا
كاعْتزال الخليل آزر في ال
…
له وهجرانه أباه مَلِيَّا
ودعا قومَه فآمن لوطٌ
…
أقربُ الناس منه رحْماً وريَّا
وعَليّ لمَّا دعاهُ أخُوه
…
سَبق الحاضرين والبدويَّا
وله من أبيه ذي الأيد إسما
…
عيل شِبْهٌ ما كان عنّي خفيَّا
إنه عاون الخليل على الكع
…
بة إذْ شاد ركنها المبنيَّا
ولقد عاون الوصيُّ حبيب ال
…
له إذ يغسلان منها الصفيَّا
رام حمل النبي كي يقلع الأص
…
نام من سطحها المثول الحُبيَّا
فحناه ثقل النبوة حتى
…
كاد ينآد تحته مثنيَّا
فارتقى منكِب النبي عليٌّ
…
صِنْوُه ما أجلَّ ذا المرتقيَّا
فأماط الأوثان عن ظاهر الكع
…
بة ينفي الأرجاس عنها نفيَّا
ولو أن الوصيَّ حاول مسَّ الن
…
جْم بالكفِّ لم يجدْه قصيَّا
أفهل تعرفون غير عليٍّ
…
ابنه استرحل النبي مطِيَّا؟
ومن مُلِح المفجع المشهورة قوله لإنسان أهدى إليه طبقاً فيه قصب السكر والأترنج والنارنج، قال الثعالبي: وأراه أبا سعدٍ غلامه: مجزوء الرمل
إنَّ شيطانك في الظَّرْ
…
فِ لشيطانٌ مريد
فلِهاذا أنت فيه
…
تبتدي ثم تعيد
قد أتتنا تحفة مِن
…
ك على الحسن تزيد
طبقٌ فيه قدودٌ
…
وخُدودٌ ونُهود
وقوله: خفيف
سيّدي أنت إن عبدك أمسى
…
خافقاً قلبه خفوق الجناح
فاغتنم غفل الرّقيب وزُرْه
…
في رداء من الدُّجى ووشاح
وشعر أبي عبد الله المفجع حسن، وكان يوماً بالأهواز جالساً مع جماعة، فاجتاز به غلام لموسى بن الطيب نديم أبي عبد الله البريدي يقال له طريف وهو أمردٌ مليح، فسأل المفجع عنه، فقيل له: هذا غلام نديم البريدي، فقال: المنسرح
اجتاز بي اليوم في الطريق فتى
…
يختال في مورق من البان
فقلت: من ذا؟ فقال لي خبِرٌ
…
بالأمر: هذا غلام صفعان
ولأبي عبد الله في جماعة من أهل الأهواز مدائح كثيرة، وأهاج وله قصيدة في أبي عبد الله بن درستويه يرثيه وهو حي ويلقبه بدهن الآجر، قال: وكان أبو عبد الله المفجع يكثر عند والدي رحمه الله ويطيل المقام عنده، وكنت أراه عنده وأنا صبي بالأهواز، وله إليه مراسلات، وله فيه مدائح كثيرة كنت جمعتها فضاعت أيام دخول