الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
70 - محمد بن إابراهيم الأسدي، أبو عبد الله
من أهل مكة، نشأ بالحجاز وترعرع بها، وبرع بين أهلها، ولقي أبا الحسن التهامي في صباه، وقد كان نبغ في الشعر، فتصدى لمعارضته وحدث نفسه بمقارضته، ومما قاله من الشعر، وهو لم يفارق بعد مسقط رأسه، قوله: بسيط:
قف بالمحصَّب واسأل أيها الرجل
…
تلك الرسوم عن الأحباب ما فعلوا
همُ أقاموا لعهدي في ديارهمُ
…
أم صرفتهم صروف الدهر فاحتملوا؟
فما أُسائلُ عن آثارِهم أحداً
…
إلا أجاب غراب البين: قد رَحلوا
وخرج الأسدي هذا من مكة، وهو بعد لم تخلق نضارة شبابه، ودخل اليمن وأقام بها برهة من الزمان، يساير رفاق المنى في طرق الهوى، وعلق بها جارية تسمى رشادة، ولم تطل الأيام حتى ابتلى بفراقها وحملها بعض التجار إلى بغداد، فقال من قصيدة: بسيط:
لما استقلَّتْ مطايا صاحبيَّ ضحىتخدى من العدوة القصوى لدى اليمن ناديتهم وبنات الشوقِ في خَلديرقصن رقص المطايا الوُفَّد البُدُنِ:
بالله ربِّكما إن جئتما عدَنا
…
فحيِّيا منزلي بالسيف من عَدَن
ثم خرج من اليمن متوجهاً إلى العراق، وغصن شبابه بعد رطيمب، وبُرْدُ آدابه كما عهد قشيب، وأتصل بخدمة الوزير الكامل أبي القاسم المغربي وحظي عنده، وامتدحه بقصائد منها قصيدة مطلعها: طويل:
سلامي وَداعٌ والوَداع سلام
…
أما آن أن يقضى لديك ذِمامُ؟
أيا ربَّة البيت المهان نزيله
…
إذا عزَّ عند الأكرمين كِرامُ
ثم اتفقت له فيئة نحو الحجاز، ولم تطل أيامه بها حتى أخذ في السفر، وصار خدعة الحضر، يُنجد ويُتهم، ويُعرق ويُشئم، ويُصحر ويُبحر، ويُدلج ويُسحر، وذكره يسير أمامه فيوري زناده، وفضله يطلع معه فيبسط له مهادَه، حتى نوّر غصن عمره، وعَلا غُبار وقائع دهره، فورد خراسان، وانحاز إلى الوزير علي بن شاذان، ولم تطب أيامه عنده، فامتد منها إلى غَزْنَة: وذلك في سنة ست وأربعين وأربعمئة، وأقام بها إلى حين وفاته. كتب إليّ أبو الضياء الشذباني، أنبأنا السمعاني في كتابه قال: وذكر صديقنا أبو العلاء محمد بن محمود القاضي الغزنوي رحمه الله قال: قرأت بخطّ محمد بن إبراهيم الأسدي المكي أنه لما صار مع رفقائه إلى أبي سهل الجنبُذي، وهو إذ ذاك زمام الملك وإمام الديوان، تحفَّى به وتلطف له، وأخذ يسأله عن أهل البادية، ومن بلغ إلى قرض الشعر منهم، وكان يستنشده ملح أشعارهم، ويتعرفه لمح أخبارهم، حتى ذكر: أنه بلغني ذكر فتى من بني أسد يقال له محمد بن إبراهيم، ثم أنشدت قوله: طويل:
تقضَّى الصبى عني وولَّت شبيبتي
…
وأنفضتُ والطاوي المراحل ينفضُ
وما هذه الأيام إلاّ مراحل
…
وما الناس إلا راحلٌ فمقوِّضُ
كأنّ الفتى يبني أوان شَبابِه
…
ويهدم في حال المشيب وينقُضُ
فلا لحمَ إلاّ وهو منه مُرَهَّلُ
…
ولا عظم إلا وهو منه مُرَضضُ
فتبسم في وجهه وقال: إنه وافدك المسلم ببابك، المنيخ في جنابك، وواجهه بقصيدته الفريدة التي مطلعها: وافر:
ديار الحيّ أبن هم قطون؟
…
أنعمانُ الأراك أم الحَجون؟
ثم سأله تعيين قصيدة يساجل قائلها في معارضتها، فقال أبو سهل: أتروي شعر الفرزدق؟ قال: نعم! قال: فأين أنت من قوله: طويل:
وماذا عسى الحَجاج يبلغ جهدُه
…
إذا نحن جاوزنا حفير زيادِ
فاعتزل الأسديُّ القوم واحضر البياض، وأنشأ قصيدة في الحال أخذت بمجاميع قلبه وهي: طويل:
أيا ظبية الوعساء من جانب الحمى
…
سقى عهدك الماضي سِجال عهادِ
وجاد مغانيك الخوالي وأهلَها
…
روائحُ من ركب الجياد غوادي
ولما أكمل القصيدة وناوله سوادها، أقبل عليه وارتبطه لنفسه واحتضنه بمجلسه، فاختصّه بمجلسه، ومع ذلك كان يستزيده، فلا تبلغ كثرة إحسانه ما يريده، حتى قال فيه: طويل:
كفى حَزناً أني خدمتك برهة
…
وأنفقتُ في مدحيك شرخ شبابي
فلم يُروَ لي شكرٌ بغير شكايةٍ
…
ولم ير لي مَدحٌ بغير عتابِ
وبلغ من وفورحفظه أنْ عمل " الديوان المنصوري " باسم العميد منصور بن سعيد في تذييل كتاب " الحماسة " لأبي تمام الطائيّ وتكميل تلك القطع، قصائد ساحبة الذيل حتى أَربى أبياتها على مئة ألف بيت، ومن بديع شعره: خفيف: