المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب شروط القصاص - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌باب شروط القصاص

‌باب شروط القصاص

قال المصنف رحمه الله: (وهي أربعة: أحدها: أن يكون الجاني مكلفاً. فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما. وفي السكران وشبهه روايتان أصحهما وجوبه عليه).

أما كون شروط القصاص أربعة؛ فلأنه يشترط فيه كون الجاني مكلفاً، وكون المجني عليه مكافئاً للجاني، وكون المقتول معصوماً، [وكون الجاني غير أبي المجني عليه. وتلك أربعة شروط.

وأما كون أحد شروط القصاص: أن يكون] (1) الجاني مكلفاً؛ فلأن القصاص عقوبة وغير المكلف ليس محلاً لها (2).

وأما كون الصبي والمجنون لا قصاص عليهما؛ فلأن التكليف من شروطه وهو مفقود فيهما. وقد نبّه الشرع على عدم مؤاخذتهما حيث قال: «رُفِعَ القلمُ عن ثلاث: عن الصبي حتي يبلُغ، وعن المجنون حتى يُفيق

» (3).

وأما كون السكران فيه روايتان؛ فلأن النظر إلى التغليظ عليه يقتضي كون القصاص عليه، والنظر إلى أنه زائل العقل يقتضي أن لا يكون ذلك عليه؛ لأنه كالصبي والمجنون في ذلك.

وأما كون أصح (4) الروايتين وجوبه عليه؛ فلأن فعله معصية فلا يناسب سقوط القصاص.

(1) ساقط من أ. وذكر بعد ذلك جملة: أما كون الجاني.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (4403) 4: 141 كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1423) 4: 32 كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد.

(4)

ساقط من أ.

ص: 30

وأما كون شبه السكران كمن زال عقله بسبب غير معذور فيه كمن يشرب الأدوية المخيفة فيزول عقله فيه روايتان كالسكران؛ فلأنهما سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

ص: 31

فصل [الشرط الثاني]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني. وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق. فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله، ويُقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر في الصحيح عنه. وعنه: يعطى الذكر نصف الدية إذا قُتل بالأنثى. وعنه: لا يُقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما. ولا عمل عليه).

أما كون الثاني من شروط القصاص: أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني؛ فلأن المجني عليه إذا لم يكن مكافئاً للجاني يكون أخذه به أخذاً (1) لأكثر من الحق.

وأما كون مكافأة المجني عليه الجاني أن يساويه في الدين والحرية أو الرق (2): أما في الدين؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمنونَ تتكافَأُ دماؤُهم ويسعى بذمَّتِهمْ أدناهُم. لا يُقتلُ مؤمنٌ بكافر» (3). رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

وروى البخاري وأبو داود: «لا يُقتلُ مُسلمٌ بكافر» (4).

وعن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنةِ أن لا يُقتل مؤمن بكافر» (5). رواه الإمام أحمد.

ولأن الكافر منقوص بالكفر. فلا يقتل به المسلم؛ كالمستأمن.

(1) في أ: أخذاً به.

(2)

في أ: والرق.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2751) 3: 80 أول كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر.

وأخرجه النسائي في سننه (4735) 8: 20 كتاب القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس.

وأخرجه أحمد في مسنده (959) 1: 119.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (111) 1: 53 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

وأخرجه أبو داود في سننه (2751) 3: 80 أول كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر.

(5)

أخرجه الدارقطني في سننه (160) 3: 133 كتاب الحدود. ولم أره في أحمد.

ص: 32

فإن قيل: عموم الآيات والأخبار الدالة على قتل المسلم بالمسلم شاملة لقتل المسلم بالكافر.

قيل: يجب تخصيصها بما ذكر.

فإن قيل: فقد روى ابن البيلماني «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقادَ مسلماً بذمي. وقال: أنا أحقُ من وفَى بذمَّتِه» (1).

قيل: قال الإمام أحمد: ليس له إسناد.

وقال أيضاً: هو مرسل.

وقال الدارقطني: ابن البيلماني ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل.

وأما في الحرية أو الرق؛ فلما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنةِ أن لا يُقتل حرٌ بعبد» (2).

وعن ابن عباس (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُقتلُ حرٌ بعبد» (4). رواه الدارقطني.

ولأنهما شخصان لا يجري القصاص بينهما في الأطراف السليمة. فلم يجر في النفس؛ كالأب مع ابنه.

ولأنه منقوص بالرق. فلم يقتل به الحر؛ لرجحانه عليه بوصف الحرية.

وأما كون كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد يقتل بمثله؛ فلحصول المكافأة بينهما.

وأما كون الذكر يقتل بالأنثى؛ فلعموم قوله تعالى: {أن النفس بالنفس} [المائدة: 45].

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتلَ يهودياً رضخَ رأسَ جاريةٍ من الأنصارِ. وأمرَ أن يُرضخَ رأسُه بين حجرين» (5).

وفي كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: «وأنّ الرجلَ يُقتلُ بالمرأة» (6).

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 31 كتاب الجنايات، باب بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر وما جاء عن الصحابة في ذلك.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (160) 3: 133 كتاب الحدود.

(3)

في د: العباس.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (158) 3: 133 كتاب الحدود.

(5)

سبق تخريجه ص: 9

(6)

سيأتي تخريجه ص: 112

ص: 33

ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهما بقذف الآخر فقتل به (1)؛ كالرجل بالرجل (2).

وأما كون الأنثى تقتل بالذكر فبطريق الأولى؛ لأنها دونه.

وفي قول المصنف رحمه الله: في الصحيح عنه: نظر؛ لأنه مشعر بالخلاف فيما تقدم ولا خلاف في قتل الأنثى بالذكر بحال ولا في قتل الذكر بالأنثى في نفسه وإنما الخلاف في إعطاء ورثة الذكر إذا قتل بالأنثى نصف الدية. وإنما لم يعط ذلك في روايةٍ لأن ما تقدم ذكره دل على ذكر القصاص من غير تعرض إلى إعطاء شيء. وإنما يعطاه في روايةٍ لأن عقلها نصف عقله. فوجب أن يُعطى ما ذكر؛ ليحصل التساوي.

والأول أصح لما تقدم واختلاف العقل لا أثر له. بدليل قتل الجماعة بالواحد، وقتل العبد بالعبد المختلفي القيمة.

وأما كون العبد لا يقتل بالعبد إذا لم تستو قيمتهما في روايةٍ؛ فلأن العبد يرجح فيه جانب المال. فوجب أن لا يقتل إلا بمثله.

والمذهب الأول؛ لأن الله تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} [البقرة: 178].

ولأن تفاوت القيمة بمنزلة التفاوت في الفضائل. فوجب أن لا يمنع من القصاص؛ كالعلم والشَّرف ونحوهما.

قال: (ويقتل الكافر بالمسلم، والعبد بالحر، والمرتد بالذمي وإن عاد إلى الإسلام. نص عليه).

أما كون الكافر يقتل بالمسلم؛ فلما تقدم من قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي لقتله الجارية المسلمة الأنصارية (3).

ولأن المسلم أكمل منه.

(1) ساقط من د.

(2)

ساقط من أ.

(3)

سبق ذكره وتخريجه ص: 9

ص: 34

ولأن الكافر إذا قتل بمثله. فلأن يقتل بالمسلم بطريق الأولى.

وأما كون العبد يقتل بالحر؛ فلأن الحر أكمل منه. أشبه قتل الكافر بالمسلم.

وأما كون المرتد يقتل بالذمي؛ فلأن المرتد كافر يقتل بالذمي كالأصلي.

ولأن المرتد أسوأ حالاً من الذمي؛ لأنه مهدر الدم. بخلاف الذمي.

فعلى هذا لا فرق بين أن يبقى على ردته أو يعود إلى الإسلام لأن الاعتبار بالقصاص بحال الجناية. وحالة المرتد والذمي فيها (1) سواء بالنسبة إلى نفس الكفر.

قال: (ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد؛ إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح: فإنه يقتل به).

أما كون المسلم لا يقتل بالكافر والحر لا يقتل بالعبد إذا لم يقتله وهو مثله

إلى آخره؛ فلما تقدم من عدم مكافأة أحدهما صاحبه.

وأما كونه يقتل به إذا قتله وهو مثله، أو جرحه ثم أسلم القاتل أو الجارح، أو يعتق العبد ويموت (2) المجروح؛ فلأن المكافأة تعتبر عند القتل والجرح، وهو في تلك الحال مكافئ.

فإن قيل: لم اعتبرت المكافأة عند ذلك؟

قيل: لأن القصاص عقوبة. فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب دون حالة الاستيفاء؛ كالحدود.

ولأن القصاص حق وجب عليه قبل إسلامه وعتقه. فلم يُسقطه الإسلام؛ كسائر الحقوق.

فإن قيل: قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُقتلُ مُسلمٌ بكافر» (3). وهذا مُسْلم.

قيل: يحمل ذلك على المسلم إذا قتل الكافر ابتداء.

(1) في أ: وحالتا المرتد والذمي فيهما.

(2)

في أ: أو يموت.

(3)

سبق تخريجه ص: 32

ص: 35

قال: (ولو جرح مسلم ذمياً أو حر عبداً ثم أسلم المجروح وعتق ومات: فلا قود وعليه دية حر مسلم في قول ابن حامد، وفي قول أبي بكر عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده).

أما كون الجارح فيما ذكر لا قود عليه؛ فلأن المكافأة معدومة حالة الجناية.

وأما كونه عليه الدية؛ فلأن القود إذا تعذر تعينت الدية.

وأما كونها دية حر مسلم في قول ابن حامد؛ فلأن الاعتبار في الدية بحال استقرار الجناية. بدليل ما لو قطع يدَي رجل ورجلَيه فتسري إلى نفسه: ففيه دية واحدة اعتباراً لحال استقرار الجناية لأنه لو لم يعتبر ذلك وجب ديتان.

وأما كونها في الذمي دية ذمي، وفي العبد قيمته لسيده في قول أبي بكر؛ فلأن كل واحد من الذمي والعبد يجب بقتله ذلك وهو ذمي أو عبد حال الجناية. فكذلك إذا أسلم أو أعتق.

قال: (وإن رمى مسلم ذمياً عبداً فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية. ذكره الخرقي. وقال أبو بكر: عليه القصاص).

أما كون الرامي المذكور لا قود عليه على ما ذكره الخرقي؛ فلأن القاتل لم يقصد إلى نفس مكافئة له حال الرمي. فلم يجب عليه قود؛ كما لو رمى حربياً أو مرتداً فأسلم.

فعلى هذا يجب بذلك دية حر مسلم إذا مات من الرمية؛ لأن القود إذا تعذر تعينت الدية.

وأما كونه عليه القصاص على قول أبي بكر؛ فلأنه قتل مكافئاً له ظلماً عمداً. أشبه ما لو كان حال الرمي كذلك. يحققه أن الاعتبار بحال الإصابة. بدليل ما لو رمى مسلماً فلم يصبه حتى ارتد أو مات فإنه لا يلزمه شيء. ولو اعتبر حال الرمي لوجب القود؛ لأنه مكلف حينئذ.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ص: 36

وأما كونه مكافئاً فغير مُسَلَّم؛ لأنه (1) لا يكافئه حال الرمي.

قال: (ولو قتل من يعرفه ذمياً عبداً فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص. وإن كان يعرفه مرتداً فكذلك. قاله أبو بكر. قال: . ويحتمل أن لا يلزمه إلا الدية).

أما كون من قتل من يعرفه ذمياً عبداً عليه القصاص إذا بان المقتول مسلماً حراً؛ فلأنه قتلٌ عمدٌ عدوانٌ لمكافئ له. فلزم فاعله القصاص؛ كما لو كان معروفاً بالإسلام والحرية.

وأما كون من قتل من يعرفه مرتداً كذلك على قول أبي بكر؛ فلما تقدم.

وأما كونه يحتمل أن لا يلزمه إلا الدية على ما قاله أيضاً؛ فلأن الارتداد سلطه عليه. فلم يُناسب وجوب القصاص، ووجبت الدية؛ لئلا يفوت القصاص لا إلى بدل. وهذا الاحتمال وجه لبعض الأصحاب.

فإن قيل: لم ذكر المصنف رحمه الله ذلك احتمالاً؟

قيل: لعله لم يحضره وقت كتابة ذلك الوجه المذكور.

(1) ساقط من أ.

ص: 37

فصل [الشرط الثالث]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: أن يكون المقتول معصوماً. فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن وإن كان القاتل ذمياً).

أما كون الثالث (1) من شروط القصاص أن يكون المقتول معصوم الدم؛ فلأن القصاص إنما شرع حفظاً للدماء المعصومة وزجراً عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها، وذلك كله مفقود في غير المعصوم.

وأما كون القصاص لا يجب بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن؛ فلأن من شروطه عصمة الدم، وذلك منتف في كل واحد منهم: أما في الحربي فظاهر. وأما في المرتد؛ فلأن قتله واجب إلا أن يرجع. وأما في الزاني المحصن؛ فلأنه استحق الرجم بزناه.

وأما قول المصنف رحمه الله: وإن كان القاتل ذمياً؛ فتنبيه على مساواة الذمي المسلم في ذلك؛ لأن القتل منهما صادف محلاً غير معصوم.

قال: (ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربياً فأسلم قبل أن يقع به السهم: فلا شيء عليه).

أما كون من ذكر لا شيء عليه؛ فلأن الاعتبار في التضمين بحال ابتداء الجناية؛ لأنها الموجبة. وحالها لم يكن كل واحد من الحربي والمرتد المجني عليهما أهلاً لأن يُضمن. فلم يكن على الجاني شيء؛ لفوات الأهلية المشروطة لوجوب الضمان.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا قصاص على الجاني ولا دية. وهو صحيح؛ لأن المحل ليس أهلاً لواحد منهما لما تقدم.

(1) في د: الثاني.

ص: 38

وأما قول المصنف رحمه الله: مسلم أو ذمي؛ فبيان لمساواة الذمي المسلم فيما ذكر. وقد تقدم دليله.

قال: (وإن رمى مرتداً فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص، وفي الدية وجهان).

أما كون ما ذكر لا قصاص أي فيه؛ فلما ذكر من أن الاعتبار بحال الجناية.

وأما كونه (1) لا دية فيه في وجهٍ؛ فلما ذكر في القصاص.

وأما كونه فيه الدية في وجهٍ؛ فلأن الرامي (2) مفرط حيث رمى المرتد وليس له رميه. بخلاف الحربي.

قال: (وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين، وفي الآخر يجب القصاص في الطرف أو نصف الدية. وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في النفس في ظاهر كلامه. وقال القاضي: إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص فيه).

أما كون القاطع المذكور لا قصاص عليه في النفس إذا ارتد المقطوع ومات مرتداً؛ فلأن الارتداد قطع (3) حكمَ السراية.

وأما كونه لا قصاص عليه في الطرف في وجهٍ إن كان القطع عمداً؛ فلأن قطع اليد تبين أنه موجب للقصاص. فلم يكن موجباً للقطع، والقتل قد (4) سقط بالارتداد.

وأما كونه يجب عليه القصاص في الطرف في وجهٍ؛ فلأن المجني عليه حال القطع كان مكافئاً والقتل بسبب القطع غير موجب للقصاص هنا. فوجب القطع؛ لانتفاء إفضائه إلى القصاص في النفس.

وأما كونه لا دية عليه في وجهٍ إن كان القطع خطأ، وكونه يجب عليه نصف الدية في وجهٍ؛ فلما ذُكر في القصاص.

(1) في د: كون.

(2)

في د: الذمي.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: وقد.

ص: 39

وأما كون القصاص في النفس يجب على القاطع إذا عاد المرتد المقطوع إلى الإسلام ثم مات في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن الجاني والمجني عليه متكافئان في حال الجناية (1) والموت. فوجب القصاص؛ كما لو لم يرتد.

وأما كونه لا قصاص فيه في قول القاضي إذا كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية؛ فلأن القصاص يجب بالجناية من كل السراية. فإذا لم يوجد جميعها في حال الإسلام امتنع وجوبها في حال القصاص؛ كما لو عفى بعض المستحقين. ولهذا لو وجدت الردة في أحد الطرفين لم يجب القصاص.

(1) في أ: الحياة.

ص: 40

فصل [الشرط الرابع]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: أن لا يكون أباً للمقتول. فلا يقتل الوالد بولده وإن سفل. والأب والأم في ذلك سواء. ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين).

أما كون الرابع من شروط القصاص أن لا يكون أباً للمقتول فإنه لو لم يكن من شروطه لقتل به لما تقدم ذكره، واللازم منتف لما يأتي.

وأما كون الوالد لا يقتل بولده؛ فلما روى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُقتلُ والدٌ بولدِه» (1). رواه ابن ماجة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنتَ ومالُكَ لأبيكَ» (2). فحقيقته كونه ملكاً له فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص؛ لأنه يُدرأ بالشبهات.

ولأن الوالد سبب إيجاده فلا ينبغي أن يتسلط الولد على إعدام من تسبب في إيجاده.

وأما قول المصنف رحمه الله: وإن سفل؛ فمعناه وإن نزل. أي لا يقتل الوالد بولده وإن نزل لأن الجد وإن علا والد. فيدخل في الحديث.

ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة. فاستوى فيه القريب والبعيد؛ كالمحرمية والعتق عليه إذا ملكه.

ولأن المعنى الذي امتنع قتل الوالد القريب بولده موجود بعينه في البعيد. فوجب تساويهما في الحكم.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2662) 2: 888 كتاب الديات، باب لا يقتل الوالد بولده.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2291) 2: 769 كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده.

وأخرجه أحمد في مسنده (6902) 2: 204.

ص: 41

وأما كون الأب والأم في ذلك سواء؛ فلأن الأم أحد الوالدين. فتدخل في عموم قوله عليه السلام: «لا يُقتلُ والدٌ بولده» (1).

ولأنها أولى بالبر. فتكون أولى بنفي القتل عنها.

وعن الإمام أحمد: لا يسقط القتل عن الأم لأن الأب يختص بأشياء. فليكن نفي القتل منها قياساً له عليها.

والمذهب الأول؛ لما تقدم.

فعلى هذا الجدة وإن علت من قبل الأم أو الأب كالأم؛ لما ذكر في الجد.

وأما كون الولد يقتل بكل واحد من أبيه وأمه في أظهر الروايتين فلظواهر الآي والأخبار وموافقة القياس.

وأما كونه لا يقتل بواحد منهما في روايةٍ؛ فلأنه ممن لا تقبل شهادته لهما لحق النسب. فلم يقتل بمن لا تقبل شهادته له؛ كالوالد مع ولده.

وأما كون الأول أظهر الروايتين؛ فلما تقدم.

ولأن كل واحدٍ من الأب والأم أعظم حرمة من الأجنبي وأوجب حظاً. فإذا قتل الشخص بالأجنبي. فلأن يقتل بأبيه وأمه بطريق الأولى.

فإن قيل: فقد روي عن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يُقادُ الأبُ من ابنه، ولا الابنُ من أبيه» (2). وروي عنه «أنه كان يقيدُ الابنَ من أبيه» (3).

قيل: هما حديثان لا يعرفان ولا يوجدان في الكتب المشهورة وإن كان لهما أصل فهما متعارضان فيجب تساقطهما والعمل بالنصوص الواضحة غيرهما.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في أزيادة: وروي: «من ابنه» .

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1399) 4: 18 كتاب الديات، باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا.

ص: 42

قال: (ومتى ورث ولده القصاص أو شيئاً منه أو ورث القاتل شيئاً من دمه: سقط القصاص. فلو قتل امرأته وله منها ولد أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده: سقط عنه القصاص).

أما كون من ورث ولده القصاص أو شيئاً منه يسقط القصاص؛ فلأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد، والولد لا يجب له قصاص على الوالد لأنه إذا لم يجب له بالجناية عليه. فلأن لا يجب له بالجناية على غيره بطريق الأولى.

وأما كون القاتل إذا ورث شيئاً من دمه يسقط القصاص؛ فلأنه لو لم يسقط لوجب القصاص له على نفسه، والقصاص لا يجب على من يجب له.

وأما كون من قتل امرأته وله منها ولد يسقط عنه القصاص؛ فلأن ولده ورثه لأنه وارثها ولا حق فيه للزوج لأنه قاتل والقاتل لا يرث.

وأما كون من قتل أخا امرأته (1) فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده يسقط عنه القصاص؛ فلأن امرأته ترث النصف إن كان الأخ لأبيها أو لأبويها والسدس إن كان لأمها إذا كان معها من يرث بقية المال والجميع إذا لم يكن معها أحد وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا؛ لأنه قال: فورثته، وذلك يقتضي استغراقها الإرث فلما ماتت ورث هو شيئاً من الدم أو ورث ولده ذلك أو جميع إرثها وكل ذلك يسقط القصاص.

وفي قول المصنف رحمه الله: فلو قتل امرأته بالفاء عقيب ما تقدم ذكره؛ تنبيه على أن الصور المذكورة من صور إرث الولد القصاص أو شيئاً منه، وقد تقدم تعليله.

فإن قيل: ورثته مشعر بأن امرأته ورثت جميع القصاص. وقوله بعد: فورثها ولده مشعر بأن الولد ورث الجميع فيكون كما تقدم في الصورة الأولى ولم يبق لإرث الولد شيئاً منه صورة.

قيل: إن حمل ذلك على ظاهره كان الأمر كذلك. وتصور إرث الولد شيئاً من القصاص بأن يكون لامرأته ولدان أحدهما منه والآخر من غيره، وإن حمل

(1) في أ: أخاً لامرأته.

ص: 43

على أن الأخت في الأغلب إنما ترث النصف كان ذلك من صور إرث الولد شيئاً من القصاص.

قال: (ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط: القصاص عن الأول؛ لأنه ورث بعض دم نفسه).

أما كون القصاص سقط عن القاتل الأول؛ فلما ذكر المصنف رحمه الله من التعليل.

وأما كونه ورث بعض دم نفسه؛ فلأن أخويه يستحقان دم أبيهما فإذا قتل أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول؛ لأنه أخوه.

فعلى هذا يستحق نصف دمه لأن دم الأب كان بين الأخوين نصفين. ضرورة أن القاتل لا يرث فإذا قتل أحد الأخوين أخاه انتقل إلى القاتل الأول جميع حقه. ضرورة أن أخاه القاتل لا يرث شيئاً، وذلك نصف دم الأب.

قال: (ولو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب: سقط القصاص عن الأول لذلك، وله أن يقتص من أخيه ويرثه).

أما كون القصاص يسقط عن الأول وهو قاتل الأب؛ فلما ذكر المصنف رحمه الله من التعليل المتقدم ذكره. وذلك أنه لما قتل أباه ورثه أخوه لأنه ابنه وأمه؛ لأنها زوجته فلما قتل الأخ أمه ورثهاأخوه قاتل الأب. فيجب أن يسقط عنه القصاص؛ لأنه ورث بعض دم نفسه وذلك ثمن دم الأب.

وأما كون قاتل الأب له أن يقتص من أخيه قاتل الأم؛ فلأن دم أمه لقاتل الأب خاصة. ضرورة أن قاتلها لا يرث منها شيئاً.

وأما كونه يرثه؛ فلأن القتل قصاص (1) لا يمنع الإرث وقد تقدم في باب ميراث القاتل.

قال: (وإن قتل من لا يُعرف وادعى كفره أو رقه، أو ضرب ملفوفاً فقدَّه وادعى أنه كان ميتاً وأنكر وليه، أو قتل رجلاً في داره وادعى أنه دخل يكابره

(1) في د: قصاصاً.

ص: 44

على أهله أو ماله فقتله دفعاً عن نفسه وأنكر وليه، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعاً عن نفسه: وجب القصاص، والقول قول المنكر).

أما كون من قتل من لا يُعرف وادعى كفره يجب القصاص عليه؛ فلأن الأصل عصمة الدماء فادعاؤه الكفر ادعاء مخالف للأصل. فلم يقبل قوله فيه وإذا كان كذلك كان قوله ذلك كعدمه. فوجب عليه القصاص؛ كما لو لم يدع كفره.

وأما كون من قتل من ذكر وادعى رقه يجب القصاص عليه؛ فلأن الأصل الحرية كما أن الأصل العصمة ودعوى الكفر لما لم تقبل لمخالفتها الأصل فكذا دعوى الرق.

وأما كون من ضرب ملفوفاً فقدَّه وادعى أنه كان ميتاً وأنكر وليه يجب القصاص عليه؛ فلأن الأصل الحياة. أشبه ما تقدم.

وأما كون من قتل رجلاً في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعاً عن نفسه وأنكر وليه ذلك يجب القصاص عليه؛ فلأن الأصل عدم ما يدعيه. وقد روي عن علي رضي الله عنه: «فيمن (1) وجد مع امرأته رجلاً فقتله: إن لم يأتِ بأربعةِ شهداءَ فليعطَ بِرُمَّتِه» (2).

وأما كون الاثنين إذا تجارحا وادعى كل واحد أنه جرح صاحبه دفعاً عن نفسه يجب القصاص عليهما؛ فلأن كل واحد منهما قاتل لصاحبه مدع عليه دعوى الأصل عدمها. فوجب أن يجب عليهما القصاص. عملاً بالأدلة المقتضية له السالمة عن معارضة الأصل.

(1) في د: فمن.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (27870) 5: 447 كتاب الديات، الرجل يجد مع امرأته رجلاً فيقتله.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 337 كتاب الأشربة، باب الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.

ص: 45