الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كفارة القتل
الأصل في كفارة (1) القتل الكتاب والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {ومن قَتَل مؤمنًا خطئًا فتحريرُ رقبة مؤمنة} [النساء: 92]، وقوله تعالى:{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ فَدِيةٌ مسلمةٌ إلى أهله وتحريرُ رقبة مؤمنة} [النساء: 92].
وأما الإجماع فأجمع أهل العلم على أن على القاتل خطأ كفارة.
قال المصنف رحمه الله: (ومن قتل نفساً محرمة خطأ، أو ما أجري مجراه، أو شارك فيها، أو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات: فعليه الكفارة. مسلماً كان المقتول أو كافراً، حراً أو عبداً. وسواء كان القاتل كبيراً عاقلاً أو صبياً أو مجنوناً. حراً أو عبداً. ويكفر العبد بالصيام. وعنه: أن على المشتركين كفارة واحدة).
أما كون من قتل نفساً محرمة خطأ عليه الكفارة؛ فلما تقدم من قوله تعالى: {ومن قَتَل مؤمنًا خطئًا فتحريرُ رقبة مؤمنة} [النساء: 92].
وأما كون من قتلها قتلاً أجري مجرى الخطأ عليه الكفارة؛ فلأن ما أجري مجرى الشيء يثبت فيه حكمه.
[ولأنه أجري مجراه في عدم القصاص. فكذلك يجب أن يجرى مجراه في الكفارة](2).
وأما كون من شارك في قتلها عليه كفارة كاملة على المذهب؛ فلأن الكفارة موجَب قتل الآدمي. فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء؛ كالقصاص.
(1) ساقط من أ.
(2)
ساقط من د.
وأما كون المشتركين عليهم كفارة واحدة على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحريرُ رقبة مؤمنة} [النساء: 92]. ومَنْ تتناول الواحد والجماعة.
ولأن الدية لا تتعدد. فكذلك الكفارة.
ولأنها كفارة قتل. فلم تتعدد بتعدد القاتلين مع اتحاد المقتول؛ ككفارة الصيد الحرَمِيّ.
وأما كون من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات عليه الكفارة؛ فلأنه قتل نفساً محرمة. أشبه قتل الآدمي بالمباشرة.
وأما كون من عليه الكفارة بما ذكر تكون عليه مسلماً كان المقتول أو كافراً محرم القتل؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحريرُ رقبة مؤمنة} [النساء: 92].
ولأن الكافر آدمي مقتول ظلماً. فوجبت الكفارة بقتله؛ كالمسلم.
فإن قيل: ليس في كلام المصنف رحمه الله هنا أن الكافر محرم القتل.
قيل: صدر المسألة فيه: ومن قتل نفساً محرمة فليلحظ ذلك في الكافر.
وأما كونه عليه الكفارة حراً كان المقتول أو عبداً؛ فلعموم قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92].
ولأن العبد يجب بقتله القصاص في الجملة. فوجب أن يجب بقتله الكفارة؛ كالحر.
ولأنه (1) مؤمن. أشبه الحر.
وأما كونه عليه الكفارة كبيراً كان أو صغيراً (2) عاقلاً كان أو مجنوناً؛ فلأن الكفارة حقٌّ مالي يتعلق بالقتل. فتعلقت بالكبير العاقل وبالصبي والمجنون؛ كالدية.
فإن قيل: كفارة اليمين لا تجب في أموالهما. [فكذا كفارة القتل لا تجب في أموالهما.
(1) في د: لأنه.
(2)
في أ: صبياً.
قيل: كفارة اليمين تتعلق بالقول ولا قول لهما] (1)، وكفارة القتل تتعلق بالفعل. وفعلهما متحقق.
ولأن الفعل قد يتعلق به ما لا يتعلق بالقول. بدليل أن العتق بإحبالهما دون إعتاقهما بقولهما.
وأما كونه عليه الكفارة حراً كان أو عبداً؛ فلدخولهما في الآية.
ولأن العبد تجب عليه كفارة اليمين. فكذا تجب عليه كفارة القتل.
فعلى هذا يكفر بالصيام؛ لأنه لا مال له.
قال: (وأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه).
أما كون القتل المذكور لا كفارة فيه؛ فلأنه قتل مأذون فيه، والكفارة لا تجب لمحو المأذون فيه.
فإن قيل: لو وجبت الكفارة للمحو لما وجبت في الخطأ.
قيل: الخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة؛ لأنه كفعل المجنون والبهيمة. لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة فلذلك وجبت الكفارة فيها.
وأما قول المصنف رحمه الله: كالقصاص
…
إلى آخره؛ فبيان لمواضع لا كفارة فيها.
قال: (وفي قتل العمد وشبه العمد روايتان:
إحداهما: لا كفارة فيه. اختارها أبو بكر والقاضي، والأخرى: فيه الكفارة).
أما كون قتل العمد لا كفارة فيه على روايةٍ اختارها أبو بكر والقاضي؛ فلأنه فعل يوجب القتل. فلا يوجب الكفارة؛ كزنا المحصن.
وأما كونه فيه الكفارة على روايةٍ؛ فلما روى واثلة بن الأسقع قال: «أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بصاحبٍ لنا قد أوجبَ بالقتل. فقال: أعتقوا عنهُ رقبةً يُعتقِ اللهُ بكلِ عضوٍ منها عضواً من النار» (2).
(1) ساقط من د.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (15582) طبعة إحياء التراث.
ولأن الكفارة إذا وجبت في قتل الخطأ فلأن تجب في قتل العمد بطريق الأولى.
والأولى هي المشهورة في المذهب لأن الله تعالى ذكر القتل خطأ وأوجب فيه الكفارة. ثم ذكر قتل العمد ولم يوجب فيه كفارة، وذلك يدل على عدم الوجوب.
وروي «أن سويدَ بن الصامت قتلَ رجلاً. فأوجبَ النبي صلى الله عليه وسلم القودَ ولم يوجب كفارة» .
وأما حديث واثلة فيحتمل أنه كان خطأ وسماه موجباً؛ لأنه فوّت النفس بالقتل، ويحتمل أنه كان شبه العمد، ويحتمل أنه أمرهم بالإعتاق تبرعاً.
وأما شبه العمد فذكر المصنف رحمه الله فيه هنا روايتين.
وقال (1) في المغني: تجب فيه الكفارة ثم قال: ولا أعلم لأصحابنا فيه قولاً. لكن مقتضى الدليل ما ذكرنا؛ لأنه أجري مجرى الخطإ في نفس القصاص، وحمل العاقلة ديته، وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة.
ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئاً من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة تحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شيء أصلاً ولم يرد الشرع بهذا.
إذا علم مجموع كلام المصنف رحمه الله هنا وفي المغني اقتضى أمرين:
أحدهما: أن حكاية الروايتين في شبه العمد وقعت هنا سهواً.
وثانيهما (2): أن القول بالوجوب فيه مأخوذ من الدلالة لا من النقل. وفيه نظر لأن المسألة منقولة في المستوعب وفي غيره من كتب الأصحاب. لكن المصنف رحمه الله احترز عن ذلك حيث قال: لا أعلم فإن ذلك نفي لعلمه لا لوجود
(1) في د: قال.
(2)
في أ: وثانيها.
المسألة. على أن نفي علمه يدل على نفي الوجود؛ لأنه إمام حبر ربما خفي ذلك عليه وقت ذكر ذلك، وقال (1): لا أعلم عجلة لا نكرا.
(1) في أ: لو قال.