المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القطع في السرقة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌باب القطع في السرقة

‌باب القطع في السرقة

الأصل في قطع السارق الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله} [المائدة: 38].

وأما السنة؛ فما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطعُ الأيدي في ربع دينار فصاعدًا» (1).

وقال (2) النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلكَ (3) من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريفَ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيفَ قطعوه» (4) متفق عليه.

قال المصنف رحمه الله: (ولا يجب إلا بسبعة أشياء:

أحدها (5): السرقة. وهي: أخذ المال على وجه الاختفاء. ولا قطع على منتهب، ولا مختلس، ولا غاصب، ولا خائن، ولا جاحد وديعة ولا عارية. وعنه: يقطع جاحد العارية).

أما كون القطع لا يجب إلا بسبعة أشياء؛ فلما يأتي ذكره في مواضعها.

وأما كون أحدها السرقة؛ فلأن الله تعالى أوجب القطع على السارق. فإذا لم توجد السرقة لم يكن الفاعل سارقاً.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهي أخذ المال على وجه الاختفاء؛ فبيان لمعنى السرقة. ومنه: استرق السمع؛ لأنه يستمعه مختفياً.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6407) 6: 2492 كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1684) 3: 1313 كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها.

(2)

في د: فقال.

(3)

في أ: هلك.

(4)

سيأتي تخريجه ص: 296.

(5)

في أ: إحداها.

ص: 284

وأما كون المنتهب لا قطع عليه؛ فلما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسَ على المنتَهِبِ قطع» (1). رواه أبو داود.

ولأن الواجب قطع السارق، والمنتهب ليس بسارق.

وأما كون المختلس لا قطع عليه؛ فلأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليسَ على الخائنِ قطعٌ، ولا على المختلِس قطع» (2). رواه أبو داود.

وأما كون الغاصب لا قطع عليه؛ فلأنه إذا لم يجب على المختلس والخائن. فلأن لا يجب على الغاصب بطريق الأولى (3).

وأما كون جاحد الوديعة لا قطع عليه؛ فلأنه إذا لم يجب على الغاصب. فلأن لا يجب على جاحد الوديعة بطريق الأولى.

وأما كون جاحد العارية لا قطع عليه على روايةٍ؛ فلأنه خائن. فلم يجب قطعه؛ لما تقدم من الحديث.

وأما كونه يقطع على روايةٍ؛ فلما روي عن عائشة «أن امرأة كانت تستعيرُ المتاعَ وتجحده. فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. فأتى أهلها أسامة فكلموهُ [فكلمَ النبي صلى الله عليه وسلم] (4). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هلكَ من كان قبلكم بأنهم إذا سرقَ فيهم الشريفَ تركوهُ، والضعيفَ قطعوهُ. والذي نفسي بيده لو كانتْ فاطمةُ بنت محمد سرقت (5) لقطعتُ يدها. قالت: فقُطعت يدها» (6) متفق عليه.

والأولى أصح؛ لما تقدم.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (4391) 4: 138 كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (4393) الموضع السابق.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1448) 4: 52 كتاب الحدود، باب ما جاء في الخائن والمختلس والمنتهب.

(3)

في د: لا قطع عليه فلما تقدم في حديث أبي داود.

(4)

ساقط من د.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (3288) 3: 1282 كتاب أحاديث الأنبياء، باب {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1688) 3: 1316 كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود.

ص: 285

والمرأة المذكورة في حديث عائشة: المخزومية وهي سارقة؛ لما روي عن عائشة «أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت

وذكرت القصة» (1). رواه البخاري.

فإن قيل: يحتمل أن تكون القصة مختلفة.

قيل: يجب أن تكون هي هي؛ لأن في ذلك جمعاً بين الأحاديث، وموافقة لظاهر الكتاب.

قال: (ويقطع الطرَّار. وهو: الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه. وعنه: لا يقطع).

أما كون الطرّار يقطع على المذهب؛ فلأنه أخذ مال غيره على وجه الاختفاء. أشبه السارق.

وأما كونه لا يقطع على روايةٍ؛ فلأنه لا يسمى سارقاً ولا هو في معنى السارق من حيث إنه يأخذه من غير حرز، وإذا كان كذلك وجب إلحاقه بالخائن.

(1) ر تخريج الحديث السابق.

ص: 286

فصل [الشرط الثاني]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: أن يكون المسروق مالاً محترماً. سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ أو لا. وسواء كان ثميناً كالمتاع والذهب، أو غير ثمين كالخشب والقصب).

أما كون الثاني من شروط القطع في السرقة: أن يكون المسروق مالاً محترماً: أما اشتراط كونه مالاً؛ فلأن ما ليس بمال لا حرمة له. فلم يجب به قطع.

ولأن الأحاديث الدالة على وجوبه من قوله صلى الله عليه وسلم: «تقطعُ اليدُ في ربع دينار فصاعداً» (1) وغير ذلك مشتملة على أخذ المال. فإذا لم يكن المسروق مالاً لم يكن ذلك دالاً على القطع بطريق اللفظ ولا بطريق المعنى.

أما عدم دلالته بطريق اللفظ؛ فلأن اللفظ لا يشمل ذلك.

وأما عدم دلالته بطريق المعنى؛ فلأن غير المال لا يساوي المال. فلا يصح إلحاقه به.

فإن قيل: الأحاديث إذا كانت مشتملة على المال فالآية المذكورة ليست مشتملة على ذلك؛ لأنه قال سبحانه: {والسارق والسارقة} [المائدة: 38] من غير تعرض لكون المسروق مالاً أو غير مال.

قيل: الآية مطلقة والأحاديث مقيدة، والمطلق يجب حمله على المقيد.

فعلى هذا لا يقطع بسرقة الكلب وإن كان معلماً؛ لأنه ليس بمال، ولا بسرقة الحر؛ لأنه ليس بمال. وعلى هذا فقس.

وأما اشتراط كون المسروق محترماً؛ فلأن المال إذا لم يكن محترماً كمال الحربي تجوز سرقته وأخذه بكل وجه، وجواز الأخذ ينفي وجوب القطع.

(1) سيأتي تخريجه ص: 302.

ص: 287

وأما كون ما يسرع إليه الفساد وما لا يسرع إليه سواء في وجوب القطع؛ فلأن قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]: يشملهما.

وفي الحديث «أن عثمان (1) رضي الله عنه أُتي برجل قد سرقَ أُترُجّة فأمرَ بها عثمان (2) فقوّمت فبلغت قيمتُها ربعَ دينار فأمرَ به فقُطع» (3).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «سُئلَ عن الثمر المعلَّق. فقال: لا قطعَ في ثمرٍ ولا كَثَرٍ. ثم قال: ومن سرقَ منه شيئاً بعد أن يُؤويهُ الجرينُ فبلغَ ثمنَ المِجَنّ فعليهِ القطع» (4). رواه أبو داود.

ولأن ما يسرع إليه الفساد نوع مال. فجاز أن يتعلق به القطع؛ كالذي يمكن تجفيفه.

وأما كون ما كان ثميناً أو غير ثمين (5) سواء في وجوب القطع؛ فلأن الآية المتقدم ذكرها تشملهما.

ولأن المعتبر قيمة ثلاثة دراهم أو ربع دينار، وذلك موجود في الثمين وغيره.

قال: (ويقطع بسرقة العبد الصغير. ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيراً. وعنه: يقطع بسرقة الصغير، فإن قلنا لا يقطع فسرقه وعليه حلي فهل يقطع؟ على وجهين).

أما كون سرقة العبد الصغير يقطع فيها؛ فلأنه مملوك. فوجب القطع بسرقته؛ كسائر الحيوانات المملوكة.

(1) في أ: عمر.

(2)

في أ: عمر.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (23) 2: 634 كتاب الحدود، باب ما يجب فيه القطع.

(4)

أدخل المصنف حديثي رافع بن خديج وعمرو بن شعيب في بعضهما. أما الأول: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر ولا كثر» فقد أخرجه أبو داود في سننه (4388) 4: 136 كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2593) 2: 865 كتاب الحدود، باب لا يقطع في ثمر ولا كثر.

وأما حديث عمرو بن شعيب ولفظه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن الثمر المعلَّق فقال:

ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع» وقد أخرجه أبو داود في الموضع السابق (4390) 4: 137.

(5)

في د: ثميناً.

ص: 288

والمراد بالصغير هنا غير المميز؛ لأن مثل هذا (1) لا يفهم ولا يميز بين سيده وغيره.

وفي تقييد القطع بكون العبد صغيراً إشعار بأن سرقة العبد الكبير لا يقطع بها وهو صحيح؛ لأن العبد إذا كان كبيراً لا يمكن سرقته؛ لأنه له اختيار وإرادة. فإذا طلب غير سيده أخذه لا يمكنه ذلك إلا باختياره. فلم يكن الأخذ المذكور سرقة؛ كما لو هرب بنفسه من غير أن يأخذه أحد (2) معه.

وأما كون سرقة الحر الكبير لا يقطع بها؛ فلأنه ليس بمال، ومن شرطه كون المسروق مالاً.

ولأن الكبير لا يمكن سرقته.

ولأنه لم يجب القطع بسرقة العبد الكبير. فلأن لا تجب بسرقة الحر الكبير بطريق الأولى.

وأما كون سرقة الحر الصغير لا يقطع بها على المذهب؛ فلما تقدم من أنه ليس بمال. أشبه الحر الكبير.

وأما كونه (3) يقطع بها على روايةٍ؛ فلأنه مسروق يتبع آخذه. أشبه المال والبهيمة. وبهذا فارق الحر الكبير فإنه لا يتبع أحداً إلا باختياره وإرادته.

وأما كون من سرق الحر الصغير وعليه الحلي يقطع على وجه إذا قيل لا يقطع؛ فلأنه سرق نصاباً من الحلي. فوجب القطع؛ كما لو سرقه منفرداً.

ولأن سارق ذلك سارق. فيدخل في عموم قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} [المائدة: 38].

وأما كونه لا يقطع على وجه؛ فلأنه تابع لما لا يجب القطع بسرقته. أشبه ثيابه.

ولأن يد الصبي على ما عليه. بدليل أن ما يوجد مع اللقيط يكون له، وإذا كانت يد الصبي على حليه وجب كونه تبعاً، وإذا كان تبعاً لم يقطع؛ كالمتبوع.

(1) في أ: ذلك.

(2)

في أ: يأخذ أحداً.

(3)

في أ: كونها.

ص: 289

قال: (ولا يقطع بسرقة مصحف. وعند أبي الخطاب يقطع، ويقطع بسرقة سائر كتب العلم)(1).

أما كون سرقة المصحف لا يقطع بها وهو قول أبي بكر والقاضي؛ فلأن المقصود منه كلام الله، وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه.

وأما كونها يقطع بها عند أبي الخطاب؛ فلظاهر قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38].

وأما كون سرقة سائر كتب العلم يقطع بها؛ فلأن ذلك مال حقيقة وشرعاً.

قال: (ولا يقطع بسرقة آلة لهو ولا محرم؛ كالخمر. وإن سرق آنية فيها الخمر، أو صليباً، أو صنم ذهب لم يقطع، وعند أبي الخطاب يقطع).

أما كون سرقة آلة اللهو والمحرم؛ كالخمر لا يقطع بها؛ فلأنه له سلطان على ذلك لإباحة الشرع كسر آلة اللهو وإزالة المحرم. فكان ذلك شبهة مانعة من القطع.

وأما كون من سرق آنية فيها الخمر لا يقطع عند غير أبي الخطاب؛ فلأنه اتصل بما لا قطع فيه. أشبه ما لو سرق مشتركاً بينه وبين غيره بحيث تبلغ قيمة نصيب شريكه نصاباً.

وأما كونه يقطع عند أبي الخطاب؛ فلأنه نصاب سُرق من حرزه لا شبهة فيه (2). فوجب القطع فيه؛ كما لو سرقه فارغاً.

وأما كون من سرق صليباً أو صنماً من ذهب لا يقطع وهو قول القاضي، ويقطع عند أبي الخطاب؛ فلما تقدم في سرقة آلة اللهو.

(1) في أ: بسرقة كتب سائر العلوم.

(2)

ساقط من د.

ص: 290

فصل [الشرط الثالث]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: أن يسرق نصاباً وهو ثلاثة دراهم، أو قيمة ذلك من الذهب والعروض. وعنه: أنها ثلاثة دراهم (1) أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما. وعنه: لا تقوّم العروض إلا بالدراهم).

أما كون الثالث من شروط القطع في السرقة [أن يسرق](2) نصاباً؛ فلأنه إجماع الصحابة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا قطعَ إلا في ربع دينار فصاعدا» (3).

فإن قيل: قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]، وقوله عليه السلام:«لعنَ اللهُ السارقَ يسرقُ الحبلَ فتقطعُ يده، ويسرقُ البيضةَ فتقطعُ يده» (4) يدلان على (5) وجوب القطع في القليل والكثير.

قيل: ما تقدم من الإجماع والأحاديث يخص عموم الآية.

وأما الحديث المذكور فيجب حمله على حبل أو بيضة تبلغ قيمة كل واحد منهما نصاباً؛ لأنه مطلق. وحديث النصاب مقيد والمطلق يحمل على المقيد.

فإن قيل: حمل الحبل على حبل قيمته نصاب ليس ببعيد، أما حمل البيضة على ذلك ففي غاية البُعد.

(1) ساقط من أ.

(2)

مثل السابق.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1684) 3: 1312 كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (6414) 6: 2493 كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1687) 3: 1314، الموضع السابق.

(5)

في د: لأن.

ص: 291

قيل: لا يبعد ذلك كثيراً؛ لأن كثيراً من بيض النعام يساوي ذلك. فيجب أن يحمل الحديث عليه؛ لما فيه من الجمع الذي هو أولى من ترك أحد الحديثين.

وأما كون النصاب (1) ثلاثة دراهم؛ فلأن غيرها يقوم بها؛ لما يأتي. فلأن يقطع بها نفسها بطريق الأولى.

وأما كونه قيمة ذلك من الذهب والعروض؛ فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعَ في مِجَنّ قيمة ثمنه ثلاثة دراهم» (2) متفق عليه.

وأما كونه ثلاثة دراهم أو ربع دينار، أو قيمة أحدهما من غيرهما على روايةٍ: أما كونه ثلاثة دراهم؛ فلما تقدم.

وأما كونه ربع دينار؛ [فلما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطعُ اليدُ في ربعِ دينار](3) فصاعدًا» (4).

وأما كونه قيمة أحدهما من غيرهما: أما كونه يقوّم بثلاثة دراهم؛ فلما تقدم في حديث ابن عمر.

وأما كونه يقوّم بالذهب؛ فلأن ما كان الورق فيه أصلاً كان الذهب فيه أصلاً كنصُبِ الزكوات والديات وقيم المتلفات، و «أُتي عثمان رضي الله عنه برجلٍ قد سرق أُترُجّة فأمرَ بها فقوّمت فبلغتْ قيمتُها ربع دينار. فأمر به فقُطع» (5).

وأما كونه ثلاثة دراهم أو ربع دينار، أو قيمة ثلاثة دراهم على روايةٍ: أما كونه ثلاثة دراهم أو ربع دينار؛ فلما تقدم.

وأما كونه قيمته ثلاثة دراهم فقط؛ فلأن المجنّ قوّم بها لا بالذهب.

(1) في أ: وأما كون النصاب ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك من الذهب والعروض على رواية أما كونه

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (6413) 6: 2493 كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1687) 3: 1314 كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها.

(3)

ساقط من د.

(4)

سبق تخريجه ص: 294.

(5)

سبق تخريجه ص: 298.

ص: 292

قال: (وإذا سرق نصاباً ثم نقصت قيمته، أو مَلَكه ببيع أو هبة أو غيرها: لم يسقط القطع).

أما كون القطع إذا نقصت قيمة المسروق بعد إخراجه من الحرز لا يسقط؛ فلأن النقصان المذكور حدث في العين بعد استحقاق القطع. أشبه ما لو نقص باستعماله.

ولأن النصاب شرط للوجوب. فلم يشترط استدامته؛ كالحرز.

وأما كونه إذا ملك السارق ذلك ببيع أو هبة أو غير ذلك لا يسقط؛ فلما روي «أن صفوان بن أمية نام في المسجد فتوسد ردائه فأُخذ من تحت رأسه. فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأمر به أن يقطع. فقال صفوان: يا رسول الله! لم أُرد هذا. ردائي عليه صدقة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا كانَ هذا قبلَ أن تأتيني به» (1). رواه ابن ماجة.

وفي لفظ: «فأتيتُه. فقال: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا. أنا أبيعُه وأنسئه ثمنه. فقال: هلا كان قبلَ أن تأتيني به» (2). رواه الأثرم وأبو داود (3).

فإن قيل: الحديث المذكور يدل على أن السقوط بعد الرفع، وكلام المصنف رحمه الله مطلق.

قيل: في كلامه ما يشعر بالرفع؛ لأنه قال: لم يسقط، والسقوط يستدعي وجوب القطع. ومن شرط وجوب القطع: مطالبة المالك، وذلك يعتمد الرفع إلى الحاكم.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2595) 2: 865 كتاب الحدود، باب من سرق من الحرز.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (4394) 4: 138 كتاب الحدود، باب من سرق من حرز.

(3)

في أ: رواه أبو داود.

ص: 293

قال: (وإن دخل الحرز فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع. وإن سرق فَرْدَ (1) خف قيمته منفرداً درهمان (2) وقيمته (3) مع الآخر أربعة لم يقطع).

أما كون من دخل الحرز فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عنه ثم أخرجها لا يقطع؛ فلأن قيمتها حين الإخراج لم تبلغ نصاباً.

وأما كون من سرق فَرْدَ خف موصوف بما ذكر لا يقطع؛ فلأن العبرة بالمسروق حال السرقة وقيمته حينئذ أقل من النصاب. فلم يقطع سارقه؛ لانتفاء شرط وجوب القطع.

قال: (وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءاً).

أما كون الجماعة إذا اشتركوا في سرقة نصاب يقطعون؛ فلأن سرقة النصاب فعل يوجب قطع اليد. فاستوى الواحد والجماعة في ذلك؛ كالقصاص.

ولأن النصاب أحد شرطي القطع. فإذا اشترك الجماعة كانوا كالواحد؛ كهتك الحرز.

وأما كونهم يقطعون سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءاً؛ فلأن الاشتراك كالانفراد. ولو أخرج شخص نصاباً دفعة واحدة أو في دفعتين في حالة واحدة يقطع. فكذلك هاهنا.

(1) ساقط من أ.

(2)

في أ: درهماً.

(3)

في د: وقيمته وحده.

ص: 294

قال: (وإن هتك اثنان حرزاً ودخلاه فأخرج أحدهما نصاباً وحده، أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه: قطعا. وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده. وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه: فلا قطع عليهما. ويحتمل أن يقطعا إلا أن ينقب أحدهما ويذهب فيأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا قطع).

أما كون الاثنين إذا اشتركا في الهتك والدخول وانفرد أحدهما بإخراج النصاب يُقطعان؛ فلأن المخرج إنما أخذ بقوة رقيقه. أشبه ما لو اشتركا في الإخراج.

وأما كونهما إذا هتكا الحرز ودخل أحدهما فقدم المسروقَ من النقب وأدخل الآخر يده فأخذه يقطعان؛ فلأنهما اشتركا في الهتك والإخراج. أشبه ما لو أخرجاه معاً.

وأما كون الداخل يقطع وحده إذا رماه إلى خارج فأخذه؛ فلأنه هو المُخرج للمتاع وحده فاختص القطع به.

فإن قيل: فقد اشتركا في الهتك.

قيل: شرط القطع الاشتراك في الهتك والإخراج، ولم يوجد الاشتراك في الإخراج فانتفى القطع؛ لانتفاء شرطه.

وأما كونهما إذا نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه لا قطع عليهما على المذهب: أما (1) على الذي نقب؛ فلأنه لم يسرق.

وأما على الذي أخرج؛ فلأنه لم يسرق من حرز هتكه.

وأما كونهما يحتمل أن يقطعا إذا لم ينقب أحدهما ويذهب فيأتي الآخر من غير علم فيسرق؛ فلأن فعل كل واحدٍ منهما إنما وقع بقوة الآخر. أشبه ما لو اشتركا في النقب والإخراج.

وأما كونهما إذا نقب أحدهما وذهب وأتى الآخر فسرق من غير علم لا قطع عليهما من غير احتمال: أما كونه لا قطع؛ فلما تقدم.

(1) في أ: أنها.

ص: 295

وأما كونه من غير احتمال؛ فلأن احتمال القطع إنما كان لكون فعليهما ينزلا منزلة الفعل المشترك، ولا يمكن ذلك في هذه الصورة. وإذا كان كذلك لزم انتفاء الاحتمال؛ لانتفاء علته.

ص: 296

فصل [الشرط الرابع]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: أن يُخرجه من الحرز. فإن سرق من غير حرز، أو دخل الحرز فأتلفه فيه: فلا قطع عليه).

أما كون الرابع من شروط القطع أن يُخرج المسروق من الحرز؛ فلأنه إجماع أهل العلم إلا من شذ، وروي عن عمرو بن شعيب [عن أبيه] (1) عن جده «أن رجلاً من (2) مُزينةَ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار. فقال: ما أُخذ في أكمامِه فاحتُمل ففيه (3) قيمته ومثله معه، وما (4) كان في الجران ففيه القطع إذا بلغَ ثمنَ المجن» (5). رواه أبو داود وابن ماجة.

وأما كون من سرق من غير حرز، أو دخل الحرز فأتلف المسروق فيه لا قطع عليه؛ فلأن الإخراج من الحرز شرط لوجوب القطع، وهو منتفٍ هاهنا.

قال: (وإن ابتلع جوهراً أو ذهباً وخرج به، أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به، أو في ماء جار فأخرجه، أو قال لصغير أو معتوه: ادخل فأخرجه ففعل: فعليه القطع).

أما كون من ابتلع جوهراً أو ذهباً في الحرز وخرج به عليه القطع؛ فلأن آخذه أخرجه في معدته. أشبه ما لو أخرجه في كمه.

وكلام المصنف رحمه الله شامل ما إذا خرج الجوهر والذهب منه أو لم يخرج.

وقال في المغني: إن لم يخرج فلا قطع وإن خرج ففيه وجهان:

(1) ساقط من د.

(2)

مثل السابق.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في د: وأما ما.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (4390) 4: 137 كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2596) 2: 865 كتاب الحدود، باب من سرق من الحرز.

ص: 297

أحدهما: يجب؛ لأنه أخرجه في وعاء. أشبه ما لو أخرجه في كمه.

والثاني: لا يجب؛ لأنه ضمنه بالبلع. فكان إتلافاً لا سرقه (1).

ولأنه مكره على إخراجه لا يمكنه أن يخرج (2) دونه.

وأما كون من نقب ودخل فترك المسروق على بهيمة فخرجت به أو في ماء جار فأخرجه عليه القطع؛ فلأن العادة مشي البهيمة بما وضع عليها والماء الجاري بما وضع فيه. فكان السارق هو المخرج.

وأما كون من قال لصغير أو معتوه: ادخل فأخرجه ففعل عليه القطع؛ فلأن الصغير والمعتوه لا اختيار لهما. فهما كالآلة له. ولو أمرهما شخص بالقتل يُقتل الآمر.

قال: (وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه).

أما كون حرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه؛ فلأن الشرع ورد بالحرز ولم يضبطه ضابط. فوجب الرجوع فيه إلى العادة؛ كالقبض.

وأما كون ذلك يختلف باختلاف ما ذكر؛ لأنه العادة.

قال: (فحرز الأثمان والجواهر والقُماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة، وحرز البقل والباقلاء ونحوه وقدوره وراء الشرائج (3) إذا كان في السوق حارسٌ، وحرز الخشب والحطب الحظائر، وحرز المواشي الصير وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إليها، وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها، وحرز الثياب في الحمام بالحافظ، وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبراً وأخذ الكفن قطع، وحرز الباب تركيبه في موضعه فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيزه قطع).

أما كون حرز الأموال؛ فلأن العادة في حرز ذلك بذلك.

(1) في د: لسرقة.

(2)

في د: ولأنه مكره على إخراجه أن يخرجه.

(3)

في أ: الشرج.

ص: 298

وأما كون من نبش قبراً وأخذ الكفن الذي فيه يقطع؛ فلأنه سرق مالاً محترماً في حرز. فوجب القطع به؛ كسرقة الذهب من الدكاكين الذي وراء الأغلاق.

وأما كون من سرق رتاج الكعبة يقطع؛ فلأن تركيبه في موضعه حرز له. أشبه سرقة الكفن من القبر.

وأما كون من سرق باب مسجد أو تأزيزه يقطع؛ فلأنه سرق مالاً محترماً من (1) حرز. أشبه غيره من المحرزات.

قال: (ولا يقطع بسرقة ستائرها. وقال القاضي: يقطع بسرقة المخيطة (2) عليها).

أما كون سرقة ستارة الكعبة غير المخيطة لا يقطع بها؛ فلأنها غير محرزة.

وأما كون سرقة ستارتها المخيطة عليها لا يقطع بها على قول القاضي؛ [فبالقياس على غير المخيطة.

وأما كونها يقطع بها على قول القاضي] (3)؛ فلأن خياطتها حرز مثلها في العادة.

قال: (وإن سرق قناديل المسجد أو حُصْرَهُ فعلى وجهين).

أما كون من سرق ما ذكر يقطع على وجه؛ فلأنه محرز بحرز مثله.

وأما كونه لا يقطع على وجه؛ فلأن له فيه حقاً وشبهة. أشبهت السرقة من بيت المال.

قال: (وإن نام إنسان على ردائه في المسجد فسرقه سارق قطع. وإن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته).

أما كون من سرق رداء إنسان نام عليه في المسجد يقطع؛ فـ «لأن صفوان بن أمية نامَ في المسجد وتوسَّدَ رداءهُ فأُخذ من تحت رأسه. فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأمر به أن يقطع

مختصر» (4). رواه أبو داود.

(1) في أ: في.

(2)

في أ: المخيط.

(3)

ساقط من د.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (4394) 4: 138 كتاب الحدود، باب من سرق من حرز.

ص: 299

وأما كونه لا يقطع إذا سرقه وقد مال رأسه عنه؛ فلأن حرزه كون رأس النائم عليه، وهو مفقود هاهنا.

قال: (وإن سرق من السوق غزلاً وثم حافظ قطع، وإلا فلا).

أما كون من سرق ما ذكر يقطع إذا كان حافظ؛ فلأنه في حرز مثله. فوجب القطع؛ كسارق ما يسرق من حرز.

وأما كونه لا يقطع إذا لم يكن ثمَّ حافظ؛ فلأنه مال غير محرز. فلم يجب القطع؛ كسائر ما سرق من غير حرز.

قال: (ومن سرق من النخل والشجر من غير حرز فلا قطع عليه، ويضمن عوضها مرتين. وقال أبو بكر: ما كان حرزاً لمال فهو حرز لمال آخر).

أما كون من سرق ما ذكر لا قطع عليه؛ فلما روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قطعَ في ثمرٍ ولا كَثَر» (1) أخرجه أبو داود وابن ماجة.

وأما كونه يضمن عوض ذلك مرتين؛ فلأن في حديث عمرو بن شعيب: «ومن خرجَ بشيء منه -يعني من الثمرِ المعلق- فعليه غرامةُ مثليه» (2). رواه الأثرم.

وأما كون (3) ما كان حرزاً لمال فهو حرز لمال آخر على قول أبي بكر؛ فلأن الشرع ورد من غير تفصيل.

(1) سبق تخريجه ص: 298.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1710) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.

وأخرجه النسائي في سننه (4958) 8: 85 كتاب قطع السارق تعظيم السرقة، الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين.

وأخرجه أحمد في مسنده (6746) 2: 186.

(3)

في أ: كونه.

ص: 300

والأُولى -أي أن الأحراز تختلف (1) بما تقدم ذكره- أولى؛ لما تقدم. وعدم ورود الشرع فيه بتفصيل لا يلزم عدم الرجوع إلى العرف فيه. دليله القبض.

(1) في أ: والأول أولى أي أن الأحراز لا تلف.

ص: 301

فصل [الشرط الخامس]

قال المصنف رحمه الله: (الخامس: انتفاء الشبهة. فلا يُقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل، ولا الولد من مال أبيه وإن علا. والأب والأم في هذا سواء، ولا العبد بالسرقة من سيده، ولا مسلم بالسرقة من بيت المال، ولا من مال له فيه شركة، أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه).

أما كون الخامس من شروط القطع انتفاء الشبهة؛ فلأن القطع حد. فيدرأ بالشبهة.

وأما كون الأب لا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل؛ فلأن له فيه شبهة لقوله عليه السلام: «أنتَ ومالكَ لأبيك» (1).

ولأنه أخذ ما له أخذه؛ لأن في الحديث: «كلُوا من كسبِ أولادِكم» (2).

ولأن الحد يدرأ بالشبهات، وأعظم الشبهات أخذُ ما أمر الشرع بأخذه.

وأما كون الولد لا يقطع بالسرقة من مال أبيه وإن علا؛ فلأن بينهما قرابة تمنع شهادة أحدهما للآخر (3). فلم يقطع بالسرقة من ماله؛ كالأب.

ولأن النفقة تجب للابن في مال أبيه حفظاً له. فلا يجوز إتلافه حفظاً للمال.

وأما كون الأب والأم سواء؛ فلأنها أولى من الأب بالبر، وإذا لم تكن أولى منه في عدم القطع فلا أقل من المساواة.

وأما كون العبد لا يقطع بالسرقة من مال سيده؛ فلما روى السائب بن يزيد قال: «شهدتُ عمر بن الخطاب وقد جاءه عبدالله بن عمرو الحضرمي (4) بغلامٍ له. فقال: إن غلامي هذا قد سرقَ فاقطع يده. فقال عمر: ما سرقَ؟ فقال: مرآة امرأتي ثمنها ستون درهماً. فقال: أرسله. لا قطعَ عليه. خادمكمْ أخذَ

(1) سبق تخريجه ص: 246.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3530) 3: 289 كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده.

(3)

في أ: أحد لصاحبه.

(4)

في أ: ابن الحضرمي.

ص: 302

مالكم، ولكنه لو سرقَ من غيرها قُطع» (1). وكان ذلك (2) بمحضر من الصحابة فيكون إجماعاً.

وعن ابن مسعود «أن رجلاً جاءه فقال: عبدي قد سرق قَباء لعبدٍ لي آخر. فقال: لا قطع. مالك سرقَ مالك» (3).

وأما كون المسلم لا يقطع بالسرقة من بيت المال؛ فـ «لأن عمر قال لابن مسعود لما سأله عمن سرقَ من بيت المال: أرسله فما من أحدٍ إلا وله في هذا المال حق» (4).

ولأن له فيه حقاً. فيكون ذلك شبهة يدرأ بها الحد.

وأما كونه لا يقطع بالسرقة من مال له فيه شركة كالمال المشترك بينه وبين شريكه؛ فلأنه إذا لم يقطع الأب بسرقة مال ابنه لكونه له فيه شبهة. فلأن لا يقطع الشخص بسرقة مال له فيه شركة بطريق الأولى.

وأما كونه لا يقطع بالسرقة من مال لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه فيه شركة كأبيه وابنه ونحو ذلك (5)؛ فلأن له (6) فيه شبهة لكون أبيه أو ابنه أو من جرى مجراه له فيه شركة.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (311) 3: 188 كتاب الحدود والديات.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28559) 5: 514 كتاب الحدود، في العبد يسرق من مولاه ما عليه؟

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 281 كتاب السرقة، باب العبد يسرق من مال امرأة سيده.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28560) الموضع السابق.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 281 كتاب السرقة، باب العبد يسرق من متاع سيده.

(4)

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه نحوه (28554) 5: 513 كتاب الحدود، في الرجل يسرق من بيت المال ما عليه؟

(5)

في أ: أو ابنه أو نحو ذلك.

(6)

ساقط من أ.

ص: 303

قال: (ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أو لولده أو لسيده لم يقطع. وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين).

أما كون من سرق من الغنيمة ممن له حق أو (1) لولده أو لسيده؛ فلأن له في المال المسروق حقاً أو شبهة حق، وكلاهما يمنع الحد؛ لما تقدم.

وأما كون أحد الزوجين لا يقطع بسرقة مال الآخر المحرز عنه على روايةٍ؛ فلأن كل واحد [من الزوجين يرث صاحبه بغير حجب. أشبه الولد والوالد.

ولأن كل واحد] (2) منهما ينبسط في مال صاحبه عادة. أشبه الشريكين.

وأما كونه يقطع على روايةٍ؛ فلعموم الآية.

ولأنه سرق مالاً محرزاً لا شبهة له فيه. أشبه الأجنبي.

وفي تقييد المال المسروق بكونه محرزاً عنه: احتراز من سرقة ما ليس محرزاً عن أحدهما فإن ذلك لا يقطع به أحد الزوجين رواية واحدة؛ لأن وجوب القطع شرطه: كون المسروق في حرز ولم يوجد.

قال: (ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم، ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن، ويقطعان بسرقة ماله).

أما كون سائر الأقارب يقطع بالسرقة من مال أقاربهم؛ فلأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة. فلا تمنع القطع.

ولأن الآية والأخبار تعُم كل سارق. خرج منه ما تقدم ذكره؛ للأدلة المذكورة. فيبقى فيما عداه على مقتضاه.

وأما كون المسلم يقطع بالسرقة من مال الذمي؛ فلأن ماله صار معصوماً بالجزية. فوجب القطع بسرقته؛ كمال المسلم.

وأما كونه يقطع بالسرقة من مال المستأمن؛ فلأن ماله مثل مال (3) الذمي. دليله وجوب الضمان بإتلافهما.

(1) في د: له فيها أو.

(2)

ساقط من د.

(3)

في أ: بمنزلة.

ص: 304

وأما كون الذمي والمستأمن يقطعان بسرقة مال المسلم؛ فلأنه إذا قطع المسلم بسرقة مالهم. فلأن يقطعوا بسرقة ماله بطريق الأولى.

قال: (ومن سرق عيناً وادعى أنها ملكه لم يقطع. وعنه: يقطع. وعنه: لا يقطع إلا أن يكون معروفاً بالسرقة).

أما كون من ذكر لا يقطع على روايةٍ؛ فلأن ما ادعاه محتمل. فيكون شبهة في درء الحد.

وأما كونه يقطع على روايةٍ؛ فلأن سقوط القطع بدعواه يقتضي (1) أن لا يجب قطع سارق. فتفوت مصلحة الزجر.

وأما كونه لا يقطع إلا أن يكون معروفاً بالسرقة على روايةٍ؛ فلأن غير المعروف بذلك لا يعلم كذبه. بخلاف المعروف به.

قال المصنف في المغني: والأولى (2) أولى؛ لأن الحد يدرأ بالشبهات، وإفضاؤه (3) إلى سقوط الحد لا يمنع اعتبارها.

قال: (وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة: لم يقطع. وإن سرق من غير ذلك الحرز أو سرق من مال من له عليه دين قطع؛ إلا أن يعجز عن أخذه فيسرق قدر حقه فلا يقطع. وقال القاضي: يقطع).

أما كون المسروق منه أو المغصوب منه (4) إذا سرق مال السارق أو الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لا يقطع؛ فلأن لكل واحد منهما شبهة في هتك الحرز من أجل أخذ ماله فإذا هتك الحرز صار كأنّ المال المسروق منه أُخذ من غير حرز.

(1) في أزيادة: إلى.

(2)

في أ: الأولى.

(3)

في د: وإفضاؤها.

(4)

ساقط من أ.

ص: 305

وأما كون من سرق من غير ذلك الحرز الذي فيه المال المسروق أو المغصوب يقطع؛ فلأنه لا شبهة له في هتك الحرز المذكور. فوجب القطع؛ لأن المسروق مال لا شبهة له فيه.

وأما كون من سرق من مال من له عليه دين وهو قادر على أخذ حقه يقطع؛ فلأنه مال لا شبهة له فيه.

وأما كونه إذا فعل وهو يعجز عن أخذ حقه لا يقطع على قول غير القاضي؛ فلأن بعض أهل العلم يبيح له ذلك. فيكون الاختلاف في إباحة الأخذ شبهة دارئة للحد؛ كالوطء في نكاح مختلف في صحته.

وأما كونه يقطع على قول القاضي؛ فلأن مِن أَصْله أنه ليس له أخذه.

قال المصنف رحمه الله في المغني: وهذا يعني تعليل القاضي لا يمنع الشبهة الناشئة عن الاختلاف.

فإن قيل: من يعجز عن أخذ حقه إذا سرق أكثر منه.

قيل: إن قيل لا يقطع بسرقة قدر حقه هل يقطع هنا؟ فيه وجهان. توجيههما ما ذكر في سرقة المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المغصوبة، وإن قيل: يقطع فيقطع هنا؛ لأن (1) الزائد لا شبهة له فيه.

قال: (ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع. ومن أجّرَ داره، أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قُطع).

أما كون القطع يتكرر بسرقة العين الواحدة؛ فلأنه فعل ثانياً مثل ما فعل أولاً. فوجب أن يجب عليه ثانياً مثل ما وجب عليه أولاً؛ كما لو زنى فحد ثم زنى.

فإن قيل: لو تكرر القذف لم يتكرر الحد.

قيل: حد القذف شرع؛ لتكذيب القاذف، وذلك يحصل بالمرة الواحدة. بخلاف القطع فإنه شرع للزجر فإذا سرق العين ثانياً علم أنه لم ينزجر. فوجب أن يتكرر الحد (2)؛ لتحصل الحكمة التي شرع القطع من أجلها.

(1) في أ: لكون.

(2)

ساقط من د.

ص: 306

وأما كون من سرق مال من أجّره داره أو أعارها إياها من الدار المذكورة؛ فلأنه سرق نصاباً لا شبهة له فيه. فوجب القطع؛ كما لو كانت الدار ملكاً للمسروق منه.

ص: 307

فصل [الشرط السادس]

قال المصنف رحمه الله: (السادس: ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو إقرار مرتين، ولا ينزع عن إقراره حتى يُقطع).

أما كون السادس من شروط القطع ثبوت السرقة بما ذُكر ولا ينزع عن إقراره حتى يُقطع: أما ثبوت السرقة؛ فلأن الله تعالى إنما أوجب القطع على السارق ولا يتحقق ذلك إلا بعد ثبوتها.

وأما ثبوتها بشهادة عدلين أو إقرار مرتين: أما شهادة عدلين؛ فلأن ذلك طريق إلى ثبوت أكثر الحقوق. فليكن الأمر كذلك هنا.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن قطع يد السارق يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان، ووصفا ما يوجب القطع.

وأما الإقرار مرتين؛ فلما روي عن أبي أمية المخزومي «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترفَ. فقال: ما إِخَالُكَ سرقت. قال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً. قال: بلى. فأمرَ به فقُطع» (1). رواه أبو داود.

وروي «أن علياً أتاه سارق. فقال: إني سرقتُ. فأعرضَ عنه، ثم أعاده (2) مرة أخرى. فقال: إني سرقتُ. فأمر به على أن يُقطعَ. وقال: شهدتَ على نفسكَ مرتين» (3). رواه الجوزجاني وقال مكان: «فأعرض عنه» : «فطرده» . ورواه سعيد فقال: «فردّه» .

(1) أخرجه أبو داود في سننه (4380) 4: 134 كتاب الحدود، باب في التلقين في الحد.

(2)

في أ: عاده.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28181) 5: 480 كتاب الحدود، في الرجل يقر بالسرقة كم يردد مرة؟ نحوه.

ص: 308

ولأنه (1) يتضمن إتلافاً. فكان من شرطه التكرار؛ كحد الزنى. أو يقال: أحد حجتي القطع. فيعتبر فيها التكرار؛ كالشهادة.

وأما كونه لا ينزع عن إقراره حتى يقطع؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسارق: «ما إخالُكَ سرقت» (2). عرّض له ليرجع، ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة.

ولأن قطع السارق حد يثبت بالاعتراف. فسقط بالرجوع؛ كحد الزنى.

ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه. فسقط؛ كما لو رجع الشهود.

قال: (السابع: مطالبة المسروق منه بماله. وقال أبو بكر: ليس ذلك بشرط).

أما كون السابع من شروط القطع مطالبة المسروق منه بماله على المذهب؛ فلأن المال مباح بالبذل والإباحة. فيحتمل أن يكون مالكه أباحه إياه، أو وقفه (3) على طائفة المسلمين، أو على طائفةٍ السارق منهم، وأذن له في دخول حرزه. فاعتبرت المطالبة؛ لتزول الشبهة.

وأما كون ذلك لا يشترط على قول أبي بكر؛ فلأن موجب القطع السرقة وقد وجدت. فوجب أن يجب القطع من غير مطالبة؛ كالزنى.

والأول أولى؛ لما تقدم.

والفرق بين القطع والزنى أن الزنى لا يستباح بالإباحة. بخلاف السرقة.

ولأن القطع أوسع في الإسقاط. ألا ترى أنه لو سرق من مال أبيه لم يقطع، ولو زنى بجاريته حد.

ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فلهم به تعلق. فلم يستوف من غير مطالبة (4) به.

(1) في أ: ولا.

(2)

سبق تخريجه قريباً.

(3)

في أ: ووقفه.

(4)

في د: مطالب.

ص: 309

والزنى حق لله تعالى (1) محض. فلم يفتقر إلى المطالب به. ودعوى وجود الموجب للقطع ممنوعة (2)، وعلى تقدير التسليم فله شرط ولم يوجد تعد.

(1) زيادة من أ.

(2)

في أ: ممنوع.

ص: 310

فصل [في كيفية القطع]

قال المصنف رحمه الله: (وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، وحسمت. وهو: أن تغمس في زيت مغلي. فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت. فإن عاد حبس ولم يقطع. وعنه: أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة).

أما كون القطع إذا وجب تقطع يده اليمنى أولاً؛ فـ «لأن قراءة ابن مسعود: فاقطعوا أيمانهما» (1).

وعن أبي بكر وعمر أنهما قالا: «إذا سرقَ السارقُ فاقطعوا يمينهُ من الكوع» (2)، ولا مخالف لهما في الصحابة.

ولأن البطش بها أقوى. فكانت البداءة بها أردع.

وأما كون القطع من مفصل الكف (3)؛ فلأن القصاص لا يجب إلا من مفصل. [فلأن لا يجب القطع في السرقة إلا من مفصل بطريق الأولى.

وأما كون المفصل مفصل] (4) الكف؛ فلأن اليد تطلق على اليد إلى الكوع، وعليها إلى المرفق، وعليها إلى المنكب، وإرادة الأول متيقنة، وإرادة ما عداه مشكوك فيها فلا يجب القطع مع الشك. وفي الأثر عن أبي بكر وعمر:«إذا سرقَ السارقُ فاقطعوا يده من الكوع» (5).

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 270 كتاب السرقة، باب السارق يسرق أولاً فتقطع يده اليمنى

(2)

قال ابن حجر: لم أجده عنهما. تلخيص الحبير 4: 132.

(3)

ساقط من د.

(4)

ساقط من أ.

(5)

سبق قريباً.

ص: 311

وأما كون السارق إذا عاد تقطع رجله؛ فلما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: «إن سرقَ فاقطعوا يدَه، ثم إن سرقَ فاقطعوا رجلَه (1» ) (2).

وأما كون الرجل اليسرى؛ فلأن في المحاربة تقطع الرجل اليسرى بعد اليد اليمنى. فكذلك هاهنا.

ولأن في قطع اليسرى رفقاً به؛ لأنه يمكنه المشي على خشبة. بخلاف (3) قطع الرجل اليمنى؛ فلأنها إذا قطعت لا يمكنه ذلك.

وأما كون القطع من مفصل الكعب؛ فلأن الرِّجْل أحد العضوين المقطوعين. فوجب كون القطع من المفصل المذكور؛ كاليد.

وأما كون من قطعت يده أو رجله أو هما يحسم؛ فلأن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي بسارق فقال: «اقطعوهُ واحسِمُوه» (4).

قال ابن المنذر: في إسناده مقال.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهو أن تُغمسَ في زيتٍ مغلي؛ فبيان لمعنى الحسم. والحكمة في ذلك أن العضو إذا قُطع فغُمس في ذلك الزيت استدّت أفواهُ العروق فينقطع الدم.

وأما كون السارق إذا عاد بعد قطع يده ورجله فسرق ثالثاً يحبس ولا يقطع على المذهب؛ فلأن في قطع اليدين تعطيلاً لمنفعة الجنس. فلم يشرع في حد؛ كالقتل.

ولأن قطع اليدين بمنزلة الإهلاك؛ لأنه لا يمكنه أن يتوضأ، ولا يستنجي، ولا يحترز (5) من النجاسة ولا يزيلها، ولا يأكل ولا يشرب ولا يبطش، ولذلك

(1) في د: إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله.

(2)

سيأتي تخريجه قريباً.

(3)

في د: خلاف.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (71) 3: 102 كتاب الحدود.

(5)

في د: يتحرز.

ص: 312

أوجب الله تعالى في يديه دية جميعه، وفي الحديث عن علي:«إني لأستحيي (1) من اللهِ أن لا أدعَ له يداً يبطشُ بها ولا رجلاً يمشي عليها» (2).

وأما كونه تقطع يده اليسرى في الثالثة ورجله اليمنى في الرابعة على روايةٍ؛ فلأن في حديث أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: إن سرقَ فاقطعوا يدَه، ثم إن سرق فاقطعوا رجلَه، [ثم إن سرقَ فاقطعوا يدَه، ثم إن سرقَ فاقطعوا رجلَه] (3» ) (4).

وعن جابر قال: «جيءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسارقٍ فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله! إنما سرقَ. فقال: اقطعوه. قال: فقُطع، ثم جيء به الثانية. فقال كذلك، [ثم جيء به الثالثة](5)، ثم جيء به الرابعة فقال كذلك

مختصر» (6). رواه أبو داود.

و«لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قطعا اليد في الثالثة» .

قال المصنف رحمه الله في المغني: حديث جابر يتعين حمله على تخصيص ذلك الشخص لعلم النبي صلى الله عليه وسلم منه ما يوجب قتله. ألا تراه أمر بقتله في كل مرة، وقول أبي وعمر معارض بقول علي. على (7) أنه روي أن عمر أخذ بقول علي، ويؤيده أن الأصول تشهد بنفي القتل؛ لأن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء لا توجبه بعد ذلك؛ كسائر المعاصي.

(1) في أ: أو لا يستحي.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (288) 3: 180 كتاب الحدود والديات.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 275 كتاب السرقة، باب السارق يعود فيسرق ثانياً وثالثاً ورابعاً.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نحوه (28252) 5: 486 كتاب الحدود، في السارق يسرق فتقطع يده ورجله ثم يعود.

(3)

ساقط من د.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (292) 3: 181 كتاب الحدود والديات.

(5)

ساقط من د.

(6)

أخرجه أبو داود في سننه (4410) 4: 142 كتاب الحدود، باب في السارق يسرق مراراً.

(7)

في أ: وعلى.

ص: 313

قال: (ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى. وإن سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع).

أما كون من سرق وليس له يد يمنى تقطع رجله اليسرى؛ فلأن اليمنى لمّا خرجت عن كونها محلاً للقطع انتقل القطع إلى ما يلي تلك.

ولأن الرجل تقطع في السرقة الثانية. فلأن تقطع في السرقة الأولة؛ لتعذر استيفاء اليد اليمنى بطريق الأولى.

وأما كون القطع يسقط إذا سرق وله يمنى فذهبت؛ فلأن القطع تعلق بها. فإذا ذهبت فات قطعها فسقط.

قال: (وإن ذهبت يده اليسرى لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى، وتقطع على الأخرى).

أما كون يمنى من ذكر لا تقطع على الرواية الأولى وهي: أن السارق يحبس في الثالثة ولا يقطع؛ فلأن قطعها يتضمن تفويت منفعة الجنس وبقاءه بلا يد يبطش بها، وذلك غير جائز؛ لما ذكر في الرواية التي بني عليها الحكم.

وأما كونها تقطع على الرواية الأخرى وهي: أن السارق يقطع في الثالثة والرابعة؛ فلأن غاية ما فيه تعطيل منفعة الجنس وبقاؤه بلا يد يبطش بها، وذلك واقع في الرواية المذكورة. فكذلك هاهنا بل أولى؛ لأن اليمنى تعلق بها القطع وفاقاً. وإنما الخلاف في سقوطه بذهاب اليسرى. بخلاف القطع في الثالثة والرابعة؛ فلأن الخلاف في نفس وجوب القطع فيهما (1).

قال: (وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه عمداً فعليه القود. وإن قطعها خطأ فعليه ديتها، وفي قطع يمين السارق وجهان).

أما كون من وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه عمداً على القاطع القود؛ فلأنه قطع ما لا يستحق قطعه عمداً.

وأما كونه إذا قطعها خطأ عليه ديتها؛ فلأن ما أوجب عمده القود أوجب خطؤه الدية. دليله القتل.

(1) في أ: فيها.

ص: 314

وأما كون يمين السارق لا تقطع في وجهٍ؛ فلأن قطعها يفضي إلى قطع يدَيْ السارق وتفويت منفعة الجنس منه. فلم يشرع؛ كقتله.

وأما كونه تقطع في وجهٍ؛ فلأن قطعها وجب بالسرقة، وقطع اليسار له مقابل وهو القود في العمد والدية في الخطأ.

قال: (ويجتمع القطع والضمان فترد العين المسروقة إلى مالكها. وإن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع).

أما كون القطع والضمان يجتمعان؛ فلأنهما حقان يجبان لمستحقين. فجاز اجتماعهما؛ كالجزاء والقيمة في الصيد الحَرَمِي المملوك.

وأما كون العين المسروقة ترد إلى مالكها؛ فلأنها ملكه قُبضت بطريق التعدي. فوجب ردها إلى مالكها؛ كالعين المغصوبة.

وأما كون التالفة يغرم سارقها قيمتها ويقطع: أما كونه يغرم؛ فلأن ما وجب رده إذا كان باقياً وجب غرامته (1) إذا كان تالفاً. دليله: العين المغصوبة.

وأما كونه يقطع مع الغرامة المذكورة؛ فلما تقدم من اجتماع الضمان والقطع.

قال: (وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق؟ على وجهين).

أما كون الزيت من بيت المال على وجه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقطعوهُ واحسِمُوه» (2). أمر بالحسم، وذلك يقتضي كون الزيت من بيت المال.

وأما كونه من مال السارق على وجه؛ فلأنه لحفظ نفسه. أشبه الدواء الذي يتداوى به في مرضه.

(1) في أ: غرامتها.

(2)

سبق تخريجه ص: 323.

ص: 315