الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشجاج وكسر العظام
قال المصنف رحمه الله: (الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة. وهي عشر: خمسٌ لا مقدّر فيها. أولها: الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه قليلاً ولا تدميه، ثم البازلة: التي يسيل منها الدم، ثم الباضعة: التي تُبضع اللحم، ثم المتلاحمة: التي أخذت في اللحم، ثم السِّمْحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة. فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب. وعنه: في البازلة بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة، وفي السِّمْحاق أربعة).
أما قول المصنف رحمه الله: الشجة اسم لجرح الرأس والوجه خاصة؛ فبيان لمسمى الشجة واحدة الشجاج. قاله الجوهري.
وأما كون الشجاج عشراً؛ فلما يذكر بعد إن شاء الله تعالى.
وأما كون خمس منها لا مقدر فيها؛ فلأن التقدير من الشرع، ولم يقدر فيما (1) ذكر شيئاً.
وأما قوله: أولها الحارصة
…
إلى قوله: قشرة رقيقة؛ فتعداد للخمس التي لا مقدر فيها، وبيان لها.
وأما كون الخمس المذكورة فيها حكومة في ظاهر المذهب؛ فلأنها جراحات [لم يرد فيها توقيت في الشرع. فكان الواجب فيها حكومة؛ كجراحات](2) البدن. ويؤيده ما روى مكحول قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموضحةِ بخمسٍ من الإبلِ ولم يقضِ فيما دونها» (3).
(1) في د: فما.
(2)
ساقط من د.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 82 كتاب الديات، باب المنقلة.
ولأنه لم يثبت فيها مقدّر بتوقيف، ولا له قياس يصح. فوجب الرجوع إلى الحكومة؛ كالحارصة.
وأما كون البازلة فيها بعير والباضعة فيها بعيران والمتلاحمة فيها ثلاثة والسمحاق فيها أربعة على روايةٍ؛ فلأن ذلك يروى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (1)، وروي عن علي عليه السلام في السمحاق مثل ذلك (2). رواه سعيد عنهما.
فإن قيل: لم سيمت الخمس المذكورة بذلك؟
قيل: أما الحارصة؛ فلأن الحرص الشق. ومنه حرص القصار الثوب إذا شقه.
وأما البازلة؛ فإنها تبزل الدم أي تسيله. وتسمى الدامية أيضاً.
وأما الباضعة؛ فلأنها تُبضع اللحم أي تبرزه.
وأما المتلاحمة؛ فلأخذها في اللحم.
وأما السِّمحاق؛ فلأن الجلدة التي تبقى بين الجلد والعظم تسمى سمحاقاً فسمي الجرح باسمها.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 84 كتاب الديات، باب ما دون الموضحة من الشجاج.
(2)
أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
فصل [في الشجاج المقدرة]
قال المصنف رحمه الله: (وخمس فيها مقدر. أولها: الموضحة التي توضح العظم أي تبرزه ففيها خمسة أبعرة. وعنه: في موضحة الوجه عشرة. والأول المذهب).
أما كون الخمس من الشجاج فيها مقدر؛ فلأن التقدير من الشرع، وقد ورد في الخمس الآتي بيانها في مواضعها (1).
وأما معنى الموضحة فكما ذكر المصنف رحمه الله. وسميت بذلك لأنها أوضحت وَضَح العظم وهو بياضه.
وأما كون موضحة الرأس فيها خمس أبعرة؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «في الموضِحَةِ خمسٌ من الإبل» (2).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الموضِحَةِ (3) خمسٌ خمس» (4). رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن.
وأما كون موضحة الوجه فيها خمسة أبعرة أيضاً على المذهب؛ فلشمول ما تقدم لها (5).
(1) في د: موضعها.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في د: الموضح.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (4566) 4: 190 كتاب الديات، باب ديات الأعضاء. بلفظ: عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المواضح خمس» .
وأخرجه الترمذي في جامعه (1390) 4: 13 كتاب الديات، باب ماجاء في الموضحة.
وأخرجه النسائي في سننه (4852) 8: 56 كتاب القسامة، المواضح. عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبدالله بن عمرو.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2655) 2: 886 كتاب الديات، باب الموضحة.
(5)
زيادة من د.
وأما كونها فيها عشرة على روايةٍ؛ فلأن شينها أكثر؛ لأن موضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة.
والأولى أصح؛ لما تقدم.
ولأن ذلك قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ولأن موضحة الوجه موضحة. فكان أرشها خمسة أبعرة؛ كغيرها.
وأما كثرة الشين لا عبرة به بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة.
قال: (فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين).
أما كون ما ذكر موضحة واحدة على وجه؛ فلأن الوجه والرأس سواء في الموضحة. فصارا كالعضو الواحد.
وأما كونه موضحتين على وجهٍ؛ فلأنه أوضحه في عضوين. فكان لكل واحد حكم نفسه؛ كما لو أوضحه في رأسه فنزلت إلى قفاه.
قال: (وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة. فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة).
أما كون من أوضح كما ذكر عليه عشرة؛ فلأن ذلك موضحتان.
وأما كونه إذا خرق (1) ما بينهما يصيران موضحة واحدة؛ فلأن الجميع صار موضحة بفعله. فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما.
وأما كونهما يصيران موضحة واحدة إذا ذهب ما بينهما بالسراية؛ فلأن سراية الجناية لها حكم أصل الجناية، ولو أتلف ما بينهما بنفسه صارا موضحة واحدة. فكذا إذا ذهب ما بينهما بالسراية.
قال: (وإن خرقه المجني عليه أو أجنبي فهي ثلاث مواضح. وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه).
أما كون الموضحتين ثلاثاً إذا خرق ما بينهما المجني عليه أو أجنبي؛ فلأن ذلك من فعل رجلين والرجلان لا يُبنى فعل أحدهما على فعل الآخر. بدليل ما لو قطع
(1) في أ: خرقت.
رجلٌ يد رجل من الكوع، وقطع آخر من الكوع إلى المرفق: فإن الثاني يجب عليه أرش ما قطع وجهاً واحداً، ولا يُبنى فعله على فعل القاطع إلى الكوع. حتى يخرج في أرش ما زاد على الكوع الخلاف الخارج فيما إذا قطع رجل اليد من المرفق.
وأما كون القول قول المجني عليه إذا اختلف هو والجاني فيمن خرقه؛ فلأن سبب أرش موضحتين قد وجد، والجاني يدعي زواله، والمجني عليه ينكره، والقول قول المنكر؛ لأن الأصل معه.
قال: (ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل، فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين. فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه).
أما كون مثل من أوضح موضحتين بينهما حاجز ثم خرق ما بينهما من قطع ثلاث أصابع امرأة ثم قطع الرابعة؛ فلأن الجناية لما زادت قلّ الواجب (1)؛ لأن من أوضح كما ذُكر كان عليه قبل الخرق عشرة أبعرة؛ لأنهما موضحتان فلما خرق الحاجز صار عليه خمسة؛ لأنها صارت موضحة واحدة، ومن قطع ثلاث أصابع امرأة عليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين؛ فلأن جراح المرأة يساوي جراح الرجل ما لم يزد على الثلث فإذا زاد فعلى النصف. وقد تقدم دليل ذلك في موضعه (2).
وأما كون القول قول المجني عليه إذا اختلف (3) هو وقاطع الثلاث في قاطع الرابعة؛ فلما تقدم فيما إذا اختلف المجني عليه والموضح فيمن خرق الحاجز الذي بين الموضحتين.
فإن قيل: إنما ذكر المصنف رحمه الله ذلك تقوية لما تقدم ولا ينبغي أن يثبت بالقياس [عليه.
قيل: لم يُرد القياس] (4)، وإنما أراد بذلك التنبيه على أن العلة واحدة.
(1) في أ: قبل الوجوب.
(2)
ص: 118.
(3)
في أ: اختلفوا.
(4)
ساقط من أ.
قال: (وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين. وإن شجّ جميع رأسه سِمْحاقاً إلا موضعاً منه أوضحه فعليه أرش موضحة).
أما كون الموضحتين إذا خرق ما بينهما في الباطن موضحة واحدة على وجه. [أشبه ما لو خرق الظاهر.
وأما كونه موضحتين على وجه] (1)؛ فلأن ذلك منفصلٌ في الظاهر.
وأما كون من شَج جميع رأس غيره سِمْحاقاً إلا موضعاً منه أوضحه: عليه أرش موضحة؛ فلأنه لو أوضح جميع رأسه لم يكن عليه أكثر من أرش موضحة. فلئلا يكون عليه في إيضاح البعض وشج الباقي غيره (2) موضحة أكثر من أرش موضحة بطريق الأولى.
قال: (ثم الهاشمة. وهي: التي توضح العظم وتهشمه. ففيها عشر من الإبل. فإن ضربه بمثقّل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة. وقيل: يلزمه خمس من الإبل).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي التي توضح العظم وتهشمه؛ فبيان لمعنى الهاشمة. وسميت بذلك لهشمها العظم.
وأما كونها فيها عشر من الإبل؛ فلأن ذلك مروي عن زيد بن ثابت. ولم يعرف له مخالف في عصره فكان إجماعاً.
ولأن الهاشمة شجة فوق الموضحة تختص باسم. فكان فيها أكثر منها؛ كالمأمومة بالنسبة إلى ما دونها.
وأما كون من ضرب بمثقّل فهشم العظم من غير أن يوضحه عليه فيه حكومة على وجه؛ فلأنه لا مقدر فيه، ولا هو نظير ما قدر فيه. أشبه سائر ما لا مقدر فيه.
(1) ساقط من أ.
(2)
مثل السابق.
وأما كونه عليه فيه خمس من الإبل على وجه؛ فلأن الهاشمة تشتمل على هشم وإيضاح. فوجب أن يوزع العشر من الإبل عليها نصفين ونصفها خمس من الإبل.
قال: (ثم المنقِّلة. وهي: التي توضح وتهشم وتنقل عظامها ففيها خمس عشرة من الإبل).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي
…
إلى عظامها؛ فبيان لمعنى المنقّلة. سميت بذلك؛ لأنها تنقل العظام.
وأما كون فيها خمس عشرة من الإبل؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي المنقِّلَةِ خمسَ عشرةَ (1) من الإبل» (2).
قال: (ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وتسمى أم الدماغ، وتسمى المأمومة آمّة ففيها ثلث الدية).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ؛ فبيان لمعنى المأمومة. وسميت بذلك؛ لأنها تصل إلى أم الدماغ.
وأما كون جلدة الدماغ تسمى أم الدماغ؛ فلأنها تحوط بالدماغ وتجمعه.
وأما كون المأمومة تسمى آمة؛ فلأن الجوهري ذكره في صحاحه. وفي حديث ابن عمر «أن منقذاً سفع في رأسه مأمومة فحبست لسانه. فكان يُخدَعُ في بيعهِ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بايعْ وقل: لا خِلابَة» (3). رواه الحميدي في مسنده.
قال محمد بن يحيى الحباني: جدّي منقذ وكان قد أصابَتْهُ آمَّةٌ فَكَسَرَتْ لسانَهُ وذكر الحديث (4). رواه البخاري في تاريخه.
(1) في أ: عشر.
(2)
سبق تخريجه ص: 112.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (6563) 6: 2554 كتاب الحيل، باب ما ينهى من الخداع في البيوع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1533) 3: 1165 كتاب البيوع، باب من يخدع في البيع.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2355) 2: 789 كتاب الأحكام، باب الحجر على من يفسد ماله.
وأما كونها فيها ثلث الدية؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي المأمومةِ ثلثُ الدية» (1).
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
قال: (ثم الدامغة. وهي: التي تخرق الجلدة ففيها ما في المأمومة).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي التي تخرق الجلدة؛ فبيان لمعنى الدامغة. وسميت بذلك؛ لأنها تخرق جلدة الدماغ.
وأما كونها فيها ما في المأمومة؛ فلأن فيها ما في المأمومة وزيادة.
وقيل: فيها مع ما ذكر حكومة؛ لخرق جلدة الدماغ.
(1) سبق تخريجه ص: 112.
فصل [في الجائفة]
قال المصنف رحمه الله: (وفي الجائفة ثلث الدية. وهي: التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر. فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي التي إلى (1) نحر؛ فبيان لمعنى الجائفة.
وأما كونها فيها ثلث الدية؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي الجائِفَةِ ثُلُثُ الدية» (2)، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
وأما كون من خرقَ من جانب فخرج من جانب آخر تكون جنايته جائفتين؛ فلما روى سعيد بن المسيب: «أن رجلاً رمى رجلاً بسهمٍ فأنفذَه. فقضَى أبو بكر رضي الله عنه بثُلُثي الدية» (3). أخرجه سعيد بن منصور في سننه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن عمرُ قضى في الجائفةِ إذا نفذَتْ بأرشِ الجائفتين» .
ولأنه أنفذه من موضعين. فكانت جائفتين؛ كما لو أنفذه بضربتين.
قال: (وإن طعنه في خده فوصل إلى فمه ففيه حكومة. ويحتمل أن تكون جائفة).
أما كون ما ذكر فيه حكومة على المذهب؛ فلأن ذلك ليس بجائفة لأن الفم له حكم الظاهر لا حكم (4) الباطن. والجائفة ما نفذت من ظاهر إلى باطن. فإذا لم تكن جائفة وجب فيه حكومة؛ لأن ذلك جناية ليس فيها مقدر.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه ص: 174.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 85 كتاب الديات، باب الجائفة.
(4)
ساقط من أ.
وأما كونه يحتمل أن تكون جائفة؛ فلأنه قد وصل إلى جوف. أشبه الواصل إلى جوفه.
قال: (فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه، أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه: فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك).
أما كون الجارح المذكور عليه دية الجائفة والموضحة؛ فلأنه أجافه وأوضحه.
وأما كونه عليه حكومة؛ [فلأنه جرح قفاه ووركه، وذلك لا توقيت فيه. فوجب فيه حكومة](1). ضرورة كون الجناية غير مؤقتة.
قال: (وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان. وإن وسع ظاهره دون باطنه، أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة. وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى).
أما كون ما ذكر أولاً جائفتين؛ فلأن كل واحد من الجانيين فعل فعلاً لو انفرد لكان جائفة. فإذا اجتمعا وجب كونهما جائفتين. ضرورة أن فعل الغير لا يسقط حكم (2) ما انضم إليه.
وأما كون من وسع ظاهر الجرح دون باطنه، أو باطنه دون ظاهره عليه حكومة؛ فلأن جنايته لم تبلغ الجائفة فتكون جناية لا توقيت فيها، وذلك فيه حكومة.
وأما كون الجائفة إذا التحمت ففتحها آخر جائفة أخرى؛ فلأن الجائفة بالالتحام عادت إلى الصحة. فصار موضعها كالذي لم يجرح، وجرح ذلك يوجب (3) كونه جائفة. فكذا هذا.
(1) ساقط من د.
(2)
في أ: حكمه.
(3)
في د: جرح ذلك فوجب.
فصل [في كسر العظام]
قال المصنف رحمه الله: (وفي الضلع بعير، وفي الترقوتين بعيران، وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق بعيران، وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه حكومة).
أما كون كسر الضلع فيه بعير؛ فلأن عمر رضي الله عنه حكم للضلع بجمل (1).
ولأن الضلع عضو واحدٌ. فوجب فيه بعيرٌ واحد؛ كالترقوة.
وأما كون كسر الترقوتين فيه بعيران؛ فلأن ذلك روي عن (2) عمر وزيد بن ثابت.
والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف.
وأما كون كل واحدٍ من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق فيه بعيران؛ فلما روى عمرو بن العاص «أنه كتب إلى عمرَ من أجلِ الزندِ إذا كُسر. فكتب إليه أن فيه بعيرين» (3).
إذا ثبت ذلك في الزند ثبت في بقية ما ذكر بالقياس عليه.
وأما كون ما عدا ما ذكر المصنف رحمه الله من الجروح وكسر العظام؛ مثل خرزة الصلب والعصعص: فيه حكومة؛ فلأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها. أشبهت الجراحات التي لا توقيت فيها.
(1) أخرجه الشافعي في مسنده (374) 2: 111 كتاب الديات.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 99 كتاب الديات، باب ما جاء في الترقوة والضلع.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (27126) 5: 380 كتاب الديات، الضلع إذا كسر.
(2)
في أ: فلأن ذلك قول.
(3)
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن نافع ابن عبدالحارث قال: «كتبت إلى عمر أسأله عن رجلٍ كُسر أحد زنديه. فكتب إلى عمر أن فيه حقتين بكرتين» (27770) 5: 436 كتاب الديات، الزند يكسر.
قال: (والحكومة: أن يُقَوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به. ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص من القيمة فله (1) مثله من الدية. فإن (2) كان قيمته وهو صحيح عشرين (3) وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته؛ إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ به أرش المقدر. فإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة، وإن كانت في إصبع لم يبلغ بها دية الإصبع، وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها).
أما قول المصنف رحمه الله: والحكومة أن يُقَوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت؛ فبيان لمعنى الحكومة.
وأما كون ما نقص (4) المجني عليه مثله من الدية؛ فلأن الحر قيمته ديته.
وأما قول المصنف رحمه الله: فإن (5) كان قيمته
…
إلى قوله: تسعة عشر؛ فتمثيل للمسألة لتصح صورتها ويعرف معناها.
وأما كون ذلك هنا فيه نصف عشر دية المجني عليه؛ فلأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين، وهو نصف عشرها. فيكون في ذلك هنا نصف عشر الدية. ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية.
وأما قول المصنف رحمه الله: إلا أن تكون الحكومة؛ فاستثناء من عموم ما تقدم، وذلك أن ما تجب فيه الحكومة على ضربين:
أحدهما: أن يكون في شيء لا مقدر فيه، ولا هو بعض المقدر فيه. وحكمه ما ذكر.
وثانيهما: أن يكون في شيء هو بعض المقدر فيه. فهذا لا بد أن يُلحظ فيه عدم تجاوزه أرش المؤقت؛ مثل أن يشجه سمحاقاً، وذلك دون الموضحة. فإن بلغ أرشها بالتقويم أكثر من موضحة؛ مثل: أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته لم يجب الزائد لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة
(1) في أ: فما نقص فله.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: عشرون.
(4)
في د: وأما كون نقص.
(5)
ساقط من أ.
أكثر من أرش الموضحة، وذلك غير جائز؛ لأن الموضحة [أكبر من ذلك، والشَّيْن بها أعظم، والمحل واحد.
ومثل: أن يجرح إصبعاً فيبلغ] (1) أرشه أكثر من عشر الدية فلا يجب أكثر من عشرها؛ لأن دية الإصبع عشر من الإبل، وذلك عشرها.
ومثل: أن يجرح أنملة فيبلغ أرشه أكثر من ثلاثة [وثلث من الإبل؛ لأن ذلك هو دية لأنملته.
إذا تقرر هذا فظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا يبلغ] (2) به أرش المقدر أيضاً والذي تقدم هو قول الخرقي ولفظه: فلا يجاوز به أرش المؤقت وصرح به المصنف رحمه الله في المغني فقال: إذا شجه دون الموضحة فبلغ أرش الجراح بالحكومة أكثر من أرش الموضحة لم يجب الزائد.
قال: (وإن كانت مما لا تنقص شيئاً بعد الاندمال قُوّمت حال جريان الدم فإن لم تنقص شيئاً بحال أو زادته حسناً فلا شيء فيها).
أما كون المجني عليه يُقَوّم حال جريان الدم إذا كانت الجناية لا تنقص شيئاً حال الاندمال؛ فلأنه لا بد من نقص لأجل الجناية. فإذا كان التقويم بعد الاندمال ينفي ذلك وجب أن يُقَوّم في حال جريان الدم ليحصل النقص.
وأما كون الجناية لا شيء فيها إذا لم تنقص شيئاً بحال أو زادته (3) حسناً؛ فلأن الوجوب من أجل النقص ولم يوجد.
فعلى هذا لو حلق لحية امرأة لم يجب فيه شيء.
وقال أبو الخطاب: تُقَوّم كأنها رجل له لحية ثم تُقَوّم كأنها رجل ذهبت لحيته. فما نقص وجب قسط ذلك من ديتها؛ لأن الجناية عليها جناية لا تنقص شيئاً. فوجب اعتبارها بذلك؛ كتقويم الجرح حال جريان الدم إذا لم تنقص شيئاً بعد الاندمال.
(1) ساقط من أ.
(2)
مثل السابق.
(3)
في أ: زادت.
قال المصنف رحمه الله في المغني: والأول أصح؛ لأن الجناية المذكورة لا مقدر فيها ولم تنقص شيئاً. أشبهت الضرب.
ولأن لحية الرجل زَيْن له، وعيب في المرأة وتقدير (1) العيب بالزين لا يصح.
(1) في د: وتقدر.