المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب النذر الأصل في النذر الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌باب النذر الأصل في النذر الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله

‌باب النذر

الأصل في النذر الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29].

وأما السنة؛ فما روت عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذرَ أن يطيعَ الله فليطعهُ، ومن نذرَ أن يعصيهِ فلا يعصِه» (1).

وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركمْ قرني، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم ينذرونَ ولا يهبون، ويخونونَ ولا يُؤتمنون، ويشهدونَ ولا يُسْتشهدون، ويظهرُ فيهم السِّمَن» (2). رواهما البخاري.

وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة.

قال المصنف رحمه الله: (وهو: أن يُلزم نفسه لله تعالى شيئاً. ولا يصح إلا من مكلّف مسلماً كان أو كافراً).

أما قول المصنف رحمه الله: وهو أن يُلزم نفسه لله تعالى شيئاً؛ فبيان لمعنى النذر. وفي إضافة الإلزام إلى نفسه احتراز عن الواجب بأصل الشرع.

وأما كون النذر لا يصح من غير مكلف؛ فلأن غير المكلف كالصبي والمجنون لا اعتبار بقوله.

والنذر قول يترتب عليه حكم شرعي. فلم يصح من واحدٍ منهما؛ كسائر أقوالهما.

وأما كونه يصح من المكلف؛ فلدخوله فيما تقدم مع سلامته عما ذكر.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6322) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (6317) 6: 2463 كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2535) 4: 1964 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة

ص: 486

وأما كونه يصح من المكلف مسلماً كان أو كافراً: أما المسلم فظاهر.

وأما الكافر؛ فـ «لأن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني نذرتُ في الجاهليةِ أن أعتكفَ يوماً، قال: أوْفِ» (1) متفق عليه.

قال: (ولا يصحُ إلا بالقول. فإن نواه من غير قول لم يصح).

أما كون النذر لا يصح بغير القول؛ فلأنه التزام. فلم يصح بغير القول؛ كالطلاق والنكاح.

وأما كونه يصح بالقول؛ فلأنه التزام يصح بالقول؛ كسائر الالتزامات.

وأما كون الناذر إذا نواه من غير قول لا يصح؛ فلأن من شرطه القول ولم يوجد.

قال: (ولا يصح في محال ولا واجب. فلو قال: لله عليَّ صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد).

أما كون النذر لا يصح في المحال؛ فلأنه لا يتصور انعقاده فيه. فلم يصح فيه؛ كاليمين التي لا يمكن انعقادها.

وأما كونه لا يصح في واجب؛ فلأن النذر التزام، والتزام اللازم لا يصح.

وأما كون من قال: لله عليَّ صوم أمس أو صوم رمضان لا ينعقد؛ فلما تقدم من أن النذر لا يصح في محال ولا واجب، وصوم أمس محال، وصوم رمضان واجب.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6319) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنساناً في الجاهلية ثم أسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1656) 3: 1277 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.

ص: 487

قال: (والنذر المنعقد على خمسة أقسام:

أحدها: النذر المطلق. وهو أن يقول: لله عليَّ نذر. فيجب به كفارة يمين.

الثاني: نذر اللجاج والغضب. وهو: ما يقصد به المنع من شيء غيره أو الحمل عليه؛ كقوله: إن كلمتكَ فلله عليَّ الحج، أو صوم سنة، أو عتق عبدي، أو الصدقة بمالي. فهذا يمين يتخير بين فعله والتكفير).

أما كون النذر المنعقد على خمسة أقسام؛ فلأنه تارة يكون مطلقاً، وتارة نذر لجاج وغضب، وتارة مباحاً، وتارة معصية، وتارة تبرراً.

وأما كون أحد أقسام النذر المنعقد: النذر المطلق كما مثل المصنف رحمه الله من قوله: لله عليَّ نذر؛ فلأنه نذر فيدخل في قوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«النذرُ حلفَة (1» ) (2).

وأما كونه تجب به كفارة يمين؛ [فلقوله صلى الله عليه وسلم «كفارةُ النذر إذا لم يُسمِّ كفارةُ يمين» (3). رواه الترمذي](4) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

ولأنه قول ابن عباس وابن مسعود وجابر وعائشة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم.

وأما كون الثاني من أقسام النذر المنعقد: نذر اللجاج والغضب كما مثل المصنف رحمه الله؛ فلما ذكر قبل.

وأما كونه يميناً يتخير بين فعله والتكفير؛ فلأن ذلك خرج مخرج اليمين. فوجب أن يعطى حكمها.

(1) في د زيادة: وما يأتي في كفارته.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (866) 17: 313 عن عقبة بن عامر، ولفظه:«النذر يمين، وكفارته كفارة يمين» .

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1528) 4: 106 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في كفارة النذر إذا لم يسم.

(4)

زيادة من الشرح الكبير 11: 334.

ص: 488

قال: (الثالث: نذر المباح؛ كقوله: لله عليَّ أن ألبس ثوبي، أو أركب دابتي. فهذا كاليمين يتخير بين فعله وكفارة يمين. فإن نذر مكروهاً؛ كالطلاق استحب أن يكفّر ولا يفعله).

أما كون الثالث من أقسام النذر المنعقد: نذر المباح. والمراد بالمباح هنا ما استوى طرفاه وما ترجح تركه على فعله. فالأول: كلبس الثوب، وركوب الدابة. والثاني: كالطلاق؛ فلما ذكر قبل.

وأما كون الأول؛ كاليمين يتخير بين فعله وكفارة يمين: أما الفعل؛ فلما روي: «أن امرأت أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرتُ أن أضربَ على رأسكَ بالدُّفِ. فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك» (1). رواه أبو داود.

وأما الكفارة ومفهوم كلام المصنف رحمه الله أنه يجوز تركه. وهو صحيح؛ لأن النذر أُجري مجراه في الكفارة. فكذلك يجب أن يجري مجراه في جواز الترك.

وأما الثاني وهو ما ترجح تركه على فعله؛ كالطلاق وسائر ما يكره فعله يستحب أن يكفّر ولا يفعله: أما التكفير؛ فليخرج من عهدة نذره.

وأما عدم الفعل؛ فلأن فعله مكروه، وهو مطلوب العدم.

قال: (الرابع: نذر المعصية؛ كشربِ الخمر، وصوم يوم الحيض ويوم النحر، فلا يجوز الوفاءُ به ويكفر؛ إلا أن ينذر نحرَ ولده ففيه روايتان:

إحداهما: أنه كذلك. والثانية: يلزمه ذبح كبش.

ويحتمل أن لا ينعقد نذر المباح ولا المعصية، ولا يجب به كفارة، ولهذا قال أصحابنا: لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان مُعيّن فله فعله في غيره، ولا كفارة).

أما كون الرابع من أقسام النذر المنعقد: نذر المعصية كما مثّل المصنف رحمه الله؛ فلما ذكر قبل.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3312) 3: 237 كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.

ص: 489

وأما كونه لا يجوز الوفاء به؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نذرَ أن يعصي الله فلا يعصِه» (1).

وأما كون ناذره يكفر نحر ولده كان أو لد غيره؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذرَ في معصيةٍ وكفارتهُ كفارةُ يمين» (2). رواه أبو داود. وقال الترمذي: هو حديث غريب.

وأما كونه يلزمه ذبح كبش إذا كان نذر نحر ولده في روايةٍ؛ فلأن الله عز وجل جعل الكبش عوضاً عن ذبح ولد إبراهيم بعد أن ذبحه، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم حيث قال:{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً} [النحل: 123].

وأما كون نذر المباح والمعصية يحتمل أن لا ينعقد؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذرَ إلا فيما ابتغُي به وجهُ الله» (3).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطبُ إذا برجل قائم فسألَ عنه. فقالوا: أبو إسرائيلَ نذرَ أن يقومَ في الشمس ولا يستظلَ ولا يتكلمَ ويصوم. قال: ليستظلَ وليتكلمَ وليتمَ صومَه» (4). رواه البخاري.

وعن أنس قال: «نذرت امرأة أن تمشي إلى بيتِ الله. فسُئلَ نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: إن الله لغنيٌ عن مشيهَا. مُروها فلتركَب» (5). قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

(1) سبق تخريجه ص: 498.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3290) 3: 232 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1525) 4: 103 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية. وقد سقط لفظ كفارته من د.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2192) 2: 258 تفريع أبواب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح.

وأخرجه أحمد في مسنده (6732) 2: 185.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (6326) 6: 2465 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.

(5)

أخرجه الترمذي في جامعه (1536) 4: 111 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع.

ص: 490

والأول أصح؛ لما تقدم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نذرَ» (1) معناه والله أعلم لا نذر يجب وفاؤه ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في انعقاده موجباً للكفارة ودعوى عدم إيجاب الكفارة في حديث ابن عباس ممنوعة.

ولأن في بعض ألفاظه: «وليصُم ثلاثةَ أيام» .

قال: (ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه. وإن نذر الصدقة بألفٍ لزمه جميعها. وعنه: يجزؤه ثلثها).

أما كون من نذر الصدقة بكل ماله له الصدقة بثلثه؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قال لأبي لبابة حين قال: إنَّ منْ توبَتي أن أنخلِعَ من مالي قال: يجزئك الثلث» (2).

وفي رواية: «أمسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ» (3) متفق عليه.

ولأبي داود: «يجزئُ عنكَ الثلث» (4).

وأما كونه لا كفارة عليه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب على أبي لبابة سوى ثلث ماله.

وأما كون من نذر الصدقة بألفٍ يلزمه الصدقة بجميعها على المذهب؛ فلأن الأصل لزوم الوفاء بالنذر خولف في جميع المال للأثر فيبقى في غيره على الأصل.

وأما كونه يجزئه ثلثها على روايةٍ؛ فلأنه مال نذر للصدقة. فأجزأه ثلثه؛ كما لو نذر جميع المال.

والأول أصح قاله المصنف رحمه الله في المغني؛ لما تقدم.

(1) سبق قريباً.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (16111) 3: 502.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2606) 3: 1013 كتاب الوصايا، باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله

وأخرجه مسلم في صحيحه (2769) 4: 2120 كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3319) 3: 240 كتاب الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.

ص: 491

وقياس الألف على جميع المال لا يصح؛ لما في الصدقة بجميع المال من الإضرار بنفسه وورثته، ولهذا منع الشخص من الوصية بجميع ماله.

فإن قيل: كلام المصنف رحمه الله في الألف غير مقيدٍ بكونها بعض ماله أو كله.

قيل: قال في المغني: إذا نذر الصدقة بقدرٍ يستغرق ماله كله صح إلحاقه بالصورة الأولى. يعني بنذر صدقة ماله كله.

ووجهه: أن المعنى المانع من صدقة جميع المال موجودة في الصدقة بالعدد الذي مقداره جميع ماله.

ص: 492

فصل [في نذر التبرر]

قال المصنف رحمه الله: (الخامس: نذر التبرر؛ كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القرب على وجه التقرب سواء نذره مطلقاً أو علّقه بشرط يرجوه فقال: إن شفى الله مريضي، أو سلم الله مالي فلله (1) عليّ كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ولزمه فعله).

أما كون الخامس من أقسام النذر المنعقد: نذر التبرر كما مثّل المصنف رحمه الله؛ فلما تقدم.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نذرَ أن يطيعَ الله فليُطِعْه» (2).

وأما كون النذر المذكور كما ذكر سواء نذره كما تقدم، أو علقه بشرط يرجوه كما ذكره المصنف رحمه الله؛ فلأن ما ذكر يشملهما.

وأما كون المعلق متى وجد شرطه ينعقد نذره؛ فلأنه يصير عند وجود شرطه بمنزلة المطلق، ولذلك لو أطلق الطلاق من غير تعليق طلقت امرأته ولو علقه على شرط فوجد طلقت.

وأما كونه يلزمه فعله عند ذلك؛ فلأن الناذر حينئذ يصير كالمطلق، والمطلقُ يلزم الوفاء به. فكذلك من هو بمنزلته.

قال: (وإن نذر صوم سنة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيدين، وفي أيام التشريق روايتان. وعنه: ما يدل على أنه يقضى يومي العيدين وأيام التشريق).

أما كون رمضان لا يدخل في نذر صوم السنة؛ فلأن رمضان لا يقبل غير صومه. فلم يدخل في صوم نذر؛ كالليل.

(1) في د: فله. وما أثبتناه من المقنع.

(2)

سبق تخريجه ص: 498.

ص: 493

وأما كون يومي العيدين لا يدخلان في ذلك على المذهب؛ فلأنهما يومان لا يصح صومهما عن نذره. فلم يدخلا في صوم السنة؛ كأيام رمضان.

وأما كون ناذر ذلك يقضيه على روايةٍ؛ فلأن الصوم لما كان حراماً وجب أن ينعقد نذره موجباً للقضاء.

وأما كون أيام التشريق فيها روايتان فمبني على أن صومها عن الفرض هل هو جائز أم لا؟

فإن قيل: هو جائز دخلت في نذره، وإن قيل: هو غير جائز لم تدخل.

وأما كونها تقضى على روايةٍ؛ فبالقياس على العيدين.

ولا بد أن يلحظ في هذه الرواية أنها مبنية على القول بتحريم صيامها عن الفرض؛ لأنها حينئذ تشبه العيدين.

قال: (وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أفطر وقضى وكفّر. وعنه: يكفّر من غير قضاء، ونقل عنه ما يدل على أنه إن صام يوم العيد صحّ صومه. وإن وافق أيام التشريق فهل يصومه؟ على روايتين).

أما كون من نذر ما ذكر فوافق يوم عيد يفطر؛ فلأن الشرع حرم صومه.

وأما كونه يقضي؛ فلأنه فاته ما نذر صومه.

وأما كونه يكفّر؛ فلعدم الوفاء بنذره.

وأما كونه يكفّر من غير قضاء على روايةٍ؛ فكما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها.

وأما كون الناذر إن صام يوم العيد صح صومه على روايةٍ؛ فلأنه وفاء بما نذر.

وذكر المصنف في المغني رواية رابعة: أنه يقضي ولا كفارة عليه: أما كونه يقضي؛ فلأن النذر الواجب فاته. فلزمه قضاؤه؛ كما لو تركه ناسياً.

وأما كونه لا كفارة عليه؛ فلأن الشرع منع القادر صومه. فلم تلزمه الكفارة؛ كالمكره.

وأما كون من نذر ما ذكر فوافق يوم حيض يفطر فلا خلاف فيه؛ لقيام المنافي للصوم.

ص: 494

وأما كونه يقضي ويكفر، أو يكفر من غير قضاء، أو يقضي ولا يكفر؛ فلما تقدم فيمن نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد.

وأما كونه إذا وافق أيام التشريق هل يصومه فيه روايتان؛ فمبني على جواز صومها فرضاً.

فإن قيل: يجوز صومها عن الفرض جاز له صوم يوم النذر، وإن قيل: لا يجوز صومها عن الفرض كان حكمها حكم يومي العيد.

قال: (وإن نذر صوم يوم يقدُم فلان فقدم ليلاً فلا شيء عليه. وإن قدم نهاراً فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره، ولا يلزمه إلا إتمامُ صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر. وعنه: أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر أو صائم).

أما كون من نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلاً لا شيء عليه؛ فلأن شرط لزوم النذر قدومه نهاراً ولم يوجد.

وأما كونه إذا قدم نهاراً لا ينعقد نذره على روايةٍ؛ فلأنه لا يمكنه صومه بعد وجود شرطه. فلم ينعقد؛ كما لو قال: لله عليَّ أن أصوم أمس اليوم الذي يقدم فيه فلان.

وأما كونه لا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر فكما لو قال: لله عليَّ أن أصوم بقية يومي.

وأما كونه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر أو صائم على روايةٍ: أما فيما إذا قدم وهو صائم؛ فلأنه لم ينو صوم النذر من الليل.

فإن قيل: لو علم بقدوم فلان من الليل فنوى الصوم.

قيل: يصح صومه ويجزئه عن نذره؛ لوفائه بما نذره.

فإن قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله أن إتمام صيام ذلك اليوم مرتب على عدم الانعقاد؛ لأنه قال: وإن قدم نهاراً فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم، وعنه أنه يقضي ويكفر.

قيل: ليس لذلك وجه. وقد حكى في المغني بانعقاد النذر المذكور ثم علله ثم قال: فإذا ثبتت صحته فعلم

وذكر بقية الأحكام.

ص: 495

قال: (وإن وافق قدومه يوماً من رمضان فقال الخرقي: يجزئه صيامه لرمضان ونذره، وقال غيره: عليه القضاء. وفي الكفارة روايتان. وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة).

أما كونه إن وافق قدومه يوماً من رمضان يجزئه صيامه لرمضان ونذره أي عنهما على قول الخرقي؛ فلأن الناذر نذر صيام ذلك الزمن وقد صامه.

وكونه يجزئه صيام ذلك اليوم فيه إشعار بأن النذر صحيح. صرح به في المغني.

وقال القاضي: ظاهر كلام الإمام أحمد أن النذر لا ينعقد؛ لأن النذر وافق زمناً يستحق صيامه. فلم ينعقد؛ كما لو نذر صيام رمضان.

والأول عند المصنف رحمه الله أصح. ذكره في المغني وعلله بأنه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالباً. فانعقد؛ كما لو قدم في غير رمضان.

وأما كونه عليه القضاء على قول غير الخرقي؛ فلأن زمن النذر يستحق الصيام لغيره. فلم يمكن صيامه عنه. فوجب أن يجب عليه القضاء؛ استدراكاً لما فاته من نذره.

وأما كونه عليه الكفارة في روايةٍ؛ [فلتأخر النذر](1).

[وأما كونه لا كفارة عليه في روايةٍ](2)؛ فلأنه ممنوع من صيام غير رمضان فيه فيصير كالمكره على عدم صيامه عن النذر، ومع الإكراه المذكور لا كفارة فكذلك ما هو بمنزلته.

وأما كونه لا قضاء عليه ولا كفارة إذا وافق يوم نذره وهو مجنون؛ فلأن وجود الشرط يصير الناذر كالمطلق للنذر. ولو أطلق النذر وهو مجنون لم يكن عليه قضاء ولا كفارة فكذلك هاهنا.

ولأن وجوبه ينفي وجوب الأداء عليه، والقضاء والكفارة يعتمدان وجوب الأداء.

قال: (وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين. وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء، وفي الكفارة روايتان. وإن صام قبله لم يجزئه.

(1) زيادة من الشرح الكبير 11: 348.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 496

وإن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر. ويحتمل أن يُتم باقيه ويقضي ويكفر).

أما كون من ذكر عليه القضاء إذا لم يصم المنذور لغير عذر أو لعذر؛ فلأنه أفطر ما نذر صومه. فلزمه قضاؤه؛ استدراكاً لما فاته من نذره.

وأما كونه عليه كفارة يمين إذا لم يصم لغير عذر؛ فلأنه أفطر من غير عذر عرض له. فكان عليه الكفارة؛ استدراكاً لما فاته من التعيين. وكانت كفارة يمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النذر حلفةٌ وكفارتهُ كفارةُ يمين» (1).

وأما كونه عليه الكفارة إذا لم يصم لعذر في روايةٍ؛ فلأنه أخلّ بنذره. فلزمته الكفارة؛ كما لو نذر الحج ماشياً فركب.

ولأن النذر كاليمين. ولو حلف ليصومن يوم كذا فأفطره لعذر لزمته الكفارة فكذا هاهنا.

وأما كونه لا كفارة عليه في روايةٍ؛ فلأنه أتى بصيام أجزأ عن نذره من غير تفريط. فلم يكن عليه كفارة؛ كما لو صام ما عيّنه.

والأولى أولى. قاله المصنف في المغني وعلله بما تقدم ذكره.

وأما كونه لا يجزئه إذا صامه قبله؛ فلأنه يجب عليه صوم ذلك الشهر بعينه، ولم يوجد ذلك مع تقديم الصوم، وذلك يقتضي عدم الإجزاء لبقائه في عهدة ما وجب عليه.

ولأن العبادات إذا كانت مؤقتة لم يجز تقديمها على وقتها. دليله الصلاة.

وأما كونه يلزمه الاستئناف إذا أفطر في بعضه لغير عذر؛ كمن نذر صوم المحرم فأفطر منه يوماً؛ فلأن ما نذره صوم يجب تتابعه. فأبطله الفطر فيه لغير عذر؛ كما لو أفطر في نذرٍ نَذَرَ التتابُع فيه.

وأما كونه يكفر؛ فلفوات زمن النذر.

وأما كونه يحتمل أن يُتمّ باقيه ويقضي ويكفر: أما الإتمام؛ فلأن التتابع فيما نذره وجب من حيث الوقت لا من حيث الشرط. فلم يبطله الفطر؛ كصوم رمضان.

(1) سبق تخريجه ص: 500.

ص: 497

وأما القضاء؛ فكما لو أفطر يوماً من رمضان.

وأما الكفارة؛ فلفوات زمن النذر.

والأول أصح؛ لما تقدم.

والفرق بين رمضان وبين النذر: أن تتابُع رمضان بالشرع لا بالنذر، وتتابُع النذر أوجبه الناذر على نفسه على صفة ثم فوّتها فهو شبيه بما شرط التتابُع فيه.

فإن قيل: هذا حكم ما إذا أفطر بعض المنذور لغير عذر، فما حكمه إذا أفطره لعذر فإنه لم يذكر المصنف رحمه الله حكمه؟

قيل: قد ذكره في المغني فقال: قياس المذهب أنه يبني على ما مضى ويقضي ما أفطر ويكفر: أما البناء؛ فلأنه معذور في القطع.

وأما القضاء؛ فلاستدراك ما فات من النذر الواجب صومه.

وأما الكفارة؛ فلفوات زمن المنذور.

وقال أبو الخطاب: فيه رواية أنه لا كفارة عليه؛ لأن المنذور محمول على المشروع. ولو أفطر في رمضان لعذر لم يلزمه شيء.

والأولى أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخت عقبة بن عامر: «لتركب ولتكفِّر عن يمينِها» (1). وفارق رمضان من حيث إنه لو أفطر لغير عذر لم يكن عليه كفارة إلا في الجماع. وإنما لم يذكره المصنف رحمه الله بالتصريح؛ لأنه يصح أن يدخل في قوله: وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء وفي الكفارة روايتان.

فإن قيل: لمَ لمْ يقتصر فيما إذا أفطر بعضه لغير عذر على قوله قبل ذلك: فلم يصمه لغير عذر؟

قيل: لأن حكم ما إذا أفطر الناذر بعضه الاستئناف على روايةٍ ولا دلالة لقوله فعليه القضاء وكفارة يمين على ذلك. بخلاف قوله: وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء وفي الكفارة روايتان فإن ذلك له دلالة على حكم ما أفطر الناذر بعضه؛ لاستوائهما في وجوب القضاء وجريان الخلاف في الكفارة لم يبق بينهما إلا

(1) أخرجه أبو داود في مسنده (3295) 3: 234 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

وأخرجه أحمد في مسنده (2880) طبعة إحياء التراث.

ص: 498

وجوب الإتمام وذلك يصلح أن يترك استناداً إلى أصل وجوب الوفاء بالنذر؛ لأن الإتمام بعض ما نذره.

قال: (وإذا نذر صوم شهر لزمه التتابع. وإن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع إلا أن يشترطه).

أما كون من ذكر يلزمه التتابع في نذر الشهر؛ فلأن إطلاق الشهر يقتضي ذلك.

وحكى المصنف رحمه الله في المغني رواية أخرى أنه لا يلزمه التتابع؛ لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى ثلاثين يوماً إجماعاً. فلم يلزمه التتابع؛ كما لو نذر صوم ثلاثين يوماً.

وأما كونه لا يلزمه ذلك في نذر صيام الأيام المعدودة إذا لم يشترطه؛ فلأن الأيام لا دلالة لها على التتابع، ولذلك لما قال الله تعالى:{فعدةٌ من أيامٍ أُخَر} [البقرة: 184]: لم يلزم التتابع فيها.

وأما كونه يلزمه إذا شرطه؛ فللوفاء بنذره.

ولم يفرق المصنف رحمه الله في الأيام بين الثلاثين وبين غيرها؛ كعشرة ونحوها. ومنصوص الإمام أحمد في الثلاثين لا يلزمه التتابع وأنه في العشرة يلزمه. وفرق بينهما من حيث إن الثلاثين تطلق ويراد بها الشهر فعدوله عن الشهر دليل على إرادة العدد دون التتابع فيها. قاله المصنف في المغني؛ لأن عدم ما يدل على التفريق ليس بدليل على التتابع، ولذلك أن الله تعالى لما قال في قضاء رمضان:{فعدةٌ من أيامٍ أخَر} [البقرة: 184] ولم يذكر تفريقها ولا تتابعها لم يجب التتابع فيها.

قال: (وإن نذر صياماً متتابعاً فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير. وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف. وإن أفطر لسفر أو ما أبيح الفطر فعلى وجهين).

أما كون من ذُكر إذا أفطر لمرض أو حيض يقضي؛ فلأنه صوم وجب عليه. فيجب قضاؤه؛ كما لو أفطر في رمضان.

ص: 499

وأما كونه لا شيء عليه غيره؛ فلأن المرض والحيض عذر لا يقطع التتابُع. ويخير بين الاستئناف وبين البناء وقضاء ما ترك وكفارة يمين: أما الاستئناف؛ فلأن به يحصل التتابع صورة وحكماً.

وأما البناء؛ فلأن ذلك بقية زمن نذر جميعه.

وأما القضاء؛ فبدل عما أفطره.

وأما الكفارة؛ فلأن العجز لا ينفيها. بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر بالكفارة مع عجزها عن المشي.

ولأن النذر كاليمين. ولو حلف ليصومنّ متتابعاً فأخلّ به لزمته الكفارة.

وأما كونه يلزمه الاستئناف إذا أفطر لغير عذر؛ فلأن التتابُع ينقطع بالفطر لغير عذر، وذلك يوجب الاستئناف ضرورة الوفاء بالتتابع.

وأما كونه إذا أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر يلزمه الاستئناف على وجه؛ فلأنه أفطر باختياره. أشبه ما لو أفطر لغير عذر.

وأما كونه لا يلزمه ذلك على وجه؛ فلأن فطره لعذر. أشبه ما لو أفطر لمرض أو حيض. ويجيء على قول الخرقي أنه يخير بين الاستئناف وبين البناء والقضاء والكفارة؛ لما تقدم.

فإن قيل: قد ذكر المصنف رحمه الله المرض فيما يوجب القضاء لا غير، من غير فرق بين الموجب للفطر منه وبين المبيح. ثم حكى فيما يبيح الفطر وجهين فهل يجب تأويل المرض بالمخوف ليكون موجبا للفطر كالمعطوف عليه وهو الحيض، أم يحمل على إطلاقه؟ وعلى تأويله لا إشكال وعلى حمله على إطلاقه ما الفرق بين المرض المبيح وبين السفر المبيح؟

قيل: هو محمول على التأويل المذكور. ويؤيده ما حكاه أبو الخطاب في هدايته. وعلى ظاهر كلام المصنف رحمه الله أن المرض يبيح الفطر مطلقاً سواء كان مخوفاً أو لا، ويؤيده أنه ذكر في المغني عن أبي الخطاب أن المرض غير المخوف؛ كالسفر فيه وجهان، وأنه فرق بين الموجب للفطر وبين المبيح له ثم قال: ولم أرَ هذا عن غيره.

ص: 500

فعلى الفرق بين المرض المبيح وبين السفر المبيح على القول بأن السفر يقطع التتابع أن المرض ليس باختياره والسفر يحصل باختياره فناسب أن يقطع السفر التتابع ضرورة أنه من فعله بخلاف المرض.

قال: (وإن نذر صياماً فعجز عنه لكبر أو مرض لا يُرجى برؤه أطعم عنه لكل يومٍ مسكين. ويحتمل أن يكفّر ولا شيء عليه).

أما كون من ذكر يُطعم عنه لكل يوم مسكين على المذهب؛ فلأنه لو عجز عن صوم رمضان كما ذكر لوجب عليه أن يُطعم لكل يوم مسكيناً. فكذلك الصوم المنذور.

وأما كونه يحتمل أن يكفر ولا شيء عليه؛ فلأن موجب النذر عند (1) الإمام أحمد موجب اليمين إلا مع القدرة على الوفاء بنذر الطاعة. ولو حلف ليصومنّ يوماً بعينه فعجز عنه لم يلزمه غير الكفارة فكذلك هاهنا.

قال: (وإن نذر المشي إلى بيت الله أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة. فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين. وعنه: عليه دم. وإن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان).

أما كون من نذر المشي إلى بيت الله الحرام لا يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة؛ فلأن المشي المعهود الشرعي.

فإن قيل: يجب المشي عليه.

قيل: يُنظر فيه فإن كان قادراً عليه وجب الوفاء به؛ لأن المشي إلى العبادة أفضل. ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يركب في عيد ولا جنازة. وإن كان عاجزاً جاز له الركوب؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئلَ عن أخت عقبة وقد نذرت المشي إلى بيت الله الحرام قال: لتركب ولتمش» (2).

فإن قيل: ليس في الحديث أن أخت عقبة بن عامر كانت عاجزة.

(1) في د: على. ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1767) 2: 660 كتاب الحج، باب من نذر المشي إلى الكعبة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1644) 3: 1264 كتاب النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة.

ص: 501

قيل: يجوز أنه كان عالماً بحالها، أو ذُكر له ذلك ولم ينقله الراوي، أو علم أن الظاهر من حال المرأة أنها لا تقدر على المشي.

وأما كونه إذا ترك المشي لعجز أو غيره عليه الكفارة؛ فلحديث أخت عقبة: «وتكفرْ يمينها» (1) وفي رواية: «ولتصُمْ ثلاثةَ أيام» (2).

وأما كونها دماً على روايةٍ؛ فلأن ابن عباس روى في حديث أخت عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتركبْ وتهدِ هَدياً» (3).

والأول أصح؛ لأن الرواية الصحيحة: «لتكفرْ يمينها» (4)، وفي رواية:«ولتصُمْ ثلاثةَ أيام» . وما روى ابن عباس ضعيف.

وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفارةُ النذر [إذا لم يُسمِّ] كفارة يمين» (5).

ولأن المشي مما لا يوجبه الإحرام. فلم يجب الدم بتركه؛ كما لو نذر صلاة ركعتين فلم يصلهما.

وأما كون من نذر المشي إلى موضع من الحرم كمن نذر المشي إلى البيت؛ فلأنه موضع من الحرم. أشبه البيت.

وأما كون من نذر الركوب فمشى فيه الروايتان المتقدم ذكرهما؛ فلأنه تارك لما نذر. أشبه ما لو نذر المشي فركب.

(1) سبق تخريجه ص: 511.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3293) 3: 233 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1544) 4: 116 كتاب النذور والأيمان، باب.

وأخرجه النسائي في سننه (3815) 7: 20 كتاب الأيمان والنذور، إذا حلفت المرأة لتمشي حافية غير مختمرة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2134) 1: 689 كتاب الكفارات، باب من نذر أن يحج ماشياً.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3296) 3: 234 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

(4)

سبق تخريجه ص: 511.

(5)

سبق تخريجه ص: 500، وما بين المعكوفين زيادة من الجامع.

ص: 502

قال: (وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب؛ إلا أن ينوي رقبة بعينها).

أما كون من نذر رقبة لا تجزئ عنها إلا الرقبة التي تجزئ عن الواجب إذا لم ينو رقبة بعينها؛ فلأن النذر المطلق يحمل على المعهود، والرقبة التي تجزئ عن الواجب معهودة شرعاً. فوجب حمل المطلق عليها.

وأما كونه إذا نوى رقبة بعينها تجزئ عما نوى؛ فلأنه نوى ما لفظه يحتمل.

قال: (وإن نذر الطواف على أربعٍ طاف طوافين. نص عليه).

أما كون من نذر الطواف على أربع يطوف طوافين؛ فلأن ابن عباس قال ذلك.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: الأولى أن يلزمه طواف واحد على رجليه، ولا يلزمه ذلك على يديه؛ لأنه ليس بمشروع.

فأما قول المصنف رحمه الله: نص عليه؛ فتأكيد، ورفع لوهمِ كون ذلك قولاً لبعض الأصحاب.

ص: 503