الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإقرار
قال المصنف رحمه الله: (يصح الإقرار من كل مكلفٍ مختارٍ غير محجورٍ عليه. فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما؛ إلا أن يكون الصبي مأذوناً له في البيع والشراء فيصح إقراره في قدر ما أذن له دون ما زاد. وكذلك العبد المأذون له في التجارة).
أما كون الإقرار يصح من كل مكلفٍ مختار غير محجور عليه؛ فلأنه يصح بيعه وشراؤه وهبته ووقفه وسائر تصرفاته. فصح إقراره قياساً على بقية أحكامه.
ولأنه مقر. فوجب أن يصح إقراره عملاً بالمقتضي للصحة السالم عن المعارض الآتي ذكره.
وأما كون الصبي إذا لم يكن مأذوناً له لا يصح إقراره؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ
…
الحديث» (1).
ولأن إقراره قول من غائب العقل. فلم يثبت له حكمه؛ كالبيع والطلاق.
وأما كونه إذا كان مأذوناً له يصح إقراره في القدر المأذون له؛ فلأنه تصرف في شيء يصح تصرفه في البيع والشراء. فصح إقراره به؛ كالبالغ.
وأما كونه لا يصح إقراره فيما زاد؛ فلأن تصرفه فيه بالبيع والشراء غير جائز فكذلك إقراره.
ولأن مقتضى الدليل أن إقراره غير صحيح. تُرك العمل به فيما أُذن له فيه للإذن. فيبقى فيما عداه على مقتضاه.
وأما كون المجنون لا يصح إقراره بحال؛ فلقوله عليه السلام: «وعن المجنونِ
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4401) 4: 140 كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًا.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1423) 4: 32 كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد.
وأخرجه النسائي في سننه (3432) 6: 156 كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2041) 1: 658 كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم.
حتى يُفيق» (1). وقياساً على الصبي بل أبلغ؛ لأن الصبي يفهم في الجملة بعض الفهم، وتصح صلاته وسائر عباداته.
وأما كون العبد المأذون له كالصبي المأذون له فيما ذكر؛ فلأنه يساوي الصبي معنى. فوجب أن يساويه حكماً.
قال: (ولا يصح إقرار السكران. ويتخرج صحته بناء على طلاقه).
أما كون إقرار السكران لا يصح على المذهب؛ فلأنه غير عاقلٍ. فلم يصح إقراره؛ كالمجنون.
ولأن السكران لا يوثق بصحة قوله ولا تنتفي عنه التهمة فيما يخبر به. فلم توجد علة قبول القول في حقه.
وأما كونه يتخرج صحته بناء على صحة طلاقه؛ فلأن صحة طلاقه يقتضي جعل حكمه حكم الصاحي، والصاحي يصح إقراره فكذلك من جعل حكمه حكمه.
قال: (ولا يصح إقرار المكرَه؛ إلا أن يقرّ بغير ما أكره عليه؛ مثل: أن يكرَه على الإقرار لإنسان فيقرّ لغيره، أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقرّ بطلاق غيرها، أو على الإقرار بدنانير فيقرّ بدراهم فيصح. وإن أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح).
أما كون إقرار المكرَه إذا لم يقر بغير ما أكره عليه لا يصح؛ فلقوله عليه السلام: «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهُوا عليه» (2).
ولأنه قول أكره عليه بغير حق. فلم يصح؛ كالبيع.
وأما كونه إذا أقر بغير ما أكره عليه مثل الإقرار في الصور التي ذكرها المصنف رحمه الله يصح؛ فلأن المقر به غير مكره عليه. فصح؛ كما لو أقر بذلك ابتداء.
وأما كون من أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك يصح؛ فلأن بيع الدار غير مكره عليه. فصح؛ كما لو (3) لم يكره أصلاً.
(1) تكملة للحديث السابق.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
قال: (وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح إقراره بغير المال. وإن أقرّ بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين، وفي الأخرى: لا يصح بزيادة على الثلث، ولا يحاصّ المقرّ له غرماء الصحة. وقال أبو الحسن التميمي والقاضي: يحاصّهم).
أما كون إقرار المريض المرض المذكور بغير المال يصح؛ فلأنه غير محجورٍ عليه في غير ماله.
ولأن مقتضى الدليل صحة إقراره مطلقاً. تُرك العمل به في المال؛ للحديث الوارد في ذلك. فوجب أن يبقى في غير المال على مقتضاه.
وأما كون إقراره بمال لمن لا يرثه يصح في أصح الروايتين؛ فلأنه إقرار يعتمد فيه قوله فوجب أن يصح كما لو أقر في الصحة.
وأما كونه لا يصح بزيادة على الثلث في الأخرى؛ فلأنه إقرار في المرض. أشبه إقرار الوارث.
والأول أولى؛ لما تقدم.
ولأن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وإبراء ذمته وتحري الصدق. فكان قبول قوله فيه أولى، وفارق الإقرار للوارث أنه متهم فيه على ما سيأتي بيانه.
وأما كون المقر له لا يحاصّ غرماء الصحة على قول غير أبي الحسن التميمي والقاضي؛ فلأن المقرّ أقرّ بعد تعلق الحق بماله. فوجب أن لا يشارك المقر له غرماء ضيق المال. والدليل على تعلق الحق بماله منعه من التبرع بما زاد على الثلث للأجنبي، ومن التبرع للوارث بكل حال.
وأما كونه يحاصّهم على قولهما؛ فلأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال لم يختص أحدهما به. فلم يقدم أحدهما على الآخر؛ كما لو ثبتا ببينة.
قال: (وإن أقرّ لوارث لم يقبل إلا ببينة، إلا أن يُقرّ لامرأته بمهر مثلها فيصح).
أما كون إقرار المريض لوارث غير المستثنى لا يقبل إذا لم يكن له بينة تشهد بالذي أقر له به؛ فلأنه إيصال مال إلى الوارث في مرض الموت. فلم يقبل بغير رضى بقية الورثة؛ كالهبة والوصية.
ولأن المريض محجور عليه لحق وارثه. فلم يقبل إقراره؛ كالصبي في حق الناس كلهم.
وأما كونه إذا أقر لامرأته بمهر مثلها يصح؛ فلأنه إقرار بما تحقق سببه وعلم وجوبه فلم تحصل البراءة منه. أشبه ما لو اشترى عبداً فأقر للبائع بثمن مثله.
قال: (وإن أقرّ لوارث وأجنبي فهل يصح في حق الأجنبي؟ على وجهين).
أما كون الإقرار المذكور يصح في حق الأجنبي على وجه؛ فلأنه لو أقر لأجنبي منفرد يصح. فكذلك إذا أقر له مع غيره.
وأما كونه لا يصح على وجه؛ فلأنه جمع بين ما يصح وبين ما لا يصح. فلم يصح فيما يصح منفرداً؛ كما لو باع ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه فإنه لا يصح فيهما.
قال: (وإن أقرّ لوارثٍ فصار عند الموت غير وارث لم يصح إقراره. وإن أقرّ لغير وارث صح. وإن صار وارثاً نص عليه. وقيل: أن الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية).
أما كون من أقرّ لوارثٍ فصار عند الموت غير وارث لا يصح إقراره، ومن أقرّ لغير وارث يصح، وإن صار وارثاً على منصوص الإمام أحمد؛ فلأن الاعتبار في الإقرار بحال الإقرار؛ لأنه قول يعتبر فيه التهمة. فاعتبر بحال وجوده؛ كالشهادة.
فإن قيل: ما مثال ذلك؟
قيل: مثال الأول: يقر لأخيه ثم يولد له ولد ابن. ومثال الثاني: أن يقر لأخيه وله ابن فيموت الابن.
وأما كون الاعتبار بحال الموت على قول؛ فبالقياس على الوصية.
فعلى هذا يصح في المسألة الأولى ولا يصح في المسألة الثانية؛ كالوصية.
قال: (وإن أقرّ لامرأته بدَين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره. وإن أقرّ المريض بوارث صح. وعنه: لا يصح. وإن أقرّ بطلاق امرأته في صحته لم يَسقط ميراثها).
أما كون من أقرّ لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لا يصح إقراره؛ فلأنه إقرار لوارث في مرض الموت. فلم يصح؛ كما لو لم يُبنها.
ولأن الاعتبار إما بحال الإقرار أو بحال الموت، والزوجة وارثة في الحالين.
وأما كون إقرار المريض بوارث يصح على المذهب؛ فلأنه إقرار لغير وارث. فصح؛ كما لو لم يصر وارثاً.
وأما كونه لا يصح على رواية؛ فلأنه إقرار لمن يصير وارثاً. فلم يصح؛ كالوارث المحقق.
والأول أصح؛ لأن الإقرار للوارث إنما لم يصح للتهمة وهي هنا إما مفقودة أو مرجوحة؛ لأن الظاهر من حال المقر أنه لا يلحق به أجنبياً، وإذا كان كذلك انتفت التهمة أو ضعفت، وذلك يوجب صحة الإقرار؛ لأن المقتضي لصحته سالم عن معارضة التهمة أو التهمة الراجحة.
وأما كون من أقرّ بطلاق امرأته في صحته لا يُسقط ميراثها؛ فلأن المقر متهم في إقراره من حيث إنه ربما اتخذ إسناد الطلاق إلى الصحة سبباً لانتفاء التهمة الحاصلة بالطلاق في المرض، وإذا تضمن إقراره تهمة لم يصح. فلم يسقط ميراث امرأته؛ لقيام المقتضي السالم عن معارضة قبول إقرار الزوج.
فصل [في إقرار العبد]
قال المصنف رحمه الله: (وإن أقرّ العبد بحدٍّ أو قصاصٍ أو طلاق صح وأخذ به؛ إلا أن يُقرّ بقصاصٍ في النفس فنص أحمد أنه يُتْبع به بعد العتق. وقال أبو الخطاب: يُؤخذ به في الحال).
أما كون العبد إذا أقرّ بحدٍّ أو قصاصٍ فيما دون النفس يصح؛ فلأن ذلك يستوفى من بدنه، وذلك له دون سيده؛ لأن السيد لا يملك من العبد سوى المالية.
وأما كونه إذا أقرّ بطلاقٍ يصح؛ فلأن إيقاعه إليه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطلاقُ لمنْ أخذَ بالساق» (1). فلا يكون متهماً بإقراره به؛ لأن ملك الإنشاء ملك الإقرار.
وأما كونه يؤخذ بالإقرار في المواضع المذكورة؛ فلأن إقراره إقرار صحيح، ومن صح إقراره أخذ به. دليله: الحر.
وأما كونه إذا أقرّ بقصاصٍ في النفس يتبع به العتق على منصوص الإمام أحمد؛ فلأن أخذه في الحال يؤدي إلى إسقاط حق سيده من رقبته. فلم يقبل؛ كما لو أقر بقتل الخطأ.
ولأنه متَّهم؛ لأنه يحتمل أن يواطئ رجلاً يقر بذلك ليعفو على مال فيستحق تسليمه ويتخلص بذلك من سيده.
وأما كونه يؤخذ بذلك في الحال على قول أبي الخطاب؛ فلأنه أحد نوعي القصاص. فقبل إقراره به؛ كالأطراف. وما ذكر من التهمة في القصاص في النفس موجود في القصاص في الطرف، والإقرار في الطرف وفاقاً فليكن في النفس كذلك.
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2081) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد.
قال: (وإن أقرّ السيد عليه بذلك لم يُقبل إلا فيما يوجب القصاص، فيُقبل فيما يجب به من المال. وإن أقرّ العبد غير المأذون له بمال لم يُقبل في الحال ويتبع به بعد العتق. وعنه: يتعلق برقبته. وإن أقرّ السيد عليه بمال أو بما يوجبه؛ كجناية الخطأ قُبل).
أما كون السيد إذا أقرّ على عبده بحدٍّ أو قصاصٍ في غير نفس أو طلاق لا يقبل؛ فلما تقدم من أن ذلك للعبد لا للسيد.
وأما كونه إذا أقرّ بما يوجب القصاص يقبل فيما يوجب به من المال؛ فلأن المال للسيد.
ومفهوم كلام المصنف رحمه الله أنه لا يقبل في القصاص. وهو صحيح؛ لما تقدم من أن البدن للعبد لا للسيد.
وأما كون العبد غير المأذون له إذا أقرّ بمال لا يُقبل في الحال ويتبع به بعد العتق على المذهب؛ فلأنه إقرار من محجورٍ عليه في حق غيره. فلم يُقبل في الحال، ويتبع به بعد زوال الحجر عنه؛ كالمفلس.
وأما كونه يتعلق بالمال برقبته على رواية؛ فكجنايته.
والأول أصح؛ لما ذكر.
والفرق بين الإقرار والجناية: أن الإقرار قول غير معتبر في الحال، والجناية فعل، وفعل المحجور عليه معتبر.
وأما كون السيد إذا أقرَّ على عبده بمال أو ما يوجبه كجناية خطأ يقبل؛ فلأن المال حقه. فإذا أقرَّ به وجب قبوله؛ كإقراره على سائر ماله.
قال: (وإن أقرَّ العبد بسرقة مال في يده وكذَّبه السيد قُبل إقراره في القطع دون المال. وإن أقرَّ السيد لعبده أو العبد لسيده بمال لم يصح).
أما كون العبد إذا أقرّ بسرقة مال يُقبل في القطع؛ فلأن القطع حق له. فقبل؛ كما لو أقر في قصاص في يد.
وأما كونه لا يُقبل في المال؛ فلأن المال حق للسيد. فلم يُقبل إقرار العبد به؛ كما لو أقرّ العبد بمال في يده.
وأما كون السيد إذا أقرّ لعبده بمال لا يصح؛ فلأنه إقرار لنفسه؛ لأن مال العبد مال لسيده.
وأما كون العبد إذا أقرّ لسيده بإقراره له به تحصيل للحاصل.
قال: (وإن أقرَّ أنه باع عبده من نفسه بألفٍ وأقرّ العبد به ثبت. وإن أنكر عَتق ولم يلزمه الألف).
أما كون البيع يثبت إذا أقرّ السيد والعبد به؛ فلأنهما اتفقا عليه ولا حق لغيرهما فيه.
فعلى هذا يعتق العبد؛ لأنه ملك نفسه وتلزمه الألف في ذمته؛ لأن مقتضى الحال البيع، وذلك (1).
وأما كون العبد يَعتق إذا أنكره؛ فلأن السيد أقر بأن العبد ملك نفسه، وذلك يوجب عتقه.
ولأن إقرار السيد بالبيع للعبد متضمن للإقرار بعتقه. أشبه ما لو قال لرجل آخر: بعتك عبدي لأعتقه.
وأما كون العبد لا يلزمه الألف؛ فلأنه مدعًى عليه بألف، وهو منكر. فلم يلزمه ما ادعى عليه؛ كسائر من أنكر.
قال: (وإن أقرّ لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه. وإن أقرّ لبهيمة لم يصح).
أما كون من أقرّ لعبد الغير بمال يصح؛ فلأنه إقرار صدر ممن يصح إقراره. فإذا أمكن تصحيحه تعيّن جعله صحيحاً. وهاهنا يمكن تصحيح الإقرار بأن يجعل المال للسيد، وتكون الإضافة إلى العبد على نحو ما يضاف بعض مال السيد إليه.
وأما كون المال المقرّ به للسيد؛ فلأن السيد هو الجهة التي يصح بها الإقرار. فتعين جعل المال له.
وأما كون من أقرّ لبهيمة لا يصح؛ فلأن المقر له لا بد وأن يكون له مدخل في الإقرار بوجه.
فإن قيل: لم لا يصح ويكون لمالكها؟
(1) بياض في د مقدار كلمة.
قيل: لأن الصحة تستدعي كون المقر له قابلاً لكونه مقراً له بوجه، وذلك منتفٍ في البهيمة.
قال: (وإن تزوج مجهولة النسب فأقرّت بالرق لم يُقبل إقرارها. وعنه: يُقبل في نفسها، ولا يُقبل في فسخ النكاح ورقّ الأولاد. وإن أولدها بعد الإقرار ولداً كان رقيقاً).
أما كون إقرار مجهولة النسب بالرق لا يُقبل؛ فلأن الحرية حقٌّ لله تعالى. فلم يرتفع بقول أحدٍ؛ كالإقرار على حق الغير.
وأما كونه لا يُقبل في فساد النكاح ورقّ الأولاد؛ فلأنها متهمة بالنسبة إلى ذلك.
وأما كون ما أولدها بعد الإقرار رقيقاً؛ فلأن الواطئ وطئ المقرة بالرق بعد الحكم برقها. أشبه ما لو وطئ مملوكة الغير ابتداء.
قال: (وإذا أقرَّ بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبيّن هل أتت به في ملكه أو غيره فهل تصير أم ولد؟ على وجهين).
أما كون الأمة المقر بأن ولدها ابن للمقر تصيرُ أم ولد له على وجه؛ فلأن الظاهر أن ابنه المقر به ولد على فراشه. فتكون أمته ذات فراش له، وذلك يوجب صيرورتها أم ولد له.
وأما كونها لا تصير أم ولد على وجه؛ فلأن الولد يحتمل أن يكون بشبهة. فلم يثبت كون أمه أم ولدٍ مع عدم كونه فراشاً.
فصل [في الإقرار بالنسب]
قال المصنف رحمه الله: (وإذا أقرّ الرجل بنسب صغير أو مجنونٍ مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه منه. وإن كان ميتاً ورثه. وإن كان كبيراً عاقلاً لم يثبت حتى يصدقه. وإن كان ميتاً فعلى وجهين. ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المقرّ فادّعت الزّوجيّة لم تثبت بذلك).
أما كون نسب الصغير والمجنون المجهولي النسب يثبت بما ذكر مع الحياة؛ فلأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه.
ولأن الأب أقرّ بذلك ولا معارض لقوله. فوجب قبوله؛ كما لو كانا مكلفين فأقرا بذلك.
وأما كونه يثبت مع الموت؛ فلأن سبب ثبوته مع الحياة الإقرار، وهو موجود هاهنا.
فإن قيل: التهمة موجودة مع الموت من أجل الميراث. فوجب أن لا يقبل؛ كسائر الإقرار المتهم فيه.
قيل: التهمة هنا لا أثر لها بدليل ما لو أقرّ بنسب صغير له مال.
وأما كون النسب لا يثبت إذا كان المقرّ به كبيراً عاقلاً حياً حتى يصدقه؛ فلأن تصديقه ممكن، والقبول يقتضي التوارث من الجانبين. فوجب أن يقف على التصديق.
وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار بأن المقرّ له المذكور إذا صدق ثبت نسبه. وهو صحيح؛ لأن تصديقه يحصل اتفاقهما على التوارث من الطرفين جميعاً.
وأما كونه لا يثبت إذا كان ميتاً على وجه؛ فلأن شرط القبول في الكبير العاقل التصديق ولم يوجد.
وأما كونه يثبت على وجه؛ فلأنه مقرٌ به تعذر تصديقه. أشبه الصبي والمجنون.
وأما كون من يثبت نسبه إذا جاءت أمه (1) بعد موت المقرّ فادّعت الزّوجيّة لا يثبت؛ فلأن الولد لا يتعين كونه من زوجته؛ لاحتمال أن يكون من وطء شبهة.
قال: (وإن أقرَّ بنسب أخٍ أو عمٍ في حياة أبيه أو جده لم يُقبل. وإن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده صح إقراره وثبت النسب. وإن كان معه غيره لم يثبت النسب، وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر).
أما كون من أقرّ بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لا يُقبل؛ فلأن كل واحد من الأب والجد له حق في النسب. فلم يثبت بدون إقرارهما بذلك.
وأما كونه يصح إقراره ويثبت نسب المقر به إذا كان بعد موتهما والمقر هو الوارث وحده؛ فلأنه لا منازع له في الميراث ولا حق لغيره في نسبه. فوجب أن يصح إقراره؛ كما لو أقر الأب أن شخصاً ابنه.
وأما كون النسب لا يثبت إذا كان مع المقرّ المذكور وارث غيره؛ فلأن المقرّ بعض الورثة، وإقرار الكل شرط في ثبوته ضرورة أن النسب لا يتبعض. فيثبت بالنسبة إلى المقر دون المنكر.
وأما كون المقر له له (2) من الميراث ما فضل في يد المقر؛ فلأن بإقراره يتبين أن ذلك له.
قال: (وإن أقرّ من عليه ولاء بنسب وارث لم يُقبل إقراره إلا أن يصدقه مولاه).
أما كون إقرار من ذكر لا يُقبل إذا صدقه مولاه؛ فلأن قبول ذلك يؤدي إلى إسقاط ميراث المولى وفي ذلك ضرر.
ولأن المقر متَّهم؛ لاحتمال قصده منع مولاه. فلم يُقبل؛ كسائر الإقرارات المتهم فيها.
وأما كونه يقبل إذا صدقه مولاه؛ فلأن الحق له فإذا صدقه وجب قبوله.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
مثل السابق.
قال: (وإن أقرّت المرأة بنكاحٍ على نفسها فهل تُقبل؟ على روايتين. وإن أقرّ الولي عليها به قُبل إن كانت مجبرة وإلا فلا).
أما كون إقرار المرأة المذكورة بما ذكر يُقبل على رواية؛ فلأنها غير متهمة فيه؛ لأنها يمكنها أن تجدد العقد معه بشروطه.
وأما كونه لا يُقبل على رواية؛ فلأن النكاح يفتقر إلى شروطٍ ولا يعلم حصولها بالإقرار.
وأما كون إقرار (1) المولى عليها بذلك يُقبل إذا كانت مجبرة كالثيب الصغيرة والبكر مع أبيها؛ فلأن من ملك شيئاً ملك الإقرار به.
وأما كونه لا يُقبل إذا لم تكن مجبرة كالأخت مع أخيها؛ فلأنه لا يملك تزويجها بغير رضاها. فلم يملك الإقرار عليها به؛ كالأجنبي.
قال: (وإن أقرّ أن فلانة امرأته، أو أقرت أن فلاناً زوجها فلم يصدق المقرُّ له المقرَّ إلا بعد موت المقرِّ صح وورثه).
أما كون الإقرار المذكور يصح؛ فلأنهما تصادقا على ذلك في الجملة.
وأما كون المقر له يرث المقر؛ فلصحة إقراره بالزوجية.
قال: (وإن أقرّ الورثة على موروثهم بدَين لزمهم قضاؤه من التركة. وإن أقرّ بعضهم لزمه منه بقدر ميراثه. فإن لم يكن له تركة لم يلزمهم شيء).
أما كون الورثة إذا أقرّوا على موروثهم بدين يلزمهم قضاؤه من التركة؛ فلأنهم أقروا باستحقاق ذلك على موروثهم، والإقرار أبلغ من البينة. ولو شهدت بينة بدين على موروثهم لزمهم قضاؤه من التركة. فكذلك فيما هو أبلغ منه.
وأما كون بعضهم إذا أقرّ بدين يلزمهم منه بقدر ميراثه؛ فلأنهما لا يستحقون من الإرث أكثر من ذلك. فلا يلزمهم أكثر من قدره.
فعلى هذا إن كان المقرُ واحداً من اثنين فعليه النصف من الدين كما أن له النصف من الميراث، وإن كان أحد ثلاثة فعليه الثلث كما أن له الثلث من الميراث. وعلى هذا فقس.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
وأما كون الورثة لا يلزمهم شيء إذا لم يكن للميت تركة؛ فلأنهم لا يلزمهم أداء دين موروثهم في حياته إذا كان مفلساً. فكذلك لا يلزمهم ذلك إذا كان ميتاً.
فصل [في الإقرار للحمل]
قال المصنف رحمه الله: (وإذا أقرّ لحمل امرأة صح. فإن ألقتْه ميتاً أو لم يكن حملٌ بطل. وإن ولدت حياً وميتاً فهو للحي. وإن ولدتهما حيّين فهو بينهما سواء الذكر والأنثى. ذكره ابن حامد. وقال أبو الحسن التميمي: لا يصح الإقرار إلا أن يعزيه إلى [سبب من] (1) إرثٍ أو وصيةٍ فيكون بينهما على حسب ذلك).
أما كون الإقرار للحمل المعزى إلى سبب من إرثٍ أو وصية يصح فلا شبهة فيه؛ لأنه إقرار مستند إلى سبب صحيح.
وأما كونه يصح مطلقاً على المذهب؛ فلأن الحمل يصح أن يَملك بوجه صحيح. فصح الإقرار المطلق له؛ كالطفل.
وأما كونه لا يصح على قول أبي الحسن التميمي؛ فلأن الحمل لا يَملك بغير الشيئين.
والأول أولى؛ لأنه لا يلزم من انحصار سبب لاستحقاق ذكر السبب في الإقرار. بدليل الطفل.
فعلى هذا إن ألقت المرأة الحمل ميتاً أو لم يكن حملٌ بطل الإقرار بفوت شرطه. وإن ولدت حياً وميتاً فهو للحي؛ لأن الشرط فيه فهو محقق دون الميت. وإن ولدتهما حيّين فهو بينهما بالسوية؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، وعلى الثاني هو باطل من أصله. فإن عزاه فمات الحمل نظرت من عزاه إلى إرث عاد إلى ورثة موروث الطفل. وإن عزاه إلى وصية عادت ورثة الموصي. وإن ولدت حياً وميتاً فنصيب الحي له ونصيب الميت حكمه حكم ما لو كان الحمل واحداً ثم مات وقد تقدم ذكره. وإن ولدتهما حيّين فإن عزاه إلى إرثٍ فهو بينهما؛ كالميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؛ كالبنين والإخوة للأبوين أو للأب أو الذكر
(1) زيادة من المقنع.
والأنثى سواء؛ كالإخوة للأم. وإن عزاه إلى وصية فهو على ما وصى فإن كانت مطلقة فالذكر والأنثى سواء.
قال: (ومن أقرّ لكبير عاقل بمال فلم يُصدقه بطل إقراره في أحد الوجهين، وفي الآخر: يؤخذ المال إلى بيت المال).
أما كون الإقرار المذكور يبطل بالنسبة إلى استحقاق المقر له المقر به فلا خلاف فيه إذا كذبه؛ لأن الإنسان لا يثبت له ملك هو مقر بأنه لا يستحقه.
وأما كونه يبطل بالنسبة إلى عدم استحقاق المقر له والمقر به في وجه؛ فلأن ذلك أحد جهتي الإقرار. فوجب بطلانها؛ كالجهة الأخرى.
ولأن المال محكوم له به فإذا رده المقر له بقي على ما كان الحال عليه.
فعلى هذا يُقَرّ المال في يد المقر.
وأما كونه لا يبطل في وجه؛ فلأن بطلانه بالنسبة إلى المقر له -أعني اختص به- فاختص البطلان به.
فعلى هذا يؤخذ ويجعل في بيت المال؛ لأنه مال لا يدعيه أحد. فوجب على الإمام حفظه وجعله في بيت المال؛ كالمال الضائع.