الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
الأصل في الشهادة الكتاب والسنة والإجماع والمعنى: أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدَيْن من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} [البقرة: 282]. وقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2]. وقوله: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282].
وأما السنة؛ فما روى وائل بن حجر قال: «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن هذا غلبني على أرضي. فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه
…
مختصر» (1). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البينةُ على المدعِي واليمينُ على المدعَى عليه» (2). قال الترمذي: في إسناده مقال، والعملُ عليه عند أصحاب العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وأما الإجماع؛ فأجمع أهل العلم على مشروعيتها وإن اختلفوا في مسائل منها.
وأما المعنى؛ فلأن الحاجة داعية إلى الشهادة؛ لحصول التجاحد بين الناس.
قال المصنف رحمه الله: (تحمّل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين. وإن لم يقم بها من يكفي تعينت على من وجد.
قال الخرقي: ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد، لا يسعُه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك).
أما كون تحمّل الشهادة فرضاً؛ فلأنه لو لم يكن فرضاً لامتنع الناس من التحمّل فيؤدي إلى ضياع حقوق الناس.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1340) 3: 625 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (1341) 3: 626 الموضع السابق.
وأما كونه فرضاً على الكفاية؛ فلأن الحاجة المذكورة تندفع بشهادة من تقوم به الكفاية.
وأما كونه إذا قام بها من يكفي يسقط عن الباقين وإذا لم يقم بها من يكفي يتعين على من وجد؛ فلأن هذا شأن فرض الكفاية.
وأما كون الأداء فرضاً على الكفاية؛ فلما ذكر في التحمل.
فعلى هذا حكمه حكمُه.
وأما كونه فرض عين على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا} [البقرة: 282]، وقال تعالى:{ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه} [البقرة: 283].
ولأن الشهادة أمانة. فلزم أداؤها عند طلبها؛ كالوديعة، ولقوله تعالى:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58].
وقول المصنف رحمه الله: قال الخرقي
…
إلى آخره؛ تنبيه على هذه الرواية.
وقال صاحب المستوعب فيه: ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه فرض عين؛ لعموم القرآن. يعني ما تقدم من الآيات.
قال: (ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها، ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين).
أما كون أخذ الأجرة لا يجوز لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين؛ فلأنه أخذ أجرة عن فرض؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منهم فرضاً.
وأما كونه يجوز في وجه؛ فلأن النفقة على عياله فرض عين. فلا يشتغل عنه بفرض الكفاية.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: من له كفاية ليس له أخذ الجُعل -يعني الأجرة -، ومن ليس له كفاية ولا تعينت عليه احتمل ذلك -يعني الجواز-، واحتمل أن لا يجوز.
قال: (ومن كانت عنده شهادة في حدٍّ لله أُبيح إقامتها ولم تستحب، وللحاكم أن يُعَرِّض لهم بالوقوف عنها في أحد الوجهين. ومن كانت عنده شهادة لآدمي
يعلمها لم يُقمها حتى يسأله، فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها، وله إقامتها قبل ذلك).
أما كون من كانت عنده شهادة في حدٍّ من حدود الله تعالى يباح له إقامتها؛ فـ «لأن أبا بكرة وأصحابه والجارود وأبا هريرة أقاموا الشهادة على قدامة بن مظعون بشُرب الخمر» (1).
وفي تخصيص الشهادة المذكورة بالإباحة تنبيه على أن أداءها غير واجب؛ لأنها شهادة لا يستحب إقامتها؛ لما يأتي. فلأن لا يجب بطريق الأولى.
وأما كون إقامتها لا تستحب؛ فلأن الستر مندوب إليه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سترَ مسلماً سترهُ اللهُ في الدنيا والآخرة» (2).
وأما كون الحاكم له أن يُعَرِّض للشهود بالوقوف عن الشهادة المذكورة في وجه؛ فلأن التعريض للشهود بالرجوع كالتعريض للفاعل بالرجوع عن إقراره وذلك جائز؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرّض في قضية ماعز» (3). وقال لسارق: «ما إخالُكَ سرقت» (4) وفي رواية: «قل: لا» (5). فليكن التعريض للشهود جائزاً؛ لأنه في معناه.
ولأن عمر قال في قضية المغيرة لما شهد عليه ثلاثة وجاء الرابع: «ما تقول يا شيخ؟ » ، وفي لفظ آخر:«يا شيخ العقاب» .
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 316 كتاب الأشربة، باب من وجد منه ريح شراب أو لقي سكران.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (2699) 4: 2074 كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.
(3)
روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا
…
».
أخرجه البخاري في صحيحه (6438) 6: 2502 كتاب المحاربين، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (4380) 4: 134 كتاب الحدود، باب في التلقين في الحد.
(5)
قال ابن حجر: لم يصححوا هذا الحديث. هذا الحديث تبع فيه الغزالي في الوسيط. فإنه قال: وقوله: «قل: لا» لم يصححه الأئمة، وسبقهما الإمام في النهاية فقال: سمعت بعض أئمة الحديث لا يصحح هذا اللفظ. وقال في موضع آخر: غالب الظن أن هذه الزيادة لم تصح عند أئمة الحديث، قال الرافعي: ورأيت في تعليق الشيخ أبي حامد وغيره: أن أبا بكر قاله لسارق أقر أعنده، انتهى. تلخيص الحبير 4: 125 - 126.
وأما كونه ليس له ذلك في وجه؛ فلأن ذلك حق من الحقوق. فلم يجز للحاكم التعريض فيه للشهود بالرجوع؛ كحق الآدمي.
وأما كون من كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يُقمها حتى يسأله؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ الناس قَرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يأتي قومٌ يَنذرونَ ولا يُوفون، ويَشهدونَ ولا يُستشهدون، ويخونونَ ولا يُؤتمنون» (1). رواه البخاري.
ولأن أداءها حق لآدمي. فلا تستوفى إلا برضاه؛ كسائر حقوقه.
وأما كونه يستحب له إعلام صاحب الحق بالشهادة التي له؛ فلأن ذلك تنبيهاً على حقه.
وأما كونه له إقامتها قبل إعلامه بها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكمْ بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبلَ أن يُسألها» (2). رواه أبو داود.
فإن قيل: الحديث مطلق فيمن معه شهادة علم بها صاحبها أو لم يعلم.
قيل: الحديث الأول دل على المنع من الشهادة قبل أن يُستشهد بها. فيجب حمل الحديث هنا على شهادة لا يعلم بها صاحبها؛ لأن فيه جمعاً بين الحديثين.
قال: (ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع. والرؤية تختص بالأفعال؛ كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرهما. والسماع على ضربين: سماع من المشهود عليه نحو: الإقرار والعقود والطلاق والعتاق، وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك؛ كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزْل وما أشبه ذلك).
أما كون الشاهد لا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]، وفي الحديث عن ابن عباس قال: «سُئلَ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6317) 6: 2463 كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1719) 3: 1344 كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود.
وأخرجه أبو داود في سننه (3596) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الشهادات.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة. فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهدْ أو دَعْ» (1). رواه الخلال في الجامع بإسناده.
ولأن الشهادة بغير علم رجم بالغيب وذلك حرام.
وأما كون ما يُعلم تارة برؤية، وتارة بسماع؛ فلأنهما من الحواس الخمس الموجبة للعلم. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«هل ترى الشمس» (2) إشارة إلى الرؤية، والسماع كالرؤية. وإنما لم يذكر بقية الحواس كالشم والذوق واللمس؛ لأنها ليست طريقاً في الشهادة.
ولأنها لا حاجة إلى شيء منها في الأغلب.
وأما كون الرؤية تختص بالأفعال كما ذكره المصنف رحمه الله؛ فلأن المسموع لا يُرى.
وأما كون السماع على ضربين؛ فلأنه تارة يكون من المشهود عليه؛ مثل: أن يقرّ أن لفلان عليه دَيناً أو قصاصاً، أو استأجر منه داره، أو اشترى منه ثوبه أو ما أشبه ذلك، وتارة من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك. والكلام فيه في موضعين:
أحدهما: في كون الاستفاضة طريقاً إلى الشهادة في الجملة. والأصل في ذلك أن المنع من الشهادة بذلك يؤدي إلى عدم ثبوت ما ذكر غالباً وفي بعضها قطعاً، وذلك ضررٌ عظيم، والضررُ منفيٌ شرعاً لا سيما العظيم منه.
وثانيهما: في عدد الذي يثبت بذلك، وذلك على ضربين:
أحدهما: مجمع عليه بين العلماء وهو النسب والولادة.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 156 كتاب الشهادات، باب التحفظ في الشهادة والعلم بها. نحوه.
وأخرجه الحاكم في مستدركه (7045) 4: 110 كتاب الأحكام.
قال ابن حجر: [أخرجه] العقيلي والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن عدي والبيهقي من حديث طاووس عن ابن عباس، وصححه الحاكم، وفي إسناده محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف، وقال البيهقي: لم يرو من وجه يعتمد عليه. تلخيص الحبير 4: 198.
(2)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
وثانيهما: مختلف فيه وهو باقي الصور، وذلك كله يثبت بالاستفاضة في مذهب الإمام أحمد؛ لأن العلم في ذلك كله يتعذر غالباً. أشبه النسب.
فإن قيل: بعض الأشياء المذكورة يمكن العلم به بمشاهدة سببه.
قيل: الجواب من وجهين:
أحدهما: أن الإمكان لا ينافي التعذر غالباً.
وثانيهما: أن وجود السبب لا يعلم به المسبب قطعاً، وذلك أن الشاهد إذا رأى شخصاً يبيع شيئاً فقد شاهد السبب، والسبب غير مقطوع به يجوز أن يكون غير مملوك للبائع.
قال: (ولا تُقبل الاستفاضة إلا من عددٍ يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي، وقال القاضي: تُسمع من عدلين فصاعداً).
أما كون الاستفاضة لا تُقبل في ظاهر كلام الإمام أحمد إلا من عددٍ يقع العلم بخبرهم؛ فلأن لفظ الاستفاضة مأخوذ من فيض الماء؛ لكثرته، وذلك يستدعي كثرة القائل بذلك.
وأما كونها تُسمع من عدلين فصاعداً في قول القاضي؛ فلأن الثابت بها حق من الحقوق. فوجب أن تسمع من عدلين؛ كسائر الحقوق.
قال: (وإن سمع إنساناً يقرّ بنسب أبٍ أو ابن فصدقه المقر له جاز إن شهد له به. وإن كذبه لم يشهد. وإن سكت جاز أن يشهد. ويحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر).
أما كون من سمع إنساناً يقر بنسب أبٍ أو ابن فصدقه المقر له يجوز أن يشهد له به؛ فلِتوافُق المقر والمقر له على ذلك.
وأما كونه لا يجوز أن يشهد له إذا كذبه المقر له؛ فلأنه لو أقر شخصٌ لشخصٍ بمال فكذبه المقر له لم يثبت ولم يجز لمن سمعه أن يشهد له. فلأن لا تجوز الشهادة بذلك في النسب بطريق الأولى.
وأما كونه يجوز أن يشهد إذا سكت المقر له على المذهب؛ فلأن سكوته دليل على تصديقه. أشبه ما لو صدقه.
وأما كونه يحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر؛ فلأنه لو أكذبه لم تجز الشهادة، وسكوته يحتمل التصديق والتكذيب.
واعلم أن هذا تعليل كلام المصنف رحمه الله وعندي فيه نظر وذلك: أن الاختلاف المذكور في الصورة المذكورة ينبغي أن يكون في دعوى الأبوّة؛ مثل: أن يدعي شخص أنه ابن فلان وفلان يسمع فسكت فإن السكوت إذا نزل هنا منزلة الإقرار صار كما لو أقر الأب أن فلاناً ابنه، ويقوي ما ذُكر أن المصنف رحمه الله ذكر في المغني إذا سُمع رجلاً يقول لصبي: هذا ابني جاز أن يشهد، وإذا سُمع الصبي يقول: هذا أبي والرجل يسمعه فسكت جاز أن يشهد؛ لأن سكوت الأب إقرار، والإقرار يثبت النسب فجازت الشهادة به. ثم قال: وإنما أقيم السكوت مقام النطق؛ لأن الإقرار على الأنساب الفاسدة لا تجوز. بخلاف سائر الدعاوي.
ولأن النسب يغلب فيه الإثبات. ألا ترى أنه يلحق بالإمكان في النكاح.
ثم قال: وذكر أبو الخطاب أنه يحتمل أن لا يشهد به مع السكوت حتى يتكرر.
والعجب من المصنف حيث نقل في المغني الاحتمال المذكور في هذه الصورة عن أبي الخطاب، وإنما ذكر أبو الخطاب الاحتمال المذكور في الصورة التي ذكرها المصنف رحمه الله هنا، وفي خروج الخلاف فيما إذا ادعى شخص أنه ابن آخر بحضور الآخر فسكت ظاهر، وفي الصورة التي ذكرها المصنف رحمه الله هنا الخلاف فيها بعيد.
قال: (وإن رأى شيئاً في يد إنسان يتصرّف فيه تصرّف المُلاّك من النقض والبناء والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالمُلك له. ويحتمل أن لا يشهد إلا باليد والتصرف).
أما كون من رأى ما ذكر يجوز أن يشهد له بالملك على الأول؛ فلأن اليد دليل الملك، واستمرارها من غير منازع يقويها. فجرى مجرى الاستفاضة.
وأما كونه يحتمل أن لا يشهد إلا باليد والتصرف؛ فلأن يده تحتمل أن تكون غير مالكة.
والأول أصح؛ لما تقدم.
وأما قيام الاحتمال فلا يمنع جواز الشهادة بدليل: جواز الشهادة بالملك بناء على ما عاينه من التسبب؛ كالبيع والإرث ونحو (1) ذلك مع أنه يحتمل أن البائع ليس بمالك والموروث غير مالك.
(1) في د: ويجوز.
فصل [في صفة الشهادة]
قال المصنف رحمه الله: (ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه، وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدَي عدل ورضاها).
أما كون من شهد بالنكاح لا بد من ذكر شروطه؛ فلأنه مما يحتاط له لما فيه من إباحة الفروج.
وأما كونه لا بد من ذكر أنه تزوجها بولي مرشد وشاهدَي عدل ورضاها؛ فلأن النكاح الصحيح يتوقف على ذلك كله. أشبه الشروط.
قال: (وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها أو من لبن حُلب منه).
أما كون من شهد بالرضاع لا بد من ذكر الرضعات؛ فلأن الحل والحرمة في المرتضعة يختلف بذلك. فلم يكن بد من ذكر ذلك؛ لتتميز المحرمة بالرضاع من غيرها.
وأما كونه لا بد من ذكر أنه شرب من ثديها أو من لبن حُلب منه؛ فلأن ذلك من الشروط في التحريم. فلم يكن بد من ذكره في الشهادة بذلك؛ كذكر شروط النكاح في الشهادة به.
قال: (وإن شهد بالقتل احتاج أن يقول: ضربه بالسيف أو جرحه فقتله ومات من ذلك. وإن قال: جرحه فمات لم يحكم به).
أما كون من شهد بالقتل يحتاج إلى قول أحد الأمور المذكورة من الضرب بالسيف وما بعده؛ فلأن منه ما يوجب القتل ومنه ما لا يوجبه. فاحتيج إلى القول المذكور؛ ليترتب على الشهادة موجبها.
ولأن أحد ما ذكر شرط في إيجاب القتل. فاحتيج إلى قوله في الشهادة به؛ كذكر شروط النكاح في الشهادة به.
وأما كون من قال في شهادته: جرحه فمات لا يحكم به؛ فلأنه لم يسند الموت إلى الجرح. فلم يثبت كون الموت بسبب جرحه.
قال: (وإن شهد بالزنا فلا بد أن يذكر بمن زنا، وأين زنا، وكيف زنا، وأنه رأى ذكره في فرجها. ومن أصحابنا من قال: لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان).
أما كون من شهد بالزنا لا بد أن يذكر بمن زنا على المذهب؛ فليُعلم هل هي ممن يجب بوطئها حدٌ أم لا؟ .
وأما كونه لا بد أن يذكر أين زنا على المذهب؛ فلأن الشهود قد يختلفون فيه. فيصير ذلك شبهة دارئة للحد.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ماعزاً عن ذلك» وكان مقراً. فلأن يسأل الحاكم الشهود عنه بطريق الأولى.
وأما كونه لا بد أن يذكر كيف زنا وأنه رأى ذكره في فرجها؛ فلأن في قصة ماعز: «قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتَها؟ قال: نعم. قال: حتى غابَ ذلكَ منكَ في ذلكَ منها كما يغيبُ المرودُ في المكحلةِ والرشاء في البئر. قال: نعم» (1).
وإذا اعتبر ذلك في الإقرار ففي الشهادة أولى.
وروى أبو داود قصة اليهود وفيها: «أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا شهدَ أربعةٌ أنهم رأوْا ذكرهُ في فرجها مثلَ الميلِ في المُكْحُلة. فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فشهدوا أنهم رأوْا ذكرهُ في فرجها مثل الميلِ في المكحُلة. فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما» (2).
ولأن الشهود إذا لم يصفوا الزنا احتمل أن يكون المشهود به لا يوجب الحد. فاعتبر ذكر كيفيته؛ ليتحقق.
وأما كون ذكر المزني بها وذكر المكان لا يحتاج إليه على قول بعض أصحابنا؛ فلأنهما لم يذكرا في الحديثين المتقدم ذكرهما. فلم يحتج إلى ذكرهما في الشهادة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4428) 4: 148 كتاب الحدود، باب رجم ماعز بن مالك.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4452) 4: 156 كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين.
قال: (ومن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة السرقة).
أما كون من شهد بالسرقة لا بد من ذكر المسروق منه؛ فلأنه قد يكون ممن يباح أخذ ماله. فلم يكن بد من ذكره؛ ليتميز حال من يجب القطع بسرقة ماله من حال من لا يجب القطع به.
وأما كونه لا بد من ذكر النصاب؛ فلأن القطع لا يجب بدونه؛ لما ذكر في باب السرقة. فلم يكن بد من ذكره؛ ليتحقق شرط وجوب القطع.
وأما كونه لا بد من ذكر الحرز؛ فلأن السرقة من غير حرزٍ لا يجب بها القطع. فلم يكن بد من ذكره؛ ليتحقق شرط وجوب القطع.
وأما كونه لا بد من ذكر صفة السرقة؛ فلأن الأخذ تارة يكون على وجه السرقة، وتارة على وجه الخُلْسة، وتارة على وجه النُهْبة. فلم يكن بد من ذكر صفة الأخذ؛ لتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها.
قال: (وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف).
أما كون من شهد بالقذف يذكر المقذوف؛ فلأن موجبه يختلف باختلافه.
وأما كونه يذكر صفة القذف؛ فليُعلم أنه صريح لا يفتقر إلى شيء، أو كناية تفتقر إلى نية، أو ما يقوم مقامها.
قال: (وإن شهدا أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يُحكم له حتى يقولا: ولدتْه في ملكه. وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا: وهي في ملكه. وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه، أو الطير من بيضته، أو الدقيق من حنطته حُكم له بها).
أما كون من شهدا أن هذا العبد ابن أمة فلان لا يحكم له حتى يقولا: ولدته في ملكه؛ فلأنه لا يتحقق كون الولد مملوكاً بدون ذلك؛ لجواز أن يكون ابن أمته وهو مملوك لغيره؛ مثل: أن تلده قبل أن يشتريها ثم يشتريها.
فإن قيل: وقول الشاهدين: ولدته في ملكه لا يوجب كونه مملوكاً؛ لجواز أن يكون قد قيل له عن الأمة المذكورة أنها حرة فتزوجها ثم ولدت له ولداً ثم تبين أنها أمة فإن الولد يكون حراً، ويصح أن يقال: ابن أمة؛ فلأنها (1) ولدته في ملكه.
قيل: الغرور نادر، والنادر لا يعتدّ به. بخلاف ما تقدم ذكره.
وأما كون من شهد أنه اشترى الأمة من فلان أو وقفها أو أعتقها لا يحكم بها حتى يقولا: وهي في ملكه؛ فلأنه لا بد من كون البائع والواقف والمعتق مالكاً؛ لأنه قد يبيع الإنسان ما لا يملك وقد يقفه وقد يعتقه.
ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين: وهي في ملكه لتمكن كل من أراد أن ينزع شيئاً من يد غيره أن يتفق هو وشخص ويبيعه إياه بحضرة شاهدين، ثم ينتزعه المشتري من يد صاحبه، ثم يقتسماه، وفي ذلك ضررٌ عظيم لا يرد الشرع بمثله.
وأما كون من شهدا أن هذا الغزل من قطنه والطير من بيضته والدقيق من حنطته يحكم له بها؛ فلأن الغزل والدقيق عين ماله، والطير حادث من عين ماله.
قال: (وإذا مات رجل وادعى آخرُ أنه وارثه وشهد له شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثاً سواه سُلِّم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أم لم يكونا. وإن قالا: لا نعلم له وارثاً غيره في هذا البلد احتمل أن يسلم المال إليه، واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها).
أما كون من ادعى ما ذكر وشهد له شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثاً سواه يسلم المال إليه؛ فلأن بذلك يظهر استحقاق المشهود له وعدم استحقاق غيره، والعلم لا يمكن الاطلاع عليه. فوجب الاكتفاء بالظاهر؛ لقوله عليه السلام:«أنا أقضي بالظاهر» (2).
(1) في د: فلأن.
(2)
لم أقف عليه هكذا. وقد روي عن أم سلمة قالت: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
فأقضي له على نحوِ مما أسمع منه».
أخرجه البخاري في صحيحه (6748) 6: 2622 كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1713) 3: 1337 كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.
وأما كون ذلك كذلك سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أم لم يكونا؛ فلأن قول البينة يعضده الأصل؛ لأن الأصل عدم وارث غير من شهد له.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: ويحتمل أن لا يقبل من غير أهل الخبرة الباطنة؛ لأن عدم علمهم بوارث ليس بدليل على عدمه. بخلاف أهل الخبرة.
وأما كونه يحتمل أن يسلم المال إليه إذا قال الشاهدان: لا نعلم له وارثاً غيره في هذا البلد؛ فبالقياس على ما ذكر قبل.
وأما كونه يحتمل أن لا يسلم المال إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها؛ فلأنه قبل الكشف عن ذلك لا يحصل الظن بنفي غير المشهود له؛ لأنه لا يلزم من عدم علمهما بوارث في البلد المذكور عدم علمهما بوارث، فلا يحصل الظهور الحاصل بقولهما: لا نعلم له وارثاً سواه.
وهذا أولى؛ لما ذكر من أنه لا يحصل بقولهما: لا نعلم له وارثاً سواه في هذا البلد كحصوله في قولها: لا نعلم له وارثاً سواه، وذلك يوجب قيام الفرق بينهما فلا يصح القياس معه.
قال: (وتجوز شهادة المستخفي. ومن سمع رجلاً يُقر بحقٍ أو يشهد شاهداً بحقٍ، أو سمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه وإنفاذه في إحدى الروايتين، ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك).
أما كون شهادة المستخفي وهو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره يجوز في إحدى الروايتين والمراد قبول شهادته؛ فلأنه شهد بما سمع، وذلك هو المعتبر في صحة التحمل.
ولأن حاجة صاحب الحق قد تدعو إلى ذلك؛ مثل: أن يكون خصمه يقر سراً ويجحد جهراً. فلو لم تقبل شهادة المستخفي؛ لأدّى الحال إلى بطلان حق صاحبه في هذه الصورة المذكورة.
وأما كونها لا تجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تجسّسوا} [الحجرات: 12]، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من حَدَّثَ بحديثٍ ثم التَفَتَ فهي أمانَة» (1). يعني أنه لا يجوز لسامعه أن يذكره عنه؛ لالتفاته وحذره.
والأول أصح؛ لما تقدم.
والآية والخبر يحملان على غير ما ذكر؛ لأن فيه جمعاً بين الأدلة.
وأما كون شهادة من سمع رجلاً يُقرُ بحق، أو يشهد شاهداً بحق، أو سمع الحاكم يحكم، أو يشهد على حكمه وإنفاذه يجوز في أحد الروايتين؛ فلأن المعتمد عليه السماع وهو موجود.
ولأن قول المقر للشاهد: اشهد عليّ لو اعتبر لكان عمر قال للذين شهدوا على المغيرة: إنه لم يشهدكما، ولسأل الذين شهدوا على قدامة بشرب الخمر: هل أشهدكما، ولسأل عثمان الذين شهدوا على الوليد بن عقبة عن ذلك، ولسأل الذين شهدوا على السارق عن ذلك. ولم ينقل شيء من ذلك.
وأما كونها لا تجوز في صورة من الصور المتقدمة حتى يقول المشهود عليه للشاهد: اشهد عليّ في الأخرى؛ فلأنها شهادة عليه. فلم تجز قبل ذلك؛ كشهادة الشاهد على شهادة آخر.
(1) أخرجه أحمد في مسنده 3: 324. من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
فصل [في اختلاف الشاهدين]
قال المصنف رحمه الله: (وإذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوباً أحمر، وشهد آخر أنه غصبه ثوباً أبيض، أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم، وشهد الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة. وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة).
أما كون البينة لا تكمل إذا اختلف الشاهدان في صفة المشهود له؛ فلأن أحد الثوبين غير الآخر؛ لأن الموصوف بكونه أحمر غير الموصوف بكونه أبيض فإذا كان كذلك لم يكن على العين الواحدة شاهدان. فلم تكمل البينة على واحدٍ منهما.
وأما كونها لا تكمل إذا اختلفا في الوقت في مسألة الغصب وفي كل شهادة على الفعل؛ فلأن أحد الفعلين غير الآخر؛ لأن الفعل الواقع في يوم غير الفعل الواقع في يومٍ آخر، وإذا كان كذلك لم يتوارد قول الشاهدين على فعل واحد، وذلك يوجب عدم كمال البينة؛ لما تقدم.
قال: (وإن شهد أحدهما أنه أقرّ له بألفٍ أمس وشهد آخر أنه أقرّ له بألفٍ اليوم، أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم: كملت البينة، وثبت البيع والإقرار).
أما كون البينة في مسألة الإقرار تكمل؛ فلأنه وإن كانا إقرارين فهما إقرار بشيء واحد. ولهذا لو شهدت بينة على إقرار زيد بمائة ثم شهدت بينة أخرى على إقراره بمائة حملت الثانية على الأولى ولم يلزمه سوى مائة.
ولأن المشهود عليه قد لا يمكنه أن يجمع الشهود ليقر عندهم دفعة واحدة. فاشتراط ذلك فيه مشقة عظيمة وذلك منتفٍ شرعاً.
وأما كونها تكمل به في مسألة البيع؛ فلأن المشهود به شيء واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى ويكون واحداً، واختلاف الشهود في الوقت ليس اختلافاً فيه. فلم يؤثر اختلافهما؛ كما لو شهد أحدهم بالعربية والآخر بالفارسية.
وأما كون كل واحدٍ من الإقرار والبيع يثبت؛ فلأن البينة كملت بكل واحدٍ منهما، وكمال البينة بالشيء يوجب ثبوته.
قال: (وكذلك كل شهادة على القول؛ إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة، وكذلك القذف. وقال أبو بكر: يثبت القذف).
أما كون كل شهادة على القول غير النكاح والقذف؛ كمسألتي الإقرار والبيع المتقدم ذكرهما في أن اختلاف الشاهدين في الوقت لا يؤثر؛ فلأن ذلك في معنى الشهادة على الإقرار والبيع. وقد تقدم أن الاختلاف في الوقت لا يؤثر فكذلك يجب أن لا يؤثر فيما هو في معناه.
وأما كون النكاح ليس ككل شهادة على القول؛ فلأن اختلاف الشهود في الوقت يمنع من كمال البينة عليه ومن ثبوته: أما كونه يمنع من كمالها؛ فلأن البينة الكاملة تثبت موجبها كما تقدم، والبينة المذكورة لا تثبت موجبها؛ لما يأتي ذكره.
وأما كونه يمنع من ثبوته؛ فلأن من شرط صحته حضور الشاهدين له فإذا اختلفا في الوقت لم يتحقق حصول الشرط. فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق شرطه.
وأما كون القذف كالنكاح على قول غير أبي بكر؛ فلأن موجب القذف حد، والحد يدرأ بالشبهة، وفي اختلاف الشهود شبهة.
وأما كون القذف يثبت بذلك على قول أبي بكر؛ فلأن الشهادة على ذلك على قول ليس بنكاح. أشبه الإقرار والبيع وسائر الأقوال.
قال: (وإن شهد شاهد أنه أقر بألف وشهد آخر أنه أقر بألفين ثبت ألف، ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب).
أما كون ألف تثبت؛ فلأنه شهد به شاهدان.
وأما كون الألف الآخر يحلف على المشهود له مع شاهده إن أحب؛ فلأن المال يثبت بالشاهد واليمين.
وما ذكر مشعر بأمرين:
أحدهما: أن الألف الآخر لا يثبت بما تقدم من الشهادة. وهو صحيح؛ لأنه لم يشهد به شاهدان.
وثانيهما: أنه يثبت إذا حلف المشهود له. وهو صحيح؛ لما ذكر من أن المال يثبت بالشاهد واليمين.
قال: (وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً وشهد آخر أن له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف؟ على وجهين. وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً من قرض وشهد آخر أن له عليه ألفاً من ثمن مبيع لم تكمل البينة).
أما كون البينة تكمل إذا كانت الشهادة مطلقة غير مُسْنِدة للمشهود به إلى سبب على وجه؛ فبالقياس على ما إذا كانت البينة على الإقرار.
وأما كونها لا تكمل على وجه؛ فلأن البينة على الإقرار يحمل فيها الإقرار الثاني على الأول. بخلاف البينة على غيره.
فعلى الأول تثبت الألف ويحلف على الألف الآخر إن أحب. وعلى الثاني لا يثبت شيء من ذلك.
وأما كون البينة لا تكمل إذا كانت الشهادة مُسنِدة للمشهود به إلى سبب كالقرض والبيع؛ فلأن أحد الألفين لا يمكن أن يكون الألف الآخر.
قال: (وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفاً وقال أحدهما: قضاه نصفه بطلت شهادته نص عليه. وإن شهدا أنه أقرضه ألفاً ثم قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادته).
أما كون الشهادة في المسألة الأولى تبطل؛ فلأنه لا يجوز أن يشهد الشاهد بألف ويعلم أنه قد قبض منه بعضه. فإذا قال ذلك علم أنه قد كذب في شهادته، وذلك يوجب بطلانها.
وأما كونها في المسألة الثانية تصح؛ فلأن الوفاء لا ينافي القرض.
قال: (وإذا كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز، وعند أبي الخطاب يجوز).
أما كون الشهادة بما ذكر لا يجوز على المذهب؛ فلأن في ذلك تلبيساً، وذلك غير لائقٍ بحال الشاهد.
وأما كونها تجوز عند أبي الخطاب؛ فلأنه لو أبرأه من خمسمائة جاز أن يشهد له بالباقي فكذلك هاهنا.
ولأن المطلوب من الشاهد بعض حق المشهود له؛ لأن خمسمائة بعض الألف، ومالك الشيء مالك لبعضه.