المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استيفاء القصاص - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌باب استيفاء القصاص

‌باب استيفاء القصاص

قال المصنف رحمه الله: (ويشترط له ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون من يستحقه (1) مكلفاً. فإن كان صبياً أو مجنوناً لم يجز استيفاؤه، ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؛ إلا أن يكون لهما أب فهل له استيفاؤه لهما؟ على روايتين. فإن كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما العفو على الدية؟ يحتمل وجهين).

أما كون استيفاء القصاص يشترط له ثلاثة شروط؛ فلما يأتي ذكره فيها (2).

وأما كون أحدها أن يكون من يستحقه (3) مكلفاً؛ فلأن غير المكلف ليس أهلاً للاستيفاء لعدم تكليفه، ولذلك لم يصح إقراره ولا تصرفه.

ولأن غير المكلف إما صبي أو مجنون، وكلاهما لا يؤمن منه الحيف على الجاني. لا يقال وليه يقوم مقامه لأن القصاص شرع للتشفي فلا يقوم وليه مقامه.

وأما كون الصبي والمجنون لا يجوز لهما استيفاء القصاص؛ فلأن شرط استيفائه أن يكون من يستحقه مكلفاً، وذلك مفقود فيهما.

وأما كون القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون؛ فلأن مستحق القصاص يستحق إتلاف نفسه ومنفعته. فإذا تعذر إتلاف النفس لمعارض بقي إتلاف المنفعة سالماً عن المعارض.

فإن قيل: يجب أن يخلى سبيله كالمعسر.

(1) في أ: أن يكون مستحقه.

(2)

في أ: فيهما.

(3)

في أ: أن يكون مستحقه.

ص: 46

قيل: الفرق بينهما أن الحبس هنا وسيلة إلى استيفاء الحق لأنه إذا بقي في الحبس حتى زال المانع من المستحق تمكن من استيفاء حقه. بخلاف المعسر فإن حبسه سبب لتعذر الاستيفاء لأنه يتعذر الكسب مع الحبس.

وأما كون أبي (1) الصبي والمجنون له استيفاؤه لهما على روايةٍ؛ فلأن له ولاية كاملة (2) ولذلك ملك أن يبيع مال ابن نفسه لنفسه. بخلاف غيره.

وأما كونه ليس له ذلك على روايةٍ؛ فلأن مقصود مشروعية القصاص مفقود في الأب كغيره.

وهذه أصح؛ لما ذكر.

وأما كون وليهما له العفو على الدية إذا كانا محتاجين إلى النفقة يحتمل وجهين؛ فلأن النظر إلى (3) دفع حاجتهما مطلوبة وذلك طريق إليه يقتضي الجواز، والنظر إلى أن الدية أحد بدلي النفس. فلم يكن للولي استيفاؤه؛ كالقصاص يقتضي عدمه.

قال: (وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهراً: احتمل أن يسقط حقهما، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما. وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة سقط حقهما وجهاً واحداً).

أما كون من ذكرا يحتمل أن يسقط حقهما؛ فلأن القتل والقطع مستحق لهما فإذا فعلاهما قهراً وجب أن يسقط حقهما. ضرورة استيفاء المستحق لحقه.

ولأن الصبي والمجنون لو كان لهما وديعة عند شخص فأخذاها منه قهراً سقط حقهما. فكذلك هاهنا.

وأما كونه يحتمل أن تجب دية أبيهما لهما في مال الجاني، ودية الجاني على عاقلتهما: أما الأول؛ فلأن فعلهما لم يصادف محلاً فإذا تعذر القصاص وجب الدية المستحقة؛ لأنها بدله.

(1) في أ: أن.

(2)

في أ: كاملاً.

(3)

في أ: أن.

ص: 47

وأما الثاني؛ فلأن فعل الصبي والمجنون (1) خطأ والخطأ تحمله العاقلة؛ لما يأتي بعد إن شاء الله تعالى.

وأما كونهما يسقط حقهما وجهاً واحداً إذا اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة؛ فلأن عدم السقوط قبلُ كان لأن دية فعلهما تحمله العاقلة فمحِل الدية مختلف. بخلاف ما لا تحمله العاقلة.

(1) ساقط من أ.

ص: 48

فصل [الشرط الثاني]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: اتفاق جميع الأولياء على استيفائه. وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض. فإن فعل فلا قصاص عليه وعليه لشركائه حقهم من الدية. ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين وفي الآخر لهم ذلك في تركة الجاني ويرجع ورثة الجاني على قاتله).

أما كون الثاني من شروط استيفاء القصاص اتفاق جميع مستحقي الدم على استيفائه؛ فلأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تبعيضه. فلم يجز لأحد التصرف فيه بغير إذن شريكه؛ لأن في تصرفه إبطالاً لحق غيره، وذلك لا (1) يجوز.

وأما كون بعضهم ليس له استيفاؤه دون بعض؛ فلأن اتفاق الكل شرط في جواز الاستيفاء ولم يوجد.

وأما كون من اقتص منهم لا قصاص عليه؛ فلأنه قتل نفساً يستحق بعضها. فلم يجز قتله به؛ لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس.

وأما كونه [عليه لشركائه حقهم من الدية في وجهٍ؛ فلأنه فوت عليهم حقهم من القتل. فكان بدله عليه](2).

فعلى هذا يسقط ذلك عن الجاني؛ لأن (3) المقتص قد وجب عليه فلا تجب على الجاني.

وأما كونهم (4) لهم ذلك في تركة الجاني في وجهٍ؛ فلأن الواجب على الجاني إما القتل وإما الدية. فلما تعذر القتل تعينت الدية.

(1) ساقط من أ.

(2)

مثل السابق.

(3)

في أ: فلأن.

(4)

في أ: كونه.

ص: 49

ولأنه فعل يتعذر معه القصاص. فوجبت الدية في تركته؛ كما لو مات حتف أنفه.

فعلى هذا يرجع ورثة الجاني بذلك على القاتل لأنه أتلف بدل ذلك بغير حق.

قال: (وإن عفى بعضهم سقط القصاص. وإن كان العافي زوجاً أو زوجة فللباقين حقهم من الدية على الجاني. فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به: فعليهم القود، وإلا فلا قود وعليهم ديته. وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائباً).

أما كون القصاص يسقط إذا عفى بعض مستحقي الدم؛ فلأن القتل عبارة عن زهوق الروح بآلة صالحة له، وذلك لا يتبعض فإذا أسقط بعض مستحقيه حقه منه تعذر استيفاؤه.

وأما قول المصنف رحمه الله: وإن كان العافي زوجاً أو زوجة؛ ففيه تنبيه على أنهما يرثان من الدم. وسيأتي ذلك مصرحاً به إن شاء الله تعالى (1).

فعلى هذا يسقط القصاص بعفوهما؛ لأنهما بعض مستحقي الدم. أشبها (2) بقية ذوي الفروض، وفي الحديث عن عمر رضي الله عنه «أن رجلاً قتلَ رجلاً. فقالت أختُ المقتول وهي زوجة القاتل: عفوتُ عن حقّي من القصاص. فقال عمر: اللهُ أكبر! عَتَقَ الرجُل» (3).

وأما كون الباقين لهم حقهم من الدية على الجاني؛ فلأن تعذر القصاص يوجب الدية؛ لأنها تتعين عنده.

وأما كونهم عليهم القود إذا قتلوه وكانوا عالمين بالعفو وسقوط القصاص؛ فلأنه قتل عمد عدوان. أشبه ما لو قتلوه ابتداء.

وأما كونهم لا قود عليهم إذا لم يكونوا عالمين بالعفو؛ فلأن القاتل مع عدم علمه بالعفو كالقاتل مع عدم العفو، والقاتل مع عدم العفو لا قود عليه. فليكن هذا مثله.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في د: أشبه.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (18188) 10: 13 كتاب العقول، باب العفو.

ص: 50

وأما كونهم لا قود عليهم إذا لم يكونوا عالمين بسقوط القصاص بالعفو؛ فلأن مثل ذلك يخفى على كثير من الناس. فهو بمنزلة من لم يعلم العفو.

وأما كونهم لا قود عليهم إذا لم يكونوا عالمين بهما فبطريق الأولى لأنه إذا كان انتفاء أحد الشيئين مؤثراً في عدم القود؛ فلأن يؤثر مجموعهما أولى.

وأما كونهم عليهم ديته في كل موضع لا قود فيه؛ فلأن القتل قد (1) تعذر والدية بدله. فتتعين (2) عند تعذره.

وأما كون ما ذكر كما ذكر سواء كان جميع مستحقي الدم حاضرين أو كان بعضهم غائباً؛ فلأنهما سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

قال: (وإن كان بعضهم صغيراً أو مجنوناً فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفيْن في المشهور. وعنه: له ذلك).

أما كون البالغ العاقل من مستحقي الدم ليس له الاستيفاء إذا كان بعض الورثة صغيراً أو مجنوناً حتى يصيرا مكلفيْن في المشهور -أي عن الإمام أحمد-؛ فلأن استيفاءه يفضي إلى إسقاط حق شريكه من التشفي.

وأما كونه له ذلك في روايةٍ عنه؛ فلأن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم وكان لعلي ورثة صغار (3).

والأولى هي الصحيحة في المذهب؛ لما تقدم.

ولأنه قتل غير متحتمثبت لجماعة معينين. فلم يكن لبعضهم استيفاؤه؛ كما لو كان بعضهم غائباً.

وقَتْل الحسن لقاتل علي محمولٌ على أنه كان الإمام فقتله؛ لأنه شهر السلاحَ، وسعى في الأرض بالفساد.

(1) ساقط من أ.

(2)

في أ: ومتعذره.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم 4: 216.

ص: 51

قال: (وكل من ورث المال وَرِث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام. ومن لا وارث له وليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء عفى).

أما كون كل من ورث المال ورث القصاص حتى الزوجين وذوي الأرحام؛ فلأن القصاص أحدُ بَدَلي النفس. فكان موروثاً لمن يرث المال؛ كالدية. وفي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورّث زوجة أُشَيْم من دية زوجها» (1).

وأما كون من لا وارث له وليه الإمام؛ فلأن الإمام ولي من لا ولي له.

وأما كون الإمام له الخيرة في القصاص والعفو؛ فلأن ذلك شأن الولي.

إذا ثبت ما ذُكر فظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أن للإمام العفو على غير مال؛ لأنه أطلق العفو.

وقال في المغني: وإن أحب العفو إلى غير مال لم يملكه؛ لأن ذلك للمسلمين ولا حظ لهم في هذا. ولم يحك فيه خلافاً.

فعلى هذا يجب حمل كلامه هنا على العفو على مال حملاً لمطلق كلامه هنا على مقيده في المغني مع موافقة الدليل. وذلك أن خيرة الإمام هنا خيرة مصلحة لأنه نائب المسلمين. بخلاف خيرة الولي من الورثة فإنها لا تعتمد ذلك. وقد تقدم في غير موضع أن خيرة الإمام خيرة مصلحة فليكن هاهنا كذلك. وإذا كانت خيرة مصلحة لم يصح العفو على غير مال لعدم المصلحة فيه.

فإن قيل: لو رأى الإمام المصلحة في ترك خراج إنسان جاز. فما الفرق؟

قيل: العدول عن القصاص إنما جاز لكون المصلحة للمسلمين في الدية، وعند تحقق المصلحة في الدية يمتنع أن تكون المصلحة في تركها. وعلى تقدير تصور المصلحة في ذلك الفرق بينهما أن الدية بدل متلف فلو جاز تركها لأدى إلى هدر كون التلف موجباً وذلك منتف.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2927) 2: 129 كتاب الفرائض، باب: في المرأة ترث من دية زوجها.

ص: 52

فصل [الشرط الثالث]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: أن يُؤْمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل. فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه: لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ. ثم إن وجد من يرضعه وإلا تركت حتى تفطمه).

أما كون الثالث من شروط استيفاء (1) القصاص أن يُؤْمن فيه التعدي إلى غير القاتل؛ فإن الله تعالى قال: {فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} [الإسراء: 33] والقتل المفضي إلى التعدي [إلى غير القاتل](2) قتل فيه إسراف.

وأما كون الحامل لا تقتل حتى تضع الولد؛ فلأن في قتلها قبل ذلك تعدياً إلى غير القاتل، وانتفاؤه شرط في جواز الاستيفاء.

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قَتلتِ المرأةُ عمدًا لم تُقتلْ حتى تَضعَ ما في بطنِها إن كانتْ حاملاً

مختصر» (3). رواه ابن ماجة.

ولأن في ذلك قتل غير القاتل. فوجب أن يمنع منه.

وأما كون من حملت بعد وجوب القصاص [لا تقتل حتى تضع الولد](4)؛ كمن وجب (5) عليها القصاص وهي حامل؛ فلأنهما سواء في إفضاء قتلها إلى التعدي وقتل من ليس بقاتل.

وأما كونها لا تقتل حتى تسقي الولد اللبأ؛ فلأنه لا يعيش غالباً إلا بذلك.

وأما كونها تقتل حينئذ إذا وجد من يرضعه؛ فلأن تأخير قتلها إنما كان للخوف على ولدها وقد زال ذلك.

(1) ساقط من أ.

(2)

مثل السابق.

(3)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2694) 2: 898 كتاب الديات، باب الحامل يجب عليها القود.

(4)

ساقط من أ.

(5)

مثل السابق.

ص: 53

وأما كونها تترك حتى تفطمه إذا لم يوجد من يرضعه؛ فلأن في حديث ابن ماجة: «لم تُقتلْ حتى تَضعَ وحتى تُكَفِّلَ ولدَها» (1).

ولأن القتل إذا أُخر من أجل حفظ الحمل. فلأن يؤخر من أجل حفظ الولد بطريق الأولى.

فإن قيل: الحديثان مطلقان وكلام المصنف رحمه الله مقيد بأن لا يوجد من يرضعه.

قيل: يجب حملهما على ذلك؛ لأن العلة في كونها لا تقتل لأجل (2) الإفضاء إلى قتل الولد، وفيما إذا وجد من يرضعه لا يوجد ذلك. بخلاف ما إذا لم يوجد.

قال: (ولا يقتص منها في الطرف حال حملها. وحكم الحد في ذلك حكم القصاص).

أما كون الحامل لا يقتص منها في الطرف حال حملها؛ فلأن القصاص في الطرف لا يؤمن معه التعدي إلى تلف الولد. أشبه الاقتصاص في النفس.

وأما كون حكم الحد في ذلك حكم القصاص؛ فلأنه يساويه معنى. فوجب أن يساويه حكماً. وفي حديث ابن ماجة المتقدم: «وإنْ زَنتْ لم تُرجمْ حتى تضعَ ما في بطنِها وحتى تُكَفِّلَ ولدَها» (3)، وفي حديث الغامدية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:«اذهَبي حتى تُرضِعيه» (4).

(1) تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه.

(2)

ساقط من د.

(3)

سبق تخريجه ص: 53

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (5) 2: 627 كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم.

ص: 54

قال: (فإن ادعت الحمل احتمل أن يقبل منها فتحبس حتى يتبين أمرها، واحتمل أن لا يقبل إلا ببينة).

أما كون من ذكرت يحتمل (1) أن يقبل قولها؛ فلأنه يحتمل، وللحمل أمارات خفية لا تعلمها إلا هي. فوجب قبول قولها فيه؛ كالحيض. فلهذا تحبس حتى يتبين أمرها لأن ذلك طريق إلى تبيّنه وهو مطلوب شرعاً.

وأما كونها يحتمل أن لا يقبل قولها إلا ببينة؛ فلأن الحق حالٌّ عليها. فلم يجز تأخيره بدعواها؛ كسائر الحقوق.

قال: (وإن اقتص من حامل وجب ضمان جنينها على قاتلها. وقال أبو الخطاب: يجب على السلطان الذي مكّنه من ذلك).

أما كون من اقتص من حامل يجب ضمان جنينها على قاتلها على قول غير أبي الخطاب؛ فلأنه هو المباشر.

وأما كونه يجب على السلطان على قول أبي الخطاب؛ فلأنه مكنه من الإتلاف. فاختص به الضمان؛ كما لو أمر عبده الجاهل بتحريم القتل: به.

إذا تقرر مأخذ الوجهين فلجريان الخلاف المذكور شرط وهو جهل الولي والسلطان بالحمل. فلو علمه السلطان وحده فالضمان عليه دون القاتل؛ لأن السلطان غير معذور. بخلاف القاتل فلو علمه القاتل وحده فالضمان عليه دون السلطان؛ لأنه هو المتلف ولم يسلطه السلطان على إتلاف الحمل؛ لأنه غير عالم به. [ولو علم كل واحد منهما به فالضمان على السلطان؛ لأنه هو الممكّن والذي يعرف الأحكام والقاتل](2) يرجع إلى حكمه واجتهاده. هكذا ذكره المصنف في المغني إلا أنه ذكر بدل لفظة: السلطان: الحاكم.

(1) في أ: أما قوله: فإن ادعت الحمل احتمل.

(2)

ساقط من أ.

ص: 55

فصل [في استيفاء القصاص]

قال المصنف رحمه الله: (ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان. وعليه تفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص فإن كانت كالّة منعه الاستيفاء بها. ويَنظر في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه أمكنه منه، وإلا أمره بالتوكيل. وإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني).

أما كون القصاص لا يستوفى إلا بحضرة السلطان؛ فلأنه أمر يفتقر إلى الاجتهاد، ويحرم الحيف فيه، ولا يؤمن مع قصد التشفي. فافتقر إلى حضور السلطان؛ ليؤمن ذلك.

وأما كون السلطان عليه تفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص؛ فلأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به.

وأما كونه يمنع الولي الاستيفاء بآلةٍ كالّةٍ؛ فلئلا يعذب المقتول، وقد روى شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيء فإذا قَتلتُم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذَبحتُم فأحسِنُوا الذِّبحة، وليحِدَّ أحدكُم شفرته وليرِحْ ذبيحَتَه» (1).

وأما كونه يَنظر فيه؛ فلأنه قد لا يحسن الاستيفاء، وتمكينه حينئذ لا يجوز لما فيه من الضرر اللاحق بالقاتل.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1955) 3: 1548 كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة.

وأخرجه أبو داود في سننه (2815) 3: 100 كتاب الأضاحي، باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1409) 4: 23 كتاب الديات، باب ما جاء في النهي عن المثلة.

وأخرجه النسائي في سننه (4412) 7: 229 كتاب الضحايا، باب حسن الذبح.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (3170) 2: 1058 كتاب الذبائح، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.

ص: 56

وأما كونه يمكنه من الاستيفاء إذا كان يحسنه ويقدر عليه؛ فلأن القتل حق له. فكان له تمكينه من استيفائه بنفسه؛ كسائر الحقوق.

وأما كونه يأمره (1) بالتوكيل إذا لم يحسن ذلك؛ فلأنه عاجز عن استيفاء حقه بنفسه، والوكيل أحد طريقي الاستيفاء، وقد تعذر غيره فتعين عليه (2) فعله.

وأما كون أجرة الوكيل من مال الجاني إذا احتيج إليها؛ فلأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق. فكانت لازمة له؛ كأجرة الكيال في الطعام المبيع.

قال: (والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل. وقيل ليس له أن يستوفي في (3) الطرف بنفسه بحال. وإن تشاحّ أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة).

أما كون الولي مخير إذا كان يحسن الاستيفاء في النفس بنفسه وبين التوكيل؛ فلأن التوكيل حق له. فكان له الخيرة فيه لما ذكر؛ كسائر الحقوق.

وأما كونه مخيرا في الطرف وهو ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن استيفاء الطرف أحد نوعي القصاص. أشبه النفس.

وأما كونه ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال على وجه؛ فلأنه لا يؤمن مع قصد التشفي أن يجني عليه بما لا يمكن تلافيه.

وأما كون أحد الأولياء يقدم في القرعة إذا تشاحوا في الاستيفاء؛ فلأن الحقوق إذا تساوت وعُدم الترجيح شُرعت القرعة؛ كما لو تشاحّوا في تزويج موليتهم.

ولا بد أن يُلحظ في ذلك أنه إذا قدم أحدهم بالقرعة فقرع بينهم فوقعت عليه لا يجوز له أن يستوفي إلا بإذن بقية الأولياء؛ لأن الحق لهم فلا يجوز استيفاؤه بغير إذنهم.

(1) في أ: يأمر.

(2)

ساقط من د.

(3)

مثل السابق.

ص: 57

فصل [في استيفاء القصاص في النفس]

قال المصنف رحمه الله: (ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يفعل به كما فعل. فلو قطع يده ثم قتله فعل به ذلك، وإن قتله بحجر أو غرّقه أو غير ذلك فُعل به مثل فعلِهِ (1».

أما كون القصاص في النفس لا يستوفى إلا بالسيف في إحدى الروايتين؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قَوَدَ إلا بالسَّيف» (2). رواه ابن ماجة.

وأما كونه يُفعل به كما فَعل في الأخرى؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]، وقال تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194].

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم رَضَخَ رأسَ اليهودي لرضْخِه رأسَ الجارية» (3).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منْ حَرَّقَ حرَّقنَاهُ، ومنْ غَرَّقَ غرَّقنَاه» (4).

ولأن القصاص موضوع على المماثلة، ولفظه مشعر بها. فيجب أن يستوفى منه ما فعل؛ كما لو ضرب العنق آخر غيره.

فعلى هذه الرواية لو قطع يده ثم قتله قطعت يده ثم قتل وإن قتله بحجر قتل بحجر، وإن غرقه غرق، وإن فعل به غير ذلك من أنواع القتل فُعل به ذلك.

(1) في أ: مثل ما فعله.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2667) 2: 889 كتاب الديات، باب لا قود إلا بالسيف.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 43 كتاب الجنايات، باب عمد القتل بالحجر وغيره

ص: 58

قال: (وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات فُعل به كفعله فإن مات وإلا ضربت عنقه. وقال القاضي: يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة).

أما كون من ذكر يُفعل به كما فَعل على غير قول القاضي؛ فلما تقدم من الكتاب والسنة واعتبار المماثلة.

وأما كونه يضرب عنقه إذا لم يمت بمثل فعله؛ فلأن قتله مستحق لكونه ترتب على فعله القتل. فإذا لم يحصل بمثل ما فعل تعين ضرب العنق؛ لكونه وسيلة إلى استيفاء القتل المستحق عليه.

وأما كونه يقتل ولا يزاد على ذلك على قول القاضي؛ فلأن القصاص أحد بدلي النفس. فدخل القطع وغيره في القتل (1)؛ كالدية.

ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل البنية وإتلاف الجملة وقد أمكن هذا بالقتل. فلا يجوز تعذيبه بإتلاف أطرافه؛ كما لو قتل بسيف كالٍّ فإنه لا يقتل بمثله.

قال: (وإن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه قتل بالسيف رواية واحدة. ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة، ولا قطع شيء من أطرافه فإن فعل فلا قصاص فيه وتجب فيه ديته سواء عفى عنه أو قتله).

أما كون من ذكر يقتل بالسيف رواية واحدة؛ فلأن قتله بمثل فعله لا يجوز لكونه محرماً في نفسه، وإذا لم يجز مثل فعله تعين القتل بالسيف لأن قتله بمثل فعله غير ممكن لأنه محرم لعينه. فوجب العدول عنه.

وأما كون الزيادة على ما أتى به القاتل لا تجوز رواية واحدة؛ فلأن الزيادة على فعله تعد عليه. فلم يجز؛ كما لو لم يكن قاتلاً.

وأما كون قطع شيء من أطرافه لا يجوز؛ فلأن ذلك زيادة على ما أتى به.

(1) في أ: القطع.

ص: 59

وأما كون فعل ذلك لا قصاص فيه؛ فلأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهات والشبهة هاهنا متحققة لأنه مستحق لإتلاف الطرف ضمناً لاستحقاقه إتلاف الجملة.

وأما كونه تجب فيه ديته؛ فلأن قطع الطرف حصل بفعل تعد. فإذا تعذر القصاص وجبت الدية؛ كما لو لم يكن المقطوع مكافئاً.

وأما كون ما ذكر كذلك سواء عفى عنه أو قتله؛ فلأن استحقاق إتلاف الطرف موجود في جانبي العفو والقتل.

ص: 60

فصل [إذا قتل واحد جماعة]

قال المصنف رحمه الله: (وإن قتل واحد جماعة فرضوا بقتله قُتل لهم ولا شيء لهم سواه، وإن تشاحّوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول وللباقين دية قتيلهم، وإن رضي الأول بالدية أعطيها وقتل للثاني).

أما كون الواحد إذا قتل جماعة فرضي أولياؤهم بقتله يقتل لهم؛ فلأن الحق لهم وقد اتفقوا على استيفائه.

ولأن المحل تعلق به حقوق لا يتسع لها. فإذا رضي أصحابها بالقتل جاز؛ كما لو قتل عبد عبدين فرضي صاحبهما بأخذه بدلاً عنهما.

ولأن أصحاب الحقوق إذا رضوا بقتله فقد رضوا ببعض حقهم. فجاز؛ كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء.

وأما كونهم لا شيء لهم غير القتل؛ فلأنهم قد رضوا بالقتل. فلم يكن لهم سواه.

وأما كونه يقاد منه للأول إذا تشاحّ أولياء المقتولين فيمن يقتله على الكمال؛ فلأن المحل لا يتسع للكل، وحق الأول سابق. فقُدّم لسبقه.

وأما كون الباقين لهم دية قتيلهم؛ فلأن القتل إذا فات بَقِيت الدية.

وأما كون الأول يعطى الدية إذا رضي بها؛ فلأنه راضٍ بدون حقه.

وأما كون القاتل يقتل للثاني؛ فلأن الأول إنما قدم عليه لسبقه وقد سقط حقه لرضاه بالدية. فوجب أن يقتل للثاني. عملاً بالمقتضي السالم عن معارضة السبق.

ص: 61

قال: (وإن قتل وقطع طرفاً قطعَ طرفه أولاً (1) ثم قتل لولي المقتول. وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل).

أما كون من قتل وقطع طرفاً من آخر يقطع قبل أن يقتل؛ فلأنه لو بُدئ بالقتل لفات القطع، وفيه تفويت لحق المقطوع، وذلك يوجب تقديم القطع لما فيه من الجمع بين حقي القطع والقتل.

وأما كونه يقتل بعد ذلك لولي المقتول؛ فلأنه لا معارض له.

وأما كون حكم قطع أيدي الجماعة كحكم قتل الجماعة؛ فلأن القطع كالقتل؛ لأنه في معناه.

فعلى هذا إن رضي الجماعة بقطع يده لهم قطعت ولا شيء لهم، وإن تشاحّوا قدم الأول لسبقه، وإن رضي الأول بالدية قطع للثاني.

(1) ساقط من أ.

ص: 62