الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حكم المرتد
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 217].
وأما السنة؛ فقوله عليه السلام: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (1).
وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون في الجملة على وجوب قتل المرتد.
قال المصنف رحمه الله: (وهو الذي يكفر بعد إسلامه. فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو اتخذ لله صاحبة أو ولداً، أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه، أو سبّ الله تعالى أو رسوله كفر).
أما قول المصنف رحمه الله: وهو الذي يكفر بعد إسلامه؛ فبيان لما يصير به الإنسان مرتداً.
وأما كون من أشرك بالله يكفر؛ فلأن الله تعالى وصفه بالكفر في غير موضع من كتابه العزيز. من ذلك قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73]، ومنه قوله تعالى:{براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين -إلى قوله-: وبشر الذين كفروا بعذاب أليم -إلى قوله تعالى-: فقاتلوا أئمة الكفر} [التوبة: 1 - 12]، ومنه قوله تعالى:{ومن يَدْعُ مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} [المؤمنون: 117].
ولأن الله تعالى أخبر في كتابه العزيز أنه لا شريك له، فمن أشرك به فقد كذبه، ومن كذبه يكفر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6524) 6: 2537 كتاب استتابة المرتدين المعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم.
وأما كون من جحد ربوبية الله يكفر؛ فلأنه مكذب لله، ومن كذبه يكفر.
وأما كون من جحد وحدانيته يكفر؛ فلأن جاحد ذلك مشرك بالله، وقد تقدم دليل كفره.
وأما كون من جحد صفة من صفاته يكفر؛ فلأن جاحد ذلك كجاحد وحدانيته وقد تقدم دليل كفره.
وأما كون من اتخذ لله صاحبة أو ولداً يكفر؛ فلأن الله تعالى نزّه نفسه عن ذلك ونفاه عنه. فمتخذه مخالف له غير منزه له عن ذلك.
ولأنه مكذب له فيما أخبر به عن ذلك. فيكون كافراً.
[وأما كون من جحد نبياً يكفر؛ فلأنه مكذب لله جاحد لنبوة نبيه](1).
وأما كون من جحد كتاباً من كتب الله يكفر؛ فلأنه مكذب لله جاحد لكتابه (2).
وأما كون من جحد شيئاً من كتب الله (3) يكفر؛ فلأن جحد الشيء منه كجحد الكل؛ لاشتراكهما في كون الكل من عند الله.
وأما كون من سبّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يكفر؛ فلأنه لا يسب واحداً منهما إلا وهو مكذب له جاحد به، وقد تقدم دليل كفره.
قال: (ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئاً منها، أو أحل الزنى أو الخمر أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل: عُرِّف ذلك. وإن كان ممن لا يجهل ذلك كفر).
أما كون من جحد شيئاً من ذلك أو أحله لجهل يعرفه (4)؛ فليصير عالماً به.
وأما كونه إذا كان ممن لا يجهل ذلك يكفر؛ فلأنه مكذب لله تعالى ورسوله وسائر الأمة.
(1) ساقط من أ.
(2)
في د: للكتاب.
(3)
في أ: من كتاب من كتب الله تعالى.
(4)
في أ: بعدمه.
قال: (وإن ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً لم يكفر. وعنه: يكفر. إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال).
أما كون من ترك شيئاً من الصلاة تهاوناً لا يكفر على روايةٍ وهي اختيار المصنف رحمه الله، وكونه يكفر على روايةٍ وهي ظاهر المذهب؛ فلما تقدم في كتاب الصلاة (1).
وأما كون من ترك الزكاة تهاوناً لا يكفر على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن منعها فإنا آخذوها» (2)، ولم يحكم بكفره.
وأما كونه يكفر على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة [فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11] شرط في الإخوة في الدين أداء الزكاة.
ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: «لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة» (3). و «قال لمانع الزكاة] (4): لا. حتى تشهد أن قتلانا في الجنةِ وقتلاكمْ في النار» (5).
وأما كون من ترك الصوم لا يكفر على روايةٍ؛ فبالقياس على الزكاة. بجامع ما يشتركان فيه من كونهما عبادة تجب على الفور (6).
وأما كون من أخّر متهاوناً لا يكفر بحال على ما ذكره المصنف رحمه الله هنا؛ فلأنه مختلف في وجوبه على الفور. فلا وجه لكفره مع جواز تأخيره على بعض المذاهب. وكلام أبي الخطاب في هدايته يقتضي مساواة الحج للصلاة والزكاة؛ لأنه أحد مباني الإسلام. أشبه بَواقيها.
(1) 1: 255.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1575) 2: 101 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1335) 2: 507 كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (20) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
…
(4)
ساقط من د.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 335 كتاب الأشربة، باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين.
(6)
في أ: القول.
إذا تقرر هذا فاعلم أن العبادات الخمس تطلق تارة ويراد بها الصلوات الخمس، وتطلق تارة ويراد بها مباني الإسلام الخمس. وفي حمل كلام المصنف رحمه الله على كل واحد منهما إشكال.
أما إذا حمل على الصلوات فالإشكال عليه من وجهين:
أحدهما: أنه تبقى الزكاة والصوم غير مذكورين.
وثانيهما: أن الاستثناء في قوله: وعنه يكفر إلا الحج لا يقع صحيحاً؛ لعدم شمول الكلام الأول له.
وأما إذا حمل على مباني الإسلام؛ فلأن من مباني الإسلام الشهادتين وتاركهما متهاوناً كافر بغير خلاف في المذهب.
قال: (فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دُعي إليه ثلاثة أيام وضيّق عليه فإن لم يتب قتل. وعنه: لا تجب استتابته بل تستحب، ويجوز قتله في الحال).
أما كون من ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل يُدعى إليه؛ فليرجع عن ارتداده.
وأما قول المصنف رحمه الله: والنساء؛ ففيه تصريح بأن المرأة في الردة كالرجل. وهو صحيح؛ لدخولهما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (1)، وفي الحديث «أن امرأة يُقال لها: أم رومان ارتدت عن الإسلام. فبلغَ أمرُها النبي صلى الله عليه وسلم. فأمر أن تُستتاب فإن تابت وإلا قتلت» (2). رواه الدارقطني.
ولأن المرأة شخص بدّل دينه الحق بالباطل. فوجب أن تكون كالرجل.
فإن قيل: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة.
قيل: المراد به (3) غير المرتدة؛ لأن المرتد يخالف الأصلي. بدليل أن الرجل يقر عليه، ولا يقتل أهل الصوامع والشيوخ والمكافيف (4). بخلاف الكفر الطارئ.
(1) سبق تخريجه ص: 352.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (122) 3: 118 كتاب الحدود.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في د: المكافيف.
وأما قوله: "وهو بالغ عاقل" ففيه إشعار بأن الردة لا تصح من صبي ولا مجنون. وهو صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُفعَ القلمُ عن ثلاث: عن الصبي [حتى يبلُغ، وعن المجنون حتى يُفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» (1)] (2).
ولا بد أن يلحظ [في الصبي](3) أنه غير مميز؛ لأن المميز يأتي ذكره بعد.
وأما كون الدعوة إلى الإسلام ثلاثة أيام على المذهب؛ فلما روى مالك في الموطأ بإسناده «أنه وَفَدَ على عمر رجل من قبل أبي موسى. فقال له عمر: هل من مُغَرِّبَةِ خبَر؟ قال: رجلٌ كفرَ بعد إسلامه. قال: ما فعلتم به؟ قال: قَرَّبْناهُ، فضربنا (4) عنُقَه. قال عمر: فهلا حبستموهُ ثلاثًا. فأطعمتموهُ كل يوم رغيفًا. فاستتبتموهُ لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهم (5)! إني لم أحضر. ولم آمر. ولم أرض إذْ بلغني» (6).
وأما كونه يضيّق عليه؛ فليرجع إلى الحق. وفي حديث عمر المذكور: «فهلاّ حبستُموه» .
وأما كونه يقتل إن لم يتب؛ فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلوهُ» (7)، ومن قوله في حديث أم رومان:«فإن تابتْ وإلا قُتلت» (8).
وأما كونه لا تجب استتابته على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدّل دينه فاقتلوه» (9) ولم يذكر الاستتابة.
(1) سبق تخريجه ص: 215.
(2)
ساقط من د.
(3)
ساقط من د.
(4)
في د: وضربنا.
(5)
في أ: أمر الله تعالى قال.
(6)
أخرجه مالك في موطئه (16) 2: 565 كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 206 كتاب المرتد، باب من قال: يحبس ثلاثة أيام.
(7)
سبق تخريجه ص: 352.
(8)
سبق تخريجه ص: 356.
(9)
سبق تخريجه ص: 352.
ولأن المرتد يقتل لكفره. فلم تجب استتابته؛ كالأصلي (4).
وأما كونها تستحب؛ فلأنه مختلف في وجوبها. فأدنى الأحوال أن يكون مستحباً.
والأول أصح؛ لما تقدم.
وأما قوله: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (5) فمحمول على القتل بعد الاستتابة.
وأما الحديث الآخر فيروى فيه: «أن المرتد استُتيب قبل قدوم معاذ» (6). رواه أبو داود.
فعلى هذا يضيق عليه ويحبس لينزجر عن ذلك ويرجع عن دينه الذي صار إليه، وفي حديث عمر:«فهلا حبستمُوه» (4)، وعلى الثانية يجوز قتله في الحال؛ لما ذكر في حديث معاذ.
وأما كونه يقتل إذا لم يتب؛ فلما تقدم من قوله عليه السلام: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (8).
(1) زيادة من الصحيحين.
(2)
ساقط من د.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4088) 4: 1579 كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع. مختصر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1733) 3: 1456 كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها.
(4)
في أ: كالأصل.
(5)
سبق تخريجه ص: 352.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه (4355) 4: 127 كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد.
(7)
سبق تخريجه ص: 357.
(8)
سبق تخريجه ص: 352.
قال: (ويقتل بالسيف. ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه، فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر. ولا ضمان عليه سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها).
أما كون المرتد يقتل بالسيف؛ فلأن في حديث القادم من قِبَل أبي موسى: «قدمناهُ فضربنا عنُقه» (1).
وأما كونه لا يقتله إلا الإمام أو نائبه؛ فلأنه قتل لحق الله سبحانه وتعالى. فلم (2) يله إلا الإمام أو نائبه؛ كالحد.
وأما كونه إذا قتله غير من ذكر بغير إذن الإمام أساء؛ فلأن في ذلك حطاً لمنزلة الإمام، وإساءة أدبٍ عليه.
وأما كونه يعزر؛ فلأنه فعل ما منع من فعله ولا حد فيه ولا كفارة، وذلك يوجب التعزير. دليله: فعل سائر ما منع من فعله مما لا حد فيه ولا كفارة.
وأما كون قتله قبل الاستتابة وبعدها سواء؛ فلأنه في الجملة مهدر الدم وردته مبيحة لدمه، وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها.
قال: (وإن عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته. وعنه: يصح إسلامه دون ردته. وعنه: لا يصح شيء منهما حتى يبلغ. والمذهب الأول.
وإن أسلم ثم قال: لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله، وأجبر على الإسلام، ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه، فإن ثبت على كفره قتل).
أما كون الصبي إذا عقل الإسلام يصح إسلامه وردته على المذهب: أما الإسلام؛ فلأن علياً أسلم صبياً فصح إسلامه وعد من مناقبه وسبقه وينشد له:
سبقتكمُ إلى الإسلام طُرًّا
…
صبيًا ما بلغت أوان حلمي
ويقال: أول من أسلم من الصبيان علي، ومن الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال. وفي الحديث:«من قال: لا إلهَ إلا الله دخلَ الجنة» (3).
(1) سبق تخريجه ص: 352.
(2)
ساقط من د.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (29) 1: 57 كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً.
وأخرجه الترمذي في جامعه (2638) 5: 23 كتاب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله.
وأما الردة؛ فلأن من صح إسلامه صحت ردته. دليله البالغ.
وأما كونه يصح إسلامه دون ردته [على روايةٍ؛ فلأن مقتضى حال الصبي أن لا يصح منه إسلام ولا ردة](1)؛ لكونه (2) غير بالغ. وقد رَفَعَ الشرع عنه القلم وجعله ملحقاً بالبهائم. ثم تُرك العمل به في الإسلام؛ لما تقدم. فيبقى في الردة على مقتضى الدليل.
وأما كونه لا يصح شيء منهما على روايةٍ؛ فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُفعَ القلمُ [عن ثلاث](3): عن الصبي حتى يبلُغ
…
» (4).
ولأن الإسلام والردة قول تثبت به الأحكام. فلم يصح من الصبي؛ كالهبة.
وأما كون المذهب الأول؛ فلما تقدم من الأدلة. ويعضد ذلك قوله عليه السلام: «أُمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصَمُوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابُهم على الله» (5).
وقوله عليه السلام: «كل مولودٍ يولدُ على الفطرة. فأبواه يُهوِّدانِه، وينصِّرانِه، ويمجِّسانِه» (6).
ولأن الصبي يدخل في عموم ذلك كله. والتفرقة بين الإسلام والردة لا يصح؛ لأن المصحح للإسلام موجود في الردة فوروده في الإسلام يكون وروداً له
(1) ساقط من د.
(2)
في د: فلكونه.
(3)
ساقط من د.
(4)
سبق تخريجه ص: 215.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (25) 1: 17 كتاب الإيمان، باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} .
وأخرجه مسلم في صحيحه (22) 1: 53 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله
…
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (1292) 1: 456 كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلي عليه
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (2658) 4: 2047 كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة
…
في الردة. وقوله عليه السلام: «رُفعَ القلمُ» (1) يقتضي أن لا يكتب عليه شيء، وإذا صح إسلامه يكتب له لا عليه ويحصل له سعادة الدنيا والآخرة.
فإن قيل: الإسلام سبب لوجوب الزكاة وحرمان ميراث قريبه الكافر وفسخ نكاحه ووجوب نفقة أقاربه المسلمين.
قيل: الزكاة نفع محض؛ لأنها سبب النماء والزيادة محصنة للمال، والميراث والنفقة أمر متوهم، وذلك مجبور بحصول الميراث من أقاربه المسلمين وسقوط نفقة أقاربه الكفار ثم هو ضرر مغمور بالنسبة إلى ما يحصل له من سعادة الآخرة والخلاص من الشقاء والخلود في الجحيم.
وأما كون الصبي إذا أسلم وقيل يصح إسلامه ثم قال: لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله؛ لأنه عاقل صح إسلامه. فلم يلتفت إلى قوله؛ كالبالغ إذا أسلم ثم قال: لم أدر ما قلت.
وأما كونه يجبر على الإسلام؛ فلأنه كفر بعد إسلامه.
وأما كونه لا يقتل حتى يبلغ؛ فلأن من لم يبلغ [لا يتعلق به عقوبة من حد زنى ولا سرقة ولا قصاص. فكذلك يجب أن](2) لا يتعلق به حق ردة.
وأما كونه لا يقتل حتى يجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه؛ فلأجل وجوب استتابة المرتد ثلاثاً.
وأما كونه يقتل إذا ثبت على كفره؛ فلأنه مرتد مصرٌ على ردته. فوجب قتله؛ لعموم الأدلة المقتضية لقتل المرتد المتقدم ذكرها.
قال: (ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته. فإن مات في سكره مات كافراً. وعنه: لا تصح ردته).
أما كون من ارتد وهو سكران لا يقتل حتى يصحو؛ فلأن القتل عقوبة. فلا تفعل بزائل العقل.
وأما كونه لا يقتل حتى تتم له ثلاثة أيام؛ فلما تقدم من أن المرتد لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام.
(1) سبق تخريجه ص: 215.
(2)
ساقط من أ.
وأما كون أول الأيام من وقت ردته؛ فلأنه كذلك في غيره.
وأما كونه إذا مات في سكره مات كافراً؛ فلأنه مات بعد ارتداده. وفيما ذكر إشعار بصحة ردة السكران. وهو صحيح صرح به المصنف رحمه الله في غير مقنعه وغيره من الأصحاب؛ لأن علياً قال بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم في السكران: «إذا سَكر هذَى، وإذا هذَى افترى فحدوه حد المفتري» (1) فأوجبوا عليه حد المفتري التي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنتها.
ولأنه يصح طلاقه. فصحت ردته؛ كالصاحي.
وأما كونه لا تصح ردته على روايةٍ؛ فلأن الردة أمر يتعلق بالاعتقاد، والسكران لا يصح قصده. أشبه المجنون.
ولأن الردة إنما تصح من مكلف، والعقل شرط في التكليف، ولهذا لا تصح استتابته.
والأول هو الصحيح في المذهب؛ لما تقدم من قول علي بمحضر من (2) الصحابة وحدهم له. والقول بأنه لا يصح قصده [لا يصح؛ لأنه يجري مجرى الصاحي في الحكم. بدليل صحة طلاقه. وبه فارق المجنون؛ لأن](3) المجنون لا يصح طلاقه. وعدم صحة استتابته لعدم صحة (4) عقله وتمييزه.
ولأن الحد وضع للزجر، ولا يحصل الزجر في حال سكره.
فإن قيل: لم كان ابتداء الثلاثة في الصبي من حين البلوغ، وفي السكران من حين الردة؟
قيل: لأن زوال العقل في السكران بتعديه. بخلاف الصبي.
(1) سبق تخريجه ص: 282.
(2)
ساقط من د.
(3)
ساقط من أ.
(4)
مثل السابق.
قال: (وهل تقبل توبة الزنديق، ومن تكررت ردته، أو من سبّ الله تعالى أو رسوله، والساحر؟ على روايتين:
إحداهما (1): لا تقبل توبته، ويقتل بكل حال. والأخرى: تقبل توبته كغيره).
أما كون توبة الزنديق لا تقبل على روايةٍ؛ فلأنه لا يؤمن أن يظهر التوبة ويبطن غيرها كما كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
ولأن في قبول توبته خطراً؛ لأنه لا سبيل إلى الثقة بقوله.
ولأن إبقاءه يؤدي إلى تسلطه في الباطن على إفساد عقائد المسلمين، وفي ذلك ضرر عظيم.
وأما كون [توبة من](2) تكررت ردته لا تقبل على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {إن الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديم سبيلا} [النساء: 137].
وروى الأثرم بإسناده عن ظيبان بن عمارة «أن رجلاً من بني سعيد (3) مرّ على مسجدٍ لبني حنيفة. فإذا هم يقرؤون برجز مسيلمة، فرجعَ إلى ابن مسعود فذكر له ذلك. فبعث إليهم فأُتي بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم؛ إلا رجلاً منهم يقال له: ابن النوَّاحةِ (4) قال: قد أتيتُ بكَ مرة فزعمتَ أنك قد تبتَ وأراكَ قد عدتَ فقتلَه» (5).
وأما كون توبة من سبّ الله أو رسوله (6) لا تقبل على روايةٍ؛ فلأن ذنبه عظيم جداً. أشبه الزنديق.
وأما كون توبة الساحر لا تقبل؛ فلأن الصحابة رضوان الله عليهم ما نقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحراً.
(1) في أ: أحدهما.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في الشرح الكبير: بني سعد، 10:89.
(4)
في الأصول: الرجة. وما أثبتناه من السنن.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (2762) 3: 84 كتاب الجهاد، باب في الرسل.
(6)
في أ: ورسوله.
ولأن السحر معنى في القلب لا يزول بالتوبة. أشبه الزنديق المستتر بكفره. وفي الحديث عن عائشة: «أن امرأةً جاءتها. فجعلت تبكي بكاءً شديداً وقالت: يا أم المؤمنين! إن عجوزاً ذهبتْ إلى هاروت وماروت فقلت: علِّماني السحر. فقالا: اتق الله ولا تكفري (1) فإنك على رأس أمركِ. فقلت: علِّماني السحر. فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ففعلت. فرأيت كأن فارساً مقنعاً في الحديد خرجَ مني حتى طارَ فغابَ في السماء. فرجعت إليهما فقالا: ذلك الإيمان
…
وذكرت باقي القصة. قالت: والله ما صنعتُ شيئاً غيرَ هذا فهل لي من توبة؟ قالت عائشة ورأتها تبكي بكاء شديداً فطافت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألهم: هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحدٌ إلا ابن عباس قال لها: إن كان أحدٌ من أبويكِ حياً فبرّيه وأكثري من عمل البِّر ما استطعت» (2).
وأما كون توبة كل من ذكر تقبل على روايةٍ؛ فإن ذنوبهم إما شرك أو ما دونه، والشرك تقبل التوبة فيه بدليل قوله تعالى:{قُل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]. وإذا قبل في الشرك فلأن يقبل فيما دونه بطريق الأولى.
والصحيح في المذهب الرواية الأولى؛ لأن أدلتها خاصة، وأدلة الثانية عامة، والخاص مقدم على العام.
ولأن ذنوبهم زيادة على الشرك المطلق. فلا يلزم من الغفران فيه (3) الغفران فيها لزيادتها عليه.
فعلى هذا يقتل من اتصف بأحد ما ذكر في الحال؛ لأن التأخير لأجل الاستتابة، ومن لا تقبل توبته لا حاجة إلى استتابته.
قال: (وتوبة المرتد إسلامه. وهو: أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؛ إلا أن تكون ردته بإنكار فرض، أو إحلال محرم، أو جحد نبي أو كتاب، أو إلى دين من يعتقد أن محمداً بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه
(1) في أ: تكفر.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 136 كتاب القسامة، باب قبول توبة الساحر وحقن دمه بتوبته.
حتى يقر بما جحده (1) ويشهد أن محمداً بعث إلى العالمين، أو يقول: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام).
أما كون توبة المرتد إسلامه؛ فلأنه ينافي ما صدر منه وهو متأخر عنه والحكم للمتأخر.
وأما كون إسلامه هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إذا لم تكن ردته بإنكار ما ذكر؛ [فلأن من قال ذلك حكم بإسلامه ما لم يوجد منه ما يناقضه. فكذلك المرتد.
وأما كون من تكون ردته بإنكار ما ذكر] (2) لا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده؛ فلأن ردته لجحده. فإذا لم يقر بما جحده بقي الأمر على ما كان عليه من الردة الموجبة لتكفيره.
وأما كون من تكون ردته إلى دين من يعتقد أن محمداً بعث إلى العرب خاصة لا يصح إسلامه حتى يشهد أن محمداً بعث إلى العالمين، أو يقول: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام؛ فلأن الرجوع عما ذهب إليه لا يحصل إلا بأحدهما.
فإن قيل: قول المصنف رحمه الله: وتوبة المرتد إسلامه وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله يدل على أن الإسلام لا يحصل إلا بهما، وقوله: إلا أن تكون ردته بإنكار فرض
…
إلى قوله: ولا يصح إسلامه حتى يقر بما يجحده ويشهد أن محمداً بعث إلى العالمين يدل على أن من ردته بإنكار ما ذكر يصح إسلامه بمجرد إقراره بما جحد وشهادته بأن محمداً بعث إلى العالمين من غير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويدل على أنه لا بد للمنكر لما ذكر من مجموع الأمرين من الإقرار والشهادة المذكورة آخراً.
قيل: أما الأول: فلا يكفي فيه مجرد إقراره بما جحده بل لا بد فيه من الشهادتين المذكورتين أولاً. وقول المصنف رحمه الله: فلا يصح إسلامه؛ مشعر
(1) ساقط من د.
(2)
في د: يجحده.
بذلك (1)؛ لأن المراد بإسلامه ما تقدم من الشهادة لتفسيره الإسلام بهما، والمعنى فلا تصح الشهادتان المتقدم ذكرهما حتى يقر بما جحده.
وأما الثاني: فهو من باب التوزيع كقولك: ركب الرجال الدواب على معنى ركب كل واحد دابة. فكذا قول المصنف رحمه الله: فلا يصح إسلامه حتى يقر ويشهد معناه حتى يشهد من أنكر فرضاً أو جحد نبياً أو كتاباً بما تقدم ذكره ويقر بما جحده، وحتى (2) يشهد [من ارتد إلى دين من يعتقد أن محمداً بعث إلى العرب خاصة بما تقدم ذكره] (3) وأن محمداً بعث إلى العالمين أو يقول: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام.
قال: (وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه. ولا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام).
أما كون المرتد يحكم بإسلامه إذا قامت البينة بأنه صلى بعد الردة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منْ صلَى صلاتنَا واستقبلَ قبلتنَا فلهُ ما لنا وعليهِ ما علينا» (4).
ولأن الصلاة أحد مباني الإسلام. فحكم بالإسلام بها؛ كالشهادتين.
وأما كون المسلم لا يبطل إحصانه بردته إذا عاد إلى الإسلام؛ فلأن العدالة تعود بالإسلام بعد الردة. فلأن يعود الإحصان [بعد الإسلام](5) بطريق أولى (6).
[ولأن إحصان القذف لا يبطل بالردة فكذا الإحصان](7) المذكور.
وأما كونه لا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إليه؛ فلأن الله تعالى شرط في بطلان العبادة موت المرتد على كفره بدليل قوله: {ومن يرتدد منكم عن
(1) ساقط من أ.
(2)
في أ: معناه حتى.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2641) 3: 44 كتاب الجهاد، باب على ما يقاتل المشركون.
وأخرجه الترمذي في جامعه (2608) 5: 4 كتاب الإيمان، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة» .
(5)
ساقط من د.
(6)
في أ: الأولى.
(7)
ساقط من د.
دينه فيمت وهو كافر} [البقرة: 217]، ومن عاد إلى الإسلام لم يوجد فيه الشرط فيجب أن لا يبطل عمله الحاصل في حال إسلامه؛ لانتفاء شرط الإبطال.
فإن قيل: قوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] يدل على حبوط (1) العمل مطلقاً.
قيل: يجب حمله على الآية المذكورة؛ لأن ما ذكر مطلق والآية المذكورة مقيدة، والمطلق يجب حمله على المقيد.
(1) في أ: الإحباط.
فصل [في أحكام المرتد]
قال المصنف رحمه الله: (ومن ارتد لم يزل ملكه بل يكون موقوفاً وتصرفاته موقوفة، فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته، وإلا بطلت. وتقضى ديونه وأروش جناياته، وينفق على من تلزمه مؤونته، وما أتلف من شيء ضمنه. ويتخرج في الجماعة الممتنعة أن لا تضمن ما أتلفته. وقال أبو بكر: يزول ملكه بردته، ولا يصح تصرفه. وإن أسلم رد إليه تمليكاً مستأنفاً).
أما كون من ارتد لا يزول ملكه على المذهب؛ فلأن الذي وجد منه سبب يبيح الدم، وذلك لا يوجب زوال الملك. دليله الزاني المحصن والقاتل.
وأما كونه يزول ملكه على قول أبي بكر؛ فلأن عصمة نفسه وماله بالإسلام فإذا ارتد زال العاصم لهما. فوجب أن تزول عصمتهما. ولهذا لو لحق بدار الحرب أبيح دمه وماله.
ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه. فوجب أن يملكوا أخذ ماله.
والأول أصح؛ لما تقدم. وزوال العصمة لا ينفي بقاء الملك. بدليل الحربي فإنه لا عصمة له وملكه ثابت. وزوال ملك المرتد بلحوقه بدار الحرب ممنوع بل تزول عصمته، ويباح لكلٍّ أخذه؛ كمال الحربي سواء.
فعلى هذا يكون ملكه موقوفاً فإن أسلم تبين استمرار ثبوته وإن مات أو قتل زال ملكه من حيث موته أو قتله، وعلى قول أبي بكر إذا أسلم يرد إليه ما كان له على وجه الاستئناف.
وأما كون تصرفاته من (1) البيع والهبة والعتق والتدبير والوصية ونحو ذلك موقوفة على المذهب؛ فلأنه مال تعلق به حق الغير. فكان التصرف فيه موقوفاً؛ كتبرع المريض.
(1) في أ: في.
وأما كونها غير صحيحة على قول أبي بكر؛ [فلأنه تصرف في غير ملك.
فعلى المذهب إن أسلم نفذ تصرفه؛ كما لو صح المريض من مرضه، وإن قتل أو مات بطل؛ لأنه تصرف في مال تعلق به حق جماعة المسلمين. وعلى قول أبي بكر] (1) فلا (2) إشكال فيه.
وأما كونه تُقضى ديونه وأروش جناياته؛ فلأن ذلك حق واجب عليه.
وأما كونه ينفق على من تلزمه مؤونته؛ فلأن ذلك واجب بإيجاب الشرع. أشبه الدَّين.
وأما كون ما أتلفه من شيء في ردته يضمنه على المذهب؛ فلأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم. فلأن يوجبه على المرتد بطريق الأولى.
وأما كونه يتخرج في الجماعة إذا ارتدوا ولهم منعة أنها لا تضمن ما أتلفته؛ فلأنها في معنى البغاية. وتحقيقه أن الباغي إنما لم يضمن ما أتلفه؛ لأن في تضمينه ذلك تنفيراً له عن الرجوع إلى قبضة الإمام، وهذا المعنى موجود في الجماعة المرتدة الممتنعة.
قال: (وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات [في حال ردته] (3)؟ على روايتين).
أما كون المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال كفره على روايةٍ؛ فلأنه كافر. فلم يلزمه قضاء ما ترك في حال كفره؛ كالكافر الأصلي (4) إذا أسلم.
وأما كونه يلزمه ذلك على روايةٍ؛ فلأن رجوعه إلى الإسلام واجب على وجه لا يقر على كفره بحال. بخلاف الأصلي (5).
ولأن المرتد معترف بوجوب الصلاة عليه قبل ردته. بخلاف الكافر الأصلي.
(1) ساقط من د.
(2)
في أ: لا.
(3)
زيادة من د.
(4)
في أ: الأصل.
(5)
مثل السابق.
قال: (وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قُدرَ عليهما لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام، ومن لم يُسلم منهم قُتل، ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة. وهل يقرون على كفرهم؟ على روايتين).
أما كون الزوجين المذكورين لا يجوز استرقاقهما؛ فلأن لحاقهما بدار الحرب لا يخرجهما عن كونهما مرتدَين، والمرتد لا يجوز استرقاقه بل يجب قتلُه؛ لقوله عليه السلام:«من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (1).
ولأن المرتد لا يجوز إقراره على كفره فلا يجوز استرقاقه.
وأما كون أولادهما الذين وُلدوا في الإسلام لا يجوز استرقاقهم؛ فلأنهم إن كانوا قد كبروا وهم مسلمون فالمسلم لا يسترَقُ، وإن وصفوا الكفر فقد كفروا بعد الحكم بإسلامهم، وإن كانوا صغاراً فلا يجوز استرقاقهم؛ لأنهم يحكم (2) بإسلامهم تبعاً لآبائهم.
وأما كون من لم يسلم منهم يُقتل؛ فلما تقدم من قوله عليه السلام: «من بدَّلَ دينهُ فاقتلُوه» (3).
ولا بد أن يلحظ في القتل المذكور بلوغ الأولاد؛ لأن من لم يبلغ لم يقتل بردته؛ لما تقدم في موضعه.
وأما كون من ولد بعد الردة يجوز استرقاقهم؛ فلأنهم محكوم بكفرهم من غير سبق إسلام. فوجب جواز استرقاقهم؛ كولد الحربي.
وأما كونهم يقرون على كفرهم على روايةٍ؛ فبالقياس على الكافر الأصلي (4). والجامع بينهما اشتراكهما في جواز الاسترقاق.
وأما كونهم لا يقرون على روايةٍ؛ فلأن آبائهم لا يقرون. فوجب أن لا يقروا بالقياس عليهم وعلى أولادهم (5) الذين وجدوا في حال الإسلام.
(1) سبق تخريجه ص: 352.
(2)
في أ: محكوم.
(3)
سبق تخريجه ص: 352.
(4)
في أ: الأصل.
(5)
في أ: أولاده.
فصل [في حكم الساحر]
قال المصنف رحمه الله: (والساحر الذي يَرْكب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل).
أما كون من ذكر يكفر؛ فلأن الله تعالى قال: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة: 102].
وأما كونه يقتل؛ فـ «لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى الأحنف بن قيس: اقتلوا السواحر» (1). رواه أبو داود.
ورُوي «أن حفصة قتلت جاريةً لها سحرتها» (2). رواه الأثرم.
وعن جندب (3) بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حَدُّ الساحرِ ضربةٌ بالسيف» (4).
ولأن الساحر كافرٌ، والكافرُ بعدَ إسلامه يُقتل.
قال: (فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء يضر فلا يَكفر، ولا يُقتل، ولكن يُعَزّر. ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص).
أما كون الذي يسحر بشيء مما ذكر لا يكفر؛ فلأنه دون ما تقدم ذكره. وعلله بعضهم بأنه ليس بسحر.
وقول المصنف رحمه الله: فأما الذي يسحر لا يمكن معه التعليل بذلك.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3043) 3: 168 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية من المجوس.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (14) 2: 663 كتاب العقول، باب ما جاء في الغيلة والسحر.
(3)
في الأصول: حبيب.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه (1460) 4: 60 كتاب الحدود، باب ما جاء في حد الساحر.
وأخرجه الدارقطني في سننه (112) 3: 114 كتاب الحدود.
وأما كونه لا يقتل؛ فلأن الموجب للقتل الكفر وهو منتف فيه.
وأما كونه يعزر؛ فلأن فعله المذكور معصية، والتعزير يجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
وأما كونه يقتص منه [إذا فعل ما يوجب القصاص؛ فلأنه فعلٌ يقتل مثله غالباً. فوجب أن يقتص منه](1)؛ كما (2) لو قتله بمحدد.
قال: (وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه: فلا يكفر، ولا يقتل. وذكره أبو الخطاب في السحرة الذي يُقتلون).
أما كون من ذكر لا يكفر ولا يقتل على قول غير أبي الخطاب؛ فلأنه إذا لم يكفر ولم يقتل بما تقدم ذكره. فلأن لا يكفر ولا يقتل بما ذكر بطريق الأولى.
وأما كونه يقتل على ما ذكره أبو الخطاب؛ فبالقياس على السحرة الذين يُقتلون.
ونسَب المصنف رحمه الله في الكافي: الأول: إلى توقف الإمام. وقوله لمّا ذُكر ذلك له: قد رخص فيه بعض الناس. والثاني: إلى قول أصحابنا.
(1) ساقط من د.
(2)
في د: فكما.