المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القسامة والأصل في القسامة ما روي عن سهل بن أبي - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌باب القسامة والأصل في القسامة ما روي عن سهل بن أبي

‌باب القسامة

والأصل في القسامة ما روي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج «أن مُحيّصة بن مسعود وعبدالله بن سهل انطلقا إلى خيبر. فتفرقا في النخيل. فقُتل عبدالله بن سهل. فاتهموا اليهود. فجاءَ أخوه عبدالرحمن وابنا عمه حويصةَ ومحيصةَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فتكلم عبدالرحمن في أمر أخيه وهو أصغرُهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كبّر كبّر. فتكلما في أمر صاحبهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُقسم خمسونَ منكم على رجلٍ منهم فيدفع إليكم برمّته. فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهودُ بأيمان خمسين منهم. قالوا: يا رسول الله! قومٌ كفارٌ ضلال. قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَلِه» (1) متفق عليه.

قال المصنف رحمه الله: (وهي: الأيمان المكررة في دعوى القتل. ولا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها: دعوى القتل. ذكراً كان المقتول أو أنثى، حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً. فأما الجراح فلا قسامة فيه).

أما قول المصنف رحمه الله: وهي الأيمان المكررة (2) في دعوى (3) القتل؛ فبيان لمعنى القسامة شرعاً.

قال القاضي: الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة هي القسامة.

وفي اللغة: هي القوم الذين يحلفون. سُموا باسم المصدر، وذلك أن القسامة مصدر أقسم قسامة وقسماً. والمصدر قد يسمى به ومنه رجل عدل ورضي.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6769) 6: 2630 كتاب الأحكام، باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1669) 3: 1292 كتاب القسامة، باب القسامة.

(2)

في أ: المذكورة.

(3)

ساقط من أ.

ص: 200

وأما كون القسامة لا تثبت إلا بشروط أربعة؛ فلما يأتي ذكره في كل واحد منها.

وأما كون أحد الشروط دعوى القتل؛ فلأن الأصل فيها حديث محيصة وحويصة، وذلك فيه دعوى القتل.

ولأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له، والقتل من الحقوق. فوجب أن يندرج تحت ذلك.

وأما قول المصنف رحمه الله: ذكراً كان المقتول أو أنثى، حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً فراجع إلى أصل القسامة ليعلم أن القسامة تجري في ذلك كله: أما كونها تجري في الذكر؛ فلما تقدم من الحديث.

وأما كونها تجري في الأنثى؛ فلأن القصاص يجري فيها. فشرعت القسامة فيها؛ كالذكر.

وأما كونها تجري في الحر والمسلم؛ فلما تقدم من الحديث.

وأما كونها تجري في العبد والذمي؛ فلأن قتل العبد والذمي يوجب القصاص في المماثل له. فأوجب القسامة في ذلك؛ كالحر والمسلم.

فإن قيل: ظاهر إطلاق المصنف رحمه الله القسامة في قتل العبد والذمي من غير تقييد بكون المدعى عليه القتل مماثلاً أو غير مماثل يدل على القسامة مطلقاً.

قيل: قال في المغني: إن كان مماثلاً له شرعت القسامة وقد تقدم دليله، وإن كان غير مماثل (1) له فلا قسامة [فيه في ظاهر كلام الخرقي؛ لأن القسامة تكون فيما يوجب القود.

وقال القاضي: تشرع القسامة] (2)؛ لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة. فشرعت القسامة فيه؛ كقتل الحر المسلم.

ولأن ما كان حجة في قتل [الحر المسلم كان حجة في قتل](3) العبد والذمي؛ كالبينة. ثم قال: على الوجه الصحيح الأول.

(1) في أ: وإن اعتبر مماثلاً.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من د.

ص: 201

ولنا أنه قتل لا يوجب القصاص. [أشبه البهيمة. ولا يلزم من شرعها فيما يوجب القصاص](1) شرعها مع عدمه. بدليل أن العبد لو اتهم بقتل سيده شرعت القسامة إذا كان (2) القتل موجباً للقصاص، ولم يشرع إذا لم يكن كذلك.

وأما كون الجراح لا قسامة فيها (3)؛ فلأن القسامة تثبت في النفس لحرمتها. فاختصت؛ كالكفارة.

ولأنها تثبت حيث كان المجني عليه لا يمكنه (4) التعبير عن نفسه ولا عن قاتله، وهذا مفقود في الجراح.

قال: (الثاني: اللَّوْث. وهو: العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضاً بثأر في ظاهر المذهب. وعنه: ما يدل على أنه ما يغلب على الظن صحة الدعوى كتفرق (5) جماعة عن قتيل، ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان ونحو ذلك. فأما (6) قول القتيل: فلان قتلني فليس بلوث).

أما كون الثاني من شروط القسامة: اللَّوْث؛ فلأن الحديث الدال على مشروعية القسامة حديث حويصة ومحيصة، واللوث فيه موجود. فوجب أن لا يتعدى إلى من لا لوث فيه.

وأما كون اللوث هو العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه القتل؛ كما بيْن الأنصار ويهود خيبر، وبين القبائل والأحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب، وما بين أهل البغي والعدل، وما بين الشرطة واللصوص؛ فلأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة. تُرك العمل به في العداوة الظاهرة لقصة

(1) ساقط من د.

(2)

مثل السابق.

(3)

في د: فيه.

(4)

في أ: المجني عاقلاً يمكنه.

(5)

في أ: دعوى كتفريق.

(6)

في أ: وأما.

ص: 202

حويصة ومحيصة. إذ العداوة [بين الأنصار وأهل خيبر ظاهرة. فوجب أن يبقى عدم مشروعيتها في غير العداوة](1) الظاهرة على مقتضى الدليل.

وأما كون اللوث ما يغلب على الظن صحة الدعوى على روايةٍ؛ فلأن غلبة الظن مُنزّلة مَنزلة العلم في كثير من المواضع. فلأن تنزل منزلة العداوة الظاهرة بطريق الأولى.

وأما قول المصنف رحمه الله: كتفرق (2) جماعة عن قتيل منها؛ فلأن ذلك مما يغلب على الظن كون القاتل أحدهم أو كلهم.

وأما كون وجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم منها؛ فلأن ذلك مما يغلب على الظن كون من معه السيف المذكور هو القاتل.

وأما كون شهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان وما أشبه ذلك منها؛ فلأن ذلك مما يغلب على الظن صدق المدعي.

وأما كون (3) قول القتيل: فلان قتلني ليس بلوث؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يُعطى الناسُ بدعواهُم (4) لادّعى رجالٌ دماءَ قومٍ وأموالهم» (5).

ولأنه ادعى حقاً لنفسه. فلم يقبل قوله فيه؛ كسائر الحقوق.

ولأن اللوث: إما العداوة الظاهرة، أو غلبة الظن بصحة الدعوى. ولم يوجد واحد منهما في قول القتيل: فلان قتلني. بل الحاصل من قوله غلبة الظن بعدم صحة الدعوى؛ لما في قوله من التهمة.

(1) ساقط من د.

(2)

في أ: كتفريق.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: بدعاويهم. وفي د زيادة كلمة: جميعاً.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (4277) 4: 1656 كتاب التفسير، باب: {إن الذين يشترون بعهد الله

}.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.

ص: 203

قال: (ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمداً فقال الخرقي: لا يحكم له بيمين ولا غيرها، وعن أحمد: أنه يحلف يميناً واحدة. وهي الأولى. وإن كان خطأ حلف يميناً واحدة).

أما كون المدعي لما ذُكر مع ما ذكر لا يحكم له بيمين على قول الخرقي؛ فلأن المدعى به مما لا يجوز بذله. فلم يجب فيه يمين؛ كالحدود.

[ولأنه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول. فلم يستحلف فيها؛ كالحدود](1).

وأما كونه لا يحكم له بغير اليمين؛ فلأن من شروط القسامة المرتب عليها القتل أو الدية وجود اللوث، وهو منتف هاهنا.

وذكر المصنف رحمه الله في المغني ما ذكره الخرقي رواية.

وأما كون المدعى عليه يحلف على ما روي عن الإمام أحمد؛ فلعموم قوله عليه السلام: «ولكن اليمينَ على المدَّعَى عليه» (2).

[وأما كون اليمين واحدة؛ فلأن قوله عليه السلام: «ولكن اليمينَ على المدَّعَى عليه»](3): ظاهر في أنها يمين واحدة. وذلك من وجهين:

أحدهما: أنه وحد اليمين. فتنصرف إلى واحدة.

وثانيهما: أنه لم يفرق في اليمين المشروعة. فيدل على التسوية بين المشروعة في الدم والمال.

ولأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل. فلم تغلظ؛ كسائر الأيمان.

وأما كون الأولى ذلك؛ فلأن قوله عليه السلام: «لو يُعطى الناسُ بدعواهم (4) لادّعَى قومٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم» ، و «لكن اليمينَ على المدَّعَى عليه»: ظاهر في إيجاب اليمين لوجهين:

أحدهما: عموم اللفظ فيه.

(1) ساقط من د.

(2)

تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه ص: 203

(3)

ساقط من د.

(4)

في أ: بدعاويهم.

ص: 204

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في صدر الخبر بقوله: «لادّعى قومٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم» . ثم عقبه بقوله: «ولكن اليمينَ على المدَّعَى عليه» فيعود إلى المذكور في الحديث ولا يجوز إخراجه منه إلا بدليل أقوى منه.

ولأنها دعوى في حق الآدمي. فيستحلف فيها؛ كدعوى المال.

ولأنها (1) لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها. فيجب اليمين فيها؛ كالأصل.

وأما كونه يحلف يميناً واحدة (2) إذا كان خطأ؛ فلأن النكول هنا يُقضى به؛ لأن موجبه مال. بخلاف القصاص.

قال: (الثالث: اتفاق الأولياء في الدعوى. فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة).

أما كون الثالث من شروط القسامة اتفاق جميع الأولياء على (3) الدعوى؛ فلأنه دعوى قتل. فاشترط اتفاق جميع الأولياء في الدعوى فيها (4)؛ كالقصاص في غير القسامة.

وأما كونها لا تثبت إذا ادعى بعض الأولياء وأنكر بعض؛ فلأن شرطها اتفاق جميع الأولياء لما تقدم، ولم يوجد.

ولأن الإنكار أبلغ من عدم الدعوى. فإذا لم تثبت إلا مع اتفاق الجميع فيها. فلئلا تثبت مع إنكار البعض بطريق الأولى.

قال: (الرابع: أن يكون في المدعين رجال عقلاء. ولا مدخل للنساء والصبيان والمجانين في القسامة عمداً كان القتل أو خطأ).

أما كون الرابع من شروط القسامة أن يكون في المدعين رجال؛ فلأن الدال عليها حديث خيبر، [وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقسمُ خمسون رجلاً منكم» (5)] (6).

(1) في د: ولو أنها.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: في.

(4)

سقط لفظي: في الدعوى من د.

(5)

سبق تخريجه ص: 200

(6)

ساقط من أ.

ص: 205

ولأن أيمان (1) القسامة حجة يثبت بها قتل العمد. فاعتبر كونها من رجال؛ كالشهادة.

وأما كون النساء لا مدخل لهم في القسامة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر النساء في الحديث المتقدم.

ولأن القسامة حجة موجبها القتل. فلم تسمع من النساء؛ كالشهادة.

ولأن الجناية المدّعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته.

وأما كون الصبيان والمجانين لا مدخل لهم فيها؛ فلأن الأيمان في القسامة حجة للحالف، والصبي والمجنون لا يثبت بقولهما حجة، ولو أقرا على أنفسهما لم يقبل. فلئلا يقبل قولهما في حق غيرهما بطريق الأولى.

وأما كونهم لا مدخل لهم فيها عمداً كان القتل أو خطأ؛ فلأن الخطأ أحد القتلين. أشبه الآخر.

فإن قيل: الخطأ يثبت المال، وللنساء في ثبوت المال مدخل.

قيل: المال يثبت ضمناً لثبوت القتل، ومثل ذلك لا يثبت بالنساء. دليله ما لو ادعى رجل زوجية امرأة بعد موتها ليرثها فأقام رجلاً وامرأتين فإنه لا يقبل لكون المال إنما يثبت ضمناً لثبوت النكاح. فكذا هاهنا يجب أن لا يكون للنساء مدخل في القسامة في الخطأ؛ لأن المال إنما يثبت ضمناً لثبوت القتل.

قال: (فإن كانا اثنين أحدهما غائب أو غير مكلف فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية. وهل يحلف خمسين يميناً أو خمساً وعشرين؟ على وجهين. وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمساً وعشرين وله بقيتها).

أما كون الحاضر له أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية؛ فلأن القسامة حق له ولغيره. فغيبة صاحبه لا تمنعه من حلفه واستحقاق نصيبه؛ كالمال المشترك بين الاثنين.

(1) ساقط من أ.

ص: 206

وأما كونه يحلف خمسين يميناً على وجهٍ؛ فلأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة، ولذلك لو ادعى أحدهما دَيناً لأبيهما لم يستحق نصيبه منه إلا بالبينة المثبتة لجميعه.

ولأن الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في سائر الحقوق، ولو ادعى مالاً له شركة له به شاهد يحلف يميناً كاملة. كذلك هذا.

وأما كونه يحلف خمساً وعشرين على وجه؛ فلأن الجميع لو كانوا حضوراً لم يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان. [فكذا إذا غاب بعضهم؛ كما في سائر الحقوق.

ولأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية. فلا يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان] (1).

وأما كون الغائب إذا حضر والصبي إذا بلغ يحلف خمساً وعشرين يميناً؛ فلأنه يبني على أيمان أخيه المتقدمة.

وأما كون من حلف منهما له بقية الدية؛ فلأن ذلك موجَب أيمانه.

قال: (وذكر الخرقي من شروط القسامة: أن تكون الدعوى عمداً توجب القصاص إذا ثبت القتل، وأن تكون الدعوى على واحد. وقال غيره: ليس بشرط، لكن إن كانت الدعوى عمداً محضاً لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه، وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية).

أما كون القسامة من شروطها: أن تكون الدعوى عمداً توجب القصاص إذا ثبت القتل، وأن تكون الدعوى على ما ذكر الخرقي: أما كون الدعوى عمداً؛ فلأن اللوث من شروط القسامة وفاقاً على ما مر من الخلاف، ولا يتحقق إلا في العمد؛ لأن الخطأ يصدر من غير قصد. فيستوي فيه العدو وغيره، وإذا كان كذلك صار الخطأ في المعنى كالعمد الذي لا لوث فيه ولا قسامة فيه. فكذا ما هو في معناه.

(1) ساقط من د.

ص: 207

وأما كون العمد يوجب القصاص إذا ثبت القتل؛ فلأن الغرض من القسامة في العمد القصاص. فإذا لم تكن موجبة له كدعوى قتل المسلم الكافر لم يوجد الغرض المذكور.

وأما كون الدعوى على واحد؛ فلأن المثبت للقسامة الحديث المتقدم وفيه: «يحلفُ خمسونَ منكم على رجلٍ منهم فيدفعُ برمّتِه» (1).

وأما كون العمد ليس من شروط القسامة على قول غيره؛ فلأن القسامة حجة. فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد قياساً على البينة. والجامع بينهما كون كل واحدة منهما مثبتة للحق.

فعلى هذا إن كانت الدعوى عمداً محضاً لم يقسموا إلا على واحد معيّن ويستحقون دمه؛ لأن في حديث سهل: «يحلفُ خمسونَ منكم على رجلٍ منهم فيدفعُ برمَّتِه» . وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين؛ لأن موجبها المال. فصحت على الجماعة؛ كاليمين على المال. ويستحقون الدية على المدعى عليهم؛ لأن ذلك موجب القسامة من قتل الخطأ وشبه العمد.

(1) سبق تخريجه ص: 200.

ص: 208

فصل [في كيفية القسامة]

قال المصنف رحمه الله: (ويُبدأ في القسامة بأيمان المدعين. فيحلفون خمسين يميناً. ويختص ذلك بالوارث. فتقسم الأيمان بين الرجال منهم على قدر ميراثهم. فإن كان الوارث واحداً حلفها، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم. فإن كان فيها كسر جبر عليهم؛ مثل: زوج وابن يحلف الزوج ثلاث عشرة يميناً والابن ثمانية (1) وثلاثين. وإن خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد منهم سبع عشرة يميناً. وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلاً على كل واحد منهم يميناً).

أما كون القسامة يُبدأ فيها بأيمان المدعين؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمانهم في حديث سهل بن أبي حثمة فقال لحويصة ومحيصة وعبدالرحمن: «يحلفُ خمسونَ منكم فقالوا: أمرٌ لم نشهده كيفَ نحلف؟ قال: فتبرئكمْ يهودُ بأيمان خمسينَ منهم» (2).

فإن قيل: يرد على ذلك أمران:

أحدهما: الكلام في حديث سهل بما روى أبو داود بإسناده أن محمد بن إبراهيم قال: «وايمُ الله! ما قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم احلفوا على ما لا علمَ لكم به ولكنه كتبَ إلى يهودَ حين كلمه الأنصار فكتبوا يحلفونَ بالله ما قتلوهُ ولا يعلمونَ له قاتلاً» (3).

وثانيهما: أنه ينبغي أن يبدأ بأيمان المدعى عليهم لأمور:

(1) في أ: عشر والابن ثمانياً.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (4525) 4: 179 كتاب الديات، باب: في ترك القود بالقسامة.

ص: 209

أحدها: قوله عليه السلام: «ولكن اليمين على المدعى عليه» (1). رواه مسلم.

وثانيها (2): ما روي عن سليمان بن يسار عن رجالٍ من الأنصار «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهودَ وبدأَ بهم: يحلفُ منكم خمسونَ رجلاً فأبَوْا. فقال للأنصار: احلفُوا واستحقُّوا. قالوا: نحلفُ على الغيبِ يا رسول الله! [فجعلَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم] (3) على اليهود؛ لأنه وُجدَ بين أظهُرهم (4» ) (5). رواه أبو داود.

وثالثها: أن اليمين في القسامة يمين في دعوى. فكانت كسائر الدعاوي.

قيل: أما الكلام في حديث سهل فلا يصح لوجوه:

أحدها: أنه نفي فلا يرد به قول المثبت (6).

وثانيها: أن سهلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهَدَ القصة وعرفها حتى أنه قال: «ركضتني (7) ناقةٌ من تلكَ الإبل» (8). وغيره لم يره، وما ذكر عن أحد ولا حضر القصة، وإنما يقول برأيه (9) وظنه.

وثالثها: أن حديث سهل مخرج في الصحيحين متفق عليه، وحديث محمد بن إبراهيم ليس كذلك.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في أ: وثانيهما.

(3)

ساقط من د.

(4)

في د: يؤخذ من أظهرهما.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (4526) 4: 179 كتاب الديات، باب في ترك القود بالقسامة.

(6)

في أ: المصنف.

(7)

في د: وكصتني

(8)

أخرجه البخاري في صحيحه (5791) 5: 2275 كتاب الأدب، باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1669) 3: 1292 كتاب القسامة، باب القسامة.

(9)

في د: وغيره لم ير وأما ما ذكر عن أحد ولا حضر القصة وإنما يقول رأيه.

ص: 210

وأما قوله عليه السلام: «ولكن اليمينَ على المدَّعَى عليه» (1): فالمراد به غير هذه القصة لأن أوله يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم. ثم لو قدر دلالته على هذه القضية (2) فهي دلالة من جهة العموم، وحديث سهل يدل بجهة الخصوص، والخاص يقدم على العام. على أنه قد روي:«البينةُ على المدعي واليمينُ على من أنكرَ إلا في القسامة» (3)، وذلك زيادة من عدل. فوجب قبولها.

وأما حديث سليمان بن يسار فلا يصلح معارضاً لحديث سهل؛ لأنه عزاه إلى رجال من الأنصار ولم يذكر لهم صحبة ثم هو مخالف لحديث سهل من وجه آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية على اليهود.

وأما قياس يمين القسامة على سائر الدعاوي فلا يصح؛ لأنها خالفت ذلك في أشياء. على أن من الدعاوي ما يبدأ فيه بيمين المدعي كأيمان اللعان. فوجب إلحاق أيمان القسامة به؛ لأن بينهما اشتراكاً خاصاً هو تكرر الأيمان فيهما (4).

وأما كون المدعين يحلفون خمسين يميناً؛ فلما تقدم من الأحاديث الصحيحة؛ كحديث سهل وغيره.

ولأن الإجماع منعقد على ذلك.

وأما كون ذلك يختص بالوارث على المذهب؛ فلأن أيمان القسامة أيمان في دعوى. فلم تشرع في حق غير الوارث؛ كسائر الأيمان.

وأما كون الأيمان تقسم بين الرجال منهم؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب بذلك الرجال.

وأما كونه (5) يقسم بينهم على قدر ميراثهم؛ فلأن موجَبها إذا كان الدية يُقَسّم كذلك. فكذلك يجب أن (6) تقسم هي.

(1) سبق تخريجه ص: 203.

(2)

في أ: القصة.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (51) 4: 217 كتاب في الأقضية والأحكام، في المرأة تقتل إذا ارتدت.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 123.

(4)

في أ: تكرير الأيمان فيها.

(5)

في أ: كونهم.

(6)

ساقط من أ.

ص: 211

وأما كون الوارث إذا كان واحداً يحلفها كلها؛ فلأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية. فكذلك يجب أن يقوم مقامهم في الأيمان.

وأما كونهم إذا كانوا جماعة تقسم بينهم على قدر ميراثهم؛ فلما تقدم.

وأما كون الأيمان تجبر إذا كان فيها كسر كما مثّل المصنف رحمه الله من الزوج والابن؛ فلأن تكميل الخمسين واجب، ولا يمكن تبعيض اليمين ولا حلف بعض دون بعض. فوجب تكميل اليمين المكسورة؛ لتحصل الخمسون الواجبة.

وأما كون الجبر في حق (1) كل واحد؛ فلأنه لا مزية لأحد على أحد.

وأما كون الزوج يحلف من الخمسين ثلاثة عشر يميناً؛ لأن له الربع فيكون عليه ربع الأيمان وهو اثني عشر ونصف. ثم يكمل ذلك بنصف لما تقدم. فيصير ثلاثة عشرة.

وأما كون الابن يحلف ثمانية (2) وثلاثين؛ فلأن عليه سبعاً وثلاثين يميناً ونصف. ثم يكمل ذلك بنصف فيصير ثمانياً وثلاثين.

وأما كون من خلّف ثلاثة بنين يحلف كل واحد منهم سبع عشرة يميناً؛ فلأن [على كل ابن ثلث الأيمان ستة عشر يميناً وثلثين ثم يكمل ذلك بثلث يمين فيصير](3) على كل واحد سبع عشرة (4).

وأما كون غير الوارث من العصبة يحلف كل واحدٍ منهم خمسون رجلاً على رواية؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «يحلفُ خمسونَ منكم» (5) مع علمه أنه لم يكن لعبدالله بن سهل منهم خمسون رجلاً وارثاً؛ لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته أو أقرب منه نسباً.

ولأنه خاطب بذلك ابني عمه وهما غير وارثين.

(1) ساقط من د.

(2)

في أ: ثمانياً.

(3)

ساقط من د.

(4)

في د: عشرة إلا ثلث.

(5)

سبق تخريجه ص: 200.

ص: 212

قال: (فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ. وإن لم يحلف المدعون ولم (1) يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال).

أما كون المدعى عليه يحلف خمسين يميناً ويبرأ إذا لم يحلف المدعون؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث سهل: «فتبرئكم يهودُ بأيمان خمسينَ منهم» (2). أي (3) يبرؤون منكم بذلك.

وفي لفظ قال: «فيحلفونَ خمسينَ يميناً ويبرؤونَ من دمه» (4).

وعن الإمام أحمد: يحلفون ويغرمون الدية «لأن عمر رضي الله عنه قضى بالديةِ مع اليمين» .

والأول أولى؛ لما ذكر.

ولأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود الدية.

ولأن أيمان القسامة أيمان مشروعة في حق المدعى عليه. فوجب أن يبرأ بها (5) المدعى عليه؛ كسائر الأيمان.

وأما قضاء عمر رضي الله عنه فإنما قضى به على أهل المحلة، وليس ذلك مذهباً لأحمد.

وأما كون الإمام يفديه من بيت المال إذا لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه؛ فـ «لأن أولياءَ عبدالله بن سهل لم يحلفوا ولم يرضوا بأيمانَ اليهود. فوداهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمائةٍ من إبلِ الصدقة» (6) متفق عليه.

فإن قيل: فقد جاء أنه وداه من عنده.

قيل: يحمل ذلك على ما تقدم؛ لأن إبل الصدقة عنده. بخلاف العكس.

(1) في أ: يحلفوا ولم.

(2)

سبق تخريجه ص: 200.

(3)

في د: أن.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (16140) 4: 3.

(5)

ساقط من أ.

(6)

سبق تخريجه ص: 200.

ص: 213

قال: (فإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا. وهل تلزمهم الدية، أو تكون في بيت المال؟ على روايتين).

أما كون المدعى عليهم لا يحبسون إذا نكلوا عن اليمين؛ فلأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه (1). فلم يحبس عليها؛ كسائر الأيمان.

وعن الإمام أحمد: يحبسون حتى يحلفون (2)؛ لأنها دعوى فحبس فيها بالنكول؛ كالمال.

وأما كون الدية (3) تلزمهم على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها على اليهود في حديث سليمان بن يسار لما أبو أن يحلفوا (4).

ولأنه حكم يثبت بالنكول. فثبت في حق الناكل؛ كسائر الدعاوي.

وأما كونها تكون في بيت المال على روايةٍ؛ فلأنهم امتنعوا عن اليمين. أشبه المدعين (5) إذا لم يرضوا بيمين المدعى عليه.

إذا علم الاختلاف في الدية والاقتصار على لزومها مشعر بأن القصاص لا يلزم بالنكول وصرح به في المغني وعلله بأنه حجة ضعيفة. فلم يستحق به الدم؛ كالشاهد واليمين.

(1) في د: عليهم.

(2)

في أ: يحلفوا.

(3)

في أ: النساء.

(4)

سبق ذكره وتخريجه ص: 210.

(5)

في د: يمين المدعين.

ص: 214