المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اليمين في الدعاوى - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌باب اليمين في الدعاوى

‌باب اليمين في الدعاوى

قال المصنف: (وهي مشروعةٌ في حق المنكر في كل حقٍّ لآدمي. قال أبو بكر: إلا في النكاح والطلاق. وقال أبو الخطاب: إلا في تسعة أشياء: النكاح والرجعة والطلاق والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف والقصاص.

وقال القاضي: في الطلاق والقصاص والقذف روايتان، وسائر التسعة لا يستحلف فيه (1) رواية واحدة.

وقال الخرقي: لا يحلف في القصاص، ولا المرأة إذا أنكرت النكاح، وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها، وإذا أنكر المولي مضي الأربعة الأشهر حلف، وإذا أقام العبد شاهداً بعتقه حلف معه).

أما كون اليمين مشروعة في حق المنكر في كل حقٍّ لآدمي وهو احتمال في المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادعى قومٌ دماءَ رجال وأموالهم. ولكن اليمينَ على المدعَى عليه» (2). جعل اليمين على المدعى عليه بعد ذكر الدماء، وذلك ظاهر في أن الدعوى بالدم يشرع فيها اليمين، وسائر الحقوق إما مثله أو دونه. فوجب مشروعية اليمين في ذلك كله؛ لما ذكر ولعموم النص سواه.

وظاهر المذهب أنها لا تشرع في كل حقٍّ لآدمي؛ لأنها لا تشرع في بعض حقوقه؛ لما يأتي ذكره في موضعه.

وأما كونها مشروعة في غير الأشياء المستثناة؛ فلأنه إما مالٌ أو المقصود منه المال، ولا خلاف بين أهل العلم في مشروعية اليمين في ذلك إذا لم يكن للمدعي

(1) في المقنع: وسائر الستة لا يستحلف فيها.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4277) 4: 1656 باب {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.

ص: 688

بينة. والأصل فيه قضية الحضرمي والكندي المتقدم ذكرها غير مرة (1)، وعموم قوله عليه السلام:«ولكن اليمينَ على المدعَى عليه» (2).

وأما كونها لا تشرع في النكاح والطلاق على قول أبي بكر؛ فلأن النكاح لا مدخل للبدل فيه والطلاق يتبعه.

ولأن أمرهما أشد من غيرهما. فوجب تخصيصهما بذلك.

وأما كونها لا تشرع في الأشياء التسعة المذكورة على قول أبي الخطاب؛ فلأن منها: النكاح والطلاق وباقيها يساويها في كونها ليست مالاً.

ولأن ذلك لا يثبت إلا بشاهدين. فلا يشرع فيه اليمين؛ كالحدود.

وأما كونها لا تشرع في الطلاق والقصاص والقذف في روايةٍ وتشرع في روايةٍ؛ فلأن النظر إلى تأكدها يقتضي أن لا يشرع اليمين فيها والنظر إلى أنها حق آدمي يقتضي أن يشرع فيها.

وأما كون سائر التسعة لا يستحلف فيه رواية واحدة؛ فلتأكدها وعدم مساواة غيرها لها.

وأما كون القصاص لا يحلف فيه ولا المرأة إذا أنكرت النكاح على قول الخرقي؛ فلأن القصاص حد يدرأ بالشبهة، والمرأة لا يصح بدلها.

وأما كونها تحلف إذا ادعت انقضاء عدتها على قوله؛ فلما فيه من الاحتياط لبضعها.

وأما كون المُولي إذا أنكر مضي الأربعة الأشهر يحلف على قوله؛ فلأنه إذا لم يحلف يؤدي إلى ضرر المرأة وذلك منتفٍ.

وأما كون العبد إذا أقام شاهداً يحلف معه على قوله؛ فلأن عتقه نقل ملك. أشبه البيع.

قال: (ولا يستحلف في حقوق الله تعالى؛ كالحدود والعبادات).

أما كون حقوق الله تعالى لا يستحلف فيها؛ فلأنها تسقط بالشبهة. فلأن تسقط بالنكول بطريق الأولى.

(1) سبقت ص: 623.

(2)

سبق تخريجه ص: 688.

ص: 689

وأما كون حقوق الله تعالى كالعبادات كالزكاة وما أشبه ذلك لا يستحلف فيها؛ فلأنها حقٌ لله تعالى. أشبهت الحد.

قال: (ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي. ولا تُقبل فيه شهادة امرأتين ويمين. ويحتمل أن تُقبل. ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد ويمين).

أما كون الحكم في المال وما يقصد به المال يجوز بشاهد ويمين؛ فلما تقدم في باب المشهود به في قوله: الرابع المال وما يقصد به المال؛ كالبيع والقرض (1).

وأما كونه لا تُقبل فيه شهادة امرأتين ويمين على المذهب؛ فلأنها بينة خلت من رجل. فلم تقبل؛ كما لو شهد بالمال أربعة نسوة.

ولأن قول المرأتين ضعيف يقوى بالرجل، واليمين ضعيفة تقوّت بالرجل، وفي هذه الصورة ضعف انضم إلى ضعيف. فلم يحصل مع شيء منها تقوية.

وأما كون ذلك يحتمل أن يُقبل؛ فلأن المرأتين بمنزلة رجلٍ، والشاهد مع اليمين يثبت المال. فكذلك مع ما هو بمنزلته.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ودليل الثانية منقوض بما إذا شهد بالمال أربع نسوة فإنه لو قام كل امرأتين مقام رجل لقبلت شهادة الأربع؛ لمقامهم مقام الرجلين.

وأما كون النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه لا يقبل فيه شاهد ويمين؛ فلما تقدم في باب أقسام المشهود به في قوله: الثالث ما ليس بمال ولا يقصد به المال (2).

قال: (ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه حلف على البتِّ. ومن حلف على فعل غيره أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البتّ. وإن حلف على النفي حلف على نفي علمه).

أما كون من حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه؛ مثل: أن يدعي مائة مثلاً ويقيم بذلك شاهداً، ويريد أن يحلف معه، أو يدعي عليه مائة فيقول: ما يستحق

(1) ص: 672.

(2)

ص: 671.

ص: 690

عليّ شيئاً يحلف على البتّ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلاً فقال قل: واللهِ الذي لا إله إلا هوَ ما لي عليكَ حق» (1).

وأما كون من حلف على فعل غيره؛ مثل: أن يدعي أن غيره غصب داره أو ما أشبه ذلك يحلف على (2) البتّ؛ فلأن اليمين هنا قائمة مقام الشهادة ولو شهد الشاهد بذلك لكانت شهادته على البتّ فكذلك اليمين القائمة مقامها.

وأما كون من حلف على دعوى على غيره في الإثبات مثل: أن يدعي (3).

وأما كون من حلف على دعوى على غيره في النفي يحلف على نفي العلم؛ فلأن فعل الغير لا يمكن القطع فيه، ولذلك «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الحضرمي حين قال للكندي وقد أنكرَ أن أباه غصب أرضه: أُحَلِّفُه [واللهِ] ما يَعلمُ أنها أرضي اغتصبها أبوه» (4). رواه أبو داود بمعناه.

قال: (ومن توجهت عليه يمين لجماعة فقال: أحلف يميناً واحدة لهم فرضَوا جاز. وإن أبوا حلف لكل واحد يميناً).

أما كون من توجهت عليه يمين لجماعة فقال: أحلف يميناً واحدة لهم فرضوا يجوز؛ فلأنهم لو رضوا بلا يمين لجاز. فلأن يجوز إذا رضوا بيمين واحدة بطريق الأولى.

وأما كونه يحلف لكل واحد يميناً إذا أبوْا ذلك؛ فلأنه لو انفرد كل واحدٍ وحده لملك تحليفه يميناً. فإذا اجتمعوا ملكوا ذلك.

(1) سيأتي تخريجه ص: 692.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

بياض في د مقدار سطر.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3622) 3: 312 كتاب الأقضية، باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه. وما بين المعكوفين زيادة من السنن.

ص: 691

فصل [في صفة اليمين]

قال المصنف رحمه الله: (واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه. وإن رأى الحاكمُ تغليظها بلفظٍ أو زمنٍ أو مكانٍ جاز ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الطالبُ، الغالبُ، الضارُّ، النافعُ، الذي يعلم خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور).

أما كون اليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه؛ فبالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة: 107]، وقوله تعالى:{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [النحل: 38].

وأما السنة؛ فما روي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلّف ركانة في الطلاق. فقال: آلله! ما أردتَ إلا واحدة. فقال: آلله ما أردتُ إلا واحدة» (1).

وفي حديث الحضرمي والكندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألكَ بينة؟ قال: لا. ولكن أُحلفُه والله ما يَعلمُ أنها أرضي اغتصبها أبوه» (2). رواه أبو داود.

وقال عثمان لابن عمر: «تحلفُ باللهِ لقد بعتهُ وما به داءٌ تعلمُه» (3).

وأما كون الحاكم إذا رأى التغليظ بما ذكر يجوز؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلاً. فقال قل: واللهِ الذي لا إله إلا هوَ ما له عندي شيء» (4). رواه أبو داود.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1177) 3: 17 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2051) 1: 661 كتاب الطلاق، باب طلاق البتة.

(2)

سبق تخريجه ص: 691.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 328 كتاب البيوع، باب بيع البراءة.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3620) 3: 311 كتاب الأقضية، باب كيف اليمين؟

ص: 692

وأما كون التغليظ كما ذكر المصنف رحمه الله فلأن اللفظ قد دلّ على اعتباره استحلافه في الحديث المذكور بزيادة: «الذي لا إله إلا هو» . وغيره من الأيمان والمكان سيأتي ذكرهما بعد إن شاء الله تعالى.

قال: (واليهودي يقول: والله الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، وأنجاه من فرعون وملائه. والنصراني يقول: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وجعله يحيي الموتى، ويبرئُ الأكمه والأبرص. والمجوسي يقول: والله الذي خلقني وصوّرني ورزقني).

أما كون اليهودي يقول ما ذكر؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لليهود: «نشدتكم باللهِ الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدونَ في التوراة على من زنى؟ » (1). رواه أبو داود.

وأما كون النصراني يقول ما ذكر؛ فلأنه لفظ يتأكد به يمينه. أشبه اليهودي.

وعندي في تغليظ يمين النصراني بما ذكر نظر؛ لأن أكثرهم لا يعتقدون أن عيسى رسولٌ إنما يعتقدونه ابناً لله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فتغليظ اليمين بما ذكر يؤدي إلى خروج اليمين عن أن تكون يميناً فضلاً أن تكون مغلظة.

وأما كون المجوسي يقول ما ذكر؛ فلأنه يعظّم خالقه ورازقه. أشبه كلمة التوحيد في حق المسلم، وإنزال التوراة في حق اليهودي.

قال: (والزمان يحلفه بعد العصر أو بين الأذانين. والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام، وفي الصخرة ببيت المقدس، وفي سائر البُلدان عند المنبر. ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظّمونها).

أما كون التغليظ بالزمان تحليفه بعد العصر؛ فلأن الله تعالى قال: {تحبسونهما من بعد الصلاة} [المائدة: 106]. قيل: المراد بعد العصر.

وأما كون التغليظ بين الأذانين أي بين الأذان والإقامة؛ فلأنه وقت تُرجى فيه إجابة الدعوة. فيُرجى فيه معاجلة الكاذب بالعقوبة.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3624) 3: 312 كتاب الأقضية، باب كيف يحلف الذمي؟

ص: 693

وأما كون التغليظ بالمكان؛ فلأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «منْ حلفَ على منبري هذا بيمين آثمةٍ فليتبوَأْ مقعدَهُ من النار» (1).

فعلى هذا التغليظ بالمكان بمكة بين الركن والمقام؛ لأنه موضع شريف زائد على غيره في الفضيلة، وفي المدينة عند المنبر، وفي بيت المقدس في الصخرة، وفي سائر البُلدان عند المنبر؛ كالمدينة.

وأما كون أهل الذمة يحلفون في المواضع التي يعظّمونها؛ فلأن اليمين تغلظ في حقهم زماناً فكذلك مكاناً. وعن الشعبي: «أنه قال لنصراني: اذهب إلى البيعة» . و «قال كعب بن سور في نصراني: اذهبوا إلى المذبح» .

قال: (ولا تغلّظُ اليمين إلا فيما له خطرٌ؛ كالجنايات والعتاق والطلاق، وما تجب فيه الزكاة من المال، وقيل: ما يُقطع به السارق.

وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيباً).

أما كون اليمين لا تغلّظ إلا فيما له خطرٌ كما ذكر المصنف رحمه الله على المذهب؛ فلأن التغليظ للتأكيد، وما لا خطر فيه لا يحتاج إلى تأكيد.

وأما كونه ما يُقطع فيه السارق على قولٍ؛ فلأن قطعه به يدل على الاهتمام به والتأكيد يناسبه.

وأما كون الحاكم إذا رأى ترك التغليظ فتركه كان مصيباً؛ فلأنه مجتهد. فإذا رأى تركه كان مصيباً؛ كما لو رأى أن الحُكم كذَا.

(1) أخرجه أحمد في مسنده (14704) 3: 344.

وأخرجه مالك في موطئه (10) 2: 558 كتاب الأقضية، باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الشافعي في مسنده (241) 2: 73 كتاب الأيمان والنذور. باب فيما يتعلق باليمين.

ص: 694