الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مقادير ديات النفس
قال المصنف رحمه الله: (دية الحر المسلم مائةٌ من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألفُ مثقال، أو اثنا عشر ألف درهم. فهذه الخمس أصولٌ في الدية. إذا أَحضر من عليه الدية شيئاً منها لزم قبوله. وفي الحُلَل روايتان: إحداهما: ليست أصلاً في الدية، وفي الأخرى: أنها أصل وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان. وعنه: أن الإبل هي الأصل خاصة وهذه أبدال عنها فإن قدر على الإبل وإلا انتقل إليها).
أما كون الخمس المذكورة أصولاً في الدية؛ فلأن عمرو بن حزم روى في كتابه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبَ إلى أهل اليمن: وأن في النفسِ المؤمنةِ مائة من الإبل، وعلى أهل الورق ألف دينار» (1). رواه النسائي.
وفي حديث ابن عباس «أن رجلاً من بني عدي قُتل. فجعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ديتَهُ اثني عشرَ ألفاً» (2). رواه أبو داود [وابن ماجة.
وفي الحديث أن عمر قال: «على أهل الذهبِ ألفُ دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشرَ ألفاً، وعلى أهل البقرِ مائتا بقرة، وعلى أهل الشاةِ ألفَا شاة» (3). رواه أبو داود] (4).
وأما كون الحلل ليست أصلاً في روايةٍ؛ فلأنها تختلف ولا تنضبط.
(1) أخرجه النسائي في سننه (4853) 8: 57 كتاب القسامة، ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول
…
وأخرجه الدارمي في سننه (2351) 2: 132 كتاب الديات، باب القود بين الرجال والنساء.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4546) 4: 185 كتاب الديات، باب الدية كم هي؟
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2632) 2: 879 كتاب الديات، باب دية الخطأ.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (4542) 4: 184 كتاب الديات، باب الدية كم هي؟
(4)
ساقط من أ.
وأما كونها أصلاً في روايةٍ؛ فلأن في حديث عمر: «وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتا حُلَّة» (1). رواه أبو داود.
فعلى هذا تكون السّتُ أصولاً.
وأما كون قدرها مائتي حلة؛ فلما ذكر في الحديث المذكور.
وأما كون الحلل من حلل اليمن؛ فلأنها تنسب إليه.
وأما كون كل حلة بردين؛ فلأن ذلك هو المتعارف.
وأما كون الإبل هي الأصل خاصة على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا! إن في قتيلِ العصَا والسوطِ مائةٌ من الإبل» (2).
ولأنه (3) فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل.
فعلى هذه بقية ما ذكر أبدال عنها؛ لأن ذلك أقل ما تحمل الأحاديث عليه.
وأما كون من (4) عليه الدية إذا أحضر شيئاً من الخمس المذكورة على الرواية الأولى يلزم مستحق الدية قبوله؛ فلأن من عليه الدية قد أحضر أصلاً فلزم قبوله كما لو أحضر الإبل.
وعلى هذا إذا أحضر من عليه الدية إحدى الست المذكورة على روايةِ كون الحلل أصلاً يلزم مستحقها قبوله لما ذكر في الخمس.
وأما كون من قدر على الإبل على روايةِ كونها هي الأصل خاصة تلزمه (5)؛ فلأن الحق متعين. فتعينت؛ كالمثل في المثليات.
فعلى هذا إذا أحضر غيرها لم يلزم مستحقها قبوله؛ لأنه غير ما وجب له.
وأما كون من لم يقدر على الإبل ينتقل إلى أحد الأبدال عنها؛ فلأنه بدل عنها. أشبه التيمم إذا عدم الماء.
(1) ر تخريج الحديث السابق وهو تكملة له.
(2)
أخرجه النسائي في سننه (4793) 8: 41 كتاب القسامة، ذكر الاختلاف على خالد الحذاء.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2627) 2: 877 كتاب الديات، باب دية شبه العمد مغلظة.
(3)
في أ: ولا.
(4)
ساقط من أ.
(5)
ساقط من د.
فإن قيل: ما الصحيح من هاتين الروايتين؟
قيل: هذه الرواية هي الصحيحة من حيث الدليل. وهي التي ذكرها الخرقي وإن كانت الأولى هي الصحيحة في المذهب. ذكره أبو الخطاب في هدايته، وذلك لأن الإبل هي المذكورة في كتاب عمرو بن حزم وهو كتاب ثابت مشهور وغيرها: منه ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم كالبقر والشياه والحلل، ومنه ما ذكره وهو الذهب والورق ولا يلزم من ذكره كونه أصلاً لجواز كونه بدلاً، ويعضد ذلك أن في حديث عمر أنه قام خطيباً فقال: «ألا إنَّ الإبلَ قد غَلَتْ فقوّم على أهل الذهبِ
…
وذكره إلى آخره» (1)؛ لأنه يدل على أن ذلك كله بدل على الإبل.
قال: (فإن كان القتل عمداً أو شبه عمد وجبت أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وعنه: أنها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وهل يعتبر كونها ثنايا؟ على وجهين.
وإن كان خطأ وجبت أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتبعة، وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة. ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك بعد أن يكون سليماً من العيوب. وقال أبو الخطاب: يعتبر أن يكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهماً.
فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية من الأثمان.
والأول أولى).
أما كون دية العمد وشبهه أرباعاً كما ذكر المصنف رحمه الله على الأول؛ فلما روي عن السائب بن يزيد (2) قال: «كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعاً: خمساً وعشرين جذعة، وخمساً وعشرين حقة، وخمساً وعشرين بنت لبون، وخمساً وعشرين بنت مخاض» .
(1) سبق تخريجه ص: 112.
(2)
في د: زيد.
ولأن الدية حق يتعلق بجنس الحيوان. فلا يعتبر فيه الحمل؛ كالزكاة والأضحية.
وأما كونها أثلاثاً على روايةٍ؛ فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منْ قَتَلَ متعمداً دُفع إلى أولياءِ المقتول فإن شاؤا قتَلُوا وإن شاؤا أخذوا الدية. وهيَ: ثلاثونَ حقةً وثلاثونَ جذعةً وأربعونَ خَلِفَةً. وما صُولحوا عليه فهوَ لهم، وذلك لتشديدِ العَقْل» (1). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروى عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إنّ في قتلِ عمدِ الخطإِ قتيلَ السوطِ والعصا: مائةٌ من الإبل منها أربعون خَلِفَةً في بُطونِها أولادُها» (2). رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وأما كون الخلفات لا يعتبر كونها ثنايا وهن (3) ما لهن ست سنين على وجه؛ فلأن الشارع نص على الخلفة وهي موجودة بدون ذلك.
وأما كونها يعتبر كونها ثنايا على وجه؛ فلأن في الحديث: «ما بينَ ثنيةٍ إلى بَازِل» (4).
ولأن جميع الأنواع مقدرة بالسن فكذا الخلفات.
وأما كون دية الخطأ أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة؛ فلما روى عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في ديةِ الخطإِ عشرونَ حِقَّة، وعِشرونَ جذعَةً، وعشرونَ بنتَ مخاضٍ، وعشرونَ بنتَ لبونٍ، وعشرونَ بني مخَاض» (5). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1387) 4: 11 كتاب الديات، باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل؟
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4588) 4: 195 كتاب الديات، باب في دية الخطأ شبه العمد.
وأخرجه أحمد في مسنده (6497) طبعة إحياء التراث.
(3)
في أ: وهي.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (4550) 4: 186 كتاب الديات، باب في الخطأ شبه العمد.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (4545) 4: 184 كتاب الديات، باب الدية كم هي؟
وأخرجه النسائي في سننه (4802) 8: 43 كتاب القسامة، ذكر أسنان دية الخطأ.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2631) 2: 879 كتاب الديات، باب دية الخطأ.
وأما كون البقر يؤخذ فيها النصف مسنات والنصف أتبعة، والغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة؛ فلأن (1) في أخذه تسوية وعدم جور لأنه لو أخذ الكل مسنات والكل ثنايا لكان ذلك تحاملاً على الجاني ولو أخذ الكل أتبعة والكل أجذعة لكان ذلك تحاملاً على المجني عليه.
وأما كون القيمة لا تعتبر في شيء من ذلك بعد أن يكون سليماً من العيوب على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب من نفس المؤمن مائة من الإبل مطلقاً من غير اعتبار القيمة. فتقييده بالقيمة يخالف الإطلاق. فلم يجز إلا بدليل.
وأما كون كل بعير يعتبر أن تكون قيمته (2) مائة وعشرين درهماً على قول أبي الخطاب؛ فـ «لأن عمر رضي الله عنه قوّم الإبل على أهل الإبل باثني عشر ألفاً» (3)، وذلك يدل على أن ذلك قيمتها.
ولأن جميع أنواع الدية بدل على محل واحد. فوجب أن تتساوى في القيمة؛ كالمثل والقيمة في بدل القرض والمتلف في المتلفات.
وأما كون ظاهر هذا -أي اعتبار كون قيمة (4) كل بعير مائة وعشرين- أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية من الأثمان وهو تخريجٌ من المصنف رحمه الله على ما ذكره أبو الخطاب؛ فلأنه إذا اعتبرت القيمة في الإبل وهي أصل رواية واحدة؛ فلأن تعتبر القيمة في غيرها من أنواع الدية بطريق الأولى.
وأما كون الأول أولى. ومعناه: أن الأصح أنه لا تعتبر القيمة في الإبل ولا في غيرها؛ فلما تقدم من الدليل.
وأما تقويم عمر رضي الله عنه (5)؛ فلأجل أخذ الدراهم عوضاً عن الإبل ولا نزاع (6) فيه؛ لأن الإبل كانت تؤخذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف ثم قومها عمر لغلائها باثني عشر ألفاً، وذلك يدل على أنها في حال رخصها أقل
(1) في د: لأن.
(2)
ساقط من أ.
(3)
سبق تخريجه ص: 112
(4)
ساقط من د.
(5)
مثل السابق.
(6)
في أ: والإشراع.
قيمة (1) من ذلك. فكانت تؤخذ في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرٍ من ولاية عمر مع رخصها (2) وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين. وإذا لم تعتبر القيمة في الإبل لا تعتبر في البقر والشياه قياساً لهما عليها.
قال: (ويؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل واحد ستين درهماً).
[أما كون الحلل يؤخذ فيها المتعارف؛ فلأن ما لم يرد الشرع فيه بحدّ محدود يرجع فيه إلى العرف. دليله القبض والحِرز.
وأما كون قيمة كل حلة تجعل ستين درهماً إذا تنازعا فيها] (3)؛ فلأن الأصل تساوي الأبدال والأخذ المذكور يحصل به التساوي بين الحلل وبين اثني عشر ألف درهم.
(1) في د: رخصتها أقل فيه.
(2)
في د: رخصتها.
(3)
ساقط من د.
فصل [في دية المرأة]
قال المصنف رحمه الله: (ودية المرأة نصف دية الرجل. ويساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية. فإذا زادت صارت على النصف).
أما كون دية المرأة نصف دية الرجل؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «ديةُ المرأةِ على النصفِ من ديةِ الرجل» (1).
فإن قيل: قوله عليه السلام: «في النفسِ المؤمنة مائة من الإبل» (2) عام فيجب أن يشمل المرأة.
قيل: ما ذكر خاص فيجب تقديمه على العموم لا سيما وهما في كتاب واحد.
وأما كون جراحها يساوي جراحه إلى ثلث الدية؛ فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عقلُ المرأةِ مثلُ عقلِ الرجلِ حتى يبلغَ الثلثَ [من ديّتِها» (3). رواه النسائي.
وأما كونها تصير على النصف من جراحه إذا زادت على الثلث] (4)؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث غاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها. وإذا وجبت المخالفة تعين كونها على النصف كدية نفسها.
[وعن ربيعة](5) قال: «قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبعِ المرأةِ؟ قال: عشرٌ. قال: قلت: ففي إصبعَين. قال: عشرون. قلت: ففي ثلاثِ أصابع. قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع. قال: عشرون. قال: قلت لما عظُمَتْ
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 95 كتاب الديات، باب ما جاء في دية المرأة. عن معاذ بن جبل.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه النسائي في سننه (4805) 8: 44 كتاب القسامة، عقل المرأة.
(4)
ساقط من د.
(5)
مثل السابق.
مُصيبَتُها قَلَّ عقلُها. قال: هكذا السنةُ يا ابن أخي» (1). وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه سعيد بن منصور.
فإن قلت: إذا بلغت جراح المرأة الثلث ما حكمه؟
قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه مساو لجراح الرجل؛ لأنه قال: فإذا زادت صارت على النصف. فاشترط في صيرورتها على النصف الزيادة والمتساوي ليس زائداً. وفي ذلك روايتان:
إحداهما: أنها مساوية؛ لأن الثلث لم يعتبر حد القلة ولذلك صحت الوصية به.
والرواية الثانية: أنها على النصف. قاله المصنف رحمه الله في المغني. وهو الصحيح؛ لقوله عليه السلام: «حتى يبلُغَ الثلث» (2) و"حتى" للغاية. فيجب أن تكون مخالفة لما قبلها؛ لقوله تعالى (3): {حتى يُعطوا الجزية} [التوبة: 29].
ولأن الثلث في حد الكثرة؛ لقوله عليه السلام: «والثُّلُثُ كثير» (4).
قال: (ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى. وكذلك أرش جراحه).
أما كون دية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى؛ فلأن ميراثه كذلك. فكذلك ديته.
وأما كون أرش جراحه كذلك؛ فلأن الجراح كالتابع للقتل. فإذا وجب في القتل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى. فلأن تجب في أرش الجراح كذلك بطريق الأولى.
(1) أخرجه مالك في الموطأ 2: 655 كتاب العقول، باب ما جاء في عقل الأصابع.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في الأصول: لقوله عليه السلام.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (2591) 3: 1006 كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (1628) 3: 1250 كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.
فصل [في دية الكتابي]
قال المصنف رحمه الله: (ودية الكتابي نصف دية المسلم. وعنه: ثلث ديته. وكذلك جراحهم. ونساؤهم على النصف من دياتهم).
أما كون دية الكتابي نصف دية المسلم على المذهب؛ فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ديةُ المعاهدِ نصفُ ديةِ المسلم» (1).
وفي لفظ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقلَ أهل الكتابِ نصفُ عقلِ المسلمين» (2). رواه الإمام أحمد.
وأما كونها ثلث ديته على روايةٍ؛ فلما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ديةُ اليهودي والنصراني أربعةُ آلاف [أربعةُ آلاف] (3» ).
وروي «أن عمر جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف» (4).
والأول أصح؛ لما تقدم.
وأما حديث عبادة فلم يذكره أصحاب السنن، والظاهر أنه ليس بصحيح.
وأما جعل عمر فإنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية ألاف (5) فأوجب نصفها أربعة آلاف، ودليل ذلك [ما روى](6) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4583) 4: 194 كتاب الديات، باب في دية الذمي. ولفظه:«دية المعاهد نصف دية الحر» .
وأخرجه أحمد في مسنده (6692) 2: 180. ولفظه: «دية الكافر نصف دية المسلم».
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (6717) 2: 183.
(3)
ساقط من د.
(4)
ذكره الترمذي في جامعه 4: 26 كتاب الديات، باب ما جاء في دية الكفار.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 100 كتاب الديات، باب دية أهل الذمة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (27445) 5: 407 كتاب الديات، من قال الذمي على النصف أو أقل.
(5)
في د: ألف.
(6)
ساقط من د.
قال: «كانت قيمةُ الديةِ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينارٍ أو ثمانيةَ (1) آلافِ درهم (2) وديةُ أهلِ الكتابِ يومئذٍ النصفُ» (3). فهذا (4) بيان وشرح يزيل الإشكال، وفيه جمع بين (5) الأحاديث، ولو لم يكن كذلك فقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على فعل عمر وغيره.
فإن قيل: فقد ذكر الله تعالى دية الكتابي ودية المسلم ولم يفرّق بينهما، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ديةُ اليهودي والنصراني مثلُ ديةِ المسلم» .
قيل: أما عدم الفرق بين دية المسلم والكتابي في كتاب الله تعالى فتقيد بالحديث المتقدم ذكره.
وأما الحديث فالصحيح حديث عمرو بن شعيب ما ذكر دليلاً على أن دية الكتابي النصف أخرجه الأئمة في كتبهم دون ما روي (6).
وأما كون جراح الكتابي كذلك أي نصف جراح المسلم على المذهب وثلثه على روايةٍ؛ فلأن الجراح يتبع النفس في دية النفس، وفي دية النفس الخلاف المتقدم ذكره. فكذلك الجراح.
وأما كون ديات نسائهم على النصف من دياتهم؛ فلأن ديات المسلمين على النصف من دياتهم. فكذلك نساء أهل الذمة.
قال: (ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم. ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه، وعند أبي الخطاب: إن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه، وإلا فلا شيء فيه).
أما كون دية المجوسي ثمانمائة درهم؛ فلأنه قول عمر وعثمان وابن مسعود. ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً.
(1) في أ: وثمانية. وما أثبتناه من السنن.
(2)
في د: ثمانمائة دينار وثمانمائة. وبياض مقدار كلمة.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (4542) 4: 184 كتاب الديات، باب الدية كم هي؟
(4)
في الأصول: لأنه. وما أثبتناه من الشرح الكبير 9: 522.
(5)
في د: من.
(6)
في د: رووه.
فإن قيل: فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سُنُّوا بهم سنةَ أهلِ الكتاب» (1). فوجب أن تكون ديته كدية الكتابي.
قيل: المراد بالحديث أخذ الجزية وحقن الدم لا في كل شيء. بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا. بخلاف أهل الكتاب.
وأما كون دية الوثني ثمانمائة درهم؛ فلأنه كافر لا تحل ذبيحته. أشبه المجوسي.
فإن قيل: الوثني دمه هدر فكيف يضمن؟
قيل: المراد بالوثني هنا من لا تجوز إراقة دمه مثل من أُعطي الأمان ولذلك يقال في علة ذلك: كافر ذو عهد.
فعلى هذا لا يختص الحكم بالوثني بل كل من لا يقر بالجزية إذا حقن دمه بأمان فقتل فديته كدية المجوسي؛ لأنها أقل الديات، وهو مشابه له من حيث اشتراكهما في العهد وعدم حل المناكحة.
وأما كون من لم تبلغه الدعوة لا ضمان فيه على المذهب؛ فلأنه لا عهد له ولا أمان. أشبه الحربي.
ولا بد أن يُلحظ أنه لا أمان له فإن كان له أمان فديته دية أهل دينه لأنه له أمان. أشبه أهل دينه. فإن لم يعرف له دين ففيه دية مجوسي لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه.
وأما كونه إن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه وإلا فلا شيء فيه عند أبي الخطاب؛ فلأنه إذا كان ذا دين يكون محقون الدم؛ لأنه لا يجوز قتله حتى تبلغه الدعوة، وإذا لم يكن ذا دين لم يكن محقون الدم. فلم يضمن؛ لأن الضمان في المحقون الدم إنما كان من أجل حقن دمه، وهذا مفقود فيمن لا دين له. فينتفي الضمان لانتفاء ذلك.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 189 كتاب الجزية، باب المجوس أهل كتاب والجزية تؤخذ منهم.
فصل [في دية العبد]
قال المصنف رحمه الله: (ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت. وعنه: لا يبلغ بها دية الحر. وفي جراحه إن لم يكن مقدراً من الحر ما نقصه، وإن كان مقدراً في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته: ففي يده نصف قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر. وعنه: أنه يضمن بما (1) نقص. اختاره الخلال).
أما كون دية العبد والأمة قيمتهما بالغةً ما بلغت على المذهب؛ فلأن العبد والأمة مال متقوم. فيُضمن كل واحد منهما بكمال قيمته؛ كالفرس. أو يقال: كل منهما مضمون بقيمته. فكان بجميع القيمة؛ كما لو ضمنه باليد.
وأما كون القيمة لا يبلغ بها دية الحر على روايةٍ؛ فلأنه ضمان آدمي. فلم يزد على دية الحر؛ كضمان الحر، وذلك أن الله تعالى لما أوجب في الحر دية لا تزيد وهو أشرف من العبد لخلوه من نقيصة الرق كان تنبيهاً على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها. فتجعل مالية العبد معياراً للمقدار الواجب فيه ما لم تزد على الدية فإذا زاد عُلم خطأُ ذلك فيرد إلى دية الحر كأرش ما دون الموضحة يجب فيه ما تخرجه الحكومة ما لم يزد على أرش الموضحة فإذا زاد رده إليها.
والأول أصح؛ لما تقدم.
والفرق بين الحر وبين العبد: أن الحر ليس مضموناً بالقيمة وإنما يضمن بما قدّره الشرع فلم يتجاوزه (2)، والعبد مضمون بالقيمة فافترقا.
(1) في د: ما.
(2)
في د: يجاوزه.
ولأن الحر ليس مضموناً؛ [لأنه ليس مال](1)، ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته. والعبد مضمون؛ لأنه مال والمال يزيد بزيادة المالية وينقص بنقصانها فافترقا.
وأما كون جراحه فيها ما نقص إذا لم يكن مقدراً في مثله من الحر؛ مثل أن يكسر عصعصه أو خرزة صلبه وما أشبه ذلك؛ فلأن العبد مال. فاعتبر فيه ما نقص؛ كما لو تعدى على مال غير العبد فنقص بسبب ذلك.
ولأن مقتضى الدليل ضمان العبد بما نقص لأنه مال. تُرك العمل به فيما كان مقدراً في مثله من الحر لما يأتي فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
وأما كون ما كان مقدراً في الحر كاليد والرجل والموضحة وما أشبه ذلك فهو مقدر في العبد من قيمته كدية الحر (2).
فعلى هذا في يده نصف قيمته؛ لأن الواجب فيها من الحر نصف الدية، وفي موضحته نصف عشر قيمته؛ لأن الواجب فيها من الحر خمس من الإبل، وذلك نصف عشر ديته. وسواء نقصت الجناية أقل من ذلك أو أكثر لأن العبرة بالمقدر من الحر من القيمة لا بالنقصان.
وأما كون ذلك يضمن بما نقص على روايةٍ؛ فلما ذكر من أن العبد مال. فيجب أن يضمن بما نقص؛ كغيره من الأموال.
قال: (ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته. وهكذا في جراحه).
أما كون من نصفه حر فيه نصف دية حر ونصف قيمته؛ فلأن نصفه حر فيجب أن يكون فيه (3) نصف ديته، ونصفه عبد فيجب أن يكون فيه (4) نصف قيمته.
وأما كونه هكذا في جراحه؛ فلأن (5) جراح (6) الشخص تبع لديته.
(1) ساقط من د.
(2)
في أ: من قيمته على المذهب فلأن قيمته كدية الحر.
(3)
ساقط من أ.
(4)
ساقط من أ.
(5)
في د زيادة: في.
(6)
في أ: الجراح.
قال: (وإذا قطع خصيتي عبد أو أنفه أو أذنه (1) لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه).
أما كون من قطع ما ذكر يلزمه قيمة العبد؛ فلأن القيمة بدل عن الدية، وفي كل واحد مما ذكر دية إذا كان حراً ففي كل واحد منه القيمة إذا كان عبداً.
وأما كون القيمة للسيد؛ فلأنها بدل عن الأعضاء المملوكة للسيد.
وأما كونه لا يزول ملكه عن العبد؛ فلأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال. فوجب بقاؤه على ملكه عملاً باستصحاب الحال.
ولأن قطع يد العبد مثلاً بمنزلة تلف بعض ماله، وتلفه (2) لا يوجب زوال الملك عن الباقي. فكذلك لا يزول ملك السيد عن العبد المجني عليه.
قال: (وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر (3) وقيمته مقطوع الذكر، وملك سيده باق عليه).
أما كون من قطع ما ذكر تلزمه قيمة العبد لقطع الذكر؛ فلأن الواجب في ذلك من الحر دية كاملة.
وأما كونه يلزمه قيمته مقطوع الذكر؛ فلأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة.
فإن (4) قيل: القيمة هنا نقصت عن القيمة أولاً لأن المصنف رحمه الله قيدها (5) بقطع الذكر. بخلاف الدية في الحر فإنهما سواء.
قيل: القيمة في مقابلة الدية لكنها تزيد وتنقص بحسب الأحوال. بخلاف الدية في الحر فإنها مقدرة بقدر معلوم لا تزيد ولا تنقص فلذلك نقصت القيمة دون الدية.
وأما كون ملك سيده باقياً عليه؛ فلما ذكر قبل.
(1) في أ: أذنيه.
(2)
في أ: وتلف بعض ماله.
(3)
في أ: لزمه لقطع الذكر قيمة.
(4)
في أ: لأن.
(5)
في د: قيد هنا.
فصل [في دية الجنين]
قال المصنف رحمه الله: (ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتاً غُرّة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه كأنه سقط حياً. ذكراً كان أو أنثى).
أما كون دية الجنين في الجملة غُرّة؛ فلما روي «أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في إملاص المرأة. فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة. فقال: لتأتين بمن يشهد معك. فشهد له محمد (1) بن مسلمة» (2) متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: «اقتتلتِ امرأتان من هُذيل. فرمتْ إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ديةَ جنينها غُرّة عبدٍ أو أمة. وقضى بديةِ المرأة على عاقلتها. وورثها ولدها ومن معهم» (3) متفق عليه.
وأما كون الغُرّة المذكورة يشترط لوجوبها حرية الجنين وإسلامه؛ فلأن الذي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بالغرة المذكورة في حديث أبي هريرة المتقدم ذكره إنما كان في حر مسلم فلا يتعدى إلى من فقد واحداً منهما.
فإن قيل: حديث عمر رضي الله عنه مطلق.
قيل: يجب تقييده بما ذكر؛ لأنه إنما بني على قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على الصفة المذكورة.
وأما كونها يشترط سقوط الجنين ميتاً؛ فلأنه إذا سقط حياً حياة مستقرة تجب فيه الدية. وسيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(1) ساقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6509) 6: 2531 كتاب الديات، باب جنين المرأة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1689) 3: 1311 كتاب القسامة، باب دية الجنين
…
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونها عبداً أو أمة؛ فلأن ذلك هو المذكور في الحديثين المتقدمين.
فإن قيل: فقد جاء في بعض الأحاديث: «بغرة عبدٍ أو أمةٍ أو فرسٍ أو بغل» (1). وروي «أنه عليه السلام [جعل في ولدها مائة شاة» (2). رواه أبو داود.
قيل: الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم] (3) إنما هو العبد والأمة. وأما ذكر الفرس والبغل فوهم انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة، والحديث الصحيح المتفق عليه إنما فيه:«عبد أو أمة» .
وأما كون قيمة الغرة خمساً من الإبل؛ فلأن ذلك مروي عن عمر وزيد رضي الله عنهما.
ولأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات؛ لأنه أرش الموضحة ودية السن. فوجب الرد إليه.
فإن قيل: فقد وجب في الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث، وذلك دون ما ذكر.
قيل: الذي نص الشارع عليه أرش الموضحة، ودية السن وهو خمس من الإبل، وأما الأنملة فالواجب فيها ما ذكر بالحساب من دية الإصبع لا بالصريح.
وأما كونها موروثة عن الجنين كأنه سقط حياً؛ فلأنها دية له وبدل عنه. فوجب أن يرثها ورَثته؛ كما لو قتل بعد الولادة.
وأما كون ذلك كذلك ذكراً كان الجنين أو أنثى؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الغُرّة من غير فرق.
قال: (ولا يقبل في الغُرّة خنثى، ولا معيب، ولا من له دون سبع سنين).
أما كون الغرة لا يقبل فيها خنثى ولا معيب؛ فلأنهما ليسا بخيار، والغُرّة هي الخيار. بخلاف الكفارة حيث يجزئ فيها المعيب عيباً لا يمنع العمل.
ولأن الغرة بدل. فاعتبرت فيها السلامة؛ كإبل الصدقة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4579) 4: 193 كتاب الديات، باب دية الجنين.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4578) 4: 193 كتاب الديات، باب دية الجنين. ولفظه: «
…
فجعل في ولدها خمس مائة شاة» قال أبو داود: كذا الحديث «خمس مائة شاة» والصواب: مائة شاة. قال أبو داود: هكذا قال عباس وهو وهم.
(3)
ساقط من د.
وأما كونها لا يقبل فيها من له دون سبع سنين؛ فلما ذكر من أن الغرة خيار ومن له دون سبع سنين ليس بخيار.
ولأن من له دون ذلك لا يستغني بنفسه ولا يستقل ويحتاج إلى من يحضنه. فلم يؤخذ في الغرة؛ كالمعيب.
قال: (وإن كان الجنين مملوكاً ففيه عُشْر قيمة أمه ذكراً كان أو أنثى. فإن ضرب بطن أمةٍ فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة. وإن كان الجنين محكوماً بكفره ففيه عشر دية أمه. فإن كان أحد أبويه كتابياً والآخر مجوسياً اعتبر أكثرهما).
أما كون الجنين إذا كان مملوكاً فيه عُشْر قيمة أمه؛ فلأن الواجب في الجنين إذا كان حراً غرة قيمتها خمس من الإبل، وذلك عشر دية الحرة (1)، والمقابل لدية الحر قيمة العبد.
فإن قيل: الواجب اعتبار القيمة من قيمة الجنين نفسه؛ لأنه متلف. فاعتبر بدله بنفسه؛ كسائر المتلفات.
قيل: لما خولف في الجنين المذكور سائر المتلفات في عدم اعتبار قيمة جميعه وجب اعتباره بأمه.
وأما كون ذلك كذلك ذكراً كان أو أنثى؛ فلأن ذلك كذلك في الجنين إذا كان حراً. فكذلك إذا كان مملوكاً.
وأما كون الجنين الذي ضُرب بطن أمه فعتقت ثم أسقطت فيه غرة؛ فلأنه سقط حراً. إذ العبرة بحال السقوط؛ لأنه (2) قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء.
وأما كون الجنين المحكوم بكفره فيه عُشر دية أمه؛ فلأنه لأمه عشر دية مقدرة. فوجب فيه عشر دية أمه؛ كالمسلم.
وأما كون من أحد أبويه كتابياً والآخر مجوسياً يعتبر أكثر الأمرين من عشر دية الأم أو نصف عشر دية الأب؛ فلأن ذلك ضمان متلف. فغلب فيه الأكثر تغليظاً على الجاني.
(1) في أ: أمه.
(2)
في أ: لأن.
ولأنه لو اجتمع في المتلف ما يجب الضمان به وما لا يجب غلب جانب الوجوب. دليله المُحْرم إذا قتل مُتولداً من وحشي وأهلي.
قال: (وإن سقط الجنين حياً ثم مات ففيه دية حر إن كان حراً، أو قيمته إن كان مملوكاً إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعداً، وإلا فحكمه حكم الميت. وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان).
أما كون الجنين فيه دية حر إذا سقط حياً لوقت يعيش مثله وكان حراً؛ فلأنه حرٌّ مات بجناية. أشبه ما لو باشره بالقتل.
وأما كونه فيه قيمته إذا كان عبداً؛ فلأن القيمة في العبد بمنزلة الدية في الحر.
وأما كون سقوطه لوقت يعيش مثله شرطاً فيما ذكر؛ فلأنه إذا لم يكن كذلك لا يعلم فيه حياة يجوز بقاؤها. فلم تجب فيه دية ولا قيمة؛ كما لو سقط ميتاً.
وأما كون الوقت الذي يعيش مثله فيه ستة أشهر فصاعداً؛ فلأن من وُلد لأقل من ذلك [لم تجر العادة ببقائه.
وأما كون حكمه حكم الميت إذا سقط لأقل من ذلك] (1)؛ فلأن الحركة التي فيه كحركة المذبوح لما ذكر من كون العادة لم تجر ببقائه.
وأما كون مستحق الدية إذا اختلف هو والجاني في حياة الجنين ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان؛ فلأن النظر إلى أن الجنين كان حياً في بطن أمه يقتضي تقديم قول مستحق الدية لأن الأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان، وذلك يقتضي كونه حياً حين السقوط. والنظر إلى أن الأصل براءة ذمة الجاني من الدية يقتضي قبول قوله؛ لأنه يوافق ذلك الأصل.
وتقييد ما ذكر بلا بينة مشعر بأن أحدهما لو كان له بينة كان قوله مقدماً على الآخر وجهاً واحداً. وهو صحيح؛ لأن البينة تُظهرُ الحقَّ وتبيّنه.
(1) ساقط من د.
فصل [فيما تغلظ به الدية]
قال المصنف رحمه الله: (وذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحَرَم، والإحرام، والأشهر الحرم، والرحم المحرم. فيزاد لكل واحد ثلث الدية. فإذا اجتمعت المحرمات الأربع وجبت ديتان وثلث. وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ بذلك وهو ظاهر الآية والأخبار).
أما كون القتل تغلظ ديته بما ذكر عند أصحاب الإمام أحمد فيزاد لكل واحدٍ ثلث الدية؛ فلما روي «أن امرأة وُطئت في الطواف. فقضى عثمان رضي الله عنه فيها بستة آلاف، وألفين تغليظًا للحرم» (1).
وعن ابن (2) عمر أنه قال: «من قَتلَ في الحرم أو ذا رحم (3) أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث» .
وعن ابن عباس «أن رجلاً قَتل رجلاً في الشهر الحرام في البلد الحرام. فقال: ديته اثنا عشر ألفاً، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف» .
وأما كون الحرمات الأربع إذا اجتمعت تجب ديتان وثلث؛ فلأن القتل يوجب دية، والمواضع الأربعة توجب كل واحد ثلثاً. فلزم كون الواجب ديتين وثلثاً.
وأما كونه لا تغلظ ديته بذلك على ظاهر قول الخرقي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» (4). إلى غير ذلك من الآيات والآثار الدالة على وجوب الدية. ولذلك قال المصنف رحمه الله: وهو ظاهر الآية والأخبار. وأجاب عن قول الصحابة المتقدم ذكرهم بأن ذلك ليس بثابت عنهم. وفي الجملة إن ثبت
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 95 كتاب الديات، باب ما جاء في دية المرأة.
(2)
في د: أبي.
(3)
في د: حرم.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
ما ذكر عن الصحابة يكون قول الأصحاب راجحاً على ما ذكره المصنف؛ لأنه قول يدل على خصوص التغليظ، والعموم من الآية والأخبار لا ينفيه. فوجب العمل به؛ لكونه دليلاً سالماً عن المعارض وإن لم يثبت ذلك فالعمل بعموم الآية. والسنة أولى.
قال: (وإن قتل المسلم كافراً عمداً أُضعفت الدية لإزالة القود كما حَكَم عثمان بن عفان رضي الله عنه.
أما كون الدية تضاعف بقتل المسلم كافراً عمداً؛ فلما أشار إليه المصنف رحمه الله من إزالة القود وحكم عثمان رضي الله عنه.
وأما إزالة القود؛ فلأن المسلم لا يُقتل بكافر لما ذكر في موضعه (1).
فإن قيل: ما وجه التغليظ من أجل إزالة القود؟
قيل: لأن القود شُرع زجراً عن تعاطيه. فإذا لم يجب ناسب أن يشرع تغليظ الدية لأجل الزجر. ولذلك نظائر:
منها: أن الأعور إذا قلع عين صحيح تجب دية كاملة حيث لا قصاص.
ومنها: أن سارق الثمر تلزمه مثلَا قيمته حيث لا يقطع.
وأما حكم عثمان رضي الله عنه؛ فلما روى الإمام أحمد بإسناده «أن رجلاً قَتل رجلاً من أهل الذمة. فرُفعَ إلى عثمان رضي الله عنه فلم يقتُله، وغلَّظَ الدية ألفَ دينار» (2).
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 33 كتاب الجنايات، الروايات فيه عن عثمان رضي الله عنه.
فصل [إذا جنى العبد خطأ]
قال المصنف رحمه الله: (وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته، أو تسليمه ليباع في الجناية. وعنه: إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله).
أما كون العبد إذا جنى خطأ سيدُه بالخيار بين ما ذُكر؛ فلأن حق المجني عليه يحصل بذلك لأن السيد إذا فدا عبده بقيمته فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية، وإذا فداه بأرش الجناية فقد أدى ما استحقه المجني عليه، وإذا سلمه ليباع فقد دفع المحل الذي تعلقت به الجناية.
وفي قول المصنف رحمه الله: بين فدائه؛ إشعار بأن جناية العبد جناية على آدمي. فوجب اعتبارها؛ كجناية الحر.
ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذرهما وعدم تكليفهما. فلأن لا تلغى جناية العبد وهو مكلف بطريق الأولى. وإذا لم يجز أن لا تتعلق بشيء فالذي تتعلق به: إما رقبة العبد، أو ذمته، أو ذمة سيده. والثاني والثالث باطل فيتعين الأول: أما بطلان تعلقها بذمته؛ فلأنه يفضي إلى إلغاء الجناية وتأخير حق المجني عليه إلى غير غاية. وأما بطلان تعلقها بذمة سيده؛ فلأنه لم يجن. وأما تعين (1) الأول؛ فلأنه إذا تخير التعلق (2) فيما ذكر وبطل الثاني والثالث تعين الأول وهو تعلقها برقبته.
وأما كونه إذا فداه (3) يفدية بالأقل من قيمته أو أرش جنايته على المذهب؛ فلأنه إذا فداه بقيمته أدى قدر الواجب لأن حق المجني عليه لا يتعلق بغير رقبة
(1) في د: تعيين.
(2)
في أ: فلأنه لم يحضر التعليق.
(3)
في د: أفداه.
الجاني، وإذا فداه بأرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه. فلم يملك مطالبته بأكثر منه.
وأما كون سيده إذا أبى تسليمه عليه فداؤه بأرش الجناية كله على روايةٍ؛ فلأنه ربما إذا عُرض المبيع رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فوّت على المجني عليه تلك الزيادة.
قال: (وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال: بعه أنت. فهل يلزمه ذلك؟ على روايتين).
أما كون السيد يلزمه ذلك على روايةٍ؛ فلأن حق المجني عليه متعلق بمالية العبد لا بعينه. ولهذا لو طلب المالك فداءه قدم المالك عليه.
وأما كونه لا يلزمه ذلك على روايةٍ؛ فلأن المالك بالخيار بين فدائه وبين تسليمه لما تقدم وقد سلمه. فلم يلزمه شيء آخر.
قال: (وإن جنى عمداً فعفى الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد؟ على روايتين).
أما كون ولي المجني عليه يملك العبد إذا عفى عن القصاص على رقبته بغير رضى سيده على روايةٍ؛ فلأنه استحق إتلافه. فاستحق إبقاءه على ملكه؛ كعبده الجاني عليه.
وأما كونه لا يملكه على روايةٍ؛ فلأنه إذا لم يملكه بالجناية. فلأن لا يملكه بالعفو بطريق الأولى.
ولأن العبد أحد من عليه القصاص. فلا يملك بالعفو؛ كالحر.
ولأنه إذا عفى عن القصاص انتقل حقه إلى المال. فصار كالجاني جناية موجبة للمال.
فإن قيل: ما الصحيح من الروايتين؟
قيل: الثانية؛ لما تقدم ذكره.
ولأن ملكه له بغير رضى سيده ينافي كونه بالخيار. دليلهما (1). وقياس عبد غيره على عبده لا يصح؛ لأن الملك على عبد غيره تجديد. بخلاف عبده.
قال: (وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص، وإن عفى أحدهما أو مات المجني عليه فعفى بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه؟ (2) على وجهين).
أما كون المجني عليهما خطأ يشتركان (3) في الجاني بالحصص؛ فلأنهما اشتركا في سبب تعلق الحق به. فوجب أن يشتركا بالحصص؛ كغرماء المفلس والميت.
ولأنه لو جنى عليهما دفعة واحدة لاشتركا بالحصص. فكذا إذا جنى عليهما دفعة بعد أخرى.
وأما كون حق الباقين يتعلق بجميع العبد بعد عفو بعض المستحقين (4) إنما كان للمزاحمة. فإذا وجد العفو وجب عوده إلى ذلك؛ لزوال السبب المانع من التعلق به.
وأما كونه يتعلق بحصصهم فقط على وجه؛ فلأن ذلك هو الواجب لهم عند الجناية. فوجب بقاء الأمر على ما كان.
(1) كذا في الأصول.
(2)
في أ: أو بحصصهم.
(3)
في أ: أما المجني عليهما يشتركان.
(4)
في أ: المستحقين مجنياً عليه كان أو وارثاً له على وجه فلأن عدم تعلق حقهم بذلك عبد عدم عفو بعض المستحقين إنما
…
قال: (وإن جرح حراً فعفى عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عُشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته: صح العفو في ثلثه، وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه؛ لأن العفو صح في شيء من قيمته، وله بزيادة (1) الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين. اجبر وقابل يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس).
أما كون العفو يصح في ثلث العبد إذا قيل السيد يفديه بقيمته؛ فلأن المجني عليه مات وهو يملكها لا غير. فوجب انحصار العفو في ثلث العبد. ضرورة أن الإبراء في المرض معتبر من الثلث.
وأما كونه يصح في خمسة أسداس العبد إذا قيل السيد يفديه بالدية؛ فلما ذكر المصنف رحمه الله.
فإن قيل: لم نكّر الذي صح العفو فيه؟ ولمَ كان الحاصل بالزيادة تسعة أشياء؟ ولمَ (2) جبر الألف إلا عشرة أشياء؟ ولمَ كان الخارج يعدل نصف سدس الدية؟ ولمَ كان شيئا الورثة يعدل (3) السدس؟
قيل: أما تنكير ما صح العفو فيه؛ فلأن مقدار الزيادة الحاصلة من الفداء بأرش الجناية غير معلوم.
وأما كون الحاصل بالزيادة تسعة أشياء؛ فلأن قيمة العبد عشر الدية، وبين العشر والدية تسعة أعشار.
وأما جبر (4) الألف إلا عشرة أشياء بعشرة أشياء؛ فليخرج العدد بلا مجهول.
وأما كون الخارج نصف سدس؛ فلأنك إذا قسمت ألفاً على اثني عشر كان الشيء نصف سدس الدية.
(1) في أ: زيادة.
(2)
في أ: ولو.
(3)
في أ: الحاصلة تعدل.
(4)
في أ: تخير.
وأما كون شيء الورثة يعدل السدس؛ فلأن الشيء إذا عدل نصف سدس كان (1) الشيئان يعدل السدس (2) ضرورة.
فعلى هذا لو كان قيمة (3) العبد ثلث الدية صح العفو على (4) القول بأن الفداء يكون بالدية في ثلاثة أخماسه، ولو كانت قيمته الربع صح في ثلثيه، ولو كانت قيمته الخمس صح في خمسة أسباعه. وعلى هذا فقس.
(1) في أ: كانت.
(2)
في أ: سدس.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: عن.