المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصيد الأصل في إباحته الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌كتاب الصيد الأصل في إباحته الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله

‌كتاب الصيد

الأصل في إباحته الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {أُحِلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة} [المائدة: 96]، وقوله تعالى:{يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مُكَلِّبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} [المائدة: 4].

وأما السنة فما روى أبو ثعلبة الخشني قال: «أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إنا بأرضِ صيدٍ. أصيدُ بقوسي، وأصيدُ بكلبي المعلم، وأصيدُ بالكلب الذي ليسَ بمعلّم، فأخبرني ماذا يصلحُ لي؟ قال: ما صدتَ بقوسِكَ وذكرتَ اسمَ اللهِ عليهِ فكُل، وما صدتَ بكلبكَ المعلّم وذكرتَ اسمَ اللهِ عليهِ فكُل، وما صدتَ بكلبكَ الذي ليس بمعلّم فأدركتَ ذكاتَهُ فكُل» (1).

وعن عدي بن حاتم قال: «قلت: يا رسول الله! إنا نرسلُ الكلبَ المعلّم فيمسك علينا. قال: كُلْ. قلت: فإن قتل (2). قال: كلْ ما لم يشركْه كلبٌ غيره. قال: وسُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعْراض فقال: ما خَزَقَ فكُل، وما قَتَلَ بعرْضِهِ فلا تأكُل» (3) متفق عليه.

وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون في الجملة على إباحة الاصطياد والأكل من الاصطياد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5177) 5: 2094 كتاب الذبائح والصيد، باب آنية المجوس والميتة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1930) 3: 1532 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

(2)

في الأصول: أكل، والتصويب من الصحيحين.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (5168) 5: 2090 كتاب الذبائح والصيد، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

ص: 400

قال المصنف رحمه الله: (ومن صاد صيداً فأدركه حيًّا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة، فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه أرسل الصائد له (1) عليه حتى يقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي، فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل، وقال القاضي: يحل، والرواية الأخرى لا يحل، إلا أن يذكيه).

أما كون الصيد إذا أُدرك حياًّ حياة مستقرة لا يحل إلا بالذكاة؛ فلأنه يصير مقدوراً عليه. أشبه سائر ما قدر على ذكاته.

وأما كونه يحل بإرسال الصائد عليه حتى يقتله إذا خشي موته ولم يجد ما يذكيه في روايةٍ؛ فلأنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته فأبيح؛ كما لو أدركه ميتاً.

ولأنها حال يتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة غالباً. فجاز أن تكون ذكاته على حسب الإمكان؛ كالمتردية في بئر.

وأما كونه لا يحل بذلك في روايةٍ؛ فلأنه ما ذكاه. أشبه ما لو تركه حتى مات.

وكلام المصنف رحمه الله مشعر بأنه إذا لم يخش موته ووجد (2) ما يذكي به لم يحل إلا بالذكاة رواية واحدة. وهو صحيح؛ لأنه يصير مقدوراً (3) على ذكاته.

وأما كونه لا يحل إذا لم يرسل عليه الصائد وتركه حتى مات على المذهب؛ فلأن الإرسال ذكاة لما تقدم، ولو قدر على ذكاة الصيد فلم يذكه [حتى مات](4) لم يحل فكذا هاهنا.

وأما كونه يحل على قول القاضي؛ فلأن إدراك الصيد بلا آلة يذكيه بها كلا إدراك، ولو لم يدركه حياً يحل فكذا إذا أدركه حياً وليس معه ما يذكيه به.

(1) ساقط من أ.

(2)

في أ: أو وجد.

(3)

في أ: مقدور.

(4)

ساقط من د.

ص: 401

قال: (وإن رمى صيداً فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل، ولمن أثبته قيمته مجروحاً على قاتله؛ إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده).

أما كون من رمى صيداً فأثبته من غير أن يصيب مقتله ثم رماه آخر فقتله من غير أن يصيب مذبحه لا يحل؛ فلأن بإثبات الأول صار مقدوراً على تذكيته والثاني لم يذكه. فوجب أن لا يحل؛ لعدم الذكاة المشترطة.

وأما كون من أثبته له قيمته مجروحاً على قاتله؛ فلأن مثبته ملكه بإثباته والقاتل قتله مجروحاً. فوجبت قيمته مجروحاً لمثبته؛ لأنه مالكه.

وأما كونه يحل إذا أصاب الأول مقتله؛ فلأن قتل الصيد بمنزلة ذكاته. وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا: أنه يشترط في حل الصيد بإصابة الأول مقتله أن لا يصيب ذلك الثاني مقتلاً (1). وهو صحيح.

قال في المغني: لو أصاب الثاني أيضاً مقتلاً لم يحل وكلام الخرقي يحتمله وذلك قوله: إذا ذبح فأتى على المقتل (2) فلم تخرج الروح حتى وقعت (3) في الماء، أو وطئ عليها شيء لم تؤكل. ثم قال: وقال القاضي وغيره من أصحابنا: يحل؛ لأن رمي الثاني لا أثر له.

وأما كونه يحل إذا أصاب الثاني مذبحه؛ فلأن الواجب الذكاة وقد صادف فعل الثاني محلها وحصلت.

وأما كون الثاني عليه ما خرق من جلده؛ فلأنه لم يُتلف سوى ذلك.

(1) ساقط من أ.

(2)

في أ: المقاتل.

(3)

في أ: وقعته.

ص: 402

قال: (وإن أدرك الصيد (1) متحركاً كحركة المذبوح فهو كالميت. ومتى أدركه ميتاً حل بشروط أربعة:

أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة، فإن رمى مسلم ومجوسي صيداً، أو أرسلا عليه جارحاً، أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله: لم يحل).

أما كون الصيد إذا أُدرك متحركاً كحركة المذبوح كالميت؛ فلأنه كذلك في كثير من الأحكام. فكذلك هاهنا.

وأما كونه إذا أُدرك ميتاً أحل في الجملة؛ فلأن الاصطياد أُقيم مقام الذكاة، والجارح آلة كالسكين، وعقره للحيوان بمنزلة إفراء الأوداج.

وأما كون الحل يشترط فيه شروط أربعة؛ فلما يأتي ذكره فيها.

وأما كون أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة؛ [فلأن صيده بمنزلة الذكاة فاشترط في المذكى. فعلى هذا إذا رمى مسلم ومجوسي صيداً، أو أرسلا عليه جارحاً، أو شارك كلب مجوسي كلب مسلم في قتله لا يحل؛ لأن المجوسي ليس من أهل الذكاة](2).

قال: (وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له. ويحتمل أن لا يحل. وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل).

أما كون الحكم لمن أصاب سهمه المقتل؛ فلأنه هو القاتل فوجب أن يترتب عليه الحكم.

وأما كونه يحتمل أن لا يحل؛ فلاجتماع المبيح والمحرم في الجملة.

وأما كونه يحل إذا رد كلبُ المجوسي الصيدَ على كلب المسلم فقتله؛ فلأن العبرة بالقتل، والقاتل (3) كلب المسلم.

(1) ساقط من أ.

(2)

ساقط من د.

(3)

ساقط من أ.

ص: 403

قال: (وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل. وعنه: لا يحل. وإن صاد المجوسي بكلب مسلم لم يحل).

أما كون المسلم إذا صاد الصيد بكلب المجوسي يحل على المذهب؛ فلأن الجارح آلة. فإذا اصطاد به مسلم وجب أن يحل؛ كالقوس والسهم. وعن ابن المسيب: هو بمنزلة شفرته.

وأما كونه لا يحل على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {وما عَلَّمْتم من الجوارح} [المائدة: 4]. وكلب المجوسي غير معلم من مسلم.

وأما كون المجوسي إذا صاد بكلب المسلم (1) لا يحل؛ فلأن الصائد ليس من أهل الذكاة. فلم يحل صيده؛ كما لو رمى صيداً بكلب مسلم وقوسه.

قال: (وإن أرسل المسلم كلباً فزجره المجوسي حل صيده. وإن أرسله مجوسي فزجره مسلم لم يحل).

أما كون الصيد يحل (2) إذا كان المرسل مسلماً والزاجر مجوسياً؛ فلأن العبرة بالإرسال. بدليل التسمية عنده والمرسل من أهل الذكاة؛ لأنه مسلم.

وأما كونه لا يحل إذا كان المرسل مجوسياً والزاجر مسلماً؛ فلما ذكر من أن العبرة بالإرسال، والمرسل ليس من أهل الذكاة؛ لأنه مجوسي.

(1) في أ: مسلم.

(2)

ساقط من أ.

ص: 404

فصل [في آلة الصيد]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: الآلة. وهي نوعان: محدد. فيشترط (1) له ما يشترط لآلة الذكاة، ولا بد من جرحه به، فإن قتله بثقله لم يبح. وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه).

أما كون الثاني من شروط حل الصيد إذا أُدرك (2) ميتاً الآلة؛ فلأنها مما لا بد منها.

ولأنها شرط في الذبح فكذا (3) في الصيد.

وأما كونها نوعين؛ فلأنها تارة تكون محدداً، وتارة تكون جارحاً.

وأما كون المحدد يشترط له ما يشترط لآلة الذكاة؛ فلما تقدم من أن الصيد ذكاة. فيجب أن يشترط للمحدد من (4) آلته ما يشترط لآلة الذكاة.

وأما كونه لا بد من جرح الصيد به؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الصيد بالمعراض قال: ما خَزَقَ فكُل» (5).

وأما كونه إذا قتل الصيد بثقله لا يباح؛ فلأن ذلك في معنى قتل المعراض بعرضه. وسيأتي ذكره.

وأما كون ما صيد بالمعراض فقتل بحده يؤكل دون عرضه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المتقدم: «ما خَزَقَ فكُل، وما قَتَلَ بعرضِهِ فلا تأكُل» (6) متفق عليه.

(1) في أ: يشترط.

(2)

في أ: أدركه.

(3)

في أ: فكذلك.

(4)

في أ: في.

(5)

سبق تخريجه ص: 405.

(6)

سبق تخريجه ص: 405.

ص: 405

قال: (وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيداً أبيح. وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على الظن أن السم أعان على قتله).

أما كون الصيد يباح إذا قتلته المناجل أو السكاكين المسمى عند نصبها؛ فلأن النصب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في الإباحة.

ولأنه إذاً (1) قتل الصيد بحديدة على الوجه المعتاد. أشبه ما لو رماه بها.

ولأنه قصد قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به. فوجب أن يحل؛ كما لو باشره بذلك.

وأما كونه لا يباح إذا قتل بسهم مسموم غلب على الظن إعانة السم على قتله؛ فلأنه اجتمع مبيح ومحرم وذلك موجب فغلب المحرم.

قال: (ولو رماه فوقع في ماء، أو تردّى من جبل، أو وطئ عليه شيء فقتله: لم يحل؛ إلا أن يكون الجرح موحياً؛ كالذكاة فهل يحل؟ على روايتين.

وإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل).

أما كون ما رمي فوقع في ماء، أو تردَّى من جبل، أو وطئ عليه شيء فقتله لا يحل إذا لم يكن الجرح موحياً؛ فلأنه يغلب على الظن موته بالماء، أو بالتردي، أو بالوطء عليه.

وأما كونه لا يحل إذا كان الجرح موحياً على روايةٍ؛ فلاجتماع المبيح والمحرم المقتضي للحرمة. دليله: المتولد من المأكول وغير المأكول.

وأما كونه يحل على روايةٍ؛ فلأن الظاهر نسبة الزهوق إلى الجرح الموحي، وذلك يقتضي الحل.

وأما كون ما رُمي في الهواء فوقع في (2) الأرض فمات [يحل؛ فلأن](3) الظاهر زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع.

ولأن الوقوع على الأرض لو منع من الحل لأدى إلى أنه لا يحل طائر؛ لتعذر عدم إصابته الأرض.

(1) ساقط من أ.

(2)

في أ: إلى.

(3)

ساقط من أ.

ص: 406

قال: (وإن رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه حل. وعنه: إن كانت الجراح موحية حل، وإلا فلا. وعنه: إن وجده في يومه حل، وإلا فلا. وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح).

أما كون من رمى صيداً فغاب عن راميه ثم وجده ميتاً ولا أثر به غير سهمه يحل على المذهب سواء كانت الجراحة موحية أو لم تكن، وسواء وجده في يومه أو في غير يومه؛ فلعموم ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أفْتِنِي في سهمي. قال: ما ردّ عليكَ سهمكَ فكُل. قال: وإن تغيّبَ عني؟ قال: وإن تغيّب عنك ما لم تجدْ فيه أثراً غير سهمكَ، أو تجده قد ضلَّ» (1). رواه أبو داود.

وروى أبو داود بإسناده عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رميتَ الصيدَ فأدركتَهُ بعد ثلاثٍ وسهمُكَ فيه فكُل ما لم يُنْتِن» (2).

ولأن جرحه بسهمه سبب إباحته وقد وجد يقيناً، والمعارض له مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك.

وأما كونه يحل إذا كانت الجراح موحية ولا يحل إذا لم تكن موحية على روايةٍ؛ فلأن الجرح إذا كان موحياً ظهر إسناد الزهوق إليه، وإذا لم يكن موحياً لم يظهر إسناد الزهوق إليه.

وأما كونه إذا وجده في يومه حل وإلا فلا في روايةٍ؛ فلما روي عن ابن عباس أنه قال: «إذا رميتَ فأقعصت فكُل، وإن رميتَ فوجدتَ فيه سهمكَ من يومِكَ أو ليلتِكَ فكُل، وإن غابَ عنكَ فلا تأكُل فإنّكَ لا تدري ما حدثَ فيه بعدَك» . وقال: «ما أصميتَ فكُل وما أنميتَ فلا تأكُل» .

قال الحكم: الإصماء: الأقعاص، والإنماء أن يغيب.

قال الشاعر:

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2857) 3: 110 كتاب الصيد، باب في الصيد.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1931) 3: 1532 كتاب الصيد والذبائح، باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده.

وأخرجه أبو داود في سننه (2861) 3: 111 كتاب الصيد، باب في اتباع الصيد.

ص: 407

فهو لا تنمي رميته

ماله لا عد من نفره

والأول أولى؛ لما تقدم.

ولأن الظاهر موته بجرحه سواء كان موحياً أو لم يكن، وسواء غاب عنه يوماً أو أكثر؛ لأن التقدير أنه ليس به أثر غير أثر سهمه.

وأما حديث ابن عباس فيمكن حمله على الأولى جمعاً بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم. على أنه لو كان بينهما تعارض لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يجب اتباعه دون غيره.

فإن قيل: كلام النبي صلى الله عليه وسلم مطلق وكلام ابن عباس مقيد فيجب حمل المطلق على المقيد؛ لأن كلام ابن عباس يقع مبيناً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

قيل: كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان هنا مطلقاً إلا أنه قد جاء مصرحاً بعدم اعتبار اليوم. وهو ما روى عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رميتَ الصيدَ فوجدته بعد يومين ليسَ فيه إلا أثرُ سهمِكَ فكُل» (1).

وفي الجملة إذا لم يضبط ذلك باليوم فلا بد من ضبطه بأن تكون المدة يسيرة؛ لأن المدة إذا طالت ضعُف إسناد الزهوق إلى الجرح، وقد نبه الشرع على ذلك في الجملة؛ لأن في حديث عدي:«بعدَ يومٍ أو يومين» (2)، وفي حديث أبي ثعلبة:«فوجدَهُ بعدَ ثلاث» (3)، وفي حديث ابن عباس:«بعدَ يوم» .

وأما كونه لا يحل إذا وجده وبه غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط في حل الصيد ذلك فقال في حديث عدي: «ليسَ به إلا أثرُ سهمك» (4)، وفي حديث عمرو بن شعيب: «ما لم تجدْ فيه أثراً غيرَ

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5167) 5: 2089 كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يمين أو ثلاثة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1929) 3: 1531 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

(2)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(3)

سبق تخريجه قريباً.

(4)

مثل السابق.

ص: 408

سهمك» (1)، وفي حديث عدي من رواية الدارقطني:«وإن وجدت به أثر غيركَ فلا تأكله فإنكَ لا تدري أقتلتهُ أنتَ أمْ غيرُك» (2).

قال: (وإن ضربه فأبان منه عضواً وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه. وإن بقي معلقاً بجلدة حل. وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع. وعنه: لا يباح ما بان (3) منه. وإن أخذ قطعة من حوت وأفلت حياً أبيح ما أخذ منه).

أما كون ما أبين من صيد وبقيت فيه حياة مستقرة لا يباح؛ فلأنه أبين من حيٍّ فيكون ميتاً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أُبينَ من حي فهو ميت» (4).

وأما كونه إذا بقي معلقاً بجلدة يحل؛ فلأن الموجب لتحريمه بينونته وهي مفقودة هاهنا.

وأما كونه إذا مات الصيد في الحال يحل الجميع على المذهب؛ فكما لو قطع الصيد قطعتين.

وأما كون (5) ما بان منه لا يباح على روايةٍ؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أُبينَ من حيٍّ فهو ميت» (6).

ولأن ما أبين منه لا يمنع بقاء الحياة في العادة. فلم يبح؛ كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة.

والأول هو المشهور قاله المصنف في المغني، ووجهه ما تقدم.

(1) سبق تخريج حديث عمرو بن شعيب قريباً.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (89) 4: 294 كتاب الأشربة وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك.

(3)

في أ: أبان.

(4)

أخرجه الحاكم في مستدركه (7151) 4: 138 كتاب الأطعمة. ولفظه: «ما قطع من حي فهو ميت» .

وأخرجه أبو داود في سننه (2858) 3: 111 كتاب الصيد؛ باب في صيد قطع منه قطعة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1480) 4: 74 كتاب الأطعمة، باب ما قطع من الحي فهو ميت. ولفظهما:«ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة» .

(5)

في أ: كونه.

(6)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

ص: 409

وأما الحديث فالمراد به: ما قطع وكان الباقي حياً حتى يكون المنفصل منه ميتاً. ألا ترى إلى المذبوح فإنه ربما بقي ساعة، وربما مشى حتى يموت ومع هذا فهو حلال وفاقاً مع أنه يصح أن يقال: أبين من حي.

وأما كون من أخذ قطعة من حوتٍ وأفلتَ حياً يُباح ما أخذ منه؛ [فلأن غاية ما يُقدر أن ذلك ميتة، وميتة الحوت حلال؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم](1) في البحر: «هو الطهورُ ماؤُه الحلُّ ميتَتُه» (2).

قال: (وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به؛ لأنه وقيذ).

أما كون ما ليس بمحدد لا يباح ما قتل به؛ فلما ذكر المصنف رحمه الله من أنه وقيذ. والوقيذ حرام؛ لأن الله تعالى قال: {حُرّمت عليكم الميتة -إلى قوله-: والموقوذة والمتردية} [المائدة: 3].

ولأن القتل بغير ذلك قتل بغير محدد. فوجب أن لا يباح؛ كما لو ضرب الشاة بعصا فماتت.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالبندق

إلى والفخ (3)؛ فتمثيل لصور من صور ما ليس بمحدد.

قال: (النوع الثاني: الجارحة. فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة، إلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده).

أما كون النوع الثاني من نوعي الآلة: الجارحة؛ فلأنها آلة. أشبهت المحدد.

وأما كون ما قتلته يباح في الجملة غير الكلب الأسود البهيم؛ فلأن الله تعالى قال: {وما عَلَّمتم من الجوارح مُكَلّبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4].

وأما كون ذلك يشترط أن تكون معلمة؛ فلأن الله تعالى قال: {وما علّمتم من الجوارح} [المائدة: 4]، وفي حديث أبي ثعلبة الخشني: «وما صدت بكلبكَ

(1) ساقط من أ. وذكر كلمة: وسلم.

(2)

سبق تخريجه ص: 367.

(3)

في أ: الفخ.

ص: 410

المعلّم وذكرتَ اسمَ اللهِ تعالى فكُل، وما صدتَ بكلبكَ الذي ليس بمعلّم فأدركتَ ذكاتَهُ فكُل» (1).

وأما كون ما صاده الكلب الأسود البهيم لا يباح؛ فلأن الكلب الأسود البهيم كلب يحرم اقتناؤه ويجب قتله. فلم يبح صيده؛ كغير المعلم. ودليل تحريم اقتناؤه قوله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا منها كلَّ أسودٍ بَهيم» (2). رواه سعيد بن منصور بإسناده عن عبدالله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ لمسلم (3) قال: «أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلابِ ثم نَهَى عن قتلها. فقال: عليكم بالأسودِ البهيمِ ذي النقْطَتَين فإنه شيطان» (4).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكلبُ الأسودُ شيطان» (5)، واقتناء الشيطان لا يجوز.

قال: (والجوارح نوعان: ما يصيد بنابه؛ كالكلب والفهد فتعليمه بثلاثة أشياء: أن يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، وإذا أمسك لم يأكل. ولا يعتبر تكرر ذلك منه، فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده، ولم يبح ما أَكل منه في إحدى الروايتين، والأخرى يحل).

أما كون الجوارح نوعين؛ فلأن منها ما يصيد بنابه، [ومنها ما يصيد بمخلبه.

وأما كون ما يصيد بنابه] (6) من الجوارح؛ كالكلب والفهد تعليمه: أن يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، وإذا أمسك لم يأكل: أما الأول والثاني؛ فلأن العادة في الجوارح المعلمة ذلك فإذا لم يكن كذلك لم يدخل في عموم قوله

(1) سبق تخريجه ص: 405.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2845) 3: 108 كتاب الصيد، باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1486) 4: 78 كتاب الأحكام والفوائد، باب ما جاء في قتل الكلاب.

وأخرجه النسائي في سننه (4280) 7: 185 كتاب الصيد والذبائح، صفة الكلاب التي أمر بقتلها.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (3205) 2: 1069 كتاب الصيد، باب النهي عن اقتناء الكلب إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية.

(3)

في أ: وفي حديث مسلم.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (1572) 3: 1200 كتاب المساقاة، باب الأمر بقتل الكلاب

(5)

أخرجه مسلم في صحيحه (510) 1: 365 كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي.

(6)

ساقط من د.

ص: 411

تعالى: {وما علّمتم من الجوارح} [المائدة: 4] فلم يكن صيدها حلالاً طيباً؛ لأن الحل مرتب على الصيد بالمعلم للآية المذكورة والخبر المتقدم ذكره.

ومقتضى كلام المصنف رحمه الله اشتراط ذلك في الكلب والفهد وعليه يقاس كل جارح.

وقال في المغني: لا أحسب هذا المعنى في غير الكلب؛ لأنه هو الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجره، والفهد لا يكاد يجيب داعياً وإن عد معلماً [فيكون التعليم في حقه تركُ الأكلِ خاصة، أو بما يعده به أهل العرف معلماً](1). هذا نصه.

فإن قيل: الانزجار المعتبر في الجارح هو بعد الإرسال على الصيد.

قيل: لا؛ لأن ذلك لا يتصف به جارحة. وإنما المعتبر كونه ينزجر بالزجر فيما قبل ذلك.

وأما الثالث وهو: أنه إذا أمسك لم يأكل؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عدي: «إذا أرسلتَ كلبكَ المعلّم وذكرتَ اسم الله عليه فكُل مما أمسكَ عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: وإن قتل، إلا أن يأكل الكلبُ فإن أكلَ فلا تأكلْ فإني أخافُ أن يكونَ إنما أمسكَ على نفسه» (2) متفق عليه.

وأما كون عدم (3) تكرير الأكل من الجارحة لا يعتبر؛ فلأنه تعلم صنعة فلا يعتبر فيه التكرر؛ كسائر الصنائع.

وقد أضاف المصنف رحمه الله ما ذكر في المغني إلى الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب. ونقل عن القاضي أنه قال: لعل ذلك ثلاث (4) مرار. وعلله بأن ترك الأكل يحتمل أن يكون لشبع، ويحتمل أنه لتعلم فلم يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالتكرر وما اعتبر تكراره اعتبر ثلاثاً؛ كالمسح في الاستجمار وعدد الأقراء.

(1) ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5166) 5: 2089 كتاب الذبائح والصيد، باب إذا أكل الكلب.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: ثلاثة.

ص: 412

وأما كونه إذا أكل من صيد بعد تعلمه لا يحرم ما تقدم من صيده؛ فلأنه كان معلماً حين الاصطياد. فلم يضر نسيانه بعد ذلك. ودليل كونه معلماً: جواز الإقدام على صيده المذكور قبل ذلك.

وأما كون ما أكل منه لا يباح في روايةٍ؛ فلما تقدم من قوله عليه السلام: «فإن أكلَ فلا تأكُل» (1).

وأما كونه يحل في روايةٍ؛ فلأنه ثبت [كونه معلماً، والأكل يحتمل أن يكون لنسيان أو لفرط جوع فلا يترك](2) ما ثبت يقيناً للاحتمال. والحديث محمول على كلبٍ لم يثبت تعليمه.

قال: (والثاني: ذو المخلب؛ كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يَسترسلَ إذا أُرسل، ويجيبَ إذا دُعي. ولا يعتبر تركُ الأكل).

أما كون النوع الثاني من نوعي الجوارح ذا المخلب؛ فلأنه جارح. أشبه ذا الناب.

وأما كون ذي المخلب تعليمه أن يَسترسلَ إذا أُرسل، ويجيبَ إذا دُعي؛ فلما تقدم في الكلب.

وأما كون ترك (3) الأكل لا يعتبر؛ فلما روى الخلال بإسناده عن ابن عباس قال: «فإن أكلَ الكلبُ فلا تأكُل وإن أكلَ الصقرُ فكُل؛ لأنك تستطيعُ أن تضربَ الكلبَ ولا تستطيعُ أن تضربَ الصقر» (4).

ولأن جوارح الطير تعلم بالأكل ويتعذر تعليمها مع ترك الأكل. فلم يقدح الأكل في تعليمها. بخلاف الكلب.

فإن قيل: فقد روى الشعبي عن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن أكلَ الكلبُ والبازُ فلا تأكُل» (5).

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: من ترك.

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 238 كتاب الصيد والذبائح، باب البزاة المعلمة إذا أكلت.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (2851) 3: 109 كتاب الصيد، باب في الصيد.

ص: 413

قيل: الحديث يرويه مجالد وهو ضعيف والروايات الصحيحة تخالفه.

قال: (ولا بد أن يجرح الصيد. فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح. وقال ابن حامد: يباح).

أما كون الجارح لا بد أن يجرح الصيد؛ فلأن قتله بغيره لا يبيحه؛ لما يأتي ذكره فيه بعد.

وأما كونه إذا قتله بصدمته أو خنقه لا يباح على المذهب؛ فلأنه إذا قتله بذلك يكون موقوذاً، والله حرمه.

ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهرَ الدم وذكر اسم الله عليه فكُل» (1): يدل على أنه لا يباح ما لم ينهر الدم.

وأما كونه يباح على قول ابن حامد؛ فلعموم قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4]، وعموم قوله:«إذا أرسلتَ كلبَكَ المعلّم فكُل» (2).

والأول أولى؛ لأن العموم في الآية والخبر مخصوص بما ذكر من الدليل الدال على عدم إباحته المتقدم ذكره.

قال: (وما أصابه فم الكلب فهل يجب غسله؟ على وجهين).

أما كون ما أصابه فم الكلب لا يجب غسله على وجه؛ فلأن الله تعالى ورسوله أمر بأكل صيده ولم يأمر (3) بغسله.

وأما كونه يجب غسله على وجه؛ فلأنه قد (4) تنجس بنجاسته. فوجب أن يغسل؛ كما لو أصابه بول.

(1) سبق تخريجه ص: 388.

(2)

سبق تخريجه ص: 419.

(3)

في أ: يأمرنا.

(4)

ساقط من أ.

ص: 414

فصل [في نية الصيد]

قال المصنف رحمه الله: (الثالث: إرسال الآلة قاصداً للصيد. فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره، إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل).

أما كون الثالث من شروط حل الصيد إذا أُدرك ميتاً: إرسال الآلة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الحل على الإرسال فقال في حديث عدي: «إذا أرسلتَ كلبَكَ وذكرتَ اسم الله فكُل» (1).

وأما كون الصائد يقصد الصيد عند الإرسال؛ فلأن المرسل إذا لم يقصد ذلك كأن إرساله وجوده كعدمه. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسَلْتَ» : إشعار بالقصد من حيث إنه أضاف الإرسال إليه.

وأما كون الكلب وغيره إذا استرسل بنفسه فلا يباح صيده؛ فلأن الإرسال للصائد شرطٌ له ولم يوجد.

وأما كون الصيد لا يباح وإن زجر المرسل الجارح إذا لم يزد عدوه بزجره؛ فلأن الزجر لم يزد شيئاً عن استرسال الصائد بنفسه.

وأما كونه يحل إذا زاد عدو الجارح بزجره؛ فلأن الازدياد المذكور بمنزلة إرساله.

قال: (وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيداً، أو أرسله (2) يريد الصيد ولا يرى صيداً لم يحل صيده إذا قتله).

أما كون من أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيداً لا يحل؛ فلأنه لم يقصد الصيد. أشبه ما لو نصب سكيناً فانذبحت بها شاة.

(1) سبق تخريجه ص: 388.

(2)

في أ: وأرسله.

ص: 415

وأما كونه إذا أرسلهما يريد الصيد ولا يرى صيداً لا يحل؛ فلأن قصد الصيد شرط، ولا يصح مع عدم العلم به. فإرادته إذاً ليست بإرادة معتبرة؛ لفوات شرطها.

قال: (وإن رمى حجراً يظنه صيداً فأصاب صيداً لم يحل. ويحتمل أن يحل).

أما كون ما ذكر لا يحل على الأول؛ فلأن شرط القصد العلم ولم يوجد هنا.

وأما كونه يحتمل أن يحل؛ فلأن الظن يقوم مقام العلم في كثير من الصور. فكذلك يجب أن يقوم مقامه هنا.

قال: (وإن رمى صيداً فأصاب غيره، أو رمى صيداً فقتل جماعة: حل. وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل حل).

أما كون من رمى صيداً فأصاب غيره أو رمى صيداً فقتل جماعة يحل؛ فلأن شرط الحل قصد الصيد في الجملة لا قصد الصيد بعينه، وهو موجود فيهما.

ولأن الصيد أمسكه الكلب على صاحبه فيدخل في عموم قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أرسلتَ كلبكَ وذكرتَ اسم الله عليه (1) فكُل مما أمسك عليك» (2).

وأما كون من أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل يحل؛ فلأن الإرسال له حكم الحل، والريح لا يمكن التحرز منها فسقط اعتبارها.

قال: (وإن رمى صيداً فأثبته ملكه. فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده. وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه. ولو وقع في شبكة صيد فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني).

أما كون من رمى صيداً فأثبته يملكه؛ فلأنه أزال امتناعه. أشبه ما لو قتله.

وأما كون غير المثبت إذا أخذه يرده؛ فلأن من أثبته ملكه. فلزم آخذه رده إليه.

(1) ساقط من أ.

(2)

سبق تخريجه ص: 388.

ص: 416

وأما كون الصيد لآخذه إذا لم يثبته الأول؛ فلأنه لم يملكه؛ لكونه ممتنعاً فملكه الثاني بأخذه كغيره.

وأما كونه للثاني إذا وقع في شبكته

إلى آخره؛ فلأن الشبكة لم تثبته. فوجب أن يكون لمن صاده؛ لبقائه على الإباحة.

قال: (وإن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حِجْرِه فهي له دون صاحب السفينة.

وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه. وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه).

أما كون السمكة لمن وقعت في حِجْره دون صاحب السفينة؛ فلأن السمكة من الصيد المباح فيملك بالسبق إليه. فإذا وقعت السمكة في حِجْر من في السفينة صارت يده عليها دون صاحب السفينة. ألا ترى أنه لو تنازع صاحب الحجر وصاحب السفينة كيساً في حجر من في السفينة كان صاحب الحجر أحق به من صاحب السفينة.

وأما كون من صنع بركة ليصيد بها يملك ما حصل فيها؛ فلأنه جعل البركة معدة للاصطياد. أشبه ما لو نصب شبكة.

وأما كونه لا يملك إذا لم يقصد ذلك؛ فلأن سبب الملك إعداد البركة للاصطياد ولم يوجد ذلك.

قال: (وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه).

أما كون من حصل في أرضه ما ذكر لا يملكه بذلك كالذي حصل في بركة لم يُعدها للصيد؛ فلأن الأرض ليست معدة لصيد السمك والطائر. أشبه البركة التي لم يقصد بها الاصطياد.

وأما كون غيره له أخذه؛ فلأنه باق على الإباحة الأصلية.

ص: 417

قال: (ويكره صيد السمك بالنجاسة، وصيد الطير بالشباش.

وإذا أرسل صيداً وقال: أعتقتك لم يزل ملكه عنه. ويحتمل أن يزول، ويملكه من أخذه).

أما كون الصيد بالنجاسة؛ كالعذرة والميتة والدم وما أشبه ذلك يكره؛ فلأنه يؤدي إلى أكل السمك للنجاسة فيصير بمنزلة الجلَاّلة.

[وأما كونه بالشباش وهو طير تخيط عينه أو تربط يكره؛ فلأن في ذلك تعذيباً للحيوان](1).

وأما كون من أرسل صيداً وقال: أعتقتك لم يزل ملكه عنه على المذهب؛ فلأن الإرسال والإعتاق لا يوجب زوال ذلك. دليله: ما لو أرسل بعيراً أو بقرة وقال: أعتقتك.

وأما كونه يحتمل أن يزول عنه؛ فلأنه خلى سبيله.

وأما كون من أخذه يملكه؛ فلأنه لا مالك له.

(1) ساقط من أ.

ص: 418

فصل [في التسمية]

قال المصنف رحمه الله: (الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة. فإن تركها لم يبح سواء تركها عمداً أو سهواً في ظاهر المذهب. وعنه: إن نسيها على السهم أبيح. وإن نسيها على الجارحة لم يبح).

أما كون الرابع من شروط حل الصيد إذا أُدرك ميتاً: التسمية في الجملة؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أرسلتَ كلبكَ وسميت فكل. قلت: أرسل فأجد معه كلبًا آخر. قال: فلا تأكل. فإنما سَميتَ على كلبكَ ولم تُسمِّ على الآخر» (1). متفق عليه.

وفي حديث أبي ثعلبة: «ما ضربتَ بقوسكَ وذكرتَ اسم اللهِ عليه (2) فكُل» (3).

وأما كون التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة؛ فلأن ذلك هو الفعل الموجود من المرسل. فاعتبرت التسمية عنده؛ كما تعتبر التسمية عند الذبح.

وأما كون من تركها لا يباح صيده؛ فلما تقدم من الآيتين والخبرين.

وأما كون تركها عمداً أو سهواً سواء في ظاهر المذهب؛ فلأن النصوص المتقدمة تقتضي اعتبار التسمية من غير فرق.

وأما كون من تركها سهواً يباح صيده في روايةٍ؛ فلقوله عليه السلام: «عُفيَ عن أمتي (4) الخطأ والنسيان» (5).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5159) 5: 2086 كتاب الذبائح والصيد، باب صيد المعراض.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.

(2)

ساقط من د.

(3)

سبق تخريجه ص: 405.

(4)

في د: عفي لأمتي عن.

(5)

سيأتي تخريجه ص: 443.

ص: 419

وأما كون من نسيها على السهم يباح صيده، ومن نسيها على الجارحة لا يباح صيده في روايةٍ؛ فلأن إرسال الجارحة جرى مجرى التذكية. بخلاف إرسال السهم. ولو نسي التسمية عند التذكية لم يحل في ظاهر المذهب؛ [لما تقدم](1).

(1) ساقط من أ.

ص: 420