الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد المحاربين
والأصل (1) في حد المحاربين قول الله تعالى: {إنما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو يُنفَوْا من الأرض} [المائدة: 33].
قال ابن عباس وكثير من العلماء: نزلت في قطاع الطريق من المسلمين.
قال المصنف رحمه الله: (وهم: قطاع الطريق. وهم: الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة. فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب. وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي. وقال أبو بكر: حكمهم في المصر والصحراء واحد).
أما قول المصنف رحمه الله: وهم قطاع الطريق؛ فبيان لمعنى المحاربين.
وأما قوله: وهم الذين يعرضون (2) إلى آخره؛ فيقتضي أنه يشترط في المحاربين أمور:
أحدها: أن يعرضوا للناس بالسلاح، فإن عرضوا بغير سلاح فليسوا بمحاربين؛ لأنهم لا يمنعون من يقصدهم.
وثانيها: أن يكونوا في الصحراء؛ لأن ذلك عادة المحاربين. فإن كانوا في البنيان فسيأتي الكلام عليه بعد (3) إن شاء الله تعالى.
وثالثها: أن يأخذوا المال مجاهرة فإن أخذوه سرقة فليسوا بمحاربين؛ لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة.
وأما كونهم إذا فعلوا ذلك في البنيان لا يكونوا محاربين في قول الخرقي؛ فلأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء.
(1) في أ: الأصل.
(2)
في أ: وأما قولهم الذين.
(3)
زيادة من أ.
ولأنه في المصر يلحق به الغوث غالباً وتذهب شوكتهم ويكونون مختلسين، والمختلس (1) ليس بقاطع طريق.
وأما كونهم يكون حكمهم في المصر والصحراء واحد في قول أبي بكر؛ فلأن الفعل المذكور إذا وجد في المصر كان أعظم ضرراً. فكان أعظم جرماً وفساداً، فكان بما ذكر أولى.
قال: (وإذا قُدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتماً وصلب حتى يشتهر. وقال أبو بكر: يصلبُ قدر ما يقع عليه اسم الصلب، وعن أحمد: أنه يُقطع مع ذلك).
أما كون من قدر عليه من (2) المحاربين المذكورين يُقتل إذا كان قد قتل من يكافئه وأخذ المال؛ فلأنه مذكور في الآية.
ولأنه قَتَل من يكافئه عمداً.
وأما كونه يقتل حتماً ويصلب حتى يشتهر؛ فلأنه مذكور في الآية. وفي حديث ابن عباس «وادع رسول الله أبا بردة فجاء ناسٌ يريدون الإسلام. فقطع. فنزل جبريل بالحد فيهم أن من قتلَ وأخذَ المالَ قُتلَ وصُلب، ومن قَتل ولم يأخذ المال قُتل، وإن (3) أخذَ المال ولم يَقتل قُطعت يدهُ ورجلهُ من خلاف» (4).
وأما كونه يصلب حتى يشتهر وهو قول الخرقي؛ فلأن المقصود منه زجر غيره ولا يحصل إلا بذلك.
وأما كونه يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب على قول أبي بكر؛ فلأن ذلك يصدق عليه اسم الصلب، والآية ما تدل إلا على ذلك.
ومحل الصلب بعد القتل؛ لأن المقصود زجر غيره لا عذاب المحارب نفسه؛ لأن القتل كافٍ في عذابه، ولذلك إذا اجتمع حدود في بعضها قتل اكتفي به.
(1) في أ: والمختلسين.
(2)
في أ: في.
(3)
في د: وبمن.
(4)
أخرجه الشافعي في مسنده (282) 2: 86 كتاب الحدود، باب ما جاء في قطاع الطريق.
وأما كونه يقطع مع ذلك على روايةٍ؛ فلأنه وجد منه ما يوجب القطع والقتل. فوجب عليهما (1) جميعاً؛ كما لو زنى وسرق.
قال: (وإن قتل من لا يكافئه فهل يقتل؟ على روايتين).
أما كون من ذكر لا يقتل على روايةٍ؛ فلعموم قوله عليه السلام: «لا يُقتلُ حرٌ بعبد» (2).
ولأن القتل وجب قصاصاً. بدليل أنه لو وجب حداً لسقط بالتوبة، وإذا كان قصاصاً وجب اعتبار المكافأة فيه؛ كغير المحارب.
وأما كونه يقتل على روايةٍ؛ فلأنه حد طُلِبَ به الزّجرُ. فلم تعتبر فيه المكافأة؛ كالزنى.
والأولى أصح؛ لأنه ليس بحد. بدليل ما تقدم وبه فارق الزنى. ويؤيد عدم صحة قياسه على الزنى أن حد الزنى يسقط بالتوبة. بخلاف حد المحاربة.
قال: (وإن جنى جناية توجب القصاص فيما دون النفس فهل يتحتّم استيفاؤها (3)؟ على روايتين).
أما كون استيفاء ما ذكر يتحتم على روايةٍ؛ فلأن الجناية على ما دون النفس جناية يجب فيها القصاص في غير المحاربة. فإذا وجب فيها كان متحتماً؛ كالقتل.
وأما كونه لا يتحتم على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى ذكر حدود المحاربين وهي: القتل، والقطع، والصلب. فلم يتعلق بالمحاربة سوى تلك.
ولأن النفس أكبر من الطرف. بدليل وجوب الكفارة في النفس دونه.
قال: (وحكم الرِّدْء حكم المباشر).
أما كون حكم الردء حكم المباشر؛ فلأن حد المباشر حكم يتعلق بهما (4). فاستوى فيها الردء والمباشر؛ كالغنيمة. يحققه: أن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة والجهاد كذلك، والمباشر فيهما لا يتمكن إلا بالردء. فوجب
(1) في أ: فعليهما. وذكر في حاشية د لعله: فوجبا عليه.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (158) 3: 133 كتاب الحدود.
(3)
في أ: استيفاؤه.
(4)
في د: بها.
أن يستويا في الحكم؛ لاستوائهما في المعنى. فالردء هو العون للمباشر، ومنه قوله تعالى:{فأرسله معي ردْءاً يصدقني} [القصص: 34].
قال: (ومن قَتل ولم يأخذ المال قُتل. وهل يُصلب؟ على روايتين).
أما كون من ذكر يقتل؛ فلأنه قاتل. فيدخل في الآية والخبر المتقدم ذكرهما.
وأما كونه لا يصلب على روايةٍ؛ فلأن جناية المحارب بالقتل وأخذ المال أعظم من جنايته بالقتل فقط. فلو شرع الصلب في حق من قتل ولم يأخذ المال لاستويا.
وأما كونه يصلب على روايةٍ؛ فلأنه محارب. أشبه آخذ المال.
والأولى أصح؛ لما تقدم.
والقياس على آخذ المال لا يصح؛ لما بينهما من الفرق.
قال: (ومن أخذ المال ولم يَقتل قُطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا وخلي. ولا يُقطع منهم إلا من أخذ ما يُقطع السارق في مثله).
أما كون من أخذ المال ولم يَقتل تُقطع يده اليمنى ورجله اليسرى؛ فلأن الله تعالى قال: {أو تُقَطّع أيديهم وأرجلُهم من خِلاف} [المائدة: 33].
فإن قيل: قوله تعالى: {من خلاف} يقتضي قطع يد من جانب ورجل من آخر (1). فلم كانت اليمنى يداً؟
قيل: لأن (2) السارق تقطع أولاً يده اليمنى [فكذا المحارب يجب أن تقطع يده اليمنى](3)؛ لأنه سارق وزيادة ويلزم من قطع اليد اليمنى قطع الرجل اليسرى لتحقق المخالفة.
وأما كون قطعهما في مقام واحد. [ومعناه: أنه لا يهمل بقطع الرجل حتى تندمل اليد بل تقطعان في مجلس واحد](4)؛ فلأن الله تعالى أمر بقطعهما من غير تعرض لتأخير شيء منهما.
(1) في أ: جانب.
(2)
في د: إن.
(3)
ساقط من د.
(4)
مثل السابق.
وأما كونهما يحسمان؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حق السارق فقال: «اقطعوهُ واحسِمُوه» (1).
ولأن الحسم يَسُدّ أفواه العروق، ويمنع الدم من النزف.
ومعنى الحسم: أن يُغلى زيت ثم يوضع ما قطع فيه.
وأما كونه يخلى بعد ذلك؛ فلأن الحق الذي عليه استُوفي. أشبه المدين إذا وفى دَينه.
وأما كون المحاربين لا يقطع منهم إلا من أخذ ما يُقطع السارق في مثله؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القطعُ في ربع دينار» (2). ولم يفصل بين المحارب وغيره.
ولأن الجناية المذكورة جناية يتعلق بها عقوبة في حق غير المحارب فلا تتغلظ في المحارب بأكثر من وجه واحد؛ كالقتل لا يغلظ بغير الانحتام. فكذلك هاهنا لا يتغلظ القطع بغير قطع الرجل مع اليد. فلو تغلظ بما دون النصاب لتغلظ بأكثر من ذلك.
قال: (وإن كانت يمينه مقطوعة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى. وهل تقطع يسرى يديه؟ ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة).
أما كون من كانت يمينه كما ذكر تقطع رجله اليسرى؛ فلأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه.
وأما كون قطع يسرى يديه ينبني (3) على قطع أطراف السارق الأربعة على الروايتين المتقدم ذكرهما وتعليلهما في آخر باب السرقة (4)؛ فلأنه في معناه.
فعلى هذا إن قلنا يقطع السارق مرة ثالثة قطعت يُسرى المحارب هنا؛ لأنها مستحقة القطع في الجملة. فإذا تعذر استيفاء اليمنى تعين استيفاء اليسرى؛ كما لو سرق السارق ولا يد يمنى له ولا رجل. وإن قلنا: لا يقطع السارق في الثالثة لم
(1) سبق تخريجه ص: 323.
(2)
سبق تخريجه ص: 302.
(3)
في أ: يده المبني.
(4)
ص: 322.
تقطع يسرى المحارب هنا؛ لأن قطعها بطريق الإلحاق بالسارق (1). فإذا انتفى الحكم فيه انتفى فيما يجب إلحاقه به.
قال: (ومن لم يَقتل ولا أخذ المال نفي وشرد، فلا يُترك يأوي إلى بلد. وعنه: أن نفيه تعزيره بما يردعه).
أما كون من لم يقتل ولم يأخذ المال ينفى؛ فلأن الله تعالى قال: {أو يُنفوا من الأرض} [المائدة: 33].
وأما كونه يُشرّد فلا يترك يأوي إلى بلد؛ فلأن الله تعالى قال: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33].
فإن قيل: التشريد ظاهر الإرادة من الآية. فما وجه أن لا يترك يأوي إلى بلد؟
قيل: لأن الله تعالى قال: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33]، وذلك يقتضي النفي من جميعها.
وأما كون نفيه تعزيره بما يردعه على روايةٍ؛ فلأن الغرض الردع، وذلك حاصل بالتعزير المذكور.
والأول أصح؛ لأن النفي الطرد والإبعاد، والإقامة تبقيه.
قال: (ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل، وأخذ بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال، إلا أن يعفى له عنها).
أما كون من تاب قبل القدرة عليه يسقط عنه حدود الله؛ فلأن الله تعالى قال (2): {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة: 34].
فعلى هذا يسقط عنهم جميع ما ذكر المصنف رحمه الله؛ لأنه لله تعالى.
وأما كونه يؤخذ بحقوق الآدميين مما ذكر إذا لم يُعْفَ له عنها؛ فلأنها حقوق عليهم لم يعفَ عنها. فلم تسقط؛ كغير المحارب.
فإن قيل: الآية عامة في السقوط فما وجه التخصيص؟
قيل: الأدلة الدالة على أن حقوق الآدمي لا تسقط بغير رضاه.
(1) في أ: إلحاق السارق.
(2)
في أ: حدود الله تعالى فلقوله تعالى.
ولأن حق الآدمي مبني على الضيق والشح. بخلاف حق الله تعالى، وذلك يقتضي عدم التسوية بينهما، وسقوط ذلك (1) بالتوبة يقتضي التسوية بينهما.
قال: (ومن وجب عليه حد لله (2) سوى ذلك فتاب قبل إقامته لم يسقط. وعنه: أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل. ومن مات وعليه حد سقط عنه).
أما كون من وجب عليه حد لله (3) سوى حد المحاربين لا يسقط بتوبته على المذهب؛ فلأن الله عز وجل قال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما} [النور: 2]، {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] من غير فرق بين التائب وغيره.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً وقطع السارق بإقراره من غير سؤال عن توبة.
ولأن الحد كفارة. فلم تسقط بالتوبة؛ ككفارة اليمين.
وأما كونه يسقط على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} [النساء: 16]، وقال:{فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} [المائدة: 39]، وفي الحديث:«التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له» (4). ومن لا ذنبَ له لا حدَّ عليه.
ولأن الحد خالص حق الله. فسقط بالتوبة؛ كحد المحارب.
إذا تقرر السقوط فقد صرح المصنف رحمه الله هنا أنه يسقط بمجرد التوبة من غير إصلاح العمل.
وقال في المغني: ظاهر الآيات تدل على اعتباره في غير المحارب. فيكون إصلاح العمل في حق غير (5) المحارب بمنزلة توبة المحارب قبل القدرة هذا لفظه.
وأما كون من مات وعليه حد يسقط عنه؛ فلأن استيفاءه بعد موته متعذر.
(1) في أ: سقوط وذلك.
(2)
في أ: حدود لله تعالى.
(3)
في أ: حداً لله تعالى.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (4250) 2: 1419 كتاب الزهد، باب ذكر التوبة.
(5)
ساقط من أ.
فصل [في دفع الصائل]
قال المصنف رحمه الله: (ومن أُريدت نفسه أو حرمته أو ماله فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به، فإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك ولا شيء عليه. وإن قُتل كان شهيداً. وهل يجب عليه الدفع عن نفسه؟ على روايتين. وسواء كان الصائل آدمياً أو بهيمة).
أما كون من أريدت نفسه أو حرمته أو ماله (1). أي قُصدت: له الدفع عن ذلك؛ فلأنه لو مُنع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله.
ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض، وأدى إلى الهرج والمرج.
وأما كون الدفع بأسهل ما يعلم دفعه به؛ فلأن الزائد عليه لا حاجة له به؛ لحصول الدفع بدونه.
فعلى هذا متى علم الدافع أن الصائل عليه يندفع بالقول لم يجز ضربه بشيء، وإن علم أنه يندفع بعصاً لم يجز ضربه بحديد.
وأما كون الدفع إذا لم يحصل إلا بالقتل له ذلك؛ فلأن ضرره إذا لم يندفع إلا به يتعين طريقاً إلى الدفع المحتاج إليه.
وأما كونه لا شيء عليه بالقتل المذكور؛ فلأنه قتلٌ لدفع شر الصائل. فلم يجب به شيء؛ كقتل الباغي.
وروي عن عبيد بن عمير «أن رجلاً ضافَ ناساً من هذيل. فأراد امرأة على نفسها فرمته بحجر. فقال عمر: والله! لا يودى أبدًا» (2).
(1) في أ: حرمتها وماله.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 337 كتاب الأشربة والحد فيها، باب الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله.
وأما كونه شهيداً إذا قُتل؛ فلما روى عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن أريد ماله بغير حق فقاتلَ فقُتل فهو شهيد» (1). رواه الخلال بإسناده.
ولأنه قُتل لدفع ظالم. فكان شهيداً؛ كالعادل يقتله الباغي.
وأما كون الدفع عن نفسه لا يجب على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة: «اجلس في بيتكَ. فإن خفتَ أن يَبهَركَ شُعَاعُ السيفِ فغطِّ وجهك» (2). وفي لفظ: «فكن عبداللهِ المقتول ولا تكن عبداللهِ القاتل» (3).
ولأن عثمان رضي الله عنه ترك القتال مع إمكانه.
وأما كونه يجب على روايةٍ؛ فلأنه قدر على إحياء نفسه. فوجب عليه فعلُ ما يبقى به؛ كالمضطر إذا وجد الميتة.
والأولى أصح؛ لأن المضطر لا غرض له في ترك الأكل. بخلاف الدافع؛ لأن له في ترك الدفع غرضاً وهو إبقاء نفس (4) أخيه المسلم، وحصول الشهادة له.
وأما كون الصائل الآدمي والبهيمة سواء؛ فلاشتراكهما في المجوز للدفع، وهو الصول.
قال: (وإذا دخل رجل منزله متلصصاً أو صائلاً فحكمه حكم من ذكرنا).
أما كون حكم من دخل منزل غيره متلصصاً أو صائلاً حكم من تقدم ذكره؛ فلأن حاجة صاحب المنزل إلى إخراجه كحاجة من تقدم ذكره. فوجب تساويهما في الحكم؛ لتساويهما في المعنى الموجب له.
وأما المعنيّ بذلك فهو أن صاحب المنزل إن علم أن المتلصص أو الصائل يخرج بالقول لم يجز له أن يخرجه بالعصا، وإن علم أنه يخرج بالعصا لم يجز له أن يخرجه
(1) أخرجه أحمد في مسنده (6829) 2: 194.
وأخرجه البيهقي في الكبرى 8: 187 كتاب قتال أهل البغي. باب من أريد ماله أو أهله.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4261) 4: 101 كتاب الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتنة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (3958) 2: 1308 كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (20559) طبعة إحياء التراث.
(4)
في أ: النفس.
بالحديد، وإن علم أنه لا يخرج إلا بالحديد فله إخراجه به، وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه.
قال: (وإن عضَّ إنسان يد إنسان فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدراً. وإن نظر في بيته من خَصاص البيت أو نحوه فخذف عينه ففقأها فلا شيء عليه).
أما كون من عضَّ إنسان يده فانتزعها من فيه فسقطت ثنايا العاضّ تذهب هدراً؛ فلما روى يعلى بن أمية قال: «كان لي أجيرٌ. فقاتلَ إنساناً فعضَّ أحدهما يدَ الآخر قال: فانتزعَ المعضوضُ يده من في العاضّ فانتزعَ إحدى ثنيتيه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته. فحسبت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفيدعُ يده في فيكَ تعضها كأنها في في (1) فحل يقضمها» (2) متفق عليه.
[ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه. فلم يضمن؛ كما لو صال عليه](3). فلم يمكن الدفع إلا بقلع يده.
وأما كون من فقأ عين من نظر في بيته من خَصاص الباب أو نحوه لا شيء عليه؛ فلما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن امرءاً اطّلع عليك بغير إذن فخذَفتهُ بحصاةٍ ففقأت (4) عينهُ لم يكن عليك جناح» (5) متفق عليه.
وعن سهل بن سعد: «أن رجلاً اطَّلعَ في جحر من بابِ النبي صلى الله عليه وسلم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحكُّ رأسه بمدرَى في يده. فقال عليه السلام: لو علمتُ أنك تنظرني (6) لطمستُ أو لطعنتُ بها في عينك» (7).
(1) ساقط من د.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6497) 6: 2526 كتاب الديات، باب إذا عض رجلاً فوقعت ثناياه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1673) 3: 1300 كتاب القسامة، باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه
…
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: فتفقأت.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (6493) 6: 2525 كتاب الديات، باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان.
وأخرجه مسلم في صحيحه (2158) 3: 1699 كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره.
(6)
في د: تنظر لي.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه (5887) 5: 2304 كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (2156) 3: 1697 كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره.
فإن قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا يعتبر في الرمي الدفع بالأسهل.
قيل: نعم. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد. [ذكره المصنف رحمه الله](1) في المغني.
ووجهه: التمسك بظاهر الحديث.
وقال ابن حامد (2): يدفعه بالأسهل. فإن لم يندفع حلّ حذفه كما تقدم في الصائل.
(1) ساقط من أ.
(2)
في د: أبو حامد.