المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القذف قال المصنف رحمه الله: (وهو: الرمي بالزنى. ومن قذف - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌باب القذف قال المصنف رحمه الله: (وهو: الرمي بالزنى. ومن قذف

‌باب القذف

قال المصنف رحمه الله: (وهو: الرمي بالزنى. ومن قذف حراً محصناً فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حراً وأربعين إن كان عبداً. وقذف غير المحصن يوجب التعزير).

أما قول المصنف رحمه الله: وهو الرمي بالزنى؛ فبيان لمعنى القذف.

وأما كون من قذف حراً محصناً عليه جلد ثمانين جلدة إذا كان حراً؛ فلأن الله تعالى قال: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: 4].

وأما كونه عليه جلد أربعين إذا كان عبداً؛ فلما روى عبدالله (1) بن عامر بن ربيعة (2) أنه قال: «أدركتُ أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرَهم يضربونَ المملوك إذا قذفَ إلا أربعين» (3).

ولأن الحد إذا كان يتبعض كان العبد فيه على النصف كحد الزنى.

فإن قيل: الآية عامة فيدخل العبد فيها.

قيل: ما ذكر خاص، والخاص مقدم على العام.

وأما كون قذف غير المحصن يوجب التعزير؛ فلأن القذف معصية. فإذا لم يجب فيه حد؛ لفوات شرطه وهو الإحصان -وسيأتي دليلهما-: وجب التعزير. ضرورة وجوبه في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.

(1) في د: عبد.

(2)

في الأصول: ربيع.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28215) 5: 483 كتاب الحدود، في العبد يقذف الحر كم يضرب؟

ص: 257

قال: (والمحصن هو: الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله. وهل يشترط البلوغ؟ على روايتين).

أما كون المحصن الذي يحد بقذفه ثمانون جلدة هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله؛ فلأنه لو كان عبداً أو كافراً لكانت حرمتهما ناقصة. فلم تنتهض لإيجاب الحد.

ولو كان مجنوناً لم يجب عليه حد الزنا؛ لقوله عليه السلام: «رُفعَ القلمُ عن ثلاث: عن المجنون حتى يُفيق

» (1) فلا يجب الحد بقذفه.

ولأن غير العاقل لا يلحقه شَيْن بإضافة الزنى إليه؛ لكونه غير مكلف. وحد القذف إنما وجب من أجل ذلك.

ولو كان غير عفيف لم يشنه القذف. فلا يجب الحد بقذفه؛ لما تقدم من أن القذف إنما وجب من أجله.

ولو كان مثله لا يجامع لم يشنه القذف أيضاً؛ لتحقق كذب القاذف.

وأما كونه يشترط بلوغه على روايةٍ؛ فلأنه أحد شرطي التكليف. أشبه العقل.

ولأن زنى الصبي لا يوجب حداً. فلا يجب الحد بالقذف؛ كزنى المجنون.

وأما كونه لا يشترط على روايةٍ؛ فلأنه حر عاقل عفيف يعير بهذا القول الممكن صدقه. أشبه الكبير.

فعلى هذه الرواية لا بد أن (2) يكون كبيراً يجامع مثله، وأدناه أن يكون للغلام عشر سنين، وللجارية سبع.

قال: (وإن قال: زنيتِ وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع سنين لم يحد، وإلا خرج على الروايتين).

أما كون من قال ما ذكر وفسر الصغر عن تسع سنين لا يحد؛ فلأن حد القذف إنما وجب لما يلحق بالمقذوف من العار، وذلك منتف في الصغيرة عن تسع سنين؛ لأن مثلها لا يمكن ذلك منها. فلا يلحقها عار القذف.

(1) سبق تخريجه ص: 215.

(2)

في أ: وأن.

ص: 258

وأما كونه إذا فسره بتسع يتخرج على الروايتين؛ فلأنه لو قذفها في تلك الحال لوجب عليه الحد على أحد الروايتين. فكذلك إذا فسر صغرها بذلك.

قال: (وإن قال لحرة مسلمة: زنيتِ وأنت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد. وإن كانت كذلك وقالت: أردتَ قذفي في الحال فأنكرها فعلى وجهين).

أما كون من قال ما ذُكر عليه الحد إذا لم تكن المقذوفة [كما قال في حال؛ فلأنه قذف محصنة.

وأما كونه عليه الحد إذا كانت المقذوفة] (1) كذلك وقالت: أردتَ قذفي في الحال وأنكرها على وجه؛ فلأن قوله: زنيتِ خطاب في الحال، والظاهر أنه أراد ذلك.

وأما كونه لا حد عليه على وجه؛ فلأن ظاهر لفظه يقتضي تعلق: وأنت نصرانية أو أمة بقوله: زنيت، فيصير كأنه قال لها: زنيت في حال النصرانية أو الرق ولا حد مع ذلك.

وهذا أصح من الأول؛ لأن ارتباط الكلام بعضه ببعض أولى من عدم ارتباطه، وإذا كان ذلك كذلك وجب ارتباط قوله: وأنت نصرانية بقوله: زنيت، وذلك ينفي كونه قاذفاً في الحال.

قال: (ومن قذف محصناً فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف).

أما كون من [ذكر لا يسقط الحد عنه؛ فلأن الحد](2) قد وجب وتم بشروطه. فلا يسقط بزوال شرط الوجوب؛ كما لو زنى بامرأة ثم اشتراها، أو سرق عيناً قيمتها نصاب فنقصت قيمتها أو ملكها، وكما لو جُن المقذوف بعد المطالبة.

وأما المعني بزوال الإحصان فأن يزول شرط من شروطه؛ مثل: أن يكون المقذوف عفيفاً فيزني قبل إقامة الحد، وما أشبه ذلك.

(1) ساقط من د.

(2)

مثل السابق.

ص: 259

فصل [والقذف محرم إلا في موضعين]

قال المصنف رحمه الله: (والقذف محرم إلا في موضعين:

أحدهما: أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون من الزاني فيجب عليه قذفها ونفي ولدها.

والثاني: أن لا تأتي بولد يجب نفيه أو استفاض زناها في الناس أو أخبره به ثقة أو رأى رجلاً يعرف بالفجور يدخل إليها فيباح قذفها ولا يجب).

أما كون القذف محرماً فيما عدا المستثنى؛ فبالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {إن الذين يَرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} [النور: 23].

وأما السنة؛ فقوله عليه السلام: «اجتنبوا السبع الموبقات. وذكر منهن: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (1).

وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون على تحريم القذف في الجملة.

وأما كونه يجب على من رأى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه ويعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون من الزاني؛ فلأن نفي الولد واجب؛ لما يأتي، ولا يمكن إلا بالقذف، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.

وأما كونه يجب عليه نفي ولدها؛ فلئلا يلحق به ولد غيره. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأةٍ أَدخلتْ على قومٍ من ليسَ منهمْ فليستْ من اللهِ في شيء، ولن يُدخلَها اللهُ جنته» (2).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6465) 6: 2515 كتاب المحاربين، باب رمي المحصنات.

وأخرجه مسلم في صحيحه (89) 1: 92 كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2263) 2: 279 أبواب الطلاق، باب في التغليظ في الانتفاء.

وأخرجه النسائي في سننه (3481) 6: 179 كتاب الطلاق، باب التغليظ في الانتفاء من الولد.

ص: 260

وأما كونه يباح لمن يراها تزني ولم تأت بولد يجب نفيه؛ فلأن بالزوج حاجة إلى فسخ النكاح ليخلص من زوجة شأنها ذلك، ولذلك قذف عويمر العجلاني زوجته بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم (1)، وقذف هلال بن أمية زوجته بحضرة الرسول أيضاً (2).

وأما كونه يباح إذا استفاض زناها أو أخبره به ثقة أو رأى رجلاً يُعرف بالفجور يدخل عليها؛ فلأن الحاجة داعية إلى فسخ النكاح هنا كالحاجة الداعية إذا رآها، وذلك يوجب إباحة القذف؛ لاشتراك الكل في الحاجة الموجبة للإباحة.

قال: (وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما لم يبح نفيه بذلك. وقال أبو الخطاب: ظاهر كلامه إباحته).

أما كون الولد لا يباح نفيه بذلك على الأول؛ فلما روي «أن رجلاً ولدَ له ولد أسود. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لكَ من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانُها؟ قال: حمرٌ. قال: هل فيها من أوْرَق؟ قال: إن فيها لَورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: لعله نزَعهُ عرق. قال: وهذا عسى أن يكون نزعهُ عرق» (3).

وأما كونه يباح على قول أبي الخطاب: ظاهر كلام الإمام أحمد إباحته؛ فلأن ذلك من الأسباب المغلبة على الظن أنها زنت، [ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أتتْ] (4) به على نعتِ كذا فهو لفلان (5)، وإن أتت على نعت كذا فهو للزوج (6» ) (7).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4959) 5: 2014 كتاب الطلاق، باب: من أجاز طلاق الثلاث.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1492) 2: 1129 كتاب اللعان.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4468) 4: 1771 كتاب تفسير القرآن، باب: قوله عز وجل {والذي يرمون أزواجهم} .

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (6884) 6: 2667 كتاب الاعتصام، باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين

وأخرجه مسلم في صحيحه (1500) 2: 1137 كتاب اللعان.

(4)

ساقط من د.

(5)

في د: فلان.

(6)

في د: للمزوج.

(7)

ر. الحديث السابق.

ص: 261

فصل [في ألفاظ القذف]

قال المصنف رحمه الله: (وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية. فالصريح قوله: يا زاني، يا عاهر، زنى فرجك، ونحوه مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله).

أما كون ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية؛ فلأنها ألفاظ يرتب عليها حكم شرعي فانقسمت إلى ذلك كألفاظ الطلاق.

ولأن منها ما لا يحتمل غير القذف، ومنها ما يحتمل غيره، وذلك شأن الصريح والكناية.

وأما كون الصريح: يا زاني يا عاهر زنى فرجك ونحوه مما لا يحتمل غير القذف؛ فلأن الصريح ما لا يحتمل غيره، وذلك موجود هاهنا.

وأما كون القاذف لا يقبل قوله بما يحيل القذف؛ فلأن المصرح باطلاً لا يقبل قوله إذا ادعى ما يحيله. فكذلك المصرح بالقذف.

قال: (وإن قال: يا لوطي، أو يا معفوج فهو صريح. وقال الخرقي: إذا قال: أردت أنك من قوم لوط فلا حد عليه وهو بعيد. وإن قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال احتمل وجهين).

أما كون قول: يا لوطي صريحاً على قول غير الخرقي؛ فلأن اللوطي الزاني بالصبيان. أشبه ما لو قال: يا زاني.

وأما كون قول: يا معفوج صريحاً على ذلك؛ فلأن معناه يا مفعولاً به فعل قوم لوط، وذلك صريح فهذا مثله.

فإن قيل: قد تقدم أن الصريح ما لا يحتمل غير القذف وهذا يحتمله.

قيل: معناه والله أعلم أنه صريح في الحكم لا في اللفظ.

فعلى هذا يجب الحد عليه كما لو قذفه بالزنى.

ص: 262

وأما كون قائل ذلك إذا قال: أردتُ أنك من قوم لوط لا حد عليه على قول الخرقي؛ فلأن كلامه يصح أن يراد به ذلك فإذا قال: أردته لم يجب الحد لشَكِّنا في المقتضي له لا سيما والحدود تدرأ بالشبهات.

وأما كون ذلك بعيداً؛ فلأن إطلاق مثل ذلك وإرادة مثل ذلك فيه بُعد.

وأما كونه إذا قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال يحتمل أن لا يحد؛ فلأن ما فسر كلامه محتمل الإرادة والحد يدرأ بالشبهة.

وأما كونه يحتمل أن يحد؛ فلأنه لا يراد بمثل ذلك اللفظ في الغالب غير الزنى. فلم يقبل تفسيره بغيره؛ كما لو قال: يا زاني وفسره بغيره.

فإن قيل: ما المراد بعمل قوم لوط الذي ينتفي معه وجوب الحد؟

قيل: هو محبة الصبيان وتقبيلهم ونحو ذلك مما لا يوجب حداً.

قال: (وإن قال: لستَ بولد فلان فقد قذف أمه. وإن قال: لستَ بولدي فعلى وجهين).

أما كون من قال: لستَ بولد فلان قد قذف أمه؛ فلأن ذلك يقتضي أن أمه أتت به من غير أبيه، وذلك قذف لها.

وأما كون من قال: لست بولدي قد قذف أمه على وجه؛ فلأنه نفاه عن نفسه. أشبه نفي ولد (1) غيره عن أبيه.

وأما كونه غير قاذف لأمه على وجه؛ فلأن الإنسان يغلظ لولده في القول والفعل (2) فيحتمل أنه أراد بذلك التغليظ، وذلك شبهة يدرأ بها الحد.

قال: (وإن قال: أنتِ أزنى الناس أو أزنى من فلانة، أو قال لرجل: يا زانية أو لامرأة (3): يا زاني، أو قال: زنت يداك ورجلاك: فهو صريح في القذف في قول أبي بكر، وليس بصريح عند ابن حامد).

أما كون قول: "أنت أزنى الناس أو أزنى من فلانة" صريحاً في القذف في قول أبي بكر؛ فلأن أزنى معناه المبالغة في الزنى ففيه الزنى وزيادة (4).

(1) في أ: ولدها.

(2)

ساقط من د.

(3)

في أ: قال لامرأة.

(4)

في أ: والزيادة.

ص: 263

وأما كونه ليس بصريح عند ابن حامد؛ فلأن أفعل قد تجيء لغير ما ذكر. فيحتمل أن يراد، وذلك يمنع كونه صريحاً.

وأما كون القول للرجل: يا زانية، وللمرأة: يا زاني (1) صريحاً في قول أبي بكر؛ فلأن ما كان قذفاً لأحد الجنسين كان قذفاً للآخر. قياساً لأحدهما على الآخر.

ولأن ترك تاء التأنيث في موضعها وزيادتها في غير موضعها خطأ لا يغير معنى. فلا يمنع وجوب الحد؛ كاللحن.

ولأن هذا اللفظ خطاب لهما وإشارة إليهما بلفظ الزنى، وذلك يغني عن التمييز بتاء التأنيث وحذفها.

وأما كونه ليس بصريح عند ابن حامد؛ فلأن التكلم بمثل ذلك مجاز أو خطأ، وذلك ليس بشأن الصريح.

وأما كون قول: زنت يداك ورجلاك (2) صريحاً عند أبي بكر؛ [فلأن ذلك يطلق ويراد به زنى الفرج.

وأما كونه ليس صريحاً عند] (3) ابن حامد؛ فلأن النسبة حقيقة إلى ما ذكر فلا يصرف إلى غيره.

قال: (وإن قال: زنأت في الجبل مهموزاً فهو صريح عند أبي بكر. وقال ابن حامد: إن كان يعرف العربية لم يكن صريحاً. وإن لم يقل: في الجبل فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين).

أما كون قوله: زنأت في الجبل مهموزاً صريحاً عند أبي بكر؛ فلأن العامة لا يفهمون من ذلك إلا القذف، ولا يفرقون بين مهموز وغيره. أشبه ما لو قال: زنيت في الجبل.

(1) في أ: زان.

(2)

في أ: أو رجلاك.

(3)

ساقط من د.

ص: 264

وأما كون ذلك ليس صريحاً عند ابن حامد إذا كان يعرف العربية؛ فلأن الظاهر من العالم أنه يريد مدلول اللفظ، وذلك هو الصعود. بخلاف غير العالم؛ فلأنه لا يفهم منه غير الزنى.

وأما كون قول ذلك إذا لم يقل معه في الجبل صريحاً وجهاً واحداً على وجه؛ [فلأنه مع عدم القول في الجبل يتمحض القذف.

وأما كونه كالتي قبلها على وجه] (1)؛ فلأنه بمعناها؛ لاشتراكهما في الهمز.

فعلى هذا يكون في ذلك وجهان:

أحدهما: يكون صريحاً في حق العامي والعالم بالعربية.

والثاني: يفرق بين العالم والعامي على ما تقدم تفصيله.

قال: (والكناية: نحو قوله لامرأته: قد فضحته وغطيت أو نكّست رأسه وجعلت له قروناً، وعلقت عليه أولاداً من غيره وأفسدت فراشه، أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنى، يا عفيف، أو يا فاجرة يا قحبة يا خبيثة، أو يقول لعربي: يا نبطي يا فارسي يا رومي، أو يسمع رجلاً يقذف رجلاً فيقول: صدقت أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر: فهذا كناية إن فسره بما يحتمله غير القذف قُبل قوله في أحد الوجهين، وفي الآخر جميعه صريح).

أما كون ذلك كناية في وجهٍ فلأنه يحتمل إرادة غير الزنى؛ مثل أن يريد بقوله: قد فضحته أي بشكواك، أو برداءة أصلك، وبقوله: غطيت أو نكّست رأسه أي (2) حياء من الناس من ذلك، وبقوله: جعلتِ له قروناً أي أنه مسخرٌ لك مطيعٌ منقادٌ كالثور، وبقوله: علَّقتِ عليه أولاداً من غيره أي من زوج آخر أو وطء شبهة، وبقوله: أفسدت فراشه أي بالنشوز أو (3) بالشقاق ومنع الوطء، وبقوله: يا حلال ابن الحلال أنه كذلك حقيقة، وبقوله: ما يعرفك الناس بالزنى حقيقة النفي، وبقوله: يا عفيف كونه كذلك حقيقة، وبقوله: يا فاجرة كونها مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه، وبقوله: يا قحبة وبقوله: يا خبيثة برداءة

(1) ساقط من أ.

(2)

في د: أو.

(3)

في د: أي.

ص: 265

أصلها، وبقوله لعربي: يا نبطي يا فارسي يا رومي يا متخلقاً بأخلاق أحد هؤلاء، وبقوله: صدق عند سماعه رجلاً يقذف رجلاً أنه صادق في غير الأخبار المذكورة، وبقوله: أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه آخر (1) أني موافق للكذب. وإذا احتمل ذلك جميعه غير القذف تعين كونه كناية؛ لأن ذلك شأن كل الكنايات.

فعلى هذا إذا فسر كلامه بأحد الاحتمالات المذكورة أو ما يقوم مقامها قُبل؛ لأنه فسر كلامه بما يحتمله.

وأما كون جميع ذلك صريحاً في وجهٍ؛ فلأن الظاهر من حاله أنه لم يرد شيئاً مما ذكر، والغالب استعمال الألفاظ المذكورة في القذف. فوجب حملها عليه بظاهرَي الحال والاستعمال.

فعلى هذا إذا قال: أردت أحد هذه الاحتمالات لم يقبل قوله؛ لأن هذا شأن الصريح. ولهذا لو قال المطلق بصريح الطلاق: أردتُ غيره لم يقبل.

قال: (وإن قذف أهل بلد أو جماعة لا يتصور الزنى من جميعهم عُزِّر ولم يحد).

أما كون من ذكر يعزر؛ فلأنه واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وذلك موجود هاهنا.

وأما كونه لا يحد؛ فلأن الحد إنما وجب لما يلحق المقذوف من العار بالزنى، وذلك يستدعي إمكانه من فاعله، وذلك منتفٍ هاهنا. ضرورة عدم تصوره.

قال: (وإن قال لرجل: اقذفني فقذفه فهل يحد؟ على وجهين).

أما كون القاذف المذكور يُحد على وجه؛ فلأن الموجب له القذف، وهو موجود. وقول (2) [المقذوف: اقذفني لا أثر له؛ لأن القذف لا يباح بلا حاجة] (3).

وأما كونه لا يحد على وجه؛ فلأن المقذوف رضي بقذفه. أشبه ما لو قذف نفسه.

(1) في د: الآخر.

(2)

في د: قول.

(3)

ساقط من د.

ص: 266

وقال صاحب النهاية فيها: وعندي أن هذا -يعني الخلاف- ينبني على أن حد القذف هل هو حق لله أو لآدمي؟ فإن قيل: لله وجب، وإلا لم يجب. وهو معنى صحيح يجب أن يُلحظ.

قال: (وإن قال لامرأته: يا زانية قالت: بك زنيت لم تكن قاذفة، ويسقط عنه الحد بتصديقها).

أما كون المرأة القائلة ما ذكر لا تكون قاذفة للقائل لها: يا زانية؛ فلأن ذلك لا يستعمل في القذف للقذف؛ لأنه لا يراد به حقيقة ذلك، ألا ترى أنه لو قيل لشخص: يا سارق فقال: معك سرقت لم يكن معناه الإخبار بالسرقة (1) بل معناه كما لم تسرق أنت فكذا أنا.

وأما كون الحد يسقط عن القاذف؛ فلأنه رماها بالزنا، وفي قولها: بك زنيت تصديق له، وذلك يوجب إسقاط الحد كما لو قال: زنيت فقالت: صدقت.

وقال أبو الخطاب في هدايته: يكون الرجل قاذفاً لها؛ لأنه نسبها إلى الزنى وتصديقها لم ترد به حقيقة الفعل بدليل أنه لو أريد ذلك لوجب كونها قاذفة له.

قال: (وإذا (2) قُذفت المرأة لم يكن لولدها المطالبة إذا كانت الأم في الحياة. وإن قذفت وهي ميتة. مسلمة كانت أو كافرة. حرة أو أمة: حد القاذف إذا طالب الابن وكان حراً مسلماً. ذكره الخرقي. وقال أبو بكر: لا يجب الحد بقذف ميتة).

أما كون المرأة إذا قُذفت لا يكون لولدها المطالبة إذا كانت أمه في الحياة؛ فلأنه حق ثبت للتشفي. فلا يقوم فيه غير المستحق مقام المستحق، والمستحق هنا الأم. فلم يقم الولد مقامها.

وأما كونها إذا قُذفت ميتة يحد القاذف على ما ذكره الخرقي؛ فلأن القاذف قَدَح في نسب الحي، وذلك أنه إذا قذف أمه فقد نسبه إلى أنه ولد من زنى.

وفي قول المصنف رحمه الله: مسلمة كانت أو كافرة حرة أو أمة إشعار بأن الحد هنا لم يجب للولد بطريق الإرث؛ لأنه لو وجب على سبيل الإرث لاعتبر

(1) في أ: بالسراقة.

(2)

في أ: فإذا.

ص: 267

شرائط الإحصان في المقذوف. وقد صرح بذلك المصنف رحمه الله في المغني فقال: إنما ملك الابن مطالبة القاذف؛ لأنه قدح في نسب الحي.

وأما قوله: إذا طالب الابن وكان حراً مسلماً فشروط في حد القذف: أما الطلب؛ فلأنه حق من الحقوق فلا يستوفى بغير طلب مستحقه؛ كسائر الحقوق.

وأما حرية الابن وإسلامه؛ فلأن الحد وجب للقدح في نسبه. فإذا لم يكن كذلك لم يجب الحد.

ولأن القدح في نسب الحي ليس أسوأ حالاً من نسبة الحي نفسه إلى الزنى، ولو قذف الحي بالزنى اعتبر حريته وإسلامه. فكذا هاهنا.

وأما كون الحد لا يجب بقذف ميتة على قول أبي بكر؛ فلأن الميتة لا تعيَّر والحي لم يقدح فيه، وذلك شبهة يدرأ بها الحد.

ولأنه يحتمل أن الأم لو كانت حية لصدقته، وذلك شبهة توجب سقوط الحد.

قال: (وإن مات المقذوف سقط الحد، ومن قذف أمّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً كان أو كافراً).

أما كون الحد يسقط إذا مات المقذوف؛ فلأن شرطه (1) مطالبة مستحقه به، وهي لا تتصور مع موته.

وأما كون من قذفَ أمّ النبي صلى الله عليه وسلم يقتل؛ فلأنه يكفر بقذفه لها؛ لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر.

وأما كون من فعل ذلك يقتل مسلماً كان أو كافراً؛ فلاستوائهما في الموجب للقتل.

ولأن المسلم إذا قتل بذلك. فلأن يقتل الكافر بطريق الأولى.

(1) في أ: شروطه.

ص: 268

قال: (وإن قذف الجماعة بكلمة واحدة (1) فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم. وعنه: إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حداً. وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حداً. وإن حُدَّ القاذف فأعاده لم يعد عليه الحد).

أما كون من قذف الجماعة بكلمة واحدة يحد حداً واحداً على المذهب؛ فلأنه قذف واحد. فلم يجب فيه إلا حد واحد.

ولأن الحد إنما وجب لإدخال المَعْيرة على المقذوف بقذفه، وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وترك المعيرة. فوجب أن يكتفى به.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا طالبوا أو واحد منهم؛ فبيان لاشتراط الطلب لوجوب الحد؛ لأن الحد حق. فلم يُستوف بغير طلب؛ كالمال.

وأما كونه يحد لكل واحد حداً إذا طالبوا متفرقين على روايةٍ؛ فلأنه إذا طلب واحد أولاً لزم إقامة الحد من أجله، وإذا طلب الآخر لزم أيضاً.

وأما كون من قذفهم بكلمات يحد لكل واحد حداً؛ فلأن حدود القذف حقوق آدميين. فلم تتداخل؛ كالديون والقصاص.

وأما كون من حُدّ للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد؛ فلأنه حُد به مرة. فلم يحد به ثانياً.

(1) في د: واحد.

ص: 269