الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ديات الأعضاء ومنافعها
قال المصنف رحمه الله: (ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية. وهو: الذكر، والأنف، واللسان الناطق، ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء).
أما كون من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد عليه فيه الدية؛ فلأن إتلاف ذلك إذهاب منفعة الجنس، وإذهابها كإتلاف النفس، وإتلاف النفس فيه الدية. فكذلك ما هو في معناه، وفي كتاب عمرو بن حزم «وفي الذَّكرِ الدية، وفي الأنفِ إذا أُوعِبَ جَدْعًا الدية، وفي اللسان الدية» (1).
وأما قول المصنف رحمه الله: وهو الذكر
…
إلى آخره؛ فبيان لما في الإنسان منه شيء واحد.
فإن قيل: لم يساوى لسان الصبي الذي يحركه بالبكاء لسان الناطق؟
قيل: لعموم الحديث.
ولأن لسان الصبي متأهل لأن يتكلم به صاحبه. فوجب فيه الدية كاملة؛ كاللسان الناطق.
وتقييد المصنف رحمه الله اللسان بأحد الشيئين مشعر بأن الدية لا تجب في لسان الأخرس. وهو صحيح صرح به في المغني.
ووجهه بأن منفعته المقصودة قد ذهبت. أشبه اليد الشلاء.
قال (2): ([وما فيه منه شيئان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها؛ كالعينين، والأذنين، والشفتين] (3)، واللحيين، وثديي المرأة، وثَنْدُوَتَي الرجل،
(1) سبق تخريجه ص: 112
(2)
في د: وقال.
(3)
ساقط من أ.
واليدين، والرجلين، والإليتين، والأنثيين، وأسكتي المرأة. وعنه: في الشفة السفلى ثلثا الدية، وفي العليا ثلثها).
أما كون ما في الإنسان منه شيئان فيهما الدية؛ فلأن في إتلافهما ذهاب منفعة الجنس، وذلك كإتلاف النفس.
وأما كون أحدهما فيه نصفها؛ فلأن في إتلافه إذهاب نصف منفعة الجنس.
فعلى هذا في العينين وكل شيئين مما ذكر الدية، وفي كل واحد نصفها:
أما العينان؛ فلأنهما في الإنسان منه شيئان، وفي الحديث:«وفي العينينِ الدية» (1). رواه النسائي.
وأما العين الواحدة؛ فلأنها على النصف من العينين. فتكون على النصف من الدية، وفي الحديث:«وفي العينِ خمسُونَ من الإبل» (2). رواه مالك في الموطأ.
ولا فرق بين أن تكون العين كبيرة أو صغيرة أو مليحة أو قبيحة أو مريضة أو حولاء؛ لأن الحديث مطلق. فلا يجوز تقييده بغير دليل.
وأما الأذنان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان، وفي الحديث:«وفي الأُذنينِ الدية» (3).
ولأن فيهما جمالاً كاملاً ومنفعة ظاهرة. أشبها العينين.
وأما الأذن الواحدة؛ فلأنها على النصف من الأذنين فتكون على النصف من الدية.
ولأنهما مما في الإنسان منه شيئان. فوجب في كل واحد نصف الدية؛ كالعينين.
وأما الشفتان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان، وفي كتاب عمرو بن حزم:«وفي الشفتينِ الدية» (4).
(1) سبق تخريجه ص: 137.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (1) 2: 647 كتاب العقول، باب ذكر العقول.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 85 كتاب الديات، باب الأذنين.
(4)
سبق تخريجه ص: 137.
ولأن فيهما جمالاً ظاهراً ومنفعة كاملة. أشبها ما تقدم.
وأما الواحدة ففيها نصف الدية على المذهب؛ لأن ذلك يُروى عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما (1).
ولأن كل شيئين وجبت الدية فيهما وجبت الدية في أحدهما نصفها. دليله سائر الأعضاء المتقدم ذكرها.
وفي السفلى ثلثا الدية، وفي العليا ثلثها على روايةٍ؛ لأن ذلك يُروى عن زيد بن ثابت (2).
ولأن نفع السفلى أكثر؛ لأنها هي التي تدور وتتحرك وتحفظ الريق والطعام.
والأولى هي ظاهر المذهب؛ لما تقدم.
وقول زيد معارض بقول أبي بكر وعلي.
وأما اللحيان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان.
ولأن فيهما جمالاً ومنفعة. أشبها الأذنين.
فإن قيل: ما اللحيان؟
قيل: العظمان اللذان فيهما الأسنان.
وأما ثديا المرأة وثَنْدُوَتا الرجل؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان.
[وأما اليدان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان](3)، وفي الحديث:«وفي اليدينِ الدية» (4).
وأما الواحدة؛ فلأنها (5) على النصف من اليدين فتكون على النصف من الدية، وفي كتاب عمرو بن حزم:«وفي اليدِ خمسونَ من الإبل» (6).
وأما الرجلان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان، وفي الحديث:«وفي الرجلينِ الدية» (7).
(1) ذكره البيهقي في السنن الكبرى 8: 88 كتاب الديات، باب دية الشفتين. عن الشعبي.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (26903) 5: 361 كتاب الديات، الشفتان ما فيهما؟
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
هو في حديث عمرو بن حزم، وقد سبق تخريجه ص: 112
(5)
في أ: فلأنهما.
(6)
أخرجه النسائي في سننه (4856) 8: 59 كتاب القسامة، العقول.
(7)
هو في حديث عمرو بن حزم، وقد سبق تخريجه ص:112.
وأما الواحدة؛ فلأنها (1) على النصف من الرجلين فتكون على النصف من الدية، وفي الحديث:«وفي الواحدةِ -يعني الرجل- نصفُ الدية» (2).
وأما الإليتان؛ فلأنهما مما في الإنسان منه شيئان.
ولأن فيهما جمالاً ظاهراً ومنفعة كاملة. أشبها الثديين (3).
وأما الواحدة؛ فلأنها (4) على النصف من الإليتين فتكون على النصف من الدية.
قال: (وفي المنخرين ثلثا الدية، وفي الحاجز ثلثها. وعنه: في المنخرين الدية، وفي الحاجز حكومة).
أما كون المنخرين فيهما ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها على المذهب؛ فلأن المارن يشتمل على ثلاثة أشياء: منخرين وحاجز. فوجب توزيع الدية على عدد ذلك؛ كسائر ما في الإنسان منه عدد من جنس.
وأما كون المنخرين فيهما الدية على روايةٍ؛ فلأنهما لا ثالث لهما. أشبها اليدين.
ولأن بقطع المنخرين يذهب الجمال كله والمنفعة. فوجب أن تجب فيهما الدية؛ كسائر ما تقدم ذكره.
وأما كون الحاجز فيه حكومة؛ فلأنه لا تقدير فيه.
قال: (وفي الأجفان الأربعة الدية [وفي كل واحد ربعها] (5».
أما كون الأجفان الأربعة فيها الدية؛ فلأن في إتلافها إذهاب (6) منفعة جنس. أشبهت اليدين.
(1) في أ: فلأنهما.
(2)
هو في حديث عمرو بن حزم، وقد سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في د: ولأنهما جمالا ظاهرا ومنفعة كاملة. أشبها اليدين.
(4)
في أ: فلأنهما.
(5)
زيادة من المقنع
(6)
في د: فلأن في إتلافها على هذه الحالة ذهاب.
وأما كون كل واحد منها (1) فيه ربعها؛ فلأن كل ذي عدد يجب في جميعه الدية يجب في الواحد منه بحصته من الدية؛ كاليدين والرجلين.
قال: (وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين الدية، وفي كل أصبع عشرها، وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي (2) كل مفصل نصف عقلها، وفي الظفر خمس دية الأصبع).
أما كون أصابع اليدين فيها الدية؛ فلأن في إتلاف ذلك إذهاب منفعة جنس، وفي الحديث:«في كلِّ إصْبعٍ عشرٌ من الإبل» (3) وأصابع اليدين عشر فيلزم أن يكون فيها مائة، وذلك هو الدية.
وأما كون أصابع الرجلين فيها (4) الدية؛ فلما ذكر في أصابع اليدين.
وأما كون كل أصبع فيها عشر الدية؛ فلما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ديةُ أصابعِ اليدينِ والرجلينِ عشرٌ من الإبلِ لكلِّ أُصْبُع» (5) أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وفي حديث آخر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذهِ وهذهِ سواءٌ يعني الإبهامَ والخنصَر» (6) أخرجه البخاري وأبو داود.
وأما كون كل أنملة غير الإبهام فيها ثلث عقل الإصبع؛ فلأن كل أنملة ليست إبهام ثلاث مفاصل.
وأما كون كل مفصل من الإبهام فيه نصف عقلها؛ فلأنهما مفصلان.
(1) في أ: منهما.
(2)
في أ: وفي.
(3)
تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه ص: 140.
(4)
في أ: فيهما.
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه (1391) 4: 13 كتاب الديات، باب ما جاء في دية الأصابع.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (6500) 6: 2526 كتاب الديات، باب دية الأصابع.
وأخرجه أبو داود في سننه (4558) 4: 188 كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1392) 4: 14 كتاب الديات، باب ما جاء في دية الأصابع.
وأخرجه النسائي في سننه (4847) 8: 56 كتاب القسامة، باب عقل الأصابع.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2652) 2: 885 كتاب الديات، باب دية الأصابع.
وأما كون الظفر فيه خمس دية (1) الإصبع؛ فلأن
…
(2).
قال: (وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد ثغر (3) والأضراس والأنياب؛ كالأسنان. ويحتمل أن يجب في جميعها دية واحدة).
أما كون كل سن فيها خمس من الإبل على المذهب؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في السنِ خمسٌ من الإبل» (4). رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الأسنانِ خمسٌ خمسٌ (5» ) (6). رواه أبو داود.
فعلى هذا يجب في جميعها مائة وستون بعيراً لأنها اثنان وثلاثون.
وأما كونه يحتمل أن يجب في جميعها دية واحدة؛ فلأنها ذو عدد تجب فيه الدية. فلم يزد (7) على الدية؛ كالأصابع والأجفان وسائر ما في الإنسان منه شيء واحد.
ولأنها تشتمل على منفعة جنس. فلم تزد ديتها على الدية؛ كسائر منافع الجنس. وهذا الاحتمال ذكره المصنف رحمه الله في المغني رواية.
والأول أولى؛ لأن دليل الثانية قياس في مقابلة النص فلا يصح.
فإن قيل: ما معنى ممن ثغر ولم اشترط ذلك؟
قيل: معناه ممن أبدل أسنانه وبلغ حداً إذا قلعت سنه لم يعد بدلها. وإنما اشترط ذلك؛ لأن من لم يبلغ ذلك العادةُ جارية بعود سنه. فلم تجب فيها في الحال شيء؛ كنتف شعره.
(1) ساقط من أ.
(2)
بياض في الأصل مقدار ربع سطر.
(3)
في أ: بمن قد أثغر.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
ساقط من د.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه (4563) 4: 189 كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.
(7)
في أ: فلم يجب يزد.
فعلى هذا ينتظر عودها فإن عادت تبين أنه لم يجب له دية السن، وإن لم تعد ومضت مدة يئس من عودها وجبت ديتها لأن عودها صار مأيوساً. أشبه ما إذا قلعها ممن ثغر. نص عليه الإمام أحمد؛ لأن (1) [الغالب أن يعود فيها.
وقال القاضي: إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أُخذت ديتها لأن الغالب أنها] (2) لا تعود بعد ذلك.
وأما كون الأضراس والأنياب كالأسنان؛ فلما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابعُ سواءٌ، والأسنانُ سواءٌ، السنُّ (3) والضرسُ سواءٌ هذه وهذه سواء» (4). رواه أبو داود.
وفي الحديث المتقدم: «وفي الأسنانِ خمسٌ خمسٌ» (5). ولم يفصل فيدخل الأضراس والأنياب في ذلك.
ولأن (6) كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع (7) كالأصابع والأجفان.
قال: (وتجب دية اليد والرجل في قطعهما من الكوع والكعب. فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه. وقال القاضي: في الزائد حكومة).
أما كون الدية تجب في قطع اليد من الكوع؛ فلأن اليد المطلقة في الشرع محمولة على ذلك. بدليل قطع السارق والمسح في التيمم.
وأما كونها تجب في قطع الرجل من الكعب؛ فلأن الكعب من الرجل بمنزلة الكوع من اليد، ولذلك إذا سرق ثانياً قطعت رجله من كعبها.
(1) في أ: لأنها.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في د: والسن.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (4559) 4: 188 كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.
(5)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(6)
في أ: لأن.
(7)
في د: على المعدود المنافع.
وأما كون من قطع [اليد من فوق](1) الكوع، والرجل من فوق الكعب لا يزاد على الدية في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن اليد اسم للجميع إلى المنكب، والرجل اسم للجميع إلى الفخذ.
فإن قيل: فيجب أن لا يجب بقطعها من الكوع الدية.
قيل: لا يلزم من وجوب الدية في شيء عدم وجوبها فيما دونه. بدليل أن الدية تجب في اليد من الكوع، وتجب في قطع الأصابع دون الكف.
وأما كون الزائد فيه حكومة على قول القاضي؛ فكما لو قطع يده من الكوع ثم قطع ذلك.
قال: (وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر ظاهر السن دية العضو كاملة. ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعاً دية وحكومة في القصبة).
أما كون مارن الأنف -وهو ما لان منه- (2) فيه دية الأنف كاملة؛ فلأن الجمال يذهب بذلك. أشبه الأنف كله.
وأما كون الأنف إذا استوعب جدعاً فيه الدية فقط؛ فلأنه روي عن طاوس أنه قال (3) في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفي (4) الأنفِ إذا أُوعِبَ مارِنُهُ جَدْعاً الدية» (5).
وأما كونه يحتمل أن يجب في المارن دية (6) وحكومة في القصبة؛ فلما تقدم في قطع اليد من فوق الكوع.
وأما كون حشفة الذكر فيها دية الذكر؛ فلأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منفعة اليد بالأصابع، وفي الأصابع بلا كف دية كاملة. فكذلك الحشفة.
(1) ساقط من أ.
(2)
ما بين المعترضتين ساقط من د.
(3)
في د: لأنه يروى أنه قال.
(4)
في أ: في.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 88 كتاب الديات، باب دية الأنف. نحوه.
(6)
ساقط من أ.
وأما كون حلمتي الثديين فيهما دية الثديين؛ فلأنه ذهب من الثديين ما تذهب المنفعة بذهابه. فوجب (1) ديتهما كاملة؛ كالأصابع من الكف وحشفة الذكر. بيان ذهاب المنفعة أن بهما يشرب الصبي ويرتضع (2) فيهما؛ كالأصابع في الكف.
وأما كون كسر ظاهر السن فيه دية السن؛ فلأنه هو المسمى سناً وما خفي باللثة يسمى سنخاً.
قال: (وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولاً بالحساب من ديته [يقدر بالأجزاء).
أما كون قطع ما ذكر فيه بالحساب من ديته] (3)؛ فلأن من (4) تجب الدية في جميعه يجب أن تجب في بعضه بالحساب.
وأما كون ذلك يقدر بالأجزاء؛ فلأن ذلك طريق إلى العلم بمقدار الجناية، وهو مطلوب؛ لما فيه من تحصيل العلم بمقدار الواجب.
وأما كون شق الحشفة طولاً بالحساب؛ فلأنه نقص. فيجب أن يجب بحسابه؛ كالقطع.
قال: (وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه، والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان، وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول: ديته. وعنه: في تسويد السن ثلث ديتها. وقال أبو بكر: فيها حكومة).
أما كون شلل العضو فيه ديته؛ فلأنه يذهب بشلله المنفعة المقصودة منه. فوجب أن تجب فيه الدية؛ كما لو جنى على عينه فذهب ضوؤها.
وأما كون إذهاب نفع العضو فيه ديته؛ فلأن ذلك في معنى شلله، وذلك يوجب الدية. فكذلك ما في معناه لأن التساوي معنى يوجب التساوي حكماً.
(1) في أ: فوجب فيهما.
(2)
في أ: ويرضع.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: ما.
وأما كون الجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان فيها دية الشفتين؛ فلأن الجاني الجناية المذكورة عطل منفعة الشفتين. فوجب أن تجب عليه ديتهما؛ كما لو أشلهما.
وأما كون تسويد السن فيه دية السن كاملة على المذهب؛ فلأنه قول زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف فكان إجماعاً.
ولأنه ذهب (1) جمالها بتسويدها. فكملت ديتها على من سودها؛ كما لو سود وجهه.
وأما كون ذلك فيه ثلث دية السن على روايةٍ؛ فلأنه منقول عن بعض الصحابة.
وأما كونه فيه حكومة على قول أبي بكر (2)؛ فلأنه لم تذهب منفعتها. أشبه ما لو تغير لون عينه وهو يبصر.
وأما كون تسويد الظفر بحيث لا يزول فيه دية الظفر؛ فلما ذكر في السن.
فإن قيل: هلا خرج فيه من الخلاف ما خرج في السن (3)؟
قال: (وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي، ولسان الأخرس، والعين القائمة، وشحمة الأذن، وذكر الخصي والعنين، والسن السوداء، والثدي دون حلمته، والذكر دون حشفته، وقصبة الأنف، واليد والإصبع الزائدتين (4): حكومة. وعنه: ثلث ديته. وعنه: في ذكر الخصي والعنين كمال ديته).
أما كون العضو الأشل من اليد فيه حكومة على الأول؛ فلأنها يد لا منفعة فيها. أشبهت اليد الزائدة.
(1) في أ: أذهب.
(2)
في أ: القاضي.
(3)
كذا في الأصول.
(4)
في أ: الزائدة.
وأما كونها فيها ثلث دية اليد على روايةٍ؛ فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اليدِ الشلاءِ إذا قُطِعتْ بِثُلُثِ ديتِها» (1).
وهذه أولى؛ لأن دليل الأول قياس في مقابلة النص.
ولأن ذلك يروى عن عمر بن الخطاب (2).
ولأن اليد المذكورة كاملة الصورة. فوجب أن يكون فيها مقدر؛ كالصحيحة.
وأما كون العضو الأشل من الرجل والذكر والثدي فيه الروايتان المذكورتان؛ فلأنه كاليد الشلاء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.
وأما كون لسان الأخرس فيه الروايتان المذكورتان؛ فلأن خرس اللسان كشلل الأعضاء المذكورة. فوجب أن يخرج فيه ما خرج في العضو الأشل.
وأما كون العين القائمة فيه الروايتان المذكورتان؛ فلأنها في معنى اليد الشلاء. ويعضده أن في حديث عمرو بن شعيب المتقدم ذكره: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العينِ القائمةِ السَّادة (3) لمكانِها بُثلُثِ الدية» (4).
وأما كون شحمة الأذن فيها الروايتان المذكورتان (5).
وأما كون ذكر الخصي والعنين فيه حكومة على الأول؛ فلأن نفعه ذهب. أشبه العضو الأشل.
وأما كونه فيه ثلث دية (6) الذكر على روايةٍ؛ فلأن منفعة الإنزل والإحبال معدوم فيه. فلم تبلغ ديته الدية، ولم تنقص عن ثلثها؛ كالعين القائمة.
وأما كونه فيه كمال دية الذكر على روايةٍ؛ فلعموم قوله عليه السلام: «وفي الذَّكرِ الدية» (7).
(1) أخرجه النسائي في سننه (4840) 8: 55 كتاب القسامة، العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 98 كتاب الديات، باب ما جاء في العين القائمة واليد الشلاء.
(3)
في أ: الساد.
(4)
سبق تخريجه ص: 147.
(5)
كذا في الأصول.
(6)
ساقط من أ.
(7)
سبق تخريجه ص: 137.
وأما كون السن السوداء فيها الروايتان المذكورتان؛ فلأن سوادهما كشلل (1) اليد معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.
ويعضد رواية (2) ثلث دية السن أن في حديث عمرو بن شعيب المتقدم ذكره: «وفي السنِّ السودَاءِ إذا قُلِعَتْ ثلث ديتها» (3). رواه النسائي.
ولأنها كاملة الصورة. فكان فيها مقدّر؛ كالصحيحة.
وأما كون الثدي دون حلمته فيه الروايتان المذكورتان في اليد الشلاء؛ فلأن ذهاب الحلمة كالشلل في اليد؛ لأن نفع الثدي يذهب بذهاب الحلمة؛ كما يذهب نفع اليد بشللها.
وأما كون الذكر دون حشفته فيه الروايتان المذكورتان (4)؛ فلأن ذهاب الحشفة كالشلل؛ لاشتراكهما في ذهاب المنفعة.
وأما كون قصبة الأنف فيها الروايتان المذكورتان؛ فلأن نفع الأنف يذهب بذهاب القصبة. أشبه ذهاب منفعة اليد لشللها.
وأما كون اليد والإصبع الزائدتين فيهما الروايتان فبالقياس على اليد الشلاء.
والأولى أن فيهما الحكومة؛ لأن التقدير لا يصار إليه إلا بتوقيف، أو مماثلة لما فيه توقيف. وليس ما ذكر مماثلاً لليد الشلاء؛ [لأن اليد الشلاء](5) يحصل (6) بها الجمال، واليد الزائدة والإصبع الزائدة لا جمال فيها في الغالب.
(1) في أ: كالشلل.
(2)
ساقط من أ.
(3)
سبق تخريجه ص: 147.
(4)
ساقط من د.
(5)
ساقط من أ.
(6)
في أ: لا يحصل.
قال: (فلو قطع الأنثيين والذكر معاً أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان. ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين. وفي الذكر روايتان إحداهما: دية، والأخرى: حكومة أو ثلث الدية).
أما كون قطع الأنثيين والذكر معاً أو الذكر أولاً ثم الأنثيين يلزم قاطعهما ديتان؛ فلأن كل واحد منهما إذا قطع منفرداً وجبت ديته فإذا اجتمع قطعهما وجبت ديتان.
وأما كون قطع الأنثيين أولاً ثم الذكر يجب في الأنثيين ديتهما وفي الذكر الروايتان المتقدم ذكرهما؛ فلأن قطع الأنثيين لم يصادف ما يوجب نقصهما عن ديتهما، وقطع الذكر نظراً إلى أنه ذكر فيه دية الذكر (1)؛ لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«في الذكرِ الدية» (2)، ونظراً إلى أنه صادف ذكر خصي فيه ما تقدم في ذكر الخصي.
قال: (وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما [ففيه حكومة. وفي قطع الأشل منهما كمال ديته).
أما كون من ذُكر] (3) عليه في ذلك حكومة؛ فلأنه لا تقدير في ذلك، والحكومة واجبة في كل موضع لا مقدر فيه.
فإن قيل: شلل كل عضو بمنزلة قطعه. فلم لم يكن الأمر هاهنا كذلك؟
قيل: لأن نفع الأنف والأذن باق مع الشلل. بخلاف اليد فإن نفعها غير باق. وإنما قلنا أن نفع الأنف كونه مجرى اجتذاب الهواء، ونفع الأذن كونها تجمع الصوت ويمنع دخول الهوام في الصماخ، وذلك كله موجود مع الشلل.
وأما كون قطع الأشل من الأنف والأذن فيه كمال ديته؛ فلأنه صادف عضواً كامل المنفعة والجمال. أشبه الصحيح.
(1) من هنا سقط لوحة من د.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
ساقط من أ، وقد استدركنا المتن من المقنع، والباقي زيادة يقتضيها السياق.
قال: (وتجب الدية في الأنف الأخشم والمخزوم وأذني الأصم. وإن قطع أنفه فذهب شمه، أو أذنيه فذهب سمعه: وجبت ديتان. وسائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها لم تجب إلا دية واحدة).
أما كون أنف الأخشم والمخزوم تجب فيه الدية؛ فلقوله عليه السلام: «وفي الأنفِ إذا أُوعِبَ جَدْعاً الدية» (1).
وأما كون أذني الأصم تجب فيهما الدية؛ فلعموم قوله عليه السلام: «وفي الأذنينِ الدية» (2).
ولأن الصمم نقص في غير الأذن فلا يؤثر في دية الأذن.
وأما كون من قطع أنف شخص فذهب شمه، أو أذنيه فذهب سمعه عليه في ذلك ديتان؛ فلأن الشم في غير الأنف، والسمع في غير الإذن. فلم تدخل إحدى الديتين في الأخرى.
وأما كون سائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها لا تجب فيها إلا دية واحدة؛ فلأن تفويت (3) نفعه وقع ضمناً، والعضو الفائت ضمناً لا شيء فيه. دليله القتل فإنه وجب دية واحدة وإن أتلف أشياء وتجب بكل واحدة منهما الدية. ومما ذكر فارقت سائر الأعضاء، والأنف إذا ذهب معه الشم، والأذن إذا ذهب معها السمع لأن كل واحد من الأمرين في غير الأنف والأذن. فذهاب أحدهما مع الآخر ذهاب لما ليس أحدهما نفعاً للآخر. والله أعلم.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في أ: التفويت.
فصل في دية المنافع
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وفي كل حاسة دية كاملة. وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق. وكذلك تجب في الكلام، والعقل، والمشي، والأكل، والنكاح).
أما كون كل حاسة فيها دية كاملة؛ فلما يأتي ذكره في مواضعه.
وأما قول المصنف: وهي السمع والبصر والشم والذوق؛ فبيان لمعنى الحاسة وتعداد لها.
وأما كون السمع فيه دية كاملة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وفي السمعِ الدية» (1). وروي «أن عمر رضي الله قضى في رجلٍ رمى رجلاً بحجرٍ في رأسهِ فذهبَ سمعهُ وعقلهُ ولسانهُ ونكاحهُ بأربعِ دياتٍ والرجلُ حي» (2).
وأما كون البصر فيه دية كاملة؛ فلأنها إذا أوجبت بإذهاب السمع والشم؛ فلأن تجب بإذهاب البصر بطريق الأولى؛ لأن انتفاع الإنسان بضوء عينيه أكثر من انتفاعه بالسمع والشم.
وأما كون الشم فيه دية كاملة؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي المشامِّ الدية» (3).
ولأن إذهاب ذلك ذهاب حاسة تختص بمنفعة. فكان فيها الدية؛ كسائر الحواس.
وأما كون الذوق فيه دية كاملة؛ فلأن الذوق حاسة. أشبه بقية الحواس.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 85 كتاب الديات، باب السمع. ولفظه:«وفي السمع مائة من الإبل» .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 98 كتاب الديات، باب اجتماع الجراحات.
(3)
لم أجده هكذا. وإنما الذي في حديثه: «وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل» . وقد سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
قال المصنف في المغني: قياس المذهب أن لا دية فيه لأنه لا يُختلف في لسان الأخرس أنه لا تجب الدية فيه ولو وجب في الذوق الدية لوجبت في ذهابه فمع ذهاب اللسان بطريق الأولى.
قال: والصحيح إن شاء الله تعالى أنه لا دية منه لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته دونه. دليله سائر الأعضاء.
وأما كون الكلام كذلك أي تجب فيه دية كاملة؛ فلأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته. دليله اليد.
وأما كون العقل كذلك أي تجب فيه دية كاملة؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي العقلِ الدية» (1).
ولأن العقل أكبر المعاني قدراً وأعظم الحواس نفعاً فإن به يتميز من البهيمة ويعرف به صحة (2) حقائق المعلومات ويهتدي به إلى المصالح ويدخل به في التكليف. وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات. فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس.
وأما كون المشي كذلك أي يجب فيه دية كاملة؛ فلأن في كتاب عمرو بن حزم: «وفي الصلبِ الدية» (3).
ولأن في المشي منفعة مقصودة. أشبه الكلام.
وأما كون الأكل كذلك أي تجب فيه دية كاملة؛ فلأنه قول علي رضي الله عنه.
ولأن النكاح نفع مقصود. أشبه ذهاب المشي (4).
(1) ليس هذا في نسخة عمرو بن حزم. وقد ذكره البيهقي في السنن الكبرى عن معاذ بن جبل مرفوعاً لفظ: «وفي العقل مائة من الإبل» 8: 86 كتاب الديات، باب ذهاب العقل من الجناية. وقال: وروينا عن عمر، وزيد بن ثابت مثله.
(2)
إلى هنا نهاية السقط من د.
(3)
سبق تخريجه ص: 112.
(4)
كذا في الأصول.
قال: (وتجب في الحدَب والصّعَر. وهو: أن يضربه فيصير الوجه في جانب، وفي تسويد الوجه إذا لم يزل، وإذا لم يستمسك الغائط أو البول: ففي كل واحد من ذلك دية كاملة).
أما كون الحدَب تجب فيه دية كاملة؛ فلأن بذلك تذهب المنفعة والجمال لأن انتصاب القامة من كمال الجمال ومن شرف الآدمي على سائر الحيوان.
وأما كون الصَّعَر تجب فيه دية كاملة؛ فلأن مكحولاً روى عن زيد بن ثابت أنه قال: «وفي الصَّعر الدية» (1). ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان إجماعاً.
ولأن الصعر يذهب معه المنفعة والجمال. فوجب فيه دية كاملة؛ كسائر المنافع.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب؛ فبيان للصعر. وأصله داءٌ يأخذ البعيرَ يلتوي (2) له عنقه. قال الله تعالى: {ولا تُصَعِّر خدك للناس} [لقمان: 18]. أي ولا تعرض عنهم بوجهك تكبراً كإمالة وجه البعير الذي به الصَّعَر.
وأما كون تسويد الوجه إذا لم يزل فيه دية كاملة؛ فلأن بذلك يذهب كمال الجمال. فوجب أن تجب فيه كمال الدية؛ لما تقدم غير مرة.
وأما كون الغائط أو البول إذا لم يستمسك في كل واحد دية كاملة؛ فلأن كل واحد من محليهما فيه (3) منفعة ليس في البدن مثلها. فوجب في تفويتها دية كاملة؛ كسائر الأعضاء.
قال: (وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقَدْره؛ مثل: نقص العقل بأن يجن يوماً ويفيق يوماً، أو ذهاب بصر إحدى العينين، أو سمع إحدى الأذنين. وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفاً. ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للّسان فيها عمل دون الشفوية كالباء والفاء والميم. وإن لم يُعلم قدره مثل إن صار مدهوشاً أو نقص سمعه أو بصره أو شمه، أو حصل في كلامه
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (26898) 5: 360 كتاب الديات، إذا أصابه صعر ما فيه؟
(2)
في أ: فيلتوي.
(3)
في أ: فيه دية.
عجلة أو تمتمة، أو نقص مشيه، أو انحنى قليلاً، [أو تقلصت شفته بعض التقلص، أو تحركت سنه، أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك](1): ففيه حكومة).
أما كون نقص شيء مما ذكر إن علم بقدره؛ فلأن ما وجب في جميع الشيء وجب في بعضه بقدره؛ كإتلاف الأموال.
وأما قول المصنف رحمه الله: مثل نقص العقل بأن يجن يوماً ويفيق يوماً
…
إلى آخره؛ فبيان للنقص المعلوم قدره.
فعلى هذا يجب فيما ذُكر نصف الدية؛ لأن ذلك ذهاب نصف العقل، ويجب في ذهاب ضوء إحدى العينين نصف الدية؛ لأن ذلك نصف البصر، ويجب في ذهاب سمع إحدى الأذنين نصف الدية؛ لأن ذلك نصف السمع.
وأما كون بعض الكلام فيه بالحساب؛ فلأنه يساوي ما تقدم معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.
وأما كون ذلك يقسم على ثمانية وعشرين حرفاً؛ فلأن لكل حرف باللسان تعلقاً: إما لأنه فيه، وإما لأن ما ليس فيه لا ينتفع به إلا مع الحرف اللساني.
وأما كونه يحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية؛ فلأن الجناية صادفت اللسان. فوجب أن يعتبر ما له عمل فيها.
فإن قيل: لم سقطت لا من الحساب [على الأول؟ وما الحروف التي للسان فيها عمل](2)؟
قيل: أما سقوط لا من الحساب؛ فلأن (3) مخرجها مخرج الألف واللام. وأما الحروف التي للسان فيها عمل فقال المصنف رحمه الله في المغني: الحروف الشفوية أربعة: الباء والميم والفاء والواو، والحروف الحلقية: الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين. فهذه عشرة بقي ثمانية عشر.
(1) ساقط من أ.
(2)
مثل السابق.
(3)
في أ: قيل لأن.
فعلى هذا الباقي من الحروف هو: التاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والقاف والكاف واللام والنون والياء.
وأما كون ما لا يعلم قدره كما مثل المصنف رحمه الله فيه حكومة؛ فلأن ذلك كله لا يمكن تقديره لعدم العلم بمقداره. فوجب أن تجب فيه حكومة؛ كسائر ما لا تقدير فيه.
قال: (وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما. فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان: وجب نصف الدية).
أما كون ما ذكر يعتبر فيه الأكثر؛ فلأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون (1) بالدية منفرداً ومجموعهما (2) مضموناً بها. فإذا اجتمعا وجب اعتبار الأكثر.
وأما كونه يجب فيه نصف الدية؛ فلأن الأكثر من الذاهب يوجب (3) ذلك.
قال: (وإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته: فعلى الأول نصف الدية، وعلى الثاني نصفها. ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان).
أما كون الأول عليه نصف الدية؛ فلأنه ذهب بجنايته نصف الكلام.
وأما كون الثاني عليه نصفها لا غير على المذهب؛ فلأن اللسان ذهب بجنايتهما وقد ضمن الأول نصف الدية. فوجب أن يكون الباقي على الثاني.
وأما كونه يحتمل أن يجب عليه نصف الدية والحكومة: أما نصف الدية؛ فلأنه ذهب بجنايته نصف الكلام. وأما الحكومة؛ فلأن الزائد على نصف اللسان أشل ولا حظ له في الدية. فوجب أن تجب فيه حكومة.
(1) في أ: مضمونة.
(2)
في د: مجموعا.
(3)
في أ: فوجب.
قال: (وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم تجب إلا دية. وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان).
أما كون من قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لا تجب له (1) إلا دية؛ فلأن فوات النطق والذوق حصل ضمناً. فلم يجب بهما شيء؛ كسائر الأعضاء مع النفس.
وأما كون من ذهب نطقه وذوقه مع بقاء اللسان فيه ديتان؛ فلأن كل واحد منهما ذاهب لا على سبيل التبع. أشبه ما لو أذهب واحداً بعد واحد.
قال: (وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان. ويحتمل أن تجب دية واحدة).
أما كون [ما ذكر](2) فيه ديتان على المذهب؛ فلأن المشي والنكاح متعتان تجب الدية بذهاب كل واحد منهما منفرداً. فإذا اجتمعا وجب فيهما ديتان؛ كالسمع والبصر.
وأما كونه يحتمل أن تجب دية واحدة؛ فلأنهما نفع عضو واحد. فلم تجب فيها أكثر من دية واحدة؛ كما لو قطع لسانه فذهب كلامه وذوقه.
قال: (وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه. وإن اختلفا في ذهاب بصره أُري أهل الخبرة به (3) وقرّب الشيء إلى عينه في وقت غفلته. وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته، وتتبع بالرائحة المنتنة، وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه، وإلا فالقول قوله مع يمينه).
أما كون القول قول المجني عليه إذا اختلف هو والجاني في نقص البصر والسمع؛ فلأن ذلك لا يعرف إلا من جهته. فكان القول قوله فيه؛ كما أن القول قول المرأة في حيضها لكونه لا يعلم إلا من جهتها.
(1) ساقط من أ.
(2)
ساقط من د.
(3)
ساقط من أ.
وأما كونه يُرى أهل الخبرة إذا اختلف هو والجاني في ذهاب بصره؛ فلأن ذلك تمكن معرفته منهم وهم فيما يخبرون به كالبيّنة.
وأما كونه يقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته؛ فلأن ذلك يعلم به أَذَهَبَ بصره أم لا؟ .
وأما كونه يصاح به في وقت غفلته إذا ادعى ذهاب سمعه، ويتتبع بالرائحة المنتنة إذا ادعى ذهاب شمه، ويطعم الأشياء المرة إذا ادعى ذهاب ذوقه؛ فلأن كل واحد مما ذكر يمكن الاستعلام به هل صدق في دعواه [أو كذب، ولذلك لم يرجع إلى قوله فيما إذا ادعاه.
وأما (1) كونه تسقط دعواه] (2) إذا فزع عندما يدنو إلى بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة المنتنة أو الطعم المر؛ فلأن ذلك دليل على كذبه.
وأما كون القول قوله إذا لم يوجد منه ذلك؛ فلأن الظاهر صدقه.
(1) في أ: أما.
(2)
ساقط من أ.
فصل [لا تجب دية الجرح حتى يندمل]
قال المصنف رحمه الله: (ولا تجب دية الجرح حتى يندمل، ولا دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييئس من عودها).
أما كون دية الجرح لا تجب حتى يندمل؛ فلأن الدية في الخطأ نظير القصاص في العمد، ولا يقتص من الجرح في العمد حتى يندمل. فكذلك لا تجب الدية في الخطأ حتى تندمل.
وأما كون دية سن أو ظفر أو منفعة لا تجب حتى ييئس من عودها؛ فلأن اليأس من العود فيما ذكر كالاندمال في الجرح، ودية الجرح لا تجب حتى يندمل. فكذلك لا تجب دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس (1) من العود.
قال: (ولو قلع سن كبير أو ظفره (2) ثم نبت أو رده فالتحم، أو أذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد: سقطت ديته. وإن كان قد أخذها ردّها. وإن عاد ناقصاً، أو عادت السن أو الظفر قصيراً أو متغيراً فعليه أرش نقصه. وعنه: في قلع الظفر إذا نبت على صفته خمسة دنانير، وإن نبت أسود ففيه عشرة).
أما كون من قلع سن كبير أو ظفره (3) ثم نبت تسقط ديته؛ فلأن المجني عليه عاد له مثل ما جني عليه. فلم تجب له دية؛ كما لو قلع (4) من صبي لم يثغر.
(1) في د: يئس.
(2)
في أ: ظفرا.
(3)
مثل السابق.
(4)
في أ: قطع.
وأما كون من قلع ذلك ثم رده فالتحم تسقط ديته؛ فلأن ذلك في معنى نبات السن، وإذا (1) نبت تسقط. فكذلك ما هو في معنى (2) النبات.
وأما كون من أذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد تسقط ديته؛ فلما ذكر في السنّ.
وأما كون المجني عليه يردها إن كان قد أخذها؛ فلأنه تبين أنه لا حق له فيها. أشبه ما لو أخذ من شخص شيئاً ظناً منه أنه حقه ثم تبين أنه لا حق له في ذلك فإنه يجب عليه رد ما أخذ. فكذلك هاهنا.
وأما كون الجاني عليه أرش النقص إذا عاد السمع أو البصر أو الشم ناقصاً؛ فلأن ذلك بمنزلة ما لو نقص ذلك ابتداء.
وأما كونه عليه أرش نقص السن إذا عادت قصيرة أو متغيراً (3)؛ فلأن ذلك نقصٌ فيها وعود الشيء ناقصاً يوجب لوجوب أرش النقص؛ لما تقدم.
وأما كونه عليه أرش نقص الظفر إذا عاد قصيراً أو متغيراً على المذهب؛ فلأنه نقص. فكان عليه أرش نقصه؛ كالسنّ.
وأما كون قلع الظفر إذا نبت على صفته فيه خمسة دنانير، وإن نبت أسود ففيه عشرة على روايةٍ.
قال: (وإن قلع (4) سن صغير ويئس من عودها وجبت ديتها. وقال القاضي: فيها حكومة).
أما كون دية السن الموصوفة بما ذكر تجب على المذهب؛ فلأنه تيقن أنه قلع سناً مأيوساً من عودها. فوجب أن تجب ديتها؛ كما لو قلعها من كبير.
وأما كونها فيها حكومة على قول القاضي؛ فلأن السن المذكورة لا تساوي سن الكبير. بدليل أن الدية عند القلع. فوجب أن لا يكون الواجبُ فيها الواجبَ فيها، وذلك يقتضي وجوب الحكومة؛ لأنها جناية لا مقدر فيها.
(1) ساقط من أ.
(2)
في أ: معناه.
(3)
في أ: متغيبة.
(4)
في أ: قطع.
والأولى أولى؛ لعموم قوله عليه السلام: «وفي السنِ خمسٌ من الإبل» (1). ودعوى عدم المساواة بينها وبين السن الكبيرة ممنوعة وما ذكر من الفرق بعدم الوجوب عند القلع فلأمر. وهو: أن العادة جارية بنبات سن الصغير، وشرط الوجوب اليٍأس من العود. فإذا أيس من عود سنه صار بمنزلة سن الكبير فلا فرق.
فإن قيل: متى ييأس من عودها؟
قيل: المنقول عن الإمام أحمد بعد سنة؛ لأن ذلك هو الغالب في نباتها.
وقال القاضي: إذا سقطت أخواتها ثم نبتت ولم تنبت هي؛ لأن الحال دلّ على ذلك.
قال: (وإن مات المجني عليه فادعى الجاني عود ما أذهبه فأنكره الولي فالقول قول الولي.
وإن جنى على سنه اثنان واختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما).
أما كون القول قول الولي في إنكاره لعود ما ادعى الجاني عوده؛ فلأن قوله يعضده الأصل من حيث إن الأصل عدم العود.
وأما كون القول قول المجني عليه إذا جنى عليه اثنان واختلفا في قدر ما أتلف كل واحد منهما؛ فلأنه أعلم بذلك منهما.
(1) سبق تخريجه ص: 142.
فصل [في دية الشعر]
قال المصنف رحمه الله: (وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي: شعر الرأس، واللحية، والحاجبين، وأهداب العينين. وفي كل حاجب نصفها، وفي كل هدب ربعها، وفي بعض ذلك بقسطه من الدية. وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود. فإن عاد سقطت الدية).
أما كون كل واحد من الشعور الأربعة فيه الدية؛ فلأن في إذهاب كل واحد منها ذهاب منفعة جنس. أشبهت اليدين والرجلين وما أشبه ذلك.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين؛ فبيان للشعور الأربعة المتقدم ذكرها.
وأما كون كل حاجب فيه نصف الدية؛ فلأن ما وجب الدية في شيء وجب نصفها في نصفه؛ كاليدين.
وأما كون كل هدب فيه ربع الدية؛ فلأن في جميع الأهداب الدية وهي أربعة. فيجب أن يجب في كل هدب ربعها.
وأما كون بعض ذلك بقسطه من الدية؛ فلأن ما وجب الدية في جميعه وجب في بعضه بقسطه.
وأما قول المصنف رحمه الله: وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود؛ فبيان لاشتراط عدم عود الشعور المذكورة للوجوب المذكور. ووجهه: أن احتمال العود في العادة يمنع من الوجوب. دليله سن الصغير.
فعلى هذا إن أيس من عودها وجبت الدية. فإن عادت بعد ذلك سقطت؛ كالسن سواء.
قال: (وإذا أبقى (1) من لحيته ما لا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه، واحتمل أن يلزمه كمال الدية. وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن. وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان).
أما كون من أبقى من شعر لحية غيره ما لا جمال فيه يحتمل أن يلزمه بقسطه؛ فلأنه بقي (2) بعض ما كان به الجمال فوجبت بقسطه الدية على الفائت والباقي.
وأما كونه يحتمل أن يلزمه كمال الدية؛ فلأنه أذهب المقصود كله. أشبه ما لو أذهب ضوء العين.
ولأن جنايته ربما جرت (3) إلى إذهاب الباقي لزيادته في القبح على ذهاب الكل. فتكون جنايته سبباً لذهاب الكل. فأوجب ديته؛ كما لو ذهب بسراية الفعل، وكما لو احتاج في دواء شجة الرأس إلى ما (4) يذهب ضوء عينه.
وأما كون من قلع الجفن بهدبه لا يجب عليه إلا دية الجفن؛ فلأن ذلك يزول تبعاً لزوال الجفن. فلم يجب فيه شيء؛ كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه.
وأما كون من قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان عليه ديتهما ودية الأسنان؛ فلأن كل واحد لو انفرد تجب ديته، وليس أحدهما تبعاً للآخر. فإذا ذهبا وجبت ديتهما؛ كما لو جنى على أذنه فذهب سمعه وبصره.
فإن قيل: لم لا تدخل الأسنان في اللحيين لأن فواتها يقع ضمناً، ولذلك تدخل دية الأصابع في دية اليد؟ .
قيل: لوجوه ثلاثة:
أحدها: أن الأسنان مغروزة في اللحيين غير متصلة بها. بخلاف الأصابع.
والثاني: أن كل واحد من اللحيين والأسنان ينفرد باسمه، ولا يدخل أحدهما في اسم الآخر. بخلاف الكف والأصابع فإن اسم اليد يشملهما (5).
(1) في د: بقي.
(2)
ساقط من د.
(3)
في أ: حوجت.
(4)
ساقط من أ.
(5)
في د: يشملها.
والثالث: أن اللحيين يوجدان قبل وجود الأسنان في الخلقة ويبقيان بعد ذهابها في حق الكبير ومن تقلعت أسنانه عادة. بخلاف الكف والأصابع.
قال: (وإن قطع كفاً بأصابعه لم تجب إلا دية الأصابع. وإن قطع كفاً عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها وعليه أرش باقي الكف. وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها).
أما كون من قطع كفاً بأصابعه لا تجب عليه إلا دية الأصابع؛ فلأن تلف الأصابع وقع ضمناً لتلف اليد كما وقع تلف اليد ضمناً لتلف النفس. وفي تلف النفس لا تجب إلا دية النفس. فكذلك لا تجب بتلف الكف الذي عليه أصابعه إلا دية اليد.
فإن قيل: كلام المصنف رحمه الله مشعر بأن الدية للأصابع، وذلك يقتضي سقوط ما يجب في مقابلة الكف.
قيل: ظاهره ذلك وليس بمراد له، ولكن لما كان دية الأصابع كدية اليد أطلق اللفظ المذكور نظراً إلى المعنى. والعبارة المخلصة من الإشكال أن يقول: لم تجب إلا دية اليد كما ذكرتُ في الشرح.
وأما كون ما حاذى الأصابع يدخل في ديتها إذا قطع كفاً عليه بعض الأصابع؛ فلأن دخول الكل في الكل يقتضي دخول البعض في البعض.
وأما كون قاطع ذلك عليه أرش باقي الكف؛ فلأنه لم يوجد شيء يدخل فيه ضمان ذلك. أشبه ما لو لم يبق من يده إلا ذلك فقطعه.
وأما كون من قطع أنملة بظفرها ليس عليه إلا ديتها؛ فلأن الظفر في الأنملة كالإصبع في اليد.
فصل [في دية الأعور]
قال المصنف رحمه الله: (وفي عين الأعور دية كاملة. نص عليه).
أما كون عين الأعور فيها دية كاملة؛ فلأن عمر وعثمان وعلياً وابن عمر رضي الله عنهم قضوا بذلك (1)، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة فيكون إجماعاً.
ولأن قطع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله. فوجبت الدية؛ كما لو أذهبه من العينين. ودليل ذلك أنه يحصل بها ما يحصل بالعينين فإنه يرى الأشياء البعيدة ويدرك (2) الأشياء اللطيفة ويعمل أعمال البصير ويجوز أن يكون شاهداً أو قاضياً.
فإن قيل: لو صح أنه يذهب بذهاب العين العوراء البصر كله لم يكن في إذهاب إحدى العينين نصف الدية لأنه لم ينقص ضوء عينه وإنما انتقل.
قيل: لا يلزم من وجوب دية إحدى (3) العينين نقص دية الباقي (4) بدليل ما لو جنى عليهما فأحولتا أو نقص ضوؤهما فإنه يجب أرش النقص ولا تنقص ديتهما بذلك.
وأما قول المصنف رحمه الله: نص عليه؛ فتنبيه (5) على أن الإمام أحمد رضي الله عنه صرح بذلك.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 94 كتاب الديات، باب الصحيح يصيب عين الأعور والأعور يصيب عين الصحيح.
(2)
في د: ويدبر لنا.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
في د: الثاني.
(5)
في د: وأما كون المصنف رحمه الله تنبيه.
قال: (وإن قلع الأعورُ عين صحيح عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص. ويحتمل أن تقلع عينه ويعطى نصف الدية. وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية).
أما كون الأعور عليه دية كاملة إذا قلع عين صحيح عمداً. أي (1) إذا قلع إحدى عيني صحيح عمداً؛ فلأن القصاص لما تعذر لكون عينه بمنزلة عيني (2) صحيح وجب أن تجب دية عينه بمنزلة عينين لما تقدم من أن ضوء المقلوعة تنتقل إلى الباقية.
ولأن ضوء عين الأعور يذهب بذهابه جميع منفعة الجنس. أشبهت بمفردها عيني الصحيح.
ولأن الأعور أقيم مقام صحيح العينين في الشهادة والقضاء وغير ذلك. فكذلك هاهنا.
ولأن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا بذلك (3)، ولا يعرف لهما مخالف فكان إجماعاً.
وأما كونه يحتمل أن تقلع عين الأعور؛ فلعموم الأدلة المقتضية للقصاص.
وأما كونه يعطى مع ذلك نصف الدية؛ فلأن زيادة عينه على عين الصحيح زيادة معنوية. فوجب فيها ما ذكر؛ كما لو قتل رجل امرأة فإنه يقتل بها ويعطى ورثته نصف الدية.
وأما كونه عليه نصف الدية إذا قلعها خطأ؛ فلأن الأصل أن تجب في إحدى العينين نصف الدية. تُرك العمل به فيما تقدم لقضاء عمر وعثمان رضي الله عنهما وسقوط القصاص في موضع يقتضيه الأصل فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
قال: (وإن قلع عيني صحيح عمداً خُيّر بين قلع عينه ولا شيء له غيرها، وبين الدية).
(1) في د: فإن.
(2)
في أ: عين.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
أما كون الصحيح مخير بين قلع عين الأعور وبين الدية؛ فلأن (1) ذلك حكم الجناية عمداً في سائر المواضع. فكذلك يجب أن يكون هاهنا.
وأما كونه لا شيء له غير العين إذا قلعها؛ فلأن عين الأعور تقوم (2) مقام العينين بدليل قضاء الصحابة رضوان الله عليهم فيها بالدية كاملة.
قال: (وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله. وعنه: فيها دية كاملة).
أما كون يد الأقطع فيها نصف الدية على المذهب؛ فلأن اليد الواحدة لا يجب فيها إلا نصف الدية.
وأما كون رجله كذلك؛ فلما ذكر في يده.
وأما كون يده أو رجله فيها دية كاملة في روايةٍ؛ فقياس على عين الأعور.
والأولى أصح؛ لما تقدم، ولدخولهما في النصوص المقتضية لوجوب نصف الدية. والقياس على عين الأعور لا يصح لوجوه:
أحدها: أن عين الأعور حصل بها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا بالحقيقة إلا تفاوتاً يسيراً. بخلاف قطع اليد والرجل.
وثانيها: أن عين الأعور لم يختلف الحكم فيها باختلاف صفة الذهاب الأول. وهاهنا اختلف.
وثالثها: أن التقدير المذكور لا يصار إليه إلا بتوقيف ولم يوجد هاهنا. بخلاف الأعور.
(1) في أ: أما كون ما ذكر فلأن.
(2)
في د: تقام.