المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القسمة الأصل في القسمة الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٤

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب مقادير ديات النفس

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب كفارة القتل

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنى

- ‌باب القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذ كاة

- ‌كتاب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌باب في تعارض البينتين

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهادته

- ‌باب موانع الشهادة

- ‌باب أقسام المشهود به

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌باب اليمين في الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌باب القسمة الأصل في القسمة الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله

‌باب القسمة

الأصل في القسمة الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {ونبئهم أن الماء قسمةٌ بينهم كلُّ شِرْبٍ محتضَر} [القمر: 28].

وأما السنة؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الشفعةُ فيما لم ينقسم، فإذا وَقَعَتِ الحدودُ وصُرِّفَتِ (1) الطرُق فلا شُفعة» (2).

و«قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على ثمانية وعشرين سهمًا» (\ (3)، و «كان يقسم الغنائم» .

وأما الإجماع؛ فأجمع المسلمون في الجملة على جواز القسمة.

قال المصنف رحمه الله: (وقسمة الأملاك جائزة. وهي نوعان: قسمة تراضٍ. وهي: ما فيها ضرر، أو رد عوض من أحدهما كالدور الصغار والحمام والعضائد المتلاصقة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين مفردة).

أما كون قسمة الأملاك جائزة؛ فلما تقدم من الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله.

وأما كونها نوعين؛ فلأن منها: ما ينقسم عن تراضٍ، ومنها ما ينقسم عن إجبار.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهي؛ فإشارة إلى قسمة الأراضي. والضرر يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما قوله: كالدور

إلى آخره؛ فبيان لأشياء لا ينقسم إلا قسمة تراض.

(1) في د: وطرقت. وما أثبتناه من الصحيح.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2363) 2: 883 كتاب الشركة، باب الشركة في الأرضين وغيرها.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3010) 3: 159 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

ص: 578

قال: (والأرض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بالأجزاء والتعديل إذا رضوا بقسمتها أعياناً بالقيمة جاز).

أما كون قسمة الأرض المذكورة على الصفة المذكورة يجوز؛ فلأن الحق للشريكين. فإذا تراضيا بقسمةٍ موصوفةٍ لم يكن لأحد الاعتراضُ عليهما.

وأما كون ما ذكر من البئر أو البناء لا يمكن قسمته بالأجزاء والتعديل؛ فلأنه إذا كان يمكن قسمته بالأجزاء؛ مثل: أن يكون البئر واسعاً يمكن أن يجعل نصفها لواحدٍ ونصفها للآخر ويجعل بينهما حاجز في أعلاه، أو البناء كبيراً يجعل لكل واحد منهما نصفه، أو بالتعديل مثل: أن يكون في أحد جانبي الأرض بئر تساوي مائة وفي جانبها الآخر بناء يساوي مائة تكون القسمة قسمة إجبار لا قسمة تراضٍ؛ لأنه يمكن أن يجعل البئر لأحد الشريكين مع نصف الأرض والبناء للآخر مع نصف الأرض.

قال: (وهذه جارية مجرى البيع، لا يجبرُ عليها الممتنع منها، ولا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع).

أما قول المصنف: وهذه؛ فإشارة إلى قسمة التراضي.

وأما كونها جارية مجرى البيع؛ فلأنها في معناه.

وأما كون الممتنع منها لا يجبر؛ فلأن فيها إما ضرر، وإما رد عوض، وكلاهما لا يجبر الإنسان عليه: أما الأول؛ فلما فيه من الضرر.

وأما الثاني؛ فلأنه معاوضة، والمعاوضة لا يجبر عليها.

وأما كونها لا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع؛ فلأنها جارية مجراه. فوجب أن لا يجوز فيها إلا ما يجوز فيه.

قال: (والضرر المانع من القسمة هو: نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلامه، أو لا ينتفعان به مقسوماً في ظاهر كلام الخرقي).

أما كون المانع من القسمة نقص القيمة في ظاهر كلام الإمام؛ فلأن نقصان القيمة ضرر فينتفي بقوله عليه السلام: «لا ضَررَ ولا إضرار» (1).

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (85) 4: 228 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك.

ص: 579

وأما كونه لا ينتفعان به مقسوماً في ظاهر كلام الخرقي؛ فلأن ذلك ضرر شديد مفضٍ إلى إضاعة المال فيكون منهياً عنه. بخلاف نقصان القيمة فإن اعتباره يؤدي إلى بطلان القسمة غالباً. فوجب أن لا يعتبر.

قال: (فإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر؛ كرجلين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين بقسمها ويتضرر الآخر، فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر الآخر عليه. وإن طلبه الآخر أجبر الأول. وقال القاضي: إن طلبه الأول أجبر الآخر. وإن طلبه المضرور لم يجبر الآخر).

أما كون الضرر إذا كان على أحد الشريكين كما مثل المصنف رحمه الله وطلب من لا يتضرر القسم لا يجبر الآخر على قول غير القاضي؛ فلأن في ذلك ضرراً عليه وذلك نُفي بقوله عليه السلام: «لا ضَررَ ولا إضرار» (1).

وأما كونه يجبر على قوله؛ فلأن شريكه مالك طلب إفراز نصيبه الذي لا يستضر بتمييزه. فوجب إجابته إلى ذلك؛ كما لو كانا لا يستضران بالقسم.

والأول أولى؛ لما تقدم.

والقياس على من لا يستضران به مُعارض بالقياس على من يستضران.

وأما كون من عليه الضرر إذا طلب يجبر الآخر عليه على ما تقدم؛ فلأن الشريك طلب دفع ضرر الشركة على وجه لا يضر بصاحبه. فوجب أن يجبر على القسمة؛ كما لو لم يكن فيها ضرر.

وأما كونه لا يجبر؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال» (2). والمطلوب هنا يتضمن الإضاعة.

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (6862) 6: 2659 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (593) 3: 1341 كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة

ص: 580

إذا تقرر مأخذ الوجهين فقال المصنف رحمه الله في المغني: والأول أقيَس وأولى. وأجاب عن الحديث المذكور بأنه مخصوص بما إذا اتفقا على القسمة فإنها تجوز برضى المستضر، وما ذكر في معناه. فوجب إلحاقه به.

قال: (وإن كان بينهما عبيدٌ أو بهائمٌ أو ثيابٌ ونحوها فطلب أحدهما قسمها أعياناً بالقيمة لم يجبر الآخر عليه، وقال القاضي: يجبر).

أما كون قسم ما ذكر لا يجبر عليه على قول غير القاضي؛ فلأن الأعيان المذكورة لا يمكن قسم كل عينٍ منها. فلم يجز قسمها أعياناً بالقيمة؛ كما لو كان بين شريكين داران فطلب أحدهما قسم الدارين أعياناً بالقيمة.

وأما كونه يجبر عليه على قوله؛ فلأن الأعيان المذكورة إذا لم يمكن قسم كل عين صارت جميعها كالدار الواحدة؛ لأن اختلاف قيمة الجنس الواحد ليس بأكثر اختلافاً من قيمة الدار الكبيرة والقرية العظيمة فإن أراضي القرية تختلف، وصدر الدار خير من غيره، والاختلاف المذكور لم يمنع الإجبار على القيمة فكذا الجنس الواحد. وقد ظهر الفرق بين الأعيان المذكورة وبين الدار من حيث إن قسم كل عينٍ بما ذكر لا يمكن. بخلاف الدارين فإن قسم كل واحدة ممكنة.

قال: (وإن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمه. وإن استهدمَ لم يجبر على قسم عرصته. وقال أصحابنا: إن طلب قسمه طولاً بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض أجبر الممتنع. وإن طلب قسمه عرضاً وكانت تسع حائطين أجبر وإلا فلا).

أما كون الممتنع من قسم الحائط لا يجبر؛ فلأن في قسمه ضرراً وذلك مانع منه.

وأما كون الممتنع من قسم عرصته لا يجبر على قول غير أصحابنا؛ فلأنه موضع للحائط. أشبه الحائط.

وأما كونه يجبر إذا طلب قسمه طولاً كما تقدم ذكره وكونه يجبر إذا طلب قسمه عرضاً وكانت تسع حائطين على قول أصحابنا؛ فلأن ذلك لا ضرر فيه البتة.

ص: 581

وأما كونه لا يجبر إذا كانت التسع ذلك على قول أصحابنا؛ فلما فيه من الضرر.

قال: (وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل، أو كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها. وإن تراضيا على قسمها كذلك وعلى قسم المنافع بالمهايأة جاز).

أما كون الممتنع من قسم الدار علواً لأحدهما وسفلاً للآخر لا يجبر؛ فلأن العلو والسفل يجري مجرى الدارين المتلاصقين؛ لأن كل واحدٍ مسكن منفرد.

وأما كون الممتنع من قسم المنافع لا يجبر؛ فلأن الأصل مشاع فلا يصح أن ينفرد بعض الشريكين ببعض المنفعة. ضرورة أن المنفعة تابعة للأصل.

وأما كون قسم الدار على الوجه المذكور وقسم المنافع بالمهايأة يجوز مع التراضي؛ فلأن الحق لهما فإذا رضيا به جاز.

قال: (وإن كان بينهما أرضٌ ذاتُ زرعٍ فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت. وإن طلب قسمها مع الزرع أو قسم الزرع مفرداً لم يجبر الآخر. فإن تراضوا عليه والزرع قصيلٌ أو قطنٌ جاز. وإن كان بذراً أو سنابلَ قد اشتدّ حبُّها فهل يجوز؟ على وجهين. وقال القاضي: يجوز في السنابل، ولا يجوز في البذر).

أما كون الأرض ذات الزرع تقسم دون زرعها إذا طلب ذلك أحد الشريكين؛ فلأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار، والقماش يمنع القسم فكذلك الزرع.

فعلى هذا إذا قسمت بقي الزرع بينهما مشتركاً؛ لأن قسم الأرض بمنزلة ما لو باع أرضاً فيها زرع، وذلك يبقى إلى الحصاد لبائعه فكذلك الزرع في الأرض المقسومة يبقى على الإشاعة إلى حصاد.

وأما كون الممتنع من قسم الأرض مع الزرع لا يجبر؛ فلأن الزرع وحده لا يجبر على قسمه فكذا قسم الأرض مع الزرع؛ لأنها مشتملة على ما لا يجوز قسمه.

ص: 582

وقال المصنف رحمه الله في المغني: يجبر الممتنع؛ لأن الزرع كالشجر في الأرض، ولو كان لها شجر قسمت مع شجرها فكذلك هاهنا ولم يحك خلاف ذلك.

وأما كون الممتنع من قسم الزرع وحده لا يجبر؛ فلأن القسم لا بد فيه من تعديل المقسوم، وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن؛ لأنه يشترط بقاؤه في الأرض المشتركة.

وأما كونهم إذا تراضوا على قسم الأرض مع زرعها والزرع قصيلٌ أو قطنٌ يجوز؛ فلأن ذلك يُنتفع به في الحال على وجه لا جهالة فيه. فإذا وقع التراضي بقسمه جاز؛ كبيعه.

وأما كونه إذا كان بذراً أو سنابل قد اشتد حبها لا يجوز في وجه: أما في البذر؛ فلجهالته.

وأما في السنابل؛ فلأنه بيع بعضه ببعض مع عدم العلم بالتساوي، والجهل بالتساوي؛ كالعلم بالتفاضل.

وأما كونه يجوز فيهما في وجه؛ فلأن ذلك يدخل تبعاً. فلم يعتبر العلم به في القسم؛ كالجهل بالأساسات.

وأما كونه يجوز في السنابل ولا يجوز في البذر في وجه للقاضي؛ فلأن مافي السنابل يؤكل لا ما في البذر.

قال: (وإن كان بينهما نهرٌ أو قناةٌ أو عينٌ ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشترطا عند استخراج ذلك. فإن اتفقا على قسمه بالمهايأة جاز. وإن أرادا قسم ذلك بنصب خشبةٍ أو حجرٍ مستو في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز. فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضاً ليس لها رسمُ شربٍ من هذا النهر جاز. ويحتمل أن لا يجوز. ويجيءُ على أصلنا: أن الماء لا يملك، وينتفع كل واحد منهما على قدر حاجته).

أما كون الماء بين من استخرجه على ما وقع الاشتراط فيه عند الاستخراج؛ فلأن الماء من المباح فإن اتفق المستخرجان على قدر معلوم وجب اتباعه. دليله ما

ص: 583

لو اشترك رجلان في استخراج معدن على أن يكون لأحدهما الثلث وللآخر الباقي.

ولأن الماء مستخرج على وجه الشركة. فوجب اعتبار الشرط فيه. أشبه الرجلين يشتركان على عمل من الأعمال.

وأما كونهما إذا أرادا قسم ذلك بنصب خشبةٍ أو حجرٍ على الوجه المتقدم يجوز؛ فلأن ذلك طريق إلى وصول حق كل واحدٍ منهما إلى صاحبه. فجاز؛ كغيره من الطرق.

وأما كون أحدهما إذا أراد أن يسقي بنصيبه أرضاً ليس لها رسمُ شربٍ من النهر المذكور يجوز على الأول؛ فلأن الحق له، وصاحب الحق يتصرف فيه على حسب اختياره وإرادته.

وأما كونه يحتمل أن لا يجوز؛ فلأنه إذا سقى الأرض المذكورة ربما توهم مع طول الزمن أن لها حقاً في النهر المذكور. ولذلك لو كان لشخص دارٌ لها حائط إلى درب غير نافذ لم يكن له أن يفتح فيه صورة باب؛ لأنه ربما استدلّ به على ملك الاستطراق في الدرب، وليس له ذلك.

وأما كون كل واحد من الشريكين ينتفع بالماء على قدر حاجته بناء على قولنا: الماء لا يملك؛ فلأنه إذا لم يملك يكون من المباحات، والمباحُ ينتفع به كل محتاجٍ على قدر حاجته.

ص: 584

فصل [في قسمة الإجبار]

قال المصنف رحمه الله: (النوع الثاني: قسمة الإجبار وهي: ما لا ضرر فيها ولا رد عوض؛ كالأرض الواسعة، والقرى، والبساتين، والدور الكبار، والدكاكين الواسعة، والمكيلات والموزونات (1) من جنس واحدٍ. سواء كان مما مسّته النارُ؛ كالدبسِ وخلِ التمر، أو لم تمسه؛ كخل العنب والأدهان والألبان. فإذا طلب أحدهما قسمه وأبى الآخر أُجبر عليه).

أما كون النوع الثاني قسمة الإجبار؛ فلأنه يلي الأول وهو قسمة التراضي.

وأما كونها هي ما لا ضرر فيها ولا رد عوضٍ؛ فلأن الضرر منتفي بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضَررَ ولا إضرار» (2). ورد العوض منفي بأن القسمة تصير معه معاوضة، والمعاوضة لا يجبر عليها فلا تكون القسمة فيه قسمة إجبار.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالأرض الواسعة

إلى قوله: من جنسٍ واحدٍ؛ فبيان لصور تكون القسمة فيها قسمة إجبار.

وأما كون ذلك سواء كان مما مسّته النار أو لم تمسه النار؛ فلأن الغرض تمييز الحق، وذلك لا يختلف بالنسبة ما ذكر.

وأما كون من أبى من القسم المذكور يجبر عليه؛ فلأن ذلك يتضمن إزالة الضرر الحاصل بالشركة وحصول النفع للشريكين؛ لأن نصيب كل واحدٍ منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره، ويتمكن من إحداث الغرس والبناء فيه، وذلك لا يمكن مع الاشتراك.

قال: (وهذه القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب وليست بيعاً. فيجوز قسم الوقف. وإذا كان نصف العقار طلقاً ونصفه وقفاً جازت قسمته.

(1) في د: الموزونات.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 585

وتجوز قسمة الثمار خرصاً وقسمة ما يُكال وزناً وما يوزن كيلاً والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض. وإذا حلف لا يبيع فقسم له لم يحنث. وحكي عن أبي عبدالله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع فلا يجوز فيها ذلك).

أما كون هذه القسمة والمراد بها قسمة الإجبار إفراز حق أحد الشريكين من الآخر في ظاهر المذهب وليست بيعاً؛ فلأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك، ولا تجب فيها الشفعة، ويدخل فيها الإجبار، وتلزم بإخراج القرعة، ويتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر. والبيع بخلاف ذلك.

ولأنها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامها. فلم تكن بيعاً؛ كسائر العقود.

فعلى هذا يترتب على ذلك أمور:

أحدها: أنه يجوز قسم الوقف؛ لأن تمييز الوقف جائز.

وثانيها: أنه إذا كان نصف العقار طلقاً ونصفه وقفاً جازت قسمته أيضاً؛ لأنه إذا جازت قسمة الوقف المحض. فلأن تجوز قسمة ما بعضه طلقٌ وبعضه وقف بطريق الأولى.

وثالثها: أنه تجوز قسمة المكيل وزناً والموزون كيلاً؛ لأن الغرض التمييز لا البيع.

ورابعها: أنه يجوز التفرق في قسمة المكيل والموزون قبل القبض؛ لأن التفرق إنما منع منه في بيع ذلك قبل قبضه والتقدير: أن القسمة إفراز.

وخامسها: أنه إذا حلف حالفٌ أنه لا يبيع فقسم لم يحنث؛ لأن ذلك ليس ببيع.

وأما كونها كالبيع في روايةٍ؛ فلأنه يبدل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من القسم الآخر. وهذا حقيقة البيع.

فعلى هذا لا يجوز قسمة الوقف ولا ما بعضه وقفٌ؛ لأن بيع الوقف لا يجوز. ولا قسمة المكيل وزناً ولا الموزون كيلاً؛ لأن بيع المكيل لا يجوز وزناً وبيع الموزون لا يجوز كيلاً. ولا يجوز التفرق في قسمة المكيل والموزون قبل القبض؛ لأن التفرق في بيع ذلك قبل قبضه غير جائز. وإن حلف لا يبيع فقسم حنث؛ لأن القسمة بيع.

ص: 586

قال: (وإن كان بينهما أرضٌ بعضها يُسقى سيحاً وبعضها بعْلاً، أو في بعضها نحل وفي بعضها شجر فطلب أحدهما قسم كل عينٍ على حدةٍ وطلب الآخر قسمها أعياناً بالقيمة قُسمت كل عين على حدةٍ إذا أمكن).

أما كون كل عين تقسم على حدة فيما ذكر؛ فلأن قسم كل عين على حدةٍ أقرب إلى التعديل، وقد أمكن فتعين إجابة طالبه.

ولأن الحامل على القسمة زوال الشركة وهو حاصل فيما ذكر فتعينت إجابة طالبه؛ لأن ضرر صاحبه يزول بإجابته.

وأما كونها لا تقسم كل عين على حدةٍ إذا لم يمكن؛ فلعدم الإمكان.

فعلى هذا يقسم المجموع إن كان قابلاً للقسمة، وإلا فلا.

ص: 587

فصل [في نصب القاسم]

قال المصنف رحمه الله: (ويجوز للشركاء أن ينصبوا قاسماً يقسم بينهم. وإن يسألوا الحاكم نصب قاسم يقسم بينهم. ومن شرط من ينصب: أن يكون عدلاً عارفاً بالقسمة فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة. ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد بخروج القرعة حتى يرضيا بذلك).

أما كون الشركاء يجوز لهم أن ينصبوا قاسماً يقسم بينهم؛ فلأن الحق لهم لا يعدوهم.

وأما كونهم يجوز لهم أن يسألوا الحاكم نصب قاسم يقسم بينهم؛ فلأن طلبة ذلك حق لهم. فجاز أن يسألوه الحاكم؛ كغيره من الحقوق.

وأما كون من شرط من ينصب أن يكون عدلاً؛ فلأنه نائب الحاكم أو كنائبه.

وأما كون من شرطه أن يكون عارفاً بالقسم؛ فلأنه لا يتمكن من فعلها بطريق الحق إلا بذلك.

فإن قيل: الشرطان المذكوران مشروطان فيمن نصبه الشريكان أم فيمن نصبه الشريكان ونصبه الحاكم.

قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا عوده إليهما.

وقال في المغني: من شرط قاسم الحاكم العدالة، ومعرفة الحساب والقسمة. وإن نصبا -يعني الشريكين- قاسماً بينهما فكان على صفة قاسم الحاكم في العدالة والمعرفة فهو كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، وإن كان كافراً أو فاسقاً لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما بها. ويكون وجوده فيما يرجع إلى لزوم القسمة كعدمه.

ص: 588

وظاهره أنه يجوز للشريكين نصب من ليس بعدل لكن لا تكون قسمته لازمة إذا أخرجت القرعة.

وأما كون القسمة تلزم إذا أخرجت القرعة بعد تعديل السهام وكانت قسمة إجبار؛ فلأن قرعة قاسم الحاكم كحكم الحاكم. بدليل أنه مجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق. فوجب أن تلزم قرعته.

وأما كونها تلزم إذا كانت قسمة تراض وليست فيما فيه رد؛ فلأن قاسمهم كرجل حكموه بينهم، ولو حكموا رجلاً بينهم لزم حكمه. فكذلك إذا رضوا بقسمته.

وأما كونها تلزم إذا كانت قسمة تراضٍ وكان فيما فيه رد على المذهب؛ فلأن القاسم كالمحكم، وقرعته كحكمه.

وأما كونها يحتمل أن لا تلزم فيها؛ فلأنها بيع، والبيع لا يلزم إلا بالتراضي.

فإن قيل: فلم جيء بالقرعة؟

قيل: جيء بها لتميز البائع من المشتري.

قال: (وإذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين. وإن خلت من تقويم أجزأ قاسم واحد).

أما كون القسمة لا يجوز فيها أقل من قاسمين فيما فيها تقويم؛ فلأن ما فيه تقويم يفتقر إلى التقويم، والتقويم لا يصح إلا من اثنين.

وأما كون قاسم واحد يجزئ إذا خلت من تقويم؛ فلأن المحوج إلى القاسمين هو التقويم، وهو مفقود هاهنا.

ولأن القاسم بدل عن الحاكم، والحاكم يكون واحداً فكذلك القاسم.

قال: (وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمه، وذكر في كتاب القسمة: أن قسمه بمجرد دعواهم لا عن بينة شهدت لهم بملكهم. وإن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه).

أما كون الحاكم يقسم ما ذكر؛ فلأن اليد دليل الملك ولا مُنازع لهم فيثبت لهم من طريق الظاهر. فوجب أن يشارك ثبوت الملك في القسمة.

ص: 589

وأما كونه يذكر القصة في كتاب القسمة؛ فلئلا يتوهم الحاكم بعده أن القسمة وقعت بعد ثبوت ملكهم فيؤدي ذلك إلى ضرر من يدعي في العين حقاً.

وأما كونه لا يقسمه إذا لم يتفق الشركاء على طلب القسمة؛ فلأن الإشاعة حق لكل واحد منهم فإذا لم يرض بعضهم ولم يثبت ما يوجب القسمة لم يجز التصرف في حقه بغير رضاه.

ص: 590

فصل [في كيفية القسمة]

قال المصنف رحمه الله: (ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن كانت متساوية، وبالقيمة إن كانت مختلفة، وبالرد إن كانت تقتضيه، ثم يقرع بينهم، فمن خرج له سهم صار له. وكيف ما أقرع جاز؛ إلا أن الأحوط أن يكتب اسم كل واحد من الشركاء في رقعة ثم يدرجها في بنادق شمعٍ أو طينٍ متساوية القدر والوزن، وتطرح في حجر من لم يحضر ذلك ويقال له: اخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج اسمه كان له، ثم الثاني كذلك، والسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة وسهامهم متساوية. وإن كتب اسم كل سهم في رقعة وقال: اخرج بندقة باسم فلان وأخرج الثانية باسم الثاني والثالثة للثالث جاز).

أما كون القاسم يعدل السهام؛ فلأن ضد ذلك جور وذلك غير جائز.

وأما كونه يعدلها بما ذكر؛ فلأنها تارة تكون متساوية الأجزاء، وتارة مختلفة، وتارة تقتضي الرد.

فإن قيل: ما مثال ذلك؟

قيل: مثال الأول: أرض، قيمة جميع أجزائها متساوية فهذه تعدل سهامها بالأجزاء؛ لأنه يلزم من التساوي بالأجزاء التساوي بالقيمة.

ومثال الثاني: أرض، أحد جوانبها يساوي مثلي الآخر فهذه تعدل بالقيمة؛ لأنه لما تعذر التعديل بالأجزاء لم يبق إلا التعديل بالقيمة. ضرورة أن قسمة الإجبار لا تخلو من أحدهما.

ومثال الثالث وهو ما يقتضي الرد: أرض، قيمتها مائة فيها شجر أو بئر تساوي مائتين فإذا جعلت الأرض بينهما كانت الثلث ودعت الضرورة إلى أن يجعل مع الأرض خمسون يردها من خرجت له الشجر أو البئر على من خرجت له الأرض ليكونا نصفين متساويين.

ص: 591

وأما كون القاسم يقرع بين الشركاء بعد ذلك؛ فلأن الشرع ورد بها؛ لتمييز الحال في غير القسمة. والإبهام حاصل هاهنا فتعين فعله؛ لإزالة الإبهام الحاصل قياساً لبعض موارد الشرع على بعض.

وأما كونه كيف ما أقرع يجوز؛ فلأن الغرض التمييز وذلك حاصل.

فعلى هذا يجوز أن يقرع بخواتيم وحصباً وغير ذلك.

وأما كون الأحوط أن يكتب اسم كل واحد من الشركاء في رقعة؛ فلأنه طريق للتمييز.

وأما كونه يدرج الرقاع في بنادق شمعٍ أو طينٍ متساوية القدر والوزن؛ فلئلا يعلم بعضها من بعض.

وأما كونها تطرح في حجر من لم يحضر ذلك؛ فلأنه أنفى للتهمة.

وأما كونه يقال له: اخرج بندقة على هذا السهم؛ فليعلم من له ذلك.

وأما كون من خرج اسمه كان السهم له؛ فلأن اسمه خرج عليه وتميز سهمه به.

وأما كون السهم الثاني كالأول في القول المذكور وفي كونه لمن خرج اسمه عليه؛ فلأنه كالأول معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

وأما كون السهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة وسهامهم متساوية؛ فلأنه تعين له؛ لزوال الإبهام.

وأما كون القاسم إذا كتب اسم كل سهم في رقعة وقال ما ذكر

إلى آخره يجوز؛ فلأن الغرض يحصل بذلك.

ص: 592

قال: (وإن كانت السهام مختلفة كثلاثة: لأحدهم النصف، وللآخر الثلث، وللآخر السدس فإنه يُجَزِّئها ستة أجزاء، ويخرج الأسماء على السهام لا غير فيكتب باسم صاحب النصف ثلاثاً، وباسم صاحب الثلث اثنين، وباسم صاحب السدس واحدة، ويخرج بندقة على السهم الأول، فإن خرج اسم صاحب النصف أخذه والثاني والثالث. وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني ثم يقرع بين الآخرين والباقي للثالث).

أما كون القاسم يُجَزِّئ الأرض المذكورة ستة أجزاء؛ فلأن السهام مختلفة. فلم يكن بد من تجزئها بحسب أقل الشركاء نصيباً وذلك السدس، وعلى هذا فقس. فلو كانت الأرض بين ثلاثة لأحدهم النصف، وللآخر الربع (1)، وللآخر الثمن: جزأها ثمانية أجزاء.

وأما كونه يخرج السهام على الأسماء لا غير؛ فلأن إخراج السهام على الأسماء لا يمكن؛ لاحتمال أن يخرج اسم من ليس له السهام المذكورة.

وأما كونه يكتب كما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأن الرقاع تكون بحسب التجزئة ست فالرقاع ست.

وأما كونه يخرج بندقة على السهم الأول؛ فليعلم لمن هو.

وأما كونه إذا خرج اسم صاحب النصف عليه أخذه؛ فلما تقدم فيما إذا كانت السهام متساوية.

وأما كونه يأخذ الثاني والثالث؛ فلينضم نصيبه بعضه إلى بعض.

وأما كونه إذا خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني؛ فلما ذكر قبل.

وأما كونه إذا خرج اسم صاحب السدس أخذه وحده؛ فلأنه لا شيء له غيره.

وأما كون القاسم يقرع بين الآخرين؛ فلأن الإبهام بالنسبة إليهما باق.

وأما كون اسم صاحب النصف إذا خرج أخذ الثاني والثالث والرابع، والباقي لصاحب الثلث. وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذ الثاني والثالث، والباقي لصاحب النصف؛ فلما تقدم ذكره.

(1) في د زيادة: والثمن.

ص: 593

فصل [إذا ادعى بعضهم غلطا في القسمة]

قال المصنف رحمه الله: (فإن ادعى بعضهم غلطاً فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به لم يُلتفت إليه. وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة، وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه. وإن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه، وإلا فهو كقاسم الحاكم).

أما كون مدعي الغلط لا يلتفت إليه فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به؛ فلأنه رضي بالقسمة الواقعة وبالزيادة في نصيب شريكه وأشهد عليه بذلك.

وأما كونه عليه البينة فيما قسمه قاسم الحاكم؛ فلأنه مدعٍ فيدخل في قوله عليه السلام: «البينةُ على المدعِي» (1). فإن أقام المدعي بينة بالغلط نقضت القسمة؛ لأنه بيَّن أنها وقعت على غير وجهها المعتبر، وإن لم يقم بينة بذلك فالقول قول المنكر؛ لأن الظاهر صحة القسمة وأداء الأمانة.

وأما كونه لا تسمع دعواه فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما يعتبر فيه الرضا بعد القرعة كقسمة فيها رد؛ فلأنه رضي بالقسمة.

وأما كونه في ذلك كقاسم الحاكم إذا لم يكن كذلك؛ فلأنه بمنزلته.

فعلى هذا إن أقام بينة بالغلط سمعت وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 594

قال: (وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين بطلت. وإن كان شائعاً فيهما فهل تبطل القسمة؟ على وجهين).

أما كون القسمة تبطل إذا استحق من حصة أحد المتقاسمين شيء معين؛ فلأنه تبيَّن أن أحد المتقاسمين لم يأخذ حقه.

وأما كونها تبطل إذا كان المستحق شائعاً فيهما على وجه؛ فلأن الثالث شريكهما، وقد اقتسما من غير حضوره ولا إذنه.

وأما كونها لا تبطل على وجه؛ فلأنه يمكن بقاء حقه في يديهما جميعاً مع بقائهما فيما عدا ذلك على ما كانا عليه.

قال: (وإذا اقتسما دارين قسمة تراضٍ فبنى أحدهما في نصيبه ثم خرجت الدار مستحقة ونُقض بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه. وإن خرج في نصيب أحدهما عيبٌ فله فسخ القسمة).

أما كون من ذكر يرجع بنصف قيمة بنائه؛ فلأن هذه القسمة بمنزلة البيع فكأنه باعه نصف الدار، ولو باعه الدار جميعها رجع عليه بالبناء كله فإذا باعه نصفها وجب أن يرجع عليه بنصف البناء.

وأما كون من خرج في نصيبه عيبٌ له فسخ القسمة؛ فلأن في العيب نقصاً عن قدر حقه الخارج له. فوجب أن يتمكن من فسخ القسمة؛ استدراكاً لما فاته؛ كما لو اشترى شيئاً فظهر معيباً.

قال: (وإن اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين، فإن قلنا: هي إفراز حق لم تبطل القسمة. وإن قلنا: هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز؟ على وجهين).

أما كون القسمة لا تبطل بما ذكر إذا قيل: القسمة إفراز حق؛ فلأن الدين يتعلق بالعقار بعد القسمة. فلم يقع ضرر في حق أحد.

وأما كون ذلك ينبني على بيع التركة قبل قضاء الدين إذا قيل: هي بيع؛ فظاهر.

وأما كون بيع التركة قبل قضاء الدين يجوز على وجه؛ فلأن العبد الجاني يتعلق برقبته حق المجني عليه ويتمكن مالكه من بيعه فكذلك الورثة.

ص: 595

وأما كونه لا يجوز على وجه؛ فلأن تعلق الدين بالعين يمنع التصرف فيها. دليله: ما لو كانت مرهونة.

فعلى هذا إن قيل بجوازه يوفي الدينَ الورثةُ استقر ذلك وإلا فسخ وبيعت العين في الدين. وإن قيل بعدم جوازه بطل، بيعاً كان أو قسمة.

قال: (وإن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة. ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه).

أما كون القسمة تبطل إذا حصل الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر؛ فلأن الانتفاع بأحد النصيبين لا يمكن؛ لتعذر الانتفاع به من غير منفذ.

وأما كون الأب والوصي يجوز لهما قسم مال المولى عليه مع شريكه؛ فلأن القسمة إما بيع أو إفراز، وكلاهما يجوز للأب والوصي فعله.

ص: 596