المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الغسل يوم الجمعة) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في الغسل من الجنابة)

- ‌(باب في الوضوء بعد الغسل)

- ‌(باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل)

- ‌(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمىّ)

- ‌(باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء)

- ‌(باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها)

- ‌(باب الحائض تناول من المسجد)

- ‌(باب في الحائض لا تقضى الصلاة)

- ‌(باب في إتيان الحائض)

- ‌(باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع)

- ‌(باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة)

- ‌(باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا)

- ‌(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر)

- ‌ بيان حال أحاديث الباب

- ‌(باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل كل يوم مرّة ولم يقل عند الظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل بين الأيام)

- ‌(باب من قال توضأ لكل صلاة)

- ‌(باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث)

- ‌(باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر)

- ‌(باب المستحاضة يغشاها زوجها)

- ‌(باب ما جاء في وقت النفساء)

- ‌(باب الاغتسال من الحيض)

- ‌ فتح خيبر

- ‌(باب التيمم في الحضر)

- ‌(باب الجنب يتيمم)

- ‌(باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم)

- ‌ غزوة ذات السلاسل)

- ‌(باب في المجروح يتيم

- ‌(باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت)

- ‌(باب في الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل)

- ‌(باب الصلاة في الثوب الذى يصيب أهله فيه)

- ‌(باب المنيّ يصيب الثوب)

- ‌(باب بول الصبى يصيب الثوب)

- ‌(باب الأرض يصيبها البول)

- ‌(باب في طهور الأرض إذا يبست)

- ‌(باب الأذى يصيب الذيل)

- ‌(باب البزاق يصيب الثوب)

- ‌(كتاب الصلاة)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(باب في وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها)

- ‌ باب في وقت صلاة الظهر

- ‌(باب وقت العصر)

- ‌(باب في الصلاة الوسطى)

- ‌(باب التشديد في الذى تفوته صلاة العصر)

- ‌(باب في وقت المغرب)

- ‌(باب في وقت العشاء الآخرة)

- ‌(باب في وقت الصبح)

الفصل: ‌(باب في الغسل يوم الجمعة)

ابن السكن في صحيحه موصولا فلا يقدح فيه كونه مرسلا من بعض الطرق اهـ هذا و (عميرة) بفتح العين وكسر الميم (ابن أبى ناجية) هو أبو يحيى المصرى. روى عن يزيد بن أبي حبيب وبكر بن سوادة ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. وعنه سعيد بن زكريا وابن لهيعة وبكر بن مضر وابن وهب وآخرون. وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات (وبهذا) علم ردّ قول ابن القطان عميرة مجهول الحال. مات سنة إحدى أو ثلاث وخمسين ومائة. روى له أبو داود والنسائى

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ

(ش) غرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان اختلاف ثالث في الحديث (حاصله) أن عبد الله بن لهيعة خالف عبد الله بن نافع في روايته عن الليث بذكر أبى عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد بن بكر بن سوادة وعطاء وإرساله الحديث وقد تقدّم أن النسائى والبيهقي والدارقطنى والحاكم أخرجوا الحديث مرسلا بإسنادهم إلى الليث من عدّة طرق وليس فيها بين بكر وعطاء أحد فزيادة ابن لهيعة بينهما أبا عبد الله غير مقبولة لأنه ضعيف خالف الثقة فلا تعلّ بزيادته روايات الثقات. وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق أبى بكر بن داسة

(قوله عن أبي عبد لله الخ) المصرى. روى عن عطاء بن يسار. وعنه بكر بن سوادة. قال الذهبى لا يعرف وقال الحافظ في التقريب مجهول. روى له أبو داود

(قوله بمعناه) أى معنى الحديث المتقدّم

(باب في الغسل يوم الجمعة)

وفي نسخة باب في الغسل للجمعة. أهو واجب أم لا

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، نَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، قال أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَتَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ. قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، أَوَ لَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

ص: 198

وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله معاوية) بن سلام بن أبى سلام ممطور الحبشى. روى عن أبيه ويحيى بن أبى كثير والزهرى ونافع وآخرين. وعنه محمد بن شعيب والوليد بن مسلم ومحمد ابن المبارك وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو زرعة ودحيم وقال جيد الحديث وقال أبو حاتم لا بأس بحديثه. روى له الجماعة إلا الترمذى

(معنى الحديث)

(قوله إذ دخل رجل) جواب بينا والرجل هو عثمان بن عفان ففى رواية مسلم بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرّض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء

(قوله أتحتبسون عن الصلاة) أى عن التبكير إليها فإنكار عمر على عثمان لعدم تبكيره

(قوله ما هو إلا أن سمعت النداء الخ) أى لم يكن شأنى إلا أني حينما سمعت الأذان اشتغلت بالوضوء

(قوله قال عمر والوضوء) وفى نسخة فقال. وهذا إنكار آخر على ترك الواجب أو السنة المؤكدة وهي الغسل. وقوله والوضوء بالواو كما في رواية البخارى وفي نسخة الوضوء بإسقاط الواو وهى رواية الموطأ وهو منصوب مفعول لمحذوف أى أتترك الغسل كما تركت التبكير إلى المسجد وتتوضأ الوضوء مقتصرا عليه. وجوّز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ حذف خبره أى والوضوء تقتصر عليه

(قوله أو لم تسمعوا) بهمزة الاستفهام الداخلة على محذوف تقديره أتقتصرون على الوضوء ولم تسمعوا قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أحدكم أن يأتى الجمعة فليغتسل كما في رواية مسلم ويؤيده ما في رواية البخارى بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل (وبهذا) علم فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة لأن الحديث واحد ومخرّجه واحد. والتقييد بالإتيان لكونه الغالب وإلا فحكم الغسل شامل للمقيم بالجامع. وفي إضافة أحد إلى ضمير الجمع دليل على أن هذا الحكم يعمّ البالغين وغيرهم من الصبيان. والمراد بالجمعة الصلاة أو المكان الذى تقام فيه (قال الخطابى) في الحديث دلالة على أن غسل الجمعة غير واجب ولو كان واجبا لأمر عمر عثمان أن ينصرف فيغتسل فدلّ سكوت عمر ومن حضره من الصحابة على أن الأمر به على سبيل الاستحباب دون الوجوب وليس يجوز على عمر وعثمان ومن بحضرتهما من المهاجرين والأنصار أن يجتمعوا على ترك واجب اهـ (ونقل) في الفتح عن الشافعى أنه قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دلّ ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار (قال) الحافظ وعلى هذا الجواب عوّل أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبرى والطحاوى وابن حبان وابن عبد البرّ وهلمّ جرّا وزاد بعضهم فيه أن من حضر من

ص: 199

الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوى، وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة ولكن حكى الطبرى عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط، بل هو واجب مستقلّ تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروايح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس اهـ كلام الفتح (وعلى الجملة) فقد اختلف أهل العلم في حكم هذا الغسل فحكى وجوبه عن طائفة من السلف وبعض الصحابة كأبى هريرة وعمار بن ياسر ومالك وغيرهم وهو قول الظاهرية وحكاه الخطابى عن الحسن البصرى ومالك. وكلام مالك في الموطأ وأكثر الروايات عنه تردّه (وذهب) جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أنه سنة وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه (واحتج) من أوجبه بظواهر الأحاديث الدالة على الوجوب وفى بعضها التصريح بلفظ الوجوب وفى بعضها الأمر به وفى بعضها أنه حق على كل مسلم (واحتج) الجمهور بأحاديث صحيحة (منها) حديث الباب (ومنها) حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل رواه أحمد والأربعة عن سمرة بن جندب فدلّ على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضيلة وعدم تحتم الغسل وهو حديث حسن مشهور (ومنها) قول عائشة كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاءة فكانوا لهم تفل "رائحة كريهة" فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة رواه مسلم وسيأتى نحوه للمصنف وهذا اللفظ يقتضى أنه ليس بواجب لأن تقديره لكان أفضل وأكمل وأيضا فإنما طلب منهم الغسل لأجل تلك الروايح الكريهة لا لوجوبه هذا ولا يخفى ما في الاستدلال بحديث الباب على أن الغسل سنة وقد تقدم أن من قال بوجوب الغسل استدلّ به وهو إنما يردّ على من قال باشتراط الغسل لصحة صلاة الجمعة وهم قوم من الظاهرية (ومنها) حديث من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة الثلاثة أيام أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة. ووجه الاستدلال به على الاستحباب أن ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضى للصحة يدل على أن الوضوء كاف (قال) ابن حجر في التلخيص إنه من أقوى ما استدلّ به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة (ومنها) حديث أبى سعيد الآتى ووجه دلالته أنه قرنه بما ليس بواجب إجماعا وهو السواك والطيب. فيكون مثلهما (ومنها) حديث أوس الثقفى الآتى ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشى والدنوّ من الإمام وليست بواجبة فيكون مثلها (وأجابوا) عن الأحاديث التى صرّح فيها بالأمر بأنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة والجمع بين الأدلة ما أمكن واجب وقد أمكن بهذا. وعن الأحاديث التى صرّح فيها لفظ الوجوب والتي فيها أنه حق على كل مسلم بأن المراد متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب

ص: 200

علىّ ومواصلتك حق علىّ وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب. وقد دلّ حديث الباب أيضا على تعليق طلب الغسل بالمجئ إلى الجمعة. والمراد إرادة المجئ وقصد المشروع فيه

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد الغسل على من يحضر صلاة الجمعة. ويؤخذ من قصة عمر وعثمان أنه ينبغى للإمام أن يتفقد رعيته وينكر على من أخلّ بالفضل منهم ولو كان كبيرا

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى من حديث أبى هريرة وأخرجه أيضا مالك والشيخان والترمذى والبيهقي من حديث ابن عمر عن أبيه ولفظه في البخارى أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بينا هو قائم في الخطبة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فناداه عمر أيّة ساعة هذه فقال إنى شغلت فلم أنقلب على أهلى حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت وقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر بالغسل

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»

(ش)(قوله غسل يوم الجمعة) الإضافة على معنى في. وبظاهرها احتج من قال إن الغسل لليوم لا للجمعة. وفى رواية الشيخين الغسل يوم الجمعة إلخ وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم ظرفا للغسل. ويحتمل أن تكون اللام للعهد فتتفق الروايات. وقد تقدّم بيان الخلاف في ذلك. ويؤخذ من هذه الرواية أن وقت الغسل يدخل بفجر يومها فلا يجوز قبله خلافا للأوزاعى وبعض الفقهاء. ويؤخذ منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا خاصا فلو وجدت صورة الغسل لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية وبه قال أبو قتادة فقد أخرج الطحاوى وابن المنذر عنه أنه قد رأى ابنه يغتسل يوم الجمعة فقال إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة. والجمهور على أنه لو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة وجامع ثم اغتسل ينوب عن الكل. وقيل لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود الذى هو قطع الرائحة الكريهة

(قوله واجب) أى ثابت لا ينبغي أن يترك لا أنه يأثم تاركه (قال الخطابى) معناه وجوب الاختيار والاستحباب دون وجوب الفرض كما يقول الرجل لصاحبه حقك عليّ واجب وأنا أوجب حقك وليس بمعنى اللزوم الذى لا يسع غيره ويشهد لصحة هذا التأويل حديث عمر الذى تقدّم ذكره اهـ (قال) ابن دقيق العيد

ص: 201

في شرح حديث "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" ما نصه: الحديث صريح في الأمر بالغسل للجمعة وظاهر الأمر الوجوب وقد جاء مصرّحا به بلفظ الوجوب في حديث آخر فقال بعض الناس بالوجوب بناء على الظاهر. وخالف الأكثرون فقالوا بالاستحباب وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر فأوّلوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال حقك واجب علىّ وهذا التأويل الثانى أضعف من الأول وإنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا الظاهر. وأقوى ما عارضوا به حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث اهـ (قال) العينى قد أجاب بعض أصحابنا أن هذه الأحاديث التي ظاهرها الوجوب منسوخة بحديث من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل (وقال) ابن الجوزى أحاديث الوجوب أصح وأقوى والضعيف لا ينسخ القوى "قلت" هذا الحديث رواه أبو داود في الطهارة والترمذى والنسائى في الصلاة وقال الترمذى حديث حسن صحيح ورواه أحمد في سننه والبيهقي كذلك وابن أبى شيبة في مصنفه وسنتكلم عليه اهـ

(قوله على كل محتلم) أى بالغ فالاحتلام عام يشمل من بلغ بالسنّ أو بعلامة أخرى كالإحبال والحيض وإنبات العانة وإنما خصّ الاحتلام بالذكر لكونه الغالب. والمراد بالغ خال عن عذر يبيح الترك وإلا فالمعذور مستثنى بقواعد الشرع (قال) الحافظ في الفتح استدلّ به على دخول النساء في ذلك اهـ (وقال) غيره المراد الذكر كما هو مقتضى الصيغة وأيضا الاحتلام أكثر ما يبلغ به الذكور دون الإناث وفيهن الحيض أكثر. وعمومه يشمل من يأتى الجمعة وغيره ولكن حديث أبى هريرة السابق وحديث ابن عباس الآتي وغيرهما تخصه بمن يأتي الجمعة وعليه الجمهور اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد غسل يوم الجمعة على كل بالغ ولو لم يحضر الصلاة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، نَا الْمُفَضَّلُ يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، ونَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحٌ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ»

(ش)(قوله بكير) بن عبد الله بن الأشج

(قوله رواح الجمعة) أى الذهاب إليها أىّ وقت كان "قال" في المصباح يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار وليس كذلك بل الرواح والغدوّ عند العرب مستعملان في المسير أىّ وقت كان من ليل أو نهار اهـ

(قوله على كل من راح إلى الجمعة الغسل) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدّم والغسل مبتدأ مؤخر

ص: 202

وهذا الحديث مخصوص بغير المريض والمسافر والمرأة والمملوك فإن صلاة الجمعة لا تجب عليهم وإن كانوا بالغين لحديث طارق بن شهاب عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض رواه المصنف في باب الجمعة للمملوك والمرأة. وفى البخارى إلا على صبي أو مملوك أو مسافر

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على وجوب الذهاب إلى صلاة الجمعة على كل بالغ. وعلى تأكد الغسل على من يريد صلاتها

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى مختصرا بلفظ رواح الجمعة واجب على كل محتلم وحسنه المنذرى

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «إِذَا اغتسل الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَجْنَبَ»

(ش) غرض المصنف بهذا بيان أن غسل الجمعة لليوم لا للصلاة وأنه يدخل وقته بطلوع الفجر لأنه أول اليوم شرعا كما أن من اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئه عن الجمعة لأنه اغتسل قبل مجئ الوقت (قال) العينى أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة وهو قول محمد والحسن بن زياد من أصحابنا (وقال) أبو يوسف للصلاة. وفائدته تظهر فيما قال أبو داود فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر الغسل لأنه وجد في يوم الجمعة. وعند أبى يوسف لا ينال لأنه لم يصلّ به الجمعة وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة اهـ (وقد اختلف) في وقت غسل الجمعة على أقوال "الأول" أن وقته عند إرادة الرواح إلى المسجد بشرط الاتصال بين الغسل والرواح وإليه ذهب مالك والأوزاعي والليث مستدلين يحديث إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ونحوه "الثانى" أن وقته يدخل بطلوع الفجر ولا يشترط اتصاله بالرواح لكن يستحب اتصاله به فيجزئُ فعله بعد الفجر لا بعد صلاة الجمعة وهو مذهب الجمهور مستدلين بالأحاديث التى أطلق فيها يوم الجمعة وقالوا لا يكفى الغسل بعد الصلاة لأنه شرع لإزالة الروائح الكريهة دفعا لتأذى الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة ولأن المراد بالجمعة سبب الاجتماع وهو الصلاة لا اليوم لأن اليوم لا يؤتي وقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعا من أتى الجمعة فليغتسل زاد ابن خزيمة ومن لم يأتها فلا يغتسل "الثالث" أن وقته كل اليوم فلا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل بعد الجمعة أجزأ عنه وإليه ذهب داود والحسن بن زياد ومحمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة (واستبعده) ابن دقيق العيد وقال يكاد يجزم ببطلانه وزعم ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة

(قوله وإن أجنب) أى وإن كان جنبا واغتسل للجنابة بعد طلوع الفجر أجزأه عن غسل الجمعة

ص: 203

(قال) ابن المنذر أكثر أهل العلم يقولون يجزئُ غسلة واحدة للجنابة والجمعة وهو مروى عن ابن عمر ومجاهد ومكحل والثورى والأوزاعي وأبى ثور وهو مذهب أبي حنيفة فعنده يكفي غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة وينبغى أن ينوى به الكل ليحصل له ثواب الجميع (وقال) أحمد أرجو أن يجزئه وهو قول أشهب والمزنى، وعن أحمد لا يجزئه عن غسل الجنابة حتى ينويها وهو قول مالك في المدوّنة (قال) الباجى فإذا قلنا يفتقر إلى النية فمن اغتسل ينوى الجمعة والجنابة فقد قال ابن القاسم يجزئه وبه قال الشافعى. وقال محمد بن مسلمة لا يجزئه ذلك وإنما يجزئه أن يغتسل لجنابته وينوى أن يجزئه عن غسل جمعته "وجه" ما قاله ابن القاسم أن الجمعة والجنابة موجبهما واحد وهو الغسل وهي عبادة تتداخل فجاز أن يفعل لهما كالوضوء من البول والغائط والنوم ومسّ الذكر والطواف والسعى والحج والعمرة "ووجه" قول محمد بن مسلمة أن نية الجمعة تقتضى النفل ونية الجنابة تقتضى الوجوب ومقتضى أحدهما ينافي الآخر. ويحتمل أن يعنى بذلك أن غسل الجمعة لا يفتقر إلى النية فإذا نواه مع غسل الجنابة الذى يفتقر إلى النية منع ذلك صحة النية. وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قتادة أنه قال من اغتسل يوم الجمعة من الجنابة اغتسل للجمعة

(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الْهَمْدَانِيُّ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ح حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ يَزِيدُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فِي حَدِيثِهِمَا - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» - قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ: «وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» - وَيَقُولُ: «إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ

ص: 204

بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَّادٌ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(ش) حاصل ما أشار إليه المصنف أن شيوخه في هذا السند ثلاثة يزيد وعبد العزيز وقد حدّثاه عن محمد ابن سلمة وزادا في السند مع أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبا أمامة بن سهل. والثالث موسى بن إسماعيل وقد حدّث المصنف عن حماد بن سلمة ولم يذكر في سنده أبا أمامة. وكل من محمد بن سلمة وحماد حدّث عن محمد بن إسحاق، والحديث المذكور لفظ حديث محمد بن سلمة لا لفظ حديث حماد

(رجال الحديث)

(قوله وأبى أمامة) اسمه أسعد وقيل سعد (بن سهل) ابن حنيف الأنصارى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديثا مرسلا وروى عن عمر بن الخطاب وعثمان وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وعائشة وغيرهم وعنه ابناه محمد وسهل والزهرى وعبد الله بن سعيد ويحيى الأنصارى. قال البغوى وابن حبان وابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقد سئل أبو حاتم عنه أهو ثقة فقال لا يسأل عن مثله هو أجلّ من ذاك وقال الطبرانى له رؤية وقال أبو منصور مختلف في صحته إلا أنه ولد في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو ممن يعدّ في الصحابة الذين روى عنهم الزهرى وقال البخارى أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يسمع منه "قال" ابن منده قول البخارى أصح. مات سنة مائة. روى له النسائى وابن ماجه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبقية الجماعة عن الصحابة

(معنى الحديث)

(قوله ومس من طيب) أى طيب الرجال وهو ما خفي لونه وظهر ريحه إن وجد وإلا مسّ من طيب النساء كما سيأتي

(قوله ثم صلى ما كتب الله تعالى له) أى صلى ما قدّر الله له من تحية المسجد ونفل مطلق أو قضاء فائتة

(قوله ثم أنصت) أى استمع يقال نصت له ينصت من باب ضرب لغة أى سكت مستمعا ويقال أنصت إذا سكت وأنصته إذا أسكته فهو لازم ومتعدّ

(قوله إذا خرج إمامه) أى للخطبة

(قوله حتى يفرغ من صلاته) أي ينتهى الإمام منها. وفى رواية مسلم حتى يفرغ من خطبته وهي تدلّ على أن الكلام بعد الخطبة وقبل الإحرام بالصلاة لا بأس به

(قوله كانت كفارة لما بينها الخ) أي كانت هذه الخصال المذكورة أى فعلها من الغسل وما بعده ساترة وماحية للذنوب التي بين تلك الساعة التي يصلي فيها الجمعة وبين صلاة الجمعة التي قبلها (قال) الخطابى يريد بذلك ما بين الساعة التي يصلي فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى لأنه لو كان المراد به ما بين الجمعتين على أن يكون الطرفان وهما يوما الجمعة غير داخلين في العدد لكان لا يتحصل من عدد المحسوب على أكثر من ستة أيام ولو أراد ما بينهما على تقدير إدخال الطرفين فيه بلغ العدد ثمانية فإذا ضممت إليها الثلاثة المزيدة التي ذكرها أبو هريرة

ص: 205

صار جملتها إما أحد عشر على أحد الوجهين وإما تسعة أيام على الوجه الآخر فدلّ على أن المراد به ما قلناه على سبيل التكثير لليوم ليستقيم الأمر في تكميل عدد العشرة اهـ

(قوله قال ويقول الخ) أى قال محمد بن سلمة بسنده إلى أبى هريرة إن أبا هريرة يقول في روايته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التى قبلها وزيادة ثلاثة أيام ويقول إن الحسنة بعشر أمثالها مشيرا إلى قوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها""فإن قيل" تكفير الذنوب الماضية بالحسنات وبالتوبة وبتجاوز الله تعالى وتكفير ذنوب الأيام الثلاثة الآتية الزائدة على السبعة من تكفير الذنب قبل وقوعه فكيف يعقل هذا "قيل" المراد عدم المؤاخذة والذنب إذا وقع

(قوله وحديث محمد بن سلمة أتمّ) أى من حديث حماد لأنه ذكر في روايته ما زاده أبو هريرة ولم يذكره حماد "وهذا" الحديث من أدلة الجمهور على استحباب غسل الجمعة حيث قرن فيه بين الغسل ولبس أحسن الثياب ومسّ الطيب وهما ليسا بواجبين "ونازع" في هذا الاستدلال ابن دقيق العيد بأن القران في الذكر لا يستلزم القران في الحكم

(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة وعلى استحباب مسّ الطيب إن وجده. وعلى طلب ترك تخطى أعناق الناس. وعلى مشروعية الصلاة لمن دخل المسجد. وعلى أن النوافل المطلقة لا حدّ لها لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث ثم صلى ما كتب الله تعالى له. وعلى طلب الإنصات من حين قيام الإمام للخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مختصرا من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدّر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ، وَبُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ حَدَّثَاهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قُدِّرَ لَهُ» إِلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ فِي الطِّيبِ: «وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله ابن وهب) هو عبد الله

(قوله سعيد بن أبي هلال)

ص: 206

أبا العلاء المصرى. روى عن محمد بن المنكدر وزيد بن أسلم وأبى حازم وأبى الزناد وآخرين وعنه الليث بن سعد وهشام بن سعد وسعيد المقبرى ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال أبو حاتم لا بأس به وقال الساجى صدوق ووثقه ابن خزيمة وابن سعد والبيهقى والدارقطنى والخطيب وابن عبد البر والعجلى وقال ابن حزم ليس بالقوى. قيل توفى سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة

(قوله عن أبى بكر بن المنكدر) هو أخو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمى لم يعرف اسمه واشتهر بكنيته ومن لم يميز بينهما ربما يعتقد أن المراد من أبى بكر في هذا الحديث محمد بن المنكدر روى عن عمه ربيعة بن عبد الله وعثمان التيمي وجابر بن عبد الله وأبى أمامة وعطاء بن يسار. وعنه يحيى ابن سعيد ويزيد بن الهادي وبكير بن الأشج وشعبة وغيرهم. قال أبو داود كان من ثقات الناس وقال محمد بن عمر كان ثقة قليل الحديث. روى له الشيخان والترمذى والنسائى وابن ماجه

(قوله عمرو بن سليم الزرقى) بالتصغير ابن عمرو بن خلدة بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام الأنصارى. روى عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة وأبى قتادة وأبى سعيد الخدرى. وعنه ابنه سعيد والزهرى وسعيد المقبرى وأبو بكر بن المنكدر وغيرهم. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال ابن خراش في حديثه اختلاط وقال العجلي تابعى ثقة ووثقه ابن حبان والنسائى. مات سنة أربع ومائة. روى له الجماعة

(قوله عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى) الأنصارى الخزرجى أبى حفص أو أبو محمد. روى عن أبيه وعمارة بن حارثة وأبى حميد الساعدى. وعنه ابنه ربيع وعطاء بن يسار وزيد بن أسلم وعمرو بن سليم وآخرون. وثقه النسائي وابن حبان وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس هو بثبت ويستضعفون روايته ولا يحتجون به وقال العجلى تابعى ثقة. مات سنة اثنتي عشرة ومائة وله سبع وسبعون سنة. روى له الجماعة إلا البخارى

(معنى الحديث)

(قوله الغسل يوم الجمعة على كل محتلم) وفي رواية البخارى الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا إن وجد أى الغسل وما عطف عليه متأكد على كل بالغ يوم الجمعة

(قوله ويمس من الطيب) بفتح الميم على الأفصح من باب تعب وجاء ضمها من باب قتل وهو مرفوع على أنه منقطع عما قبله ويصح نصبه بتقدير أن فيكون في قوّة مصدر معطوف على السواك. وحكمة مشروعية الغسل والسواك والطيب في هذا اليوم أن يكون المصلى فيه على أكمل حال وأحسن هيئة فلا يتأذى به أحد ولا سيما وأن الملائكة يقفون على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول فربما صافحوه أو لمسوه

(قوله ما قدّر له) في محل نصب مفعول يمسّ. وفى رواية مسلم والنسائى ما قدّر عليه (قال) القاضى عياض يحتمل أن يراد به التأكيد ليفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر ويؤيده قوله الآتي ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجال وهو ما ظهر لونه وخفى ريحه فإباحته للرجل لعدم غيره تدلّ على تأكد الأمر في ذلك

(قوله إلا أن

ص: 207

بكيرًا لم يذكر الخ) غرض المصنف بهذا بيان أن بكير بن عبد الله بن الأشج خالف سعيد بن أبى هلال في سند الحديث ومتنه. أما المخالفة في السند فإنه لم يذكر فيه عبد الرحمن بن أبى سعيد وقد وافقه على ذلك شعبة فقد أخرج البخارى الحديث من طريق شعبة عن أبى بكر بن المنكدر قال حدثني عمرو ابن سليم قال أشهد على أبى سعيد الخ ووافقه أيضا محمد بن المنكدر كما أخرجه ابن خزيمة من طريقه ومنه يعلم أن سعيد بن أبى هلال هو المنفرد بزيادة عبد الرحمن بن أبى سعيد في السند (قال) في الفتح الذى يظهر أن عمرو بن سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبيه لقى أبا سعيد فحدّثه وسماعه منه ليس بمنكر لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس، وحكى الدارقطنى في العلل فيه اختلافا آخر على عليّ بن المديني شيخ البخارى فيه فذكر إن الباغندى حدّث به عنه بزيادة عبد الرحمن أيضا وخالفه وتمام عنه فلم بذكر عبد الرحمن. وفيما قال نظر فقد أخرجه الإسماعيلى عن الباغندى بإسقاط عبد الرحمن وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبى إسحاق ابن حمزة وأبو أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندى فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدّثوا به عن الباغندى فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد فلعلّ الوهم فيه ممن حدّث به الدارقطنى عن الباغندى وأما المخالفة في المتن فإن بكيرا زاد في روايته بعد قوله ويمس من الطيب ولو من طيب المرأة أى ولو كان الطيب من طيب المرأة (وبظاهر) هذا الحديث استدلّ من قال بوجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ واجب في رواية البخارى "وأجيب" بأن المراد بالواجب المتأكد الذى لا ينبغى أن يترك كما تقدّم بل الحديث من أدلة الجمهور على عدم الوجوب لاقتران الغسل بالسواك ومسّ الطيب وليسا بواجبين اتفاقا فدّل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب بالواجب بلفظ واحد "وتعقبه" ابن الجوزى بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف. ولكن قد علمت المراد بالواجب (وهذا) الحديث ظاهر في أن الغسل مشروع للبالغ سواء أراد الجمعة أم لا. وحديث إذا جاء أحدكم الجمعة ظاهر في أنه لمن أرادها سواء البالغ والصبيّ. ويجمع بينهما بأنه مستحب لكل ومتأكد في حق المريد وآكد في حق البالغ والمشهور عند الجمهور أنه مستحب لكل من أراد الإتيان ليها (واختلف) في الغسل للمسافر فالجمهور على أنه مطلوب منه إذا أراد صلاة الجمعة وكذا كل من لم تجب عليه الجمعة كالعبد والمريض خلافا للحنابلة في المرأة حيث قالوا لا يستحب لها لظاهر حديث من أتى منكم الجمعة فليغتسل (وقال) الشافعي ما تركته في حضر ولا سفر وإن اشتريته بدينار، وممن لا يراه علقمة وعبد الله ابن عمرو وابن جبير بن مطعم والقاسم بن محمد والأسود وإياس بن معاوية

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على تأكد الغسل والسواك والتطيب يوم الجمعة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وكذا البخارى من طريق شعبة عن أبى

ص: 208

بكر بن المنكدر كما تقدّم.

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْجَرْجَرَائِيُّ حِبِّي، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ:«مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أبو الأشعث) هو شراحيل بن آدة بالمدّ وتخفيف الدال المهملة ويقال شراحيل بن شرحبيل بن كليب بن آدة. روى عن ثوبان وعبادة بن الصامت وأبى هريرة وشدّاد بن أوس وآخرين. وعنه عبد الرحمن بن يزيد وحسان بن عطية وأبو قلابة ومسلم بن يسار وجماعة، قال العجلي تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة إلا البخارى. و (الصنعانى) نسبة إلى صنعاء على غير قياس وهى قرية قربية من دمشق وهى الآن أرض ذات بساتين وقيل هى صنعاء اليمن

(قوله أوس بن أوس الثقفى) روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه أبو الأشعث وعبادة بن نسىّ. نقل عن ابن معين وأبى داود أنه هو أوس بن أبى أوس الثقفى وهو خطأ لأن أوس بن أبى أوس هو أوس بن حذيفة والتحقيق أنهما اثنان. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذى

(معنى الحديث)

(قوله من غسل يوم الجمعة الخ) روى غسل مخففا ومشددا ومعناه جامع امرأته قبل الخروح إلى الصلاة لأنه أغضّ للبصر في الطريق يقال غسل الرجل امرأته بالتشديد والتخفيف إذا جامعها. وقيل معناه غسل غيره واغتسل هو لأنه إذا جامعها أحوجها إلى الغسل وقيل أراد بغسل غسل أعضائه للوضوء ثم اغتسل للجمعة وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد وقيل التشديد فيه للمبالغة دون التعدية ومعناه غسل الرأس خاصة لأن العرب لهم لمم وشعور وفى غسلها كلفة فأفرد ذكر غسل الرأس لذلك. واغتسل معناه غسل سائر جسده وإليه ذهب مكحول ويؤيده الرواية الآتية (قال) النووى في شرح المهذب يروى غسل بالتخفيف والتشديد والأرجح عند المحققين التخفيف والمختار أن معناه غسل رأسه ويؤيده رواية أبى داود من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل. وإنما أفرد الرأس بالذكر لأنهم كانوا يجعلون فيه الدهن والخطمىّ ونحوهما وكانوا يغسلونه أولا ثم يغتسلون. وذكر بعض الفقهاء عسل بالعين المهملة

ص: 209

أى جامع وهو تصحيف

(قوله ثم بكر) بالتشديد على المشهور أى بادر إلى صلاة الجمعة أو إلى الجامع أو راح في الساعة الأولى وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه (وقال) ابن الأنبارى بكر أى تصدّق قبل خروجه ويجعل من ذلك ما روى في الحديث باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة رواه الطبرانى في الأوسط والبيهقي عن أنس

(قوله وابتكر) أى فعل فعل المبتكرين من الصلاة والقراءة وسائر وجوه الطاعة. وقيل معنى ابتكر أدرك أول الخطبة وأول كل شئ باكورته وقيل هما بمعنى وجمع بإنهما للتأكيد

(قوله ومشى) أى حال ذهابه للصلاة لأنه أقرب إلى الخشوع إن لم يكن له عذر أما حال رجوعه منها فلا يطالب بالمشي لانقضاء العبادة

(قوله ولم يركب) قيل إنه تأكيد لقوله مشى والمختار أنه تأسيس لإفادة شيئين "أحدهما" نفى توهم حمل المشى على المضىّ والذهاب وإن كان راكبا "والثانى" نفى الركوب بالكلية لأنه لو اقتصر على مشى احتمل أن المراد وجود شئ من المشى ولو في بعض الطريق فنفى ذلك الاحتمال وبين أن المراد مشي جميع الطريق ولم يركب في شيء منها

(قوله ودنا من الإمام واستمع) وفي نسخة فاستمع أى قرب من الإمام واستمع الخطبة فلا بدّ من الأمرين جميعا فلو قرب ولم يستمع أو استمع وهو بعيد لم ينل هذا الأجر

(قوله ولم يلغ) أى لم يتكلم لأن الكلام حال الخطبة لغو يقال لغا يلغو من باب نصر ولغى يلغى من باب علم لغتان والأولى أفصح وظاهر القرآن يقتضي الثانية قال تعالى "والغوا فيه" ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين المعجمة ويقال لغى يلغى من باب فتح (واختلف) في الكلام حال الخطبة هل هو حرام أو مكروه تنزيها "فقال" مالك وأبو حنيفة والجمهور بالحرمة وهو مقتضى الأحاديث الصحيحة "وذهبت" الشافعية إلى كراهته تنزيها

(قوله بكل خطوة) بضم الخاء المعجمة ما بين الرجلين في المشى وجمعه خطى وخطوات كغرف وغرفات بسكون الراء في الثانى وضمها وفتحها وبفتح الخاء المرّة وجمعها خطوات كشهوات والمراد بكل خطوة ذهابا وإيابا أو ذهابا فقط

(قوله أجر صيامها) بالرفع بدل من العمل

(قوله وقيامها) أى إحياء ليلها بالطاعة. والظاهر أن المراد أنه يحصل أجر من استوعب السنة بالصيام والقيام لو كان ولا يتوقف على تحقق الاستيعاب من أحد. ثم الظاهر أن المراد ثبوت أصل أجر الأعمال لا مع المضاعفات المعلومة بالنصوص ويحتمل أن يكون مع المضاعفات

(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل يوم الجمعة. وعلى طلب المبادرة بالذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة، وعلى استحباب المشى حال الذهاب إلى صلاتها وترك الركوب، وعلى طلب القرب من الخطيب والاستماع لقوله، وعلى مشروعية ترك الاشتغال بغير سماع الخطبة وأن من فعل ذلك يعطي ثوابا كثيرا جزيلا

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه والحاكم والبيهقي والترمذى وقال حديث حسن

ص: 210

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ» ثُمَّ سَاقَ نَحْوَهُ.

(ش) هذه رواية ثانية لحديث أَوس أوردها المصنف للتصريح فيها بغسل الرأس. ولم نقف على من أخرج هذه الرواية غير المصنف من المحدّثين

(قوله خالد بن يزيد) الجمحى أبو عبد الرحيم المصرى. روى عن سعيد بن أبى هلال والزهرى وعطاء بن أبى رباح وأبى الزبير وغيرهم. وعنه الليثِ بن سعد وحيوة بن شريح والمفضل بن فضالة وبكر بن مضر وآخرون. قال ابن يونس كان فقيها مفتيا ووثقة أبو زرعة والعجلى ويعقوب بن سفيان والنسائى وابن حبان وقال أبو حاتم لا بأس به. مات سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة

(قوله غسل رأسه) بالتخفيف وبالتشديد مبالغة. ورغبهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك لأنهم أصحاب شعور كما تقدم

(قوله ثم ساق نحوه) وفى نسخة وساق نحوه أى ساق عبادة بن نسىّ نحو حديث أبى الأشعث ويحتمل أن يكون ساق قتيبة نحو حديث محمد بن حاتم المتقدم

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمِصْرِيَّانِ قَالَا: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا» .

(ش)(قوله ابن أبى عقيل) هو أحمد المصرى

(قوله قال أخبرنى) أى قال عبد الله بن وهب أخبرنى أسامة. وفي بعض النسخ إسقاط لفظ قال. وغرض المؤلف بهذا بيان أن رواية ابن أبي عقيل صرّح فيها ابن وهب بأن أسامة أخبره بالحديث بخلاف محمد بن سلمة فإنه رواه بالعنعنة

(قوله ومسّ من طيب امرأته) أى إن لم يكن له طيب كما في الحديث السابق

(قوله عند الموعظة) أى الخطبة وسميت موعظة لاشتمالها على الوعظ

(قوله لما بينهما) أى لما بين الجمعتين

(قوله كانت له ظهرا) أى كانت هذه الصلاة لهذا المصلي مثل صلاة الظهر في الثواب

ص: 211

بمعنى أن الفضيلة التى كانت تحصل له من صلاة الجمعة لا تحصل له لفوات شروط هذه الفضيلة بسبب ارتكابه تخطى الرقاب واللغو. وفى هذا الحديث عمرو بن شعيب وقد سبق الخلاف فيه.

(فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب غسل الجمعة والتطيب ولبس أحسن الثياب يومها، وعلى التحذير من تخطى الرقاب والتكلم وقت الخطبة لما يترتب على ذلك من الحرمان من الثواب المرتب على صلاة الجمعة

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، نَا زَكَرِيَّا، نَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمِنَ الحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ".

(ش)(قوله زكريا) بن أبى زائدة

(قوله يغتسل من أربع) أى يغتسل من بعضها ويأمر بالغسل من بعضها لأنه لم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسل ميتا قط

(قوله من الجنابة) من تعليلية أى من أجلها وهو بدل بإعادة الجار ولا دليل في عطف ما بعده عليه على وجوب المعطوف لأن دلالة الاقتران غير حجة قال تعالى "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" والأكل جائز والإيتاء واجب إجماعا فيهما

(قوله ويوم الجمعة) بالجرّ عطف على الجنابة على تقدير من التعليلية وفى تركها إشارة إلى أن الغسل الواحد يوم الجمعة ينوب عن الجنابة والسنة إذا نواهما

(قوله ومن الحجامة) بكسر الحاء المهملة من حجمه حجما من باب قتل إذا شرطه أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل من أجلها

(قوله ومن غسل الميت) أى من أجل تغسيله (والحكمة) في مشروعية الغسل من الحجامة ومن غسل الميت أن الدم كثيرا ما ينتشر على الجسد ويتعسر غسل كل نقطة على حدتها ولأن المصّ بالآلة جاذب للدم من كل جانب والغسل يزيل السيلان ويمنع انجذابه. وأما الاغتسال من غسل الميت فلأن رشاش الماء ينتشر على بدن الغاسل فإذا علم أنه سيغتسل لم يأل جهدا في تغسيل الميت ولأن الغاسل يمسه الميت يحصل له ضعف فالغسل يزيل ذلك الضعف (والحديث) يدلّ على أن الغسل مشروع لهذه الأربع. أما غسل الجمعة فقد تقدم. وأما الغسل للحجامة فهو سنة عند الهادوية لهذا الحديث ولما روى عن علىّ أنه قال الغسل من الحجامة سنة وإن تطهرت أجزأك "والجمهور" على عدم استحبابه لأن الحجامة كالرعاف. ولما أخرجه الدارقطنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم ولم يزد على

ص: 212

غسل محاجمه لكن فيه صالح بن مقاتل وليس بالقوى، وأما حديث الباب فلا يحتج به لأنه متكلم فيه كما يأتى، وأما الغسل من غسل الميت فقد روى عن على وأبى هريرة وجوبه وهو قول الإمامية لحديث الباب وحديث من غسل ميتا فليغتسل رواه أحمد والأربعة عن أبى هريرة وقال أبو داود هذا منسوخ. وقال البيهقى الصحيح أنه موقوف. وقال أحمد لا يصح في الباب شيء. وقال مالك وأحمد وأصحاب الشافعى إنه مستحب وحملوا الأمر في حديث أبي هريرة على الندب لحديث كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل أخرجه الخطيب من حديث عمر وصحح ابن حجر إسناده ولحديث أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق أنها غسلت أبا بكر ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل عليّ من غسل قالوا لا رواه مالك (وقال) الليث والحنفية لا يستحب وقالوا المراد بالاغتسال في الأحاديث الواردة به غسل الأيدى لحديث إن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيدكم أخرجه البيهقى وحسنه ابن حجر (قال) الخطابى قد يجمع النظم قرائن الألفاظ والأشياء المختلفة الأحكام والمعانى ترتبها وتنزلها منازلها فأما الاغتسال من الجنابة فواجب بالاتفاق، وأما الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله ويأمر به استحبابا. ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى ولما لا يؤمن من أن يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم فالاغتسال منه استظهار للطهارة واستحباب للنظافة. وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق أكثر العلماء على أنه غير واجب وقد روى عن أبى هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من غسل ميتا فليغتسل. وروى عن ابن المسيب والزهرى معنى ذلك. وقال النخعى وأحمد وإسحاق يتوضأ غاسل الميت وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا ليس على غاسل الميت غسل (وقال) أحمد لا يثبت في الاغتسال من غسل الميت حديث. وقال أبو داود حديث مصعب بن شيبة ضعيف ويشبه أن يكون من رأى الاغتسال منه إنما رأى ذلك لما لا يؤمن أن يصيب الغاسل من رشاش المغسول نضح وربما كانت على بدن الميت نجاسة فإذا علمت سلامته منها فلا يجب الاغتسال اهـ ومما تقدم لك تعلم فقه الحديث

(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى والدارقطنى ولفظه عن عائشة قالت قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغسل من أربع من الجنابة والجمعة والحجامة وغسل الميت وقال مصعب بن شيبة ليس بالقوى ولا بالحافظ اهـ وضعفه أيضا أبو زرعة وأحمد والبخارى وصحح الحديث ابن خزيمة وأخرجه المصنف في كتاب الجنائز في باب الغسل من غسل الميت وقال حديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليها. وقال البخارى حديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك. وقال الإمام أحمد وابن المدينى لا يثبت في هذا الباب شئ. وقال محمد بن يحيى لا أعلم فيمن غسل ميتا حديثا

ص: 213

ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله.

(ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا مَرْوَانُ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَوْشَبٍ سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ «غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ» فَقَالَ:«غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ» ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قوله «غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ». قَالَ: قَالَ سَعِيدٌ: «غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ»

(ش) غرض المصنف بذكر هذين الأثرين بيان ما قاله مكحول أبو عبد الله الشامى الفقيه وسعيد بن عبد العزيز في تفسير غسل واغتسل في حديث أوس بن أوس الثقفى وهو أن معنى غسل غسل الرأس بخطمىّ ونحوه ومعنى اغتسل غسل سائر جسده. وكان المناسب ذكرهما عقب الحديث كما فعل البيهقى قال بعد تخريجه الحديث روينا عن مكحول أنه قال في قوله غسل واغتسل يعني غسل رأسه وجسده وكذلك قاله سعيد بن عبد العزيز وهذا هو الصحيح لأنهم كانوا يجعلون في رءوسهم الخطمىّ أو غيره فكانوا أولا يغسلون رءوسهم ثم يغتسلون والله تعالى أعلم اهـ

(رجال الأثرين)

(قوله مروان) بن محمد بن حسان

(قوله علىّ بن حوشب) على وزن جعفر أبو سليمان الفزارى الدمشقي. روى عن أبيه ومكحول الشامى وأبى سلام الأسود. وعنه زيد ابن يحيى والوليد بن مسلم وأبو توبة وغيرهم. وثقه أبو زرعة والعجلى وابن حبان وقال دحيم لا بأس به روى له أبو داود

(قوله محمد بن الوليد الدمشقى) بن هبيرة أبو هبيرة القلانسىّ الهاشمى. روى عن أبى مسهر وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الله بن يزيد وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون. قال ابن أبى حاتم صدوق وقال مسلمة لا بأس به أحاديثه مستقيمة. توفى سنة ست وثمانين ومائتين

(قوله أبو مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغسانى الدمشقي. روى عن صدقة بن خالد ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ويحيى بن حمزة وجماعة. وعنه أحمد وابن معين وأبو نعيم وأبو حاتم والبخارى وآخرون. قال أحمد رحم الله أبا مسهر ما كان أثبته ووثقه ابن معين والعجلى وقال الخليلى ثقة حافظ إمام متفق عليه وقال ابن وضاح كان ثقة فاضلا وقال ابن حبان كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان وإليه كان يرجع أهل الشام في الجرح والعدالة لشيوخهم وقال التنوخى كان من أحفظ الناس وقال أبو حاتم ما رأيت فيمن كتبنا عنه أفصح منه ولا رأيت أحدا في كورة أعظم قدرا ولا أجلّ عند أهل العلم من أبى مسهر وقال أبو داود كان من ثقات الناس. ولد سنة أربعين ومائة. وتوفى ببغداد

ص: 214

سنة ثمانى عشرة ومائتين وهو ابن سبع وسبعين سنة. روى له الجماعة إلا البخارى

(قوله سعيد ابن عبد العزيز) بن أبى يحيى التنوخى أبى محمد أو أبى عبد العزيز الدمشقى. روى عن الزهرى وبلال بن سعد وزيد بن أسلم ومكحول وعطاء وغيرهم. وعنه الثورى وشعبة وابن المبارك والوليد بن مسلم وأبو مسهر وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد والعجلى والنسائى وقال أحمد ليس بالشام رجل أصح حديثا منه وقال الحاكم أبو عبد الله هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة في التقدّم والفضل والفقه والأمانة دينا وورعا وكان مفتى أهل دمشق وقال ابن حبان في الثقات كان من عباد أهل الشام وفقهائهم ومتقنيهم في الرواية وقال ابن معين اختلط قبل موته ولد سنة تسعين. ومات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» .

(ش)(قوله عن سمىّ) هو مولى أبى بكر بن عبد الرحمن

(قوله من اغتسل) يدخل في عمومه كل من يصح منه التقرّب ولو أنثى أو مريضا أو مسافرا أو عبدا

(قوله غسل الجنابة) بنصب غسل صفة لمحذوف أى غسلا كغسل الجنابة ويشهد له رواية ابن جريج عن سمىّ عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة. وظاهره أن التشبيه في الكيفية لا في الحكم وهو قول الأكثر. وقيل إن المراد غسل الجنابة حقيقة حتى يستحب له أن يواقع زوجه ليكون أغضّ لبصره وأسكن لنفسه ويشهد له ما في حديث أوس السابق من قوله من غسل يوم الجمعة واغتسل الخ

(قوله ثم راح الخ) أى ذهب أول النهار. زاد في الموطأ في الساعة الأولى ويدلّ على هذا المعنى قرينة المقابلة وهى تعين المراد (قال) مالك المراد بالساعات لحظات لطيفة بعد زوال الشمس وبه قال القاضى حسين وإمام الحرمين من الشافعية وادّعوا أن ذلك حقيقة الرواح في اللغة لأن حقيقته من الزوال إلى آخر النهار والغدوّ من أوله إلى الزوال (ومذهب) جماهير العلماء

ص: 215

استحباب التبكير إلى الجمعة أول النهار وبه قال الشافعى وابن حبيب المالكي. والساعات عندهم من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره كما قاله الأزهرى وهذا هو الصواب الذى يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدى بدنه ثم من جاء في الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفى رواية النسائى السادسة وفي رواية مسلم والنسائى فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا. ومعلوم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انقضاء السادسة فدلّ على أنه لا شيء من الفضيلة لمن جاء بعد الزوال فلا يصح حمل الرواح على ما بعد الزوال. ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظار الصلاة والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوهما ولا يحصل هذا بعد الزوال. ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء (واختلف) العلماء هل تعتبر الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس (فقال) الروياني إن ظاهر كلام الشافعى أن التبكير يكون من طلوع الفجر وصححه الرافعى والنووى (وقال) الماوردى الأصح أنه من طلوع الشمس لأن ما قبل ذلك زمان غسل وتأهب (وقال) الرافعىّ ليس المراد من الساعات الساعات الفلكية وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه ومن جاء في أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة أو البقرة أو الكبش ولكن بدنه الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة وبدنة المتوسط متوسطة وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون درجة لكن درجات الأول أكمل. وأشباه هذا كثيرة. وقوله فكأنما قرّب بدنة أى تصدّق كقوله تعالى "إذ قرّبا قربانا" أى تصدّقا متقرّبين إلى الله تعالى. وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التى كانت للأمم الماضية. وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة في الثواب وأن نسبة ثواب الثاني إلى الأول كنسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا ويدلّ عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة وقيل معناه الإهداء بها إلى الكعبة لما في رواية للبخارى من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومثل المهجر كمثل الذى يهدى بدنة من الإهداء (وردّ) بأن إهداء الدجاجة والبيضة غير معهود فالوجه حمل رواية البخارى على التصدق أيضا. ولا وجه للردّ لأن الكلام وقع على التشبيه أى لو كان إهداء الدجاجة والبيضة ثابتا وأهدى أحد ذلك حصل له ثوابه فكذلك من أتى

ص: 216

إلى الجمعة في الساعات المذكورة يعطى له مقدار ثواب ذلك. والغرض من هذا التشبيه الحث على التبكير لأن حسنات الحرم أعظم "وأجاب" القسطلانى بأنه من باب المشاكلة أى تسمية الشئ باسم قرينه. والبدنة تقع على الواحدة من الإبل والغنم والبقر كما قال جمهور أهل اللغة. وسميت بذلك لعظم بدنها. وخصها جماعة بالإبل وهو المراد هنا بالاتفاق. والبدنة والبقرة يقعان على الذكر والأنثى والهاء فيه للوحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس (قال) النووى فيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقر لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدّم الإبل وجعل البقر في الدرجة الثانية اهـ وسيأتى الكلام على ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله تعالى

(قوله فكأنما قرّب كبشا أقرّن) الكبش فحل الغنم وصفه بأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة

(قوله فكأنما قرّب دجاجة) بفتح الدال المهملة وكسرها تطلق على الذكر والأنثى والتاء للوحدة لا للتأنيث

(قوله فكأنما قرّب بيضة) واحدة البيض والجمع بيوض وجاء في الشعر بيضاة، وفى رواية النسائى بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة. وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة وإسناد الروايتين صحيح "فإن قيل" كيف يتقرّب بالدجاجة والبيضة "قلنا" قد تقدم أن معنى التقرّب التصدق ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما. وفيه دليل على أن التقرّب والصدقة يقعان على القليل والكثير

(قوله حضرت الملائكة) بفتح الضاد المعجمة وكسرها لغتان مشهورتان والفتح أشهر وأفصح وفى مسلم فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر والمراد أنهم يطوون الصحف التي كانوا يكتبون فيها ثواب حاضرى صلاة الجمعة فلا يكتب بعد ذلك ثواب مخصوص بحضور الجمعة من هذه الأنواع. وكأن ابتداء طىّ الصحف عند ابتداء خروح الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم الخطبة. والمراد من الملائكة الملائكة الذين وظيفتهم كتابة حاضرى الجمعة وما يشتمل عليه من ذكر وغيره وهم غير الحفظة

(قوله يستمعون الذكر) أى الخطبة لأن فيها ذكر الله تعالى والثناء عليه والموعظة والوصية للمسلمين

(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل يوم الجمعة، وعلى طلب المبادرة بالذهاب إلى مسجد الجمعة، وعلى أن الجزاء على قدر العمل، وعلى أن الجمعة تحضرها الملائكة.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وكذا البيهقى في باب فضل التبكير إلى الجمعة وأخرجه ابن ماجه من حديث سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإمام طووا الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذى يليه كمهدى بقرة ثم الذى يليه كمهدى كبش حتى ذكر الدجاجة والبيضة

ص: 217