الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن مقسم عن ابن عباس الأمر بالتصدّق بدينار أو نصف دينار وفي رواية خصيف عن مقسم عنه الأمر بالتصدّق بنصف دينار ومثلها رواية على بن بذيمة عن مقسم غير أنها مرسلة وتقدم أنها محمولة على ما إذا وطئها في آخر مدّة الحيض أو أن فيها حذف الأمر بالتصدّق بدينار. ورواية الأوزاعي معضلة وفيها الأمر بالتصدّق بخمسى دينار وتقدم أنها ضعيفة أو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عمر بذلك تخفيفا عليه لعذره (قال) المنذرى بعد روايات حديث الباب كله قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروى مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا اهـ
(باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع)
أى في بيان ما يدلّ على جواز استمتاع الرجل بامرأته الحائض بكل شيء غير الوطء من المضاجعة والملامسة والتقبيل وغير ذلك
(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، ثَني اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ نُدْبَةَ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ عَنْ مَيْمُونَةَ، قالت «إنَّ النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى أَنْصَافِ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ تَحْتَجِزُ بِهِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله الرملى) نسبة إلى الرملة مدينة عظيمة بفلسطين بينها وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلا. و (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى
(قوله حبيب) الأعور المدنى (مولى عروة) بن الزبير. روى عن أسماء بنت أبى بكر وابنها عروة وندبة مولاة ميمونة وعنه الزهرى وعبد الله بن عروة بن الزبير وعبد الواحد بن ميمون والضحاك بن عثمان. قال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخظئُ. روى له أبو داود والنسائى ولم يرو له مسلم إلا حديث أىّ العمل أفضل. مات سنة ثلاثين ومائة
(قوله عن ندبة) بضم النون وفتحها وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة ويقال بذية بضم الموحدة مصغرة كما في رواية النسائى. روت عن مولاتها ميمونة. وعنها حبيب مولى عروة بن الزبير. روى لها أبو داود والنسائى. وذكرها ابن حبان في الثقات وابن منده وأبو نعيم في الصحابة
(معنى الحديث)
(قوله إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وفي رواية النسائى كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم. ولعل التأكيد هنا لما رأته ميمونة من تردّد بعض القوم في جواز الاستمتاع بالحائض فيما عدا الفرج
(قوله كان يباشر المرأة) أى يستمتع بها من
المباشرة التي بمعنى الملامسة يقال باشر الرجل زوجه تمتع ببشرتها. وقد ترد المباشرة بمعنى الوطء في الفرج والمراد هنا المعنى الأول اتفاقا
(قوله إذا كان عليها إزار الخ) هو ما يشدّ به الوسط إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين. وقيل كل ما وارى الإنسان وستره ويجمع على آزرة مثل وعاء وأوعية ويجمع أيضا على أزر كحمر ويذكر ويؤنث فيقال هو إزار وهى إزار
(قوله إلى أنصاف الفخذين) أى إلى نصفى الفخذين فالمراد بالجمع هنا التثنية ولم تعبر بها لاستثقال الجمع بين تثنيتين فما هو كالكلمة
(قوله أو الركبتين) أو هنا للتنويع وفي رواية النسائى والركبتين بالواو وهي بمعنى أو. والمعنى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضاجع المرأة من نسائه وهي حائض ويستمتع بها بغير الوطء إذا كان عليها ما يستر به الفرج من إزار يبلغ نصف فخذيها أو ركبتيها
(قوله تحتجز به) أى تجعله حاجزا بينها وبين زوجها، وهذه الجملة صفة للإزار ويجوز أن تكون حالا من المرأة لما في رواية النسائى من قولها محتجزة به أى حال كون المرأة ممتنعة بالإزار (وفى الحديث) دلالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يباشر نساءه حال حيضهن إذا كان عليهن ما يستر ما بين السرّة والركبة (واعلم) أن مباشرة الحائض على أقسام (أحدها) حرام بالإجماع وبنصّ القرآن العزيز والسنة الصحيحة وهو أن يباشرها بالجماع في الفرج عامدا ولو اعتقد مسلم حله يكفر وإن فعله غير معتقد حله فإن كان ناسيا أو جاهلا وجود الحيض أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة وإن وطئها عامدا عالما بالتحريم مختارا فقد ارتكب كبيرة يجب عليه التوبة منها اتفاقا والكفارة عند قوم وتستحب الكفارة عند الجمهور كما تقدم في الباب السابق (الثانى) المباشرة فيما فوق السرّة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك فهذا حلال بالإجماع (وما حكى) عن عبيدة السلمانى وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها (فهو شاذ) منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نساءه فوق الإزار وإذنه في ذلك وعليه إجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ولا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شيء من الدم أو لا خلافا لما حكى عن بعض الشافعية من أنه يحرم مباشرة ما فوق السرّة وتحت الركبة إذا كان عليها شيء من الدم (الثالث) المباشرة فيما بين السرّة والركبة في غير القبل والدبر وفيه ثلاثة أقوال (فعند) أبي حنيفة ومالك وسعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة حرام مطلقا وهو رواية عن أبى يوسف والقول الصحيح للشافعية مستدلين بحديث الباب وبحديث زيد بن أسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ما يحل لى من امرأتي وهي حائض فقال لتشدّ عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها رواه مالك (القول الثانى) الجواز مطلقا مع الكراهة التنزيهية وإليه ذهب عكرمة ومجاهد والشعبى والنخعى والحكم والثورى والأوزاعي وأحمد
وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود ومحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة وأصبغ المالكي مستدلين بحديث أنس مرفوعا اصنعوا كل شئ إلا النكاح رواه الجماعة إلا البخارى "واقتصاره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار "محمول" على الاستحباب جمعا بين قوله وفعله "ومباشرته" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليست" حرصا على نيل شهوة النفس بل للتشريع وفعله ذلك مع كلهن يفيد انتشاره كما أن القصد من إكثار الزوجات نشر الأحكام وحفظها لتخبر كل واحدة عما شاهدته (القول الثالث) إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته أو لشدّة ورعه جاز وإلا فلا
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز استمتاع الرجل بامرأته الحائض بكل أنواع الاستمتاع ما عدا الوطء بشرط أن يكون عليها إزار يستر من السرّة إلى نصف الفخذين أو الركبتين لتصون به مالا تحل مباشرته عن قربان الزوج
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى
(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا زَوْجُهَا» وَقَالَ مَرَّةً: «يُبَاشِرُهَا»
(ش)(قوله شعبة) هو ابن الحجاج، و (منصور) هو ابن المعتمر، و (إبراهيم) هو النخعى
(قوله يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر) أى يأمرها أن تشدّ عليها إزارا تستر به ما بين سرّتها وركبتها. وتتزر بتشديد المثناة الفوقية أصله تأتزر بهمزة ساكنة أبدلت الهمزة تاء وأدغمت في التاء إبدالا قياسيا على رأى البغداديين وشاذا على رأى غيرهم
(قوله ثم يضاجعها زوجها) أى ينام معها في فراش واحد (قال) العراقى انفرد المصنف بهذه الجملة الأخيرة وليس في رواية بقية الأئمة ذكر الزوج فيحتمل وجهين (أحدهما) أن تكون أرادت بزوجها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوضعت الظاهر موضع المضمر وعبرت عنه بالزوج ويدلّ على ذلك رواية البخارى وغيره وفيها وكان يأمرنى فأتزر فيباشرني وأنا حائض (والآخر) أن يكون قولها أولا يأمر إحدانا لا من حيث إنها إحدى أمهات المؤمنين بل من حيث إنها إحدى المسلمات والمراد أنه يأمر كل مسلمة إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يباشرها زوجها لكن جعل الروايات متفقة أولى ولا سيما مع اتحاد المخرج مع أنه إذا ثبت هذا الحكم في حق أمهات المؤمنين ثبت في حق سائر النساء اهـ
(قوله وقال مرّة يباشرها)
أى قال الأسود عن عائشة وفى نسخة قالت أى قالت عائشة في رواية أخرى يباشرها بدل يضاجعها والمراد يستمتع بها بالملامسة والتقبيل ونحو ذلك
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه بمعناه مطوّلا ومختصرا والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ، قال سَمِعْتُ خِلَاسًا الْهَجَرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: " كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَأَنَا حَائِضٌ طَامِثٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَ - تَعْنِي: ثَوْبَهُ - مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ "
(ش)(رجال الحديث)
(قوله جابر بن صبح) الراسي أبو بشر البصرى. روى عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وأمية بن عبد الرحمن وأم شراحيل وآخرين. وعنه شعبة ويحيى القطان وعيسى بن يونس وأبو الجراح المهدى وغيرهم. قال ابن معين والنسائى ثقة وقال الأزدى لا يقوم بحديثه حجة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله سمعت خلاسا) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام آخره سين مهملة هو ابن عمرو البصرى. روى عن عمار بن ياسر وابن عباس وعائشة وأبى رافع وعلىّ ابن أبى طالب وأبى هريرة وغيرهم. وعنه مالك بن دينار وقتادة وجابر بن صبح وداود بن أبى هند وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوى وقال ابن عدى له أحاديث صالحة ولم أر بعامة حديثه بأسا وقال العجلى بصرى تابعى ثقة. مات قبيل المائة. روى له البخارى ومسلم مقرونا وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. و (الهجرى) بهاء وجيم مفتوحتين نسبة إلى هجر قرية بقرب المدينة
(معنى الحديث)
(قوله نبيت في الشعار الواحد) بكسر الشين المعجمة الثوب الذى يلى الجسد سمى بذلك لأنه يلى الشعر يقال شاعرت المرأة نمت معها في الشعار الواحد بخلاف الدثار فإنه الثوب الذى يلبس فوق الشعار ومنه حديث الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار أى أنتم الخاصة والبطانة
(قوله طامث) كحائض وزنا ومعنى فهو تأكيد لفظى له يقال طمثت المرأة بالفتح وطمثت بالكسر من بابي ضرب وتعب حاضت وهو من الأوصاف الخاصة بالإناث فلا تلحقه التاء عند الوصف به لعدم اللبس ويجوز لحوق التاء به نظرا للأصل (والحديث) لا ينافي ما تقدم
من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يضاجع إحدى أزواجه وهي حائض أمرها أن تأتزر ثم يضاجعها لأن الظاهر أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا كانت تأتزر ثم تنام معه في الشعار. ويحتمل أنها كانت معه في الشعار من غير إزار ويكون ذلك خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويؤيده قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يملك أربه
(قوله فإن أصابه مني شيء الخ) أى فإن أصاب الشعار شيء من دم الحيض غسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الموضع الذى أصابه الدم ولم يتجاوزه إلى غيره
(قوله وإن أصاب تعنى ثوبه الخ) أصل التركيب وإن أصاب منه شيء فأتى الراوى بهذه العناية بيانا للمفعول المحذوف لئلا يتوهم أنه ضمير عائد على الشعار فيكون تكرارا والأقرب أن الذى أتى بهذه العناية خلاس الهجرى لأنه هو الذي سمع من عائشة وظاهره أن الإصابة أولا كانت للشعار وثانيا كانت للثوب وهو غير الشعار. ويحتمل أن يكون المراد بالثوب الشعار وأن الإصابة الثانية كانت بعد العود إلى النوم ويؤيده رواية النسائى عنها قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شئ غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه منى شيء فعل مثل ذلك غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. ويحتمل أن يكون الضمير في أصابه عائدا إلى بدنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون قوله ثم صلى في الأولى تصحيفا من بعض تلاميذ أبى داود ويشهد له ما أخرجه البيهقى من طريق ابن داسة بسنده إلى عائشة قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه شيء غسل مكانه ولم يعده وإن أصاب تعنى ثوبه منه غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. وليس في رواية المصنف ذكر العود لكنه مراد لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الشعار الواحد وعلى مشروعية الاقتصار في إزالة النجاسة على المكان الذى أصابته. وعلى طهارة الثوب الذى تلبسه الحائض ما لم يصبه شيء من الدم. وعلى مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحسن معاشرته أهله
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي بلفظ تقدم وأخرجه أحمد عن عائشة أيضا قالت كنت أبيت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الشعار الواحد وأنا طامث حائض قالت فإن أصابه مني شيء غسله ولم تعد مكانه وصلى فيه
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي
ابْنَ زِيَادٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غُرَابٍ قَالَ: إِنَّ عَمَّةً لَهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِحْدَانَا تَحِيضُ وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا إِلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ؟ قَالَتْ: أُخْبِرُكِ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ دَخَلَ فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِه - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِهِ - فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي وَأَوْجَعَهُ الْبَرْدُ فَقَالَ: «ادْنِي مِنِّي» . فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «وَأنْ، اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ» . فَكَشَفْتُ فَخِذَيَّ فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذِي، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ وَنَامَ
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عبد الله يعنى ابن عمر بن غانم) الرعينى مصغرا أبو عبد الرحمن نزل إفريقية. روى عن مالك بن أنس وداود بن قيس وإسراءيل بن يونس وغيرهم. وعنه عبد الله بن مسلمة وموسى بن إسماعيل وحجاج بن منهال. قال أبو حاتم مجهول وقال ابن يونس كان أحد الثقات الأثبات وقال أبو داود أحاديثه مستقيمة ما أعلم حدّث عنه غير القعنبي وقال ابن حبان في الضعفاء لا يحلّ ذكر حديثه ولا الرواية عنه في الكتب إلا على سبيل الاعتبار وذكر له عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه الشيخ في قومه كالنبى في أمته وهذا موضوع (قال) الحافظ ولعل ابن حبان ما عرف هذا الرجل لأنه جليل القدر ثقة لا ريب فيه ولعل البلاء في الأحاديث التى أنكرها ابن حبان ممن هو دونه وقال أبو العرب كان ثقة نبيلا فقيها ولى القضاء وكان عدلا في قضائه، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. ومات سنة تسعين ومائة روى له البخارى وأبو داود والترمذى
(قوله عمارة بن غراب) بضم أولهما اليحصبي. روى عن عمة له. وعنه عبد الرحمن بن زياد. قال أحمد بن حنبل ليس بشئ وذكره ابن حبان في الثقات وقال يعتبر حديثه من غير رواية الإفريقى عنه وقال في التقريب مجهول من السادسة وقال أبو موسى المديني من التابعين لا يثبت له صحبة. روى له أبو داود
(معنى الحديث)
(قوله قالت أخبرك الخ) أى قالت عائشة رضي الله تعالى عنها جوابا للسائلة أخبرك بصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو بالذى صنعه فما مصدرية أو موصولة
(قوله قال أبو داود تعنى مسجد بيته) أى تقصد عائشة بالمسجد الموضع الذى اتخذه في البيت للصلاة. وفى نسخة إسقاط لفظ قال أبو داود
(قوله فلم ينصرف الخ) أى لم ينصرف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من موضع صلاته حتى نمت وآلمه البرد فأقبل على وقال اقربى منى. وادنى أمر
من دنا يدنو وأصله ادنوى حذفت الواو تخفيفا وقلبت الضمة كسرة
(قوله وأن اكشفي عن فخذيك الخ) عطف على محذوف وأن زائدة أى اقربى واكشفي عن فخذيك فدنوت منه وكشفت فخذيّ فوضع جانب وجهه وصدره على فخذيّ تثنية فخذ. وذكرت الفخذين ثانيا بالاسم الظاهر والمقام للإضمار مشاكلة لكلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفعل ذلك تشريعا وإزالة لما كانت تعتقده من امتناع دنوّ الحائض من زوجها
(قوله وحنيت عليه) أى ملت وانثنيت عليه يقال حنا يحني من باب رمى وحنا يحنو من باب دعا مال عليه وانثنى
(قوله حتى دفئَ ونام) أى ذهب ما به من البرد يقال دفئَ دفاءة مثل كره كراهة ودفئَ دفأ مثل ظمئَ ظمأ والاسم الدفء بالكسر وهو السخونة والمعنى ملت عليه حتى نام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز حصول الأعراض البشرية التي لا نقص فيها له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى مشروعية اتخاذ مكان في المنزل للعبادة. وعلى جواز الاستمتاع بالحائض بغير الجماع، وعلى حسن معاشرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أهله وعلى مزيد اهتمامه بالعبادة
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى
(ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:«كُنْتُ إِذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنِ المِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرُبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله سعيد بن عبد الجبار) بن يزيد أبو عثمان القرشي الكرابيسي البصرى تزل مكة. روى عن حماد بن مسلمة ومالك بن أنس وفضيل بن عياض وعبد العزيز الدراوردى وطائفة. وعنه أبو زرعة ومسلم وأبو داود وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وأبو يعلى الموصلى وغيرهم. قال الخطيب كان ثقة وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفي بالبصرة آخر ذى الحجة سنة ست وثلاثين ومائتين
(قوله عن أبى اليمان) هو كثير بن اليمان وقيل ابن جريج الرحال المدني. روى عن شداد بن أبى عمرو وأم ذرّة. وعنه عند العزيز الدراوردى وأبو هاشم الزعفراني. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود
(قوله عن أم ذرّة) بالذال المعجمة المفتوحة والراء المشددة المدنية مولاة عائشة. روت عن عائشة وأم سلمة. وعنها ابن المنكدر وأبو اليمان وعائشة بنت سعد. قال أحمد بن عبد الله العجلى مدنية تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها أبو داود
(معنى الحديث)
(قوله عن المثال على الحصير) المثال بكسر الميم الفراش جمعه مثل وأمثلة وكان فراشه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أدم حشوه ليف كما رواه الترمذى، والحصير قيل وجه الأرض وقيل ما ينسج من النبات المسمى بالبردى ونحوه ويجمع على حصر مثل بريد وبرد
(قوله فلم نقرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) بفتح الراء وضمها مضارع قرب بكسرها وبفتحها (قال) في المصباح قربت الأمر أقربه من باب تعب وفى لغة من باب قتل فعلته أو دانيته اهـ (والثانى) هو المراد لقولها ولم ندن منه لأنه عطف تفسير وفيه التفات من ضمير الواحد إلى ضمير الجمع ولعلها تعنى نفسها وغيرها من أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(وفى الحديث) دلالة على أن نساءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كنّ يبعدن عنه زمن حيضهنّ ولعلّ هذا كان يقع منهن في بعض الأوقات بدليل الروايات الأخر في الباب الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينام معهنّ في الفراش والشعار الواحد. على أن هذا لا ينافى ما علم من قربه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهن لأن ذلك كان من جهته لا من جهتهنّ (قال) العيني وهذا الحديث لا بدلّ على منع الاستمتاع بالحائض بما دون الجماع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تارة كان يباشرهنّ وهنّ حيض وتارة لا يدنو منهنّ بحسب وقته (وبه تمسك) عبيدة السلمانى ومن تبعه في أن الرجل لا يباشر شيئا من الحائض قطّ وهو مردود اهـ (وقال) الطيبى والحديث منسوخ إلا أن يحمل القرب على الغشيان اهـ وردّ بأن النسخ لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع والجمع هنا ممكن كما تقدم فيتعين المصير إليه
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض ليس لها أن تقرب من زوجها زمن حيضها لاستقذار الحيض وهذا ما لم يطلب الزوج قربها منه على ما تقدم بيانه
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قالت «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا»
(ش)(حماد) هو ابن سلمة. و (أيوب) هو ابن كيسان السختيانى. و (عكرمة) هو مولى ابن عباس. و (بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) لعلها عائشة أو ميمونة
(قوله كان إذا أراد من الحائض شيئا الخ) أى كان إذا أراد الاستمتاع بها بغير الجماع في الفرج ألقى على فرجها ثوبا ليكون حائلا ومانعا من مسّ الفرج، وهو يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضع الثوب على الفرج فقط. ولعله كان يفعل ذلك أحيانا ويأمرهن بالائتزار أحيانا أو كان الائتزار في أول الحيض وإلقاء الثوب في آخره كما يدلّ عليه الحدث الآتى (والحديث) من أدلة من قال إن
الممنوع الاستمتاع بفرج الحائض فقط دون ما عداه مما بين السرّة والركبة
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِي فَوْحِ حَيْضَتِنَا أَنْ نَتَّزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُنَا. وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إَرَبَهُ؟
(ش)(رجال الحديث)(جرير) هو ابن عبد الحميد الرازى
(قوله الشيبانى) هو سليمان بن فيروز ويقال ابن عمرو الكوفي أبو إسحاق مولى بنى شيبان. روى عن عبد الله بن أبى أوفى وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعى وطائفة. وعنه ابنه إسحاق وأبو إسحاق السبيعى وعاصم الأحول وشعبة والسفيانان وكثيرون. قال ابن معين ثقة حجة وقال الجوزجاني رأيت أحمد يعجبه حديث الشيبانى وقال هو أهل أن لا ندع له شيئا وقال أبو حاتم ثقة صدوق وقال العجلى والنسائى كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي وقال ابن عبد البر ثقة حجة عند جميعهم مات سنة ثمان أو تسع وثلاثين ومائة. والشيبانى نسبة إلى شيبان محلة بالبصرة
(قوله عبد الرحمن ابن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعى أبو حفص الفقيه الكوفي أدرك عمر بن الخطاب. روى عن أبيه وعائشة وعلقمة بن قيس وأنس بن مالك وابن الزبير، وعنه أبو إسحاق السبيعى ومحمد ابن إسحاق ومالك بن مغول وعاصم بن كليب. قال ابن معين والنسائى والعجلى وابن خراش ثقة وزاد ابن خراش كان من خيار الناس وقال محمد بن إسحاق قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود فاعتلت إحدى قدميه فقام يصلى حتى أصبح على قدم فصلى الفجر بوضوء العشاء وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله في فوح حيضتنا) بفتح الفاء وسكون الواو وحاء مهملة أى معظمها وأولها كما في النهاية. وفي رواية البخارى ومسلم في فور بالراء وهى بمعناها (قال) الخطابى فوح الحيض معظمه وأوله ومثله فوعة الدم يقال فاح وفاع بمعنى واحد. وجاء في الحديث النهى عن السير في أول الليل حتى تذهب فوعته يريد إقبال ظلمته كما جاء النهى عن السير حتى تذهب فحمة العشاء اهـ والحيضة بفتح الحاء المهملة لا غير (وظاهره) يفيد أن الأمر بالائتزار مقيد بزمن فوح الحيض ومفهومه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يأمرهن به في غير زمن الفوح بل كان يكتقى بإلقاء ثوب على فرجها كما تقدم ويحتمل أن القيد لا مفهوم له وأن الغرض من الحديث
أنه كان يباشرهن فوق الإزار في فور الدم ففى غير فور الدم تكون المباشرة فوق الإزار جائزة بالطريق الأولى ويؤيده الروايات المطلقة عن التقييد بزمن الفور
(قوله وأيكم يملك أربه) أى أيكم يقدر على منع نفسه من الوطء في الفرج إذا باشر زوجه أى لا أحد منكم يملك ذلك فهو استفهام إنكارى بمعنى النفى. والأرب قال في النهاية أكثر المحدّثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء وله تأويلان (أحدهما) أنه الحاجة يقال فيها الأرب والإرب والإربة والمأربة (والثاني) أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة اهـ واختار الخطابى رواية الفتح وأنكر رواية الكسر وعابها على المحدّثين (قال) الأبىّ الإرب بالكسر مشترك بين العضو والحاجة مطلقا وإنما أنكر الخطابى رواية الكسر من حيث قصرها على العضو وتفسيرها به وأما من حيث صدقها على الحاجة فهى مساوية لرواية الفتح التي صوّبها ولا تكلف فيها إذ الغاية فيه أنه كنى بالعضو الخاص عن شهوة الجماع اهـ والمقصود منه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أملك الناس لنفسه فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرّم وهو الجماع في الفرج زمن الحيض
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستمتاع بالحائض أول نزول الحيض بغير الوطء إذا كان هناك حائل يستر الفرج. ويؤخذ من قول عائشة أن غير النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يملك شهوته كما كان يملكها هو فالأسلم لغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البعد عن المباشرة لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه
(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه
(باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة)
(في عدّة الأيام التى كانت تحيض)
أى في بيان حكم المرأة التى تصيبها الاستحاضة. وهي دم يخرح من المرأة في غير أوقاته المعتادة يسيل من العاذل وهو عرق في أدنى الرحم دون قعره. وقوله ومن قال تدع الصلاة أى وفى بيان من قال في روايته إن المستحاضة تترك الصلاة أيام حيضها المعتاد لها
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ»
(معنى الحديث)
(قوله أن امرأة) هى فاطمة بنت أبى حبيش كما صرّح المصنف به بعد
(قوله تهراق الدماء) وفي نسخة تهراق الدم وهى رواية النسائى وتهراق بضم ففتح مضارع هراق وأصله أراق أبدلت الهمزة هاء وهو مبنىّ لما لم يسمّ فاعله ونائبه ضمير يعود على المرأة وأصله تهراق دماؤها فحوّل الإسناد من الدماء إلى المرأة مبالغة والدماء منصبوب على التمييز وإن كان معرفة لأن أل زائدة ونظائره كثيرة. ويجوز رفعه على أنه نائب الفاعل وتكون أل عوضا عن المضاف إليه أى تهراق دماؤها ويجوز أن يكون تهراق مبنيا للفاعل أجرى على صيغة المبنى للمفعول مثل نفست المرأة غلاما ونتج الفرس مهرا، والدماء منصوب على المفعولية (قال) في المصباح راق الماء من باب باع انصبّ ويتعدّى بالهمزة فيقال أراقه صاحبه وتبدل الهمزة هاء فيقال هراقه والأصل هريقه على وزن دحرجه ولهذا تفتح الهاء من المضارع ومن الفاعل والمفعول وقد يجمع بين الهاء والهمزة فيقال أهراقه يهريقه ساكن الهاء مثل أسطاع يسطيع بفتح فسكون في الماضى وبضم فسكون في المضارع وفي الحديث أن امرأة كانت تهراق الدماء بالبناء للمفعول والدماء نصب على التمييز ويجوز الرفع على إسناد الفعل إليها والأصل تهراق دماؤها لكن جعلت الألف واللام بدلا من الإضافة كقوله تعالى عقدة النكاح أى نكاحها اهـ ملخصا
(قوله فاستفتت لها الخ) أى سألت أم سلمة أم المؤمنين رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأجل تلك المرأة لاستحيائها من السؤال عن ذلك بنفسها
(قوله لتنظر عدّة الليالى والأيام الخ) وفي رواية مالك في الموطأ لتنظر عدد الليالى والأيام التي كانت تحيضهن أى لتحسب عدد الأيام والليالى التى كانت تحيض فيها من الشهر قبل أن تستحاض وتترك الصلاة من الشهر الآتى قدر الليالى والأيام التي كانت تحيض فيها من الشهر الماضى قبل طروّ الاستحاضة عليها مثلا إذا كانت عادتها أن تحيض من كل شهر خمسة أيام من أوله تترك الصلاة خمسة أيام من الشهر الآتي
(قوله فإذا خلفت ذلك الخ) بتشديد اللام وفتح الفاء من التخليف أى إذا تركت قدر الليالى والأيام التي كانت تحيضها فلتغتسل غسل انقطاع الحيض لأن مدّة حيضها فيما مضى هى مدّة حيضها في هذا الوقت أيضا فإذا مضى هذا القدر خرجت من الحيض وصارت مستحاضة حكمها حكم الطاهرة (قال) الخطابى هذا حكم المرأة يكون لها أيام من الشهر تحيضها قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق دما ويستمرّ بها السيلان أمرها رسول الله صلى الله تعالى
عليه وعلى آله وسلم أن تدع الصلاة قدر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها ما أصابها فإذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت مرة واحدة وصار حكمها حكم الطواهر في وجوب الصوم والصلاة عليها وجواز الطواف إذا حجت وغشيان الزوج إياها إلا أنها إذا أرادت أن تصلى توضأت لكل صلاة تصليها لأن طهارتها طهارة ضرورة فيجوز أن تصلى بها صلاتى فرض كالمتيمم اهـ (وفي الحديث) دلالة على أن هذه المرأة كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أولا (وبه احتج) من قال إن المستحاضة المعتادة تردّ لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أم خالفها كأبي حنيفة والشافعى في روابة وأحمد في المشهور عنه وهو مبنى على ترك الاستفصال فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسألها أهي مميزة أم لا وترك الاستفصال منزّل منزلة العموم (ومذهب مالك) تردّ لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردّت إلى تمييزها وهو أصح قولى الشافعى
(قوله ثم لتستثفر بثوب) أى لتشدّ على فرجها خرقة عريضة بعد أن تحشوه قطنا وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها فيمتنع بذلك سيلان الدم وهو مأخوذ من سفر الدابة بفتح الفاء الذى يجعل تحت ذنبها
(قوله ثم لتصلّ) يحذف الياء للجازم وفي بعض النسخ بإثباتها للإشباع (ومثل) الصلاة سائر العبادات من صوم واعتكاف وقراءة قرآن وسجود تلاوة وهذا مجمع عليه (وقد اختلف) في إباحة وطئها حينئذ فالجمهور على جوازه لأن الله تعالى أمر باعتزال المرأة حائضا وأذن في إتيانها طاهرا وقد دلّ الحديث على أن المستحاضة إذا مضت أيام حيضها المقدّرة لها تغتسل وتصلى كالطاهر فيجوز وطؤها بالأولى. وفي البخارى عن ابن عباس يأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم (وعن) حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود والبيهقى وغيرهما بسند حسن وقال أحمد لا يأتيها إلا أن طول ذلك بها، وعنه أنه لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت، وعن عائشة قالت لا يأتيها زوجها وبه قال النخعى والحكم وكرهه ابن سيرين
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن من جهل شيئا من أمر دينه يطلب منه السؤال عنه أهل العلم، وعلى أنه يجوز أخذ العلم بواسطة، وعلى أن خبر الواحد حجة يعمل به، وعلى أنه يطلب من المسؤل أن يجيب السائل عما سأل عنه إذا كان عالما بالحكم، وعلى أن الحائض لا تجب عليها الصلاة، وعلى وجوب الغسل على المستحاضة المعتادة إذا انقضت عادتها، وعلى أن المستحاضة يجب عليها أن تستثفر لمنع الدم فإن لم تفعل ذلك لزمها إعادة الوضوء إذا خرج منها الدم "وحديث" تصلى المستحاضة ولو قطر الدم على الحصير "محمول" على من استثفرت ثم غلبها الدم ولا يردّه الثفر وكذا من به سلس البول يلزمه سدّ المجرى بقطن ونحوه ثم يشدّه بالعصائب فإن لم يفعل فقطر أعاد الوضوء، وعلى أن المستحاضة المعتادة تردّ لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أم لا وتقدم الخلاف في ذلك
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى ومالك في الموطأ والدارقطني والشافعى والبيهقي وحسنه المنذرى قال النووى إسناده على شرط الشيخين وقال البيهقي حديث مشهور إلا أن سليمان ابن يسار لم يسمعه من أم سلمة اهـ (أقول) لكن في الجوهر النقى ذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها ومن رجل عنها
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَا: ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قَالَ:«فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ» . بِمَعْنَاهُ.
(ش) هذه رواية ثانية لحديث أم سلمة من طريق الليث بن سعد ساقها المصنف لبيان أن الحديث رواه الليث بن سعد بمعنى ما رواه مالك غير أن الليث ذكر في سنده بين ابن يسار وأم سلمة رجلا لم يسمّ وزاد في متنه وحضرت الصلاة قيل قوله فلتغتسل وهي تفيد أن الحائض لا يجب عليها الغسل فورا بعد انقطاع الدم وإنما يجب بحضور وقت الصلاة. وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق يحيى بن بكير قال ثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلا أخبره عن أم سلمة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لتنظر عدد الليالى والأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يكون بها الذى كان بها وقدرهنّ من الشهر فتترك الصلاة لذلك فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغسل وتستثفر بثوب وتصلى
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَار، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ قَالَ:«فَإِذَا خَلَّفَتْهُنَّ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ» ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ
(ش) هذه الرواية ثالثة لحديث أم سلمة ساقها المصنف لبيان أن الليث قد تابعه في ذكر الواسطة بين سليمان وأم سلمة عبيد الله بن عمر بن حفص لكن هذا قد اختلف عليه فقد روى الحديث عنه أنس ابن عياض كذلك ورواه عبد الله بن نمير وأبو أسامة عنه كرواية مالك بلا واسطة بين ابن يسار وأم سلمة كما أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة وكذا أخرجه النسائى
وابن ماجه والدارقطنى من حديث أبى أسامة عن عبيد الله بن عمر وأبو أسامة أجلّ من أنس بن عياض وقد تابعه عبد الله بن نمير فروايتهما مرجحة بالحفظ والكثرة
(قوله أنس يعنى ابن عياض) بن ضمرة أبو ضمرة الليثى. روى عن أبى حازم وابن جريج والأوزاعي وموسى بن عقبة وآخرين. وعنه ابن وهب والشافعى والقعنبى وعلى بن المدينى وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن سعد كان ثقة كثير الخطأ وقال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة والنسائى لا بأس به. ولد سنة أربع ومائة. وتوفى سنة مائتين. روى له الجماعة
(قوله فذكر الخ) أى ذكر عبيد الله معنى حديث الليث المتقدم
(قوله قال فإذا خلقهن الخ) أى قال عبيد الله في روايته فإذا تركت الأيام التي كانت تحيضها وحضر وقت الصلاة فلتغتسل
(قوله وساق الحديث بمعناه) وفى نسخة وساق معناه ولفظه كما في النسائى عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت سألت امرأة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت إنى أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا ولكن دعى قدر تلك الأيام والليالى التى كنت تحيضين فيها ثم اغتسلى واستثفرى وصلى. ونحوه في الدارقطنى وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ:«فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ تُصَلِّي»
(ش) هذه رواية رابعة ساقها المصنف لبيان أن صخر بن جويرية تابع الليث كعبيد الله ابن عمر. و (صخر بن جويرية) هو أبو نافع مولى بني تميم وقيل مولى بنى هلال. روى عن أبى رجاء العطاردى وعائشة بنت سعد ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وعبد الرحمن ابن القاسم وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى وهو أكبر منه وبشر بن المفضل وحماد بن زيد ويحيى القطان وابن مهدى وابن علية وكثيرون. قال أحمد بن حنبل شيخ ثقة ثقة وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائى لا بأس به وقال أبو داود تكلم فيه وقال ابن معين صالح ليس حديثه بالمتروك إنما يتكلم فيه لأنه يقال إن كتابه سقط. روى له البخارى ومسلم والنسائى وأبو داود والترمذى
(قوله ولتستذفر بثوب) بذال معجمة من الذفر بفتحتين من باب تعب وهو في الأصل ظهور الرائحة طيبة أو كريهة والمراد به هنا الاستثفار كما في بعض النسخ من قوله ولتستثفر بثوب. وقد أخرج الدارقطنى حديث صخر عن نافع عن سليمان بن يسار بلفظ حدّثه رجل عن أم سلمة زوج النبي صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم أن امرأه كانت تهراق دما لا يفتر عنها فسألت أم سلمة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لتنظر عدد الأيام والليالى التي كانت تحيض قبل ذلك فلتترك الصلاة قدر ذلك ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل وتستثفر بثوب وتصلى
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِيهِ:«تَدَعُ الصَّلَاةَ وَتَغْتَسِلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَتَسْتَذْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي»
(ش) هذه رواية خامسة للحديث ساقها المصنف تقوية للرواية الأولى التي لا واسطة فيها
(قوله فيما سوى ذلك) أى فيما سوى تلك الأيام التي كانت تحيض فيها. والمعنى إذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت وصار حكمها حكم الطاهر كما تقدم. وقد أخرج الدارقطني أيضا حديث وهيب بلفظ إن أم سلمة استفتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبى حبيش فقال تنتظر أيام حيضها فتدع الصلاة قدر أقرائها ثم تغتسل وتصلى. وأخرجه البيهقي بسنده إلى أم سلمة أن فاطمة استحيضت فكانت تغتسل من مركن لها فتخرج وهي غالة الصفرة فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لتنظر أيام أقرائها وأيام حيضتها فتدع فيها الصلاة وتغتسل فما سوى ذلك وتستذفر بثوب وتصلى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " سَمَّى الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتِ اسْتُحِيضَتْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَن أَيُّوبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ "
(ش) أى بين حماد بن زيد في روايته عن أيوب السختياني اسم المرأة المستحاضة التي أبهمت في الروايات السابقة فقال فاطمة بنت أبي حبيش. وأبو حبيش بضم المهملة قيس بن المطلب. وقد أخرج حديث حماد الدارقطني بلفظ إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم فأمرت أم سلمة تسأل لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستذفر بثوب وتصلى. هذا وما يوهمه سياق المصنف من أن غير حماد بن زيد من تلاميذ أيوب لم يسمّ المرأة غير مراد فقد سماها أيضا وهيب وعبد الوارث وسفيان فقد أخرج الدارقطنى بسنده إلى وهيب نا أيوب عن سليمان بن يسار أن فاطمة بنت أبي حبيش "الحديث" وأخرج بسنده إلى عبد الوارث نا أيوب عن سليمان بن يسار أن أم سلمة استفتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش "الحديث" وأخرج بسنده "أى سفيان" عن أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله
وسلم أن فاطمة بنت أبى حبيش "الحديث"
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَرَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يزيد بن أبى حبيب) الأزدى المصرى أبو رجاء. روى عن عبد الله بن الحارث وأبى الطفيل وسويد بن قيس. وعنه سليمان التيمى ومحمد بن إسحاق ويزيد ابن أبى أنيسة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وآخرون. قال ابن سعد كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان حليما عاقلا وكان أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام وكان ثقة كثير الحديث وقال العجلى وأبو زرعة ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة
(قوله جعفر) بن ربيعة بن شرحبيل المصرى الكندى أبو شرحبيل. روى عن الأعرج وعراك بن مالك وأبى سلمة والزهرى وغيرهم وعنه حيوة بن شريح والليث بن سعد ويزيد بن أبى حبيب ويحيى بن أيوب وطائفة. قال أحمد كان شيخا من أصحاب الحديث ثقة وقال ابن سعد والنسائى ثقة وقال أبو زرعة صدوق مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة
(قوله عراك) بن مالك الغفارى المدني روى عن عبد الله بن عمر وأبى هريرة وعائشة وزينب بنت أبى سلمة وعروة بن الزبير وكثيرين. وعنه ابناه خثيم وعبد الله وسليمان بن يسار وجعفر بن ربيعة والحكم بن عتيبة ويحيى ابن سعيد الأنصارى. ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى ثقة من خيار التابعين ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم
(معنى الحديث)
(قوله إن أم حبيبة) هي بنت جحش وهي بهاء التأنيث على الصحيح قال ابن الأثير يقال لها أم حبيبة وقيل أم حبيب والأول أكثر اهـ واسمها حبيبة كما قال إبراهيم الحربى وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما صرح به مسلم في روايته (قال) ابن عبد البر بنات جحش ثلاث زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كنّ يستحضن كلهن. وقيل إنه لم يستحض منهن إلا أم حبيبة اهـ وقال ابن العربى المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس حمنة بنت جحش وأختها حبيبة وفاطمة بنت أبى حبيش
وسهلة بنت أبى سهيل وسودة أم المؤمنين اهـ
(قوله سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الدم) أى عن دم الاستحاضة أيمنع الصلاة ونحوها كما يمنع دم الحيض
(قوله مركنها) بكسر الميم وفتح الكاف وهو الإجانة التي تغسل فيها الثياب وغيرها
(قوله ملآن) على وزن عطشان وروى ملأى أيضا وكلاهما صحيح فالأول على لفظ المركن وهو مذكر والثانى على معناه وهو الإجانة. وظاهره أنه كان مملوءا دما خالصا وليس كذلك بل المراد أنها كانت تغتسل في المركن فتصب عليها الماء فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم فتعلو حمرة الدم الماء كما صرّح به في رواية مسلم. ولعل عائشة أخبرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما رأته تأكيدا لكثرة دم أم حبيبة وإشارة إلى أن كثرة دم الاستحاضة في غير أيام الحيض لا تمنع الصلاة وغيرها كما قد يتوهم
(قوله فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امكثى الخ) أى قال لأم سلمة انتظرى بلا صلاة ولا صوم عدد الأيام التي كانت تحبسك بكسر الباء أى تمنعك حيضتك عن الصلاة ونحوها فيها ثم اغسلى وافعلى ما كنت ممنوعة منه أيام الحيض
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن المستحاضة تترك الصلاة والصيام وقراءة القرآن ونحو ذلك من العبادات التي تتوقف على الطهارة مدّة أيام حيضها المعتادة لها قبل الاستحاضة فإذا انفضت تلك الأيام وجب عليها الغسل والصلاة والصوم ولو كان الدم جاريا
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بَيْنَ أَضْعَافِ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَة فِي آخِرِهَا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، فَقَالَا: جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ
(ش) أى روى قتيبة بن سعيد الحديث السابق وكتبه بين تضاعيف حديث جعفر بن ربيعة في أثنائها وفي آخرها فأضعاف بفتح الهمز أى أثناء ففى القاموس أضعاف الكتاب أثناء سطوره وغرض المصنف بهذا بيان أن قتيبة لما كتب هذا الحديث أثناء أحاديث جعفر بن ربيعة علم أن المراد بجعفر في السند ابن ربيعة وإن لم ينسبه قتيبة إلى أبيه ويؤيده قوله ورواه على بن عياش الخ أى روى الحديث السابق على بن عياش البصرى ويونس بن محمد عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب وقالا عن جعفر بن ربيعة بذكر أبيه. هذا، و (يونس) هو ابن محمد بن مسلم أبو محمد البغدادى الحافظ المؤدّب. روى عن عبيد الله بن عمر وسفيان بن عبد الرحمن وحرب بن ميمون والليث بن سعد والحمادين وطوائف. وعنه أحمد بن حنبل وعلى بن المديني وأبو خيثمة ومجاهد بن موسى
وعبد الله بن سعد وأبو بكر بن أبي شيبة وكثيرون. قال يعقوب بن شيبة ثقة ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات في صفر سنة سبع أو ثمان ومائتين قال الحافظ في تهذيب التهذيب يونس بن محمد الصدوق غير يونس بن محمد المؤدّب اهـ. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا، سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي إِذَا أَتَى قَرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ قَرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إِلَى الْقَرْءِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عيسى بن حماد) بن مسلم بن عبيد الله أبو موسى التجيبي. روى عن الليث بن سعد وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه وكثيرون. قال أبو داود لا بأس به وقال النسائى وأبو حاتم والدارقطني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. توفي في ذى الحجة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائتين
(قوله بكير بن عبد الله) بن الأشج القرشي مولاهم أبو عبد الله المخزومى. روى عن السائب بن يزيد وربيعة بن عباد وكريب وأبى أمامة بن سهل وسعيد بن المسيب وكثيرين. وعنه يزيد بن أبى حبيب وعمرو بن الحارث والليث بن إسحاق وجعفر بن ربيعة وابن عجلان وعبيد الله بن أبى جعفر وكثيرون. قال أحمد بن حنبل ثقة صالح وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائى والعجلى ثقة وقال ابن الطباع سمعت معن بن عيسى يقول ما ينبغى لأحد أن يفضل أو يفوق بكير بن الأشج في الحديث وقال ابن المدينى لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب ويحيى بن سعيد وبكير بن عبد الله الأشج، قيل مات سنة عشرين ومائة روى أنه الجماعة
(قوله المنذر بن المغيرة) الحجازى، روى عن عروة بن الزبير، وعنه بكير بن عبد الله بن الأشج. قال أبو حاتم مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات، روى له أبو داود والنسائى
(معنى الحديث)
(قوله فشكت إليه الدم) أى سيلان الدم الخارج عن العادة
(قوله إنما ذك عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء أى إنما دم الاستحاضة دم عرق يريد أن ذلك
علة حدثت بها من تصدعّ العرق فاتصل الدم وليس بدم الحيض الذى يدفعه الرحم لميقات معلوم فيجرى مجرى سائر الأثقال والفضول التي تستغنى عنها الطبيعة وتقذفها عن البدن فتجد النفس راحة لها فيها وتخلصها عن ثقلها وأذاها
(قوله إذا أتى قرؤك) بفتح القاف أو ضمها وسكون الراء أى حيضك المعتاد
(قوله فإذا مرّ قرؤك الخ) أى إذا مضى وقت حيضك فاغتسلى ثم صلى ما بين الحيض الماضى إلى الحيض الآتي وما بينهما استحاضة فلا تمنع الصلاة والصوم ونحوهما، وفيه حجة لأبى حنيفة ومالك حيث حملا القرء على الحيض وهو قول عمر بن الخطاب (قال الخطابى) وحقيقة القرء الوقت الذى يعود فيه الحيض أو الطهر ولذلك قيل للطهر قرء كما قيل للحيض قرء اهـ لكن المراد به هنا الحيض
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من المكلف أن يسأل عما جهله من أمر الدين ولا يمنعه الحياء ولو كان المسؤل كبيرا، وعلى طلب إجابة السائل ولو كان المسؤل أجلّ منه وعلى أن الحائض منهية عن الصلاة والمستحاضة مأمورة بها
(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي وأشار إلى أن في الحديث انقطاعا فقال قد بين هشام بن عروة أن أباه إنما سمع قصة فاطمة بنت أبى حبيش عن عائشة وروايته في الإسناد والمتن جميعا أصح من رواية المنذر بن المغيرة اهـ وهو مردود بأن هشاما إنما رواه عن أبيه عن عائشة وليس في روايته ما يبين أن أباه سمع القصة منها (وقال) ابن حزم إن عروة أدرك فاطمة ولا يبعد أن يسمع الحديث من عائشة ومن فاطمة اهـ
(ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ أَوْ أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يوسف بن موسى) بن راشد بن بلال أبو يعقوب القطان الكوفي أحد الأعلام. روى عن جرير بن عبد الحميد وابن نمير ويزيد بن هارون وابن عيينة ووكيع وكثيرين. وعنه البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وآخرون قال أبو حاتم ومسلمة وابن معين صدوق وقال النسائى لا بأس به وقال الخطيب وصفه غير واحد بالثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات في صفر سنة ثلاث وخمسين ومائتين
(قوله سهيل يعنى
ابن أبى صالح) اسم أبى صالح ذكوان السمان وهذه العناية من أبى داود أو من شيخه
(قوله أسماء) هى بنت عميس بن معد بن الحارث بن تميم الخثعمية أخت ميمونة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأمها. كانت تحت جعفر بن أبى طالب وبعد وفاته تزوّجها أبو بكر ثم على بن أبي طالب روى عنها ابنها عبد الله بن جعفر وابن عباس حفيدها القاسم بن محمد بن أبى بكر وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وآخرون هاجرت إلى الحبشة وكان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا ولما بلغها قتل ابنها محمد بن أبى بكر جلست في مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دما روى لها البخارى وأبو داود
(قوله أو أسماء) شك عروة في أن المحدّث له فاطمة أو أسماء وعلى كل فأسماء هى السائلة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي الرواية الآتية من طريق خالد بن عبد الله أن عروة حدّث عن أسماء بنت عميس بدون شك
(معنى الحديث)
(قوله فأمرها أن تقعد الخ) أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاطمة مباشرة لوجودها في المجلس أو بواسطة أسماء أن تمتنع عما تفعله الطاهرة في الأيام التى كانت تحيض فيها قبل ذلك الداء فلا تصلى فيها ولا تصوم ثم إذا انقضت تلك الأيام التى اعتبرت حيضا تغتسل ويكون حكمها بعد ذلك حكم الطاهرات، وبه تمسك أيضا من قال إن المعتادة تردّ إلى عادتها ولا عبرة بالتمييز
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ المصنف وأخرجه الدارقطني من طريق عروة عن أسماء بنت عميس قالت قلت يا رسول الله فاطمة بنت أبى حبيش استحيضت منذ كذا وكذا قال سبحان الله هذا من الشيطان فلتجلس في مركن فجلست فيه حتى رأت الصفرة فوق الماء فقال تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ثم تغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ثم تغتسل للفجر غسلا واحدا ثم توضأ بين ذلك وفي إسناده سهيل بن أبى صالح وفي الاحتجاج بحديثه اختلاف
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، " فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا
(ش) هذه رواية ثانية لحديث المستحاضة من طريق قتادة (وحاصلها) أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش بترك الصلاة أيام حيضها التي كانت عادة لها فإذا انتهت تغتسل وتصلى
(قوله لم يسمع قتادة الخ) يشير بذلك إلى أن سند هذه الرواية منقطع ولذا قال البيهقى ورواية عراك بن مالك عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة أصح من هذه الرواية
(ص) قال أبو داود وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ الْحِفَاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلَّا مَا ذَكَر سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ رَوَى الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ:«تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا»
(ش) هذه رواية ثالثة وحاصلها أن سفيان بن عيينة زاد في حديث محمد بن مسلم الزهري وعائشة فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها قال المصنف وهذا غلط من ابن عيينة فإن هذه الجملة لم يذكرها الحفاظ كيونس والأوزاعي وابن أبى ذئب وعمرو بن الحارث والليث في روايتهم عن الزهرى وإنما ذكروا ما تقدم في رواية سهيل بن أبى صالح عن الزهرى من قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل لكن قوله وقد روى الحميدى هذا الحديث الخ يتبين منه أن الوهم في ذكر هذه الزيادة ليس من ابن عيينة بل ممن روى عنه غير الحميدى والقول ما قال الحميدى لأنه أثبت أصحاب ابن عيينة فإنه لازمه تسع عشرة سنة (والحاصل) أن جملة تدع الصلاة أيام أقرائها ليست محفوظة في رواية الزهرى والمحفوظ فيها إنما هو قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ومعنى الجملتين واحد لكن المحدّثين معظم قصدهم إلى ضبط. الألفاظ المروية بعينها فرووها كما سمعوا وإن اختلطت رواية بعض الحفاظ في بعض ميزوها وبينوها، وما أشار إليه المصنف من أن الحميدى روى الحديث عن ابن عيينة ولم يذكر فيه تدع الصلاة أيام أقرائها ظاهره أنه في قصة أم حبيبة والمصنف حجة حافظ فلا ينافيه ما أخرجه البيهقي من طريق ابن أبى عمرو قال ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى وصلى. ثم أخرجه من طريق الحميدى قال ثنا سفيان ثنا هشام فذكره بإسناده ومعناه فإنه في قصة فاطمة بنت أبى حبيش كما ترى. ولا يشكل على دعوى تفرّد ابن عيينة من بين أصحاب الزهرى بهذه الزيادة ما يأتي للمصنف في الباب الآتي من قوله بعد الحديث الرابع زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهرى فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلى وصلى لأن ما زاده الأوزاعي مغاير لما
زاده ابن عيينة في المعنى وذلك أن ابن عيينة زاد فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها وهذا يفيد أنها كانت معتادة غير مميزة فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم أن تعمل على عادتها قبل استمرار الدم ولم يأمرها بترك الصلاة عند إقبال الحيضة. وأما ما زاده الأوزاعى فيفيد أنها كانت مميزة تعرف إقبال حيضها بدون الدم فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بترك الصلاة عند إقبال حيضتها التى تعرفها بتمييز الدم أو العادة. والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة كما سيأتى (وفى قول) المصنف ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهرى إلا ما ذكر سهيل بن أبى صالح (نظر) فإن حديث سهيل المتقدم في قصة فاطمة بنت أبى حبيش وكانت مميزة وما زاده ابن عيينة في قصة أم حبيبة بنت جحش وكانت معتادة غير مميزة فالوهم من سهيل لا من ابن عيينة ولذا لما أخرح البيهقى حديث الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إني أستحاض فقال إنما ذلك عرق فاغتسلى ثم صلى فكانت تغتسل عند كل صلاة قال هكذا رواه جماعة عن الزهرى ورواه سهيل بن أبى صالح عن الزهرى عن عروة فخالفهم في الإسناد والمتن جميعا ثم ذكر حديث سهيل السابق وقال هكذا رواه جرير بن عبد الحميد عن سهيل ورواه خالد بن عبد الله عن سهيل عن الزهرى عن عروة عن أسماء في شأن فاطمة بنت أبى حبيش فذكر قصة في كيفية غسلها إذا رأت الصفارة فوق الماء. ورواه محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهرى عن عروة عن فاطمة فذكر استحاضتها وأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها بالإمساك عن الصلاة إذا رأت الدم الأسود وفيه وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة دلالة على أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تميز بين الدمين ورواية سهيل فيها نظر وفى إسناد حديثه ثم في الرواية الثانية عنه دلالة على أنه لم يحفظها كما ينبغى اهـ
(قوله وقد روى الحميدى هذا الحديث الخ) أى روى حديث الزهرى عن ابن عيينة الحميدى ولم يذكر فيه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة أن تدع الصلاة أيام أقرائها. هذا (والحميدى) هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله ابن أسامة بن عبد الله بن حميدى الأسدى المكي. روى عن ابن عيينة وإبراهيم بن سعد والشافعى والوليد بن مسلم ووكيع وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه وكثيرون. قال أحمد إمام وقال أبو حاتم ثقة إمام وقال الحاكم ثقة مأمون. توفى بمكة سنة تسع عشرة أو عشرين ومائتين
(ص) وَرَوَتْ قَمِيرُ بِنْتُ عَمْرٍو زَوْجُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ»
(ش) هذه رواية رابعة لحديث المستحاضة موقوفة على عائشة، وغرض المصنف من سوقها وما بعدها بيان أن زيادة قوله تدع الصلاة أيام أقرائها وإن كانت وهما في حديث الزهرى فقد ثبتت من طرق أخرى. وهذه الرواية وصلها الدارقطني والبيهقى من طريق الشعبي عن قمير عن عائشة قالت المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل وتتوضأ كل صلاة (وقمير) بفتح القاف وكسر الميم هي (بنت عمرو زوج مسوق) روت عن زوجها وعائشة. وعنها عامر الشعبي ومحمد بن سيرين والمقدام بن شريح وعبد الله بن شبرمة. قال العجلى تابعية ثقة روى لها أبو داود
(ص) وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا»
(ش) هذا التعليق ذكره المصنف هنا مرسلا ووصله في باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا وليس فيه أمرها بترك الصلاة أيام أقرائها. و (عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمى أبو محمد المدني الإمام. روى عن أبيه وعبد الله بن عبد الله بن عمر وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى والزهرى وسماك بن حرب ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج والثورى والأوزاعي والليث وآخرون. وثقه أحمد وابن سعد وأبو حاتم والعجلى والنسائى قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات أهل المدينة فقها وعلما وديانة وحفظا وإتقانا. قيل مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة
(قوله عن أبيه) هو القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق
(قوله أمرها الخ) أى أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر أقرائها التي كانت عادة لها قبل ذلك ثم تغتسل وتصلى
(ص) وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
(ش) هذه رواية معلقة مرسلة وصلها المصنف مرسلة في باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث عن زياد بن أيوب قال نا هشيم نا أبو بشر عن عكرمة قال إن أم حبيبة بنت حجش استحيضت فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلى فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت. وكذا وصلها البيهقى من طريق إسماعيل بن قتيبة قال أنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن أبى بشر الخ. و (أبو بشر جعفر بن أبى وحشية) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة التحتية هى كنية أبيه واسمه إياس الواسطي
البصرى الأصل اليشكري. روى عن طاوس وعكرمة مولى أبن عباس وعطاء بن أبي رباح وسعيد ابن جبير والشعبي ونافع، وعنه الأعمش وأيوب وهما من أقرانه وشعبة وخالد بن عبد الله الواسطى وأبو عوانة وكثيرون، قال أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلى والنسائى ثقة وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به وقال البرديجى كان ثقة وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير وقال يحيى بن سعيد كان شعبة يضعف أحاديث أبى بشر عن حبيب بن سالم وقال أحمد كان شعبة يضعف حديث أبى بشر عن مجاهد قال لم يسمع منه شيئا وقال ابن معين طعن عليه شعبة في حديثه عن مجاهد، توفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائة وهو ساجد خلف المقام، روى له الجماعة
(قوله فذكر مثله) أى مثل ما تقدم في الرواية السابقة وهى أن المستحاضة تترك الصلاة قدر أقرائها
(ص) وَرَوَى شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «أن الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي»
(ش) هذا التعليق وصله المصنف في باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر عن محمد بن جعفر وعثمان بن أبي شيبة عن شريك وسيأتى شرحه فيه. ووصله ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة وإسماعيل عن شريك، ووصله الترمذى عن قتيبة عن شريك بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصوم وتصلى قال الترمذى تفرّد به شريك عن أبى اليقظان اهـ ولعله يشير به إلى أن أبا اليقظان ضعيف كما يأتي
(قوله عن أبى اليقظان) هو عثمان بن عمير البجلى ويقال ابن قيس الكوفي، روى عن أنس بن مالك وزيد بن وهب وأبى الطفيل وأبى وائل وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه الأعمش وحصين بن عبد الرحمن وشعبة وشريك والثورى وطائفة، قال ابن معين ليس حديثه بشئ وقال أبو حاتم ضعيف الحديث منكره كان شعبة لا يرضاه وقال عمرو بن على لم يرض يحيى ولا عبد الرحمن أبا اليقظان وقال أحمد بن حنبل ضعيف الحديث كان ابن مهدى ترك حديثه وقال مرّة منكر الحديث وقال البخارى منكر الحديث. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه
(قوله عدى بن ثابت) الأنصارى الكوفي. روى عن أبيه وجدّه لأمه عبد الله بن يزيد الخطمى والبراء بن عازب وعبد الله بن أبى أوفي وسعيد بن جبير وغيرهم. وعنه الأعمش وفضيل بن مرزوق وأبو إسحاق السبيعى ويحيى ابن سعيد الأنصارى وجماعة. وثقه أحمد والنسائى والعجلى والدارقطنى وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين شيعى مفرط وقال الجوزجانى مائل عن القصد وقال أبو حاتم صدوق وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم. مات سنة ست عشرة ومائة. روى له الجماعة
(قوله عن أبيه) هو ثابت بن عبيد بن عازب. روى عن أبيه عن جدّه في المستحاضة والعطاس والنعاس والتثاؤب
في الصلاة من الشيطان. وروى عنه ابنه عدى. ذكره ابن حبان في الثقات
(قوله عن جده) اختلف في اسم جدّ عدىّ اختلافا كثيرا فقيل عمرو بن أخطب وقيل عبيد بن عازب وقيل قيس الخطمى وقيل دينار وقيل غير ذلك ولا يصح من هذا شيء قال الترمذى سألت محمدا في البخارى عن جدّ عدى ما اسمه فلم يعرفه وذكرت له قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به وقال البخارى في التاريخ الأوسط حديثه يعني عدى بن ثابت عن أبيه عن جده وعن على لا يصح وقال أبو على الطوسى جدّ عدىّ مجهول لا يعرف. وسيأتى لهذا زيادة بيان في باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر
(ص) وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، إنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ، «فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ»
(ش) هذا تعليق مرسل وقد أخرجه البيهقى من طريق ابن داسة وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهذا فيما رواه ابن خزيمة عن العطاردى عن حفص بن غياث عن العلاء أتمّ من ذلك "ولا يقال" كيف احتج المصنف بهذه الروايات وكلها ضعيفة فإن رواية قمير موقوفة ورواية عبد الرحمن بن القاسم وأبى بشر والعلاء بن المسيب مرسلة ورواية شريك ضعيفة لما تقدّم "لأنا نقول" تعدّدها أكسبها قوّة حتى بلغت مرتبة ما يحتج به، على أن ترك الصلاة أيام القرء ثابت بأحاديث صحيحة فلا يتوقف ثبوته على هذه الروايات
(قوله العلاء بن المسيب) بن رافع الثعلبي الكوفي ويقال الأسدى الكاهلى. روى عن أبيه وعكرمة والحكم بن عتيبة وعطاء بن أبى رباح وإبراهيم النخعى وآخرين. وعنه زهير بن معاوية وحفص بن غياث والثورى وأبو عوانة وعطاء بن مسلم وغيرهم، قال ابن معين ثقة مأمون وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عمار ثقة يحتج بحديثه ووثقه العجلى ويعقوب بن سفيان وابن سعد وقال الحاكم له أوهام في الإسناد والمتن. روى له البخارى ومسلم والترمذى
(قوله عن أبى جعفر) هو محمد بن على بن الحسين بن علىّ المعروف بالباقر
(قوله إن سودة) هي بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية أم المؤمنين. تزوّجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبعد وفاة خديجة قبل عائشة وكانت قبله عند السكران بن عمرو فتوفى عنها، وأخرج الترمذى عن ابن عباس بسند حسن أن سودة خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت لا تطلقني وأمسكنى واجعل يومى لعائشة ففعل فنزلت {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها ابن عباس ويحيى بن عبد الله. قيل ماتت سنة أربع وخمسين ورجحه الواقدى روى لها البخارى حديثين وروى لها أبو داود والنسائى
(ص) وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَجْلِسُ أَيَّامَ قُرْئِهَا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْقِلٌ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ قَمِيرَ امْرَأَة مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَسَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، «أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا»
(ش) أراد المصنف بهذا بيان من قال من الصحابة والتابعين إن المستحاضة المعتادة تردّ إلى عادتها في الحيض وتترك الصلاة فيها (وحاصله) أن على بن أبى طالب وعائشة وابن عباس من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم والحسن البصرى وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحولا والنخعى وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد بن أبى بكر من التابعين رحمهم الله تعالى كلهم قالوا إن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها. وذكر المصنف هذه الروايات لبيان أن هذا الحكم مجمع عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج كما تقدم
(قوله عمار مولى بنى هاشم) هو ابن أبى عمار أبو عمرو ويقال أبو عبد الله المكي. روى عن أبى قتادة الأنصارى وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم. وعنه نافع وعطاء بن أبى رباح ويونس بن عبيد وشعبة ومعمر وكثيرون، قال أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائى ليس به بأس. روى له الجماعة
(قوله معقل) قال أبو حاتم يقال فيه زهير بن معقل والأول أصح. روى عن علي بن أبى طالب. وعنه محمد بن أبى إسماعيل الكوفى. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول من السادسة وقال الذهبى لا يعرف روى له أبو داود. و (الخثعمى) بفتح فسكون ففتح نسبة إلى خثعم قبيلة باليمن سميت باسم خثعم بن أنمار وقيل جبل فمن نزل به يقال لهم الخثعميون
(قوله وذلك روى الشعبى الخ) أى روى بسنده إلى عائشة أنها قالت إن المستحاضة المعتادة تترك الصلاة أيام عادتها. وقد تقدم ذلك عنها وأعاده المصنف لبيان أن عائشة ممن قال بذلك من الصحابة
(قوله ومكحول) هو ابن زبر ويقال ابن أبى مسلم بن شاذك الكابلى من سبى كابل أبو عبد الله الدمشقى الهذلى مولى امرأة من هذيل. سمع أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبا أمامة وغيرهم. روى عنه الزهرى والأوزاعي ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان وجماعة، قال العجلى تابعى ثقة وقال أبو حاتم ما بالشام أفقه من مكحول وقال ابن خراش صدوق وكان يرى القدر وقال ابن حبان في الثقات ربما دلس وقال
ابن سعد قال بعض أهل العلم كان ضعيفا في حديثه ورأيه. روى له مسلم وابن ماجه واستشهد به البخارى. توفي سنة بضع عشرة ومائة بدمشق
(قوله وسالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عمر القرشى العدوى المدني الفقيه. روى عن أبيه وأبى هريرة وأبى أيوب الأنصارى وعائشة والقاسم بن محمد. وعنه ابنه أبو بكر وعمرو بن دينار والزهرى وموسى بن عقبة وحميد الطويل وكثيرون. قال مالك لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه وقال ابن المبارك كان فقهاء المدينة ستة فذكره فيهم وقال أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه أصح الأسانيد الزهرى عن سالم عن أبيه وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ورعا. مات سنة ست أو سبع ومائة
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَا ثَنَا زُهَيْرٌ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فالت إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ:«إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي»
(ش) وفي بعض النسخ قبل هذا الحديث ترجمة باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة والأولى إسقاطها لدخول هذا الحديث والذى بعده في الترجمة السابقة
(قوله زهير) هو ابن معاوية بن خديج
(قوله أستحاض فلا أطهر) بالبناء للمفعول أى يستمرّ بها الدم بعد أيام عادتها. وفى رواية البخارى إنى لا أطهر أى لا أنظف ولا أنقى من الدم، وإنما قالت ذلك لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن استمرار نزول الدم
(قوله أفأدع الصلاة) أى أيكون لى حكم الحائض فأترك الصلاة ما دمت مستحاضة وهو كلام من تقرّر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة (وظاهر) الحديث أن بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسها وتقدم أن أم سلمة سألت لها وكذا أسماء بنت عميس، ولا منافاة بين الروايات لاحتمال أنها سألت مرّة بنفسها وأخرى بواسطة. ويمكن أن يقال في هذا الحديث إنها سألت بواسطة ولم يذكرها الراوى اختصارا
(قوله وليست بالحيضة) أنث الفعل نظرا للخبر. وفي رواية البخارى ليس بالتذكير وهو ظاهر. ويجوز في الحيضة فتح الحاء المهملة بمعنى الحيض وكسرها بمعنى الحالة والأول أظهر
(قوله فإذا أقبلت الحيضة) أى إذا أتت أيام حيضتك فيكون ردّا إلى العادة
أو أن المراد ظهرت الحال التى تكون للحيض من قوّة الدم في اللون فيكون ردًّا إلى التمييز ويجوز هاهنا على السواء كسر الحاء المهملة على إرادة الحالة والفتح على المرّة
(قوله فإذا أدبرت الخ) أى إذا انقطعت الحيضة فاغسلي عنك الدم ثم صلى بعد الاغتسال كما صرح به في رواية للبخارى من طريق أبى أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث وفيه ثم اغتسلى وصلى ولم يذكر غسل الدم وهذا الاختلاف بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم دون الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين فيحمل على أن كل فريق اقتصر على أحد الأمرين لوضوحه عنده (وعلامة) إدبار الحيض وانقطاعه عند أبي حنيفة وأصحابه الزمان والعادة فإذا نسيت عادتها تحرّت وإن لم يكن لها ظنّ أخذت بالأقلّ (وعند) الشافعى وأصحابه اختلاف الألوان هو الفاصل فالأسود أقوى من الأحمر والأحمر أقوى من الأشقر والأشقر أقوى من الأصفر والأصفر أقوى من الأكدر فتكون حائضا في أيام القوىّ مستحاضة في أيام الضعيف. والتمييز عنده بثلاثة شروط (أحدها) أن لا يزيد القوى على خمسة عشر يوما (والثانى) أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا (والثالث) أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين الحيضتين، وبذلك قال مالك وأحمد أفاده العينى (ثم قال) اعلم أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال لأول صلاة تدركها ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوما ويكون حكمها حكم الطاهرات ولا تستظهر بشئ أصلا. وبه قال الشافعى (وعن مالك) ثلاث روايات (الأولى) تستظهر ثلاثة أيام وما بعد ذلك استحاضة (والثانية) تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوما وهى أكثر مدّة الحيض عنده (والثالثة) كمذهبنا اهـ لكن ما عزاه لمالك من أن أقل الحيض يوم وليلة خلاف المشهور من مذهبه فإن المشهور فيه أن أقله بالنسبة للعدّة يوم أو بعض يوم له بال وبالنسبة للعبادة دفعة واحدة
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من الجاهل أن يسأل أهل العلم عما جهل، وعلى جواز مشافهة المرأة الرجال عبد الحاجة إلى ذلك، وعلى جواز السؤال عما شأنه أن يستحيى منه وعلى جواز استماع صوت المرأة الأجنبية عند الحاجة، وعلى أنه يطلب من المسئول وإن كان عظيما أن يجيب السائل. وعلى أن الحائض تترك الصلاة من غير قضاء ولم يخالف في عدم وجوب القضاء عليها إلا الخوارج، وعلى نهى المستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض وهو نهى تحريم ويقتضى فساد الصلاة هنا بالإجماع ويستوى فيها الفرض والنفل لظاهر الحديث ويتبعها الطواف وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر ومس المصحف ودخول المساجد. وعلى طلب إزالة ما يستقذر، وعلى نجاسة دم الحيض، وعلى أن الصلاة تجب بمجرّد انقطاع دم الحيض بلا استظهار
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والدارقطني والبيهقى
والطحاوى في شرح معاني الآثار بألفاظ متقاربة وأخرجه الترمذى وقال حسن صحيح
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِ زُهَيْرٍ، وَمَعْنَاهُ قَالَ:«فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي»
(ش)(قوله بإسناد زهير ومعناه) أي برجال حديثه وهم هشام وعروة وعائشة ومعناه ولفظه عند البيهقي عن عائشة أن فاطمة بنت أبى حبيش قالت يا رسول الله إنى لا أطهر أفأدع الصلاة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فاتركي الصلاة وإذا ذهب قدرها فاغسلى عنك الدم وصلي
(قوله فإذا ذهب قدرها) بالدال المهملة الساكنة أى قدر وقت الحيضة حسب عادتها. وصحف بعضهم هذه اللفظة فقال إذا ذهب قذرها بالذال المعجمة وهو غلط والصحيح أن المراد منه قدر الأيام التي كانت تحيض فيها ردّا إلى أيام العادة (والحديث يدلّ) بلفظه على أن هذه المرأة كانت معتادة كما جاء في رواية للبخارى وفيها ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلى وصلى (واستدلّ به) أبو حنيفة على أن المرأة تردّ إلى عادتها سواء أكانت مميزة أم غير مميزة، وبه قال الشافعى في أحد قوليه كما تقدم
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، عَنْ بُهَيَّةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَلُ عَائِشَةَ عَنِ امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آمُرَهَا «فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ، فَلْتَعْتَدَّ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ لِتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ أَوْ بِقَدْرِهِنَّ، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَذْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تُصَلِّي»
(ش) وفي بعض النسخ قبل هذا الحديث ترجمة "باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة" والصواب إسقاطها. ومناسبة الحديث للترجمة ما تقدم من أن إقبال الحيض قد يعرف بالعادة، وهذا حديث مختصر أخرجه البيهقي مطوّلا من طريق يحيى بن يحيى قال ثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل عن بهية قالت سمعت امرأة تسأل عائشة يعنى عن سبب حيضتها لا تدرى كيف تصلى فقالت لها عائشة سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لامرأة فسدت حيضتها وأهريقت دما لا تدرى كيف تصلى قالت، فأمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم فلتعتدّ، وفى حديث إسماعيل فلتقعد تقدّر ذلك من الأيام والليالى ثم لتدع الصلاة فيهن بقدرهن ثم لتغتسل ولتحسن طهرها ثم تستذفر
بثوب ثم تصلى فإني أرجو أن يكون هذا من الشيطان وأن يذهبها الله تعالى عنها إن شاء الله تعالى قالت فأمرتها ففعلت فمرى صاحبتك بذلك
(رجال الحديث)
(قوله أبو عقيل) بفتح العين المهملة هو يحيى بن المتوكل الضرير الحذاء المدني قدم بغداد ومات بها سنة تسع وستين ومائة. روى عن أبيه ويحيى بن سعيد الأنصارى والقاسم بن عبيد الله وعمر بن عبيد الله وغيرهم، وعنه ابن المبارك وأبو نعيم وأبو الوليد الطيالسى وغيرهم. قال النسائى ضعيف وقال أحمد أحاديثه عن بهية منكرة وما روى عنها إلا هو وهو واهي الحديث وقال الجوزجانى وابن معين والساجى منكر الحديث وقال ابن عمار ليس بحجة وقال عمر بن على فيه ضعف شديد وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وقال ابن حبان ينفرد بأشياء ليس لها أصول لا يرتاب الممعن في الصناعة أنها معمولة وقال ابن عدى عامة أحاديثه غير محفوظة وقال ابن عبد البر هو عند جميعهم ضعيف، روى له مسلم في المقدّمة وأبو داود
(قوله عن بهية) بضم الموحدة وفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية مولاة أبي بكر، روت عن عائشة وعنها أبو عقيل يحيى بن المتوكل. قال ابن عمار ليست بحجة وقال في التقريب لا تعرف
(معنى الحديث)
(قوله فسد حيضها الخ) أى خرج عن العادة واستمرّ الدم نازلا عليها كما ذكره بقوله وأهريقت دما أى نزل عليها دم الاستحاضة
(قوله فأمرني الخ) مرتب على محذوف أى قالت عائشة فسألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آمر السائلة أن تنتظر قدر الأيام التي كانت تحيضها قبل نزول دم العلة بها فلا تصلى ولا تصوم إلى غير ذلك مما هو ممتنع على الحائض فقوله فلتنظر من النظر بمعنى الانتظار قال تعالى "ما ينظرون إلا صيحة واحدة" أى ما ينتظرون أو من الإنظار وهو التأخير والإمهال والمعنى تؤخر نفسها عما يحرم على الحائض فعله
(قوله وحيضها مستقيم) جملة حالية من الضمير في تحيض أى في حالة استقامة الحيض قبل حصول الاستحاضة وهذا يدلّ على أنها كانت معتادة
(قوله فلتعتدّ) أى لتحسب أيام حيضها من الاعتداد يقال اعتددت بالشئ أدخلته في العدّ والحساب وفى نسخة فلتعدّ أى تحسب وفي أخرى فلتقعد
(قوله بقدر ذلك الخ) أى بقدر الأيام التى كانت تحيضها في كل شهر وحيضها مستقيم ثم لتترك الصلاة في مثل الأيام التي كانت تحيض فيها
(قوله أو بقدرهن) شك من الراوى أى بقدر الأيام التى كانت تحيض فيها
(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البيهقي بلفظ تقدم
(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمِصْرِيَّانِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله ابن أبى عقيل) هو أحمد بن أبى عقيل المصري روى عن ابن وهب. وعنه أبو داود. ذكره ابن خلفون في مشايخ أبى داود نقلا عن مغلطاى
(قوله وعمرة) هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، روت عن عائشة وأم حبيبة وأم سلمة وغيرهن، وعنها عروة بن الزبير ومحمد بن عبد الرحمن وابن أخيها يحيى بن عبد الله وأبو بكر ابن محمد وجماعة، قال ابن سعد وابن المديني كانت من الثقات العلماء بأخبار عائشة وقال ابن معين والعجلى ثقة حجة وذكرها ابن حبان في الثقات. قيل توفيت سنة ثمان وتسعين روى لها الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله ختنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية أى قريبة زوجته (قال) أهل اللغة الأختان جمع ختن وهم أقارب زوجة الرجل
(قوله وتحت عبد الرحمن بن عوف) أى أنها زوجه فعرّفها بشيئين أحدهما كونها أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش والثاني كونها زوج عبد الرحمن بن عوف
(قوله استحيضت سبع سنين) أى استمرّ بها الدم سبع سنين (قيل) فيه حجة لابن القاسم في إسقاطه عن المستحاضة قضاء الصلاة إذا تركتها ظانة أن ذلك حيض لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمرها بالإعادة مع طول المدّة. ويحتمل أن يكون المراد بقولها سبع سنين بيان مدّة استحاضتها مع قطع النظر عما إذا كانت المدّة كلها قبل السؤال أولا فلا يكون فيه حجة لما ذكر اهـ من الفتح
(قوله فاغتسلى وصلى) أى إذا مضت أيام الحيض المعلومة بالعادة أو التمييز فلتغتسل من الحيض ولتصلى وإلا فدم العرق لا يوجب غسلا
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى البيهقي وابن ماجه
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وزَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ،
وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَبْعَ سِنِينَ، " فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ غَيْرُ الْأَوْزَاعِي وَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ، وَيُونُسُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَعْمَرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ «وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَإِنَّمَا هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
(ش) هذه رواية ثانية لعائشة من طريق عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن الزهرى (وحاصلها) أن الأوزاعى زاد فيها قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلى وصلى (قال) الخطابى هذا خلاف الأول وهو حكم المرأة التي تميز دمها فتراه أسود ثخينا فذلك في إقبال حيضها ثم تراه رقيقا مشرقا فذلك حين إدبار الحيضة ولا يقول لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا القول إلا وهى تعرف إقبالها وإدبارها بعلامة تفصل بين الأمرين ويبين ذلك حديثه الآخر اهـ ومراده بالحديث الآخر ما أخرجه المصنف بعد عن فاطمة بنت أبى حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلى فإنما هو عرق، هذا وما قاله الخطابى غير متعين لما تقدم من أن إقبال الدم وإدباره يعرفان إما بالعادة وإما بالتمييز، وهذه الرواية وصلها النسائى مختصرة قال أخبرنا هشام بن عمار حدثنا سهل بن هاشم حدثنا الأوزاعى عن الزهرى عن عروة عن عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى، ووصلها البيهقى بلفظ أطول كما يأتي
(قوله ولم يذكر هذا الكلام الخ) أى لم يذكر ما زاده الأوزاعي في حديث الزهرى أحد من تلاميذه الآتى ذكر بعضهم غير الأوزاعي. وهذا غير مسلم فإن النعمان بن المنذر وأبا معبد قد وافقا الأوزاعي في رواية هذه الزيادة عن الزهرى "فقد" أخرج أبو عوانة والنسائى والطحاوى واللفظ له من طريق الهثيم بن
حميد قال أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معبد حفص بن غيلان عن الزهرى قال أخبرني عروة وعمرة عن عائشة قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش فاستفتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذه ليست بحيضة ولكنه عرق فتقه إبليس فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلى وصلى وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة
(قوله ورواه عن الزهرى الخ) أى روى هذا الحديث الذى تلته زيادة الأوزاعي عن الزهرى عمرو بن الحارث والليث بن سعد ويونس بن يزيد وابن أبى ذئب محمد بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق، ورواياتهم وصلها المصنف في الباب الآتى وعلق فيه رواية معمر بن راشد وإبراهيم بن سعد. هذا (وسليمان بن كثير) هو أبو داود العبدى البصرى. روى عن حميد الطويل وعمرو بن دينار والزهرى ويحيى بن سعيد الأنصارى وداود ابن أبى هند وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وحبان بن هلال ويزيد بن هارون وعبد الصمد ابن عبد الوارث وأبو الوليد. قال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال النسائى ليس به بأس إلا في الزهرى فإنه يخطئُ عليه قال في الخلاصة ردّا على النسائى حديثه عنه في مسلم احتجاجا وفي البخارى متابعة وقد قال ابن عدى له عن الزهرى أحاديث صالحة اهـ وقال العجلى جائز الحديث لا بأس به وقال العقيلى مضطرب الحديث عن ابن شهاب وهو في غيره أثبت وقال ابن حبان كان يخطئُ كثيرا فأما روايته عن الزهرى فقد اختلطت عليه صحيفته فلا يحتج بشئ ينفرد به عن الثقات. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له الجماعة
(قوله ولم يذكروا هذا الكلام) أى لم يذكر أصحاب الزهرى المذكورون ومنهم ابن عيينة ما زاده الأوزاعي في روايته عنه هنا وهو قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأم حبيبة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة الخ وهذا مغاير في المعنى لما زاده ابن عيينة سابقا في حديث الزهرى عن عمرة من قوله فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها كما تقدم فلا يقال إن في كلام المصنف تناقضا حيث ذكر ابن عيينة هنا ضمن من لم يذكر الزيادة في حديث الزهرى ونسب إليه فيما تقدم انفراده بالزيادة في حديث الزهرى
(قوله وإنما هذا لفط حديث هشام) أى إن لفظ إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة الخ إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبى حبيش فأدخلها الأوزاعي في حديث الزهرى عن عروة في قصة أم حبيبة وهما منه. وحديث هشام أخرجه البخارى ومسلم والبيهقي من عدّة طرق (منها) طريق ابن أبى عمرو عن سفيان عن الزهرى وقد تقدم (ومنها) طريق جعفر بن عون قال أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إنى امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذاك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى. هذا ما أراده المصنف
وقد تبعه البيهقى فقد وصل حديث الأوزاعي من طريق العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبى قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنها ليست بالحيضة إنما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى ثم صلى قالت عائشة وكانت أم حبيبة تقعد في مركن لأختها زينب بنت حجش حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء وقال ذكر الغسل في هذا الحديث صحيح وقوله فإذا أقبلت الحيضة وإذا أدبرت تفرّد به الأوزاعي من بين ثقات أصحاب الزهرى والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة وأن هذه اللفظة إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبى حبيش وقد رواه بشر ابن بكر عن الأوزاعي كما رواه غيره من الثقات اهـ هذا وكون أم حبيبة كانت معتادة لا يدلّ على أن ذكر فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة في حديثها يعدّ وهما لما تقدم من أن الإقبال والإدبار كما يعرفان بالتمييز يعرفان بالعادة
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيهِ أَيْضًا «أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَهُوَ وَهْمٌ مِن ابْنِ عُيَيْنَة، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْءٌ يَقْرُبُ مِنَ الَّذِي زَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ "
(ش) أَى زاد سفيان بن عيينة في حديث الزهرى في قصة أم حبيبة لفظ أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها كما زاد الأوزاعي فيه إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة قال المصنف وما زاده ابن عيينة وهم منه لتفرّده به وقد تقدم أن الوهم في ذكر هذه الزيادة ليس من ابن عيينة بل من أحد تلاميذه غير الحميدى ولعل إعادة هذا ثانيا خطأ من النساخ أو لقصد ضمه إلى ما قيل من الوهم في الحديث
(قوله وحديث محمد بن عمرو الخ) أى حديث محمد بن عمرو الآتى فيه كلام يقرب مما زاده الأوزاعي في حديثه من قوله إذا أقبلت الحيضة الخ (قال العيني) ووجه القرب أن في زيادة الأوزاعى الإقبال والإدبار وفي حديث محمد بن عمرو الذى يأتي ذكر الأسود وغيره ولا شك أن الأسود يكون في أيام الإقبال وغير اللأسود يكون في أيام الإدبار فافهم اهـ
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي
ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ دم أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله ابن أبى عدى) هو محمد بن إبراهيم بن أبى عدى
(قوله محمد يعني ابن عمرو) بن حلحلة بحائين مهملتين المدنى. روى عن الزهرى وعطاء بن يسار ووهب ابن كيسان ومحمد بن عمران وحميد بن مالك وآخرين. وعنه مالك بن أنس وعبد الله بن سعيد والوليد بن كثير وابن إسحاق ويزيد بن محمد القرشى وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى
(معنى الحديث)
(قوله إذا كان دم الحيضة) أى إذا وجد فهى تامة لا تحتاج إلى خبر
(قوله فإنه دم أسود يعرف) في محل رفع صفة لدم وفيه احتمالان لأن الأول مبنىّ للمجهول مأخوذ من المعرفة أى تعرفه النساء بلونه وثخانته كما تعرفه بالعادة والثانى أنه مبنىّ للمعلوم بضم أوله وكسر ما قبل آخره مأخوذ من الإعراف أى له عرف بفتح فسكون أى رائحة
(قوله فإذا كان ذلك الخ) بكسر الكاف أى إذا كان الدم الموجود دما أسود فاتركي الصلاة لأنه دم حيض فإذا كان الآخر أى غير الأسود بأن كان أصفر أو أشقر أو أكدر لأن غير الأسود أعمّ فتوضئى أى اغتسلى وتوضئى لوقت كل صلاة وصلى لأن الدم غير الأسود دم عرق انفجر لا دم حيض فلا يمنع صلاة ولا صوما ولا غيرهما مما يحلّ للطاهرات (وبهذا الحديث) تمسك مالك والشافعى في ردّ المستحاضة إلى التمييز وهو أقوى دليل لهما والتمييز إنما يعتبر عندهما إذا كان بين الدمين طهر تام أقله خمسة عشر يوما (قال) في سبل السلام هذا الحديث فيه ردّ المستحاضة إلى صفة الدم بأنه إذا كان بتلك الصفة فهو حيض وإلا فهو استحاضة وقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها إنما ذلك عرق فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى ولا ينافيه هذا الحديث فإنه يكون قوله إن دم الحيض أسود يعرف بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها إما بصفة الدم أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة عملت بعادتها. ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة فيكون قوله فإذا أقبلت حيضتك أى بالعادة. أو غير معتادة فيراد بإقبال حيضتها بالصفة ولا مانع من اجتماع المعرّفين في حقها وحق غيرها اهـ (وعند الحنفية) وأحمد في المشهور عنه لا اعتبار للتمييز وإنما الاعتبار للعادة كما تقدم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى
عنك الدم وصلى، وفي قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلى وفي قوله لتنظر عدّة الليالى والأيام التى كانت تحيضهن من أول الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها الخ وقالوا إن حديث الباب ضعفه أبو داود وغيره، لكن الحديث صححه ابن حبان والحاكم وابن حزم قال ابن الصلاح حديث يحتج به
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض يجب عليها ترك الصلاة، وعلى أن المستحاضة يجب عليها أداؤها. وعلى الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين كل شيء من الأحكام حتى ما شأنه أن يستحيى من ذكره مما يتعلق بأمر النساء
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والدارقطنى والبيهقي
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ هَكَذَا، ثُمَّ ثَنَا بِهِ بَعْدُ حِفْظًا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
(ش)(قوله قال ابن المثنى الخ) أى قال محمد بن المثنى حدثنا بالحديث المذكور ابن أبى عدى من كتابه هكذا أى يجعله من مسند فاطمة بنت أبى حبيش ثم حدثنا به من حفظه مسندا إلى عائشة والأول أقوى "فقد" أخرح البيهقى من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبى ثنا محمد بن أبى عدى ثنا محمد بن عمرو يعنى ابن علقمة عن الزهرى عن عروة أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فقال لها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن دم الحيضة أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئى وصلى فإنما هو عرق قال عبد الله سمعت أبي يقول كان ابن أبى عدي حدثنا به عن عائشة ثم تركه (وما قيل) إن فيما حدّث به ابن أبى عدى من كتابه انقطاعا لإسقاط عائشة بين عروة وفاطمة (مردود) بأنه لم يسقط من سنده راو، ومحمد بن أبى عدى مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل وقد حفظه وحدّث به مرّة عن عروة عن فاطمة ومرّة عن عائشة وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا شك ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته وقد صرح بأن فاطمة حدّثته، وقوله حدثنا محمد بن عمرو بيان لما حدّث به ابن أبي عدى من حفظه
(قوله فذكر معناه) أى ذكر ابن أبى عدى بسنده إلى عائشة معنى الحديث السابق. ولفظه عند النسائى عن عائشة أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئى وصلى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ورَوَى أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ:«إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي»
(ش) عرض المصنف بهذا وما بعده بيان أن ابن عباس ومكحولا ممن قالا باعتبار التمييز في المستحاضة. وأثر ابن عباس وصله البيهقي من طريق أبى بكر بن داسة عن أبى داود ووصله المدارمى قال أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية أنبأنا خالد عن أنس بن سيرين قال استحيضت امرأة من آل أنس فأمروني فسألت ابن عباس فقال إذا رأت الدم البحراني الخ. و (أنس بن سيرين) هو أبو موسى أو أبو عبد الله أو أبو حمزة الأنصارى البصرى مولى أنس بن مالك. روى عن مولاه وابن عمر وابن عباس وشريح القاضى وآخرين. وعنه ابن عون وشعبة وخالد الحذاء والحمادان وأبان وكثيرون وثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم والنسائى. مات سنة ثماني عشرة أو عشرين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى
(قوله إذا رأت الدم البحراني الخ) بفتح الموحدة يريد الدم الغليظ الواسع الذى يخرج من قعر الرحم ونسب إلى البحر لكثرته وسعته والمعنى أن المستحاضة إذا رأت دما كثيرا شديد الحمرة فلا تصلى وإذا رأت الطهر بانقطاع الدم البحراني ولو قليلا من الزمن فلتغتسل وتصلى فجعل ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما علامة دم الحيض خروج الدم الكثير وعلامة دم الاستحاضة خروج الدم غير الكثير
(ش) هذا الأثر أخرجه البيهقي من طريق المصنف ثم قال وقد روى معنى ما قال مكحول عن أبي أمامة مرفوعا بإسناد ضعيف ثم أخرج بسنده حديث أبى أمامة من طريق عبد الملك عن العلاء قال سمعت مكحولا يقول عن أبي أمامة الباهلى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر الحديث قال ودم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة ودم الاستحاضة أصفر رقيق فإن غلبها فلتحتش كرسفا فإن غلبها فلتعله بأخرى فإن غلبها في الصلاة فلا تقطع الصلاة وإن قطر ويأتيها زوجها وتصوم وتصلى. عبد الملك هذا مجهول والعلاء هو ابن كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبى أمامة شيئا اهـ ودعوى البيهقى أن العلاء في هذا الحديث هو ابن كثير يعارضه أن الطبراني روى هذا الحديث وفيه العلاء بن الحارث قال ابن أبى حاتم سألت أبى عن العلاء بن الحارث فقال ثقة لا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أوثق منه قال وحدثني أبي سمعت
دحيما وذكر العلاء بن الحارث فقدّمه وعظم شأنه وقال روى الأوزاعي عنه ثلاثة أحاديث وروى له مسلم في صحيحه
(قوله لا يخفى عليهن الخ) أى أن النساء لا يخفى عليهن دم الحيض لأنه دم أسود ثخين فإذا ذهب ذلك وصار أصفر رقيقا أو أشقر أو أكدر فإنها حينئذ تكون مستحاضة ويكون حكمها حكم الطاهرة فتغتسل وتصلى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ:«إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ» وَرَوَى سُمَيٌّ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب
(ش) غرض المصنف بهذه التعاليق بيان أن سعيد بن المسيب ممن يعتبر في المستحاضة العادة لا التمييز وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد كما تقدم. وقد وصل البيهقى أول هذه التعاليق من طريق يزيد بن هارون قال أنبأنا يحيى يعنى ابن سعيد أن القعقاع بن حكيم أخبره أنه سأل سعيد ابن المسيب عن المستحاضة فقال يا ابن أخى ما أجد أعلم بهذا منى إذا أقبلت الحيضة فلتدع الصلاة وإذا أدبرت فلتغتسل ثم لتصلّ وكذلك رواه حماد بن زيد عن يحيى
(قوله إذا أقبلت الحيضة) تقدّم أن المراد من إقبالها أيام حيضتها التي كانت لها عادة ومن إدبارها زمان انقطاعها
(قوله وروى سمىّ) بالتصغير هو أبو عبد الله القرشي المخزومى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن. روى عن مولاه وابن المسيب والقعقاع بن حكيم وأبى صالح. وعنه يحيى بن سعيد والسفيانان ومالك وعبيد الله ابن عمر وآخرون. وثقه أحمد والنسائى وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال قتله الحرورية سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة
(قوله وكذلك رواه حماد بن سلمة الخ) أى كما روى سمىّ روى حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن المسيب أنها تجلس أيام أقرائها
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ «الْحَائِضُ إِذَا مَدَّ بِهَا الدَّمُ تُمْسِكُ بَعْدَ حَيْضَتِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ»
(ش) غرض المصنف بهذا الأثر وما بعده أن الحسن البصرى وقتادة ممن قال بالاستظهار للمستحاضة
(قوله وروى يونس عن الحسن الحائض الخ) أى روى يونس بن عبيد البصرى عن الحسن البصرى أن الحائض إذا استمرّ بها الدم بعد انقضاء عادتها تمسك بعدها عن الصلاة
وغيرها استظهارا يوما أو يومين ثم تغتسل وتصلى وبه أخذ مالك في رواية. وهذا الأثر وصله الدارمى فقال أخبرنا حجاج حدثنا حماد عن يونس عن الحسن قال إذا رأت الدم فإنها تمسك عن الصلاة بعد أيام حيضها يوما أو يومين ثم هي بعد ذلك مستحاضة
(ص) وَقَالَ التَّيْمِيُّ: عَنْ قَتَادَةَ «إِذَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَلْتُصَلِّي» وقَال التَّيْمِيُّ: فَجَعَلْتُ أَنْقُصُ حَتَّى بَلَغَتْ يَوْمَيْنِ. فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِهَا، وسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ فَقَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ
(ش)(قوله وقال التيمى الخ) أى قال سليمان التيمى عن قتادة بن دعامة إذا زاد الدم على أيام حيضها المعتادة انتظرت خمسة أيام احتياطا ثم تغتسل وتصلى
(قوله فجعلت أنقص الخ) أى من الخمسة الأيام التي زادت على أيام حيضها حتى بلغت يومين فقال قتادة إذا كان الزائد يومين فلا تصلى فيهما ولا يحسبان في الاستظهار لأنهما من أيام الحيض بل عليها أن تمسك وتستظهر مما فوق اليومين بيوم أو يومين أو ثلاثة إلى خمسة أيام فهو يخالف الحسن في موضعين
(قوله وسئل ابن سيرين عنه الخ) أى سأل سليمان التيمى محمد بن سيرين عن الحكم المذكور فقال النساء اعلم بذلك لأنهن أعلم بأحوالهن فيفوّض إليهن حكم الاستظهار وغيره فهن يميزن دم الحيض عن دم الاستحاضة فابن سيرين لم يجبه وأحال على معرفة النساء. وقد أخرج الدارمى هذين الأثرين قال أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت لقتادة امرأة كان حيضها معلوما فزادت عليه خمسة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة أيام قال تصلي قلت يومين قال ذلك من حيضها وسألت ابن سيرين قال النساء أعلم بذلك
(ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُ قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا قَدْ
مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ. فَقَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ» . قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا» . فَقَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَثجُّ ثَجًّا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ» . قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذَلِكَ» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله وغيره) هو أبو جعفر محمد بن أبى سمينة كما في رواية أبى الحسن العبدى. وأبو سمينة بفتح السين المهملة كنية جده مهران وأبوه يحيى. روى عن هشيم والمعتمر بن سليمان وأبى عوانة وجرير بن عبد الحميد وبشر بن المفضل وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو يعلى وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن الحسين كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة تسع وثلاثين ومائتين
(قوله عبد الملك بن عمرو) بن قيس البصرى أبو عامر العقدى بفتح العين المهملة والقاف نسبة إلى العقد قوم من قيس. روى عن مالك بن أنس والثورى وشعبة وعكرمة بن عمار وفليح بن سليمان وغيرهم. وعنه على بن يحيى وعباس العنبرى وأحمد بن حنبل وابن معين وإسحاق بن راهويه وكثيرون. قال ابن معين وابن سعد ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ثقه مأمون وقال عثمان الدارمى أبو عامر ثقة عاقل وقال إسحاق أبو عامر الثقة الأمين وذكره ابن حبان وابن
شاهين في الثقات وقال ابن مهدى كتبت حديث ابن أبى ذئب عن أوثق شيخ أبى عامر العقدى مات سنة أربع أو خمس ومائتين. روى له الجماعة
(قوله زهير بن محمد) أبو المنذر العنبرى المروزى الخراسانى نزيل الشام والحجاز. روى عن زيد بن أسلم وعمرو بن شعيب وعاصم الأحول ويحيى بن سعيد الأنصارى وكثيرين. وعنه الوليد بن مسلم وأبو عاصم وعبد الرحمن ابن مهدى وأبو حذيفة وروح بن عبادة وآخرون. قال أحمد مستقيم الحديث ثقة لا بأس به وقال ابن معين صالح لا بأس به ثقة وقال عثمان الدارمى ثقة صدوق وقال النسائى ضعيف وقال أبو حاتم محله الصدق وفي حفظه سوء وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه فما حدّث به من حفظه ففيه أغاليظ وما حدّث من كتبه فهو صالح قال البخارى ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح وقال الساجى صدوق منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ ويخالف. مات سنة اثنتين وستين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائى
(قوله إبراهيم بن محمد بن طلحة) بن عبيد الله التيمى أبو إسحاق المدني. روى عن عمر بن الخطاب مرسلا وسعيد بن زيد وأبى هريرة وعائشة وابن عباس، وعنه عبد الله بن حسن وعبد الرحمن بن حميد. وثقه العجلى ويعقوب بن شيبة وقال النسائى كان أحد النبلاء وقال ابن سعد كان قليل الحديث. توفي سنة عشر ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في الأدب
(قوله عمران بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان بن كعب الليثى التيمى المدنى. ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسماه عمران. روى عن أبيه وأمه حمنة بنت جحش وعلى بن أبى طالب وخولة الأنصارية. وعنه ابنا أخويه معاوية بن إسحاق وإبراهيم بن محمد وسعد بن طريف، وثقه ابن سعد وقال العجلى مدنى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله حمنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بنت حجش الأسدية أخت زينب زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. كانت تحت مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله. روى عنها ابنها عمران ابن طلحة. روى لها أبو داود والترمذى وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله كثيرة شديدة) أى أيامها كثيرة ودمها شديد الدّفق
(قوله أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع وإلا فمقتضى الظاهر أن تقول فأخبره وأستفتيه أى أخبره بحالى وأسأله عن حكم هذا الدم
(قوله قد منعتنى الصلاة والصوم) أى منعتنى الحيضة من أدائهما وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما حملها على السؤال أو في محل نصب حال من الضمير في قولها فيها
(قوله أنعت لك الكرسف الخ) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة أى أصف لك القطن فاستعمليه واحشى به فرجك فإنه يذهب الدم لأن من شأنه تنشيف الرطوبات ولا سيما العتيق منه
(قوله
قالت هو أكثر من ذلك) أى دمى أكثر من أن ينقطع بالقطن لاشتداده وفوره
(قوله فاتخذى ثوبا) أى إن لم يكف القطن فاستعملي الثوب مكانه ليقطع حجمه خروج الدم. وفي نسخة فتلجمى قبل قوله فاتخذى ثوبا. وفي رواية الدارقطني الاقتصار على فتلجمى. والتلجم أن تشدّ على وسطها خرقة أو خيطا وتأخذ خرقة أخرى فتدخلها بين أليتها وتشدّ طرفيها في وسطها من خلف وأمام وتلصق الخرقة المشدودة بين أليتيها بالقطنة التي على الفرج إلصاقا جيدا
(قوله إنما أثج ثجا) بفتح الهمزة وكسر المثلثة أى يسيل منى الدم سيلانا شديدا يقال ثج الدم من باب ضرب سال بشدة فهو ثجاج وعلى هذا فنسبة الثجّ إليها للمبالغة كأنها صارت عين الدم السائل. وقد يتعدى فيقال ثججته ثجا من باب قتل أى صببته صبا ويكون مفعول ثجّ محذوفا تقديره أثجه ثجا وذكر المصدر ينبئُ أيضا عن كثرة الدم
(قوله سآمرك بأمرين الخ) أى سأرشدك إلى عملين وهما الغسل لكل صلاة في وقتها والغسل للظهر والعصر في آخر الظهر والجمع بينهما جمعا صوريا وللمغرب والعشاء كذك وللصبح أيهما فعلت كفاك عن الآخر فإن قدرت على كلّ منهما فاخثرت الأقوى منهما وهو الغسل لكل صلاة فأنت أدرى بحالك، وإنما فسرنا الأمرين بما ذكر وإن كان ظاهر الحديث لا يفهم منه ذلك لقول المصنف في آخر الباب الآتى قال أبو داود وفى حديث ابن عقيل الأمران جميعا قال إن قويت فاغتسلى لكل صلاة وإلا فاجمعى. وعليه فيكون المراد بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب بعد فصلى ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين أى مع الغسل لكل صلاة فيكون هو الأمر الأول والثانى هو الغسل في كل يوم ثلاث مرّات على ما تقدم. ويحتمل على بعد توزيع الأمرين على حال السائلة فإن قدرت على معرفة عادتها بأى علامة ردّت إليها ثم تغتسل غسلا واحدا عند تمامها وتصلى باقى الشهر وهذا هو الأمر الأول وإن لم تقدر على معرفة عادتها تغتسل لكل صلاة أو تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وكذا للمغرب والعشاء وتصلى الصبح بغسل وهكذا تفعل دائما وهذا هو الأمر الثانى والشقّ الأول منه مطوىّ في الحديث دلت عليه الروايات الآتية
(قوله إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) أى إنما هذه الثجة ونزول الدم بكثرة سبب في تسلط الشيطان وتلبيسه عليها والركضة بفتح الراء وسكون الكاف أصلها الضرب بالرجل والإصابة بها يريد به الإضرار والأذى ومعناه والله أعلم أن الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها ووقت طهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها فكأنها ركضة نالتها من ركضاته وقيل هو حقيقة وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقها. والغرض من هذا بيان أن ما أصابها من الدم ليس بالحيض الذى يمنع الصلاة والصوم وغيرهما وإنما هو دم عرق
(قوله فتحيضى الخ) أى اقعدى أيام حيضك عن الصلاة واتركي ما تتركه الحائض ستة أيام أو سبعة. وأوفي قراء ستة
أيام أو سبعة قيل للشك من الراوى أو للتنويع. ولعل هذه المرأة كانت معتادة ونسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تتحرّى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين ويؤيده قوله في علم الله أى فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرها بذلك اعتبارا لحالها بحال من هنّ مثلها من النساء في السنّ والمزاج فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستة قعدت ستة وإن كانت سبعة فسبعة. وقيل إن أو للتخيير بين كل واحد من العددين
(قوله واستنقأت) أى بلغت وقت النقاء والنظافة وهو هكذا في أكثر النسخ بالهمزة وفى نسخة واستنقيت بالياء وهو القياس لأنه من نقى الشئ ينقى من باب تعب نقاء ونقاوة نظف فهو نقيّ ويتعدّى بالهمز والتضعيف يقال أنقيته ونقيته إذا نظفته
(قوله فصلى ثلاثا وعشرين ليلة الخ) أى إن كانت أيام الحيض سبعة وأربعا وعشرين ليلة إن كانت أيام حيضها ستة فأوهنا للتنويع
(قوله وصومى) أى ما شئت من تطوّع وفريضة
(قوله فإن ذلك يجزئك) من الإجزاء أى يكفيك. وهذا أول الأمرين المأمور بهما
(قوله كما يحضن النساء الخ) أى اجعلى مدة حيضك بقدر ما يكون حيض النساء عادة من ست أو سبع وكذلك اجعلى مدة طهرك بقدر ما يكون طهر النساء عادة من ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين وهذا مبني على الغالب من عادة النساء في الحيض، وما في قوله كما تحيض مصدرية وميقات على وزن مفعال ظرف بمعنى الوقت. وفي نسخة كما يحضن. وفى العينى كما تحيض بتشديد الياء أى كما تقعد النساء أيام حيضهن عن الصلاة
(قوله وإن قويت الخ) وفى نسخة فإن قويت أى إن قدرت بعد مرور الستة أو السبعة أن تغتسلى للظهر والعصر غسلا واحدا وتجمعى بينهما جمعا صوريا بأن توقعى الظهر في آخر وقته والعصر في أول وقته وكذا تفعلين في المغرب والعشاء وتغتسلين للصبح فافعلى. وهذا ثانى الأمرين. وتعليقه عليه الصلاة والسلام هذا بقوّتها لا ينافى قوله السابق فإن قويت عليهما فأنت أعلم لأن ذلك لبيان أنها إذا قويت على أى الأمرين بما تعلم من حالها وفعلته أجزأها وهذا لبيان أنها إذا قويت عليهما فالأولى لها أن تختار ما أحبه لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم لكونه الأسهل عليها وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم وقوله على أن تؤخرى بحذف نون الرفع لنصبه بأن المصدرية. وفى رواية على أن تؤخرين بإثبات النون فيها وما عطف عليها من الأفعال بعدها بجعل أن مخففة ولا يقال إن شرطها أن تقع بعد علم أو ظن وهو غير موجود لأنا نقول قوله إن قويت معناه إن علمت من نفسك أو ظننت منها القوّة
(قوله وهذا أعجب الأمرين إلىّ) أى والأمر الثانى أحبهما إلىّ لأنه أيسر وأسهل
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب السؤال عن أحكام الدين ولو كان المسئول عنه مما شأنه أن يستحيى منه. وعلى مشروعية المراجعة في الجواب. وعلى أن المجيب يطلب منه أن يقبل
ما يبديه السائل حيث كان له وجه. وعلى مشروعية التداوى من الأمراض. وعلى أنه يطلب من المجيب أن يسلك مع السائل مسلك السهولة. وعلى أن الشخص يوكل إلى دينه وعلمه في الأمور التي لا تعلم إلا من جهته. وعلى أن الشيطان له تسلط على الإنسان. وعلى أن المستحاضة يجب عليها الصلاة والصوم ونحوهما دون الحائض. وعلى أن المستحاضة التي لم تعرف عادتها ولم تميز ترجع إلى الغالب من عادة النساء في الحيض والطهر. وعلى أن المستحاضة تجمع بين الصلاتين بغسل واحد وعلى أن الجمع الصورى بين الصلاتين مشروع. وعلى أنه يطلب من المفتى أن يرشد المستفتى إلى ما هو أحسن
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارقطني وكذا أحمد والترمذى وصححاه وابن ماجه والحاكم وذكر البخارى تحسينه كما يأتى
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ فقَالَ: قَالَتْ: حَمْنَةُ: «هَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ جَعَلَهُ كَلَامَ حَمْنَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ رَافِضِيا وَذَكَرَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ
(ش) هذه رواية أخرى للحديث وصلها الدارقطني قال حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا نا عباد ابن يعقوب نا عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل بهذا الإسناد نحوه اهـ وقال البيهقى بعد نقله رواية المصنف وعمرو بن ثابت هذا غير محتج به وبلغنى عن أبى عيسى الترمذى أنه سمع محمد ابن إسماعيل البخارى يقول حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم ابن محمد بن طلحة هو قديم لا أدرى سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا وكان أحمد بن حنبل يقول هو حديث صحيح
(قوله رواه عمرو بن ثابت الخ) أى روى هذا الحديث عمرو بن ثابت ابن هرمز البكري أبو محمد أو أبو ثابت الكوفى. روى عن أبيه وأبى إسحاق السبيعى والأعمش وسماك بن حرب والحكم بن عتيبة وجماعة. وعنه أبو داود الطيالسي ويحيى بن بكير ويحيى بن آدم وعبد الله بن صالح وسعيد بن منصور والحسن بن الربيع وآخرون. قال أبو زرعة وأبو حاتم ضعيف الحديث وزاد أبو حاتم يكتب حديثه كان ردئ الرأى شديد التشيع وقال البخارى ليس بالقوى وقال النسائى متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون وقال ابن حبان يروى الموضوعات عن الأثبات وقال ابن سعد كان متشيعا مفرطا ليس هو بشئ في الحديث. مات سنة اثنتين
وسبعين
(قوله لم يجعله قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى لم يجعل عمرو بن ثابت لفظ هذا أعجب الأمرين إلىّ من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما جعله من كلام حمنة، أما زهير بن محمد فقد جعله من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(قوله كان عمرو بن ثابت رافضيا) وفي نسخة عمرو بن ثابت رافضى نسبة إلى الرافضة فرقة من الشيعة سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن على حين نهاهم عن الطعن في الصحابة ثم استعمل هذا اللفظ في كل من غلا في هذا المذهب وأجاز الطعن في الصحابة
(قوله وذكره عن يحيى بن معين) أى ذكر أبو داود كون عمرو بن ثابت رافضيا عن يحيى بن معين وهذا من كلام أحد تلاميذ المصنف
(قوله قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسى منه شيء) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الجملة والمنقول عن أحمد قوله إن في الباب حديثين وثالثا في النفس منه شئ ففسره أبو داود بحديث ابن عقيل بسنده إلى حمنة. ويجاب عن ذلك بأن الترمذى حسنه وصححه ونقل ذلك عن البخارى وأحمد حيث قال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن صحيح هكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح وكذا نقل البيهقى في المعرفة والسنن تصحيحه عن أحمد كما تقدم فهو أولى مما ذكره أبو داود لأن عبارة أحمد ليس فيها تعيين الحديث الذى في نفسه منه شئ، وعلى فرض أنه عينه فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ثم ظهرت له صحته ولذا احتج به على أن المستحاضة إذا لم يكن لها أيام معروفة ولم تميز دمها بأن كان كله أسود أو أحمر مثلا أو كان متميزا ولم يصلح أن يكون حيضا بأن نقص عن يوم وليلة أو جاوز الخمسة عشر تترك الصلاة وغيرها من كل شهر غالب الحيض ستة أو سبعة باجتهادها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نساء قومها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ثم تغتسل وتصلي (وقال) مالك في المستحاضة المذكورة يعتبر حيضها خمسة عشر يوما ثم تغتسل وتصلى (وقال) أبو حنيفة فيمن بلغت مستحاضة يعتبر حيضها عشرة من كل شهر ثم تغتسل وتصلى باقى الشهر بوضوء لوقت كل صلاة. وأما المعتادة الناسية للوقت والعدد فتتحرّى ومتي تردّدت بين حيض وطهر تتوضأ لوقت كل صلاة وإن تردّدت يبنهما والدخول في الطهر تغتسل لوقت كل صلاة وتترك السنن غير المؤكدة ولا تدخل مسجدا ولا تجامع، وإن لم يكن لها رأى فهى محيرة لا يحكم لها بشئ من الحيض والطهر على التعيين بل تأخذ بالأحوط في الأحكام فتجتنب ما تجتنبه الحائض من القراءة في غير الصلاة ومس المصحف وقربان الزوج وتغتسل لوقت كل صلاة وتصلى به الوتر والفرض وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان وإن حجت تطوف طواف الإفاضة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام ثم تطوف طواف الوداع لأنه واجب وتصوم
رمضان ثم تقضى خمسة وعشرين يوما لاحتمال أنها حاضت عشرة من أوله وخمسة من آخره أو بالعكس ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرا فسلم لها خمسة عشر يوما والفتوى على أن طهرها في العدّة مقدر بشهرين (وقال) الشافعى في المستحاضة المبتدأة غير المميزة إنها تدع الصلاة وغيرها مما يحرم على الحائض من وقت رؤيتها الدم فإذا انقطع الدم لخمسة عشر يوما فأقل اعتبر الكل حيضا وإن استمرّ أكثر من خمسة عشر يوما اعتبر حيضها يوما وليله وباقى الشهر طهرا فتقضى الصلاة فيما عدا اليوم والليلة وفيما عدا الشهر الأول يعتبر حيضها يوما وليلة وطهرها تسعة وعشرين ومثلها في ذلك المبتدأة المميزة أن نقص القوى عن يوم وليلة أو زاد عن خمسة عشر أو نقص الضعيف عن خمسة عشر يوما. وأما المعتادة الناسية للقدر والوقت فلها حكم الحائض في كل ما لا يتوقف على نية غير الطلاق كمباشرة ما بين السرّة والركبة وقراءة القرآن في غير الصلاة ومس المصحف والمكث في المسجد لغير عبادة متوقفة عليه وعبوره إن خافت تلويثه وكطاهر في الطلاق وكل عبادة تفتقر إلى نية كالصلاة والطواف والصوم والاعتكاف وعليها أن تغتسل لكل فرض في وقته إن جهلت زمن انقطاع الدم أما إذا علمت في زمن الصحة وقت انقطاعه كعند الغروب لزمها الغسل كل يوم عنده فتصلى به المغرب وتتوضأ لباقى الصلوات وإنما لم تأخذ الأئمة الثلاثة بهذا الحديث لضعفه بابن عقيل (قال) البيهقي في المعرفة تفرّد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به (وقال) ابن منده لا يصح بوجه من الوجوه لأنه من رواية ابن عقيل وقد أجمعوا على ترك حديثه (وتعقبه) ابن دقيق العيد واستنكر منه هذا الإطلاق لأن ابن عقيل لم يقع الإجماع على ترك حديثه فقد كان أحمد وإسحاق والحميدى يحتجون به. وقد يجاب بأن مراد ابن منده بالإجماع إجماع من خرّج الصحيح (قال) ابن أبى حاتم سألت أبى عنه فوهنه ولم يقوّ إسناده (وقال) الترمذى في كتاب العلل إنه سأل البخارى عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم لا أدرى سمع منه ابن عقيل أم لا وهذه علة للحديث أخرى (ويجاب) عنها بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة كما قاله على بن المديني وخليفة بن خياط وهو تابعى سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وأبا هريرة وغيرهما من الصحابة فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد فينظر في صحة هذا عن البخارى. وأعلّ ابن حزم الحديث بالانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل وزعم أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل وبينهما النعمان بن راشد قال هو ضعيف ورواه أيضا عن ابن عقيل شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف (وقال) أيضا عمر بن طلحة الذى رواه إبراهيم بن محمد بن طلحة عنه غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر. وقد ردّ ابن سيد الناس ما قاله قال أما الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل فقد روى من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل وأما تضعيفه لزهير هذا فقد أخرج له الشيخان محتجين به وقد وثقه أحمد وغيره كما تقدم. وقال البخارى