المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولما فرغ من الطهارة بأنواعها التى هي شرط ووسيلة شرع - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في الغسل من الجنابة)

- ‌(باب في الوضوء بعد الغسل)

- ‌(باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل)

- ‌(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمىّ)

- ‌(باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء)

- ‌(باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها)

- ‌(باب الحائض تناول من المسجد)

- ‌(باب في الحائض لا تقضى الصلاة)

- ‌(باب في إتيان الحائض)

- ‌(باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع)

- ‌(باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة)

- ‌(باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا)

- ‌(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر)

- ‌ بيان حال أحاديث الباب

- ‌(باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل كل يوم مرّة ولم يقل عند الظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل بين الأيام)

- ‌(باب من قال توضأ لكل صلاة)

- ‌(باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث)

- ‌(باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر)

- ‌(باب المستحاضة يغشاها زوجها)

- ‌(باب ما جاء في وقت النفساء)

- ‌(باب الاغتسال من الحيض)

- ‌ فتح خيبر

- ‌(باب التيمم في الحضر)

- ‌(باب الجنب يتيمم)

- ‌(باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم)

- ‌ غزوة ذات السلاسل)

- ‌(باب في المجروح يتيم

- ‌(باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت)

- ‌(باب في الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل)

- ‌(باب الصلاة في الثوب الذى يصيب أهله فيه)

- ‌(باب المنيّ يصيب الثوب)

- ‌(باب بول الصبى يصيب الثوب)

- ‌(باب الأرض يصيبها البول)

- ‌(باب في طهور الأرض إذا يبست)

- ‌(باب الأذى يصيب الذيل)

- ‌(باب البزاق يصيب الثوب)

- ‌(كتاب الصلاة)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(باب في وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها)

- ‌ باب في وقت صلاة الظهر

- ‌(باب وقت العصر)

- ‌(باب في الصلاة الوسطى)

- ‌(باب التشديد في الذى تفوته صلاة العصر)

- ‌(باب في وقت المغرب)

- ‌(باب في وقت العشاء الآخرة)

- ‌(باب في وقت الصبح)

الفصل: ولما فرغ من الطهارة بأنواعها التى هي شرط ووسيلة شرع

ولما فرغ من الطهارة بأنواعها التى هي شرط ووسيلة شرع في بيان الصلاة التي هي مشروط ومقصود فقال:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

(كتاب الصلاة)

أى هذا كتاب في بيان أحكام الصلاة وما يتعلق بها. والصلاة في اللغة قيل هى الدعاء خاصة ومنه قوله تعالى "وصلّ عليهم" أى ادع لهم ثم سمى بها الأفعال المعلومة لاشتمالها على الدعاء، وهل سبيله النقل حتى تكون الصلاة حقيقة شرعية في هذه الأفعال مجازا لغويا في الدعاء لأن النقل في اللغات كالنسخ في الأحكام أو يقال استعمال اللفظ في المنقول إليه مجاز راجح وفي المنقول عنه حقيقة مرجوحة فيه خلاف عند الأصوليين. وقيل هي في اللغة مشتركة بين الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة. وفي الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم والصلاة اسم وضع موضع المصدر يقال صليت صلاة ولا يقال صليت تصلية وإن كان هو القياس لإيهامه الإحراق. واختلف في اشتقاقها فقيل مشتقة من الصلويين بفتح الصاد واللام وهما العظمان الناتئان عند العجيزة ولذا تكتب بالواو. وقيل إنها مشتقة من الصلة لأنها توصل العبد وتقرّبه من رحمة ربه وعلى هذا فيكون أصلها وصلة فدخلها القلب المكانى فصارت صلوة تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فصارت صلاة. وقيل مأخوذة من صليت العود أى قوّمته بالنار لأنها تحمل الإنسان على الاستقامة وتنهاه عن الفحشاء (وهي ثابتة) بالكتاب والسنة وإجماع الأمه قال الله تعالى "وأقيموا الصلاة" وقال "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" أى مفروضا مقدّرا وقتها فلا تؤخر عنه (وقال) رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة "الحديث" رواه الستة من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (وقد انعقد) الإجماع على فرضيتها فيكفر منكرها فيقتل، أما تاركها كسلا مع اعتقاد فرضيتها (فقالت) الحنفية يفسق فيحبس ويضرب حتى يؤديها أو يموت (وقالت) المالكية يؤخر إلى آخر الوقت الضرورى فإن أداها خلى سبيله وإلا قتل حدّا (وقالت) الشافعية يؤخر إلى آخر وقتها حتى وقت العذر ثم يستتاب ندبا أو وجوبا فإن تاب وصلى خلى سبيله وإلا قتل حدّا. ولا يقتل لترك الظهر والعصر حتى تغرب الشمس ولا لترك المغرب والعشاء حتى يطلع الفجر ويقتل في الصبح بطلوع الشمس بشرط

ص: 274

مطالبته بالأداء في الوقت إذا ضاق ويتوعد بالقتل إن أخرها عنه (وقالت) الحنابلة من ترك الصلاة كسلا دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها فإن امتنع حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله لكن لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام كالتارك لها جحدا فإن تاب بفعلها خلى سبيله وإلا ضرب عنقه كفرا لقول الله تعالى "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" ومن ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فيبقي على إباحة القتل، ولما رواه مسلم عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، ولما رواه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وصححه عن بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، ولما رواه الطبرانى عن عبادة مرفوعا من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة (وفرضت) ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرضت أولا خمسين فعن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال فرضت على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسرى به الصلاة خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودى يا محمد إنه لا يبدّل القول لديّ وإن لك بهذه الخمس خمسين رواه الشيخان والترمذى والنسائى (وحكمة) مشروعيتها شكر المنعم وتكفير الذنوب بأدائها "فعن" أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرّات ما تقولون يبقى ذلك من درنه شيئا قالوا لا يبقى ذلك من درنه شيئا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا رواه الشيخان (وثمرة) أدائها سقوط الطلب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى والبعد عن المخالفات قال الله تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" وقال تعالى "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وعن أبى أمامة الباهلىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم رواه البيهقي والترمذى وقال حسن صحيح (والسبب) الحقيقى لافتراضها إيجاب الله تعالى في الأزل لكن لما كان مغيبا عنا جعل الله تعالى لها أسبابا ظاهرية تيسيرا وهي الأوقات قال تعالى "أقم الصلاة لدلوك الشمس" أى زوالها يعنى الظهر وقال "وأقم الصلاة طرفى النهار" يعنى العصر والصبح "وزلفا من الليل" يعنى المغرب والعشاء وقد بينها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث أمنى جبريل الآتى. ولما كانت الصلاة أصل كل خير اهتمّ الشارع ببيان فضلها وتعيين أوقاتها وشروطها وأركانها وآدابها ورخصها ونوافلها اهتماما عظيما لم يكن مثله في سائر أنواع الطاعات وجعلها من أعظم شعائر الدين

ص: 275

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ: حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» . قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» . قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ» . قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» . قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الصَّدَقَةَ. قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» . فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عن أبى سهيل) وفى نسخة عن عمه أبى سهيل هو نافع ابن مالك بن أبي أبى عامر الأصبحى التيمى المدنى. روى عن أنس وابن عمر وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وآخرين. وعنه الزهرى ومالك وإسماعيل ومحمد ابنا جعفر وجماعة وثقه أحمد وابن حبان وأبو حاتم والنسائى وقال ابن خراش كان صدوقا. روى له الجماعة

(قوله عن أبيه) هو مالك بن عامر ويقال ابن أبى عامر أبو عطية الوداعي الكوفي الهمدانى. روى عن ابن مسعود وعائشة وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم. وعنه خيثمة بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وعمارة بن عمير والأعمش وآخرون، وثقه ابن معين والنسائى وابن سعد وابن حبان. روى له الجماعة

(قوله طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤى ابن غالب أبا محمد المدنى التيمى أحد العشرة المبشرين بالجنة. سماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض، وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كله لطلحة، وسبب إسلامه ما رواه الحاكم من طريق الضحاك بن عثمان حدثه مخرمة بن سليمان الوالبي عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال قال لى طلحة بن عبيد الله حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم قال طلحة قلت نعم أنا

ص: 276

فقال هل ظهر أحمد بعد قلت ومن أحمد قال ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذى يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرّة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة فوفع في قلبي ما قال فخرجت سريعا حتى قدمت مكة فقلت هل كان من حدث قالوا نعم محمد ابن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبى قحافة قال فخرجت حتى دخلت على أبى بكر فقلت أتبعت هذا الرجل قال نعم فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما قال الراهب فسرّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدّهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تميم وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش فلذلك سمى أبو بكر وطلحة القرينين، ولم يشهد طلحة بن عبيد الله بدرا وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان وجَّهه وسعيد إبن زيد يتجسسان خبر العير فانصرفا وقد فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من قتال من لقيه من المشركين فلقياه فيما بين ظلل وسبالة على المحجة منصرفا من بدر، وشهد أحدا وغيرها من المشاهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد حين ولى الناس وبايعه على الموت، ورمى مالك بن زهير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ فاتقى طلحة بيده وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأصاب خنصره فشلت فقال حسّ حسّ حين أصابته الرمية فذكر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لو قال بسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون إليه "وحسّ بفتح المهملة وكسر السين المشدّدة كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما يؤلمه بغتة" وضرب طلحة يومئذ في رأسه رجل من المشركين ضربتين ضربة وهو مقبل وضربة وهو معرض عنه، وقال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد ينهض على صخرة من الجبل ليعلوها وكان قد ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها أخرجه أبو يعلى، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه بنوه الثلاثة يحيى وموسى وعيسى وقيس ابن أبى حازم والأحنف ومالك بن أبى عامر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون

(معنى الحديث)

(قوله جاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر لما أخرجه البخارى في باب القراءة والعرض على المحدّث عن شريك عن أنس قال بينما نحن جلوس في المسجد إذ دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد "الحديث" وفيه وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر

(قوله من أهل نجد) هى قسم من بلاد العرب بين الحجاز والعراق. وأصل النجد كل ما ارتفع

ص: 277

من الأرض وجمعه نجود مثل فلس وفلوس

(قوله ثائر الرأس) أي منتشر الشعر غير مرجله وأسند الانتثار إلى الرأس مبالغة في شدته أو لأن الشعر ينبت منه. وهو مرفوع على أنه صفة لرجل ويجوز نصبه على الحال "ولا يقال" يجب تقديم الحال على صاحبها إذا كان نكرة وهنا لم يتقدم "لأن محله" إذا لم يكن موصوفا كما هنا فإنه موصوف بأنه من أهل نجد

(قوله يسمع دويّ صوته الخ) روى يسمع ويفقه بالمثناة التحتية فيهما بالبناء للمجهول وبالنون المفتوحة بالبناء للفاعل وهي رواية مسلم قال النووى وهو أشهر وأكثر. ودوى الصوت بفتح الدال وكسر الواو وتشديد المثناة التحتية بعده في الهواء. وحكى صاحب المطالع ضم الدال أيضا. والأول أشهر. وقال في النهاية هو صوت غير عال كصوت النحل اهـ وقال الخطابى صوت مرتفع متكرّر لا يفهم اهـ وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد

(قوله حتى دنا الخ) وفى نسخة حتى إذا دنا الخ أى قرب ذلك الرجل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففهم كلامه فإذا هو يسأل عن أركان الإسلام، فقوله عن الإسلام أى عن أركانه فهو على حذف مضاف بدليل الجواب ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام لكنه بعيد لأن الجواب ينبغى أن يكون مطابقا للسؤال ولو كان السؤال عن نفس الإسلام لكان الجواب غير هذا لأن الصلوات الخمس وصيام رمضان ليست عين الإسلام وإنما هي أركانه وشرائعه كما ورد في حديث بنى الإسلام على خمس والمبنى غير المبي عليه "فإن قيل" إذا كان المراد بالإسلام أركانه فلم لم يذكر الحج "قيل" إن الحج لم يكن فرض في ذاك الوقت أو أن السائل إنما سأل عن الواجب عليه بقوله هل علىّ غيرهن فأجاب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما عرف من حاله وهو أنه ممن لم يجب عليه الحج أو لأن الحج كان معلوما للسائل (والإسلام) لغة الانقياد. وشرعا الخضوع وقبول قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن وجد معه اعتقاد وتصديق بالقلب فهو الإيمان وإلا فلا فالإيمان أخص من الإسلام وإطلاق أحدهما على الآخر جائز بطريق التجوّز. وهل الإيمان والإسلام متحدان أو متغايران وهل الإيمان يزيد وينقص فيه خلاف مشهور بين العلماء (وقد اختلفوا) في حقيقتهما، فقال الجمهور الإسلام هو الانقياد الظاهري والخضوع لما جاء به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والإيمان هو التصديق الجازم بوجود الله تعالى متصفا بالكمالات منزّها عن النقائص وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبكل ما علم مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به بالضرورة (وقال) الشافعى الإيمان التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان. ونقل ذلك عن على ومالك وأحمد وأصحاب الحديث

(قوله خمس صلوات) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى فرض الإسلام خمس صلوات أو مبتدأ محذوف الخبر أى عليك خمس صلوات

(قوله إلا أن تطوّع) بتشديد الطاء

ص: 278

المهملة أصله تتطوع فأدغمت إحدى التائين في الطاء ويحتمل أن يكون بتخفيف الطاء بحذف إحدى التائين (والاستثناء) فيه يجوز أن يكون منقطعا بمعنى لكن أي لكن يستحب لك أن تتطوّع واختاره الشافعية ولذا قالوا لا تلتزم النوافل بالشروع لكن يستحب إتمامها وإن الوتر ليس بواجب. والأصح كون الاستثناء متصلا لأنه الأصل واختاره الحنفية والمالكية. والمعنى إلا أن تشرع في التطوّع فيجب عليك إتمامه ويؤيه قوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم" وقد اتف العلماء على أن حج التطوّع يلزم بالشروع فيه (قال) الطيبي الحديث متمسك لنا في أصلين "أحدهما" في شمول عدم الوجوب في غير ما ذكر في الحديث كعدم وجوب الوتر "والثانى" في أن الشروع غير ملزم لأنه نفي وجوب شئ آخر مطلقا شرع فيه أو لم يشرع وتمسك الخصم به على أن الشروع ملزم لأنه نفى وجوب شيء آخر إلا ما تطوّع به والاستثناء من النفي إثبات فيكون المثبت الاستثناء وجوب ما تطوّع به وهو المطلوب. وهذا مغالطة لأن هذا الاستثناء من وادى قوله تعالى "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي لا يجب شئ إلا أن تتطوّع وقد علم أن التطوّع ليس بواجب فلا يجب شئ آخر أصلا اهـ (قال) العيني في شرح البخارى أما الأول فلا نسلم شمول عدم الوجوب مطلقا بل الشمول بالنظر إلى تلك الحالة ووقت الإخبار والوتر لم يكن واجبا حينئذ يدلّ عليه أنه لم يذكر الحج والوتر مثله. وأما الثانى فليس من وادى قوله تعالى "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" على أن يكون المعنى لا يجب شئ إلا أن تطوّع بل معنى إلا أن تطوّع أن تشرع فيه فيصير واجبا كما يصير واجبا بالنذر. وقال بعضهم من قال إنه منقطع احتاج إلى دليل والدليل عليه ما روى النسائى وغيره أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحيانا ينوى صوم التطوّع ثم يفطر. وفى البخارى أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدلّ على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقى "قلت" من العجب أن هذا القائل لم يذكر الأحاديث الدالة على استلزام الشروع في العبادة الإتمام وعلى القضاء بالإفساد وقد روى أحمد في مسنده عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهديت لنا شاة فأكلنا منها فدخل علينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبرناه فقال صوما يوما مكانه. أمر بالقضاء والأمر للوجوب فدلّ على أن الشروع ملزم وأن القضاء بالإفساد واجب وروى الدارقطني عن أم سلمة أنها صامت يوما تطوّعا فأفطرت فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تقضى يوما مكانه. وحديث النسائى لا يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم ترك القضاء بعد الإفطار وإفطاره ربما كان عن عذر. وحديث جويرية إنما أمرها بالإفطار عند تحقق واحد من الأعذار كالضيافة. وكل ما جاء من أحاديث هذا الباب محمول على مثل هذا ولو وقع التعارض

ص: 279

بين الأخبار فالترجيح معنا لثلاثة أوجه "أحدها" إجماع الصحابة "والثانى" أن أحاديثنا مثبتة وأحاديثهم نافية والمثبت مقدّم "والثالث" أنه احتياط في العبادة اهـ

(قوله وذكر له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصدقة) أى الزكاة الواجبة كما صرّح به في رواية الشيخين وكأن الراوى نسى اللفظ الذى قاله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الزكاة والصوم فلذا قال وذكر له صيام شهر رمضان والصدقة وهذا يؤذن بأن مراعاة الألفاظ مشروطة في الرواية فإذا التبس عليه يشير إلى ما ينبئُ عنه كما فعل الراوى هنا

(قوله أفلح إن صدق) أى فاز وظفر بالخير أن صدق في قوله. ولم يقل إذا صدق لأنه لم يجزم بصدقه. قيل هذا الفلاح راجع إلى قوله لا أنقص خاصة. والأظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة فإنه إذا أفلح بالواجب فقط يكون فلاحه بالواجب والمندوب أولى وأجدر "فإن قيل" كيف قال لا أزيد على هذا الخ وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبة "قلنا" قد جاء في رواية البخارى في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود وهي قوله فأخبره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله علىّ شيئا. فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام وقوله مما فرض الله يزول الإشكال في الفرائض. أما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها. ويحتمل أنه أراد أن لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلى الظهر خمسا. ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلى نافلة مع أنه لا يخلّ بشئ من الفرائض. ويحتمل أن يكون السائل رسول قومه فحلف أن لا أزيد في الإبلاغ على ما سمعت ولا أنقص في تبليغ ما سمعته منك إلى قومى. ويحتمل صدور هذا الكلام منه على سبيل المبالغة في التصديق والقبول أى قبلت قولك فيما سألتك عنه قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من جهة القبول (قال) النووى اعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبى هريرة وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة وذكر في بعضها صلة الرحم وفى بعضها أداء الخمس ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصا وإثباتا وحذفا وقد أجاب القاضى عياض وغيره رحمهم الله تعالى عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وهذّبه فقال ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأدّاه ولم يتعرّض لما زاده غيره بنفى ولا إثبات وإن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من

ص: 280

الثقات أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه اهـ (أقول) الظاهر أن سبب الاختلاف في الجواب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجيب كل سائل بما يناسب حاله فعدم ذكر الصيام في بعض الأحاديث لأنه لم يأت وقته وعدم ذكر الحج لأنه لم يكن فرض وقتئذ وعدم ذكر الزكاة لفقر السائل

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية السعى لمعرفة أحكام الدين. وعلى أن الصلاة ركن من أركان الإسلام، وعلى أنها خمس مرّات في اليوم والليلة. وعلى أن صيام رمضان وأداء الزكاة من أركان الإسلام، وعلى أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة واختلف في وجوبه في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأصح نسخه (قال) ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات ولا لوقت محصور وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وقام معه المسلمون نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل الله تعالى التوبة عنهم والتخفيف في ذلك ونسخه وحطه فضلا منه ورحمة فلم يبق من الصلاة فريضة إلا الخمس اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن الوتر غير محتم الفعل، وعلى أن صلاة العيد ليست بفريضة خلافا لأبي سعيد الإصطخرى فإنها فرض كفاية عنده، وعلى أن صوم عاشوراء ونحوه ليس بواجب. وعلى أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، وعلى أن من يأتى بهذه الخصال المذكورة في الحديث ويواظب عليها مع الصديق يكون من الفائزين، وعلى جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة لأن الرجل حلف بحضرة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليه. وعلى صحة الاكتفاء بالاعتقاد من غير نظر ولا استدلال

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والبخارى ومسلم والنسائى والبيهقى

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ:«أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»

(ش) غرض المصنف بسياق هذه الرواية بيان اختلاف الحديث فإن في حديث مالك أفلح إن صدق وفى حديث إسماعيل بن جعفر هذا زيادة لفظ وأبيه ولفظ دخل الجنة وأبيه إن صدق وهذه زيادة ثقة فهى مقبولة

(قوله بإسناده) أى سند الحديث المتقدّم وهو عن أبيه عن طلحة

ص: 281