الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأخرجه البزار من طريق أبى بكر الهذلى وأعله ابن عدى في الكامل بأبى بكر الهذلى، وأما حديث جابر فرواه عبد بن حميد في مسنده من طريق أبان عن أبى نضرة عن جابر مرفوعا. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن الثورى عن رجل عن أبى نضرة ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده وابن عدى في الكامل، وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فرواه الطبرانى في معجمه الوسط وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقى في سننه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ فبها ونعمت ويجزئُ من الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل (واعلم) أيضا أن في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب (الأول) أنه سمع منه مطلقا وهو قول ابن المدينى ذكره عنه البخارى في أول تاريخه الوسط عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر (وقال) علىّ سماع الحسن من سمرة صحيح. ونقله الترمذى في كتابه قال في باب الصلاة الوسطى قال محمد بن إسماعيل يعنى البخارى قال على يعنى ابن المدينى سماع الحسن من سمرة صحيح (وقال) الترمذى سماع الحسن من سمرة عندى صحيح، واختار الحاكم هذا القول وأخرج في كتابه عدّة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة وقال في بعضها على شرط البخارى (الثانى) أنه لم يسمع منه شيئا واختاره ابن حبان في صحيحه فقال بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له سكتتان والحسن لم يسمع من سمرة شيئا (وقال) صاحب التنقيح قال ابن معين الحسن لم يلق سمرة (وقال) شعبة الحسن لم يسمع من سمرة (وقال) البردعي أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ولا يثبت عنه حديث قال فيه سمعت سمرة (الثالث) أنه سمع منه حديث العقيقة لا غير قاله النسائى وإليه مال الدارقطنى فقال في حديث السكتتين والحسن اختلف في سماعه من سمرة ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيما قاله قريش بن أنس واختاره عبد الحق في أحكامه واختاره البزار في مسنده أفاده العينى (أقول) المختار القول الأول لأن المثبت مقدّم على النافى (قال) الحافظ فأما الحديث فعوّل على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم إجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس والطبرانى من حديث عبد الرحمن بن سمرة والبزار من حديث أبى سعيد وابن عدىّ من حديث جابر وكلها ضعيفة اهـ
(باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل)
أى يؤمر بعد الإسلام بالغسل ونحوه كالحلق والاختتان كما في الحديث الآتى. ويسلم من الإسلام
وهو الإقرار بالشهادتين، وفي بعض النسخ باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا الْأَغَرُّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله سفيان) الثورى
(قوله الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء ابن الصباح الكوفى التميمي المنقرى مولى آل قيس بن عاصم. روى عن خليفة بن حصين وأبى نضرة. وعنه الثورى وأبو شيبة وقيس بن الربيع، وثقه العجلى والنسائى وابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله خليفة ابن حصين) بن قيس بن عاصم التميمى المنقرى البصرى. روى عن أبيه وجده وعلى بن أبى طالب وزيد بن أرقم وأبى الأحوص. وعنه الأغرّ بن الصباح. وثقه النسائى وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله عن جدّه قيس بن عاصم) بن سنان بن خالد بن منقر بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف ابن عبيد السعدى التميمي. وفد على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وفد بنى تميم سنة تسع فأسلم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما جوادا، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه ابناه حكيم وحصين والأحنف بن قيس والحسن البصرى وغيرهم. قال ابن عبد البر كان قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية نزل البصرة وبنى بها دارا، ومات بها عن اثنين وثلاثين ذكرا من أولاده، روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(معنى الحديث)
(قوله فأمرنى أن أغتسل بماء وسدر) أى أمرنى بالاغتسال بماء مخلوط بورق النبق بعد ما أسلمت. ويؤيده ما في رواية الترمذى والنسائى من أنه أسلم فأمره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل. ويحتمل أنه أمره بالغسل أولا ثم أسلم ويؤيده ما رواه البخارى في المغازى في قصة ثمامة بن أثال بلفظ فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله (وبالحديث) استدلّ من قال بوجوب الغسل على من أسلم لأن الأمر يدلّ على الوجوب وبه قال أحمد وأبو ثور وقالوا لا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل ولو اغتسل لم يصح منه لأن الاغتسال من الجنابة فرض فلا يجزئه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة، واستدل أيضا من قال بالوجوب بحديث أبى هريرة أن ثمامة أسلم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
إذهبوا به إلى حائط بنى فلان فمروه أن يغتسل رواه أبو عبد الرزاق والبيهقى وابن خزيمة وابن حبان وبحديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل واثلة وقتادة الرهاوى عند الطبرانى وعقيل ابن أبى طالب عند الحاكم في تاريخ نيسابور وفى أسانيد الثلاثة ضعف كما قاله الحافظ (وذهب) مالك والشافعى والهادى إلى وجوبه على من أجنب حال كفره اغتسل أم لا لعدم صحة غسله وإلى استحبابه لمن لم يجنب، واستدلوا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر كل من أسلم بالغسل ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب وأما وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم (وقال) أبو حنيفة وأصحابه بوجوبه على من أجنب ولم يغتسل حال كفره فإن اغتسل لا يجب لما تقدّم من الأدلة ولا يصح قياسه على الصلاة والزكاة لأنهما لا يصحان بدون النية لعدم الإيمان بخلاف اغتساله لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية (وقال) المنصور بالله باستحبابه مطلقا وإن لم يغتسل من جنابة أصابته قبل إسلامه لحديث الإسلام يجبّ ما قبله (واحتلفوا) في الشرك يتوضأ حال شركه ثم يسلم (فقالت) الحنفية يصلى بالوضوء المتقدّم حال شركه لكن لو تيمم ثم أسلم لم يصلّ بذلك التيمم بل يستأنف تيمما آخر في الإسلام إن لم يجد الماء. والفرق بينهما عندهم أن التيمم مفتقر إلى النية ونية العبادة لا تصح من مشرك والوضوء غير مفتقر إلى نية فإذا وجد من المشرك حكم بصحته كما يوجد من المسلم (وقال) مالك والشافعى وأحمد إذا توضأ وهو مشرك أو تيمم ثم أسلم أعاد الوضوء للصلاة بعد الإسلام وكذا التيمم فلا فرق بينهما (وقول) أحمد بإيجاب الاغتسال والوضوء عليه إذا أسلم أشبه بظاهر الحديث
(فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم وقد علمت ما فيه من التفصيل والخلاف، وعلى مشروعية الاغتسال بماء خلط بما يقصد به النظافة كالصابون
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والنسائى والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه وصححه ابن السكن
(ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ» يَقُولُ: احْلِقْ قَالَ: وأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لِآخَرَ مَعَهُ: «أَلْقِ عَنْكَ
شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ».
(ش) لعلّ وجه مناسبة الحديث للترجمة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمره بإزالة شعر الكفر والاختتان الذى هو شعار الإسلام فإزالة الأوساخ التى في حال الكفر أولى وأهمّ لأن النظافة مندوب إليها في الإسلام.
(رجال الحديث)
(قوله ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز
(قوله أخبرت) بالبناء للمفعول والذى أخبره هو إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى كما قاله ابن عدى وقد ينسب إلى جدّه أبى إسحاق المدنى. روى عن الزهرى ويحيى بن سعيد وابن المنكدر وغيرهم. وعنه الثورى وابن جريج قال يحيى القطان سألت مالكا عنه أكان ثقة قال لا ولا ثقة في دينه وقال أحمد كان قدريا جهميا كل بلاء فيه لا يكتب حديثه كان يروى أحاديث منكرة وقال النسائى متروك الحديث وقال الشافعى كان ثقة في الحديث وقال أحمد بن محمد بن سعيد ليس بمنكر الحديث وقال ابن عدى نظرت في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا وإنما يروى المنكر من قبل الراوى عنه أو من قبل شيوخه وهو من جملة من يكتب حديثه ولكنه جزم بضعفه. مات سنة أربع وثمانين ومائة، روى له ابن ماجه
(قوله عن عثيم) بضم العين المهملة وفتح المثلثة وسكون المثناة التحتية ابن كثير (بن كليب) الحجازى الحضرمى وقد ينسب إلى جده كما هنا. روى عن أبيه عن جده. وعنه محمد بن مسلم وإبراهيم بن أبى يحيى. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول ولا وجه لمن عدّ ابن جريج ممن روى عنه قال الحافظ في تهذيب التهذيب إنما قال البخارى في تاريخه قال ابن جريج أخبرت عن عثيم وكذا قال ابن حبان روى ابن جريج عن رجل عنه وقال ابن ماكولا روى عنه إبراهيم بن أبى يحيى فسمى جدّه كلابا وروى عنه عبد الله بن منيب فقال عثيم بن قيس ابن كثير ونسبه الجوسق إلى جدّه اهـ وغرضه أولا الردّ على من جعل ابن جريج من تلاميذ عثيم فإن قوله أخبرت عن عثيم صريح في أن بينهما واسطة وقد علمت أنه إبراهيم بن محمد. وثانيا بيان أنه لا خلاف في أن كليبا ليس أبا لعثيم فمن نسبه إليه فقد أسقط أباه وهو كثير أو قيس على الخلاف فيه
(قوله عن أبيه) هو كثير على الصواب خلافا لما يوهمه ظاهر سياق المصنف روى عن أبيه. وعنه ابنه عثيم. قال ابن خراش صدوق. روى له مسلم وأبو داود والنسائى
(قوله عن جده) هو كليب الجهنى أو الحضرمى صحابى له ثلاثة أحاديث أحدها هذا والآخران رواهما الواقدى وذكر ابن منده وغيره أن اسم والد كليب الصلت وترجم له في الصحابة بناء على ظاهر الإسناد وليس الأمر كذلك بل الصواب أنه عثيم بن كثير بن كليب والصحبة لكليب وكان من ابن جريج أنه نسب عثيما إلى جدّه فصار الظاهر أن الصحابى والد كليب وليس كذلك
وإنما كليب هو الصحابي ولا يعرف لأبيه صحبة وقد روى ابن منده هذا الحديث من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عثيم على الصواب وكذا رواه أحمد في المسند أفاده في تهذيب التهذيب وقال في الخلاصة روى عنه ابنه كثير اهـ "وقول" العينى كليب والد عثيم البصرى روى عن أبيه وعنه ابنه عثيم اهـ "تبع" فيه ظاهر سياق المصنف وقد علمت ما فيه
(معنى الحديث)
(قوله ألق عنك شعر الكفر) أى أزله عنك وليس المراد أن كل من أسلم يلزمه أن يحلق رأسه كما يلزمه الغسل بل إضافة الشعر إلى الكفر تدل على أن المراد حلق الشعر الذى هو علامة خاصة للكفار وهي مختلفة باختلاف البلاد فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرّضون لها بحلق ولا قصّ وإذا أرادوا حلق الرأس حلقوا ما عدا ذلك وهو على الظاهر علامة مميزة بين الكفر والإسلام فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كليبا ومن كان معه أن يحلقا شعرهما الذى كان علامة على الكفر. وقيل المراد من شعر الكفر والشوارب والآباط (قال) العيني إنما أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحلق زيادة لتنظيفه وإزالة للشعر الذى رباه في الكفر وأما أمره بالاختتان فظاهر ولو أسلم الكافر ولم يطق الم الختان يترك اهـ
(قوله يقول احلق) تفسير من الراوى لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألق عنك شعر الكفر
(قوله قال وأخبرني آخر الخ) أى قال كثير والد عثيم أخبرنى غير كليب من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لآخر مع المخبر أو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألق عنك شعر الكفر واختن. واختتن أمر من الاختتان وهو في الرجل قطع الجلدة التي تغطى الحشفة وفي المرأة قطع الجلدة التي فوق محل الإيلاج وتشبه عرف الديك. وفيه دلالة على أن الاختتان على من أسلم واجب وأنه علامة على الإسلام. لكن الحديث ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن جريج وعثيم. وعلى أنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى كما تقدم فقد علمت أنه متكلم فيه لا لجهالة عثيم وأبيه خلافا لما ادعاه الحافظ، وقد تقدم الكلام في الاختتان وافيا في باب السواك من الفطرة
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن أسلم أن يزيل شعره وأن يختتن. وسرّه أن يتمثل عنده الخروج من الكفر بأجلى معانيه
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والطبرانى وابن عدى والبيهقى وابن منده وفيه انقطاع كما تقدم
(باب المرأة تغسل ثوبها الذى تلبسه في حيضها)
وفى بعض النسخ الذى تلبسه في حيضتها أى في بيان كيفية تطهير المرأة ثوبها من دم الحيض
بالماء وغيره كالريق كما في الحديث الثاني
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْحَسَنِ يَعْنِي جَدَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ الْحَائِضِ يُصِيبُ ثَوْبَهَا الدَّمُ قَالَتْ: «تَغْسِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ مِنْ صُفْرَةٍ» . قَالَتْ: «لَقَدْ كُنْتُ أَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ثَلَاثَ حِيَضٍ جَمِيعًا لَا أَغْسِلُ لِي ثَوْبًا» .
(ش)(رجال الحديث)
(قوله أم الحسن يعنى جدّة أبى بكر العدوى) روت عن معاذة العدوية عن عائشة. وعنها عبد الوارث بن سعيد وعبد الصمد بن عبد الوارث، مجهولة كما في التقريب والميزان. روى لها أبو داود وابن ماجه
(قوله معاذة) بنت عبد الله العدوية البصرية
(معنى الحديث)
(قوله تغسله الخ) أى تزيل الدم عن الثوب بالغسل وتصلى فيه فإن بقى أثر الدم من لون أو ريح فلتستره بنحو الورس أو الزعفران، وفي رواية للدارمى عن عائشة إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران، وعن سعيد بن جبير في الحائض يصيب ثوبها من دمها قال تغسله ثم تلطخ مكانه بالورس والزعفران أو العنبر رواه عبد الرزاق في مصنفه، والغرض من ذلك إزالة الرائحة الكريهة ودفع الوسوسة
(قوله ثلاث حيض جميعا) أى مجتمعات متواليات
(قوله لا أغسل لى ثوبا) أى لأن الدم لم يكن يصيب ثوبها لكمال تحفظها ونظافتها رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وهذا الحديث موقوف لكنه في حكم المرفوع لأن عدم غسل ثوبها الذي كانت تلبسه زمن الحيض كان في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليها والقول بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يقف على فعلها بعيد.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على نجاسة دم الحيض، وعلى أنه يطهر بالغسل ولا يضرّ بقاء أثره، وعلى أنه يطلب من المرأة التحفظ من النجاسات، وعلى أن ما كان الأصل فيه الطهارة فهو باق على طهارته حتى تظهر فيه نجاسة فيجب غسلها
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارمى
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ يَذْكُرُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ،
فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا، ثُمَّ قَصَعَتْهُ بِرِيقِهَا».
(ش)(قوله مجاهد) بن جبر المكي
(قوله إلا ثوب تحيض فيه) جملة في محل رفع صفة لثوب. لا يقال هذا معارض بحديث أم سلمة الذى رواه البخارى في باب من سمى النفاس حيضا فأخذت ثياب حيضتي وهو يدلّ على تعدّد الثوب لأن حديث عائشة محمول على ما كان في أول الإسلام وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال
(قوله فإن أصابه) أى الثوب، وفي نسخة فإذا أصابه
(قوله بلته بريقها) من البلل ضد اليبس وهو من باب نصر وفى رواية البخارى قالت بريقها والمراد بلته كما هنا
(قوله ثم قصعته بريقها) وفى نسخة بظفرها أى دلكته به، وأكثر روايات البخارى فمصعته بالميم والمصع التحريك والفرك بالظفر وأما فصع الرطبة فهو بالفاء وهو أن يأخذها بين أصبعيه فيغمزها أدنى غمز فتخرج الرطبة خالعة قشرها (واستدلّ) أبو حنيفة وأصحابه بالحديث على جواز إزالة النجاسة من الثوب وغيره بغير الماء من كل مائع طاهر مزيل كالريق والخلّ (وقال) غيرهم لا يصح إزالتها إلا بالماء وقالوا إن الحديث وارد في الدم اليسير الذى يكون معفوّا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أنها كانت تغسله، ويؤيده ما سيأتى للمصنف من طريق عطاء عن عائشة وفيه ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها (قال) الحافظ في الفتح وليس فيه "أى في حديث عائشة" أنها صلت فيه "أى الثوب" فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره وقد مضى قبل باب عنها ذكر الغسل بعد القرص قالت ثم فصلى فيه فدلّ على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز إزالة النجاسة بغير الماء على ما فيه من الخلاف
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والبخارى من طريق إبراهيم عن ابن أبى نجيح عن مجاهد، قيل فيه انقطاع واضطراب، فأما الانقطاع فقال أبو حاتم لم يسمع مجاهد من عائشة وهذا مردود فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخارى في غير هذا الإسناد وأثبته على بن المدينى فهو مقدّم على من نفاه. وأما الاضطراب فلرواية أبى داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل ابن أبى نجيح وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لاحتمال أن إبراهيم ابن نافع سمعه من شيخين ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخارى فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبى داود فيه وقد تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجعت روايته والرواية المرجوحة لا تؤتر في الرواية، الراجحة اهـ من الفتح
(ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ يَحْيَى،
حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ الْحَائِضِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:«قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا الْحَيْضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلْبَثُ إِحْدَانَا أَيَّامَ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطَّهَّرُ، فَتَنْظُرُ الثَّوْبَ الَّذِي كَانَتْ تَقَلَّبُ فِيهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ دَمٌ غَسَلْنَاهُ وَصَلَّيْنَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَرَكْنَاهُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمُمْتَشِطَةُ فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَكُونُ مُمْتَشِطَةً فَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَمْ تَنْقُضْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا تَحْفِنُ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، فَإِذَا رَأَتِ الْبَلَلَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ دَلَكَتْهُ، ثُمَّ أَفَاضَتْ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهَا»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله بكار بن يحيى) روى عن جدته عن أم سلمة في الحيض وعنه عبد الرحمن بن مهدى، قال الحافظ في التقريب بكار بن يحيى مجهول من الثامنة. روى له أبو داود
(قوله حدثتني جدتي) لا يعرف اسمها ولا حالها
(معنى الحديث)
(قوله ثم تطهر) بصيغة المضارع بحذف إحدى التاءين من باب تفعل يقال تطهرت إذا اغتسلت
(قوله الذى كانت تقلب فيه) بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام من التقلب أى تمشى كما في قوله تعالى "أو يأخذهم في تقلبهم" ويقال فلان يتقلب في أمره أى يتحوّل من حال إلى حال. وفى نسخة الذى كانت تعلت فيه من قولهم تعلت المرأة من حيضها إذا طهرت وكذا يقال تعلت النفساء إذا ارتفعت وطهرت ويقال تعالت أيضا ويجوز في أن يكون من قولهم تعلّ الرجل من علته إذا برئَ أى خرجت من نفاسها وسلمت
(قوله ولم يمنعنا ذلك الخ) أى لم يمنعنا تقلبنا في الثوب حال حيضنا من الصلاة فيه. وفيه دليل على أن الطاهر يبقى على أصله حتى تتحقق نجاسته فيجب غسله
(قوله وأما الممتشطة) أى المرأة الممتشطة بصيغة اسم الفاعل من الامتشاط يقال مشطت الشعر مشطا من بابى قتل وضرب سرّحته والتثقيل مبالغة وامتشطت المرأة مثله
(قوله لم تنقض ذلك) أى لم تحلّ الشعر المضفور وهو من أدلة من قال لا يلزم المرأة نقض ضفرها في الغسل متى وصل الماء أصول الشعر، وقد تقدّم بيان ذلك وافيا في "باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل"
(قوله ولكنها تحفن) من الحفن وهو ملء الكفين من أى شيء أى تأخذ الحفنة من الماء وهو من باب ضرب
(قوله فإذا رأت البلل إلخ) أي إذا علمت وصول الماء إلى أصول الشعر
دلكته بيدها ثم أفاضت الماء على سائر جسدها
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذى أصابه شيء من دم الحيض بعد غسله. وعلى جواز صلاة المرأة في الثوب الذى تحيض فيه ولم يصبه دم الحيض. وعلى أن المرأة إذا اغتسلت من الحيض وبلغ الماء أصول شعرها لا يطلب منها نقض ضفائرها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ أزواجه على ذلك ومثل غسل الحيض غسل الجنابة والنفاس
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِحْدَانَا بِثَوْبِهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ أَتُصَلِّي فِيهِ؟ قَالَ: «تَنْظُرُ فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَلْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ وَلْتُصَلِّ فِيهِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوَّام الأسدية المدنية روت عن جدّتها أسماء بنت أبى بكر وأم سلمة وعمرة بنت عبد الرحمن. وعنها زوجها هشام ابن عروة ومحمد بن إسحاق، قال العجلى تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها الجماعة
(قوله أسماء بنت أبى بكر) هى زوج الزبير بن العوّام، روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنها ابناها عبد الله وعروة وأحفادها عباد بن حمزة بن عبد الله وعباد بن عبد الله وعبد الله ابن عروة في الزبير وفاطمة بنت المنذر، أسلمت قديما بعد إسلام سبعة عشر وهاجرت إلى المدينة وهى حامل بابنها عبد الله وبلغت من السن مائة سنة ولم ينكر لها عقل. ماتت بمكة سنة ثلاث وسبعين روى لها الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله سمعت امرأة) الذى في رواية الشيخين جاءت امرأة. وفى رواية الشافعى عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هى السائلة. وأغرب النووى فضعف هذه الرواية بلا دليل وهى صحيحة الإسناد ولا يبعد أن يهم الراوى اسم نفسه أفاده الحافظ في الفتح
(قوله كيف تصنع الخ) متعلق بالسؤال أى أخبرنا بما تفعل إحدانا إذا علمت انقطاع حيضها بعلامة من العلامات
(قوله فلتقرصه الخ) روى مخففا ومثقلا والأكثر رواه بضم الراء وتخفيفها وهو بالصاد المهملة وسكون لام الأمر في الروايتين (قال) في النهاية القرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صبّ الماء عليه حتى يذهب أثره والتقريص مثله وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع اليد اهـ (وقال) الخطابى أصل القرص أن يقبض
بأصبعيه على الشئ في يغمز غمزا جيدا اهـ "والحكمة" في القرص تسهيل الغسل، وقوله من ماء استدلّ به غير الحنفية على أن غسل النجاسة بنحو الخلّ وغيره من المائعات لا يجزئُ لأنه نصّ على الماء وفى تركه ترك المأمور به (وأجاب) الحنفية عنه بأن ذكر الماء خرج مخرج الغالب لا مخرج القيد لأن المراد إزالة النجاسة، وغير الماء من المائعات الطاهرة قد يكون أبلغ في القطع والإزالة. وبأن مفهوم الماء مفهوم لقب وهو ليس بحجة عند الخصم
(قوله ولتنضح ما لم تر) بلام الأمر والضاد المعجمة مكسورة أو مفتوحة والفتح أولى أى ولترشّ المرأة الموضع الذى لم تر فيه أثر الدم ولكن شكت فيه. ورواية الدارمي من طريق ابن إسحاق إن رأيت فيه دما فحكيه ثم اقرصيه بماء ثم انضحى في سائره فصلى فيه (قال) القرطبى المراد بالنضح الرشّ لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصيه بالماء وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب اهـ (وقال) الخطابى النضح الرشّ وقد يكون أيضا بمعنى الغسل والصبّ
(قوله ولتصلى) بلام الأمر عطف على فلتقرص وإثبات الياء للإشباع وفى نسخة ولتصلّ بحذف الياء وفى أخرى وتصلى بدون لام الأمر
(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تعلم أحكام الدين ولو كان المسئول عنه شأنه أن يستحيى من ذكره، وعلى أنه يطلب من المسئول إجابة السائل، وعلى أن الدم نجس وهو مجمع عليه، وعلى طلب إزالة النجاسة، وعلى أنه لا يشترط في إزالتها عدد من الغسلات بل المدار على الإنقاء، وعلى أنه يطلب رش الموضع الذى شك في وجود النجاسة فيه وتشرع الصلاة فيه بعد الرشّ، وعلى أنه يجب طهارة الثياب للصلاة، وعلى طلب إزالة النجاسة بالماء وتقدّم ما فيه من الخلاف
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشافعى والبيهقى من حديث سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ورشيه وصلى فيه، وأخرجه ابن ماجه عن أسماء قالت سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال اقرصيه واغسليه وصلى فيه
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:«إِذَا أَصَابَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ لِتُصَلِّي»
(ش)(قوله سألت امرأة) لم يعرف اسمها ولعلها أم قيس كما في الحديث الآتى وقيل إنها خولة بنت يسار
(قوله أرأيت الخ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب. وحكمة العدول عنه سلوك الأدب وفيه مضاف مقدّر أى أخبرنى عن حال إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم
(قوله من الحيضة) بفتح الحاء المهملة أى الحيض (قال) في المرقاة وبكسرها هى الخرقة تستثفرها المرأة في الحيض وكلاهما محتمل في الحديث والمشهور في الرواية الكسر
(قوله إذا أصاب إحداكن الدم الخ) أى إذا أصاب الدم ثوب إحداكنّ كما في رواية البخارى وذكر الثوب ليس بقيد بل لموافقه السؤال فلو أصاب البدن فكذلك لا بدّ من غسله ولكن لا يحتاج إلى التقريص (قال) العيني في شرح البخارى قال ابن بطال حديث أسماء أصل عند العلماء في غسل النجاسات من الثياب "ثم قال" هذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا وهو كناية عن الكثير الجارى إلا أن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما يتجاوز عنه من الدم فاعتبر الكوفيون فيه وفى النجاسات ما دون الدرهم في الفرق بين قليله وكثيره (وقال) مالك قليل الدم معفوّ عنه ويغسل قليل سائر النجاسات. وروى عن ابن وهب أن قليل دم الحيض ككثيره وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء. والحجة في أن اليسير من دم الحيض كالكثير قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأسماء حتيه ثم اقرصيه حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ولا سألها عن مقداره ولم يحدّ فيه مقدار الدرهم ولا دونه "قلت" حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها رواه أبو داود وأخرجه البخارى أيضا ولفظه قالت بريقها فمصعته يدلّ على الفرق بين القليل والكثير (وقال) البيهقى هذا في الدم اليسير الذى يكون معفوا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أى عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة وعلى الشافعى أيضا في قوله إن يسير الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرّر عنه. وقد روى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة. وعصر ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما بثرة فخرج منها دم فمسحه بيده وصلى. فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبى هريرة وابن عمر ولا أكثر رواية منهما حتى خالفوهما حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير، على أن قليل الدم موضع ضرورة لأن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة أو دمل أو برغوث فعفى عنه ولهذا حرّم الله المسفوح منه فدلّ أن غيره ليس بمحرّم، وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن على وابن مسعود أنهما قدّرا النجاسة بالدرهم وكفى بهما حجة في الاقتداء، وروى عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أيضا أنه قدّره بظفره. وفي المحيط وكان ظفره قريبا من كفنا فدلّ على أن ما دون الدرهم لا يمنع. وقال في المحيط أيضا الدرهم الكبير ما يكون مثل عرض الكفّ، وعند
السرخسى يعتبر بدرهم زمانه. وأما الحديث الذى رواه الدارقطنى في سننه عن روح بن غطيف عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال تعاد الصلاة من قدر درهم من الدم وفي لفظ إذا كان في الثوبَ قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة فإن أصحابنا لم يحتجوا به لأنه حديث منكر بل قال البخارى إنه باطل "فإن قلت" النص وهو قوله تعالى "وثيابك فطهر" لم يفصل بين القليل والكثير فلا يعفى القليل "قلت" القليل غير مراد منه بالإجماع بدليل عفو موضع الاستنجاء فتعين الكثير وقد قدر الكثير بالآثار اهـ
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والترمذى والنسائى وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، ح وحَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ح وحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْمَعْنَى قَالَا:«حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ»
(ش) حاصل ما أشار إليه المصنف في سند هذا الحديث أنه مروى من ثلاث طرق اثنان عن مسدّد أحدهما عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة والآخر عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة والثالث عن موسى بن إسماعيل المنقرىّ عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، وغرض المصنف بذكر رواية هشام هذه وما قبلها بعد حديث محمد بن إسحاق الإشارة إلى أن محمد بن إسحاق خالف في حديثه هشام بن عروة وزاد ولتنضح ما لم تر ولم يذكر هشام هذه الزيادة وهشام أثبت من ابن إسحاق
(قوله يعنى ابن سلمة) أى يقصد موسى بن إسماعيل أن حمادا شيخه هو ابن سلمة لا حماد بن زيد شيخ مسدّد وهذه العناية من المصنف. وهذا على ما تقدّم من أن المراد بحماد شيخ مسدّد حماد بن زيد كما قاله العينى، ويحتمل أن المراد به حماد بن سلمة فتكون العناية لبيان أن المراد من حماد في الطريقين حماد بن سلمة
(قوله بهذا المعنى) أى معنى الحديث السابق ولفظه في النسائى من طريق حماد عن أسماء أن امرأة استفتت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه واقرصيه وانضحيه وصلى فيه
(قوله قالا) أى مسدّد وموسى بن إسماعيل في روايتهما، ويحتمل إرجاع الضمير إلى عيسى بن يونس وحماد بن سلمة أو إلى الحمادين
(قوله حتيه) أى حكيه بنحو حجر وهو أمر من حتّ من باب قتل "قال" الأزهري الحتّ أن يحك بطرف حجر أو عود
(قوله ثم اقرصيه بالماء) أمر من قرص وفى رواية قرّصيه بالتشديد "قال" الأزهرى القرص أن يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا ويصبّ عليه الماء حتى تزول عينه وأثره
(قوله ثم انضحيه) أى اغسليه فالمراد بالنضح هنا الغسل دون الرشّ
قاله العينى وتقدّم ما فيه
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم من طريق يحيى بن سعيد عن هشام بلفظ متقارب وهو كما في مسلم جاءت امرأة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه. وأخرجه الترمذى من طريق ابن عيينة عن هشام بلفظ إن امرأة سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيض فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلى فيه وقال حديث حسن صحيح. وأخرجه البيهقي من هذا الطريق وأخرجه النسائى
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ تَقُولُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ قَالَ: «حُكِّيهِ بِضِلْعٍ، وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» .
(ش)(رجال الحديث)
(قوله سفيان) الثورى
(قوله ثابت الحدّاد) هو ابن هرمز الكوفى أبو المقدام. روى عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وزيد بن وهب وأبى وائل وغيرهم وعنه ابنه عمرو والأعمش والثورى وشعبة والحكم بن عتيبة وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو داود ويعقوب بن سفيان وابن المدينى وقال أبو حاتم صالح وقال عقبة ثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطنى وقال ابن صالح كان شيخا عاليا صاحب سنة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه
(قوله عدى بن دينار) المدني مولى أم قيس. روى عن مولاته التوأمة هذا الحديث وعن أبى سفيان. وعنه ثابت بن هرمز وصالح مولى التوأمة، وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه حديث الباب فقط
(قوله أم قيس بنت محصن) في جرثان بن قيس بن مرّة الأسدية اسمها جذامة، كانت من المهاجرات الأول أسلمت بمكة قديما وهاجرت إلى المدينة. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وعشرون حديثا اتفق الشيخان على حديثين. روى عنها وابصة بن معبد ونافع مولى حمنة بنت شجاع وعبيد الله بن عبد الله وعدى بن دينار وآخرون. ذكر أبو القاسم الجوهرى في مسند الموطأ أن اسمها آمنة قالت توفي ابني فجزعت فقلت للذى يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله فانطلق أخوها عكاشة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره بقوله فتبسم
ثم قال مالها طال عمرها فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت. روى لها الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله حكيه بضلع الخ) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام أى بعود والأصل فيه ضلع الحيوان سمى به العود الذى يشبهه وقد تسكن اللام تخفيفا هكذا رواه الثقات، وذكر ابن دقيق العيد في الإمام أنه وجده بخطه في روايته من جهة ابن حيوة عن النسائى بصلع بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وهو الحجر قال ووقع في موضع بالضاد المعجمة ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقتضى تخصيص الضلع بالذكر. وأما الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة وجوده واستعماله في الحك اهـ (قال) العراقى وفيما قاله نظر فإنه خلاف المعروف في الرواية والمضبوط في الأصل (قال) الخطابى إنما أمر بحكه بالضلع لينقلع المتجسد منه اللاصق بالثوب ثم تتبعه الماء لتزيل الأثر اهـ وزيادة السدر للمبالغة في الإنقاء وقطع أثر دم الحيض وإلا فالماء كاف
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وذكره عبد الحق في الأحكام وقال الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر "قال" ابن القطان وذلك غير قادح في صحة الحديث فإنه في غاية الصحة ولا نعلمه روى بغير هذا الإسناد ولا على غير هذا الوجه فلا اضطراب في سنده ولا في متنه ولا نعلم له علة
(ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«قَدْ كَانَ يَكُونَ لِإِحْدَانَا الدِّرْعُ فِيهِ تَحِيضُ قَدْ تُصِيبُهَا الْجَنَابَةُ، ثُمَّ تَرَى فِيهِ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ فَتَقْصَعُهُ بَرِيقِهَا»
(ش)(قوله النفيلى) عبد الله بن محمد. و (سفيان) الثورى. و (ابن أبى نجيح) عبد الله ابن يسار. و (عطاء) بن أبى رباح
(قوله قد كان يكون الخ) كان تامة فلا تحتاج إلى الخبر أى قد كان الشأن أى وجد ووقع، ويكون ناقصة والدرع اسمها ولإحدانا خبرها والدّرع بكسر الدال المهملة وسكون الراء القميص. وتعنى عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا بقولها لإحدانا أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنّ يصنعن ذلك في زمنه والشأن اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك فالحديث في حكم المرفوع
(قوله فتقصعه بريقها) أى تدلكه وتزيله (وهذا) الحديث من أدلة من قال بجواز إزالة النجاسة بغير الماء بكل مائع طاهر مزيل (وحمله) الجمهور على القليل المعفوّ عنه من النجاسة (قال) البيهقى بعد تخريج الحديث وهذا في الدم اليسير الذى يكون معفوّا عنه أما في الكثير منه فصحيح عنها أنها كانت تغسله وقد تقدم بيان ذلك وافيا
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف والدارمى مرفوعا بسند فيه