الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله من المسجد متعلق بناولينى وحينئذ يحتمل أن المراد ادخلى المسجد وأعطينى إياها من غير مكث ولا تردّد فيه لحلّ هذا للحائض إذا أمنت التلويث أو مدّى يدك وأنت خارجة فتناوليها منه ثم ناولينى إياها وهذا جائز لها بالأولى. ويحتمل أنه متعلق بقال لكنه بعيد اهـ والحامل للقاضى عياض على ما ذهب إليه ما رواه مسلم والنسائى عن أبي هريرة قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد إذ قال يا عائشة ناولينى الثوب فقالت إنى لا أصلى فقال إنه ليس في يدك فناولته. وفى رواية للبيهقى ومسلم قال ناوليني الخمرة فقالت إني حائض. فحمل هذا الحديث وحديث الباب على اتحاد الواقعة وهو غير لازم بل تعدد الواقعة هو الظاهر
(قوله إن حيضتك الخ) بفتح الحاء المهملة المرّة الواحدة من دفع الحيض وبالكسر اسم هيئة من الحيض وهى الحالة التى تلزمها الحائض من التجنب والبعد عما لا يحلّ للحائض كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود والأول هو الصحيح المشهور في الرواية كما قاله النووى وهو المناسب من جهة المعنى فإن سيلان الدم والدفعة منه ليس في اليد بخلاف الهيئة فإنها قائمة بجميع الذات بدليل أنها لا يجوز لها مسّ المصحف (وقال) للخطابى المحدّثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أى الحالة والهيئة اهـ وأنكر القاضى عياض هذا على الخطابى وقال الصواب هنا ما قاله المحدّثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليست في يدك ومعناه أن النجاسة التى يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضى عياض (قال) النووى وهذا الذى اختاره. من الفتح هو الظاهر ولما قاله الخطابى وجه اهـ والوجه الذى أشار له النووى هو أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا كانت تعلم أنه ليس في يدها نجاسة الحيض التى يصان عنها المسجد وما امتنعت عن إدخال يدها في المسجد إلا لعلمها أن الحالة العارضة لها من الحيض قد حلت في يدها ولذا أجابها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن هذه الحالة التى هي كونها حائضا إنما عرضت لها باعتبار مجموعها لا باعتبار أجزائها فلا يقال لليد حائضة حتى يصان عنها المسجد
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض يجوز لها أن تتناول بيدها من المسجد شيئا وعلى مشروعية خدمة المرأة لزوجها (وقال) الخطابى في الحديث من الفقه أن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا أو نحو ذلك لا يحنث بإدخال يده فيه أو بعض جسده ما لم يدخله بجميع بدنه اهـ
(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى والترمذى وحسنه والنسائي وابن ماجه وأحمد
(باب في الحائض لا تقضى الصلاة)
وفى بعض النسخ باب الحائض لا تقضى الصلاة أى ليس عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أيام حيضها
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ، قالت إنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ: أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ لَقَدْ «كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَا نَقْضِي، وَلَا نُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله وهيب) بن خالد
(قوله عن أبي قلابة) بكسر القاف هو عبد الله بن زيد بن عمرو وقيل ابن عامر بن نابل بن مالك الجرمي بالجيم البصرى روى عن ثابت بن الضحاك وأنس بن مالك وأبى هريرة وابن عباس وابن عمر والنعمان ابن بشير وكثيرين. وعنه أيوب السختياني وقتادة ويحيى بن أبي كثير وحميد الطويل وعاصم الأحول وغيرهم. وثقه ابن خراش وابن سيرين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أيوب من الفقهاء ذوى الألباب وقال العجلى تابعى ثقة وقال عمر بن عبد العزيز لن تزالوا بخير يا أهل الشام ما دام فيكم هذا. توفي سنة أربع أو خمس ومائة. روى له الجماعة
(قوله معاذة) بنت عبد الله العدوية البصرية أم الصهباء. روت عن عائشة وعلىّ وهشام بن عامر. وعنها أبو قلابة وقتادة وعاصم الأحول وإسحاق بن سويد وآخرون. قال ابن معين ثقة حجة وذكرها ابن حبان في الثقات وقال الذهبي بلغنى أنها كانت تحيى الليل وتقول عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرّقاد في القبور. توفيت سنة ثلاث وثمانين. روى لها الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله إن امرأة الخ) أبهمها أيوب في رواية المصنف وفي رواية لمسلم وأبهمها أيضا همام في رواية البخارى وقد بينت في رواية لمسلم من طريق شعبة عن يزيد قال سمعت معاذة أنها سألت عائشة أتقضى الحائض الصلاة الخ. أى أتقضى المرأة التي حاضت الصلاة المكتوبة التي فاتتها في أيام حيضها إذا طهرت
(قوله أحرورية أنت) الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار داخلة على خبر المبتدأ وقدّم عليه لإفادة الحصر أى ما أنت إلا حرورية أى خارجة وحرورية نسبة إلى حروراء بالمدّ وقد تقصر قرية على ميلين من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج فيها فنسبوا إليها وسموا بالخوارج لأنهم أنكروا على علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تحكيمه أبا موسى الأشعرى في أمر معاوية وقالوا له شككت في أمر الله وحكمت عدوّك وطالت خصومتهم ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا برايتهم وهم ثمانية آلاف وأميرهم عبد الله بن الكوى فبعث علىّ عبد الله ابن عباس فناظرهم فرجع منهم ألفان وبقيت ستة آلاف فخرج إليهم علىّ فقاتلهم وكان عندهم من التشديد في الدين ما هو خارج عنه ومنه إيجابهم قضاء الصلاة على الحائض والأخذ بما دلّ
عليه القرآن وردّ ما زاد عليه من الحديث مطلقا فلما رأت عائشة هذه المرأة تسأل عن قضاء الحائض الصلاة ألحقتها بالحرورية. ولعلّ عائشة قالت لها ذلك لما فهمته من حالها من إنكار هذا الحكم والتعجب منه كما تشعر بذلك رواية مسلم عن معمر عن عاصم عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل الخ أى أسأل سؤالا مجرّدا عن الإنكار والتعجب بل للعلم بالحكم
(قوله لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفى رواية مسلم قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي رواية أخرى له قد كنّ نساء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحضن أى لقد كنا معشر أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحيض عنده في بيوته مع اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حالنا زمن الحيض وتركنا للصلاة في أيامه فلا نقضى ما فاتنا من الصلاة زمن الحيض ولا يأمرنا بالقضاء. والحديث يدلّ على أن الحائض لا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة زمن الحيض وهذا مجمع عليه إلا طائفة من الخوارج
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح
(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ:«فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ»
(ش) غرض المصنف بإيراد هذه الرواية بيان أن في الحديث اختلافا في السند والمتن أما الاختلاف في السند فإن الحديث الأول رواه المصنف عن أيوب السختيانى بواسطتين ورواه أيوب عن معاذة بواسطة أبى قلابة. والحديث الثانى رواه المصنف عن أيوب بأربع وسائط ورواه أيوب عن معاذة بلا واسطة. وأما الاختلاف في المتن فإن الحديث الأول ليس فيه الأمر بقضاء الصوم وهذا فيه الأمر بقضائه
(رجال الحديث)
(قوله سفيان يعنى ابن عبد الملك) المروزى. روى عن ابن المبارك وأبى معاوية الضرير. وعنه الحسن بن عمرو وعبد الله بن عثمان ووهب بن زمعة وإسحاق بن راهويه. ذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى. توفى قبل المائتين. و (ابن المبارك) هو عبد الله. و (معمر) بن راشد. و (أيوب) السختيانى
(قوله بهذا الحديث الخ) أى حدثنا
الحسن بسنده إلى عائشة بهذا الحديث المتقدّم لكن زاد معمر في هذه الرواية فنؤمر بقضاء الصوم "ولفظه" عند مسلم والبيهقي من طريق معمر عن عاصم عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (وفي هذه) الرواية دليل على أن الحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم زمن الحيض ولا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات (ونقل) ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على ذلك (وحكى) ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة (وعن) سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة لكن استقرّ الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهرى وغيره. ومستند الإجماع هذا الحديث الصحيح (وكان) قوم من قدماء السلف يأمرون الحائض إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ وتستقبل القبلة تذكر الله تعالى كيلا تتعوّد البطالة وترك الصلاة (وقال) مكحول كان ذلك من هدى نساء المسلمين واستحبه بعضهم (وقال) بعضهم هو أمر تركه مكروه عند جماعة (قال) النووى في شرح المهذب مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذكر في أوقات الصلوات ولا في غيرها (وممن قال) بهذا الأوزاعي ومالك والثورى وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور حكاه عنهم ابن جرير (وعن الحسن) البصرى قال تطهر وتسبح (وعن أبى جعفر) قال نأمر نساء الحيض أن يتوضأن في وقت الصلاة ويجلسن ويذكرن الله عز وجل ويسبحن. وهذا الذى قالاه محمول على الاستحباب عندهما. فأما استحباب التسبيح فلا بأس به وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص. وأما الوضوء فلا يصح عندنا وعند الجمهور بل تأثم به إن قصدت العبادة اهـ (والحكمة) في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة أن الصلاة تتكرّر فإيجابها مفض إلى حرج ومشقه فعفى عنه بخلاف الصوم فإنه غير متكرّر فلا يفضى قضاؤه إلى حرج (قال) ابن دقيق العيد قد اكتفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به فيحتمل أن يكون ذلك لوجهين (أحدهما) أن تكون أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء ويكون مجرّد سقوط الأداء دليلا على سقوط القضاء إلا أن يوجد معارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم (والثاني) وهو الأقرب أن يكون السبب في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم فإن الحيض يتكرّر فلو وجب قضاء الصلاة فيه لوجب بيانه وحيث لم يبين دلّ على عدم الوجوب ولا سيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به (وفي الحديث) دليل لما يقوله الأصوليون من أن قول الصحابى كنا نؤمر وننهى في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا لم تقم الحجة به اهـ