المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في المواقيت) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في الغسل من الجنابة)

- ‌(باب في الوضوء بعد الغسل)

- ‌(باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل)

- ‌(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمىّ)

- ‌(باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء)

- ‌(باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها)

- ‌(باب الحائض تناول من المسجد)

- ‌(باب في الحائض لا تقضى الصلاة)

- ‌(باب في إتيان الحائض)

- ‌(باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع)

- ‌(باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة)

- ‌(باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا)

- ‌(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر)

- ‌ بيان حال أحاديث الباب

- ‌(باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل كل يوم مرّة ولم يقل عند الظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل بين الأيام)

- ‌(باب من قال توضأ لكل صلاة)

- ‌(باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث)

- ‌(باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر)

- ‌(باب المستحاضة يغشاها زوجها)

- ‌(باب ما جاء في وقت النفساء)

- ‌(باب الاغتسال من الحيض)

- ‌ فتح خيبر

- ‌(باب التيمم في الحضر)

- ‌(باب الجنب يتيمم)

- ‌(باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم)

- ‌ غزوة ذات السلاسل)

- ‌(باب في المجروح يتيم

- ‌(باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت)

- ‌(باب في الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل)

- ‌(باب الصلاة في الثوب الذى يصيب أهله فيه)

- ‌(باب المنيّ يصيب الثوب)

- ‌(باب بول الصبى يصيب الثوب)

- ‌(باب الأرض يصيبها البول)

- ‌(باب في طهور الأرض إذا يبست)

- ‌(باب الأذى يصيب الذيل)

- ‌(باب البزاق يصيب الثوب)

- ‌(كتاب الصلاة)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(باب في وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها)

- ‌ باب في وقت صلاة الظهر

- ‌(باب وقت العصر)

- ‌(باب في الصلاة الوسطى)

- ‌(باب التشديد في الذى تفوته صلاة العصر)

- ‌(باب في وقت المغرب)

- ‌(باب في وقت العشاء الآخرة)

- ‌(باب في وقت الصبح)

الفصل: ‌(باب في المواقيت)

(قوله

(ص) قال أفلح وأبيه الخ) أى قال إسماعيل بن جعفر في روايته عمن ذكر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفلح وأبيه إن صدق (قال) الخطابى هذه كلمة جارية على ألسنة العرب تستعملها كثيرا في خطابها تريد بها التوكيد وقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يحلف الرجل بأبيه فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهى. ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجارى على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفوّ عنه قال الله تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤخذكم بما كسبت قلوبكم" قالت عائشة هو قول الرجل في كلامه لا والله وبلى والله ونحو ذلك. وفيه وجه آخر وهو أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا وربّ أبيه. وإنما نهاهم عن ذلك لأنهم لم يكونوا يضمرون ذلك في أيمانهم وإنما كان مذهبهم في ذلك مذهب التعظيم لآبائهم اهـ

(قوله دخل الجنة) أتى به بعد الفلاح لأنه ثمرته وأهمّ ما يقصد من الطاعات

(باب في المواقيت)

أى في بيان مواقيت الصلاة. وفي بعض النسخ باب ما جاء في المواقيت. وفي بعضها باب المواقيت. والمواقيت جمع ميقات بمعنى وقت. وقدم الكلام على الوقت لأنه سبب للصلاة وتتوقف صحتها على معرفته

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قال أَبُو دَاوُدَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحَارِثِ بْنِ العَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ يَعْنِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ،

ص: 282

وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله يحيى) القطان. و (سفيان) الثورى

(قوله عبد الرحمن ابن الحارث بن العياش) بتشديد المثناة التحتية ابن عبد الله (بن أبى ربيعة) القرشي المخزومى أبو الحارث المدنى. روى عن الحسن البصرى وسليمان بن موسى وعمرو بن شعيب وزيد ابن على وآخرين. وعنه ابن المغيرة والثورى وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد وغيرهم قال ابن معين صالح وقال النسائى ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي مدنى ثقة وقال أحمد متروك وضعفه على بن المدينى وقال ابن نمير لا أقدم على ترك حديثه وقال ابن سعد كان ثقة. ولد سنة ثمانين. ومات سنة ثلاث وأربعين ومائة، روى له الترمذى وأبو داود وابن ماجه

(قوله حكيم بن حكيم) بن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الأنصارى الأوسى. روى عن أبى أمامة ونافع بن جبير ومسعود بن الحكم والزهرى وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن الحارث وسهيل بن أبى صالح وعبد العزيز بن عبيد الله وجماعة. قال ابن سعد كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه وقال العجلي وابن حبان ثقة وقال ابن القطان لا يعرف حاله روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه

(قوله نافع بن جبير بن مطعم) بن عدى بن نوفل بن عبد مناف أبى محمد أو أبى عبد الله القرشى المدنى النوفلى. روى عن أبيه والعباس بن عبد المطلب وعلى بن أبي طالب والزبير بن العوّام وأبى هريرة وكثيرين. وعنه عروة بن الزبير وصالح بن كيسان وعمرو بن دينار والزهرى وغيرهم. وثقه أبو زرعة وابن سعد والعجلى وقال ابن خراش ثقة مشهور أحد الأئمة وذكره ابن حبان في الثقات وقال من خيار الناس

(معنى الحديث)

(قوله أمَّنى جبريل عند البيت) أى تقدم ليصل بى إماما عند الكعبة (قال) ابن عبد البر كانت إمامة جبريل له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في اليوم الذى يلى ليلة الإسراء "فقد" أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليلة التى أسرى به فيها لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالناس وطوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين. ونودى بالصلاة جامعة لأن الأذان لم يكن شرع وقتئذ. وظاهره صحة الاقتداء بالمقتدى لأن الصحابة لم يشاهدوا جبريل وإلا لنقل ذلك. والأظهر دفعه بأن إمامة جبريل لم تكن على حقيقته بل على النسبة المجازية من دلالته بالإيماء والإشارة إلى كيفية أداء الأركان وكميتها

ص: 283

كما يقع لبعض المعلمين حيث لم يكونوا في الصلاة ويعلمون غيرهم بالإشارة القولية، وجبريل ملك ينزل بالوحى على الأنبياء وهو مركب من كلمتين جبر بمعنى عبد وإيل بمعنى الله فمعناه عبد الله

(قوله فصلى بى الظهر) إنما ابتدأ بالظهر مع أن فرض الصلاة كان ليلا فقياسه أن أول صلاة تؤدى هي الصبح لأن أول وقت الصبح فيه خفاء للغلس فلو وقع فيه ابتداء البيان لم يكن فيه من ظهور الكيفية ما في وقوعه وقت الظهر. ولأن فيه إشارة إلى أن دين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيظهر على الأديان كلها "وذكر" ابن أبى خيثمة عن الحسن إنه لما كان عند صلاة الظهر نودى أن الصلاة جامعة ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى بهم الظهر أربع ركعات يؤمّ جبريل محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويؤم محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس لا يسمعهم فيهن قراءة

(قوله حين زالت الشمس الخ) أى حين مالت عن كبد السماء إلى جهة المغرب يسيرا وكانت قدر الشراك أى كان فيؤها قدر شراك النعل ففيه إطلاق السبب على المسبب لأن الشمس سبب في الفئ. ويؤيده رواية الترمذى فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك. والمراد منه أن وقت الظهر حين يأخذ الظل في الزيادة بعد الزوال. وشراك النعل أحد سيوره التى يكون على وجهها وليس هذا على التحديد بل على وجه التقرب وإلا فالمدار على تحقق زوال الشمس ولو كان الفئ جهة المشرق أقلّ من الشراك لأن الظلّ يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التى يقلّ فيها الظلّ فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشئ من جوانبها ظلّ فبمقدار قرب البلد من خط الاستواء يكون قصر الظلّ فيه وكلما بعد جهة الشمال كان الظلّ فيه طويلا

(قوله حين كان ظله مثله) أى الشئ وفى بعض الروايات حين صار ظل كلّ شيء مثله أى بعد ظلّ الزوال. والظلّ في الأصل الستر يقال أنا في ظلّ فلان أى ستره (قال) في المصباح يذهب الناس إلى أن الظلّ والفئ بمعنى واحد وليس كذلك بل الظلّ يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال فيء وإنما سمى بعد الزّوال فيئا لأنه ظلّ فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق والفئ الرجوع (وقال) ابن السكيت الظلّ من الطلوع إلى الزوال والفئ من الزوال إلى الغروب اهـ

(قوله حين أفطر الصائم) أى دخل وقت إفطاره بأن غابت الشمس ودخل الليل. وفى رواية حين وجبت الشمس وأفطر الصائم

(قوله حين غاب الشفق) قيل هو البياض المعترض في الأفق لأنه من أثر النهار وبه قال أبو حنيفة وزفر وداود والمزنى واختاره المبرّد والفرّاء وهو قول أبى بكر الصدّيق وعائشة وأبى هريرة ومعاذ وأبىّ وابن الزبير والأوزاعى، وقيل هو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة وهو المشهور في كتب اللغة وبه قال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعى وأحمد

ص: 284

والثورى وابن أبى ليلى وإسحاق بن راهويه وابن عمر وابن عباس وشدّاد بن أوس وعبادة بن الصامت وحكي عن مكحول وطاوس، وحكي عن أحمد أيضا أنه البياض في البنيان والحمرة في الصحارى، وقال بعضهم الشفق اسم للحمرة والبياض معا إلا أنه إنما يطلق على أحمر ليس بقان وأبيض ليس بناصع. وقال ابن الأثير الشفق من الأضداد يقع على الحمرة التى ترى في المغرب بعد مغيب الشمس وبه أخذ الشافعى. وعلى البياض الباقى في الأفق الغربى بعد الحمرة المذكورة وبه أخذ أبو حنيفة اهـ

(قوله حين حرم الطعام) وهو أول طلوع الفجر الصادق

(قوله صلى بى الظهر حين كان ظله مثله) وهو آخر وقت الظهر (وفى الحديث) دلالة على أن أول وقت الظهر الزوال ولا خلاف في ذلك يعتدّ به وآخره مصير ظلّ الشئ مثله (وقد اختلف) العلماء أيخرج وقت الظهر بمصير ظلّ الشيء مثله أم لا، فذهب الهادى ومالك وطائفة من العلماء إلى أنه يدخل وقت العصر ولا يخرج وقت الظهر وقالوا يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحا للظهر والعصر أداء، واحتجوا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى بى الظهر في اليوم الثانى حين صار ظل كل شئ مثله وصلى العصر في اليوم الأوّل حين صار ظلّ كل شيء مثله. وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات (وذهب) الشافعى والأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثله غير الظل الذى يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر، واحتجوا بحديث ابن عمرو بن العاصى عند مسلم مرفوعا بلفظ وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، وأجابوا عن حديث الباب بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شي مثله وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فلا اشتراك بينهما (قال) النووى هذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شئ مثله لم يعلم متى فرغ منها وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث على اتفاق اهـ (قال) أبو الطيب هذا تأويل حسن لو لم يعارضه ما رواه النسائى عن جابر أن جبريل أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدّم جبريل ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى العصر "إلى أن قال" ثم أتاه في اليوم الثانى حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى الظهر ثم أتاه جبريل

ص: 285

حين كان ظلّ الرجل مثلى شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر. فهذا صريح في أنه تقدم للإمامة للظهر في اليوم الثانى بعد صيرورة ظل الرجل مثل شخصه كما صنع في العصر في اليوم الأول اهـ (وقال) الباجى إن آخر وقت الظهر إذا كملت القامة بأن صار ظل كل شئ مثله وهو بنفسه أول وقت العصر فيقع الاشتراك بين الوقتين ما دام ظل كل شئ مثله فإذا تبينت الزيادة خرج وقت الظهر وانفرد وقت العصر هذا الذى حكاه أشهب عن مالك في المجموعة وقاله أبو محمد بن نصر وهو الصواب اهـ (قال) الخطابى اعتمد الشافعى هذا الحديث وعوّل عليه في بيان مواقيت الصلاة وقد اختلف أهل العلم في القول بظاهره فقالت به طائفة وعدل آخرون عن القول ببعض ما فيه إلى حديث آخر وإلى سنة سنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض المواقيت لما هاجر إلى المدينة قالوا وإنما يؤخذ بالأخير من أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وممن) قال بظاهر حديث ابن عباس بتوقيت أول صلاة الظهر وآخرها مالك وسفيان الثورى والشافعى وأحمد وبه قال أبو يوسف ومحمد (وقال) أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا صار الظل قامتين (وقال) ابن المبارك وإسحاق بن راهويه آخر وقت الظهر أول وقت العصر واحتجا بما في الرواية الآتية أنه صلى الظهر من اليوم الثانى في الوقت الذى صلى فيه العصر من اليوم الأول (وقد) نسب هذا القول إلى محمد بن جرير الطبرى وإلى مالك بن أنس أيضا وقال لو أن مصليين صليا أحدهما الظهر والآخر العصر في وقت واحد صحت صلاة كل واحد منهما اهـ ملخصا (واعلم) أن طريق معرفة الزوال أن ينصب عود مستو في أرض مستوية فما دام ظلّ العود في النقصان يعلم أن الشمس في الارتفاع لم تزل وإن استوى الظل علم أنها حالة الزوال فإذا أخذ الظل في الزيادة علم أنها زالت فيخط على رأس الزيادة فإذا صار ظلّ العود مثله من رأس الخط لا من العود جاء وقت العصر

(قوله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه) أى بعد فيء الزوال (وفي الحديث) دلالة على أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وبه أخذ مالك وأبو يوسف ومحمد والثورى وأحمد وإسحاق والشافعى والعتره (وقال) أبو حنيفة أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه. والأحاديث الصحيحة تردّ عليه، وفيه دلالة أيضا على أن آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وبه قال الإصطخرى وقال إن ما بعده قضاء، وقال الحسن بن زياد آخره الاصفرار. ودليله ما روى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس "الحديث" رواه أحمد ومسلم والنسائى (وقال) الجمهور إن آخر وقت العصر غروب الشمس مستدلين بحديث أبى هريرة مرفوعا "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" رواه الشيخان. وبما رواه مسلم من حديث ابن عمر وفيه ووقت

ص: 286

صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس ويسقط قرنها الأول (وأجابوا) عن حديث الباب الذى أخذ به الإصطخرى بأنه محمول على بيان وقت الاختيار لا لاستيعاب وقت الاضطرار والجواز وهذا الحمل لا بدّ منه للجمع بين الأحاديث وهو أولى من قول من قال إن هذه الأحاديث ناسخة لحديث جبريل لأن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع (قال في النيل) ويؤيد هذا الجمع حديث تلك صلاة المنافقين ففيه دلالة على كراهة تأخير الصلاة إلى وقت الاصفرار، ويجاب عما استدل به الحسن بن زياد بما في الرواية الأخرى من الزيادة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسقط قرنها الأول فتحمل روايته الخالية من هذه الزيادة على الرواية التى فيها الزيادة فلا يكون الحديث حجة له (قال النووى) في شرح مسلم قال أصحابنا للعصر خمسة أوقات وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر، فأما وقت الفضيلة فأول وقتها ووقت الاختيار يمتدّ إلى أن يصير ظل الشئ مثليه ووقت الجواز إلى الاصفرار ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار مع الغروب ووقت العذر هو وقت الظهر في حق من يجمع بين العصر والظهر لسفر أو مطر ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء اهـ

(قوله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم) أى حين غابت الشمس. والإجماع على أن أول وقت المغرب غروب الشمس، واختلفوا فيها أهي ذات وقت أم وقتين (فقال) الأوزاعي والشافعى في الجديد لها وقت واحد وهو مقدّر بمقدار فعلها مع تحصيل شروطها (وقال) أبو حنيفة وأصحابه وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق وبه قال أحمد والثورى وإسحاق بن راهويه وقول عند المالكية والشافعى في القديم ورجحه الثورى (قال) الخطابى أما المغرب فقد أجمع أهل العلم على أن أول وقتها غروب الشمس واختلفوا في آخر وقتها فقال مالك والشافعى والأوزاعى لا وقت للمغرب إلا وقت واحد (وقال) الثورى وأصحاب الرأى وأحمد وإسحاق آخر وقت المغرب إلى أن يغيب الشفق وهذا أصح القولين (وذهب) الناصر وعطاء وطاوس إلى أن لها وقتين أحدهما ينتهى بمغيب الشفق والآخر يمتدّ إلى طلوع الفجر (وذهب) جماعة من الشافعية إلى أن لها وقتين أحدهما ينتهى بفعلها مع تحصيل شروطها والآخر ينتهى بمغيب الشفق

(قوله وصلى بى العشاء إلى ثلث الليل) يجوز أن تكون إلى بمعنى في أى صلى في ثلث الليل على حدّ قوله تعالى "ليجمعنكم إلى يوم القيامة" أى في يوم القيامة. ويجوز أن تكون بمعنى مع أى صلى بى العشاء صلاة مصاحبة لآخر ثلث الليل وتؤيده الرواية الأخرى ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث اللبل. وهذا وقت الاستحباب والاختيار وهو قول كثير من العلماء. وفى قول للشافعى إن آخر وقتها المختار نصف الليل محتجا بما رواه أحمد ومسلم والنسائى من حديث عبد الله بن عمر وفيه ووقت صلاة العشاء إلى نصف

ص: 287

الليل. وبحديث أبى هريرة الذى رواه أحمد وابن ماجة والترمذى وصححه "لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى نصف الليل أو ثلثه" وبحديث عائشة الذى رواه مسلم والنسائي قالت أعتم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال إنه لوقتها لولا أن أشقّ على أمتى. وبحديث أنس الذى رواه البخارى ومسلم قال أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها "الحديث"(وهذه الأحاديث) ينبغى المصير إليها لوجوه "منها" اشتمالها على الزيادة وهي مقبولة "ومنها" اشتمالها على الأقوال والأفعال. وحديث جبريل أفعال فقط وهي لا تعارض الأقوال "ومنها" كثرة طرقها فالراجح أن آخر وقت العشاء الاختيارى نصف الليل. وما أجاب به صاحب البحر من أن النصف مجمل فصله حديث جبريل فليس على ما ينبغي. وأما وقت الجواز والاضطرار فهو ممتدّ إلى الفجر لحديث أبى قتادة عند مسلم وفيه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فإنه ظاهر في امتداد وقت الصلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع. وأما حديث عائشة المتقدم فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت العشاء المختار إلى بعد نصف الليل ولكنه يؤول بأن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه إنه لوقتها "يعنى المختار"(قال) الخطابى أما آخر وقت العشاء الآخرة فروى عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة أن آخر وقتها ثلث الليل وكذلك قال عمر بن عبد العزيز وبه قال الشافعى (وقال) الثورى وأصحاب الرأى وابن المبارك وإسحاق آخر وقتها نصف الليل. وقد روى عن ابن عباس أنه قال لا يفوت وقت العشاء إلى الفجر وإليه ذهب عطاء وطاوس وعكرمة اهـ

(قوله وصلى بى الفجر فأسفر) أى صلى جبريل بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبح مؤخرا له إلى وقت الإسفار أى ظهور النور، ويحتمل عود الضمير في أسفر إلى الصبح أى أسفر الصبح وقت صلاته. ويحتمل عوده إلى الموضع الذى صلى فيه أى أسفر الموضع في وقت صلاة الصبح ويؤيده رواية الترمذى ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض. ولا خلاف في أن أول وقت الصبح هو طلوع الفجر الصادق وعلامته انتشار البياض المعترض في الأفق (واختلف) في آخره فذهب الجمهور إلى أنه طلوع الشمس إلا أن مشهور مذهب مالك أن وقته المختار إلى الإسفار (وقال) الشافعي إنه الإسفار لأرباب الرفاهية ولمن لا عذر له وطلوع الشمس لأرباب الأعذار والضرورات (وقال) الإصطخرى إنه إلى الإسفار البين فمن صلى بعده يكون قاضيا وإن لم تطلع الشمس

(قوله هذا وقت الأنبياء من قبلك) ظاهره يوهم أن هذه الصلاة في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن

ص: 288

كان قبله من الأنبياء وليس كذلك بل المراد أن هذا الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر كان مثله وقتا للأنبياء قبلك فصلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها لأن ما عدا العشاء كان مفرقا فيهم لما أخرجه المصنف وابن أبى شيبة في مصنفه والبيهقى في سننه عن معاذ بن جبل قال أخر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظنّ الظانّ أنه قد صلى ثم خرج فقال أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم، ولما أخرجه الطحاوى عن عبيد الله بن محمد عن عائشة أن آدم لما تيب عليه عند الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح. وفدى إسحاق عند الظهر فصلى أربع ركعات فصارت الظهر. وبعث عزيز فقيل له كم ليلة لبثت قال يوما فرأى الشمس فقال أو بعض يوم فصلى أربع ركعات فصارت العصر وغفر لداود عند المغرب فقام فصلى أربع ركعات فجهد في الثالثة "أى تعب فيها عن الإتيان بالرابعة" لشدّة ما حصل له من البكاء على ما اقترفه مما هو خلاف الأولى به فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وبهذا) يندفع قول البيضاوى توفيقا بين هذا وبين خبر أبى داود وغيره المذكور في العشاء إن العشاء كانت الرسل تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يجب علينا (قال) ابن حجر يحتمل أن اسم الإشارة في حديث الباب راجع إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة

(قوله والوقت ما بين هذين الوقتين) أى وقتى اليوم الأول واليوم الثانى الذى أمّ جبريل فيهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإن قيل" هذا يقتضى أن لا يكون الأول والآخر وقتا "قيل" لما صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان بالفعل وبقى الاحتياج إلى بيان ما بين الأول والآخر فبين بالقول أن هذا بيان للوقت المستحب إذ الأداء في أول الوقت مما يتعسر على الناس ويؤدى أيضا إلى تقليل الجماعة وفى التأخير إلى آخر الوقت خشية الفوات فكان المستحب ما بينهما لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خير الأمور أوساطها

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على عظيم الاهتمام بأمر الصلوات الخمس ومزيد قدرها حيث أرسل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام لبيان كيفيتها وأوقاتها بالفعل ولم يكتف بالقول كسائر الأحكام وفعل ذلك مرّتين في يومين فهذا أكبر برهان على أن الصلاة أصل كل خير وفقنا الله عز وجل جميعا لأدائها على الوجه الذي يرضيه ونعوذ به تعالى ممن يفرّط في أدائها فإنه لا عقل له ولا دين وأقام الدليل على أنه خسر الدنيا والآخرة. ويدلّ الحديث أيضا على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس مشرّعا من قبل نفسه، وعلى أن العبادة مقصورة على الوارد عن الله تعالى

ص: 289

بالتحديد، وعلى أن أوقات الصلوات بينت بالقول والفعل، وعلى جواز صلاة المفترض خلف المتنفل وفيه الخلاف المشهور، وعلى أنه قد تتعين إمامة المفضول للفاضل، وعلى أداء الصلوات الخمس في المساجد، وعلى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يصلون في أوقات مخصوصة وعلى أن أوقات الصلوات موسعة ما عدا المغرب على الخلاف

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والترمذى وقال حديث حسن ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وعبد الرزاق في مصنفه من طريقين وقال ابن عبد البر في التمهيد قد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له. ورواته كلهم مشهورون بالعلم

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، أَخْبَرَهُ، أَنّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قد أَخْبَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: اعْلَمْ مَا تَقُولُ: فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ» يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ سُقُوطِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ،

ص: 290

وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ».

(ش)(رجال الحديث)

(قوله ابن وهب) هو عبد الله

(قوله عمر بن عبد العزيز) ابن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية القرشي الأموى أبا حفص أمير المؤمنين. روى عن أنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وعقبة بن عامر والسائب بن يزيد وكثيرين. وعنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن وهو من شيوخه والزهرى وتمام بن نجيح وعمر بن مهاجر وطوائف. قال أنس ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذا الفتى "يعنى عمر" وقال مالك بن أنس كان سعيد بن المسيب لا يأتي أحدا من الأمراء غيره وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع وروى حديثا كثيرا وكان إمام عدل وقال مجاهد أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه وقال ميمون بن مهران ما كانت العلماء عند عمر إلا تلامذة وقال محمد بن على بن الحسين لكل قوم نجيبة وإن نجيبة بنى أمية عمر بن عبد العزيز وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده وقال ابن عون لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة قام على المنبر فقال يا أيها الناس إن كرهتموني لم أقم عليكم فقالوا رضينا رضينا وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال الحسن البصرى يوم مات مات خير الناس، قال غير واحد مات في رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر وفضائله أفردت بالتأليف. روى له الجماعة

(قوله فأخر العصر شيئا) أى يسيرا فالتنكير للتقليل وفي رواية البخارى أن عمر بن عبد العزيز أخر صلاة العصر يوما زمنا يسيرا عن أول وقتها المستحب لا أن ذلك كان سجية له كما كانت تفعل ولاة بنى أمية ولا سيما العصر فقد كان الوليد بن عتبة يؤخرها في زمن عثمان وكان ابن مسعود ينكر عليه وكذلك كان يفعل الحجاج. وإنكار عروة عليه لتركه الوقت الفاضل الذى صلى فيه جبريل عليه السلام وعلى هذا فيحمل ما رواه الطبراني عن يزيد بن أبى حبيب عن أسامة بن زيد الليثى عن ابن شهاب قال دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها أى قارب المساء لا أنه دخل وقت المساء (قال) القاضى عياض لم يكن تأخيره لعذر لأنه لم يعتذر ولا عمدا مع العلم بالتحديد وإنما ظنَّ الجواز مع أنه لم يكن ذلك عادة له لقوله في الحديث أخر الصلاة يوما. ثم تأخيره إن كان عن الوقت المختار فالإنكار بين وإن كان عن وقت الفضيلة المستحب الذى هو سنة للجماعة فالإنكار لما فيه من التغرير خوف الوقوع في الوقت المحظور ولا سيما تأخير الأئمة المقتدى بهم، وقد يكون تأخيره لأنه يرى أن العصر لا ضرورىّ لها كما هو مذهب أهل الظاهر. أو يكون قد خفى عليه أن جبريل هو الذى حدّد الأوقات وخفيت عليه السنة

ص: 291

في ذلك. وإحاطة البشر بكلها ممتنعة اهـ (وقال) القرطبى الأشبه بفضل عمر أنه إنما أخر عن الوقت المختار وإنما أنكر عليه لعدوله عن الأفضل وهو ممن يقتدى به فيتوهم أن تأخيره سنة اهـ (وقال) النووى في شرح مسلم أخر عمر العصر فأنكر عليه عروة وأخرها المغيرة فأنكر عليه ابن مسعود واحتجا بإمامة جبريل عليه السلام، أما تأخير عمر والمغيرة فلأن الحديث لم يبلغهما أو أنهما كانا يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب الجمهور. وأما احتجاج عروة وابن مسعود بالحديث فقد يقال ثبت في الحديث في سنن أبى داود والترمذى وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في إمامة جبريل له أنه صلى الصلوات الخمس مرّتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت وفى اليوم الثانى في آخر وقت الاختيار وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث. وجوابه أنه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثانى وهو مصير ظل كل شيء مثليه اهـ

(قوله أما إن جبريل الخ) هو إنكار لما أتى به عمر من التأخير وصدّره بأما التى هى من طلائع القسم للتأكيد وقوله اعلم ما تقول بصيغة الأمر من العلم أى كن حافظا وضابطا له ولا تقله عن غفلة وقيل من الإعلام أى بين لى حاله وإسنادك فيه. ويحتمل أن يكون أعلم بصيغة المتكلم والأول هو الصحيح. وفى رواية للشافعى عن سفيان عن الزهرى فقال اتق الله يا عروة وانظر ما تقول (قال) الرافعى لا يحمل مثله على الاتهام ولكن المقصود الاحتياط والاستثبات ليتذكر الراوى ويجتنب ما عساه يعرض له من نسيان أو غلط اهـ فهو تنبيه من عمر لعروة لتحقق ما يقول وكأنه استبعاد لإخبار عروة بنزول جبريل بدون الإسناد فأغلظ عليه في ذلك مع عظم جلالته إشارة إلى مزيد الاحتياط في الرواية لئلا يقع في محذور الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن لم يتعمده فلما أسند عروة الحديث إلى بشير قنع به عمر. وفى هذه القصة دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف الدين والرجوع عند التنازع إلى السنة

(قوله فقال له عروة سمعت الخ) أتى بالحديث ردّا لإنكار عمر عليه فكأنه قال كيف لا أدرى ما أقول وأنا سمعته ممن سمع صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكره. و (بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة (ابن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصارى. روى عن أبيه. وعنه ابنه عبد الرحمن وعروة بن الزبير ويونس بن ميسرة وهلال بن جبر. قال العجلى تابعى ثقة وذكره البخارى ومسلم وأبو حاتم وابن حبان في ثقات التابعين وقال ابن منده كانت له صحبة. روى له البخارى ومسلم وابن ماجه

(قوله سمعت أبا مسعود) هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصارى صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى عنه. وروى عنه ابنه بشير وأبو وائل وعلقمة وأبو الأحوص وقيس بن أبى حازم وآخرون. اختلف في شهوده بدرا والصحيح أنه شهدها ففى صحيح البخارى من حديث عروة بن الزبير قال أخر المغيرة بن شعبة العصر فدخل عليه

ص: 292

أبو مسعود عقبة بن عمرو جدّ زيد بن حسن وكان قد شهد بدرا فقال يا مغيرة "فذكر الحديث" سمعه عروة من بشير بن أبى مسعود عن أبيه. وبذلك عدّه البخارى في البدريين. وقال مسلم ابن الحجاج في الكنى شهد بدرا وقال أبو القاسم البغوى حدثني أبو عمرو يعنى على بن عبد العزيز عن أبى عبيد يعنى القاسم بن سلام قال أبو مسعود عقبة بن عمرو شهد بدرا وقال ابن سعد شهد أحدا وما بعدها. قيل مات سنة أربعين.

(معنى الحديث)

(قوله نزل جبريل) قال الحافظ الحق أن تمثيل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه. والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائى فقط اهـ وهو ردّ على من قال بالفناء والإزالة

(قوله فأخبرني الخ) يعنى علمنى وقت الصلاة بالفعل والقول. أما الفعل فظاهر وأما القول فلما في حديث ابن عباس المتقدم من قول جبريل له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والوقت ما بين هذين. ويحتمل أنه أطلق الإخبار على الفعل لما يلزم من البيان به الإخبار والإعلام

(قوله فصليت معه الخ) هو بيان للإخبار بالفعل "ولا يقال" ليس في الحديث بيان لأوقات الصلوات "لأنه" إحالة على ما يعرف المخاطب

(قوله يحسب بأصابعه) بالمثناة التحتية وضم السين المهملة أى يعدّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال كونه يقول صليت مكرّرا فالجملة حال منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما هو الظاهر (وقال) الطيبى هو بالنون اهـ أى يقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك القول ونحن نحسب بعقد أصابعه. وهذا مما يدلّ على إتقان أبى مسعود وضبطه أحوال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله خمس صلوات) كذا في أكثر الروايات عن ابن شهاب وهو محمول على الصلوات الخمس في كل يوم فلا تنافى بين هذه الرواية ورواية ابن عباس المتقدمة الدالة على أنه صلى عشر صلوات

(قوله فرأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) مرتب على محذوف أى فبعد أن أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنزول جبريل وتبيينه أوقات الصلاة رأيته يصلى الظهر الخ

(قوله والشمس مرتفعة الخ) يعنى أول وقت العصر وفى ذكر الارتفاع إشارة إلى بقاء حرها وضوئها. وذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة وقوله حين يسودّ الأفق أى يظلم وذلك بعد غيبوبة الشفق

(قوله بغلس) بفتحتين أى بظلمة (قال) ابن الأثير الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح

(قوله فأسفر بها) أى أضاء وأشرق بالصبح

(قوله ولم يعد إلى أن يسفر) أى لم يرجع إلى الإسفار إلى أن مات صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفى رواية للدارقطنى والطحاوى فأسفر ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله عز وجل (وفي هذا) دلالة على أن التغليس بصلاة الصبح أفضل وسيأتى بيانه إن شاء الله تعالى

ص: 293

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن وقت الصلاة شرط في صحتها، وعلى مشروعية تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحرّ، وعلى طلب المبادرة بصلاة العصر والمغرب، وعلى مشروعية تأخير صلاة العشاء، وعلى أفضلية التغليس بصلاة الصبح.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والبخارى ومسلم والنسائى والبيهقي والطحاوى والدارقطني مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مَعْمَرٌ وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ.

(ش) أى روى حديث إمامة جبريل المذكور من طريق محمد بن مسلم الزهرى أيضا معمر بن راشد ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وشعيب بن أبى حمزة القرشي والليث بن سعد وغيرم كالأوزاعي ومحمد بن إسحاق ولم يذكر هؤلاء في رواياتهم عن الزهرى الوقت الذى صلى فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلوات ولم يبينوه كما بين وفسر أسامة بن زيد في روايته عن الزهرى. وغرض المصنف بذكر هذه التعاليق بيانا أن أصحاب الزهرى اختلفوا عليه فأسامة ابن زيد روى هذا الحديث عن الزهرى فذكر أولا أوقات الصلاة مجملا ثم فسرها فيما بعد وأما معمر ومالك وابن عيينة وشعيب والليث وغيرهم فإنهم ذكروا أوقات الصلاة مجملا لم يفسروه. ففى رواية أسامة بن زيد زيادة قوله فرأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس "الحديث" وليست هذه الزيادة في رواية هؤلاء المذكورين أما رواية معمر عن الزهرى فأخرجها عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهرى "الحديث" وأما رواية مالك فأخرجها مسلم في صحيحه من طريق يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصارى فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل عليه السلام نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال بهذا أمرت فقال عمر لعروة انظر ما تحدّث به يا عروة أو أن جبريل عليه السلام هو أقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة فقال عروة كذلك كان بشير بن أبى مسعود يحدّث عن أبيه قال عروة

ص: 294

لقد حدثتنى عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر. وأخرجها أيضا الإمام أحمد في مسنده من طريق عبد الرحمن عن مالك بن أنس عن ابن شهاب "الحديث" وأما رواية سفيان ابن عيينة عن الزهرى فأخرجها البيهقى من طريق حسن بن محمد الزعفرانى قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن الزهرى أن عروة بن الزبير قال عند عمر بن عبد العزيز قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نزل جبريل عليه السلام فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه حتى عدّ خمس صلوات فقال عمر بن عبد العزيز اتق الله وانظر ما تقول يا عروة فقال عروة أخبرني بشير بن أبى مسعود عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نزل جبريل فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه حتى عدّ خمس صلوات "ولا يقال" إن رواية أسامة شاذة "لأنه" ليس في رواية مالك ومن تبعه ما ينفى الزيادة المذكورة في رواية أسامة بل في روايتهم اختصار من وجهين "أحدهما" أنه لم تعين فيها الأوقات "وثانيهما" أنه لم تذكر فيها صلاة جبريل بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخمس إلا مرّة واحدة، وقد ذكر الدارقطنى والطبراني وابن عبد البر في التمهيد من طريق أيوب بن عتبة عن أبي بكر بن حزم عن عروة بن الزبير بسنده إلى أبى مسعود الأنصارى أن جبريل صلى به الخمس مرّتين في يومين. على أنه قد ورد من رواية الزهرى نفسه "فقد" أخرج ابن أبى ذئب في موطئه عن ابن شهاب بسنده إلى أبى مسعود وفيه أن جبريل نزل على محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم صلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم قال هكذا أمرت. وأخرج البيهقى من طريق مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصارى فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل عليه السلام نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال بهذا أمرت فقال عمر لعروة انظر ما تحدّث يا عروة أو أن جبريل هو أقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة فقال عروة كذلك كان بشير بن أبى مسعود يحدّث عن أبيه قال عروة ولقد حدثتنى عائشة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر "قال" رواه البخارى في الصحيح عن عبد الله بن مسلمة ورواه مسلم عن يحيى ابن يحيى اهـ وثبتت أيضا صلاته مرتين مع تفسير الأوقات الخمس عن ابن عباس عند

ص: 295

الترمذى والمصنف وأنس عند الدارقطني وعمرو بن حزم عبد عبد الرزاق في مصنفه وابن راهويه في مسنده وجابر بن عبد الله عند الترمذى والنسائى والدارقطنى وأبى سعيد عند أحمد وأبى هريرة عند البزار وابن عمر عند الدارقطني فهذه الرواية تعضد رواية أسامة بن زيد الليثى وتدفع علة الشذوذ.

(ص) وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّ حَبِيبًا لَمْ يَذْكُرْ بَشِيرًا

(ش) أى روى هذا الحديث هشام بن عروة كما رواه معمر بن راشد وأصحابه من غير بيان الأوقات إلا أن حبيبا لم يذكر في روايته بشير بن أبي مسعود بل ذكر أن عروة روى عن أبى مسعود من غير واسطة ابنه بشير. ولم نقف على من وصل هذين التعليقين و (حبيب بن أبى مرزوق) هو الرقى. روى عن عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وعطاء بن مسلم. وعنه جعفر ابن برقان وأبو المليح. قال أحمد ما أرى به بأسا وقال ابن معين مشهور ووثقه ابن حبان وأبو داود والدارقطني وقال يحتج به. مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. روى له الترمذى والنسائي

(ص) وَرَوَى وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَالَ:«ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبِ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ يَعْنِي مِنَ الْغَدِ وَقْتًا وَاحِدًا» .

(ش) أى روى وهب بن كيسان حديثا ذكر فيه أن جبريل عليه السلام جاء له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة المغرب في اليوم الأول والثاني في وقت واحد وهو غروب الشمس و (وهب بن كيسان) هو أبو نعيم القرشي مولى آل الزبير. روى عن جابر بن عبد الله وابن عباس وابن عمر وابن الزبير. وعنه ابن عمر وهشام بن عروة وابن عجلان ومالك وآخرون. وثقه النسائي وابن حبان وابن معين والعجلى وابن سعد. مات سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة وروايته أخرجها الترمذى وكذا الدارقطني والبيهقي والحاكم من طريق ابن المبارك عن حسين بن على بن الحسين حدثنى وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال جاء جبريل عليه السلام إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين زالت الشمس فقال قم يا محمد فصلّ الظهر فقام فصلى الظهر حين مالت الشمس ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه العصر فقال قم يا محمد فصلّ العصر فقام فصلى العصر ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال قم فصلّ المغرب فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه ففال قم فصلّ العشاء فقام فصلاها ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح فقال قم يا محمد فصلّ فقام فصلى الصبح ثم جاءه من الغد حين

ص: 296

كان فئ الرجل مثله فقال قم يا محمد فصلّ الظهر فقام فصلى الظهر ثم جاءه حين كان فئ الرجل مثليه فقال قم يا محمد فصلّ فقام فصلى العصر ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه فقال قم فصلّ فصلى المغرب ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول فقال قم فصلّ فصلى العشاء ثم جاءه للصبح حين أسفر جدّا فقال قم فصلّ فصلى الصبح ثم قال ما بين هذين وقت كله قال الترمذى قال محمد "يعنى البخارى" حديث جابر أصح شيء في المواقيت (وقال) ابن القطان هذا الحديث يجب أن يكون مرسلا لأن جابرا لم يذكر من حدّثه بذك وجابر لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء لما علم أنه أنصارى إنما صحب بالمدينة بخلاف حديث أبى هريرة وابن عباس فإنهما رويا إمامة جبريل من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (وقال) في الإمام هذا إرسال غير ضارّ لأنه يبعد أن يكون جابر قد سمعه من غير صحابي اهـ (واستدلّ) الشافعى بحديث وهب بن كيسان هذا على أن وقت المغرب واحد وهو عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء لكن المحققون من أصحابه رجحوا أنه إلى مغيب الشفق (وأجابوا) عن هذا الحديث ونحوه بثلاثة أوجه "الأول" أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز "الثاني" أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة والأحاديث التى وردت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرّة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها "الثالث" أن الأحاديث التى وردت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق أصح إسنادا من هذا الحديث فوجب تقديمها (منها) ما ذكره مسلم ضمن حديث وفيه فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق. وفى رواية وقت المغرب إلى أن يسقط نور الشفق. وفى رواية ما لم يغب الشفق

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ» . يَعْنِي مِنَ الْغَدِ وَقْتًا وَاحِدًا

(ش) أى روى الحديث عن أبى هريرة وفيه أن صلاة المغرب كانت في اليومين في وقت واحد كما رواه جابر. وحديث أبى هريرة أخرجه النسائى قال أخبرنا الحسين بن حريث قال أنبأنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا جبريل عليه السلام جاءكم يعلمكم دينكم فصلى الصبح حين طلع الفجر وصلى الظهر حين زاغت الشمس ثم صلى العصر حين رأى الظلّ مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحلّ فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلا ثم صلى به الظهر حين كان الظلّ مثله ثم صلى العصر حين كان الظلّ مثليه ثم صلى المغرب

ص: 297

بوقت واحد حين غربت الشمس وحلّ فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل ثم قال الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم. ورواه الدارقطنى والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم

(ص) وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصي مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(ش) أى روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى حديث مثل حديث جابر وأبى هريرة في أن جبريل صلى بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب في وقت واحد. وروايته أخرجها البيهقي بسنده إلى الأوزاعي ثنا حسان بن عطية حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سأل رجل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن وقت الصلاة فصلى الظهر حين فاء الفئ وصلى العصر حين صار ظلّ كل شيء مثله وصلى المغرب حين وجبت الشمس وصلى العشاء حين غاب الشفق وصلى الصبح حين بدا أول الفجر ثم صلى الظهر اليوم الثانى حين كان ظلّ كل شئ مثله وصلى العصر حين كان ظلّ كل شئ مثليه وصلى المغرب حين وجبت الشمس وصلى العشاء في ثلث الليل وصلى الصبح بعد ما أسفر ثم قال إن جبريل أمَّني ليعلمكم أن ما بين هذين الوقتين وقت ومقصود المصنف من إيراد هذه التعاليق تقوية أنه لم ترد صلاة المغرب في إمامة جبريل إلا في وقت واحد كما في رواية أسامة بن زيد وحديث ابن عباس المتقدّم. لكن صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى المغرب في وقتين مختلفين من حديث بريدة عند مسلم وفيه فأقام المغرب حين غابت الشمس وفية أيضا فلما أن كان اليوم الثاني صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وحديث أبى موسى عند مسلم أيضا وفيه فأقام المغرب حين وقعت الشمس "أى في اليوم الأول" وفيه أيضا ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق "أى في اليوم الثاني" ففى هذا دلالة صريحة على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب في وقتين وهو المختار كما تقدّم

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى (*)، "أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نبه في خاتمة الجزء السادس أن هذا الموضع فيه سقط، وأن الصواب:«أبو بكر بن أبي موسى عن أبي موسى»

ص: 298

أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، فَصَلَّى حِينَ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ -أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْرِفُ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ- ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى قَالَ: الْقَائِلُ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، وَأَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الْفَجْرَ وَانْصَرَفَ، فَقُلْنَا أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ وَصَلَّى الْعَصْرَ، وَقَدِ اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ -أَوْ قَالَ: أَمْسَى- وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، ثُمَّ قَالَ:«أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» .

(ش)(رجال الحديث)

(قوله بدر بن عثمان) القرشي الأموى مولى عثمان بن عفان روى عن الشعبى وعكرمة وأبى بكر بن أبى موسى وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم وابن نمير وآخرون. وثقه العجلى والدارقطني وابن معين وابن حبان وقال النسائى لا بأس به. روى له أبو داود والنسائى

(قوله أبو بكر بن أبى موسى) الأشعرى الكوفي يقال اسمه عمرو. روى عن أبيه والبراء بن عازب وابن عباس وجابر بن سمرة وغيرهم. وعنه أبو عمران الجونى وأبو إسحاق السبيعى ويونس بن أبى إسحاق وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث يستضعف. مات سنة ست ومائة، روى له الجماعة

(قوله عن أبى موسى) هو عبد الله بن قيس الأشعرى.

(معنى الحديث)

(قوله أن سائلا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى عن مواقيت الصلاة كما صرّح به في رواية مسلم والنسائى. ولم يعرف اسم السائل

(قوله فلم يردّ عليه شيئا الخ) يعنى لم يبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقول بل أمره بالإقامة والصلاة معه يومين كما صرّح به في بعض الروايات وليس المراد أنه لم يردّ عليه بالقول ولا بالفعل كما هو الظاهر لأن المعلوم من أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يجيب إذا سئل. وبهذا التأويل يجمع بين رواية النسائى عن جابر وفيها قال له صلّ معى ورواية الترمذى وفيها قال له أقم معنا (واستدلّ) بهذا من يرى جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة. فقوله حتى أمر بلالا الخ أى انتهى

ص: 299

عدم البيان من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن أمر بلال بن رباح المؤذن فأقام لصلاة الصبح وقت طلوع الفجر الصادق في أول يوم. وقوله انشق الفجر أى طلع يقال شقّ الفجر وانشقّ طلع كأنه شقّ محل طوعه وخرج منه

(قوله أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه) شك من الراوى أى لا يعرف مصاحب جنبه من هو. وفى رواية مسلم والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا. والمراد أنه صلى في الغلس أول الوقت بدليل قوله حين انشق الفجر

(قوله حتى قال القائل الخ) وفي نسخة حين قال القائل. فعلى النسخة الأولى تكون حتى بمعنى الواو العاطفة وقد صرّح بها في رواية مسلم أى وقال القائل انتصف النهار. وهذا من قبيل الإخبار أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإقامة صلاة الظهر وقت زوال الشمس وقول القائل انتصف النهار. ويحتمل أن يكون على الاستفهام أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بإقامة الظهر حين زوال الشمس وفى وقت يصح للمستفهم أن يستفهم فيه عن انتصاف النهار والحال أن القائل انتصف النهار أعلم بانتصافه. وإنما استفهم ليعلم ما عند الغير ويتأكده. والمراد أنه أوقع الصلاة أول الوقت

(قوله والشمس بيضاء مرتفعة) هو كناية عن بقاء ضوئها وحرارتها ويكون كذلك إذا صار ظلّ كل شيء مثله (وهو) دليل لمن قال إن أول وقت العصر إذا صار ظلّ كل شيء مثله وهو مذهب الجمهور كما تقدم

(قوله أطلعت الشمس) بالاستفهام. وفي مسلم والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت وهو كناية عن الإسفار بالصبح إسفارا بينا

(قوله فأقام الظهر في وقت العصر الخ) أى صلى الظهر في الوقت الذى صلى فيه العصر في اليوم الأول (وهو) دليل صريح لمن قال بالاشتراك بين الظهر والعصر

(قوله وقد اصفرّت الشمس) وفي رواية مسلم ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرّت الشمس. والمراد أنها شرعت في الاصفرار ولم يكمل اصفرارها لأن تأخير العصر إلى تمام الاصفرار مكروه لما في حديث تلك صلاة المنافقين. واصفرار الشمس أن يصير قرصها بحال لا تحار فيه الأعين (واعتبر) سفيان وإبراهيم النخعى تغير الضوء الذى يبقى على الجدران (قيل) علامة ذلك أن يوضع في الصحراء طست ماء وينظر فيه فإن كان القرص لا يبدو للناظر فقد تغير. وقيل إذا بقيت الشمس للغروب قدر رمح أو رمحين لم يتغير القرص وإذا صارت أقل من ذلك فقد تغير

(قوله وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق) وفى رواية مسلم ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق (وهو) حجة على الشافعى ومالك القائلين بتضييق وقت المغرب

(قوله وصلى العشاء إلى ثلث الليل) وفي رواية مسلم ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل (وهو) صريح في أنه لم يؤخرها إلى آخر الليل الذى هو وقت الجواز لحصول الحرج بسهر الليل كله وكراهة النوم قبل فعلها

(قوله الوقت فيما بين هذين) وفي رواية مسلم ثم أصبح فدعا السائل فقال الوقت بين هذين أى هذا الوقت

ص: 300

الذى لا إفراط فيه تعجيلا ولا تفريط فيه تأخيرا فإنى قد بينت بما فعلت أول الوقت وآخره فالصلاة جائزة من غير كراهة أوله ووسطه وآخره، فتجوز صلاة الظهر ما لم يدخل وقت العصر والعصر ما لم تغرب الشمس والمغرب ما لم يغب الشفق والعشاء إلى ثلث الليل والفجر ما لم تطلع الشمس.

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب معرفة أحكام الدين، وعلى أن عطم قدر المسئول لا يمنع من سؤال من هو أقل منه، وعلى أن وقت الصلوات موسع، وعلى أن العالم يطلب منه الاهتمام بتعليم الجاهل وأن يسلك معه أقرب الطرق إلى الفهم، وعلى أنه ينبغى للمعلم أن يجمع في تعليمه بين البيان الفعلى والقولى

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ هَذَا قَالَ:«ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ» . قَالَ بَعْضُهُمْ: «إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «إِلَى شَطْرِهِ» .

(ش) أى روى هذا الحديث سليمان بن موسى عن عطاء بن أبى رباح عن جابر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى المغرب في أول يوم حين غابت الشمس وفي ثاني يوم صلاه قبل أن يغيب الشفق كما في حديث أبى موسى. وإنما خصّ المغرب بالذكر لأن وقته هو المختلف فيه

(قوله قال ثم صلى العشاء الخ) أى قال جابر في حديثه بعد أن ذكر صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب ثم صلى العشاء فقال بعض الصحابة إنه صلاها ثلث الليل وقال بعضهم صلاها نصف الليل فاختلفوا في آخر وقت صلاته العشاء "ويحتمل" أن المعنى قال سليمان بن موسى بسنده ثم صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء فقال بعض رواة الحديث عن جابر في روايته إنه صلاها إلى ثلث الليل وقال آخرون صلاها نصف الليل. ورواية سليمان أخرجها أحمد في مسنده والبيهقى والطحاوى في شرح معاني الآثار من طريق عبد الله بن الحارث قال حدثني ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال سأل رجل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن وقت الصلاة فقال صل معي فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبع حين طلع الفجر ثم صلى الظهر حين زاغت الشمس ثم صلى العصر حين كان فئ الإنسان مثله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس ثم صلى العشاء بعد، غيبوبة الشفق ثم صلى الصبح

ص: 301

فأسفر ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثليه ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق ثم صلى العشاء فقال بعضهم ثلث الليل وقال بعضهم شطر الليل و (سليمان بن موسى) هو أبو أيوب أو أبو الربيع أو أبو هشام الأموى مولاهم الدمشقى الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه. روى عن واثلة بن الأسقع وعطاء بن أبى رباح ونافع ابن جبير وكريب مولى ابن عباس ومكحول والزهرى وغيرهم. وعنه الأوزاعي وابن جريج وزيد بن واقد وجماعة. قال أبو حاتم محله الصدق وفي حديثه بعض الاضطراب وقال البخارى عنده مناكير وقال النسائى أحد الفقهاء وليس بالقوى في حديثه شيء وقال ابن عدى فقيه حدّث عنه الثقات وهو أحد علماء أهل الشام قد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره وهو عندى ثبت صدوق ووثقه ابن معين ودحيم وابن سعد. مات سنة تسع عشرة ومائة، روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه

(ص) وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(ش) أى روى سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمى عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحديث مثل رواية جابر في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب في وقتين. وأخرج روايته مسلم في صحيحه من طريق حرمىّ بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة فقال له اشهد معنا الصلاة فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح حين طلع الفجر ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق ثم أمره الغد فنوّر بالصبح ثم أمره بالظهر فأبرد ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بعضه شك حرمىّ فلما أصبح قال أين السائل ما بين ما رأيت وقت

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ

ص: 302

الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ بن حسان، و (شعبة) ابن الحجاج، و (قتادة) بن دعامة

(قوله أنه سمع أبا أيوب) اسمه يحيى بن مالك ويقال حبيب ابن مالك البصرى الأزدى العتكي. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى وأبى هريرة وابن عباس وسمرة بن جندب وغيرهم، وعنه ثابت البناني وأسلم العجلى وأبو عمران الجونى وقتادة وكثيرون. وثقه النسائى وابن حبان وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا. روى له الجماعة إلا الترمذى

(معنى الحديث)

(قوله وقت الظهر ما لم تحضر العصر) أى وقت صلاة الظهر مدّة عدم حضور وقت العصر فإذا جاء وقت العصر خرج وقت الظهر. وفي رواية مسلم من طريق همام عن قتادة وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر (وهو) حجة لمن قال بعدم اشتراكهما في الوقت وتقدم الخلاف في ذلك

(قوله ما لم تصفرّ الشمس) هو بيان لوقت الاختيار والفضيلة وإلا فوقت الجواز ممتدّ إلى غروب الشمس فليس فيه حجة لمن قال إن وقت الجواز للعصر إلى اصفرار الشمس

(قوله ما لم يسقط فور الشفق) بالفاء المفتوحة أى بقية حمرة الشمس في الأفق الغربى وسمى فورا لسطوعه وحمرته. وفي رواية مسلم ثور الشفق بالثاء المثلثة وهو ثوران حمرته (قال) العراقى صحفه بعضهم بالنون ولو صحت الرواية لكان له وجه اهـ وتقدم الخلاف في الشفق في أول باب المواقيت (وفيه دلالة) لمن قال بامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق خلافا لمن قدّره بفعلها مع تحصيل شروطها

(قوله ووقت العشاء إلى نصف الليل) فيه دلالة صريحة على أن آخر وقت العشاء إلى نصف الليل وهو وقت الفضيلة على ما فيه من الخلاف (قال) الطحاوى في شرح معاني الآثار يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء إلى حين يطلع الفجر وذلك أن ابن عباس وأبا سعيد الخدرى وأبا موسى ذكروا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرها إلى ثلث الليل. وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل. وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلث الليل. وروت عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل "فثبت" بهذه الآثار أن أول وقت العشاء الآخرة من حين يغيب الشفق إلى أن يمضى الليل كله ولكنه على أوقات ثلاثة "فأما" من حين يدخل وقتها إلى أن يمضى ثلث الليل فأفضل وقت صليت فيه "وأما" بعد ذلك إلى أن يتمّ نصف الليل ففى الفضل دون ذلك "وأما" بعد نصف الليل ففى الفضل دون كل ما قبله "ثم ساق" ما يدل على ذلك عن نافع بن جبير قال كتب عمر إلى أبى موسى وصلّ العشاء أى الليل شئت ولا تغفلها "ففى" هذا أنه جعل الليل كله وقتا لها وقد روى عن عبيد بن جريج أنه قال لأبي هريرة ما إفراط صلاة العشاء قال طلوع

ص: 303