المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في وقت صلاة الظهر - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في الغسل من الجنابة)

- ‌(باب في الوضوء بعد الغسل)

- ‌(باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل)

- ‌(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمىّ)

- ‌(باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء)

- ‌(باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها)

- ‌(باب الحائض تناول من المسجد)

- ‌(باب في الحائض لا تقضى الصلاة)

- ‌(باب في إتيان الحائض)

- ‌(باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع)

- ‌(باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة)

- ‌(باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا)

- ‌(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر)

- ‌ بيان حال أحاديث الباب

- ‌(باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل كل يوم مرّة ولم يقل عند الظهر)

- ‌(باب من قال تغتسل بين الأيام)

- ‌(باب من قال توضأ لكل صلاة)

- ‌(باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث)

- ‌(باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر)

- ‌(باب المستحاضة يغشاها زوجها)

- ‌(باب ما جاء في وقت النفساء)

- ‌(باب الاغتسال من الحيض)

- ‌ فتح خيبر

- ‌(باب التيمم في الحضر)

- ‌(باب الجنب يتيمم)

- ‌(باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم)

- ‌ غزوة ذات السلاسل)

- ‌(باب في المجروح يتيم

- ‌(باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت)

- ‌(باب في الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة)

- ‌(باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل)

- ‌(باب الصلاة في الثوب الذى يصيب أهله فيه)

- ‌(باب المنيّ يصيب الثوب)

- ‌(باب بول الصبى يصيب الثوب)

- ‌(باب الأرض يصيبها البول)

- ‌(باب في طهور الأرض إذا يبست)

- ‌(باب الأذى يصيب الذيل)

- ‌(باب البزاق يصيب الثوب)

- ‌(كتاب الصلاة)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(باب في وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها)

- ‌ باب في وقت صلاة الظهر

- ‌(باب وقت العصر)

- ‌(باب في الصلاة الوسطى)

- ‌(باب التشديد في الذى تفوته صلاة العصر)

- ‌(باب في وقت المغرب)

- ‌(باب في وقت العشاء الآخرة)

- ‌(باب في وقت الصبح)

الفصل: ‌ باب في وقت صلاة الظهر

حيث قالت فيه لا يعرفن من الغلس (وردّ) بأنه لا مخالفة بينهما فإن حديث أبى برزة متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جانب المصلى وحديث عائشة متعلق بمن هو مستور بعيد

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أفضلية الصلاة أول وقتها، وعلى جواز تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه، وعلى كراهية النوم قبلها والحديث بعدها. ومحله ما لم يكن لمصلحة كما تقدّم، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل القراءة في صلاة الصبح

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه وأخرج الترمذى طرفا منه بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها

(باب وقت صلاة الظهر)

أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر. وفى نسخة‌

‌ باب في وقت صلاة الظهر

. وترجم المصنف لكل وقت على حدته بعد ذكر الأحاديث التي فيها معرفة الأوقات لزيادة الإيضاح

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسَدَّدٌ قَالَا: نَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الْحَصَى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب أبو معاوية العتكي المهلبى الأزدى البصرى. روى عن هشام بن عروة وعاصم الأحول ويونس بن خباب. وعنه قتيبة بن سعيد وسليمان بن حرب وابن معين وأحمد وآخرون. وثقه يعقوب بن شيبة وأبو داود وابن خراش والعجلى والعقيلى وأبو أحمد المروزى وابن قتيبة وابن معين والنسائى وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به قيل له يحتج بحديثه قال لا وقال ابن سعد كان ثقة وربما غلط وقال في موضع آخر لم يكن بالقوى في الحديث وقال ابن جرير الطبرى كان ثقة غير أنه كان يغلط أحيانا. مات في رجب سنة ثمانين أو إحدى وثمانين ومائة. روى له الجماعة

(قوله سعيد ابن الحارث) بن أبى سعيد بن المعلى الأنصارى. روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدرى وأبى هريرة. وعنه محمد بن عمرو وعمرو بن الحارث وفليح بن سليمان وعمارة ابن غزية. قال في الخلاصة موثق وقال ابن معين مشهور ووثقه يعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان

ص: 309

في الثقات. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله فآخذ قبضة) بتسهيل الهمزة والقبضة بفتح القاف وضمها لغة ملء اليد من الشئ مع ضم الأصابع عليه

(قوله لتبرد) أى لتسكن حرارة ما فيها من الحصى فنسبة البرودة إلى القبضة مجاز وهو من برد الشئ برودة مثل سهل سهولة إذا سكنت حرارته وأما برد بردا من باب قتل فيستعمل لازما ومتعدّيا يقال برد الماء وبرّدته

(قوله لجبهتى) أى موضع سجودى (وظاهر) هذا أنهم كانوا يصلون الظهر في أول وقتها. ولا معارضه بينه وبين حديث الإبراد لأن الأحاديث الدالة على أفضلية الصلاة أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين خاص وعامّ ولا بين مطلق ومقيد (وقال) الحافظ في الفتح ظاهر الأحاديث والواردة في الأمر بالإبراد يعارضه فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال ومن قال سنة فإما أن يقول التقديم المذكور رخصة وإما أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد. وأحسن منهما أن يقال إن شدّة الحرّ قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمرّ حرّه بعد الإبراد ويكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشى فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن دقيق العيد اهـ

(قوله أسجد عليها) أى على القبضة من الحصى. وظاهره أنه لا يجوز السجود إلا على الجبهة ولو جاز السجود على ثوب هو لابسه أو الاقتصار في السجود على الأرنبة دون الجبهة لم يحتج إلى هذا الصنيع لكن يعارض هذا الظاهر ما جاء في رواية للبخارى من طرق بشر بن المفضل عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك قال كنا نصلى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحرّ في مكان السجود. وله من طريق أخرى عن خالد بن عبد الرحمن عن غالب سجدنا على ثيابنا اتقاء الحرّ. وفي رواية مسلم فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه "فهذه" الأحاديث تدلّ على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلى للحيلولة بين المصلى وبين الأرض لاتقاء حرّها. ولا معارضة بينهما لأن حديث الباب محمول على أن جابرا الذى كان يبرّد الحصى لم يكن في ثوبه شئ زائد عما يستره ليسجد عليه بخلاف ما في الأحاديث الأخر

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تعجيل صلاة الظهر، وعلى مشروعية دفع الضرر حال الصلاة بشئ أجنبيّ عنها، وعلى أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وعلى الاهتمام بأداء الصلاة ولو مع المشقة، وعلى مراعاة ما يؤدى إلى الخشوع فيها لأن صنيعهم هذا كان لإزالة العبث الذى ينشأ من مباشرة حرارة الأرض حال السجود

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى

ص: 310

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارق، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ:«كَانَتْ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عبيدة) بفتح العين المهملة وكسر الموحدة (ابن حميد) بن صهيب أبو عبد الرحمن الحذاء

(قوله عن أبى مالك الأشجعى سعد بن طارق) الكوفي. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعبد الله بن أبى أوفى وغيرهم. وعنه الثورى وخلف ابن خليفة وابن إسحاق وشعبة وأبو عوانة وجماعة. وثقه أحمد والعجلى وابن إسحاق وابن نمير وابن معين وقال ابن عبد البر لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو حاتم يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا البخارى

(قوله كثير بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء الأشجعى أبى مالك الكوفى. روى عن علقمة بن قيس والأسود وعبد الرحمن بن يزيد. وعنه حصين بن عبد الرحمن ومنصور بن المعتمر وأبو مالك الأشجعى وثقه العجلى وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود والنسائى. و (الأسود) بن زيد

(معنى الحديث)

(قوله كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي بعض النسخ كان قدر الخ وهي رواية النسائى. والمراد من الصلاة صلاة الظهر أى كان تأخير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة الظهر في الصف منتهيا بصيرورة ظلّ كل إنسان ثلاثة أقدام إلى خمسة أى بقدم نفسه. وكان ابتداء صلاته الظهر في الشتاء إذا صار ظلّ كل إنسان خمسة أقدام إلى سبعة على حسب قصر ظل الفئ وطوله (قال) الدهلوى الظلّ الأصلى في المدينة يكون في ابتداء الشتاء خمسة أقدام وفى شدة الشتاء يكون سبعة أقدام وفي ابتداء الصيف يكون ثلاثة أقدام فتكون الصلاة في هذه الأيام على هذا الظل في أول الوقت ويكون الظل الأصلى في شدة الحرّ نصف القدم فصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خمسة أقدام في الصيف كانت للإبراد اهـ (وقال) الخطابى هذا أمر يختلف في الأقاليم والبلدان ولا يستوى في جميع المدن والأمصار وذلك أن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر وكلما كانت أخفض ومن محاذاة الرءوس أبعد كان الظل أطول ولذلك ترى ظلال الشتاء أبدا أطول

ص: 311

من ظلال الصيف في كل مكان. وكانت صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثانى. ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن تكون صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اشتدّ الحرّ متأخرة عن الوقت المعهود قبله فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في أول الشتاء فإنه يكون خمسة أقدام أو خمسة أقدام وشيئا وفي شدة الشتاء يكون الظل سبعة أقدام أو سبعة أقدام وشيئا فقول ابن مسعود ينزّل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التى هى خارجية عن الإقليم الثانى اهـ بتصرّف (ويعرف) الزوال بزيادة ظل الشئ على ظله وقت الاستواء أو بحدوثه إن لم يبق وقته ظل. وإذا أردت معرفة ذلك فاغرز خشبة مستوية في أرض مستوية واجعل عند منتهى. ظلها علامة فما دام الظل ينقص فالشمس لم تزل ومتى وقف فهو وقت الاستواء وحينئذ فاجعل علامة على رأس الظل فما بين العلامة وأصل العود هو فئ الزوال. وإذا أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت فإذا لم تجد ما تغرزه فاعتبر قامتك. وقامة كل إنسان سبعة أقدام بقدمه على المشهور (وعن) محمد بن الحسن أن علامة الزوال أن يستقبل القبلة فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل وإن صارت على حاجبه الأيمن فقد زالت، وهذا إذا كان المشرق إلى يساره كمن بالمدينة أما إذا كان إلى يمينه كمن باليمين فبالعكس وإذا كان المشرق أمامه كمن بجدّة فمتى صارت الشمس على القفا فقد زالت وإذا كانت القبلة إلى الغرب كمن بنجد والعراق فمتى صارت الشمس على الوجه فقد زالت (وقد ذكر) السيوطى ضابطا لظل الاستواء في القطر المصرى مراعيا فيه الأشهر القبطية لعدم اختلافها من أول طوبة إلى كيهك ناظما ذلك بقوله

نظمتها بقولى المشروح

حروفه طزه جبا أبدو حى

579 123 1086421

وهذه الحروف إشارة إلى عدد الأقدام التى يعرف بها الزوال في الشهور القبطية فالطاء إلى طوبة والزاى إلى أمشير والهاء إلى برمهات والجيم إلى برمودة والباء إلى بشنس والألفان إلى بؤنة وأبيب والباء إلى مسرى والدال إلى توت والواو إلى بابة والحاء إلى هاتور والياء إلى كيهك (ومن) أراد معرفة دخول وقت العصر يزيد سبعة أقدام على أقدام ظل الزوال. مثلا ظل الزوال في أول طوبة يكون تسعة أقدام فمتى بلغ الظل ستة عشر قدما فقد دخل وقت العصر، ولا بدّ أن يكون الواقف الذى يريد معرفة الظل واقفا على أرض مستوية مكشوف الرأس غير منتعل

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الظل بالنظر لوقت الصلاة لا يلزم حالة واحدة بل يكون في الشتاء. أطول منه في الصيف، وعلى مشروعية ضبط أوقات الصلاة بقياس الظل بالقدم

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم والبيهقي

ص: 312

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ مُهَاجِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ الظُّهْرَ فَقَالَ:«أَبْرِدْ» . ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ: «أَبْرِدْ» -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا- حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أبو الحسن هو مهاجر) التيمى مولى تيم الله الكوفى الصائغ روى عن البراء بن عازب وابن عباس وعمرو بن ميمون وزيد بن وهب وآخرين. وعنه الثورى وشعبة ومسعر وشريك وطائفة. ووقه ابن حبان وأحمد وابن معين والنسائى ويعقوب بن سفيان والعجلى وقال أبو حاتم لا بأس به. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى

(معنى الحديث)

(قوله فأراد المؤذن الخ) هو بلال كما صرح به في بعض الروايات. وظاهر هذه الرواية ورواية للبخارى أن المؤذن لم يؤذن. وفى رواية للبخارى ومسلم أذن مؤذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر. ولا تنافى بينهما لأن قوله أذن أى أراد أن يؤذن أو شرع في الأذان فلما قيل له أبرد تركه

(قوله فقال أبرد الخ) أى أخر الأذان حتى ينكسر حرّ الظهيرة. وكرّرها مرتين أو ثلاثا بالشك فيها. وفي رواية للبخارى ذكر الثلاث بدون شك. وكرّر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأمر بالإبراد لتكرّر إرادة المؤذن الأذان مرّتين أو ثلاثا "فإن قيل" الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان "فالجواب" أنه لما جرت عادتهم أنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة كان الإبراد بالأذان إبرادا بالصلاة. ويحتمل أن المراد بالأذان الإقامة ويؤيده رواية الترمذى عن أبى ذرّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبرد ثم أراد أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبرد في الظهر

(قوله حتى رأينا فيء التلول) هو غاية للإبراد أى قال له أبرد فأبرد إلى أن أبصرنا فيء التلول. والفيء بفتح الفاء وسكون المثناة التحتية ما بعد الزوال من الظلّ كما تقدّم. والتلول جمع تلّ وهو ما اجتمع على الأرض من نحو تراب أو رمل وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها الظلّ إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر (وقال) القاضى عياض التلول لا يظهر ظلها إلا بعد تمكن الظلّ واستطالته بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر ظلها في أسفلها سريعا لاعتدال أسفلها

ص: 313

وأعلاها اهـ (واختلف) في غاية الإبراد فقيل حتى يصير الظلّ ذراعا بعد ظلّ الزوال. وقيل ربع قامة. وقيل ثلثها. وقيل نصفها (وقال) المازرى هي على اختلاف الأوقات والجارى على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال لكن يشترط أن لا يمتدّ إلى آخر الوقت. أما ما وقع عند المصنف وكذا البخارى عن مسلم بن إبراهيم بلفظ حتى ساوى الظلّ التلول ظاهره يقتضى أنه أخرها إلى أن صار ظلّ كل شئ مثله فيحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظلّ بجنب التلّ بعد أن لم يكن ظاهرا فساواه في الظهور لا في المقدار. أو يقال كان ذلك في السفر فلعله أخرها حتى يجمعها مع العصر اهـ من الفتح

(قوله إن شدة الحرّ من فيح جهنم) تعليل لمشروعية التأخير المذكور. والحكمة فيه دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع وهذا أظهر. أو أنها الحالة التي ينتشر فيها العذاب. ويؤيده حديث عمرو بن عبسة عند مسلم حيث قال له أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم "وقد استشكل" هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف أمر بتركها "وأجاب" عنه أبو الفتح اليعمرى بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه. واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبه فقال وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه والصلاة لا تنفك عن كونها طلبا ودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ وظاهره أن مثار وهج الحرّ من فيح جهنم حقيقة لما روى أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء. ويحتمل أن يكون على التشبيه والتقريب أى كأن شدّة الحرّ من نار جهنم فاحذروها واجتنبوا ضررها (قال) النووى الأول هو الصواب لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته

(قوله فأبردوا بالصلاة) أى أخروا أداءها عن وقت الهاجرة إلى حين برد النهار وانكسار شدّة الحرّ. ويحتمل أن المعنى ادخلوا الصلاة في وقت البرد. والمراد صلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتدّ فيها الحرّ غالبا (وقال) أشهب المراد بالصلاة الظهر والعصر. ولعلّ وجهه أن وقت هاتين الصلاتين مظنة اشتداد الحرّ دون غيرهما (وظاهر) الحديث يدلّ على وجوب الإبراد وبه قال بعضهم كما حكاه القاضى عياض (وذهب) الجمهور إلى أن الأمر فيه للندب وقيل للإرشاد. والقرينة الصارفة عن الوجوب أنه لما كانت الحكمة في الإبراد دفع المشقة عن المصلى كان ذلك من باب النفع له فلو كان الأمر للوجوب لكان حرجا وتضييقا عليه فيعود الأمر عليه بالمضرّة وهذا خلف (وخصّ) الجمهور ندبية الإبراد بشدّة الحرّ كما يشعر بذلك التعليل ولما رواه النسائى عن أنس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان الحرّ أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل (وظاهر) الأحاديث يدلّ على أنه لا فرق بين الجماعة والمنفرد في الإبراد بالصلاة (وإلى هذا) ذهب أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر (وقال) أكثر المالكية الأفضل للمنفرد التعجيل. لكن مقتضى التعليل الذى يتسبب عنه ذهاب

ص: 314

الخشوع أنه لا فرق بين المنفرد وغيره (وخصه) الشافعى بالبلد الحارّ لظاهر التعليل. وقيد الجماعة بما إذا كانوا يأتون المسجد من بعيد وإذا كانوا مجتمعين أو يمشون في ظل فالأفضل التعجيل لكن ظاهر الأحاديث عدم الفرق كما علمت (وذهب) الهادى والقاسم وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا متمسكين بما رواه مسلم وابن ماجه والمصنف عن جابر بن سمرة قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الظهر إذا دحضت الشمس "أى زالت عن وسط السماء" وبأحاديث أفضلية الوقت كحديث أبى ذرّ قال سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أىّ العمل أحبّ إلى الله تعالى قال الصلاة لوقتها "أى لأول وقتها" وبحديث خباب عند مسلم شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا "أى لم يعذرنا" ولم يجبنا فيما سألنا زاد ابن المنذر والبيهقى وقال إذا زالت الشمس فصلوا (وتأولوا حديث) الإبراد بأن معنى أبردوا صلوا أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تأويل بعيد لأن التعليل بشدّة الحرّ يردّه ما رواه البخارى عن أبى ذرّ قال أذن مؤذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر فقال أبرد أبرد أو قال انتظر انتظر وقال شدّة الحرّ من فيح جهنم حتى رأينا فيء التلول (ويجاب) عما تقدّم بأن الأحاديث الواردة في تعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد كما تقدم (ويجاب) أيضا عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوى منسوخ (قال) الطحاوى يدلّ على نسخه حديث المغيرة كنا نصلى بالهاجرة فقال لنا أبردوا فبين أن الإبراد كان بعد التهجير. أو يحمل حديث خباب على أن القوم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحرّ (وبعضهم) حمل حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئا وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفرّ الشمس فلذلك رخص في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت (وقال) النووى اختلف العلماء في الجمع بين هذين الحديثين فقال بعضهم الإبراد رخصة والتقديم أفضل واعتمدوا حديث خباب وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف في التأخير (وبهذا قال) بعض أصحابنا وغيرهم (وقال) جماعة حديث خباب منسوخ بأحاديث الإبراد (وقال) آخرون المختار استحباب الإبراد لأحاديثه. وأما حديث خباب فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يحصل للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحرّ اهـ (وقال) في النيل وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال عن المغيرة بلفظ كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإبراد. وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعدّه البخارى محفوظا من أعظم

ص: 315

الأدلة الدالة على النسخ كما قاله الأثرم والطحاوى. ولو سلمنا جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعدّدة وحديث خباب في مسلم فقط ولا شك أن المتفق عليه يقدّم وكذا ما جاء من طرق اهـ

(فقه الحديث) والحديث يدل على مشروعية تأخير الأذان لصلاة الظهر عن أول الوقت إذا اشتد الحرّ، وعلى أن من أمر بشئ يطلب منه أن يبين حكمته

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والنسائى وابن ماجه والطبرانى في معجمه وأبو بكر بن أبى شيبة في مصنفه وأحمد والترمذى وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ» قَالَ: ابْنُ مَوْهَبٍ: «بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»

(ش)(قوله الليث) بن سعد. و (ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهرى. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن

(قوله فأبردوا عن الصلاة) هذا لفط قتيبة أى أخروا الصلاة فهو على التضمين. وعن قيل زائدة أو بمعنى الباء أو للمجاوزة أى تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحرّ والمراد بالصلاة الظهر كما تقدم

(قوله قال ابن موهب بالصلاة) أى قال يزيد بن خالد ابن موهب في روايته أبردوا بالصلاة بباء الجرّ. وتقدم بيان الحديث مستوفى

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي والترمذى وقال حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، «أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله حماد) بن سلمة

(قوله جابر بن سمرة) بن جنادة ويقال ابن عمرو بن جندب بن حجير السوائى أبى عبد الله له ولأبيه صحبة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون ومائة حديث اتفق الشيخان على حديثين وانفرد مسلم بستة وعشرين. روى عن أبيه وسعد ان أبى وقاص وعمر وعلى وأبى أيوب وغيرهم. وعنه

ص: 316