المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٨

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب "العدد

- ‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق

- ‌الباب الثاني في "تداخل العدتين

- ‌ القسم الثاني في "عدة الوفاة" والسكنى

- ‌الأول: في عدة الوفاة

- ‌الباب الثاني: في السكنى

- ‌ القسم الثالث: في الاستبراء

- ‌الفصل الأول: في قدره وحكمه

- ‌الفصل الثاني: في السبب

- ‌الفصل الثالث: فيما تصير به الأمة فراشًا

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: فيما يحرم بالرضاع

- ‌الباب الثالث: في بيان الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم فيه

- ‌الباب الرابع: في النزاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌السبب الأول: النكاح:

- ‌الباب الأول: في قدر النفقة وكيفيتها

- ‌الباب الثاني: في مسقطات النفقة

- ‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة

- ‌ السبب الثاني للنفقة: القرابة

- ‌الباب الأول: في أصل النفقة

- ‌الباب الثاني: في ترتيب الأقارب

- ‌الباب الثالث: الحضانة

- ‌ السبب الثالث للنفقة: ملك اليمين

- ‌كتاب الجراح

- ‌ إذا تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت

- ‌قال رحمه الله: النوع الثاني: القصاص في الطرف

- ‌فصل: في ألفاظ ذكرها الرافعي فسر معانيها ولم يضبط لفظها:

- ‌ مسائل الاختلاف الواقعة بين الجاني والمجني عليه أو وليه

- ‌ حكم القصاص

- ‌الباب الأول في استيفاء القصاص

- ‌الفصل الأول فيمن يلي الاستيفاء

- ‌الفصل الثاني في أن القصاص على الفور

- ‌الفصل الثالث في كيفية المماثلة

- ‌الباب الثاني في العفو

- ‌كتاب الديات

- ‌الباب الأول: في دية النفس

- ‌الباب الثاني في دية ما دون النفس وهو جرح أو إبانة أو إبطال منفعة

- ‌النوع الأول: الجرح

- ‌ النوع الثاني: القطع المبين للأعضاء

- ‌النوع الثالث: ما يفوت المنافع

- ‌باب بيان الحكومة

- ‌ القسم الثاني في الموجب

- ‌القسم الثالث من الكتاب

- ‌ القسم الرابع: في غرة الجنين

- ‌باب: كفارة القتل

- ‌كتاب دعوى الدم

- ‌ الكلام في مسقطات اللوث

- ‌كتاب الجنايات الموجبة للعقوبات

- ‌الجناية الأولى: البغي

- ‌الجناية الثانية: الردة

- ‌الفصل الثاني في أحكام الردة

- ‌ الجناية الثالثة: الزنا

- ‌ الجناية الرابعة: القذف

- ‌ الجناية الخامسة: السرقة

- ‌النظر الأول: في الأركان

- ‌ النظر الثاني: في إثبات السرقة

- ‌ النظر الثالث: في الواجب

- ‌ الجناية السادسة: قطع الطريق

- ‌ الجناية السابعة: شرب الخمر

- ‌القول في التعزير

- ‌كتاب موجبات الضمان

- ‌ ما يلزم الولاة بتصرفاتهم

- ‌ دفع الصائل

- ‌ إتلاف البهائم

- ‌كتاب السير

- ‌الباب الأول: في وجوب الجهاد

- ‌فصل في السلام

- ‌الباب الثاني: في كيفية الجهاد وفيه أطراف

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌ الثالث:

- ‌ الرابع:

- ‌الباب الثالث: في ترك القتل والقتال بالأمان

- ‌الباب الأول: في الجزية

- ‌الباب الرابع: في عقد المهادنة

الفصل: ‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق

‌كتاب "العدد

"

أما عدة الطلاق ففيها بابان

‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق

"

قوله: في كيفية وقوع اسم القروء على الطهر والحيض وجهان: أحدهما: أنه حقيقة في الطهر، وأصحهما: أنه حقيقة فيهما والوجهان مبنيان على أنه يعتبر في اللفظ خصوص المعنيين، وأنه ليس عبارة عن المعنى المشترك بينهما، وإذا كان وقوعه عليهما كوقوع الحيوان على الإنسان وغيره لم يكن حقيقة في أحدهما، مجازًا في الآخر ولا مشتركًا بينهما، ثم قال: هذا ما يتعلق باللفظ في اللغة، وأما في العدة فالمراد بالأقراء عندنا: الأطهار، ويروى أن الشافعي رضي الله عنه، وأبا عبيد القاسم بن سلام تناظرا في القروء وكان الشافعي [يرى](1) أنه الحيض، وأبو عبيد أنه الطهر، فلم يزل كل واحد منهما يقرر قوله حتى تفرقا وانتحل كل واحد منهما مذهب صاحبه، وتأثر بما أورده من الشواهد، وهذه الحكاية تقتضي أن يكون للشافعي قول قديم أو حديث يوافق مذهب أبى حنيفة في أنه الحيض. انتهى ملخصًا.

وهذا القول المذكور في آخر كلام الرافعي لم يتعرض له في "الروضة"، وأبو عبيد المذكور ليس في آخره تاء التأنيث بخلاف أبى عبيدة معمر بن المثنى، توفي الأول مجاورًا بمكة شرفها الله تعالى سنة أربع وعشرين ومائتين، وعمره سبع وستون سنة، وأما أبو عبيدة بالتاء توفي سنة عشر ومائتين وقد قارب المائة وهو شيخ الأول.

قوله: ثم الطهر المفسر به القروء هل هو المحتوش بدمين أم مجرد الانتقال إلى الحيض؟

(1) زيادة ليست في الأصل.

ص: 5

إلى آخره.

هذه مسألة قد اضطرب فيها ترجيح النووي وقد تقدم إيضاحه مع فوائد أخرى في الباب الأول من أبواب الطلاق.

قوله: وإن أعتقت الأمة المطلقة في العدة، فإن كانت رجعية فالقول الجيد وأحد قولي القديم أنه يجب عليها تكميل عدة حرة، وإن كانت بائنة فقولان، القديم وأحد قولي الجديد أنها تقتصر على عدة أمة وهو أصح في ما ذكره صاحب "التهذيب" وجماعة والثاني: من قولي الجديد: تكمل عدة الحرائر واختاره المزني، وصححه أبو إسحاق والمحاملي، وصاحب "المهذب" وغيرهما. انتهى ملخصًا.

لم يصحح شيئًا في "المحرر" ينافي المسألة الثانية، بل قال: فالقديم وأحد قولي الجديد أنها تقنع بقرءين هذا لفظه.

وحاصله أن في الجديد قولين: أحدهما موافق للقديم، وقد صحح النووي في أصل "المنهاج"، وأصل "الروضة" أيضًا أنها تعتد بعدة أمة وهو غريب، فإن "المحرر" لا ترجيح فيه بالكلية وأما "الشرح" فإن لم يؤخذ منه العكس فلا يؤخذ منه ترجيح لشيء، غير أن ما صححه هو مقتضى إيراده في "الشرح الصغير"، ثم إنه عبر في "الروضة" عند ترجيحه له بأنه الجديد، وذلك يقتضي أن يكون مقابله قديم، وليس كذلك، بل مقابله أيضًا جديد.

قوله: ولو طلق العبد زوجته طلاقًا رجعيًا فعتقت في العدة فقد مر في خيار العتق أن لها أن تفسخ في الحال أو تؤخر وأنها وإن فسخت فتستأنف عدة أخرى أو تبني على تلك العدة؟ فيه خلاف يذكر فيما إذا طلق الرجعية طلقة أخرى، وعن أبى إسحاق وغيره القطع بأنها تبني ويجري الطريقان فيما لو أخرت الفسخ حتى راجعها الزوج، ثم فسخت قبل الدخول.

قال في "التتمة": والمذهب أنها تستأنف لأن الفسخ سبب لانقضاء

ص: 6

العدة. انتهى كلامه.

وما نقله عن "التتمة" من تصحيح الاستئناف قد صححه النووي في أصل "الروضة" إذا علمت ذلك، فاعلم أن هذه الطريقة التى نقلها عن أبى إسحاق في آخر كلامه غلط عجيب لا يلائم ما قبلها، لأنه تكلم أولًا هل تبني أو تستأنف؟ ثم شرع بعد ذلك في كلام آخر، وهو التفريع على البناء وعلى الاستئناف فكيف يصح أن يحكى طريقة بالبناء والاستئناف في أثناء هذا التفريع، فإن الكلام ليس فيه، فراجع لفظه تجده غير منتظم، وبتقدير أن لا يكون عائدًا على ما قبله، بل على أصل المسألة، فلا تصح أيضًا لأنه إن أراد ما إذا فسخت قبل الرجعة فقد نقل هو عن أبى إسحاق فيه عكسه وهو القطع بالبناء، وإن أراد الفسخ بعدها، فقد حكى أيضًا أن فيه الطريقين وأحدهما: ما نقله عن إسحاق وهو القطع بالبناء، وبتقدير انتظام الكلام وصحة الحكم، فالتعليل الذي ذكره لتلك الطريقة لا يوافق حكمها ولا يلائمه، فتلخص أن الواقع هنا في الرافعي تعليلًا وتركيبًا غير مستقيم، ولما أشكل ذلك على النووي حذف هذه الطريقة من "الروضة".

واعلم أن استمداد الرافعي من "التتمة" أمر غير خاف خصوصًا في هذه المسألة، فإنه لم يصرح عن أحد بنقل إلا عنه، وقد اتضح الحال بحمد الله تعالى، وتحرر لى بمراجعة "التتمة" أنها طريقة منقولة عن أبى إسحاق في التفريع على قول البناء كما هو مقتضى سياق الرافعي، فإنه قال: وإذا قلنا تبنى، فهل تبنى على عدة أمة أو حرة؟ فيه طريقان: إحداهما: أنه على الخلاف فيما إذا عتقت المعتدة والثانية قالها أبو إسحاق: أنها تكمل عدة حرة لأن الفسخ سبب لوجوب العدة، فإذا وجد في أثناء العدة وجب التكميل، هذا كلامه، وهو كلام صحيح فحصل في كلام الرافعي تحريف بالنسبة إلى الحكم، وتحريف وإسقاط بالنسبة إلى التعليل فافهمه، واشكر الله تعالى على ما يسر لك من الوقوف على حال هذه المواضع المكتسبة من

ص: 7

هذه الأبواب الشاسعة.

قوله: ولو وطيء أمة إنسان على ظن أنها زوجته الحرة وجب ثلاثة أقراء اعتبارًا باعتقاده، وقيل قرءان، وقيل قروء، ثم قال: ولو وطيء حرة على ظن أنها أمته المملوكة فقد قطع قاطعون بأنه يلزمها ثلاثة أقراء وأن الظن يؤثر في الاحتياط لا في المساهلة وأجرى المتولي الوجهين، إن اعتبرنا بحالها وجب ثلاثة أقراء، وإلا فيكفيها قرء واحد والأشبه النظر إلى ظن الرجل واعتقاده فإن العدة إنما تجب رعاية لحقه، فكما يؤثر الظن في صفة العدة وقدرها. انتهى كلامه.

وما ذكره من ترجيح النظر إلى ظن الواطئ ذكر ما يخالفه في "الشرح الصغير" فقال: ولو وطيء حرة على ظن أنها مملوكة فالمشهور القطع بأن عليها ثلاثة أقراء، وقال في "التتمة": فيه وجهان، هذا لفظه، ولم يذكر غير ذلك.

قوله: والمستحاضة المتحيرة تعتد بثلاثة أشهر في الأصح، ولا يلزمها الاحتياط لعظم المشقة والمفهوم مما قالوه تصريحًا وتلويحًا: أن الأشهر ليست متأصلة في حقها، وإنما تعتد بها لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبًا، وأشار بعضهم إلى أنها متأصلة كما في حق الصغيرة والمجنونة. انتهى.

والتعبير بالمجنونة تبعه عليه في "الروضة" وصوابه الآيسة، فإن المجنونة إن كانت ممن تحيض، وعرف حيضها فعدتها به وإلا فمتحيرة.

قوله: ولو ولدت المرأة ولم تر حيضًا قبل الولادة ولا نفاسًا بعدها فتعتد بالشهور لظاهر الآية، وكمن انقطع دمها بلا سبب ظاهر، لأن الحمل لا يكون إلا لذوات الأقراء؟ فيه وجهان، وينسب الأول للشيح أبي حامد. انتهى كلامه.

فيه أمران:

ص: 8

أحدهما: أن هذه المسألة قد ذكرها الرافعي بعد هذا في موضعين بوجه جازمًا به، أحدهما: في أثناء النوع الثالث قبيل الشرط الثاني في الكلام على ما إذا مات عن زوجته أو طلقها وهي حامل من زنا فقال: وتنقضى العدة مع الحمل في عدة الوفاة، وفي عدة الطلاق إذا كانت المرأة من ذوات الأشهر، أو كانت من ذوات الأقراء، ولم تر دمًا، أو قلنا: ما رأته الحامل ليس بحيض. انتهى.

فجزم هنا بأنها تعتد بالأشهر.

والموضع الثاني: بعد هذا الموضع بنحو ورقتين في الكلام على المدة التي يلحق فيها الولد فقال معترضًا على مسألة نقلها ما نصه: ولك أن تقول هذا إن استمر في الأقراء لا يستمر في الأشهر، فإن التى تحمل من النساء لا تعتد بالأشهر، هذا لفظه وهو عكس ما تقدم، وذكر المسألة أيضًا في آخر العدد نقلًا عن "فتاوى البغوى" وحاصل ما نقله الخلاف فيها، وهو الموضع الأول المبدوء به في صدر هذه المسألة، فقال: الصحيح الاعتداد بالأشهر لدخولها في قول الله تعالى: {وَاللَائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] هذا لفظه، ولم ينقل في آخر العدد ما نقله عنه هنا من زوائده، وصحح أيضًا في "الفتاوى" ما صححه في "الروضة" من زوائده فقال: هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعضهم: حكمها حكم من انقطع حيضها بلا سبب، والصواب الأول، قال: ولا فرق بين أن ترى نفاسًا أم لا، هذا كلامه.

الأمر الثاني: أن تقييد الرافعي بقوله ولا نفاسًا بعدها يقتضى أن وجود النفاس كوجود الحيض قبل ذلك ففي كونه مانعًا من الاعتداد بالشهور، وقد ظهر لك مما نقلناه عن "فتاوى النووي" أن الأمر ليس كذلك فاعلمه.

قوله: وإذا طلقت الصغيرة اعتدت بالأشهر فإن حاضت في أثنائها انتقلت إلى الأقراء وهل يحسب ما مضى قروءًا؟ فيه وجهان.

ص: 9

أحدهما: وبه قال ابن سريج: نعم؛ لأنه طهر يعقبه حيض، والثاني: وبه قال أبو إسحاق: لا. كما ذات الأقراء إذا آيست قبل تمامها تعتد بثلاثة أشهر ولا تحسب ما مضى شهرًا، وهذا أقرب إلى ظاهر النص. انتهى كلامه.

وهذا الخلاف حكاه أيضًا في "الشرح الصغير" وجهين، وصرح بالتصحيح فقال ما نصه: فيه وجهان: أظهرهما: المنع، وحكاه في "المحرر" قولين فقال: فيه قولان يبنيان على أن المعتبر في القروء الانتقال من الطهر إلى الحيض أو الطهر المحتوش بدمين، والأظهر الثاني، ووقع هذا الاختلاف أيضًا بين "الروضة" و"المنهاج".

واعلم أن الرافعي لما ذكر في الطلاق السنى والبدعى هذه المسألة أعنى أن القرء ما هو؟ قال: فيها قولان أو وجهان بالترديد من غير ترجيح.

قوله: أما الأمة إذا كانت صغيرة أو آيسة فبم تعتد؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: بشهرين، والثاني: بشهر ونصف والثالث: بثلاثة أشهر لأن الماء لا يظهر أثره في الرحم إلا بعد هذه المدة إذ الولد يتخلق في ثمانين يومًا، ثم يبين الحمل بعد ذلك. انتهى كلامه.

وما ذكره في آخر كلامه من كون الولد يتخلق في الثمانين أى يتصور قد خالفه في كتاب الرجعة فجزم بأنه لا يتصور إلا بعد أربعة أشهر ولحظتين، وقد سبق ذكر لفظه هناك، ولم يذكر النووي التعليل المذكور فسلم من الاختلاف ولا يمكن حمل كلامه هنا على أن المراد بالتخليق هو المضغة، لأن الله تعالى في كتابه قسم المضغة إلى مخلقة وغير مخلقة، والمراد بالمخلقة المصورة التى نفخ فيها الروح، ويدل له ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وكل في الرحم ملكًا فيقول: يا رب نطفة يا رب مضغة، فإذا أراد أن يخلقها قال: يا رب ذكر أو أنثى؟

ص: 10

يا رب شقي أو سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ "، وروى البخاري أيضًا قبيله عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمة أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح".

وقد تكلم الخطابي على أن المراد بقوله يجمع خلقه فروى بسنده إلى عبد الله بن مسعود أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله تعالى أن يخلق منها بشرًا سارت في بدن المرأة تحت كل ظفر وشعرة ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تنزل دمًا في الرحم فذلك جمعها.

واعلم أن مسلمًا روى في صحيحه حديثًا آخر معارض لما سبق، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما يشاء" وفي الجمع بينهما نظر، والمعروف للأصحاب ما قاله الرافعي في الرجعة، وقد وافقه على المذكور هنا، وهو أن التخليق والتصوير يحصل بمضى الثمانين جماعة منهم الماوردي في كتاب العدة، والقاضي أبو الطيب في كتاب الرجعة من "تعليقه" وذكر نحو ذلك صاحب "البيان" في الكلام على من تباعد حيضها فقال: لأن الحمل يتبين بثلاثة أشهر، وذكر في "النهاية" مثله، وذكر الماوردي أيضًا في الكلام على عدة الأمة، أن المضغة تتصور وتتخلق عند بعض الشهر الثالث.

قوله: وهل النظر في سن اليأس إلى جميع النساء، أم إلى نساء عشيرتها؟ فيها قولان، نظم "التهذيب" يشعر بترجيح القول الثاني، وإيراد أكثرهم يقتضي ترجيح الأول. انتهى ملخصًا.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا فقال: إنه الأصح عند الأكثرين

ص: 11

يعني الأول، ورجح في "المحرر" الثاني، فقال بعد حكاية القولين ما نصه: الثاني أقرب إلى الترجيح، واستدرك عليه النووي فصحح في "المنهاج" الأول فلذلك سلم من التعارض.

قوله: والمجبوب الذكر الباقى الأنثيين قد تقدم أنه يلحقه الولد فتعتد امرأته عن الوفاة بوضع الحمل، ولا تجب عدة الطلاق عليها، لأنه إنما تجب بعد الدخول ولا يتصور منه دخول. انتهى كلامه.

وهو صريح أو كالصريح في أنها لا تعتد بالحمل عن الطلاق، وقد تابعه عليه أيضا في "الروضة" وهو عجيب، فإن المعنى المقتضي لاعتدادها به في عدة الوفاة، وهو استدخال الماء هو بعينه يقتضي الاعتداد به عن الطلاق وقد صرح في أول الباب بخلاف ما ذكره هنا فقال: وأما مجبوب الذكر الباقى الأنثيين فلا يوجد منه الدخول، فلا تجب عدة الطلاق على زوجته إذا كانت حائلًا فإن ظهر بها حمل، فقد ذكرنا في اللعان أنه يلحقها الولد فعليها العدة بوضع الحمل هذا لفظه وهو الصواب.

قوله: وكذلك تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون بعض كنفي توريثه وسراية العتق إليه من الأم وعدم إجزائه عن الكفارة، ووجوب الغدة عند الجنابة على الأم، وتبع الأم في البيع والهبة وغيرهما، وفي [وجه] إذا صرخ واستهل كان حكمه حكم الولد المنفصل في جميع ما ذكرنا إلا في العدة ونسب هذا إلى القفال في "البسيط" انتهى كلامه.

وما ذكره هاهنا من أن الجنين إذا خرج بعضه لا يكون حكمه حكم ما لو انفصل جميعه، ذكر مثله أيضًا في كتاب الفرائض، وخالفهما في الكلام على دية الجنين، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه، ووقعت هذه المواضع أيضًا في "الروضة".

قوله: فإن لم يظهر الحمل ولكنها ترتاب وتتوهمه لثقل وحركة تجدهما

ص: 12

نظر: إن كان ذلك قبل تمام الأشهر والأقراء فليس لها أن تتزوج حتى تزول الريبة، فلو تزوجت كان التزويج باطلًا للتردد في انقضاء العدة، وإن كان بعد إنقضاء الأقراء أو الأشهر وتزويجها لم نحكم ببطلان النكاح إن تحققنا حملها تبين البطلان. انتهى.

وما ذكره في القسم الأول من بطلان النكاح مطلقًا يقتضى القول به فيما إذا نكحت بعد تمام الأشهر أو الأقراء، وبان أن لا حمل بها، وهو خلاف القواعد، بل تنبغي الصحة، كما لو باع الأب ظانًا حياته أو شاكًا فيها، ثم بان موته على أن المسألة فيها كلام مذكور في باب الزنا.

قوله: في المسألة قال الشيخ أبو على: وهذا فاسد لأن العقود لا تتوقف (على الجديد) والقول بالوقف هنا منقول عن الجديد. انتهى كلامه.

وما ذكره هنا من نفي قول الوقف عن الجديد ليس كذلك، بل هو ثابت فيه أيضًا وقد أوضحته في كتاب البيع فليراجع.

قوله: وإن حصلت الريبة بعد انقضاء العدة، وقبل التزويج فالمذهب القطع بصحة نكاحها، ووجه البطلان أنه لو صح لجعلناه موقوفًا، والوقف باطل عندنا، وأجيب بأن المنكر في الجديد هو التوقف في العقود ابتداء، وقد يتخلف وجه الصحة إلى أن يوجد ذلك الشرط كالوقف على إجازة المالك إذا باع الفضولي وهاهنا لا يتوقف في [الانعقاد]، بل يحكم بأن النكاح منعقد بناء على الظاهر ثم إن بان خلافه غيرنا الحكم. انتهى كلامه.

وما ذكره في تفسير الوقف الباطل عندنا غير صحيح لأنه يقتضى البطلان في من باع مال أبيه معتقدًا حياته أو شاكًا فيها مع أن الصحيح فيها الصحة وهما من قولي وقف العقود أيضًا، بل صواب العبارة في الوقف الممتنع أنه الوقف على شيء حادث كالإجارة المتقدم ذكرها، وأما الموقوف على مقارن العقد فليس منه، ولهذا يعبر عنه بوقف التبين.

ص: 13

قوله: وعن مالك أنه قال: هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها زوج صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين، وروى العتيبي أن هرم بن حيان حملت به أمه أربع سنين.

أما رجل صدق وامرأة صدق منونان على الوصف بالمصدر للمبالغة بمعنى صادق كقولك رجل عدل، وامرأة عدل أى: عادل وعادلة وفي تأويله مذاهب للنحاة مشهورة.

وأما هرم فهو بهاء مفتوحة وراء ساكنة وحيان بياء بنقطتين من تحت وهرم المذكور من كبار التابعين الصلحاء الزهاد، وقد ذكره النووي في آخر "فتاويه" وقال إنه قد اشتهر في كتب الرقائق أنه لما دفن أرسل الله تعالى سحابة فأمطرت حوالي القبر. ولم يصب القبر منه شيء.

قوله: فرعان: أحدهما: لو أتت بولد إلى أن قال ما نصه، وإن قلنا بالثاني لحقه إذا أتت به لدون أربع سنين. انتهى.

وهذا الذي قاله يقتضي أنه إذا كان لأربع سنين لا يلحقه، وليس كذلك بل الصواب، وهو الذي ذكره هو في أوائل هذا الباب أن الأربع حكمها حكم ما دونها وأنه يلحقه إذا أتت به لأربع سنين فأقل، وقد مشى النووي على هذا الموضع فلم يتفطن له في "الروضة".

قوله: وهل تجب العدة في النكاح الفاسد من آخر وطأة أو من وقت التفريق بينهما بانجلاء الشبهة، وظهور الفساد؟ فيه خلاف، الأصح على ما ذكر في "التهذيب": أنها تحسب من وقت التفريق. انتهى.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، والأصح ما صححه البغوى، كذا صححه النووي في أصل "الروضة"، ثم إنه عبر بالأصح فاستفدنا منه أن الخلاف وجهان كما تقرر لك من اصطلاحه، ولا يؤخذ ذلك من كلام الرافعي.

ص: 14

قوله: وإذا ولدت المرأة وطلقها زوجها ثم اختلفا فقال الزوج: طلقتك بعد الولادة فأتت في العدة ولي الرجعة، وقالت المرأة: بل قبله، نظر: إن اتفقا إلى آخره.

هذه المسألة فيها كلام سبق في كتاب الرجعة فليراجع.

ص: 15