الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلمنا: أن الصحيح عندهم البطلان أيضًا وإنما حاولوا تخريج وجه ضعيف.
قوله: وإذا أتلف المرتد شيئًا في حال الحرب هل يضمن؟ فيه خلاف سبق في قتال البغاة. انتهى.
لم يصرح هو ولا النووي في شيء من كتبهما بتصحيح في هذه المسألة لا في هذا الباب ولا في قتال البغاة إلا أن الشيخ في "التنبيه" قد قال: في الضمان قولين كأهل البغي، وأقره النووي عليه في تصحيحه، والأصح في أهل البغي عدم الضمان؛ فأشعر ذلك برجحان عدم الضمان في المرتد أيضًا. وليس كذلك بل الصحيح وجوبه فإن الذي نص عليه الشافعي في أكثر كتبه كما قاله الماوردي في باب قتال أهل الردة وصححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والبغوي ونقله ابن الرفعة عن الجمهور وقطع به القاضي أبو حامد وأبو القاسم الصميري وأكثر البصريين.
قال رحمه الله:
الجناية الثالثة: الزنا
.
قوله: ويروي أن عليًا رضي الله عنه جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها (1).
ومنها: فدك التي غرب ابن عمر أمة إليها.
هي بفاء ودال مهملة مفتوحتين بعدهما كاف؛ وهي قرية [بخيبر] بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مرحلتان، وقيل ثلاث.
ومنها: أنه ورد في الخبر نفي المخنثين؛ هو جمع مخنث بكسر النون وفتحها والكسر أفصح كما سبق إيضاحه في أوائل النكاح.
قوله في "الروضة": وهل يغرب العبد نصف سنة أم سنة أم لا
(1) أخرجه أحمد (1190) بسند صحيح.
يغرب؟ فيه أقوال: أظهرها الأول. انتهى كلامه.
أهمل من كلام الرافعي طريقة قاطعة بتغريب النصف فقال: وعن أبي إسحاق القطع بالنصف. هذا لفظه.
قوله: ولا تغرب المرأة وحدها في أصح الوجهين، هكذا أطلق مطلقون الوجهين وخصصهما الإمام وصاحب "الكتاب" بما إذا كان الطريق آمنا.
ثم قال ما نصه: وفيه قول بشرعية التغريب من غير أمن الطريق، وفي البيان وغيره ما يشعر بخلافه. انتهى.
ومعني كلامه أنه يؤخذ مما ذكرناه القول والحكم بأن أصل التغريب لا يتوقف على الأمن فإن تخصيص المرأة المنفردة به يدل عليه.
ثم نقل بعده من كلام العمراني وغيره ما يدفعه حتى لا يغرب أيضًا الرجل ولا المرأة المستصحبة للزوج أو المحرم في حالة الخوف، وقد حذف في "الروضة" هذا الكلام الذي يؤخذ منه ما ذكرناه، واقتصر على الأول وهو غريب.
قوله: وإن لم يخرج الزوج أو المحرم إلا بأجرة فهل هي في مالها أم في بيت المال؟ وجهان كأجرة الجلاد: أصحهما الأول. انتهى ملخصًا.
واعلم أن أجرة الجلاد في بيت المال، فإن تعذر فقيل: لا تجب على المحدود أصلًا بل بفرض الإمام.
قال الروياني: أو يستأجر بأجرة مؤجلة أو يستأجر من يقوم به، وقيل: يجب عليه وهو الصحيح، وقيل: إن كان موسرًا وجب وإلا فلا.
هكذا في الرافعي و"الروضة" في باب استيفاء القصاص؛ وحينئذ فتكون أجرة المحرم هنا في بيت المال، فإن تعذر جاء فيه الخلاف، فتفطن له، وكلامه هنا يوهم أو يقتضي خلافه.
قوله: فإن امتنع مع الأجرة لم يجبر، وقال ابن سريج: يجبر؛ فعلى هذا إذا اجتمع محرمان أو محرم وزوج فأيهما يقدم؟ ولم يتعرض له الأصحاب. انتهى.
قال في "الروضة": يحتمل وجهين كنظائره:
أحدهما: الإقراع.
والثاني: يقدم الإمام باجتهاده من يراه، وهذا أرجح، والله أعلم.
قوله: ولو عين الإمام جهة للتغريب وطلب الزاني أن يغرب إلى جهة أخرى فهل يجاب الزاني؟ فيه وجهان حكاهما الإمام ورأى الأظهر إجابته وهو ما أورده في الكتاب، والمذكور في غيره أنه لا يجاب ويوافقه ما في التهذيب أن الإمام لا يرسله إرسالًا بل يغربه إلى بلد معين. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما نقله الرافعي هنا عن "التهذيب" فليس مما نحن فيه بل أن دل فإنما يدل على المسألة الآتية من بعد هذه.
الثاني: أن الراجح عدم إجابته؛ فقد قال في "الشرح الصغير" إنه الأشبه، وذكر نحوه في "المحرر" وصححه النووي في أصل "الروضة".
قوله: وإذا غرب إلى موضع معين فهل يمنع من الانتقال إلى بلد آخر؟ الذي أورده المتولي واختاره الإمام أنه لا يمنع، ومنهم من قال: يمنع. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا وصحح في أصل "الروضة" الأول.
واعلم أن الرافعي قد ذكر بعد هذا بدون الصفحة كلامًا قد يعارض هذا أو يخصصه فينبغي معرفته فقال: وفي الحلية للقاضي الروياني أنه يلزم
المغرب أن يقيم في القرية حتى تكون كالحبس له في أصح الوجهين ولا يمكن من السير والضرب في الأرض فتكون كالنزهة.
قوله: فإن لاط ففيه أقوال: أصحها: أن حده حد الزنا، والثاني: يجب التعزير، والثالث: يجب القتل.
وفي كيفيته وجوه:
أحدها: يقتل بالسيف.
والثاني: يرجم.
والثالث: يهدم عليه جدار أو يرمي من شاهق. انتهى.
أسقط من "الروضة" القول الموجب للتعزير فلم يذكره بالكلية ولم يصحح في "الشرح الصغير" أيضًا شيئًا من هذه الأوجه المفرعة على القتل، وأصحها في "زوائد الروضة" هو الأول.
قوله: ولو وطئ زوجته أو أم ولده في دبرها فالمذهب أن واجبة التعزير، وقيل في وجوب الحد قولان كوطء الأخت المملوكة. انتهى.
وهذه المسألة فيها كلام سبق إيضاحه في أواخر أبواب النكاح في الباب المترجم له في "الروضة" بالباب التاسع فراجعه.
قوله: ولو وجدنا بامرأة خلية حملًا أو ولدت فأنكرت الزنا فلا حد. انتهى.
وهذه العبارة ناقصة؛ فإنها لو سكتت لم تُحد أيضًا وقد نَبّه عليه في "الروضة".
قوله: إحداهما: إذا أولج في فرج ميتة ففيه وجهان: أحدهما: يجب الحد؛ لأنه حصل إيلاج فرج في فرج محرم لا شبهة فيه.
وأصحهما: لا يجب؛ لأنه مما ينفر الطبع عنه فلم يحتج إلى زجر
عنه كشرب البول. انتهى.
تابعه النووي في "الروضة" وفي "فتاويه" على تصحيح عدم وجوب الحد؛ ومقتضاه أنه لا فرق بين أن تكون الميتة مباحة له في حال الحياة أم لا، وبه صرح في باب الغسل من "شرح المهذب"؛ فإنه حكى فيها ثلاثة أوجه، ثم قال: أصحها: لا حد مطلقا، والثاني: يجب، والثالث: إن كانت مباحة له في حياتها بزوجية أو ملك فلا حد وإلا فيجب.
وهذا الثالث قيل: إنه منصوص عليه. انتهى.
ثم صحح -أعني النووي- في باب الغسل أيضًا من "النكت" التي صنعها على "الوسيط" الوجه الثالث وعبر بالأصح، ومن خطه نقلته.
قوله في إتيان البهيمة: وهل تقتل؟ نظر إن كانت مأكولة قتلت عند الشيخ أبي حامد وجماعة، ومنهم من قال: فيه وجهان، وإن لم تكن مأكولة فوجهان. انتهى ملخصًا.
وحاصله: رجحان القتل في المأكولة وعدم الترجيح في غيرها، والأصح فيها -أعني غير المأكولة- عدم القتل. كذا صححه النووي في "الروضة" و"تصحيح التنبيه" ولم ينبه في "الروضة" على أنه من "زياداته" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
ولم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضا ولا تعرض للمسألة في "المحرر".
قوله: وهل يحل أكلها إذا كانت مأكولة وذبحت؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، وهو ما أورده الإمام وصاحب "التهذيب".
وأصحهما عند الشيخ أبي حامد: المنع. انتهى.
والراجح على ما دل عليه كلام الرافعي في "الشرح الصغير" وهو الحل وقد صرح بتصحيحه صاحب "التنبيه" والنووي في أصل "الروضة".
قوله: القسم الأول: الشبهة في المحل بأن يكون مملوكًا له كما لو وطئ جاريته المحرمة عليه بمحرمية رضاع أو نسب بأن كانت أخته من الرضاع أو النسب أو كانت بنته أو أمه من الرضاع ففي وجوب الحد قولان: أصحهما: لا يجب.
ويجري الخلاف فيما إذا كانت موطوءة ابنه أو أبيه.
ولو كانت جارية مشتركة بينه وبين غيره أو جاريته المزوجة أو المعتدة عن زوجها ففيه طريقان: أحدهما طرد القولين، وأقواهما: القطع بالمنع؛ لأن تحريمهن لا يتأكد؛ فأشبه وطء الحائض والمحرمة ومن في معناهما، ولا الجارية المجوسية والوثنية.
وكذا إذا أسلمت جارية ذمي فوطئها قبل أن تباع عليه.
ويدخل في هذا القسم وطء الأب جارية الابن لشبهة حقه في مال الابن ويجوز أن يعد منه وطء الحائض والمحرمة ومن في معناهما. انتهى كلامه.
واعلم أن بعض ما يزيد التنبيه عليه موقوف على ذكر عبارة "الروضة" فنقول: قال في اختصاره لكلام الرافعي ما نصه: أما الشبهة في المحل فوطئ زوجته الحائض والصائمة والمحرمة وأمته قبل الاستبراء أو جارية ولده لا حد فيه، ولو وطء أمته المحرمة عليه بمحرمية رضاع أو نسب أو مصاهرة كأخته منهما وأمه وبنته من رضاع وموطوءة ابنه وأبيه لم يجب الحد على الأظهر.
ولو وطئ جارية له فيها شرك أو أمته المزوجة أو المعتدة من غيره أو المجوسية أو الوثنية أو أسلمت أمة ذمي فوطئها قبل أن تباع فلا حد على المذهب، وقيل: فيه القولان.
فإن قلنا: لا حد، ثبت النسب والمصاهرة، وإلا فلا، وقيل: يثبت
النسب وتصير الجارية أم ولد بلا خلاف.
انتهى كلام "الروضة"(1)، وحينئذ فنعود إلى ما أردناه من التنبيه على كلام الرافعي وهو أمور:
الأول: أن ما صححه من عدم ثبوت النسب إذا قلنا بوجوب الحد فتدخل فيه مما تقدم مسائل فيها كلام: أحدها: وطئ جاريته المحرمة عليه برضاع أو غيره، وقد اختلف كلامه فيها فصحح في أواخر النكاح في الفصل المعقود لوطء جارية الابن المترجم له في "الروضة" بالباب العاشر ما اقتضاه كلامه هنا من نفي النسب، وقد سبق ذكر لفظه هناك ثم خالف الموضعين جميعا في كتاب أمهات الأولاد فجزم بثبوته مع القول بوجوب الحد وسوف أذكره هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
المسألة الثانية: أن يطأ الجارية المشتركة وما دل عليه كلامه هنا قد خالفه في الكلام على وطء جارية الابن فجزم بثبوت الاستيلاد، وإن قلنا بثبوت الحد، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه، وجزم أيضًا في باب الكتابة، وإذا قلنا بثبوت نسبه من الجارية المشتركة كان مبعضًا، وقيل: يكون كله حرًا، وهل الخلاف وجهان أو قولان؟ وقع فيه اختلاف في كلام الرافعي بين كتاب السير وكتاب الكتابة سوف أبينه في موضعه إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني: في الكلام على قول الرافعي وتصير الجارية مستولدة بلا خلاف، وهو من وجهين: الأول: أن ظاهره أنه حكم مستأنف ثابت على [كل] قول وليس تفريعًا على القول بثبوت النسب فإنه لو نفاه أولًا تفريعًا على ما قبله لكان إثباته بعد ذلك يكون تفريعًا على ما بعده لكنه لم يفعله فاقتضى القول تأمنة الولد على كل قول، وليس كذلك، أما إذا قلنا بعدم ثبوت النسب فلا يمكن المصير إليه، وأما إذا قلنا بثبوته فقد ذكر الرافعي تفريعًا عليه في وطء جارية الولد التي ليست مستولدة له ثلاثة
(1) انظر: "الروضة"(10/ 93).
أقوال: أصحها: أنها تفسير أم ولد، وثانيها: لا، وثالثها: إن كان موسرًا فنعم وإلا فلا.
وأما الثاني من الوجهين المشار إليهما أولًا فهو أن الجارية المشتركة إنما تفسير كلها أم ولد إذا كان الواطيء موسرًا. كذا نبه عليه الرافعي في كتاب الكتابة.
الأمر الثالث: في الكلام علي قوله: ويجوز أن نعد منه وطء الحائض والمحرمة ومن في معناهما والكلام عليه من وجهين: أحدهما: أن المعنى والتقسيم من أوله إلى آخره يقتضي تصوير ذلك في الإماء أو أنهن داخلات إن لم يرد تخصيصهن.
الوجه الثاني: أن تعبيره بقوله: ومن في معناهما يدخل فيه المرهونة والمكاتبة والصائمة والمعتكفة اعتكافًا واجبًا وغير ذلك، وإن أدرجنا فيه الزوجة دخل فيه أيضا الرجعية والمظاهر عنها.
وإذا علمت ذلك فقد اختصره في "الروضة" اختصارًا عجيبًا؛ فإنه خصص الكلام بالزوجة وحصر الذي في معناهما بالصائمة فراجعه في أول كلامه فإنه قدمه إليه.
ثم إنه -أعني النووي- جعل الأمة قبل الاستبراء وجارية الولد من القسم المتفق عليه ولم يلحقه بما بعده مما فيه القولان ولا مما فيه الطريقان.
فأما المشتراه فلم يذكرها الرافعي، والقياس فيما إذا كانت موطوءة البائع أن تكون كالأمة المعتدة عن غيره لاسيما إذا لم يستبرئها البائع، وقد حكى فيها طريقين -أعني المعتدة- وأما جارية الابن ففيها قولان مذكوران في النكاح، وكلام الرافعي ظاهر في إلحاق ذلك بالمختلف فيه فتأمله.
قوله: ولو ظنها جارية له فيها شرك وكانت غيرها وقلنا لا يجب الحد بوطء المشتركة قال الإمام: فيه تردد، ويجوز أن يقال: لا حد؛ لأنه
ظن ما يسقط الحد، ويجوز أن يقال: يحد؛ لأنه علم التحريم وإنما جهل وجوب الحد، وكان من حقه أن يمتنع. انتهى.
والصحيح عدم الوجوب؛ فقد صحح الرافعي والنووي ذلك فيما إذا سرق مال غيره على ظن أنه لأبيه أو ابنه وأن الحرز ملكه، وهو نظير مسألتنا إن لم يكن إياها.
والفرق بين هذه المسائل وبين ما إذا علم التحريم ولكن اعتقد عدم الحد أو سرق دنانير يظنها فلوسًا أنه هنا قد اعتقد أمرًا نعتقده نحن مسقطًا وأما هناك فإنا نعتقده موجبًا، وقد ذهل النووي عن المنقول في باب السرقة وعن التفرقة بين المعينين المذكورين ورجح هنا من "زوائده" الوجوب فقال: إنه الظاهر الجاري على القواعد في نظائره، وقال ابن الرفعة في أوائل الجنايات من المطلب أيضًا إنه الظاهر.
وما قالاه هو السابق إلى الوهم في بادي الرأي؛ فمن حقق المعنى وتأمله ووقف على المنقول هناك ظهر له بطلانه.
قوله: ولو علم التحريم ولم يعلم تعلق الحد به فقد جعله الإمام على التردد الذي ذكره فيمن وطء من يظنها مشتركة فبانت غيرها. انتهى.
والصحيح في هذه المسألة وجوب الحد؛ كذا جزم به الرافعي في شارب الخمر فقال: وإن قال: علمت التحريم ولم أعلم أن فيه حدًا أقيم عليه الحد؛ لأنه إذا علم التحريم فحقه أن يمتنع.
هذا لفظه. وهو نظير المسألة إن لم تكن إياها، ولم يستحضر النووي ما ذكره الرافعي هناك إلا أنه صحح من "زوائده" الوجوب فقال: الصحيح الجزم به.
قال: وهو المعروف في المذهب والجاري على القواعد.
قوله: وهل يستحب للشهود كتمان الشهادة في حدود الله تعالى؟
فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لئلا تتعطل. انتهى.
وما ذكره هنا من تصحيح عدم الكتمان قد جزم بخلافه في الباب الأول من كتاب الشهادات في أثناء السبب السادس في الكلام على شهادة الحسبة، وقد اختلف كلام "الروضة" أيضًا في المسألة فإنه جزم باستحباب الستر في كتاب الشهادات متابعة للرافعي وفي آخر الباب الثاني من أبواب القضاء من "زوائده" ثم ذكر هنا من "زوائده" تفصيلًا فقال: الأصح التفصيل؛ وهو أنه إن رأى المصلحة في الشهادة شهد وإن رآها في الستر ستر، وذكر الرافعي المسألة في "الشرح الصغير" في هذا الباب فقط كما ذكرها في الكبير ولم يتعرض لها في "المحرر" ولا في "مختصره".
قوله: وإذا أقر بالزنا ثم رجع سقط الحد. وهل يستحب له الرجوع؟ فيه وجهان يقاس أحدهما باستحباب الستر في الابتداء، ويفرق في الثاني بأن الهتك قد حصل. انتهى كلامه.
والراجح على ما تلخص من كلام الرافعي في الشهادات بعد الكلام على شهادة الحسبة الوجه الثاني؛ فإنه جزم بأن من ظهر عليه الحد يستحب له أن يأتي الإمام ليقيمه عليه. قال: لأن الستر قد فات، وإذا جزم بالإتيان إليه عند الظهور لفوات الستر كان الجزم بعدم الرجوع عن الإقرار أولى وقد وافق النووي في "الروضة" على المذكور هناك ولم يستحضره هنا فرجح من زوائده بحثًا الأول فقال: مقتضى الحديث الصحيح في قصة ماعز رضي الله عنه أنه يستحب؛ فهو الراجح والله أعلم.
قوله: ولو قتله رجل بعد الرجوع ففي وجوب القصاص وجهان نقلهما ابن كج ورأي الأصح أنه لا يجب، ونسبه إلى أبي إسحاق لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع. انتهى.
ومقتضى هذا الكلام رجحان السقوط بعد الرجوع والجزم بذلك قبله،
وقد وافق في الروضة عليه.
وإذا علمت ذلك ففيه أمران:
أحدهما: أن النووي قد ناقض ذلك في "تصحيح التنبيه" فصحح وجوب القصاص على من قتل زانيا محصنا ثبت زناه بالإقرار من غير تفصيل بين ما قبل الرجوع وما بعده، وهو تناقض عجيب.
الأمر الثاني: أن مقتضى كلامه في كتاب الجنايات في الركن الثاني المعقود للقتل الجزم بالوجوب إذا كان بعد الرجوع، وقد تقدم هناك إيضاح المسألة. وما يفتي به منها فراجعها.
قوله: وهل يشترط في الإقرار بالزنا التفسير كما في الشهادة أو لا يشترط كما في القذف؟ فيه وجهان. انتهى كلامه.
والراجح اشتراط ذلك؛ كذا رجحه الرافعي في كتاب السرقة في أواخر النظر الثاني المعقود لإثبات السرقة فقال بعد حكاية الوجهين ما نصه: أولاهما أنه يجب التفصيل احتياطًا للحد وسعيًا في ستر الفاحشة بما أمكن. هذا كلامه.
وعبر عنه في "الروضة": بالأصح، ورجحه أيضًا في "الروضة" هنا من "زوائده" غير مستحضر لكلام الرافعي في ذلك الموضع فقال: الاشتراط أقوي، ويستأنس فيه بقصة ماعز.
قوله: وإن كان المرض مما لا يرجى زواله كالشل والزمانة، أو كان مخدجًا ضعيف الخلقة لا يحتمل السياط فلا يؤخر الحد؛ إذ لا غاية تنتظر. انتهى.
قال الجوهري: المخدج: بميم مضمومة وخاء معجمة ساكنة ودال مهملة مفتوحة بعدها جيم، وهو ناقص الخلقة، ومنه قول على في ذي الندية مخدج اليد؛ أي: ناقص اليد، وفي الحديث: "كل صلاة لا يقرأ فيها
بأم القرآن فهي خداج" (1)؛ أي: نقصان، بمعنى ناقصة.
قوله: وإذا وجب حد القذف على مريض قال القاضي ابن كج يقال للمستحق: إما أن تصبر إلى البرء أو تقتصر على الضرب بالعتكال، وفي "التهذيب": أنه يجلد بالسياط سواء كان المرض مما لا يجري زواله أو مما يرجي لأن حقوق العباد مبينة على التضييق. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على حكاية الوجهين من غير ترجيح، والصحيح ما قاله في "التهذيب"؛ فقد جزم به الرافعي في كتاب الجنايات في باب استيفاء القصاص في الكلام على وقت القصاص ونقله عن البغوي والغزالي وغيرهما.
قوله: وفرق صاحب "التهذيب" بأن الرجوع على الإقرار مستحب وإن كان صادقًا. انتهى.
وما ذكره من استحباب الرجوع فيه كلام سبق ذكره فراجعه.
قوله في "الروضة": فرع: لو جلد الإمام في مرض أو حر شديد أو برد شديد فهلك المجلود بالسراية فالنص أنه لا يضمن ونص أنه لو ختن أقلف في شدة حر أو برد فهلك أنه يضمن؛ فقيل في وجوب الضمان: فيهما قولان، وقيل: بظاهر النصين وهو الأصح لأن الجلد ثبت بالنص والختان بالاجتهاد. فإن أوجبنا الضمان فهل يضمن جميعه أو نصفه؟ فيه وجهان. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن مقتضاه تصحيح طريقة التقرير والرافعي لم يصححها ولا نقل أيضًا تصحيحها عن أحد.
(1) أخرجه مسلم (395) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الثاني: أنه لم يصحح في الختان هنا شيئًا وإنما قال والظاهر في الجلد أنه لا يضمن وإن أثبتنا الخلاف.
نعم صححه في باب ضمان إتلاف البهائم.
الثالث: أن الأصح من الوجهين الأخيرين ضمان النصف.
كذا صححه الرافعي في الباب المذكور. لكن في الختان خاصة إلا أن الجلد أولى بذلك منه لأنه أخف؛ ولهذا كان الصحيح فيه عدم الضمان بخلاف الختان.
قوله في المسألة: قال الإمام: فإن لم نوجب الضمان فالتأخير مستحب لا محالة وإلا فوجهان، وفي "المهذب" وغيره إطلاق القول بأنه لا يجوز، ويجوز أن يقال بوجوب التأخير مع الاختلاف في الضمان. انتهى ملخصًا.
ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وجزم في "المحرر" بأن التأخير مستحب إذا فرعنا على الأصح وهو عدم وجوب الضمان، ولم يصحح شيئا على القول الآخر، ووافق النووي في "المنهاج" على ما في "المحرر" وخالف في "الروضة" فصحح من "زوائده" وجوب التأخير سواء قلنا بالضمان أم لا.
فقال: المذهب وجوب التأخير مطلقًا هذا لفظه.
قوله في الحديث: "إذا زنت أمة أحدكم وتبين له زناها فليجلدها ولا يثرب عليها. . . ."(1) إلى آخره.
قيل: معناه لا يوبخها ولا يعيرها، وقيل: لا يبالغ في جلدها بحيث يدميها. انتهى.
(1) أخرجه البخاري (2119)، ومسلم (1703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
التثريب: بالثاء المثلثة، ومنه قوله تعالى:{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (1)؛ أي: لا توبيخ ولا لوم.
والتفسير الثاني الذي ذكره الرافعي مأخوذ من الثرب بفتح الثاء المثلثة وهو شحم يغشي الكبد؛ أي: لا يبالغ في الضرب بحيث ينتهي إلى الثرب.
قوله: وهل الأولي للسيد إقامته بنفسه ليكون أستر أم الأولى أن يفوضه إلى الإمام ليخرج من خلاف أبي حنيفة في إلحاقه بالحر؟ فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو خلف الطبري. انتهى.
قال في "الروضة": الأصح الأول لثبوت الحديث.
قال: ولا يراعي الخروج من خلاف بخلاف السنة.
قوله في "الروضة": ومن بعضه حر لا يحده إلا الإمام. انتهى.
ذكر الرافعي عن الإمام أنه رأى عن الصيدلاني أنه كالمدبر وأنه غلط، ولم يذكر هذا الوجه في "الروضة".
قوله: ثم ما سبيل إقامة السيد الحد على مملوكه؟ فيه وجهان. تتخرج عليهما أكثر صور الفصل: أحدهما: أنه يقيمه بالولاية كما يلي أمر تزويج المملوكة، وأصحهما بالملك. انتهى.
وقياسه على النكاح عجيب؛ فإن الخلاف في النكاح والحد واحد وكذلك الراجح فيهما أيضًا.
قوله: وفي المرأة وجهان أصحهما أن لها إقامة الحد على رقيقها بناء على أن سبيلها سبيل الإصلاح.
ثم قال: والوجهان في المرأة يجريان في الفاسق والكافر والمكاتب، والأظهر أنهم يقيمون، ويقال: إنه منصوص عليه في القديم في حق الفاسق. انتهى.
(1) يوسف: 92.
وما ذكره في المكاتب مردود فإنه مصادم لنص الشافعي في "الأم" فإنه قال في الكتابة في أوائل [باب](1) الجناية على المكاتب ورقيقه ما نصه: قال الشافعي: وليس لسيد المكاتب إن زنا أن يحده ولا إن أذنب أن يجلده، وللمكاتب أن يؤدب عبده وليس له أن يحده لأن الحد لا يكون إلى غير حر.
هذا لفظه بحروفه ومن الأم نقلته، وهو ظاهر مقيس. وإذا منع الشافعي العبد فالكافر أولى.
قوله في أصل "الروضة": وهل يقيم الأب والجد والوصي والقيم [الحد](2) على رقيق الطفل؟ وجهان، وقيل: لا يجوز لغير الأب والجد وفيهما الوجهان، ويشبه أن يقال: إن قلنا: الحد إصلاح، فلهم إقامته، وإن قلنا: ولاية، ففيه الخلاف. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن حكايته للطريقة الثانية غلط على العكس مما قاله الرافعي؛ فإن الرافعي قد قال ما نصه: ورقيق المجنون والصبي ذكر فيه طريقان إحداهما: أن أباه وجده يقيمان الحد عليه، وفي الوصي والقيم وجهان.
والثاني: أن في الكل وجهين.
هذا لفظه فانعكس عليه حالة الاختصار.
الأمر الثاني: أن تصحيحه لطريقة الوجهين لم يذكره الرافعي كما عرفت.
قوله: ولو شاهده السيد فهل يقيم الحد عليه؟ فيه وجهان بناء على أن القاضي هل يقضي بعلمه في الحدود؛ والأظهر نعم. انتهى كلامه
(1) سقط من ب.
(2)
سقط من أ.