الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث من الكتاب
قال: القسم الثالث من الكتاب: فيمن تجب عليه الدية.
قوله في "الروضة": وأما أبو الجاني وأجداده وبنوه وبنو بنيه فلا يتحملون لأنهم أبعاضه وأصوله فلا يتحملون كما لا يتحمل الجاني، والحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية مقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها والولد (1). انتهى كلامه.
وما ذكره -أعنى النووي- من صحة هذا الحديث الذى فيه الدلالة على موضع الحاجة وهو تبرئة الولد ليس كذلك ولم يتعرض له الرافعي، وأيضًا فإن الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله، وفي إسناده مجالد بن سعيد، وقد تكلم فيه الجمهور إلا أن مسلمًا استشهد به في صحيحه.
نعم يغني عنه حديث أبي هريرة في الصحيحين (2) وأن في الحديث المذكور فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها.
قوله في "الروضة": فرع: إذا ضربنا على المعتق فبقي شيء من الواجب فهل يضرب على عصباته في حياته؟ نقل الإمام والغزالي المنع؛ إذ لا حق لهم في الولاء ولا بالولاء في حياته، وتردد الإمام فيما لو لم يبق المعتق وضربنا على عصبته فهل يختص بالأقربين لأنهم أهل الولاء والإرث أم يتعدي إلى الأباعد كعصبة الجاني؟ ورجح الاحتمال الثاني
(1) أخرجه أبو داود (4575)، وابن ماجه (2648)، وأبو يعلى (1823)، وابن أبي شيبة (5/ 393)، والبيهقي في "الكبرى" (16151) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. قال النووي: صحيح. وقال الألباني: صحيح.
(2)
أخرجه البخاري (6359)، ومسلم (1681) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وجزم به الغزالي وصرح [صاحبا](1) الشامل و"التتمة" وغيرهما بالضرب عليهم. انتهى كلامه.
وهذا الذى ذكره عن "الشامل" وغيره ليس عائدًا إلى المسألة التى قبله، بل إلى المسألة الأولى وهي الضرب على عصبات المعتق في حياته؛ فاعلم ذلك؛ فقد صرح به الرافعي، والمتبادر إلى الفهم من كلام "الروضة" خلافه.
قوله: وألا يضرب على خنثى لاحتمال الأنوثة، فإن بان ذكرًا فهل يغرم حصته التى أداها غيره؟ فيه وجهان مرويان في "التهذيب". انتهى.
قال في "الروضة" من "زوائده": لعل أصحهما أنه يغرم.
قوله: وهل يتحمل اليهودي عن قريبه النصراني وعكسه؟ فيه قولان: انتهى.
والراجح التحمل؛ فقد قال القاضي الحسين في تعليقته: إنه أظهر القولين، وهو المذكور في "الحاوي" و"تعليق البندنيجي" وغيرهما، ولأجل ذلك قال الرافعي في "الشرح الصغير" و"المحرر": إنه الأصح، وفي "زوائد الروضة": إنه الأظهر.
قوله: إحداهما: إذا انتهى التحمل إلى بيت المال فلم يوجد فيه مال فهل يؤخذ الواجب من الجاني؟ وجهان بنوهما على أن الدية تجب على العاقلة ابتداء. أو تجب على الجاني وتتحمل عنه العاقلة؟ فيه وجهان، ويقال: قولان.
فإن قلنا: تجب على العاقلة ابتداء، لم يؤخذ من الجاني. وإن قلنا: بالتحمل، فإذا تعذر التحمل أخذ الواجب من الأصل. انتهى.
(1) في الأصول: صاحب، والمثبت من الروضة.
تابعه في "الروضة" على جعل الخلاف في الأخذ من الجاني وجهين، وخالف في "المنهاج" فجعل الخلاف قولين، وسبب ما وقع في "المنهاج" أن الرافعي عَبّر في "المحرر" بالأظهر ولم يزد عليه فتابعه عليه النووي غافلًا عن اصطلاحه أو غير كاشف عن حقيقة الخلاف فوقع في التناقض.
قوله: وإذا اعترف الجاني بالخطأ أو شبه العمد وكذبه العاقلة وجبت الدية عليه، فلو مات معسرًا، قال البغوي: يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال كمن لا عاقلة له، ويحتمل المنع كما لو كان حيًا معسرًا.
قال في "الروضة": الاحتمال الثاني أرجح قوله: وإن كان بعض العاقلة حاضرًا وبعضهم غائبًا واستووا في الدرجة فهل يقدم الحاضر؟ فيه قولان، أصحهما: لا، بل يسوى بينهم.
ثم قال: والنظم هاهنا وفي "الوسيط" يشعر بتخصيص الخلاف بما إذا كانت المسافة بحيث لا يمكن التحصيل منها في سنة حتى إذا كانت دون ذلك لا يقدم الحاضر بلا خلاف، وكلام الشافعي والأصحاب لا يساعد عليه؛ فإنهم فرضوا فيما إذا كان القاتل بمكة والعاقلة بالشام، وحكوا فيه الخلاف. انتهى كلامه.
وهو يشعر بانفراد الغزالي بذلك حتى أنه في "الروضة" أسقطه بالكلية وهو غريب؛ فإنه الإمام قد صرح بذلك في النهاية فإنه بعد ذكر المثال عن الشافعي بمكة والشام قال في أثناء الكلام: يجب أن لا يجري هذا في كل غيبة وإن كانت إلى مسافة القصر فإن الضرب سهل على من بعد عن مكان القتل بمرحلتين، وكذا لو زادت المسافة؛ فلابد من رعاية التعذر، وأقرب معتبر في هذا التعذر عندي متلقي من الأجل الشرعي؛ فإن كان يمكن تحصيل الغرض من الغيبة في مدة سنة فليس الأمر متعذرًا، وإن كان لا يتوصل إلى الضرب عليهم في سنة فيمكن أن يقضى عند ذلك بالتعذر،
ويجرى فيه القولان.
هذا كلام الإمام وذكر مثله في "البسيط" أيضًا.
قوله: الثالثة: ابتداء المدة في دية النفس من وقت الزهوق.
هذا ما يوجد لأئمة الأصحاب على اختلاف طبقاتهم، وفي الكتاب إن ابتداء الحول من وقت الرفع إلى القاضي، وكذا ذكر في "الوسيط"، وعلله بأن هذه مدة تناط بالاجتهاد، وصاحب "الكتاب" كالمنفرد بنقل ما ذكره عن المذهب حتى إن الإمام ساعد الجمهور على رواياتهم. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على إنكاره وعبر بقوله: فلا يعرف لغيره. لكن هذا الحكم قد ذكره أيضًا في "البسيط" وعبر بقوله: قال الأصحاب: أول الحول من وقت الرفع إلى القاضي، إلا أن في النقل المذكور نظرًا فإن الفوراني بعد جزمه بما قاله غيره نقل هذا عن أبي حنيفة، والغزالي كثير النقل عنه؛ فالظاهر أنه انتقل نظره أو سقط من النسخة المنقول منها، ووقع في "الكفاية" لابن الرفعة أن الفوراني في "الإبانة" سبق الغزالي إليه. وهو وهم عجيب؛ فقد راجعت ثلاث نسخ من "الإبانة" فرأيت فيها ما ذكرته لك وهو الجزم بما قاله غيره، ثم استظهرت فراجعت نسختين من كتابه المسمى "بالعمد" أيضًا فرأيته موافقًا "للإبانة".
قوله: وإذا جنى العبد تعلق الأرش برقبته.
اعلم أنه لم يتكلم رحمه الله على أنه إذا حصلت البراءة عن بعض الواجب بإعطاء أو غيره هل ينقل من العبد بقسطه أم لا كالمرهون؟ ، وقد صرح بها الرافعي في كتاب الوصايا عند الكلام في الدور الرابع المعقود للجنايات وصحح الانفكاك فقال: إذا جنى عبد على حر وعفى المجنى عليه ومات فإن أجازه الورثة فذاك، وإلا نفذ في الثلث وانفك ثلث العبد
عن تعلق الأرش.
قال: وأشار الإمام فيه إلى وجه آخر كما أن شيئًا من المرهون لا ينفك ما بقي شيء من الدين.
قوله في أصل "الروضة": إن أراد سيد العبد فداءه فبكم يفديه؟
قولان: أظهرهما -باتفاق الأصحاب وهو الجديد- بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية.
والقديم: بالأرش بالغًا ما بلغ.
ثم قال لو قتل السيد عبده الجاني أو أعتقه أو باعه وقلنا بنفوذهما أو استولد الجانية، لزم الفداء، وفي قدره طريقان: أحدهما: طرد القولين، وأصحهما: القطع بأقل الأمرين، لتعذر البيع وبطلان توقع زيادة راغب. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من تصحيح طريقة القطع قد خالفه في كتاب البيوع من "الروضة" في الكلام على بيع العبد الجاني فجزم بطريقة القولين، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.