الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
القسم الرابع: في غرة الجنين
قوله: وهل يعتبر العلم بالجنين أو الانفصال التام؟ وجهان، أصحهما: الأول فلو ضرب بطنها فخرج رأس الجنين وماتت الأم ولم ينفصل الولد أو خرج رأسه ثم جنى عليها فمات فعلى الأصح تجب الغرة لتيقن وجوده، وعلى الثاني: لا شيء لعدم الانفصال.
ثم قال: ولو خرج رأسه وصاح فجرّ جارٌّ رقبته، فإن اعتبرنا العلم بحصول الجنين وجب القصاص أو كمال الدية لأنا تيقنا بخروج الرأس وجوده وبالصياح حياته، وإن اعتبرنا الانفصال التام لم نوجب القصاص ولا الدية. انتهى كلامه.
وما صححه هنا من أن حكمه كحكم سائر الأحياء في وجوب القصاص أو الدية قد خالفه في الباب الأول من أبواب العدد وكذلك في كتاب الفرائض أيضًا، وقد سبق ذكر لفظ كل من الموضعين في بابه فراجعه، ووقعت هذه المواضع في "الروضة" أيضًا على هذا الاختلاف.
قوله في الكلام على الجنين المحكوم عليه باليهودية أو النصرانية: وقول الغزالي: والثاني ثلث الغرة، الذى يتبادر إلى الفهم منه وجوب جزء من الغرة.
وهذا لم يذكره أحد وإنما هو محمول على إيجاب غرة قيمتها ثلث الغرة الكاملة على ما بيناه. انتهى كلامه.
وذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وليس الأمر كما زعم من إنكار هذا الوجه، والذي قاله الغزالي صحيح؛ فإنه وجه ثابت جزم به القاضي الحسين في "تعليقه" والغريب أن الإمام في "النهاية" حكاه عنه فقال: ونقل عن من يوثق به عن القاضي الحسين أن الجنين إذا كان كافرًا
وجب فيه جزء من الغرة نسبته من الغرة نسبة دية أهل الجنين من الدية الكاملة، فإذا كان الجنين نصرانيًا ففيه ثلث الغرة، وفي الجنين المجوسي خمس ثلث الغرة؛ فإن الديات هكذا نسبتها.
ثم قال: وهذه الطريقة مقاسة لكنه يجزم على القياس فيما الأصل فيه التعبد.
انتهى موضع الحاجة من كلامه. وهذا الذي حكاه الإمام قد ذكر جميعه القاضي في "تعليقته" وحكاه أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية" ولم يتعرض في "الروضة" لشيء من ذلك لتوهمه أن ما قاله الرافعي صحيح وأن عبارة الغزالي مُؤولة.
قوله في أصل "الروضة": ويجب في الجنين الرقيق عشر قيمة الأم ذكرًا كان أو أنثى، وفي الوقت الذى تعتبر فيه قيمتها وجهان، أحدهما: قيمة يوم الإجهاض، والأصح المنصوص تعتبر قيمته أكبر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض. انتهى.
وما ذكره هاهنا قد خالفه في "المنهاج" فقال: والرقيق عشر قيمة أمه يوم الجناية، وقبل: الإجهاض هذا لفظه.
وقد صحح الرافعي في "الشرح" اعتبار قيمته يوم الجناية كما صححه في "المحرر" وعزاه إلى النص، ثم قال: وإنما يعتبر يوم الجناية لأن القيمة يومئذ أكمل غالبًا، فإن فرضت زيادة القيمة مع تواصل الآلام اعتبرنا تلك الزيادة، وحقيقة هذا الوجه النظر إلى أقصى القيم هذا كلام الرافعي، ويعلم به أيضًا أن الشافعي لم ينص على الأكبر وإنما هو من تصرف الأصحاب.
قوله: فروع من "مولدات ابن الحداد" وغيرها.
منها: الجارية المشتركة بين اثنين بالسوية إذا حبلت من زوج أو زنا
فأعتقها أحدهما بعد ما جنى ثم ألقت جنينا ميتا نظر إن كان معسرًا عتق نصيبه من الأم والجنين وعليه نصف عشر قيمة الأم لشريكه.
وهل يلزمه نصف الغرة للنصف الحر؟ فيه وجهان: قال ابن الحداد: لا؛ لأنه وقت الجناية كان ملكه له وجناية الإنسان على ملكه لا توجب ضمانًا.
وقال آخرون: نعم، وحكوه عن نصه في "الأم" لأن الجناية على الجنين إنما تتحقق عند الإلقاء وهو حر حينئذ.
والخلاف مبني على وجهين ذكرا في أن الموجب للضمان هو الضرب أو الإجهاض؟ .
أحدهما: الضرب؛ لأنه يؤثر في الجنين؛ ألا تري أنه يري أثره عليه عند الانفصال.
والثاني: الإجهاض؛ لأن الرحم محل نشوء الطفل وسبب الهلاك مفارقته. وكلام أكثر الناقلين للمسألة يميل إلى الوجوب، والأولى بالترجيح ما رجحه الشيخ أبو على في جماعة أنه لا يجب، وأن الموجب هو الضرب. انتهى كلامه.
وما رجحه الرافعي هنا من عدم الوجوب صرح بتصحيحه النووي في أصل "الروضة"، ثم ذكر الرافعي بعد ذلك بدون الورقة فرعًا حاصله الجزم بالوجوب وتبعه عليه في "الروضة" فقال: وإن أعتقاها معًا بعد ما جنيا. أو وكلا وكيلًا فأعتقها بكلمة ثم أجهضت فقد عتق الجنين مع الأم قبل الإجهاض فيضمن بالغرة. وفيما يجب على كل واحد منهما وجهان .. إلى آخر ما ذكر.
قوله: ومنها مات رجل عن زوج حامل وأخ، وفي التركة عبد فضرب بطنها فألقت الجنين ميتًا تعلقت الغرة برقبة العبد، وللأم ثلثها
وللعم ثلثاها والعبد ملكهما والمالك لا [يستحق] على ملكه شيئًا فيقابل ما يرثه كل واحد بما يملكه؛ فالأخ يملك ثلاثة أرباع العبد فتتعلق به ثلاثة أرباع الغرة وله ثلثا الغرة يذهب الثلثان بالثلثين يبقى نصف سدس الغرة متعلقا بحصته من العبد والزوجة تملك ربع العبد فيتعلق به الغرة ولها ثلث الغرة يذهب ربع بربع يبقى لها نصف سدس الغرة متعلقا بنصيب الأخ وهو ثلاثة أرباع العبد فيفديه بأن يدفع نصف سدس الغرة إلى الزوجة. والفرع لابن الحداد أيضًا، وقد يورد جوابه بغير هذا الإيراد ولا يكاد يختلف المقصود. انتهى كلامه.
واعلم أن الإمام أورد جواب ابن الحداد بهذا الطريق الذى ذكره الرافعي وأورده الغزالي في "البسيط" و"الوسيط" بطريق آخر يخالفه في المعنى لكنه لم ينبه على المخالفة إلا في "البسيط" ولم يقف الرافعي هنا على "البسيط" بل وقف على "الوسيط" فظن أن ما قاله ليس مخالفًا في المعنى فقال -أعني الرافعي- في آخر كلامه وقد يورد جوابه إلى آخره، والذى في البسيط أنه حكى هذه الطريقة.
ثم قال: هكذا أورده الإمام، وفيه نظر عندي بل الكشف فيه أن يقول فوات الثلث المستحق للأم يضاف إلى جميع الرقبة فيخص ربعها ربع ثلث الغرة فيبقي لها ربع الغرة متعلقا بنصيب الأخ ويعود إلى جانب الأم ويقول ثلثا الغرة فوته العبد فيوزع على الجميع فيخص نصيبه ثلاثة أرباع الثلثين فيبقى له سدس الغرة متعلقًا بنصيب المرأة.
فإن قيل: فإذا كان لها عليه الربع له عليها السدس فيصير السدس قصاصًا بمثله ويبقي للمرأة نصف سدس على الأخ، وهو الجواب كما سبق -أي: على طريقة الإمام-.
قلنا: نعم هو كذلك ولكن في التقاضي نظر لعدم تعلق الواجب
بدينهما وإنما تعلقه بالرقبة المملوكة لهما ولا تعد في تقدير التقاضي لكن تبقي فائدة وهي أن الأصح أن الواجب في العبد أقل الأمرين وربما لا تفي حصة الأم من العبد بالأرش الذي للأخ وتفي حصة الأخ وهو ثلاثة أرباع أرشها، فإذا سلمت نصيبها للبيع تعطل ما زاد من نصيبه ولم يتعطل شيء من نصيبها؛ فعلى هذا الوجه ينبغي أن تعلل المسألة.
هذا كلامه.
وهذه الطريقة التى ذكرها الغزالي وهي أن ينسب الساقط من نصيب كل منهما إلى النصيب لا إلى جملة الغرة متجه؛ فإن العبد كما يقال: إنه جنى على الجنين.
يقال: إنه جنى على كل جزء من أجزائه فلا يقال ربع العبد جنى على ربعه ولا نصفه على نصفه وإذا أضيف تلف النقص إلى جملة العبد اقتضى أن يكون الساقط من النصيب مضافًا إليه لا إلى الكل.
ووجه اختلاف الطريقين أما في المثال المذكور فنقول على الإيراد الأول يسلم للأخ نصف العبد وقيمته عشرة، وعلى الإيراد الثاني يبقي له سدس الغرة متعلقًا بنصيب المرأة، فهو وإن كان يستحق عشرة التى هي سدس الغرة لكن إنما يجب على المرأة أن تسلم ما تعلق به وهو ربع العبد وقيمته خمسة، فإذا بيع بها لم يصل إليه غيرها وضاعت عليها الخمسة الثانية؛ فعلى الأول يستقر له ما يساوى عشرة وعلى الثاني يستقر له خمسة فقط.
نعم: إن قلنا الفداء بالأرش لا بالأقل ظهر الاستواء.
واعلم أن التقاضي خاص بالنقدين على المعروف فلا يجئ البحث السابق إلا على وجه ضعيف.
قوله: ومنها قال ابن الصباغ: إذا جنى حر أمه عتيقة وأبوه رقيق على امرأة حامل ثم أعتق أبوه فانجر ولاؤه من معتق الأم إلى معتق
الأب، ثم أجهضت الحامل؛ فعلى قياس قول ابن الصباغ يتحمل بدل الجنين مولى الأم اعتبارًا بحال الجناية، وعلى قياس قول غيره يتحمل مولى الأب اعتبارًا بحال الإجهاض. انتهى كلامه. فيه أمران:
أحدهما: أن تعبير الرافعي أولًا بقوله: فعلى قياس قول ابن الصباغ، سهو وصوابه -وهو المذكور في "الشامل"- إنما هو ابن الحداد، وقد أصلحه في "الروضة" بذلك.
الأمر الثاني: أن ما ذكره ابن الصباغ هنا من الجزم بالوجوب وحكاية الوجهين فيمن يجب عليه وأن قياس ابن الحداد وجوبه على موالى الأم وأقره عليه [وتابعه] عليه في "الروضة" وهو غلط مخالف لكلام الأصحاب في هذه المسألة بخصوصها ومخالف لكلام ابن الحداد بخصوصه أيضًا فيها؛ فإن ابن الحداد قد جزم بأن هذا الحر الذى عليه الولاء لا يجب عليه شيء، وتابعه عليه الأصحاب، وقد أوضح الرافعي المسألة في أوائل العاقلة في الكلام على الولاء فقال: والمتولد من عتيقة ورقيق إن قتل إنسانًا فالدية على مولى الأم، ولو جرح إنسانًا فأعتق أبوه ثم مات المجنى عليه فقدر أرش الجناية على موالى الأم والباقي يجب على الجاني لأنه لا يمكن إيجابه على معتق الأم لأنه خرج بإعتاق الأب عن استحقاق الولاء فلا يلزمه ما يجب بعد ذلك ولا يمكن إيجابه على معتق الأب لأنه وجب بسراية جناية وجدت قبل انجرار الولاية إليه فلا يلزمه تحمله ولا يمكن إيجابه على بيت المال لأنه لم يحل عن المعتق، وأيضًا فالضرب على العاقلة على خلاف القياس فتسقط بالشبهة كالقصاص.
هذا ما أجاب به ابن الحداد وساعده الأصحاب والإمام وصاحب الكتاب احتمال في الضرب على بيت المال لأنه إذا تعذر الضرب على المعتق كان كمن لا معتق له. هذا كلام الرافعي، وتبعه عليه في "الروضة".
وهو كما قلنا دليل على بطلان ما ذكره هنا، وإنه إنما حصل من غفلة وذهول عما قاله هناك.
والحاصل أن ابن الصباغ اعتبر وقت الجناية في المسألة الأولى وهي ما إذا أعتق أحد الشريكين لأنه كان على ملكه إذا ذاك فاعتباره يقتضي عدم الوجوب فقدم على المقتضى لأن الأصل العدم ولم يعتبر في المسألة الثانية وهي التي فيها انجرار الولاء واحدًا من الأمرين لأنه يقتضي أيضًا عدم الوجوب على العاقلة الذى هو الأصل.
قوله في صفة الغرة: هي رقيق سليم من عيب يثبت رد المبيع، له سن مخصوص.
ثم قال: ولا يجبر على قبول خصى وخنثى وكافر. انتهى.
وما ذكره في الكافر قد تبعه عليه في "الروضة" وهو غريب جدًا؛ فإنه لم ينقل في البيع عن أحد أن الكفر عيب على الإطلاق، بل قيل: إنه ليس بعيب مطلقًا، والصحيح: أنه إن كان في بلد تقل فيه الرغبة كان عيبًا، وكذلك إن كانت الرغبة لا تقل ولكن كانت أمة وكفرها مانع من وطئها كالتمجس والتوثن، ولا اعلم أحدًا ذكر هنا ما ذكره الرافعي.
قوله؛ ولم يتكلموا في التغليظ عند وجود الغرة إلا أن الروياني قال: ينبغي أن تجب عن عشر قيمتها بنصف عشر الدية المغلظة، وهذا أحسن. انتهى كلامه.
وما ادعاه من أنه لم يتكلم فيها إلا الروياني تبعه عليه في "الروضة" وهو غريب؛ فقد تكلم جماعة في المسألة منهم القاضي أبو الطيب في "تعليقته" فقال ما نصه: عندنا أن الغرة تكون مقدرة بخمس من الإبل فينظر في حال الجناية فإن كانت خطأ فهي مخمسة في حق العاقلة، وإن كانت شبه عمد فتكون مثلثة حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان. هذا لفظه.
وذكر مثله البندنيجي أيضًا وقال إنه مفرع على الجديد، أما إذا قلنا قيمة الإبل عند الإعواز مقدرة فيعتبر هنا أن تكون قيمة الغرة في الخطأ خمسين دينارًا أو ستمائة درهم، ويزاد التغليظ قدر الثلث، وجزم أيضًا الماوردي بالتغليظ وحكى وجهين في كيفيته فقال: إذا ثبت تقدير الغرة بنصف عشر الدية فقال البصريون: تقوم بالإبل لأنها الأصل في الدية؛ فإن كانت الجناية خطأ قدرت بخمس من الإبل مخمسة: بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون وحقة وجذعة، وإن كانت شبه عمد قدرت بخمس مثله كما سبق، ثم إنا نقوم الإبل بعد ذلك بالدراهم لأنها القيمة، فإن بلغت قيمتها في الغليظ ألف درهم مثلًا وفي التخفيف سبعمائة أخذنا منه غرة قيمتها كذلك، وقال جمهور البغداديين: نقدرها بالدراهم دون الإبل لأن الإبل ليست مأخوذة ولا من جنس ما تقوم به، ولو قومت بالإبل لاحتيج إلى تقويم الإبل أيضًا فوجب التقويم ابتداء بالدراهم. هذا كلامه.
وذكر القاضي الحسين في باب الديات من "تعليقته" كلامًا ظاهره حكاية وجهين وأن الصحيح عدم التغليظ.
قوله: أما بدل الجنين الرقيق فلسيده. انتهى.
هذه العبارة أحسن من قول "المنهاج" لسيدها؛ فإنه يخرج منه ما إذا أوصى بأحدهما دون الآخر فإنه يصح كما سبق في الوصية ويستحق بدل الجنين في هذه الحالة مالكه لا مالك الأم وقد سبقت الإشارة هنا إلى ذلك.
قوله: وإن اتفقا على سقوط الجنين بالجناية فقال الجاني: سقط ميتًا فالواجب الغرة، وقال الوارث بل حيًا ثم مات فالواجب الدية فعلى الوارث البينة لما [يدعيه] من استهلاك وغيره وتقبل فيه شهادة النساء لأن الاستهلاك حينئذ لا يطلع عليه غالبًا إلا النساء.
وعن رواية الربيع قول أنه يشترط رجلان. انتهى كلامه.
وهذا الذى حكاه عن رواية الربيع صحيح فقد رأيته في "الأم" في كتاب ديات الخطأ في باب جنين المرأة لكن شرط فيه شرطًا يتعين الوقوف عليه فإنه قال بعد حكايته لهذا القول ما نصه: هذا إذا أمكنهم أن يخرجوه حيًا بعد ما يولد، فأما إذا لم يمكنهم أن يخرجوه لسرعة موته قبلت عليه شهادة أربع نسوة فيشهدن على موته بعد الجناية. هذا لفظه.