الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
القسم الثاني في الموجب
؛ أي: أسباب وجوب الدية:
اعلم أن الرافعي رحمه الله قد ذكر في الفصل هنا ألفاظًا منها: القذى: بالقاف والذال المعجمة وألف مقصورة؛ وهو ما يسقط في العين من التراب؛ تقول قذيت عينه تقذي قذي فهو قذ على وزن عميت تعمي عما فهو عم إذا سقطت في عينه قذاة.
قال الأصمعي: وتقول: قذيت عينه -بفتح الذال وسكون الياء- يقذي -بكسر الذال- قذيا -بسكونها- إذا رمت بالقذي، وأقذيت عينه إذا جعلت فيها القذا، وقذيتها بقذية إذا أخرجته منها، حكاه الجوهري.
ومنها: طي البئر: وهو بناؤها.
ومنها: الأخدود -بالخاء المعجمة والدال المهملة-، وهو شق في الأرض مستطيل، تقول فيه: خد الأرض يخدها، وضربه أخدود أي:[خدت] في الجلد.
ومنها القانول: اسم للجناح.
ومنها: العماد: قال الجوهري: هو جمع، واحده: عمادة بالتاء، وهو اسم للأبنية الرفيعة.
قال: وتقول: عمدت الشيء فانعمد إذا أقمته بعماد يعتمد عليه.
ومنها السباطات: اسم للمزابل: وهي جمع سباطة بسين مهملة مضمومة ثم باء موحدة وبعد الألف طاء مهملة، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا في سباطة قوم (1).
ومنها: البحر المغتلم: أي: الهائج، يقال غلم البعير بغين معجمة مفتوحة ولام مكسورة، غلمة بالضم، واغتلم إذا هاج من شهوة النكاح.
(1) أخرجه البخاري (222)، ومسلم (273) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
منها انبثقت السفينة أي: انخرقت، يقال: بثق السيل موضع كذا بباء موحدة وثاء مثلثة مفتوحتين بعدهما قاف، يبثق بالضم، بثقًا بالفتح والكسر أي: خرقه، وشقه فانبثق أي انشق.
قوله: الثانية: إذا صاح على صبي غير مميز على طرف سطح أو بئر أو نهر فارتعد وسقط منه ومات وجب ضمانه.
وهل عليه القصاص؟ فيه وجهان، ويقال: قولان: أصحهما: المنع. انتهى كلامه.
وهذا الذي رجحه من كون الخلاف وجهين ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وخالف في "المحرر" فجزم بأنه قولان فقال: وأصح القولين أنه لا يجب القصاص. هذا لفظه. ووقع هذا الاختلاف أيضًا بين "الروضة" و"المنهاج".
قوله: والدية الواجبة في هذه الحالة تكون معطلة على العاقلة، وقياس من يوجب القصاص أن تكون معطلة على الجاني. انتهى.
وما ذكره بحثًا واقتضي كلامه عدم الوقوف عليه وتابعه عليه في "الروضة" قد صرح به البندنيجي ونقله عنه ابن الرفعة.
قوله: إحداها: إذا وضع صبيًا لا يقدر على الانتقال في مسبعة فافترسه سبع لم يجب ضمانه في أصح الوجهين.
ثم قال: وفي تقييد الغزالي بالصبي هاهنا وفي الغصب ما يفهم أنه لو كان الموضوع بالغًا لم يجب الضمان بلا محالة والخلاف مخصوص بالصبي، وذكروا في القصاص نحوًا من هذا، ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالكبر والصغر. انتهى كلامه.
واعلم أن الشيخ في "المهذب" قد جزم فيما إذا ألقى حرًا مشدودًا في مسبعة فقتله السبع أنه يكون عمدًا، وهذا هو عين ما ذكره الرافعي بحثًا،
بل هو أبلغ لكون الشيخ قد جعله عمدًا، وقد ادعي النووي في "الروضة" نفي الخلاف ذاهلًا عما قاله الشيخ فقال: فإن كان الموضوع بالغًا فلا ضمان قطعًا.
ثم قال: ويشبه أن يناط الحكم بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر.
قوله: والخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات أن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع، وبينا أن الأكثرين قالوا نعم، وجوزوا [للمقطع] أن يبني فيه ويتملكه. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من أنه قد سبق في إحياء الموات عن الأكثرين أنه يجوز للإمام إقطاع التمليك في الشوارع غلط على العكس مما سبق هناك، وقد تقدم إيضاحه فيه فراجعه.
قوله: وإن انقلع خشب الميزاب والروشن من أصله فأتلف شيئًا فوجهان أو قولان: أشهرهما وجوب النصف، والثاني تقسيط الخارج.
وإذا قلنا بالثاني، فقال الغزالي وجماعة إن التوزيع يكون باعتبار الوزن، وفي "التتمة" وغيرها اعتبار المساحة. انتهى.
والأصح اعتبار الوزن؛ كذا صححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من "زياداته" بل أدخله في كلام الرافعي؛ فتفطن له فإنه غريب.
قوله: فرعان: الأول: أسند خشبة إلى جدار لغيره فسقط الجدار على شيء فأتلفه فعليه ضمان الجدار وما سقط عليه سواء سقط عقب الإسناد أم لا، وإن كان الجدار له أو لغيره وقد أذن لم يجب ضمان الجدار، وفي ضمان ما يسقط عليه وجهان عن صاحب "التلخيص" [أحدهما] وبه قال أبو زيد: أنه إن سقط في الحال ضمن وإلا فلا، وعن القفال أنه لا يضمن في الحالتين. انتهى ملخصًا.
لم يذكر رحمه الله حكم ما يتلف بالخشبة وقد ذكره في آخر باب
الغصب فقال: إن وقعت في الحال ضمن وإلا فلا.
قال: وسواء كان الجدار له أم لا. ويظهر لك من هذا التفصيل المذكور هناك تصحيحه أيضًا في المسألة المختلف هاهنا فإنها شبهها.
قوله: ولو حفر بئرًا قريبة العمق فعمقها غيره تعلق الضمان بها في أظهر الوجهين؛ وعلى هذا فهل يتنصف أم يوزع على الأذرع؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو على. انتهى.
لم يرجح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا وقال في "الروضة" من "زوائده": أصحهما التنصيف.
قوله: ولو حفر بئرًا متعديًا ثم طمها فأخرج غيره ما طمت به فهل يتعلق ضمان التالف فيها بالأول لأنه المبتدئ أم بالثاني لانقطاع أمر الأول بالطم؟ وجهان. انتهى.
والصحيح تعلقه بالثاني. كذا صححه في "الروضة" من "زوائده".
قوله: وإذا وقع في البئر واحد ثم وقع عليه آخر فماتا فأطلق مطلقون أنه تجب دية الأول على الثاني، وقال آخرون: إنما على الثاني نصف الدية لأن الأول مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه، ويكون النصف الآخر على الحافر إن كان الحفر عدوانًا، وهذا أصح عند المتولي وغيره. انتهى ملخصًا.
واعلم أن الرافعي قد ذكر بعد هذا في الكلام على ألفاظ الوجيز أن الذى نوجبه على الثاني وهو النصف أو الكل يكون قراره على عاقلة الحافر، وقيل: هم المطالبون ابتداء، ولا تطالب به عاقلة الواقع في البئر وجعل مستند الخلاف أن الحفر ألجأه إليه فصار كالإكراه على إتلاف المال وحينئذ فيجئ الخلاف في أن الآمر هل يطالب وحده أم يطالب أيضًا المتلف ويرجع به على الآمر؟ ، وذكر أيضًا نحوه في "الشرح الصغير" وتبعه عليه
صاحب "الحاوي الصغير"، وحذف النووي هذه المسألة من "الروضة"، والعجب من حذفه لها.
قوله: وإن تردى في البئر فجرف ثانيًا والثاني ثالثًا وماتوا ففي الأول وجوه أظهرها: أنه مات بثلاثة أسباب: صدمة البئر وثقل الثاني والثالث فهدر ما يخص ثقل الثاني وهو الثلث لحصوله بفعله.
والوجه الثاني: أن صدمة البئر لا أثر لها وموته بسببين، فتهدر نصف دية نجدية الثاني ويجب نصفها على عاقلة الثاني نجدية الثالث فإنه مات بثقلها.
وأعرض ابن الحداد عن نقل الثالث وقال إنه مات بالوقوع في البئر وبجرفه الثاني فتهدر نصف ديته ونصفها على عاقلة الحافر.
ثم قال: ولو كانت الصورة بحالها وجرف الثالث رابعًا ففيه وجوه: منها أنه لا يجب للأول شيء لأنه باشر قتل نفسه بحد الثاني وما تولد من جرفه.
ثم قال: وقضية هذا الوجه أنه لا يجب للأول في صورة الثلاثة شيء أصلًا وإن لم يذكروه هناك. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم ذكر هذا الوجه في الثلاثة تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو غريب جدًا فقد ذكره الإمام في "النهاية" وكذلك الغزالي في "البسيط" وتبعهما صاحب "الذخائر".
قوله: فرع: لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فجاء رجل ووضع فيها عدلًا آخر تعديا فغرقت فهل يضمن الأعدال التسعة؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم لأن الهلاك ترتب على فعله.
والثاني: لا يضمن كل الضمان لأن الغرق حصل بثقل الجميع لا بما فعله، والوجهان على ما حكى الإمام وغيره مبنيان على ما إذا رمى إلى
صيد فأبطل بعض امتناعه ولم يرمه ثم رمى إليه آخر فأزمنه ولولا رمى الأول لما كان الثاني مزمنا فلمن الصيد؟ فيه وجهان؛ قال الإمام: الأقيس الأصح أنه لهما. انتهى.
والأصح عند الجمهور أنه للثاني على خلاف ما نقله عن الإمام وسكت عليه؛ كذا صرح به الرافعي في أواخر باب الصيد وتبعه عليه في "الروضة" وقد اغتر النووي بسكوت الرافعي على الترجيح المذكور في هذا الباب نقلا عن الإمام فأطلقه فقال: الأصح أنه لهما فوقع في صريح التناقض فتفطن له واجتنبه.
وقد علم من ذلك أن الصحيح في مسألة السفينة وجوب ضمان التسعة كلها على الثاني.
قوله: الخامس: إذا كان في الإلقاء تخليص الملتمس وغيره بأن التمس بعض الركاب من بعض فيجب الضمان على الملتمس لأن له غرضًا في تخليصه وتخليص غيره.
قال الإمام: ويجئ الوجهان في أنه هل تسقط حصة المالك؟ ويجيئان أيضًا فيما إذا كان الملتمس خارج السفينة وملقي المتاع من الركبان. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره في آخر كلامه حيث قال ويجيئان .. إلى آخره. غريب؛ فقد تقدم التصريح بهما قبل هذا بنحو سطرين في القسم الرابع، وأشد من ذلك أن الوجهين المشار إليهما هنا هما المذكوران في القسم الرابع فكأنه قال: إن الوجهين في القسم الرابع يأتيان فيه -أي في القسم الرابع- أيضًا، وهو كلام غير مقيد؛ ولأجل هذا المعنى حذفهما من "الروضة" فتفطن لذلك.
الأمر الثاني: أن الإمام فرضهما فيما إذا كانا معا فيها وكان معهما غيرهما، ولم يصرح الرافعي باجتماع الثلاثة.
واعلم أن الأقسام في هذه المسألة سبعة: أحدها: أن يختص النفع بصاحب المتاع.
والثاني: بالمستدعي.
والثالث: بهما.
والرابع: بغيرهما.
والخامس: بصاحب المتاع وأجنبي.
والسادس: بالملتمس وأجنبي.
والسابع: أن يعم الثلاث.
وأهمل الرافعي قسمين:
أحدهما: الثالث ومقتضى المنقول فيه وجهان: أحدهما: يضمن جميع المتاع. والثاني: نصفه وكلام الإمام يدل عليه.
والثاني: مما أهمله: السادس، ومقتضى المنقول [وجوب الجميع ولم يصرح بالسابع لكن يمكن دخوله في كلامه. وقضية المنقول](1) أن يضمن جميعه في وجه، وثلثيه في آخر.
قوله: وحكى الإمام أن المتاع الملقي لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو لفظه البحر على الساحل وظفرنا به فهو لمالكه، ويسترد الضامن المبذول. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: [أن هذا الذى نقله عن الإمام قد حكى الماوردي فيه وجهين أحدهما](2) هذا، والثاني: أن الآمر يملكه قبيل الإلقاء. ذكر ذلك في
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
الكلام على ما إذا أمر غيره بأن يعتق عنه عبده على كفارة اليمين.
الثاني: أن مقدار النقصان بالغرق لا يسترده الضامن بلا شك.
قوله: ولو قال الملتمس: ألق متاعك وأنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق فكلام الوجيز يشعر بحمل كل واحد على الانفراد بالضمان؛ فإنه قال: ولو قال الملتمس: ألق وأنا وركبان السفينة ضامنون، ثم قال: أردت التوزيع صدق بيمينه ولزمه حصته فأشعر بأنه لا ينصرف عنه إلا بدعوى الإرادة، وصرح في "النهاية" بخلافه فقال بأنه لا يحمل عند الإطلاق على الانفراد. انتهى.
وهذا الذي قاله الإمام قد صرح به الغزالي في "البسيط" فقال: لو قال أنا وركبان السفينة ضامنون فهذا ظاهر في التقسيط، ويحتمل التعميم إن اعترف به وإذا زعم أنه أراد التقسيط قبل والقول قوله مع يمينه.
هذا كلامه. وهو صريح في موافقة الإمام، وكلام "الوجيز" يقتضيه إلا أنه أوجز العبارة في "الوجيز" وبسطها في "البسيط".
قوله: وإن قصدوا بالمنجنيق شخصًا أو جماعة بأعيانهم فالذي أورده العراقيون أنه شبه عمد إذا أصاب الحجر من قصده، لأنه لا يمكن أن يقصد بالحجر شخص معين أو جماعة معينون فتجب الدية على عاقلتهم مغلظة.
وقال آخرون: إن كان الغالب أنه يصيب من قصد فهو عمد يتعلق به القصاص، وهذا ما أورده الصيدلاني والإمام والمتولي وصاحب "الكتاب"، ورجحه صاحب "التهذيب" والروياني وأقاما الكلام وجهين، ويشبه أن يقال: الخلاف راجع إلى أنه هل يتصور تحقيق هذا القصد في المنجنيق. انتهى كلامه.
والراجح أنه عمد يتعلق به القصاص؛ فقد قال الرافعي في "المحرر"
و"الشرح الصغير" إنه الأظهر، ونقل النووي تصحيح "المحرر" وسكت عليه.
قوله في المسألة: وإن قصدوا واحدًا أو جماعة والغالب أنه لا يصيب من قصده فهو شبه عمد، والعلم بأنه يصيب واحدًا منهم لا بعينه أو جماعة من القوم لا بأعيانهم لا يحقق العمدية ولا يوجب القصاص لأن العمدية تعمد قصد عين الشخص؛ ولهذا لو قال: اقتل أحد هؤلاء وإلا قتلتك؛ فقتل أحدهم، لا يجب القصاص على المكره لأنه لم يقصد عين أحدهم. انتهى كلامه.
وما جزم به من اشتراط قصد عين لشخص في العمدية الموجبة للقصاص قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا هنا وفي أوائل الجنايات في الكلام على تقديم الطعام المسموم، ورجح من "زوائده" في باب العفو عن القصاص خلافه، وقد تقدم ذكر لفظه هناك فراجعه.
قوله في "الروضة": وفي "صحيح مسلم"(1): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا".
قال العلماء: الاستغسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ثم يصب على المعين. انتهى.
استغسلتم: بضم التاء على البناء للمفعول؛ أي: طلب منكم الغسل.
وداخلة: بتاء التأنيث في آخره على وزن ضاربة.
(1) حديث (2188) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.