الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النفقات
وأسبابها ثلاثة: النكاح، والقرابة، والملك.
السبب الأول: النكاح:
وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في قدر النفقة وكيفيتها
قوله: لوجوب النفقة أسباب ثلاثة: ملك النكاح، وملك اليمين، وقرابة البعضية. فالأول والثاني يوجبان النفقة [للمملوك] على المالك دون العكس، والثالث يوجبها لكل من القريبين على الآخر. انتهى.
وهذا الحصر يرد عليه أمور:
منها: إذا نذر هديًا أو أضحية تجب نفقتها عليه مع انتقال الملك إلى الفقراء. ومنها نصيب الفقراء من الماشية بعد الحول وقبل إمكان الإخراج تجب نفقته على المالك على ما يقتضيه كلامهم. ولا يحضرني الآن نقله.
ومنها نفقة خادم الزوجة، على ما بينوه بعد ذلك؛ فإن الأسباب الثلاثة منتفية عنه مع وجوب نفقته.
وكذلك استعارة الحيوان؛ فإنها توجب نفقته علي المستعير كما قاله القاضي حسين، وقال الماوردي في "الإقناع" والعمراني في "البيان": تجب علي المالك وهو القياس، وبه جزم ابن الرفعة في "الكفاية" في الكلام علي نفقة خادم المرأة.
قوله: واستخرج الأصحاب من خبر هند -وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "خذي
من النفقة ما يكفيك ويكفي ولدك" (1) فوائد منها: أنه يجوز للقاضي أن يقضى بعلمه على الغائب.
وأجيب عنهما بأنه أفتى ولم يقض. انتهى كلامه.
وما ذكره هاهنا من أنه أفتى أو حكم على غائب ذكره في ثلاثة مواضع من كتابه: أولها ما ذكرناه، وثانيها: في باب نفقة الأقارب، وثالثها: في أول القضاء على الغائب، واختلف فيها كلامه؛ فرجح في الموضع الثاني أنه إفتاء وبه يشعر كلامه هنا، وجزم في الثالث بأنه حكم علي غائب، وسوف أذكر لفظ كل موضع في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: وفي قدر الواجب ثلاثة أقوال: أصحها أنه يجب على الموسر مدان؛ لأنه أكثر ما وجب للمحتاج الواحد؛ وذلك في كفارة الحلق ونحوه.
وعلى المعسر مد؛ لأنه أقل ما وجب؛ وذلك في كفارة الجماع في رمضان ونحوه؛ لأنه يكتفي به الزهيد ويتبلغ به الرغيب.
وعلى المتوسط نصف هذا ونصف هذا؛ وهو مد ونصف.
والثاني: أنها معتبرة بالكفاية كما في نفقة القريب.
والثالث: عن رواية صاحب "التقريب" أن الاعتماد فيها على فرض القاضي، وعليه أن يجتهد ويقدر، وقيل: المعتبر عرف الناس في البلد. انتهى ملخصًا.
وما نقله عن صاحب "التقريب" من عدم التقدير مطلقًا غلط فإن أصل معرض حكايته عنه هو الإمام في "النهاية" فقال ما نصه: حكى صاحب "التقريب" والشيخ أبو عليّ في نفقة التوسط والزيادة على المد في نفقة الخادمة في حق الموسر أنه لا تقدير في الزيادة وإنما النظر إلى اجتهاد القاضي
(1) أخرجه البخاري (5049) من حديث عائشة رضي الله عنها.
هذه عبارته.
وحاصله أنه إنما يرجع إلى اجتهاد القاضي في نفقة المتوسط خاصة؛ فظاهره أيضًا أنه لا يرجع إليه في [المد، بل في](1) الزيادة عليه.
ثم إن الغزالي في "الوسيط" نقل كلام الإمام بعبارة موهمة فقال: ونقل صاحب "التقريب" قولًا أن الزيادة على المد لا مرد لها، وهو إلى فرض القاضي.
هذا لفظه، وهو موافق لنقل الإمام في أنه لا مدخل لاجتهاد القاضي في نفقة المعسر ولا في المد بالنسبة إلي الموسر والمتوسط لكنه مخالفة له في أنه يرجع فيما زاد علي المد في حقهما معا.
ثم إن الرافعي نقل كلام "الوسيط" علي أزيد مما فيه من الخلل فانتهى إلي ما قد علمت.
وقد تقدم الكلام علي الزهيد في الشركة وغيرها.
قوله: وفيما يضبط به اليسار والإعسار والتوسط أوجه.
ثم قال: والرابع -وهو أحسنها، وهو الذي ذكره الإمام والغزالي- أن من لا يملك شيئًا يخرجه عن استحقاق سهم المساكين فهو معسر، ومن يملكه ولا يتأثر بتكليف المدين موسر، والذي يملكه ويتأثر بتكليف المدين ويرجع إلي حد المسكنة متوسط.
ولابد في ذلك من النظر إلى الرخص والغلاء. انتهى.
وهذا الذي نقله عن الإمام ليس وافيًا بما قاله؛ فإن في كلامه زيادات شارحة لما ذكره الرافعي ومقيدة له؛ فإنه قال -أعني الإمام-: المعسر هو الذي يستحق سهم المساكين، ولذلك من لا يستحق سهم المساكين لقدرته على الكسب ولا يملك مال فهو معسر أيضًا وإن كان يحصل له من كسبه
(1) سقط من أ.
أضعاف ما يحتاج إليه، والمتوسط هو الذي يملك من المال ما يخرجه عن استحقاق سهم المساكين لكنه لو كلف مدين لأوشك أن ينحط للإعسار، والموسر هو الذي يملك من المال ما يخرجه عن استحقاق سهم المساكين ولو كلف المدين لم ينحط بذلك إلى المتوسط فضلًا عن الإعسار هذا كلامه.
إذا علمت ذلك فقول الرافعي في الموسر (ولا يتأثر بتكليف المدين)، لم يبين المراد بالتأثر صريحًا، وقد فسره الإمام بأنه لا ينحط بذلك إلى التوسط فضلًا عن الإعسار، وأيضًا لم يبين حقيقة المعسر علي التمام؛ بل كلامه يوهم أن من خرج عن استحقاق سهم المساكين لا يكون معسرًا، وقد بينه الإمام كما تقدم.
وأيضًا فإنه قال في المتوسط: بل يرجع إلى حد المسكنة، وليس ذلك شرطًا عند الإمام؛ بل الشرط عنده أن يرجع بذلك إلى حد الإعسار، وهو أعم من حد المسكنة؛ فإن كل مسكين معسر وليس كل معسر مسكينا؛ فإن من خرج عن استحقاق سهم المساكين بالكسب الواسع معسر عند الإمام وليس مسكينًا كما صرح هو به -أعني: الإمام-.
قوله: وفي من بعضه حر وبعضه رقيق وجهان: أصحهما: أنه ليست عليه إلا نفقة المعسرين؛ لنقصان حاله وإن كثر ماله ببعضه الحر.
والثاني: نفقة الموسر. انتهى.
تابعه في "الروضة" علي إلحاقه بالمعسرين، لكنهما في الكفارات ألحقاه بالموسرين وأوجبوا عليه التكفير بما عدا العتق من المال كما أوضحوه في كتاب الظهار وكتاب الأيمان، وذكرا في نفقة الأقارب نحوه أيضًا؛ فإنهما نقلا عن "البسيط" أن الظاهر وجوبها عليه، وأقراه كما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالي.
قوله: وليس من المعاشرة بالمعروف تكليفها الصبر علي الخبز
البحت. انتهى.
البحت: بباء موحدة مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم تاء بنقطتين: هو الصرف الخالص، والمراد به هاهنا: الخالي من الأدم.
قوله: ولا يجوز أن يكون الخادم إلا امرأة أو صبيًا أو محرمًا لها.
وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف، وفي الذمية وجهان؛ لأن النفس تعاف استخدامها. انتهى.
تابعه في "الروضة" عليه وفيه أمور تعرف مما سبق في أوائل النكاح في الكلام علي النظر.
الأول: أن هذا الحصر يرد عليه الممسوخ -وهو مقطوع الذكر والأنثيين معًا-؛ فإن الأصح أن نظره كنظر المحارم، بخلاف مقطوع أحدهما.
الثاني: أن الصبي المراهق حكمه حكم البالغ علي الأصح؛ فلابد من استثنائه.
الثالث: أن المرجح في مملوكها الجواز، بخلاف الشيخ الهم والذمية.
الأمر الرابع: أن تعليل المنع في الذمية بأن النفس تعاف استخدامها تعليل مناف لتصوير المسألة فإنه ينتظم في عدم الجواز، وهذا التعليل إنما يصلح لعدم إجبار المرأة عليه، ولا شك أنهما خلافان:
أحدهما: ما ذكره الرافعي هنا أعني الخلاف في الجواز وهو الخلاف المذكور في النكاح في جواز نظر الذمية إلى المسلمة لكون الخدمة لا تنفك عن النظر؛ ولأجل ذلك أجروا الخلاف في عبدها والشيخ الهرم لما ذكرناه من ملازمة الخدمة للنظر، والأصح من ذلك الخلاف هو التحريم.
وأما الخلاف الثاني فهو إجبار المرأة عليه، إذا قلنا بجوازه وفيه وجهان حكاهما صاحب البيان ولم يذكر الخلاف في الجواز بالكلية وعلل عدم
الإجبار بما ذكره الرافعي وهو عفافة النفس، وعبر باللفظ الذي ذكره فاختلط علي الرافعي الخلاف الأول بالخلاف الثاني؛ فأخذ تعليل الثاني وعلل به الأول، أو سقط الخلاف الثاني من نسخ الرافعي وبقي تعليله فقط.
قوله: الثالثة: لو قالت: أنا أخدم نفسي، وطلبت الأجرة أو نفقة الخادمة لم يلزمه ذلك؛ لأنها أسقطت مرتبتها وله أن لا يرضى بذلك لأنها تصير مبتذلة، وأشار في "البسيط" و"الوسيط" إلى خلاف فيه. انتهى كلامه.
واعلم أن كلام الإمام في "النهاية" يقتضي أنه لم يقف في المسألة على نقل؛ فإنه قال: ولو قالت له: أنا أخدم نفسى فسلم إليّ نفقة الخادم فلست أري لها ذلك فإنها أسقطت مرتبة نفسها، وذكر الغزالي في "البسيط" نحوه فقال: فيه: نظر، والظاهر أنه لا يجب.
هذا لفظه.
ثم اختصر في "الوسيط" فعبر بقوله: فالظاهر أنه لا يلزمه، ولم يزد عليه.
وإذا نظرت إلى جميع ما ذكرناه قطعت بأن الغزالي لم يقصد إثبات خلاف في المسألة على خلاف ما فهمه الرافعي، وتبعه عليه في "الروضة".
قوله: وهاهنا كلامان: أحدهما ذكره أبو الفرج الزاز أن الذي يجب على الزوج كفايته في حق المخدومة الشريفة الطبخ والغسل ونحوهما دون حمل الماء إليها للشرب وحمله إلى المستحم؛ لأن الترفع عن ذلك رعونة لا عبرة بها.
والثاني: قال البغوى يعني بالخدمة: ما هو حاجتها كحمل الماء إلى المستحم وصبه علي يدها وغسل خرق الحيض ونحوها، فأما الطبخ والكنس والغسل فلا يجب شيء منها على المرأة ولا على خادمها بل هو
على الزوج إن شاء فعله بنفسه وإن شاء بغيره.
فالكلامان متفقان علي أنه لا يتوظف النوعان على خادم المرأة والاعتماد من الكلام على ما ذكره البغوي. انتهى.
قال في "الروضة" الذي أثبته الزاز من الطبخ والغسل ونحوهما هو في ما يختص بالمخدومة، والذي نفاه البغوي منهما هو فيما يختص بالزوج كغسل ثيابه والطبخ لأكله ونحوه.
والطرفان متفق عليهما؛ فلا خلاف بين الجميع في ذلك، والله أعلم.
قوله: فإن جرت عادة أهل البلد بالكتان أو الخز أو الحرير فوجهان:
أحدهما: لا يلزم ذلك، بل له الاقتصار على القطن.
وأصحهما اللزوم على عادة البلد وتفاوت بين الموسر والمعسر في مراتب ذلك الجنس. انتهى كلامه.
وما ذكره من إطلاق عادة البلد تبعه عليه في "الروضة"، وقيده في "المحرر" بما إذا جرت لمثله فقال: فإن جرت عادة البلد بالكتان والحرير لمثله فأظهر [الوجهين] لزومه، هذا لفظه.
وذكر في "المنهاج" مثله أيضًا.
قوله: ففي الشتاء على الموسر نهارًا طنفسة، وعلى المتوسط زلية، ولليل مصرية وثيرة أو قطيفة ولحاف، وأوجب الغزالي مع ذلك الشعار.
ثم قال: الأكثرون سكتوا عنه، ويمكن تخصيص الشعار بالصيف كما يخصص اللحاف بالشتاء، ويمكن أن يقال في الشتاء يجب الشعار مع اللحاف ويجب القميص مع الجبة، والحكم في جميع ذلك مبني على العادة. انتهى كلامه.
وما ذكره بحثا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه قد نص عليه الشافعي
في "الأم" وأجاب بالاحتمال الأول وصرح به أيضًا بعض الأصحاب. كذا نقله في المطلب.
واعلم أن الطنفسة بساط صغير ثخين له وبرة كثيرة.
والزلية: بكسر الزاي وتشديد اللام شيء مضروب صغير.
والوثيرة: بالثاء المثلثة هي الوطيئة من كثرة حشوها، وكذلك الوثر بالكسر، والوثار، وامرأة وثيرة كثيرة اللحم، ووثر الشيء بالضم وثارة فهو أوثر أي: أوطأ وألين.
والشعار بالكسر هو الثوب الذي يلي الجسد؛ سمي بذلك لأنه يلاصق الشعر.
واعلم أن إطلاق الشعار علي الملحفة صحيح لمن ينام عاريًا علي عادة العرب.
قوله: وأنه لا اختصاص لهذا النوع [بفضل](1) الكسوة، والأولي أن يجعل ذنان للطعام .. إلى آخره.
الذنان: بضم الذال المعجمة، سبق الكلام عليه في آخر الفلس.
قوله: وأما ما يفرش وينام عليه -يعني الخادم- فقد قال المتولي: لابد من شيء يجلس عليه كبارية في الصيف وقطيفة لبد في الشتاء، ولابد من مخدة وشيء يتغطي به بالليل من كساء ونحوه.
قال في "البحر" ولا يجب لها الفراش بل يكتفي بالوسادة والكسي. انتهى.
[البارية] بتشديد الياء ويجوز تخفيفها في لغة وهي نوع من أنواع الحصير، وسبق في الوقف إيضاحه.
(1) في جـ: بقصد.
قوله: وقياس مسائل الباب أن تجب الزيادة على الجبة الواحدة حيث يشتد البرد ولا تكفي الواحدة. انتهى.
وما ذكره بحثا واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه وتابعه عليه في "الروضة" قد صرح به الخوارزمي في "الكافي".
قوله: ويجب من الدهن ما يعتاد استعماله غالبًا كالزيت والسيرج وغيرهما، وإذا كانوا يعتادون المطيب بالورد والبنفسج وجب المطيب. انتهى كلامه.
المطيب في الموضعين بالميم؛ أي: إذا اعتادوا الدهن المطيب وجب علي الزوج إعطاؤه.
ووقع في "الروضة": التطيب، بالتاء مصدرًا وهو غير مستقيم.
قوله: ولا يجب إلا ما يقصد به قطع السهوكة. انتهى.
والسهوكة: بسين مهملة مضمومة وبالكاف؛ قال الجوهري: السهك بفتح الهاء: ريح السمك وصدأ الحديد؛ يقال: يدي من السمك ومن صدأ الحديد سهكة؛ كما يقال: يدي من اللبن والزبد وصرة، ومن اللحم عمرة. هذا كلامه.
فكأنهم توسعوا فيه فأطلقوه على الرائحة الكريهة أو على التغيير مطلقًا. وقد ذكر في الزهومة نحو هذا فقال: الزهمة نحو هذا فقال: الزهمة بضم الزاي وإسكان الهاء هي الريح المنتنة؛ تقول: زهمت يدي بالكسر زهمًا بالفتح فهي زهمة.
قوله في أصل "الروضة" فرع: إذا احتاجت إلى شراء الماء للغسل إن كانت تغتسل من الاحتلام لم يلزم الزوج قطعًا. وكذا إن اغتسلت عن الحيض على الأصح. انتهى كلامه.
والذي ادعاه من القطع بعدم الوجوب ليس كذلك؛ فقد حكى هو في "المنهاج" فيه وجهين فقال: والأصح وجوب أجرة حمام بحسب العادة، وعن ماء غسل جماع ونفاس لا حيض واحتلام في الأصح.
هذا لفظه، وهو غريب جدًا حيث نفي الخلاف في الكتاب المبسوط وأثبته في "المختصر".
وأغرب من ذلك كونه جعله عمومًا؛ فإنه عبر بالأصح، وقد اصطلح علي أن هذه الصيغة للخلاف القوي، والرافعي رحمه الله سالم من ذلك؛ فإنه لما جزم في الشرحين بعدم الوجوب لم ينف الخلاف، فغايته أنه حكي في "المحرر" خلافًا لم يحكه في الشرحين.
واعلم أن هذا الوجه الغريب مستنده صحيح؛ فقد رأيته مجزومًا به في "فتاوي القفال" فقال: مسألة: إذا احتلمت المرأة فثمن الماء علي الزوج؛ لأنه لحاجتها بخلاف ما لو زنت أو وطئت بالشبهة.
هذه عبارته من غير زيادة عليها.
وحكاه أيضًا صاحب "البحر" في باب الغسل؛ فإنه حكي في الجنابة والحيض والنفاس طريقين حاصلهما ثلاثة أوجه:
أحدها: علي الزوج في الجميع.
وثانيها: علي المرأة.
وثالثها: يجب عليها من الحيض والنفاس لأن التسليم واجب عليها فلزمها ثبوته بخلاف الجنابة. وهو تعليل قوي.
ويستفاد من كلام "الروضة" الذي ذكرناه من كلامه عقب هذا الذي سنذكره أيضًا.
وجهًا رابعًا: أنه إن كان سببه كالجماع] (1) والنفاس لزمه، وإن لم يكن بسببه كالحيض والاحتلام فلا.
(1) نهاية سقط من جـ بمقدار ورقة.
وخامسها: أنها إن اغتسلت من الاحتلام لم يجب، وإلا فيجب.
وسادسها: أنه يجب في الاحتلام والحيض دون الجماع والنفاس.
قوله: وإن اغتسلت عن الجماع أو النفاس لزمه علي الأصح لأنه بسببه، وينظر علي هذا القياس في ماء الوضوء إلي أن السبب منه كاللمس أم لا. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة". وهذا التعليل المذكور للجماع والنفاس يقتضي تخصيص المسألة بوطء الزوج وقد تقدم التصريح به من جملة ما نقلناه عن "فتاوى القفال" في المسألة السابقة.
نعم. هل يجب على الواطئ؟ يتجه أن يقال: إن مكنت المرأة مختارة لم يجب عليه لرضاها بذلك وإلا وجب، ويحتمل ألا يجب وإن كانت غير مختارة؛ لأنها أخذت المهر في مقابلة هذا الوطء، ويحتمل عدم الوجوب في النفاس من الزنا؛ لأن الولد ليس منسوبا إليه بخلاف الواطئ بالشبهة.
وقد ذكر الرافعي في الرهن هذا التفصيل في ضمان الأجنبية إذا حملت منه وماتت من الطلق.
قوله: ولو كانت تأكل معه على العادة وهي بالغة أو صغيرة بإذن وليها ففي سقوط نفقتها وجهان: أقيسهما: لا تسقط، وأحسنهما -كما قال الغزالي- أنها تسقط .. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أنه لم يصرح بتصحيح في "الشرح الصغير" أيضًا بل ذكر أن الأول أقيس والثاني أحسن من غير إعزائه إلي الغزالي، والراجح هو السقوط؛ فقد قال في "المحرر" إنه أولى الوجهين وصححه النووي في "الروضة" و"المنهاج" و"التصحيح"؛ قال: وعليه جرى الناس في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده من غير نزاع ولا إنكار، ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده، ولو كانت لا تسقط مع علم النبي صلى الله عليه وسلم بإطباقهم عليه لأعلمهم بذلك ولقضاه من تركة من مات ولم يؤقته، وهذا مما لا شك فيه.
الأمر الثاني: أن تصوير المسألة بالأكل معه علي العادة يشعر بأنها إذا أتلفت ذلك المقدار أو أعطته لغيرها أن النفقة لا تسقط، وبأنها إذا أكلت معه دون الكفاية لا تسقط، وبه صرح في "النهاية".
وعلي هذا فهل لها المطالبة بالجميع أو بالتفاوت؟ فيه نظر.
الأمر الثالث: أن التعبير بالبالغة تعبير ناقص؛ فإنها قد تكون سفيهة أو مجنونة وحينئذ فتكون كالصغيرة؛ فالصواب التعبير بالرشيدة.
قال الإمام: وإذا قلنا بالسقوط فكأن نفقتها مترددة بين الكفاية إن أرادت وبين التملك علي قياس الأعواض إن طلبت. قال: وهذا حسن غامض.
قوله: ولو تراضيا باعتياضها عن النفقة دراهم أو دنانير أو ثيابًا ونحوها جاز على الأصح لأنه مستقر في الذمة كمعين.
والثاني: لا؛ لأنه طعام يثبت في الذمة عوضًا فصار كالمسلم فيه، وأيضًا فهو بيع طعام في الذمة فأشبه بيع طعام الكفارة.
ولو اعتاضت خبزًا أو دقيقًا أو سويقًا فالأكثرون علي المنع؛ لما سبق، ولأنه ربا. انتهى.
والتعليل بكونه ربا قد اقتصر عليه في "الروضة"؛ وحينئذ فيتعين تصوير المسألة بما إذا كان العوض من جنس المعوض كما إذا اعتاض عن الحنطة مثلًا بدقيقها أو خبزها أو سويقها، وكذا في الشعير ونحوه.
فإن اعتاضت عن الحنطة دقيق الشعير ونحوه جاز لأن بيعه به جائز؛ إذ المحذور -وهو التفاضل- جائز هنا لاختلاف الجنس.
والتعليل الأول الذي حذفه في "الروضة" وإن كان يقتضي المنع فإنه تعليل ضعيف؛ بدليل وجوده في الدراهم مع أن الصحيح فيها الجواز.
قوله: والنفقة تستحق يومًا فيومًا، ولها المطالبة بها إذا طلع الفجر، وقال في المهذب: إذا طلعت الشمس. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" فيه أمران:
أحدهما: أن ما صححه من الإيجاب بطلوع الفجر قد ناقضه في الباب الأول من كتاب الضمان فجزم بطلوع الشمس، وقد تقدم ذكر لفظه هناك، والمعروف هو المذكور في هذا الباب.
لا جرم أن النووي في "الروضة" هناك قد عبر بالفجر فسلم من التناقض إلا أنه أدخله في كلام الرافعي ولم ينبه على أنه من زوائده.
الأمر الثاني: أن الإمام في "النهاية" قد نبه علي أمر مهم كلام الرافعي يوهم خلافه فقال في باب الرجل لا يجد نفقة: قدمنا أن للمرأة أن تطلب النفقة وقت طلوع الفجر، فإذا طلبت فقال الزوج: إذا أصبحنا حصلت النفقة، فسألت المرأة القاضي أن يوكل به من يدور معه فليس لها ذلك، ولا يجوز أن تعتقد فيه خلاف لأن شطر البرية -أي: الخلق- يصحون ويأخذون في التمحل إما من رؤوس الأموال وإما من الحرف والصنائع.
ثم قال: ومما يتعلق بتمام الكلام أن المرأة إذا كانت لا تملك إزهاق الزوج عند طلوع الفجر ولا تملك أن تستدعي التوكيل به فليس يتحقق الوجوب على التضييق.
ولست أشبه ذلك إلا بقولنا تجب الصلاة بأول الوقت وجوبًا موسعًا، والذي أراه أن الزوج إن قدر على إجابتها فهو حتم لا يجوز تأخيره وإن كان لا يحبس ولا يوكل به ولكنه يقتضي بمنعه وإن لم يكن في يده أو كان يلقي
عسرًا فله أن يتوسع على الاعتياد.
هذا كلام الإمام، وهو نفيس مهم. وذكر مثله الغزالي في "البسيط" بعبارة حسنة فقال: فإن قيل: ما معني قول الأصحاب: إن النفقة تجب بطلوع الفجر؟ .
قلنا: معناه: أنه يجب وجوبًا موسعًا كما في الصلاة، أو معناه أنه إن قدر وجب عليه التسليم وإن ترك عصي ربه، ولكن لا يحبس ولا يخاصم.
هذه عبارته.
وذكر الماوردي ما يوافقه فقال: والوقت الذي تستحق فيه نفقة يومها هو أول أوقات التصرف فيه، لأنها إن طالبته مع طلوع فجره خرجت عن العرف، وإن أخرها إلى غروب الشمس أضر بها.
قوله: ولو قبضت نفقة يوم ثم ماتت أو أبانها في أثناء النهار لم يكن له الاسترداد [وفي كتاب ابن كج: أن له ذلك، ولو نشزت في النهار فله الاسترداد](1). انتهى.
لم يبين القدر المسترد حيث أثبتناه هل هو الجميع أو البعض؟ ، ولا شك أن الرافعي قد ذكر بعد ذلك بدون ورقتين وجهين فيما لو نشزت بعض النهار: أحدهما: لا شيء لها، والثاني: تقسطه زمن الطاعة إلا أن تسلم ليلًا وتنشز نهارًا أو بالعكس فلها نصف النفقة، ولم يصرح بترجيح إلا أنه مال إلى أنها لا تستحق شيئًا.
ولا شك في جريانهما في النشوز وكذلك في الموت والإبانة علي القول بالاسترداد.
وظاهر كلام [المصنف] هو استرداد الجميع.
(1) سقط من أ.
وإذا علمت ذلك توجه على "الروضة" اعتراض ظاهر؛ فإنه ادعى عدم الخلاف في مسألة النشوز فقال: ولو نشزت في النهار فله الاسترداد قطعًا هذه عبارته.
والتقييد بالنهار لا معنى له لما ذكرته لك قريبًا.
قوله: وفي وجوب تمليك الكسوة وجهان: أحدهما -وبه قال ابن الحداد واختاره القفال وهو قضية نصه في "الإملاء"- أنه لا يجب كالمسكن.
وأصحهما -على ما ذكر صاحب "المهذب" و"التهذيب" والروياني وينسب إلى النص- أنه يجب كالنفقة. انتهى ملخصًا.
والصحيح وجوب التمليك؛ فقد قال الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير" والنووي في أصل "الروضة" إنه الأصح.
قوله: وهذا الخلاف طرده صاحب "التهذيب" في كل ما ينتفع به مع بقاء عينه كالفرش وظروف الطعام والمشط، وألحق صاحب "الكتاب" في البسيط الفرش والظروف بالمسكن وأخرجها عن حيز الخلاف. انتهى كلامه.
لم يصحح في "الصغير" أيضًا شيئًا من هاتين المقالتين، بل فيه وفي "الروضة" مثل ما هاهنا، والصحيح في "المحرر": أنه من باب التمليكات؛ فإنه قال: وما يدفع إليها وتنتفع به مع بقاء عينه كالكسوة يجب فيها التمليك أو الامتناع؟ فيه وجهان: أصحهما الأول. ثم قال: وفي معناه الفرش وظروف الطعام.
هذا لفظه، وتبعه عليه في "المنهاج"، وذكر في "الحاوي الصغير" عكسه.