الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
السبب الثاني للنفقة: القرابة
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول: في أصل النفقة
قوله في أصل "الروضة": وهل يكلف الكسب لنفقة القريب؟
فيه أوجه: الصحيح أنه يكلف، وثانيها: لا.
ثم قال ما نصه: والثالث: يكلف الولد دون الوالد. انتهى كلامه.
وقد اختلفت النسخ في التعبير عن الولد؛ ففي بعضها مجرور بلام؛ أي: يكلف الوالد ليكتسب لأجل ولده بخلاف العكس.
وفي بعضها وهو المتبادر إلى الفهم محذوف اللام مرفوع أي: يكلف الولد أن يكتسب لنفقة والده دون عكسه.
والأول هو الصواب الذي شاهدته بخط المصنف، وصرح به الرافعي نقلًا عن "التتمة" وفرق بأن نفقة الوالد سبيلها سبيل المواساة ولا يكلف أن يكتسب ليصير من أهل المواساة، وأما الولد فبسبب حصوله للاستمتاع فألحقت نفقته بالنفقة الواجبة للاستمتاع وهي نفقة الزوجة.
قوله: فإن كان القريب يقدر على كسب لائق فإن كان فرعًا فقيل لا تجب نفقته قطعًا، وقيل: قولان أصحهما عند الأصحاب عدم الوجوب.
قال في "العدة": لكن الفتوى اليوم على الوجوب وإن كان أصلًا ففيه القولان، ومال جماعة هنا إلى ترجيح الوجوب. انتهى ملخصًا.
فأما ما دَلّ عليه كلامه في الأصل من ترجيح الوجوب فَمُسَلّم، وحكى الرافعي في زكاة الفطر طريقة قاطعة به. وأما الذى قاله في الفرع من عدم الوجوب فقد صرح به أيضًا في "الشرح الصغير" ولم يذكر ترجيحًا غيره، ولكنه رجح الوجوب في "المحرر" فإنه جمع بينه وبين الأصل فقال ما نصه: وإلا فثلاثة أقوال أحسنها: الوجوب، والثالث: تجب نفقة الأصل
على الفرع دون العكس.
واستدرك النووي عليه في "المنهاج" وصحح التفصيل.
قوله: ولا تتقدر نفقة القريب لأنها تجب على سبيل المواساة لتزجية الوقت بل يعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته ويعطيه ما يستقل به ويتمكن معه من التردد والتصرف.
وعن ابن خيران: أنها تتقدر بقدر نفقة الزوجة ويجب له أيضًا الأدم والكسوة والسكنى، والإخدام. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن الغزالي قد صرح في "الوجيز" بأنه لا يجب إشباع القريب، ولم يصرح به الرافعي هنا، وفي أخذه من كلامه وقفة.
وحكى الرافعي في نفقة المملوك ثلاثة أوجه: أحدها هذا وكلامه يقتضي ترجيحه.
الثاني: يجب ما يكفي مثله غالبًا ولا تعتبر كفايته في نفسه.
والثالث: إن أثر فقد الزيادة في قوته وبدنه لزمت وإلا فلا.
ثم قال: وينبغي أن تجيء هذه الوجوه في نفقة القريب.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد حكى في باب نفقة الزوجات عن ابن خيران أن نفقة الزوجة ليست مقدرة بل المعتبر عرف الناس في البلد فينبغي استحضاره، وتأويل أحد النقلين عنه موهم.
الأمر الثالث: أنه يجب للقريب أجرة الطبيب وثمن الأدوية.
كذا صرح به الرافعي في كتاب قسم الصدقات.
وأما التزجية بزاي معجمة ثم جيم فمعناه التكفية قال الشاعر:
تزج من ديناك بالبلاغ
أي: اكتف.
والزهادة: قلة الأكل عكس الرغبة.
قوله: ولو سلم نفقة القريب إليه فتلفت في يده فعليه الإبدال، وكذا لو أتلفها بنفسه لكن يؤخذ منه الضمان إذا أيسر. انتهى.
ووجوب الضمان مختص بالمسألة الثانية فاعلمه فإنه وإن كان مشكلًا لكونه قبض العين لمحض غرض نفسه إلا أنه المنقول فقد صرح به هكذا البغوي في "التهذيب" والنووي في أصل "الروضة" وابن الرفعة في "الكفاية".
قوله: وتسقط نفقة القريب بمضي الزمان ولا تصير دينًا في الذمة وإن تعدى بالامتناع من الإنفاق.
ثم قال ما نصه: ويستثني ما إذا فرضها القاضي أو أذن في الاستقراض لغيبة أو امتناع فيصير ذلك دينًا في الذمة. انتهى كلامه بحروفه.
وما ذكره من أن نفقة القريب لا تسقط بمرور الزمان إذا فرضها القاضي ذكره الغزالي في "الوسيط" و"الوجيز" فتابعه الإمام الرافعي عليه، ثم إن الشيخ محيي الدين تبع الرافعي على ذلك، وهو لبعضه بعض الفضلاء.
أما بطلانه من جهة النقل فإني مردود فعلًا وبحثًا سبق إلى التفطن قد تتبعت كتب الأصحاب وكشفت ما عددته لك في مقدمة الكتاب من التصانيف على كثرتها مشهورها ومهجورها فلم أر أحدًا استثنى ذلك، بل الذى رأيته التصريح بأنها لا تستقر في هذه الحالة -أي: حالة الفرض- وممن صرح بذلك الإمام أبو العباس أحمد بن القاص والإمام أبو علي الطبري صاحب "الإفصاح"، وناهيك بهما. كذا نقله عنهما في "شرح المهذب" المسمى "بالاستقصاء" ورأيته أيضًا للمحاملي في كتابه المسمى "عدة المسافر وكفاية الحاضر" في الاستدلال على أبي حنيفة على أن نفقة الزوجات تسقط بمضي الزمان فقال: فإن قيل: كل نفقة تجب يومًا بيوم تسقط بمضي الأيام قياسًا على نفقة الأقارب.
قيل: نفقة الأقارب لو فرضها الحاكم لم تستقر في الذمة وهذه النفقة لو فرضها الحاكم استقرت في الذمة فافترقا.
هذا لفظه، ورأيته أيضًا في كتاب "الحيل" لأبي حاتم القزويني (1) شيخ صاحب "التنبيه" فقال: نفقة الأقارب لا تثبت في الذمة وإن حكم الحاكم بها. هذه عبارته بحروفه.
ذكر ذلك في أثناء الكلام على الحيل المباحة قريبًا من نصف الكتاب، وكذلك في كتاب "تذكرة المسئولين" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي وهو كتاب كبير معقود للخلاف بيننا وبين الحنفية فقال في المسألة السابق ذكرها ما نصه: ولأنه لو حكم الحاكم في نفقة الأقارب لم تستقر في الذمة هذا لفظه.
وكذلك الغزالي في كتابه المسمى "تحصين المأخذ" في علم الخلاف في المسألة المذكورة، ونصر المقدسي في "التهذيب"، ومحمد بن يحيى في "التمهيد"، ونقل أيضًا عن البندنيجي في "المعتمد"، وجزم به الجيلي في "شرح التنبيه"، ولم يحك استقرارها بفرض القاضي إلا عن الغزالي، ولم يحكه ابن الرفعة مع اطلاعه إلا عن الرافعي، وكان من جملة ما راجعته شرح الوجيز لأبي المعالي محمد بن يونس الموصلي فرأيته لما وصل إلي قوله: إلا بفرض القاضي لم يشرحه وترك بياضًا وشرح ما بعده، وكأنه توقف فيه ليحترر هل هو بالقاف أو بالفاء فلم يتفق.
وبالجملة فقد صرح الرافعي في باب زكاة الفطر بما حاصله الجزم بعدم الاستقرار فقال: الثانية: إذا وجبت نفقة الابن على أبيه فملك الابن قوت ليلة العيد ويومه فإن كان كبيرًا لم تجب فطرته على الأب لسقوط نفقته.
ثم قال ما نصه: وإن كان صغيرًا فوجهان: قال الصيدلاني: لا تسقط
(1) هو محمود بن الحسن بن محمد، القزويني، المتوفى سنة (440 هـ). وكتابه هذا كتاب كبير، وهو قيد العمل عندي، أسأل الله إتمامه على خير، آمين.
والفرق أن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال وإنما هي للكفاية ونفقة الصغير قد تثبت؛ ألا ترى أن الأم لها أن تستقرض على الأب الغائب لنفقة الصغير فكانت نفقته آكد.
وقال الشيخ أبو محمد: تسقط كما تسقط النفقة، وتردد فيما ذكره من جواز الاستقراض على الأب الغائب لنفقة الصغير وقال الأظهر منعه إلا بإذن السلطان، ومثله يفرض في حق الكبير أيضًا، وما ذكره الشيخ أظهر عند الإمام وغيره. هذا كلامه.
هذا ما تحرر في دفعة من جهة المنقول، وأما من جهة المعني فلأنهم عللوا عدم الاستقرار بأنها تجب علي سبيل المواساة لإحياء النفس، فإذا كان كذلك فالزمن الماضي قد حيت نفسه فيه فلا معني لإيجاب النفقة وأيضًا فإن نفقة القريب إمتاع لا تمليك كما جزم به الرافعي ونقله عن الأئمة.
وقد قال الإمام: وما لا تمليك فيه وانتهى إلى الكفاية استحال مصيره دينًا في الذمة، وأيضًا فكيف يتصور تأثير القاضي في الفرض لأنه إن عنى به الإيجاب كان تحصيلا للحاصل ويلزم عليه بقاء الأمر على ما كان عليه من السقوط، وإن عنى به التقدير لزم ألا يؤثر إلا في قدر ما كان يجوز أن يزيد أو ينقص حتى إنه يمتنع طلب الزيادة على من يأخذ والنقص على من يعطي، وأما صفة الوجوب من السقوط فباقية على ما كانت عليه لأن الحكم إنما يوجه على هذا التقدير إلى التقدير مع أنا نمنع جواز التقدير للقاضي لأن الواجب هو الكفاية بالمعروف كما هو منصوص عليه في حديث هند، والتقدير مناف لها، وإذا كان الواجب هو الكفاية [فكيف] يجوز له أن يحكم بالتقدير الذى هو خلاف معتقده؟
واعلم أن لفظ الرافعي قريب من التصحيف فإنه عبر بقوله ويستثنى ما إذا فرض القاضي أو أذن في الاستقراض كما تقدم النقل عنه وكأن مراده إذا
اقترض بالقاف -ويدل على التصحيف فيه أمران:
أحدهما: وجدانها في بعض النسخ كذلك -أعنى بالقاف-.
والثاني: أن البغوي والمتولي صرحا باستثنائها وأنه لا يستثنى غيرها، وقد علمت كثرة نقل الرافعي عنهما فيبعد عادة تركه لذلك، واستثناها أيضًا في "البحر" مع أن الاستثناء لا حاجة إليه لأن القرض يدخل في ملك المقترض عليه أولًا ثم يأخذه من يجب له.
قوله في الروضة: إذا كان الابن في نفقة أبيه وله زوجة فوجهان حكاهما أبو حامد وغيره.
أحدهما: يلزم الأب نفقتها ونفقة زوجة كل قريب وجبت نفقته لأنه من تمام الكفاية، وبهذا قطع صاحب "المهذب".
وأصحهما: لا يلزمه. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من حكاية الوجهين هو الصواب، وقد ادعى في باب زكاة الفطر من "شرح المهذب" عدم الخلاف فقال: وأما زوجة الابن المعسر فلا تجب نفقتها ولا فطرتها بلا خلاف. هذا لفظه.
قوله: وإذا امتنع الأب من الإنفاق على الولد الصغير أو كان غائبًا فهل تستقل الأم بالأخذ من ماله؟ فيه وجهان: أظهرهما عند صاحب الكتاب وغيره: نعم كقضية هند.
والثاني: لا؛ لأنها لا تلي التصرف في ماله فلا تلى التصرف في مال ابنه، ومن قال به حمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لهند على أنه كان قضاء أو إذنًا لها لا إفتاء وحكمًا عامًا. انتهى كلامه.
وقد استفدنا منه أن المرجح أنه إفتاء وحكم عام؛ لأن المرجح جواز الأخذ، وقد تعرض الرافعي لذلك في مواضع؛ واختلف فيه كلامه فراجعه في أول النفقات.
قوله: وفي استقلالها بالاستقراض عليه إذا لم تجد له مالًا وجهان بالترتيب؛ أي: على الأخذ عند الوجدان، والاقتراض أولى بالمنع لخروجه عن صورة الحديث ومخالفة القياس. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، ولا يؤخذ منه تصحيح لأن معنى الترتيب الذى ذكره أنه إن امتنع هناك امتنع أيضًا هنا، وإن جاز هناك فهاهنا وجهان، والراجح في هذه المسألة هو المنع؛ فقد سبق من كلام الرافعي في باب زكاة الفطر ما يدل عليه.
قوله: يجب على الأم أن ترضع ولدها [اللبن] لأن الولد لا يعيش إلا به غالبًا. ثم إن لها أن تأخذ الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة، وفيه وجه منقول عن الحاوي أنه لا أجرة لها لأنه حق تعين عليها والأب عاجز عنه كما إذا أيسرت بالنفقة والأب معسر. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على نقل هذا الوجه عن "الحاوي"، وليس كذلك، إنما ذكره احتمالًا فقط فقال: ولو قيل لا أجرة لها لأنه حق واجب قد تعين عليها وعجز الأب عنه فجرى مجرى نفقته لكان له وجه. هذا كلامه.
قوله: وهل للزوج منع زوجته من إرضاع ولدها منه؟ فيه وجهان: أحدهما: لا وهو اختيار القاضي أبي الطيب لأنها أشفق على الولد من الأجنبية ولبنها له أصلح وأرفق.
وأقواهما -وهو اختيار الشيخ أبي حامد-: أن له المنع؛ لأنه يستحق الاستمتاع بها في الأوقات المصروفة إلى الإرضاع، وهذا ما أورده الغزالي في "الوجيز" والشيخ في "المهذب" قال: لكنه يكره له ذلك. انتهى.
وقد ذكر الرافعي رحمه الله بعد هذا قبيل الجنايات بنحو ورقة في الكلام على ولده من أمته ما يشكل على هذا فقال: وهل للسيد تسليمه إلى
مرضعة غيرها؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنها ملكه وقد يريد استخدامها والاستمتاع بها.
وأظهرهما -وهو المذكور في "الوجيز"- لا؛ لما فيه من التفريق بين الوالدة وولدها. انتهى.
والمتجه التسوية بين المسألتين، وتعليل الرافعي المنع في الموضع الثاني بالتفريق عجيب؛ فقد جزم الرافعي في كتاب السير بأن أحدهما لو كان حرًا جاز بيع الآخر، فإذا جاز التفريق بالبيع فبالرضاع أولى، وقد استدرك في "الروضة" هنا على الرافعي غير مستحضر للمذكور هناك فقال: قلت الأول أصح وصححه البغوي والروياني في "الحلية" وقطع به الدارمي والقاضي أبو الطيب في "المجرد" والمحاملي والفوراني وصاحب "التنبيه" والجرجاني، والله أعلم.
واعلم أن صاحب "التنبيه" قد عبر فيه بقوله: لم يمنعها الزوج، وهذه العبارة تحتمل التحريم والكراهة؛ فلا يستدل بها على التحريم بل حملها على الكراهة أولى لتصريحه به في "المهذب" كما تقدم نقله عنه.
قوله: وهل للزوج أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده؟ فيه وجهان: قال العراقيون: لا يجوز، وربما طردوه في الخدمة لأنه يستحق الاستمتاع بها في تلك المدة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدًا آخر يمنع استيفاء المستحق، والأصح: الجواز، ويكون الاستئجار رضا بترك الاستمتاع واحتج له بقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، ولو لم يجز استئجارها لم تكن لها أجرة.
انتهى كلامه. وفيه أمران:
أحدهما: أن الاستدلال بالآية سهو فإن أول الآيات وهو قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. . إلى آخرها إنما هو
مذكور في المطلقات، وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي في كتاب الإجارة أيضًا، واقتضى كلامه أن العراقيين سلموا أن الاستئجار لغير الرضاع يصح، ونقل عنهم أنهم احتجوا للمنع بأنها أخذت منه عوضًا للاستمتاع وعوضًا للحبس فلا تستحق شيئًا آخر.
الأمر الثاني: أن الرافعي في الإجارة قيد الخلاف بما إذا كان ولده منها، وقد تقدم ذكر لفظه هناك لأمر آخر فراجعه.
قوله: فإذا فرعنا على أن الزوج ليس له منع زوجته من إرضاع الولد أو قلنا إن له ذلك فاتفقا على الإرضاع فطلبت الأجرة وقلنا بالأصح أنه يجوز له استئجار زوجته لإرضاع ولده كانت كالثانية إذا طلبت الأجرة. انتهى ملخصًا.
وحكم الثانية أنه يجب لها أجرة المثل، فإن وجد الأب متبرعة أو من ترضى بدون المثل ففي الانتزاع وجهان: الأصح أن له ذلك.
إذا علمت ذلك فما ذكره الرافعي من التحاقها في ذلك بالثانية صحيح في الحالة الأولى وهو ما إذا قلنا: ليس له المنع، وأما ذكره ذلك في الحالة الثانية أيضًا وهو ما إذا قلنا: بالصحيح أن له المنع فتوافقا، فقد تابعه عليه في "الروضة" وهو عجيب لا يعقل، بل إذا قال الزوج: لا أرضى بتسليمه لك إلا إذا كنت متبرعة أو راضية بدون أجرة المثل، فإنه يجاب بلا خلاف؛ لأن التفريع على أنه لا يجب عليه تمكينها من ذلك.
قوله أيضًا في المسألة: وإذا أرضعت بالأجرة فإن كان الإرضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة، وإن كان يمنع أو ينقص فلا نفقة لها.
كذا ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، ويشبه أن يجيء فيه الخلاف [فيما إذا سافرت لغرض نفسها بإذنه. انتهى.
وهذا البحث الذي ذكره قد تابعه عليه في "الروضة" وهو صحيح فيما إذا قلنا: له المنع فتوافقا بالأجرة، وقد نقل في كتاب العدد ما يؤخذ منه
الخلاف] (1) بطريق الأولى فقال في باب عدة الوفاة في الكلام على المفقود: وحيث قلنا الولد للثاني وحكمنا ببقاء نكاح المفقود فله منعها من إرضاع الولد إلا [اللبن] الذي لا يعيش إلا به، وإذا لم يكن بد من الإرضاع ولم يوجد غيرها، ثم إن لم تخرج من بيت الزوج وأرضعته فيه ولم يقع خلل من التمكين فعلى الزوج نفقتها.
قال في "الشامل": سواء وجب عليها الإرضاع أو لم يجب.
وإن خرجت للإرضاع بغير إذنه سقطت نفقتها، فإن خرجت بإذنه فوجهان كما لو سافرت في حاجتها بإذنه. هذا كلامه.
فإذا جرى الخلاف في الرضاع مع الخروج بالكلية فجريانه مع بقائها في المنزل بطريق الأولى.
وأما حكايته لهذا البحث أيضًا على الوجه الآخر الذى صححه النووي؛ وهو أنه لا منع له فلا يستقيم لأن إذنه مفقود بالكلية أو غير معين لأنه يجبر على التسليم، فإذا كان يجبر على ذلك ومع الإجبار تعطى الأجرة ولم يحصل له استمتاع بالكلية أو الاستمتاع التام كيف يأتي إيجاب النفقة؟
واعلم أن ما نقلناه عنه في العدد يقتضي الجزم بأنها لا تستحق النفقة عند الخلل من التمكين وإن لم تخرج من المنزل وأن ذلك لا يخرج على الخلاف في السفر، فإذا كان لا يخرج عليه مع وجوب الإرضاع عليها فكيف يتخرج مع عدم الوجوب؟
(1) سقط من أ، ب.