الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذى نقله عنه الرافعي من وجوب القبول من الأجنبي وأقره عليه قد ذكر نحوه أيضًا في التكفير عن الميت وتبعه عليه في "الروضة" فقال في الباب الثاني من كتاب الأيمان واللفظ "للروضة" ما نصه: فإن لم تكن تركة فتبرع أجنبى بالإطعام أو الكسوة عنه من مال نفسه جاز على الأصح، فإن تبرع بها الوارث جاز على الصحيح، وقيل: لا؛ لبعد العبادات على النيابة.
هذه عبارته: والإيجاب فيه نظر، خصوصًا في المسألة الأولى؛ فإن القبول فيه فاته، وإنما أوجبنا في الوارث لأن له غرضًا صحيحًا في حفظ ماء مورثه، وقد ذكر الرافعي نظير هذا في وفاء الدين عن الميت المعسر فقال نقلًا عن الإمام: إن أعطاه الوارث وجب على رب الدين قبوله، وإن أعطاه الأجنبي فلا.
ذكره في باب القسامة، وفيه كلام يأتيك في موضعه فراجعه.
وذكر النووي من زوائده هنا أن ما قاله الروياني فيه نظر، ولم يذكر غير ذلك.
قال رحمه الله:
القسم الثالث: في الاستبراء
وفيه فصول:
الفصل الأول: في قدره وحكمه
قوله: وإن كان الحمل من زنا ففي حصول الاستبراء بوضعه وجهان:
أحدهما -وهو الذى أورده أبو الفرج السرخسي-: لا يحصل؛ لأن اشتغال الرحم به لا يوجب منعًا؛ فالفراغ منه لا يفيد حلًا.
وأصحهما: على ما ذكر أبو سعد المتولي، وهو الذى أورده في "الكتاب" -أنه يحصل؛ لإطلاق الخبر. انتهى.
والأصح ما صححه المتولي؛ فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير"
والنووي في أصل "الروضة" و"زيادات المنهاج": إنه الأصح.
قوله: وكما لا يجوز الوطء قبل الاستبراء لا تجوز سائر الاستمتاعات كاللمس والقبلة والنظر بالشهوة إن ملكها بغير السبي؛ لأنها قد تكون حاملًا من سيدها أو من وطء شبهة فتكون أم ولد لغيره. وتبين أنه لم يملكها. وإن ملكها بالسبى ففي حل الاستمتاع بها في غير الوطء وجهان: أظهرهما: الحل؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما. أنه قال: وقعت في سهمي جارية من سبي جلولاء، فنظرت إليها فإذا عنقها مثل إبريق الفضة فلم أتمالك أن وثبت عليها فقبلتها والناس ينظرون ولم ينكر عليّ أحد (1). انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره الرافعي في تعليل التحريم في غير المسبية تعليل عجيب؛ فإنه ليس كل وطء شبهة تصير به الجارية أم ولد للواطئ بل هو خاص بوطء الأب جارية ابنه ووطء الشريك، وأما وطء الأجنبي فلا تصير به الجارية أم ولد إلا إذا ملكها على رأي مرجوح.
نعم لو علل بأن الموطوءة بشبهة حامل بحر -وذلك يمنع الملك بالبيع ونحوه على الصحيح- لكان أحسن، ومع ذلك فيستثنى منه ما إذا ملكت بالوصية؛ فإن الذى يظهر -كما قاله ابن الرفعة في "المطلب"- أن حملها لا يمنع تملكها كما لا يمنع تمليك الأمة دون الحمل.
الأمر الثاني: أن تعليل ذلك باحتمال مصيرها أم ولد يقتضى الحل في مسائل أخرى غير المسبية؛ وذلك حيث لا يمكن مصيرها أم ولد؛ بأن تكون الجارية ممن لا يمكن أن تحمل، أو كانت حاملًا من الزنا، أو اشتراها وهي مزوجة وطلقها زوجها قبل الدخول، أو كانت في ملكه فزوجها ثم طلقها زوجها بعد الدخول وأوجبنا الإستبراء بعد انقضاء العدة، وقد صرح بمساواة هذه الأمور [للمسبية] الماوردي في "الحاوي".
(1) قال ابن الملقن: لم أر من أخرجه إلا ابن المنذر فإنه ذكره بغير إسناد.
الأمر الثالث: أن المسبية قد نص عليها الشافعي وأجاب فيها بعكس ما صححه الرافعي فقال في كتاب السير في باب الرجل يأسر جارية ما نصه: قال الشافعي: وإذا اشترى الرجل جارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو في سوق المسلمين: لم يقبلها ولم يباشرها ولم يتلذذ بشيء منها حتى يستبرئها.
هذا لفظه، ومن "الأم" نقلته.
وجلولاء: بفتح الجيم والمد: قرية بنواحي فارس، والنسبة إليها جلولي، على غير قياس: قاله الجوهري.
قوله: إحداها: ما يحصل به الاستبراء لو وقع بعد الملك وقبل القبض هل يعتد به؟
نظر إن ملك بالإرث اعتد به، وإن ملك بالهبة فلا؛ لتوقف الملك على القبض. . . . إلى آخره.
وهذا التقسيم قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو سهو؛ لأن الجديد أن الموهوب لا يملك إلا بالقبض كما ذكره هو في التعليل، فكيف يصح التقسيم في المملوك قبل القبض ومورد التقسيم لابد أن يكون مشتركًا بين أقسامه وأقسام أقسامه كما قررناه فيما ألفناه في علم الأصول؛ فالصواب أن يجعل مورد التقسيم مصبه بعد العقد لا بعد الملك.
وقد وقع في "الروضة" فيما هو أشد من ذلك؛ فإنه تابع الرافعي على هذا التقسيم وحذف التعليل الذى ذكره الرافعي؛ فاقتضى أنا إذا فرعنا على حصول الملك بدون القبض لا يصح الاستبراء أيضًا، وهو عكس ما ذكره الرافعي وغيره.
قوله: الثانية: إذا وقع الحيض أو وضع الحمل في زمان الخيار المشروط، وقلنا الملك للمشترى أو بالتوقف فوجهان: أظهرهما: أنه لا يكفي لأن الملك غير لازم في تلك الحالة. انتهى ملخصًا.
وما صححه هنا من عدم الإكتفاء قد ذكر ما يخالفه في كتاب البيع في
الكلام على خيار الشرط فإنه قال فيما إذا اشتراها وشرط الخيار له فقط أن في حل الوطء طرقًا الصحيح منها أنه يبني على أقوال الملك.
والصحيح أن الملك للمشترى؛ فيكون الصحيح حل الوطء، ويلزم مما قاله من الحل أن الاستبراء يكفي في زمن الخيار وإلا لكان الوطء ممتنعًا لفقدان الاستبراء.
وقد وقع الموضعان كذلك في "الشرح الصغير" و"الروضة".
واعلم أن السبب في وقوع هذا الاختلاف أن الإمام والغزالي يذهبان إلى الاكتفاء بوقوع الحيض أو الحمل في زمن خيار الشرط، إذا قلنا: الملك للمشتري لأنهما صححا ذلك في هذا الباب، فلما تكلم الغزالي في "الوجيز" في البيع على الوطء أجاب بحله بناء على ما يراه في هذا الباب فلما تكلم الغزالي في "الوجيز" في البيع على الوطء أجاب بحله بناء على ما يراه في هذا الباب] (1) فشرح الرافعي ما قاله، ثم إنه في هذا الباب لما أشبع الكلام على المسألة رأي أن الجمهور على خلاف ما قالاه فخالفهما غير مستحضر لما سبق منهما في البيع، ثم اختصر في "الروضة" الموضعين على ما هما عليه.
وقد حاول ابن الرفعة في "شرح الوسيط" الجمع بين الموضعين بأن المراد بالحل المذكور في البيع هو ارتفاع التحريم المستند إلى ضعف الملك وانقطاع سلطة البائع فيما يتعلق بحقه خاصة وإن كان التحريم باقيًا لمعنى آخر وهو الاستبراء.
(1) سقط من أ.