المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٨

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب "العدد

- ‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق

- ‌الباب الثاني في "تداخل العدتين

- ‌ القسم الثاني في "عدة الوفاة" والسكنى

- ‌الأول: في عدة الوفاة

- ‌الباب الثاني: في السكنى

- ‌ القسم الثالث: في الاستبراء

- ‌الفصل الأول: في قدره وحكمه

- ‌الفصل الثاني: في السبب

- ‌الفصل الثالث: فيما تصير به الأمة فراشًا

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: فيما يحرم بالرضاع

- ‌الباب الثالث: في بيان الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم فيه

- ‌الباب الرابع: في النزاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌السبب الأول: النكاح:

- ‌الباب الأول: في قدر النفقة وكيفيتها

- ‌الباب الثاني: في مسقطات النفقة

- ‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة

- ‌ السبب الثاني للنفقة: القرابة

- ‌الباب الأول: في أصل النفقة

- ‌الباب الثاني: في ترتيب الأقارب

- ‌الباب الثالث: الحضانة

- ‌ السبب الثالث للنفقة: ملك اليمين

- ‌كتاب الجراح

- ‌ إذا تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت

- ‌قال رحمه الله: النوع الثاني: القصاص في الطرف

- ‌فصل: في ألفاظ ذكرها الرافعي فسر معانيها ولم يضبط لفظها:

- ‌ مسائل الاختلاف الواقعة بين الجاني والمجني عليه أو وليه

- ‌ حكم القصاص

- ‌الباب الأول في استيفاء القصاص

- ‌الفصل الأول فيمن يلي الاستيفاء

- ‌الفصل الثاني في أن القصاص على الفور

- ‌الفصل الثالث في كيفية المماثلة

- ‌الباب الثاني في العفو

- ‌كتاب الديات

- ‌الباب الأول: في دية النفس

- ‌الباب الثاني في دية ما دون النفس وهو جرح أو إبانة أو إبطال منفعة

- ‌النوع الأول: الجرح

- ‌ النوع الثاني: القطع المبين للأعضاء

- ‌النوع الثالث: ما يفوت المنافع

- ‌باب بيان الحكومة

- ‌ القسم الثاني في الموجب

- ‌القسم الثالث من الكتاب

- ‌ القسم الرابع: في غرة الجنين

- ‌باب: كفارة القتل

- ‌كتاب دعوى الدم

- ‌ الكلام في مسقطات اللوث

- ‌كتاب الجنايات الموجبة للعقوبات

- ‌الجناية الأولى: البغي

- ‌الجناية الثانية: الردة

- ‌الفصل الثاني في أحكام الردة

- ‌ الجناية الثالثة: الزنا

- ‌ الجناية الرابعة: القذف

- ‌ الجناية الخامسة: السرقة

- ‌النظر الأول: في الأركان

- ‌ النظر الثاني: في إثبات السرقة

- ‌ النظر الثالث: في الواجب

- ‌ الجناية السادسة: قطع الطريق

- ‌ الجناية السابعة: شرب الخمر

- ‌القول في التعزير

- ‌كتاب موجبات الضمان

- ‌ ما يلزم الولاة بتصرفاتهم

- ‌ دفع الصائل

- ‌ إتلاف البهائم

- ‌كتاب السير

- ‌الباب الأول: في وجوب الجهاد

- ‌فصل في السلام

- ‌الباب الثاني: في كيفية الجهاد وفيه أطراف

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌ الثالث:

- ‌ الرابع:

- ‌الباب الثالث: في ترك القتل والقتال بالأمان

- ‌الباب الأول: في الجزية

- ‌الباب الرابع: في عقد المهادنة

الفصل: ‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة

‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة

قوله: وسئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته فقال: يفرق بينهما.

فقيل له: سنّة؟ فقال: نعم (1).

قال الشافعي رضي الله عنه: الذي يشبه قول ابن المسيب أنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وما نقل عن الشافعي من كون لفظ السنة مرفوعًا قد نقل عنه الداودي وهو الصيدلاني في "شرح المختصر" نحوه أيضًا ولكن في القديم خاصة فقال في باب أسنان إبل القتل الخطأ: إن الشافعي في القديم كان يرى أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي أو التابعي ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة البلد. هذا لفظه.

ورأيت في "الأم" ما يوافق الأول فقال في باب عدد كفن الميت بعد ذكر ابن عباس والضحاك ما نصه: قال الشافعي وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا لفظه بحروفه، وذكر بعده بقليل مثله، وظاهره يقتضي أن التابعي ليس كذلك.

وحينئذ فيتلخص في المسألة ثلاثة أقوال: وأن الرفع بالنسبة إلى الصحابي منصوص عليه في القديم والجديد معًا فيكون أرجح من عكسه.

قوله في "الروضة": فإذا امتنع من دفع النفقة مع قدرته فوجهان: أحدهما: لها الفسخ لتضررها، وأصحهما: لا فسخ لتمكنها من تحصيل

(1) أخرجه الشافعي في "المسند"(1273)، والدارقطني (3/ 297)، وسعيد بن منصور (2022)، والبيهقي في "الكبري"(15485).

ص: 90

حقها بالسلطان وكذا لو قدرت على شيء من ماله أو غاب وهو موسر في غيبته ولا يوفيها حقها ففيه الوجهان: أصحهما: لا فسخ، واختار القاضي الطبري الجواز وإليه مال ابن الصباغ، وذكر الروياني وابن أخته صاحب "العدة" أن المصلحة الفتوى به. انتهى كلامه.

وفيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره في القدرة على شئ من ماله من كونه على الخلاف قد شاهدته بخط المصنف كما هو مذكور في النسخ أيضًا وهو غلط مخالف لكلام الرافعي؛ فإن فيه التصريح بنفي الخلاف فإنه ذكر ما ذكره المصنف من أنه لا فسخ؛ للامتناع مع القدرة على الأصح.

ثم قال عقبه ما نصه: وإن كان له مال ظاهر أنفق السلطان منه، وليس ذلك موضع الخلاف. وكذا لو قدرت على شيء من ماله. ولو غاب وهو موسر في غيبته ولا يوفيها حقها جرى الوجهان؛ فعلى الأظهر: لا فسخ، وكان المؤثر تعنته بخراب ذمته.

هذا لفظ الرافعي، وهو كما ذكرته لك صريح في عدم الخلاف.

وكيف يمكن خلاف ذلك مع وصولها إلى حقها؟

وقوله: تعنته، هو مصدر بمعنى التعنت على وزن التعجب؛ يعني أن المؤثر ما حصل فيه من العنت لسبب خراب الذمة.

الأمر الثاني: أن لفظة أخته هنا هي بالتاء بنقطتين من فوق بعد الخاء لا بنقطتين من تحت فإنه ابن أخت لا ابن أخ، وقد صرح به الرافعي في القضاء في الكلام على أن التحكيم هل يشترط فيه فقدان القاضي فقال: حكى صاحب "العدة" القاضي أبو المكارم الطبري ابن أخت القاضي الروياني وجهين في اشتراطه. هذا كلامه.

قوله: ولو تبرع رجل بأداء النفقة عن المعسر لم يلزمها القبول ولها

ص: 91

الفسخ كما لو كان له دين على إنسان فيتبرع غيره بقضائه لما في التبرع من المنانة، وقيل: لا فسخ لها. انتهى.

وما ذكره من عدم القبول في المسألتين قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" ويستثنى من المسألة الأولى ما إذا كان المتبرع أبا أو جدًا للزوج، والزوج تحت حجره فإنه يجب القبول؛ لأن المدفوع يدخل في ملك المؤدى عنه في هذه الحالة ويكون الولي كأنه وهب له وقبل له كما ذكروه في مواضع.

وأما أداء الدين عن الغير فيستثنى منه ما إذا كان المديون ميتًا والمؤدى وراثًا فإنه يجب القبول وإن كان الميت معسرًا لأنه خليفة الميت وقائم مقامه بخلاف الأجنبي. كذا نقله الرافعي في آواخر باب القسامة عن الإمام.

ثم قال -أعني: الإمام-: غالب ظني أنني رأيت فيه -أي: في الوارث- خلافًا.

قوله: ولو كان يجد بالغداة ما يغديها وبالعشي ما يعشيها فوجهان:

أحدهما: أن لها الخيار؛ لأن نفقة اليوم لا تتبعض.

وأصحهما -على ما قال في "التهذيب"-: لا خيار لها لوصول وظيفة اليوم إليها. انتهى كلامه.

لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير"، وصحح في أصل "الروضة" ما قاله في "التهذيب".

قوله: وهل يثبت الخيار بالإعسار بالأدم؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ لعسر الصبر على الخبز البحت (1) دائمًا، وبه قال الداركي ورجحه الروياني.

والثاني: لا لأنه تابع والنفس تقوم بدونه.

(1) أي الذي بلا أدم.

ص: 92

وهذا أصح عند الإمامين أبي حامد والقفال وغيرهما، وتابعهم الإمام والغزالي والفراء. انتهى كلامه.

ومقتضاه أن الأكثرين على عدم الفسخ؛ ولهذا صرح به النووي في أصل "الروضة"، وقد صرح بتصحيحه في "الشرح الصغير" فقال: والأصح المنع، وصحح عكسه في "المحرر" فقال: والإعسار بالكسوة كهو بالنفقة، وكذا الإعسار بالأدم والمسكن في أصح الوجهين.

هذا لفظه. وهو غريب حيث عبر بلفظ الأصح في الموضعين، وسلم النووي من هذا الاختلاف فإنه استدرك على "المحرر" وصحح المنع.

واعلم أن المراد بالفراء هو البغوي.

قوله في "الروضة" يثبت الخيار بالإعسار بالكسوة على المذهب. انتهى.

وهذا الكلام لا يعلم منه أن الخلاف وجهان أو قولان ولا أن الصحيح طريقة الخلاف أو طريقة القطع فإنه لا اصطلاح له في ذلك، وقد بين الرافعي ذلك فحكى الخلاف وجهين وضعف الطريقة القاطعة.

قوله: الرابعة في الإعسار بالمهر طرق:

أحدها: وبه قال أبو على بن أبي هريرة وأبو على الطبري وأبو حفص بن الوكيل والقاضي أبو حامد -أنه إن كان بعد الدخول فلا فسخ وإن كان قبله فقولان.

والثاني: وهو أظهر عند الشيخ أبي حامد والإمام وغيرهما -أنه إن كان قبله ثبت الفسخ وإلا فقولان.

وقد أشير إلى بناء القولين في الفسخ بعد الدخول على تردد في أن المقابل بالمهر الوطء الأول فيكون المعوض تالفًا ويمتنع الفسخ، أو في مقابلة الوطئات فيكون بعض المعوض باقيا فيشبه بقاء بعض المبيع في يد

ص: 93

المفلس.

والثالث: طرد القولين في الحالين.

والرابع: القطع بثبوته قبل الدخول وبالنفي بعده وبه قال أبو إسحاق.

والخامس: القطع بأنه لا يثبت في الحالين وهو الأصح عن الإمام وصاحب "الكتاب".

وحاصل الطرق ثلاثة أقوال ذكرها في "التهذيب":

أحدها: ثبوت الخيار في الحالين.

والثاني: منعه فيهما.

والثالث: [يثبت قبله لا بعده.

والأصح منها الأول عند صاحب "التهذيب" وغيره.

والثالث: ] (1) أصح عند أكثرهم. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أنه لم يصحح شيئًا من الطرق هاهنا، وقد صحح في "الشرح الصغير" الثاني فقال: وأظهرها أنه يثبت الخيار قبل الدخول بلا خلاف، وفيما بعده قولان، والئبوت مبني على أن المهر في مقابلة جميع الوطئات.

هذا لفظه. ثم ذكر بعده أيضًا في آخر المسألة أنه الأصح عند الأكثرين.

الأمر الثاني: أن ما توقف فيه من بناء القولين على أن المهر هل يقابل جميع الوطئات أم لا؟ قد ارتضاه في "الشرح الصغير"، وقد تقدم ذكر عبارته.

(1) سقط من جـ.

ص: 94

الثالث: إن هذا البناء يقتضي تصحيح مقابلة المهر لوطئة واحدة؛ لأن الصحيح امتناع الفسخ.

لكن الصحيح أنه مقابل للجميع فقد جزم به الرافعي في كتاب الصيام في الكلام على ما إذا طلع عليه الفجر وهو مجامع فيلزم إما إفساد التخريج أو ضعف ما جزم به.

الرابع: حيث جوزنا الفسخ فشرطه ألا تكون المرأة قبضت شيئًا من المهر، فإن قبضت شيئًا منه كما هو معتاد فيمتنع عليها الفسخ بخلاف البائع إذا قبض بعض الثمن فإنه يجوز له الفسخ بإفلاس المشتري عن باقيه، والفرق بينهما أن الزوج بإقباض بعض المهر قد استقر له من البضع بقسطه؛ فلو جاز للمرأة الفسخ لعاد إليها البضع بكماله لأنه لا يمكن فيه التشريك فيؤدي إلى الفسخ فيما استقر للزوج، بخلاف المبيع فإنه وإن استقر بعضه بقبض بعض الثمن لكن الشركة فيه ممكنة فجوزنا الفسخ ولكن في الباقي خاصة.

كذا ذكره ابن الصلاح في "فتاويه" وادعي أنه حكي، وأن بعض قضاة الشام توقف فيه وأرسل يستدعي ما عنده فيه فبعث له به.

وتعرض ابن الرفعة في باب الفلس من المطلب للمسألة وتوقف فيها.

الخامس: أن النووي قد اختصر كلام الرافعي هنا اختصارًا فاسدًا غير مطابق فقال: الإعسار بالمهر فيه طرق منتشرة: المذهب منها عند الجمهور يثبت الفسخ إن كان قبل الدخول [ولا يثبت بعده وقيل: يثبت فيها قطعًا، ورجحه البغوي](1) وغيره، وقيل بالمنع قطعا، وقيل قولان، وقيل: يثبت قبله وبعده قولان، وقيل: لا يثبت بعده وقبله قولان.

(1) سقط من أ.

ص: 95

هذا لفظه. فصحح طريقة القطع بثبوته قبل الدخول وبمنعه بعده، وزاد فعزاه إلى الجمهور مع أن هذا كله إنما حكاه الرافعي في القول الثالث من الأقوال الثلاثة المستفادة من الطرق لا في شيء من هذه الطرق، بل لم ينقل الرافعي هذه الطريقة إلا عن أبي إسحاق، وأيضا فإنه نقل عن البغوي أنه رجح طريقة القطع بالثبوت فيهما، وإنما نقل الرافعي عنه ترجيح قول الثبوت فيهما لا ترجيح طريقة القطع بالثبوت فيهما فإن البغوي قد قال ما نصه: وإذا أعسر الزوج بالصداق هل يثبت لها الفسخ؟ فيه أقوال: أصحها: يثبت سواء كان قبل الدخول أو بعده.

هذا لفظه. ولم يذكر مع ذلك طريقة أخرى بالكلية.

قوله: فإن علمت قبل العقد بعجزه ففي تمكينها من الفسخ وجهان: أشبههما المنع. انتهى.

والمذهب خلاف ما رجحه الرافعي هنا فقد حكي العمراني في "الزوائد" في المسألة قولين: الجديد: ثبوت الفسخ، والقديم: عدم ثبوته.

كذا ذكره في باب ما يحرم من النكاح، وهذا الترجيح الضعيف الذي ذكره الرافعي من عنده لما لم يقف في المسألة على غيره وقد اغتر به في "الروضة" فتابعه عليه وزاد فعبر بالأصح.

قوله: ثم نفقة الزمان الماضي لا تسقط بل تصير دينًا، بخلاف مؤنة السكنى، وخرج من النفقة في مؤنة السكنى وجه أنها تثبت أيضًا. انتهى ملخصًا.

تابعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو يوهم أن النفقة تستقر بلا خلاف؛ فإن التخريج لا يأتي فيها، وليس كذلك بل هو ثابت فيها أيضًا وقد صرح هو به قبيل باب الاستبراء.

قوله: والصحيح المشهور أن المرأة لا تستقل بالفسخ بل لابد من الرفع إلي القاضي كما في العنة.

وقيل: إن المرأة تتولى الفسخ بنفسها كالرد بالعيب. فعلى الأول إذا

ص: 96

ثبت عنده الإعسار تولى الفسخ بنفسه أو أذن لها فيه، وقيل إنها تستقل بالفسخ بعد ثبوت الإعسار عنده. انتهى كلامه.

وفيه كلام يتعين الوقوف عليه سبق ذكره في النكاح في الكلام على العنة، فراجعه.

قوله: وإذا قلنا لابد من الرفع إلى القاضي فلم ترفع وفسخت بنفسها لعلمها بعجزه لم ينفذ في الظاهر.

وهل ينفذ باطنًا حتى إذا ثبت إعساره متقدمًا على الفسخ إما باعتراف الزوج أو بالبينة يكتفي به وتحسب العدة منه؟ فيه تردد وجه قال في "البسيط": ولعل هذا فيما إذا قدرت على الرفع إلي القاضي.

فإن لم يكن في الصقيع حاكم ولا محكم فالوجه إثبات الاستقلال بالفسخ. انتهى.

ذكر نحوه في "الروضة" والكلام جميعه ذكره في "النهاية" والغزالي في "البسيط"، وفيه أمور:

أحدها: أن الراجح من التردد المذكور أنه لا ينفذ باطنًا فقد قال في "النهاية": إنه الذي يقتضيه كلام الأئمة.

الثاني: أن ما نقله عن الغزالي في "البسيط" احتمالًا قد جزم به في "الوسيط"، وادعى عدم الخلاف فيه، وزاد على ذلك صورة أخري فقال: ولا خلاف في أنه ينفذ ظاهرًا إذا لم يكن في الناحية حاكم أو عجزت عن الرفع.

الثالث: أنا إذا قلنا بالنفوذ باطنًا إذا استقلت بالفسخ لعلمها بعجزه فلا شك في ترتب جميع أحكام الفسخ عليه في نفس الأمر حتى يحل للمرأة فيما بينها وبين الله تعالى أن تتزوج ولا تستحق نفقة ولا إرثًا في حالة البينونة وغير ذلك.

ص: 97

وأما قول الرافعي: حتى إذا ثبت إعساره .. إلى آخره. فمراده بذلك أن أثر الفسخ النافذ في الباطن لا يظهر إلا في هذه الحالة.

قوله: فإنما يتولى القاضي الفسخ أو يأذن لها فيه بعد إمهاله ثلاثة أيام من إعساره في أصح القولين.

والقولان كالقولين في أن المولى والمرتد هل يمهلان هذه المدة. انتهى.

وكلام الرافعي يوهم أن المولى والمرتد يمهلان ثلاثة أيام، والصحيح فيهما خلافه، فاعلمه.

قوله: التفريع إن قلنا: لا يمهل ثلاثا فمتى يفسخ؟ وجهان: أحدهما: أن لها المبادرة إليه في أول النهار لعجزه وقت الوجوب.

وأقربهما: المنع ليرتفع البأس فيتردد ويكتسب. وعلى هذا فقد ذكرت احتمالات:

أحدها: يؤخر الفسخ إلى نصف النهار لأن الأكل لا يؤخر عنه غالبًا.

والثاني: إلى آخره وهو وقت إفطار الصائمين.

والثالث: إلى انقضاء اليوم والليلة بعده لأن النفقة لهما وبمضيهما تستقر والعجز عن الحق يتحقق بعد استقراره، وهذا أوجه عند الغزالي، وذكر في "الوسيط" أن حاصله الإمهال يوم وليلة، وفي هذا الوجه توقف لأن الاستمرار غير متوقف على قبضهما؛ ألا ترى أنه لو سلم النفقة فماتت في أثناء النهار لا تسترد.

واعلم أنه قد نقل عن الإملاء أن المعسر يمهل عن النفقة يومًا، وأثبته السرخسي قولًا ثالثًا. انتهى.

تابعه عليه في "الروضة"، وفيه أمور:

أحدها: أن هذه الاحتمالات قد ذكرها الإمام ورجح أيضًا الذي رجحه

ص: 98

الغزالي فقال: فإن لم ير الإمهال فلا يتجه الإعسار انقضاء اليوم والليلة.

هذه عبارته، ومنه أخذ الغزالي، ولا شك أن الرافعي لم يطلع على ذلك.

ومنها: أن التوقف الذي ذكره ضعيف؛ فإن الكلام في مطالبة المرأة وما دامت حية مطالبة لا تستقر النفقة إلا بمضي اليوم والليلة فإنها لو نشزت سقطت.

ومنها: أن حقيقة القول المنقول عن "الإملاء" هو حقيقة الاحتمال الثاني من الاحتمالات المفسرة للقول الأول وهو القائل بالمبادرة، وقول المبادرة ثابت بلا محالة والأخذ بظاهره متروك على الراجح، والاحتمالات المذكورة في تفسيره متجهة وثالثها مرجوح على ما اقتضاه كلام الرافعي؛ فيكون المراد من ذلك القول إما الاحتمال الأول أو الثاني، وقد نقل الثاني عن النص فلا يستنكر أن يكون تفسيرًا له وحينئذ فيكون قولًا ثالثًا على أن المحاملي في كتاب "التهذيب" قد حكى وجهين تفريعًا على هذا القول في أنها تفسخ في أول النهار أو آخره.

قوله: وإذا فرعنا على الأصح -وهو الإمهال ثلاثًا- فإذا مضت الثلاثة فلها الفسخ صبيحة اليوم الرابع إن لم يسلم نفقته ثم قال ما نصه: وإن سلمها لم يجز الفسخ للماضي وليس لها أن تقول: آخذه عن نفقة بعض الأيام الثلاثة وأفسخ لعجزه اليوم؛ لأن الاعتبار في الأداء بقصد المؤدي. انتهى كلامه بحروفه.

وما ذكره في تصوير المسألة وتعليلها قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو غلط عجيب؛ وذلك لأنها إذا قالت آخذه عن بعض الأيام الثلاثة لم يكن لها الفسخ في اليوم المذكور -وهو الرابع- وإن قبلنا قولها لأن المدة حينئذ لم تكمل بل يبقى منها على هذا التقدير يوم آخر وهو اليوم الذي

ص: 99

قبضت فيه فإذا جاء الغد منه يكون هو الرابع حقيقة فتطالب بنفقته، فإن عجز فسخت بتعذر النفقة عنه -أي: عن الغد الذي جعلناه رابعًا-، وهذا واضح، والصواب في تصوير المسألة أن تحاول المرأة قبضه عن بعض الأيام الماضية، وقد صورها في "النهاية" بذلك فقال: وليس للمرأة أن تقول أقبض ما جئت به عن نفقة ما مضى وأطالب بنفقة اليوم فإن الرجوع فيما يؤديه من عليه الحق إلى قصده لا إلى قصد القابض.

هذا لفظه. وهو صحيح.

وذكر في "الوسيط" مثله فتصرف الرافعي فيه فوقع في الغلط.

قوله: الثانية: يجوز لها في مدة الإمهال أن تخرج لتحصيل النفقة فإن التمكين والطاعة في مقابلة النفقة.

قال في "البحر": وعليها أن ترجع بالليل إلى منزله، ولو أراد الاستمتاع بها لم يمنع وقضية التوجيه المذكور أن لها المنع، وكذلك ذكر صاحب "التهذيب"، ولا كلام في أنها إذا منعت نفسها منه لم تستحق النفقة لمدة الامتناع. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما نقله عن الروياني من كونه لا يمنع من الاستمتاع بها محله في الليل كما أشعر به سياق كلام الرافعي، وقد رأيته مصرحًا به كذلك في "البحر".

الأمر الثاني: أن ما نقله عن الروياني فيه وفي ملازمة المنزل ليلًا قد صرح به أيضًا الماوردي في "الحاوي".

وأما ما نقله عن صاحب "التهذيب" فمردود؛ فإنه أطلق أن الملازمة والتمكين لا يجبان ولم ينص على الليل بخصوصه؛ وحينئذ فلا منافاة بين الكلامين؛ وحينئذ يترجح كلام الماوردي والروياني.

ص: 100

الأمر الثالث: أن الماوردي والروياني قد صرحا بأنه لا فرق في هذين الحكمين وفي غيرهما مما ذكر في هذه المسألة بين مدة الإمهال وما بعدها إذا رضيت بالمقام معه على إعساره.

وقد فرق الرافعي المسألة وأوهم كلامه تغايرهما في الحكم؛ فإنه قال بعد هذا بأسطر: وإذا اختارت المقام مع المعسر لم يلزمها التمكين من الاستمتاع وكان لها الخروج من المنزل. ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.

وإذا لم تمنع نفسها منه ثبت في ذمته ما يجب على المعسر، وخروجها بالنهار للاكتساب لا يوجب نقصًا من حقها. هذا كلامه.

والأمر كما نقله عن صاحب "التهذيب" إلا أنه مطلق فيحمل على تقييد الماوردي والروياني كما أشرنا إليه؛ ويدل عليه تقييده بقوله: وخروجها بالنهار.

فتامل ذلك فإنه مناف أيضًا لما أطلقه الآن عن صاحب "التهذيب".

الأمر الرابع: أنه قد علم بآخر كلامه أن دعواه أنه لا كلام .. إلى آخره محمول على ما إذا كان المنع بالليل خاصة فاعلمه. ولا شك أن السبب في وقوع مثل هذه المواضع المتفرقة إلحاق ما يظفر به المصنف بعد تقدم بعضه وذهوله عنه.

قوله: فإذا عجز عن نفقة أمّ ولده فعن الشيخ أبي زيد أنه يجبر على عتقها أو تزويجها إن وجد راغب فيها.

وقال غيره: لا يجبر عليه بل يخليها لتتكسب وتنفق على نفسها. انتهى.

والأصح الثاني. كذا صححه في "الروضة" من زوائده.

ص: 101