الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في ألفاظ ذكرها الرافعي فسر معانيها ولم يضبط لفظها:
منها: المنشار بالنون والشين المعجمة، وقد سبق إيضاحه قبل ذلك عند الكلام على الإكراه.
ومنها: البضعة بمعني القطعة، ومنها إطار الشفة والأحْرق والمسبار والأعسم وفراوة اسم للبلد والسن الشاغبة.
فأما البضعة فإنها بفتح الباء، وأما إطار الشفة وهو: المحيط بها فهو: بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة، وقد ضبطه النووي في أصل "الروضة".
وأما الشاغبة فبالشين والغين المعجمتين وهي الزائدة المخالفة لسمت الأسنان؛ يقال: رجل أشغى وامرأة شغواء.
وأما فراوة اسم للبلد: فبفتح الفاء وضمها والفتح أشهر وبعد الألف واو وهي بلدة من ثغر خراسان.
وأما الأخرق: فبالخاء المعجمة والقاف، وهو قليل المعرفة، على عكس الماهر، ومصدره الخرق.
وأما المسبار: فهو بميم مسكورة وسين مهملة ساكنة بعدها باء موحدة وهو حديدة تدخل في الجرح ليمتحن بها، مأخوذ من السبر وهو الامتحان كالمفتاح من الفتح.
والأعسم: بعين وسين مهملتين مأخوذ من العسم بالفتح يكون في الكف والقدم؛ وهو أن يكسر مفصلهما حتى يعوجا؛ تقول منه: رجل أعسم، وامرأة عسماء.
قوله: وعن إبراهيم الحربي. . . . إلى آخره.
الحربي: بحاء مهملة مفتوحة وبالباء الموحدة، تقدم ذكره في "الطبقات".
قوله في أصل "الروضة": الطريق الثاني: أن يكون للعضو حد مضبوط ينقاد لآله الإبانة فيجب القصاص في فقء العين وفي الأذن والجفن والمارن والذكر والأنثيين قطعًا. انتهى كلامه.
وما ذكره من الاتفاق في الجفن ليس كذلك؛ فقد ذهب بعض الأصحاب إلى أنه لا قصاص فيه كما حكاه ابن الرفعة في "الكفاية" ولم يدع الرافعي القطع بذلك.
قوله أيضًا في "الروضة": ويجب أيضًا في الشفة واللسان على الصحيح، وفي الشفرين والإليتين عند الأكثرين، ولا قصاص في إطار الشفة -بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة- وهو المحيط بها لأنه ليس له حد مقدر. انتهى كلامه.
وتعبيره بالشفة غلط لأن القصاص يجب في آخرها كما يجب في جميعها وفي أولها، وصوابه: بالسه بسين مهملة مشددة بعدها هاء بلا فاء؛ وهو حلقة الدبر كما تقدم إيضاحه في نواقض الوضوء؛ لأن المحيط بالحلقة المذكورة لا ضابط له، وقد وقع على الصواب في نسخ الرافعي الصحيحة.
قوله: الثانية: لو كسر العظم وأبان اليد منه فللمجني عليه أن يقطع من المرفق ويأخذ حكومة ما بقي من العضو ولو أراد أن يترك المرفق ويقطع من الكوع فهل يمكن؟ فيه وجهان: ثم قال: وفي "التهذيب" بترجيح هذا الوجه -يعني التمكين-، وإفراد الروياني وغيره يشعر بترجيح الأول. انتهى كلامه.
ومقاضاه رجحان الثاني وهو أنه لا يمكن وبه صرح في "الشرح الصغير" فقال: فيه وجهان: أولاهما: لا يتمكن كمن تمكن هذا لفظه، ولم يذكر
ترجيحًا غيره، وكلامه في "المحرر" مقتضاه رجحان التمكين؛ فإنه قال: فيه وجهان رجح منهما التمكين. هذه عبارته.
وعبر في "المنهاج" بلفظ: الأصح، وأبقي كلام الرافعي في "الشرح الكبير" على ما هو عليه فصار أبلغ في الاختلاف.
قوله: ولو زاد المقتض في الموضحة على قدر المستخرج وآل الأمر إلى الثاني وجب أرش كامل، وقيل: يوزع الأرش عليهما فيجب قسط الزيادة، وينسب هذا للقفال. انتهى.
واعلم أن هذه المقالة قد رجع عنها القفال كما قاله في "النهاية" فقال: الذى استقر عليه جوابه وجواب "الكامل"، وفي "تعليق القاضي حسين": أنه اختيار الشيخ -يعني به القفال-.
قوله: الثانية: إذا اشترك جماعة في موضحة بأن تحاملوا على الآلة وحزوها معا ففيه احتمالان للإمام: أحدهما أنه يوزع عليهم ويوضح من كل واحد منهم قدر حصته، لأن الموضحة قابلة للتجزئة والقصاص جار في أجزائها فصار كما لو أتلفوا مالًا يوزع عليهم الغرم؛ وعلى هذا تتعين الموضحة إلى اختيار المقتص أو المقتص منه.
والثاني: أنه يوضح من كل واحد منهم مثل تلك الموضحة لأنه لا جزء إلا وكل واحد منهم جان عليه؛ فأشبه ما إذا اشتركوا في قطع يد، وهذا ما أجاب به صاحب "التهذيب".
ويجرى الاحتمال فيما إذا آل الأمر إلى المال أنه يجب الأرش موزعًا عليهم، أو يجب على كل واحد منهم أرش كامل.
قال الإمام: والثاني أقرب، والأول هو المذكور في التهذيب. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: حيث شرع القصاص في موضحة كان تعيين محلها إلى الجاني وقيل: المجني عليه كما تقدم في كلام الرافعي؛ وحينئذ فقول الرافعي هنا بتعيين الموضحة إلى اختيار [المقتص] أو المقتص منه وقع هكذا في النسخ وهو ناقص وتكملته أن يقول فيه الخلاف السابق، وهكذا قالوا في "النهاية".
الأمر الثاني: أن ما نقله في أجزاء الأرش عن الإمام والبغوي هو الصواب المذكور في "التهذيب" و"النهاية"، وقد غلط فيه النووي في "الروضة" [فانعكس] عليه؛ فإنه قال: ويجري الاحتمالان فيما لو آل الأمر إلى المال هل يجب على كل واحد أرش كامل أم يوزع عليهم؟ ؛ قال الإمام: وهذا الثاني أقرب، وبالأول قطع البغوي. هذا لفظه. فأخر احتمال التوزيع عن الكامل وأبقى ما قاله الرافعي على حاله فلزم منه وقوع الغلط.
قوله: الثانية: لا تقطع يد صحيحة بشلاء وإن رضي به الجاني. انتهى.
صورة هذه المسألة عند وقوف القطع، فإن سرى إلى النفس فالأظهر عند الأكثرين قطعها بها، وكذا إذا كان ساعد المجني عليه بلا كف، فاعلمه، وقد بين الرافعي ذلك في الطرف الثالث في كيفية المماثلة.
قوله؛ ولو قطع أو شل إحدى الأنثيين وقال أهل البصر يمكن القصاص من غير إتلاف الأخرى اقتص.
وذكر الروياني أن الماسرجسي قال: إنه ممكن وإنه وقع في عهده لرجل من فزاره. انتهى كلامه.
وهو يوهم أن القصاص وقع للفزاري بالمذكور، وليس كذلك، والذي حكاه القاضي أبو الطيب عن الماسرجسي ونقله عنه في "الكفاية" قبيل باب العفو والقصاص وقوع الحكاية على غير هذه الصورة فقال: وحكى القاضي أبو الطيب عن الماسرجسي أنه قال: رأيت رجلًا من فزارة له إحدى الأنثيين
فسئل عن ذلك فقال: كانت بي حكة فقعدت في الشمس فكنت أحك خصيتي إلى أن انشقت فخرجت إحدى البيضتين وبقيت الأخرى.
قوله: ولا فرق بين المثقوبة وغيرها إذا كان الثقب للزينة ولم يورث شيئًا. انتهى.
واعلم أن الغزالي قد نص في "الإحياء" على أن ثقب أذن الصبية لتعليق الحلق حرام وبالغ فيه مبالغة شديدة لأنه جرح لم تدع إليه حاجة، قال: إلا أن تثبت فيه من جهة النقل رخصة ولم تبلغنا.
ذر ذلك في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الباب الثالث منه في الكلام على منكرات الضيافة.
فإن قيل: للبخاري (1) في حديث أم زرع قولها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: وآنس من حلي أذني ولم ينكر عليها، بل قال لعائشة: إن عشت كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
قلنا: الذي أقر عليه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو نفس التعليق والتثقيب كان قد وقع في صغرها، والتعليق بعد وقوع التثقيب غير حرام لأنه لا محذور فيه.
وآنس بهمزة ممدودة ونون مفتوحة وبالسين المهملة أي: حرك وأسمع يقال: أنست الصوت أي: سمعته.
قوله: ويقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره وإلا لم يقطع، وإن بلغ أوان التكلم ولم يتكلم لم يقطع به لسان المتكلم. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" عليه وهو يقتضي أنه لا يجب القصاص فيه إذا قطع قبل أن ينتهي إلى حد يظهر فيه أثر النطق بالتحريك وغيره حيث قال:
(1) الزاهر (ص/ 480).
وإلا -أي: وإن لم يظهر فيه الأثر المذكور- لم يقطع، وعدم ظهوره إما بأن لم ينته إلى ذلك الزمن، أو بأن ينتهي إليه ولم يحصل فيه ذلك، وقد ذكر الرافعي في كتاب الديات قولين في أن هذا اللسان هل يعطي حكم لسان المتكلم حتى تجب فيه الدية أم لا؟ ، وصحح وجوب الدية وبالغ فيه فقال إنه الذي يوجد في كتب عامة الأصحاب، وعلله بأن الظاهر السلامة، وقاسه على قطع الرجل وغيرها؛ ومثل له بقطع اللسان عقب الولادة. قال: والذي أورده في "الكتاب" أن الدية لا تجب لأن سلامته غير متيقنة، وحكى الإمام قطع الأصحاب به.
هذا كلامه. ومقتضاه تعليلًا وتشبيهًا وجوب القصاص، فتفطن له.
وأما ما دل عليه كلامه هنا من عدم الوجوب فسببه متابعة الإمام والغزالي في التقسيم.
قوله: ولو التأمت الموضحة والتحمت لم يسقط القصاص ولا الدية لأن العادة المستمرة فيها الالتحام؛ فلو أسقطناه لصارت معظم المواضح هدرًا. ثم قال ما نصه: وكذلك الحكم في الجائفة، وعن صاحب "التقريب" وجه أنها إذا التحمت زال حكمها. انتهى.
واعلم أن هذا الكلام الذى ذكره في الجائفة يوهم أن حكم الجائفة كحكم الموضحة في أن التئامها لا يسقط القصاص حتى اغتر ابن الرفعة في "الكفاية" بهذا الإيهام فصرح به، وهو غلط ينبغي التفطن له؛ فإن الجائفة لا قصاص فيها بلا خلاف لأنها لا تنتهى إلى عظم كما صرحوا به في الكلام على الشجاج، فتفطن له.
والذى أراده الرافعي بقوله وكذلك الحكم في الجائفة إنما هو عدم إسقاط واجبها وهو الدية.
قوله: ولو قطع من له ستة أصابع يد معتدلة وقال أهل الخبرة: إن
الست كلها أصلية؛ وذلك بأن انفتقت الأصابع بتقدير العزيز العليم إلى ستة [أجزاء] متساوية في القوة والعمل فللمجنى عليه أن يلتقط بها خمسًا على الولاء من أىّ جانب شاء. هكذا أطلق.
ولك أن تقول: إن لم تكن الست المفروضة على مقطع الخمس المعهودة وهيئاتها فهذا لعله قريب، وإن كانت على تقطيعها فمعلوم أن صورة الإبهام من الخمس تباين صورة سائرها، فإن كانت التي تشبه الإبهام على الطرف فينبغي أن تلتقط الخمس من ذلك الجانب الآخر.
قال الإمام: ويختلج في النفس أن يقال: ليس له لفظ الخمس لوقوع الست على نظم يخالف نظم الخمس المعتدلة، وغموض القطع فيها ثم حقه لا يتوفر بقطع الخمس منها لأنها خمسة أسداس اليد ويده مقطوعة بتمامها فله مع ذلك سدس الدية لكن يحط من السدس شيء لأن الخمس الملقوطة وإن كانت خمسة أسداس فهي في الصورة كالخمس المعتدلة. انتهى.
وما ذكره من عدم التقاط الخمس من إسناده إلى احتمال الإمام فقط تابعه عليه أيضًا في "الروضة"، وقد جزم بذلك القاضي في "تعليقه" قال: لأن في كل أصبع نقصانا من وجه وزيادة من وجه، وتلك الزيادة لم تكن دون حقه فيؤدى إلى أن يأخذ غير حقه فلا يجوز، فإن بادر وقطع الكف ألزمناه حكومة لمكان الزيادة التي كانت في حلقة يد الجاني، وإن قطع خمسًا منها فقد استوفي خمسة أسداس اليد ويبقي له سدس دية اليد ويحط من ذلك شيء لتكون حكومة لزيادة الحلقة فيما استوفي. هذا كلامه.
والعجب من الإمام في عدم وقوفه عليه مع أن مادة "النهاية" من تعليقه.
قوله في المسألة: لو بادر المجني عليه وقطع الست قال صاحب "التهذيب": يعزر ولا شيء عليه، ولو قلت: يلزمه شيء لزيادة الصورة، لم يبعد، وهو القدر المحطوط من سدس الدية الواحدة مع قطع الخمس. انتهى كلامه.
[وتابعه] في "الروضة" على ذلك، وما أبداه احتمالًا قد جزم به القاضي الحسين في "تعليقه"، وقد تقدم ذكره فيما نقلناه عنه في المسألة السابقة وهو القياس الواضح فتعين العمل به لاسيما أن القاضي المذكور أجل من [تلميذه] البغوي.
قوله في "الروضة": المستحب في قصاص الجروح والأطراف التأخير إلى الاندمال، فلو طلب المستحق الاقتصاص في الحال مكن منه على المذهب والمنصوص. ولو طلب الأرش لم يمكن منه على المذهب والمنصوص.
وقيل: في التعجيل في المال والقصاص قولان، فإن قلنا: يعجل المال، ففى القدر المعجل وجهان: أحدهما: تعجل أروش الجراحات وديات الأطراف وإن كثرت فإن حصلت سراية استرد.
والثاني: لا تعجل إلا دية نفس لاحتمال السراية.
قلت: الثاني أصح، والله أعلم.
في كلامه رحمه الله أمران:
أحدهما: أن الرافعي لم يصحح شيئًا من الطريقين لا في القصاص ولا في المال، وإنما صحح أنه يجاب إلى القصاص ولا يجاب إلى المال ولكنه لما فصل الخلاف لم يصحح منه شيئًا.
الثاني: أن تصحيحه هنا لطريقة القطع في المال يخالف ما ذكره في آخر الكتاب فإنه جزم هناك بطريقة القولين.
وفي المسألة كلام أخر نذكره هناك إن شاء الله تعالى.