الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في ترك القتل والقتال بالأمان
قوله: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(1). انتهى.
بقول: خفرت الرجل بالخاء المعجمة أخفره بالكسر خفرًا، فإنه خفير أى: أجرته من عدو له، فأنا مجير له، وتقول: أخفرته، بالهمز إذا نقضت عهده وغدرت به، على أنه يصح أن يقال: أخفرته، بالهمز [أيضًا] إذا بعث معه خفيرًا، والواقع في الحديث مشهور على إرادة المعنى الأول.
ثم ذكر في الباب ألفاظًا منها: الهرمزان المحمول إلى عمر: هو بضم الهاء والميم وبالزاي المعجمة، اسم لبعض أكابر الفرس وهو دهقانهم الأصغر، أسره أبو موسى وبعث به إلى عمر فأسلم ومنها: فصل الرقاشى: هو بالراء المهملة.
ومنها السعادة: أي: تبليغ الخبر، هو بكسر السين كما تقدم في البيع وغيره.
ومنها: العضباء: ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي بالغين المهملة والضاد المعجمة والباء الموحدة. نقول: هذه ناقة عضباء أي: مشقوقة الأذن، وكذلك الشاة.
قال الجوهري. ولم تكن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقوقة وإنما كان ذلك لقبًا لها.
ومنها: الفرس العائر أي: الهارب، هو بعين مهملة.
(1) أخرجه البخاري (1771) ومسلم (1370) من حديث علي رضي الله عنه.
ومنها: قيس بن الشماس، أبوه المذكور بشين معجمة وبالمهملة في آخره.
ومنها: الزبير بن باطا: أما الزبير فهو بفتح الزاي المعجمة وكسر الباء بلا خلاف.
وأما باطا: فهو بباء موحدة بلا مد ولا همز ويقال: باطيا.
قوله: ويجوز للآحاد أمان عدد محصور ولا يجوز لهم أمان من لا ينحصر كأهل إقليم وناحية وبلد، وفي البيان أنه يجوز أن يؤمن واحد أهل قلعة، ولا شك أن القرية الصغيرة في معناها، وعن الماسرجسي: أنه لا يجوز أن الواحد يؤمن أهل قرية وإن قل عدد من فيها، والأشبه الأول.
انتهى. وحاصل ذلك ثلاثة أوجه:
الأول: وهو أشبهها أن العبرة بالحصر وعدمه فيجوز أمان المحصور وإن كانوا هم أهل جميع القرية، ولا يجوز أمان غيرهم كأهل الناحية والبلد.
والثاني: وهو الذي في "البيان" يجوز أمان أهل القرية وما في معناها كالقلعة وإن كانوا غير محصورين لقلتهم غالبًا.
والثالث: يمتنع في القرية ونحوها وإن كانوا محصورين لكونهم جميع من فيها وهو كالعكس من الثاني، وهذا التقرير الذي ذكرته للأوجه قد صرح به في "الشرح الصغير" وإن كان ظاهرا فقال: ولا يجوز لآحاد المسلمين إلا أمان واحد من الكفار أو جماعة محصورين كعشرة وعشرين.
وقيل: يجوز أن يؤمن أهل قلعة وفي معناها القرية الصغيرة.
وقيل: لا يجوز أن يؤمن الواحد أهل قرية وإن قل عددهم، والأشبه الأول. هذه عبارته فجعلها ثلاثة أوجه وإن أشبهها السابق فتفطن
لذلك كله، وكلام ابن الرفعة هنا في "الكفاية" غير محرر.
قوله: قال يعني الإمام: ولو أمن مائة ألف من المسلمين مائة ألف من الكفار فكل واحدًا إذا ظهر انحسام باب الجهاد أو نقصانه فأمان الجميع مردود، ولك أن تقول: إن أمنوهم معًا فرد الجميع ظاهر، وإن أمنوهم متعاقبين فينبغي أن يصح أمان الأول فالأول إلى ظهور الخلل على أن الروياني ذكر أنه لو أمن كل واحد واحدًا جاز، وإن كثروا حتى زادوا على عدد أهل البلدة. انتهى.
قال في "الروضة": المختار أنه يصح أمان المتعاقبين إلى أن يظهر الخلل.
قال: وهو مراد الإمام.
قوله: فالصريح كقوله أجرتك أو أنت مجار أو أمنتك أو أنت آمن أو في أمان.
قال في "البحر": وكذا لو قال: لا بأس عليك، وفي إيراد بعضهم ما يقتضي كونه كناية، ومن الصرائح: لا خوف عليك، وكذا لا تخف أو لا تفزع عند الرويانى، وعن الماوردي أنهما كنايتان. انتهى ملخصًا.
والصحيح أن هذه الألفاظ جميعها صرائح؛ فقد جزم به في "الشرح الصغير" وجزم في "الروضة" بأن لا بأس صريح وصحح ذلك في لا تخف ولا تفزع مدخلًا له في كلام الرافعي فتوجهت عليه اعتراضات ثلاث ذكر التصحيح في الأولى وفي الثانية وحذف الخلاف من الأولى ولم يتعرض لهذه الألفاظ في "المحرر".
قوله: وللأمان شرطان: أحدهما: أن لا يزيد على سنة ويجوز إلى أربعة أشهر وفيما بينهما قولان: أصحهما المنع وحكمه حكم المهادنة حيث لا ضعف. انتهى كلامه.
وما ذكره من أنه لا تجوز الزيادة على سنة وأن فيما بينها وبين أربعة أشهر قولين حتى يجئ القولان في السنة هي طريقة لبعض الأصحاب،
والصحيح أن حكم السنة حكم ما فوقها حتى لا يجري فيه القولان، وكذا ذكره الرافعي في باب عقد الهدنة، وسوف أذكر لفظه هناك فراجعه، وهذا الاختلاف وقع للغزالي في البابين فتابعه عليه الرافعي، وقد تفطن له في "الروضة" فأصلحه هنا غير منبه عليه فقال: وفي قول يجوز ما لم يبلغ سنة.
قوله: وذكر في "البحر" أنه لو زاد على سنة بطل في الزيادة على المشروع دون الباقي، وفي وجه يبطل في الكل تخريجًا من تفريق الصفقة وأنه لو أطلق حمل على أربعة أشهر ويبلغ بعدها المأمن. انتهى كلامه.
واعلم أن في الزيادة على المدة المشروعة طريقين أصحهما تخريجه على تفريق الصفقة، والثاني: القطع بالصحة في الجائز لعدم جهالة العوض. كذا قاله الرافعي في باب الهدنة؛ ولهذا صرح النووي بتصحيحه هنا في أصل "الروضة".
وأما ما ذكره في الإطلاق عن صاحب "البحر" من كونه يصح فالصحيح المذكور في باب الهدنة، خلافه فاعلم ذلك.
قوله: ولا يتعدى الأمان إلى ما خلفه بدار الحرب من الأهل والمال، وأما ما معه منهما فإن وقع التعرض له اتبع الشرط وإلا فوجهان أطلقهما في "النهاية" ورجح المنع لقصور اللفظ، وفي هذا مزيد نورده في خاتمة الكتاب. انتهى.
ثم ذكر هذه المسألة أعني دخول الأهل والمال عند الإطلاق في أخر الباب قبيل كتاب الجزية كما أشار إليه فحكى فيها وجهين من غير ترجيح أيضًا.
ثم قال: وفي "البحر" تفصيل حسن حكاه هو أو بعضه عن "الحاوى"؛ وهو أنه إذا أطلق الأمان يدخل فيه ما يلبسه من ثياب وما يستعمله في حرفته من الآلات وما ينفقه في مدة الأمان للعرف الجاري بذلك ومن كونه إن كان لا يستغنى عنه ولا يدخل غير ذلك. انتهى.
وليس هذا تصريحًا أيضًا بتصحيح والراجح الدخول مطلقًا فقد جزم به الرافعي في أثناء الباب قبيل قوله الثانية المستأمن فقال: إذا دخل الكافر دار الإسلام بعقد أمان أو ذمة كان ما معه من المال والأولاد في أمان، فإن شرط الأمان في المال والولد فهو زيادة تأكيد. هذا لفظه.
وذكر أيضًا مثله في آخر كتاب الجزية فقال في الكلام على الذمي إذا انتقض عهده: وهل يبطل أمان النساء والصبيان ببطلان أمانهم؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم كما كانوا تبعًا في ثبوت الأمان. انتهى.
وقد أطلق النووي تصحيح الموضع الأول في أصل "الروضة" ذاهلًا عن ما ذكره الرافعي بعد ذلك ووافقه عليه فوقع في صريح التناقض، وعبر في "الشرح الصغير" و"المحرر" بقوله: فيه وجهان، رجح منهما منع الدخول ولا تصريح فيه أيضًا لكن صرح في "المنهاج" بتصحيحه.
قوله: قال في "التهذيب": ولو قالوا للأسير لا نطلقك حتى تحلف أنك لا تخرج فأطلقوه لم تلزمه كفارة بالخروج، ولو حلفوه بالطلاق لم يقع كما لو أخذ اللصوص رجلًا وقالوا: لا نتركك حتى نحلفك أنك لا تخبر بمكاننا، فحلف ثم أخبر بمكانهم لا تلزمه الكفارة، لأنه يمين إكراه، وليكن هذا تفريعًا على أن التخويف بالحبس إكراه. انتهى.
قال في "الروضة": ليس هذا كالتخويف بالحبس فإنه هناك تلزمه الهجرة والتوصل إليها بما أمكنه. هذا لفظه.
والذي ذكره رحمه الله لا ينافي ما ذكره الرافعي بالكلية فإن كلام الرافعي في الحنث وعدمه لا في وجوب الهجرة ووجوب أسبابها، ولو حلف كافر شخصًا أنه لا يصلي لزمه أن يصلي، وهل يحنث وتلزمه الكفارة؟ ينبني على أن الحبس هل يحصل به الإكراه أم لا؟
قوله: ولو أطلقوا الأسير وشرطوا عليه أن يعود أو يبعث إليهم مالًا فالعود ممتنع وأما بعث المال فإن قبل الشرط مكرها فهو لغو وإن صالحهم عليه مختارًا فلا يجب بعثه لكن يستحب؛ أما أنه لا يجب فلأنه التزام مال بغير حق، وأما أنه يستحب فليعتمدوا الشرط ويطلقوا الأسارى، وعن "سير الواقدي" حكاية قول: أنه يجب بعثه، وعن أبي إسحاق القطع به، وحكى الإمام بدل هذا عن القديم قولًا: أنه يجب العود إليهم. انتهى كلامه.
هذا الذي ذكره من عدم وجوب المال ذكر في أخر الباب ما يخالفه فقال: ولو قال الأسير للكافر: أطلقني على كذا، ففعل، أو قال له الكافر: افتد نفسك بكذا، ففعل، لزمه ما التزم. هذا لفظه.
ووقع الموضعان كذلك في "الروضة"، واقتصر في "الشرح الصغير" على الموضع الأول.
قوله: فإن لم يشترطا في المبارزة ترك الإعانة لكن اطردت العادة بها فهل هو كالمشروط؟ فيه وجهان؛ الذي أورده الروياني في "جمع الجوامع": أنه كالمشروط. ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا. والصحيح أنه كالمشروط. كذا صححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من "زوائده" بل أدخله في كلام الرافعي وهو غريب فتفطن له.
قوله: وإذا عاقد الإمام على البدل على قلعه كذا بجارية منها فيجوز وهي جعالة على مجهول غير مملوك احتملت للحاجة، ولو وقعت المعاقدة
مع مسلم فوجهان: أصحهما عند الإمام لا يجوز لما فيه من الغرر، وإنما جوزنا في الكافر لأنه أعرف بقلاعهم وطرقهم غالبًا.
والثاني: يجوز، وبه قال العراقيون للحاجة ولأنه أنصح وقد يكون أعرف.
قال الإمام: والوجهان مفرعان على تجويز استئجار المسلم للجهاد وإلا فلا.
انتهى. والصحيح أن استئجاره لا يجوز وحينئذ فإن كان الأمر على ما قاله الإمام لزم تصحيح المنع، وإن كان الأمر على ما أطلقه العراقيون لزم رجحان الجواز، فالحاصل أنه لا يؤخذ من كلام الرافعي هنا تصحيح، وقد سبقت المسألة قبيل النكاح في أول الباب المعقود للغنائم وجزم بما حاصله: الجواز، فتأمله وتفطن له فإنه جزم بجواز النفل بفتح النون والفاء وقال: إنه زيادة، فقال: على سهم الغنيمة، ثم مثل له أعني: المنفل بأمور منها ما ذكره هاهنا، وقد علم أن السهم لا يكون إلا للمسلم فلزم من إطلاقه وتعبيره بالسهم جوازه مع المسلم فراجعه يظهر لك ما قلناه.
قوله في المسألة: وإذا دلنا عليها ولكن فتحناها بطريق أخر لا بدلالته ففي استحقاقه الجارية وجهان نقلهما القاضي ابن كج ورجح منهما المنع. انتهى.
صحح النووي في أصل "الروضة" ما صححه ابن كج.
قوله: ولو ماتت الجارية بعد الظفر بها وقبل التسليم وجب بدلها. وهل تجب قيمتها أو أجرة المثل؟ فيه قولان بناء على أن الجعل المعين في يد المجعول له مضمون ضمان عقد أم ضمان يد، فيه قولان كالصداق؛ فإن قلنا: ضمان عقد، أوجبنا أجرة المثل.
وإن قلنا: ضمان يد، أوجبنا قيمتها. هكذا قاله الإمام.
ثم قال بعد ذلك: والذي يوجد لعامة الأصحاب في المسألة إيجاب قيمة الجارية.
انتهى ملخصًا. ذكر مثله في "الشرح الصغير" وخالف في "المحرر" فلم يذكر ما قاله الجمهور وجزم بمقالة الإمام فقال:
وبدلها أجرة المثل إن جعلنا الجعل مضمونا ضمان العقد وقيمتها إن جعلناه مضمونًا ضمان اليد، وفيه قولان كما في الصداق. انتهى.
وكأنه حال تصنيف "المحرر" لم يستوعب ما في هذه المسألة من الشرح بل نظر أوائلها دون آخرها، وقد تبعه النووي على هذا الاختلاف، وقد نص الشافعي رحمه الله في "الأم" على المسألة فقال في أواخر "كتاب سير الواقدي" في باب: العلج يدل على القلعة ما نصه: وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين إذا أسلمت هذا لفظه.
قوله: فرع: قال القاضي ابن كج: ولو كان الإمام نازلًا تحت قلعة وهو لا يعرفها فقال: من دلني على قلعة كذا فله منها جارية، فقال علج: هي هذه التي أنت عليها، فالمذهب أنه يستحق تلك الجارية إذا فتحت كما لو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله كذا، فوجده إنسان في البلد فجاء به. انتهى كلامه.
وما نقله عن ابن كج من الاستحقاق وأقره عليه قد تابعه عليه في "الروضة" لكن الراجح على مقتضى ما ذكروه في باب: الجعالة، عدم الاستحقاق فإنهم شرطوا التعب ولا تعب هنا، وقياسه على رد العبد من
البلد واضح البطلان لما ذكرناه من الكلفة.
قوله: ولو دخل حربي دارنا بأمان أو رسالة ثم نقض العهد والتحق بدار الحرب لم ينتقض الأمان في المال الذي خلفه عندنا في ظاهر المذهب.
ثم قال: فإن مات أو قتل ففيه قولان: أحدهما: وقد نص عليه في "المختصر" وفي "سير الواقدى" واختاره أبو إسحاق أنه يكون فيئًا.
وأصحهما على ما ذكر في "التهذيب" ونص عليه في كتاب المكاتب: أنه ينتقل إلى وارثه. انتهى. والأصح ما رجحه في "التهذيب"، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في أصل "الروضة".
قوله: ولو حاصرنهم فنزلوا على حكم حاكم فحكم بقتلهم لم يكن له بعد ذلك استرقاقهم، وقيل: يجوز.
وهل يجوز استرقاق المحكوم بقتله إذا أسلم؟
نقل الروياني وغيره أنه لا يجوز، ويجئ على تجويز استرقاقه لو لم يسلم أم يجوز استرقاقه بعد الإسلام أيضًا.
ثم قال: وإذا حكم بالإرقاق فأسلم المحكوم عليه قبل الإرقاق ففي "الوسيط" بناؤه على أن الرق هل هو فوق القتل؟
إن قلنا: لا، جاز إرقاقه كما قبل الإسلام.
وإن قلنا: نعم، لم يجز، والأشبه الجواز؛ لأن الإسلام لا يمنع الإرقاق.
انتهى كلامه. واعلم أن الغزالي في "البسيط" لم يرد ما فهمه عنه الرافعي؛ فإنه ذكر أنه إذا حكم بالقتل فهل له الاسترقاق [فإن](1) فيه وجهان، ثم ذكر أنه لا فرق في هذين الوجهين بين أن يسلم أو لا يسلم، وهذا الخلاف هو الذي نقل الرافعي المنع فيه عن الروياني وغيره وأبدى مقالته وهو الجواز في صورة التخريج غير واقف عليه، وهذا الذي أشار إليه
(1) زيادة من أ.
الغزالي قد أوضحه في "البسيط" وأوضحه قبله الإمام في "النهاية"، ولو راجع الرافعي هنا هذين الكتابين لم يذكر ما ذكره.
قوله: وعن نصه في حرملة: أنه إذا أهدى مشرك إلى الإمام أو الأمير هدية والحرب قائمة فهي غنيمة، بخلاف ما إذا أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار الإسلام.
انتهى كلامه. واعلم أن الرافعي في الباب السابق في أول الطرف الرابع المعقود للاغتنام قد نقل هذا الفرع عن الروياني ولم يقيده بالإمام أو أمير الجيش بل صرح بأن غيرهما كذلك فقال: نقل الروياني أن ما يهديه الكافر إلى الإمام أو إلى واحد من المسلمين والحرب، قائمة لا ينفرد به المهدي إليه بكل حال. هذا لفظه.
وسكت الرافعي عن الهدية في غير حالة الحرب، وقد صرح به الروياني أيضًا في كتاب القضاء فقال: إن كانت الهدية من أجل سلطانه فهي للمسلمين، وإن كانت لمودة تقدمت كانت له، وإن كانت لحاجة عرضت له، فإن كان لا يقدر على قضائها إلا بالسلطان فهي للمسلمين، وإن قدر عليها بدونه فهى له.
قوله: ولو قال الأسير أي للسابي: افدني بكذا، على أن يرجع على ما جاء به فأجابه، رجع عليه، وكذا لو لم يشترط الرجوع في أصح الوجهين على ما ذكر صاحب "التهذيب". انتهى.
صحح النووي في أصل "الروضة" ما صححه صاحب "التهذيب".
قوله: ولو قال الأسير للكافر: أطلقني على كذا، أو قال له الكافر: أفديتك بكذا، ففعل؛ لزمه ما التزم. انتهى.
وما ذكر من اللزوم في المسألتين وتابعه عليه في "الروضة" قد تقدم بنحو أربعة أوراق ما يخالفهما جميعًا؛ فأما المسألة الأولى: فقال فيها هناك:
ولو شرطوا أن يعود حرم العود، فإن شرطوا العود أو يبعث إليهم مالًا فالعود حرام، وأما المال فإن شارطهم عليه مكرهًا فهو لغو وإن صالحهم مختارًا لم يجب بعثه؛ لأنه التزام بغير حق لكن يستحب؛ وفي قول: يجب، لئلا يمتنعوا من إطلاق الأسارى، وفي قول قديم: يجب المال أو العود، والمشهور الأول. هذا كلامه.
وحينئذ فنقول: مقتضى هذا الكلام بطلان اشتراط المال سواء شرطه وحده أو مع غيره فإنه علله بكونه التزاما بغير حق ولم يعلله بشئ آخر، وأيضًا فلو كان شرط المال صحيحًا لكان شرط العود معه المحكوم ببطلانه إما أن يقتضي الصحة في الآخر وهو المال أو الرجوع إلى بدل ذلك وهو ما يبذل في العادة في مثل هذا الأسير؛ فإن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه.
وأما المسألة الثانية: وهي امتثال الأمر فقد جعله هناك كالإكراه فقال عقب الموضع الأول: إنه إذا اشترى منهم الأسير شيئًا ليبعث ثمنه وكان مكرهًا على قبوله فإن العقد لا يصح على المنصوص، وفي قول: يصح، لأنها معاملة مع الكفار.
ثم قال: ولم يجز عقد بل قالوا: خذ هذا وابعث لنا كذا من المال، فقال: نعم، فهو كالشراء مكرهًا. هذا كلامه.
وقياسه أن يقال في مسألتنا وهي ما إذا قال له: افد نفسك بكذا، أنه كالفداء مكرهًا حتى لا يلزمه المال، وأيضًا فقوله: خذه، ليس صريحًا في البيع بل يتوقف على النية ولم يفرض الرافعي وجودها؛ وحينئذ فكيف يكون مقبوضًا بالبيع؟ بل يحتمل الهبة أيضًا والقرض والوديعة ويكون الأمر ببعث المال طلبًا لشئ آخر في مقابلة ما أحسن إليه مثلًا.
قوله في المسألة: فلو استولى المسلمون على المال الذي فدا به الأسير