الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
القسم الثاني في "عدة الوفاة" والسكنى
وفيه بابان
الأول: في عدة الوفاة
قوله: لكن ثبت أن سبيعة الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حللت فانكحى من شئت"، وغسل أبا بكر زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكان أوصى بذلك. انتهى.
أما سبيعة فبضم السين تصغير سبعة بفتحها وضم الباء وقد تسكن للتخفيف وهى اللبؤة أى أنثى الأسد قاله الجوهرى، وأما عميس فتصغير العمس بفتح العين المهملة وسكون الميم وبالسين المهملة وهو التجاهل أى إظهار الجهل بالشيء وأنت عارف به.
قوله: وإذا قلنا في المفقود بالقول القديم وهو أن المرأة تمكث أربع سنين ثم يحكم الحاكم بوفاة زوجها وتعتد عدة الوفاة اقتصرت المدة إلى ضرب القاضي، وقيل: لا بل يكفي مضيها، ثم قال: وإذا ضرب المدة فهل يكون ذلك حكمًا بوفاته أم لابد من استئناف الحكم؟ فيه وجهان: أظهرهما: أنه لابد من الحكم. انتهى.
وهذه المسألة فرد من أفراد تصرفات الحاكم، وقد اختلف كلام الرافعي وكلام "الروضة" في أن تصرفه حكم أم لا؟ وقد تقدم ذكره مبسوطًا في النكاح في بيان الأولياء فليراجع.
قوله: وإذا حكم الحاكم بالفرقة فهل تعتد ظاهرًا وباطنًا أم ظاهرًا فقط؟ وجهان، أو قولان. انتهى.
هذه المسألة فرد من أفراد قاعدة وهي ما إذا حكم الحاكم في المسائل المختلف فيها، فهل ينفذ حكمه ظاهرًا وباطنًا حتى يحل للمحكوم له ذلك أم لا؟ وجهان، والأكثرون مائلون إلى النفوذ في الباطن أيضًا، كذا ذكره
الرافعي في كتاب دعوى الدم، وفي كتاب الدعاوى، وقد جزم الرافعي في الموضعين المذكورين وفي غيرهما بأن الخلاف وجهان، فعلم منه الراجح مما تردد فيه الرافعي هنا، وذكر في "الروضة" هنا مثل ما ذكر الرافعي، ثم شرع من زوائده في ذكر الأصح من الخلاف فلم يتجوز له لكونه مذكورًا في غير مظنته فلم يكمل الكلام، وذكر مبتدأ بلا خبر وترك بياضًا ليلحقه إن يحرر له -رحمه الله تعالى-.
قوله: وإذا أرضعت المتزوجة ولدها من غير الزوج في بيت زوجها ولم يقع خلل في التمكين فعلى الزوج نفقتها وسواء وجب عليها الإرضاع أم لا وإن خرجت للإرضاع بغير إذنه سقطت نفقتها، وإن خرجت له بإذنه فوجهان بناء على ما لو سافرت بإذنه لحاجتها، وإذا كان الإرضاع واجبًا كاللبأ أو عند فقد غيرها فعليه أن يأذن. انتهى.
وما ذكره من كون الخروج للإرضاع بغير إذن الزوج مسقطًا للنفقة إن كان المراد به حالة وجود الزوج في البيت أو حالة غيبته ولكن خرجت للاستقرار فغربت وإن أراد مطلق الخروج حتى يتناول الخروج للمرة الواحدة في غيبة الزوج، فقد ذكر في كتاب النفقات في الباب الثاني في مسقطات النفقة في نظير المسألة ما يخالفه، فإنه نقل عن البغوى أن الخروج في غيبة الزوج إلى بيت أبيها لزيارة أو عيادة لا على وجه النشوز لا يكون مسقطًا للنفقة وارتضاه ولم يخالفه، والخروج لإرضاع الابن كزيارة الأب فكل منهما طاعة وبر وصلة رحم لا على جهة النشوز، وقد تابعه في "الروضة" على الموضعين وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى والصواب هو المذكور هناك، فإن المقصود وهو الاستمتاع لم يقع فيه خلل، غاية ما في الباب أن يكون صدر منها ذنب وإذا تقرر الاستحقاق عند عدم الإذن فمع الإذن أولى، والتخريج على السفر تخريج عجيب، فإن الاستمتاع يتعذر به بخلاف الخروج للإرضاع.
قوله: روي عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار".
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلى إلا الشيء اليسير، وقوله من قسط أو أظفار هما نوعان من البخور، والمعنى لا تمس طيبًا إلا إذا طهرت من الحيض تمس شيئًا يسيرًا منهما لقطع الروائح الكريهة، والممشقة المصبوغة بالمشق وهو المعرة ويقال شبه المغرة وهو شبه الطين الأحمر، وقد تحرك العين. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره في آخر كلامه من جواز القليل منها للحائض إذا طهرت، ذكر مثله النووي في "شرح مسلم" فقال هما نوعان من البخور وليسا من مقصود الطيب، رخص لها فيه لإزالة الرائحة الكريهة لا للطيب هذا كلامه، وقد أسقط النووي هذه المسألة من "الروضة" وهى مسألة مهمة نفيسة، ويظهر إلحاق المحرمة إذا طهرت من حيض أو نفاس بالمعتدة، بل أولى لقصر زمن الإحرام، ولأن الطيب فيه أخف بدليل وجوب إزالته إذا شرعت في العدة بخلاف الإحرام.
الأمر الثاني: في الكلام على هذه الألفاظ وهى العصب والنبذة والقسط والأظفار والمشق والمعزة فالعصب بعين مفتوحة وصاد ساكنة مهملتين وبالباء الموحدة نوع من برود اليمين.
والنبذة بضم النون وبالذال المعجمة هى: القطعة.
والقسط بقاف مضمومة وسين ساكنة وطاء مهملتين: طيب معروف، وكذلك الأظفار بالظاء المعجمة، وهو جمع لا واحد له من لفظه وقيل مفرده ظفر حكاه ابن الأثير في "النهاية"، قال: وروي قسط ظفار أى بالإضافة،
وروى أيضًا بالوطف كما سبق، والمشق بميم مكسورة وشين معجمة ساكنة، وقد فسرها الرافعي بالمعرة وهى ميم مفتوحة، وعين معجمة ساكنة وقد تفتح كما ذكره الجوهري، والعامة تنطق به مضموم الميم، وأما الدمام فهو بدال مهملة مكسورة وميمين بينهما ألف وهو كل شيء يطلى به الوجه.
قوله: وعن عائشة وحفصة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" قال الأئمة إلا على زوج مستثنى من قوله: "لا يحل وظاهره لا يقتضى إلا الجواز لكن أجمعوا على أنه أراد الوجوب، ثم قال ولا إحداد على المعتدة عن الوطء بالشبهة والنكاح الفاسد وأم الولد، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة" الحديث، قد يحتج به لتحريم الإحداد على الموطوءة بالشبهة وأم الولد. انتهى كلامه.
وما ذكره من الإجماع على وجوب الإحداد ليس كذلك ففي "الشامل" عن الحسن البصري أنه مستحب لا واجب، وما ذكره أيضًا من أنه قد يحتج بالحديث المذكور على هذين تبعه في "الروضة" أيضًا على خلاف الغالب من حاله وهو غريب جدًا، فإنه لا إشعار له بذلك بالكلية، والظاهر أن الرافعي سها من حديث إلى حديث فتابعه عليه النووي غير متأمل له.
واعلم أن القاعدة الأصولية أن ما كان ممنوعًا منه لو لم يكن واجبًا فإذا دل دليل على جوازه كان ذلك نفسه دليلًا على وجوبه كالركوعين في الخسوف، فإن زيادة الركوع الثاني والقيام الثاني في غير الكسوف لا تجوز ولما دل الدليل على جواز فعلهما في تلك الصلاة، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم له كان فعلهما واجبًا فيها. هكذا ذكر هذه القاعدة جماعة منهم الإمام فخر الدين في "المحصول" وغيره.
وإذا استحضرت هذه القاعدة استفدت من الحديث المذكور وجوب الإحداد على المتوفي عنها زوجها وجهًا؛ لأن الإحداد حرام، وقد جاز في هذه الصورة فيكون واجبًا.
قوله: ويجوز لها التنظيف بغسل الرأس والامتشاط ودخول الحمام وقلم الأظفار والاستحداد وإزالة الأوضاح فإنها ليست من الزينة. انتهى.
وما ذكره من التعليل بنفي الزينة ذكره في "الروضة" أيضًا، لكنه صرح في الباب الثالث من أبواب الجمعة بأن هذه الأمور من الزينة؛ فإنه قال: يستحب للذاهب أمور. . . . ثم قال: الثالث: التزين: فيستحب التزين للجمعة بأخذ الشعر والظفر والسواك وقطع الروائح الكريهة وبلبس أحسن الثياب. هذا كلامه.