الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه فهل يكون غنيمة أم يرد إليه؟ فيه وجهان؛ قال في "الروضة": الأصح أنه يرد إليه.
قال: وقد سبق عن صاحب "البيان": أنه مقتضى المذهب.
كتاب [عقد](1) الجزية والمهادنة
فيه بابان
الباب الأول: في الجزية
اعلم أن الرافعي رحمه الله قد ذكر في الباب ألفاظًا منها: بريدة: أحد الصحابة رضي الله عنهم، هو بباء موحدة مضمومة تصغير بردة.
ومنها: الأكيدر: الذي أحضره خالد من الشام، هو بهمزة [مضمومة] مصغر أكدر وهو الذي في لونه كدرة.
ومنها: السفارة: أي: النيابة، وهي بالكسر كما سبق في مواضع.
ومنها: الخول: بفتح الخاء المعجمة والواو وباللام في آخره، وهم العبيد كما سبق في الغنيمة.
ومنهما: في حدود الحجاز حرة: أما الحرة فبالحاء المفتوحة والراء المهملتين، وهي أرض ذات حجارة سود.
وأما واقم: فبالقاف المكسورة، قال الجوهري: هو اسم لحصن من حصون المدينة، والحرة المذكورة مضافة إليه.
ومنها: فلسطين: وهي بكسر الفاء وفتح اللام، ناحية مشهورة من الشام متصلة بديار مصر وكرسيها بين المقدس وغزة.
ومنها: المخاليف: جميع مخلاف بميم مكسورة وخاء معجمة ساكنة، وهي القرى، وهو -أي: المخلاف- اسم لقرى مجتمعة، ويعبر عنه أيضًا
(1) سقط من ب.
بالكورة، ولكل من تلك القرى اسم يخصه.
ومنها: يبرين: هي بفتح الياء بنقطتين من تحت وإسكان الباء الموحدة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم نون، وهو موضع معروف شرقي مكة وراء اليمامة وفيه نخل، ذكره الجوهري في فصل الباء الموحدة من باب النون، فجعل الباء زائدة والنون أصلًا على أن وزنه تفعيل، وغلطوه في هذا وقالوا: الصواب ذكره في فصل الياء المثناة من تحت من باب الراء على أن الباء أصل والنون زائدة ووزنه فعلين ومنها: وج: بواو مفتوحة وجيم مشددة شعب في الحج.
ومنها: زهاء: بضم الزاي والمد، يقول: له عندي زهاء ألف أي: قدر ألف.
ومنها: الميرة: بكسر الميم، اسم للطعام، ومنه قوله تعالى:{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} (1).
ومنها: الفتك: بثاء مثلثة أي: تضم وتفتح وتكسر وفاء ساكنة ثم كاف، وهو القتل على غفلة من المقتول، وقد تقدم في الجنايات أن القتل ينقسم إلى أقسام هذا أحدها.
ومنها: أيلة: بهمزة مفتوحة وياء ساكنة بتقطتين من تحت، هي بلدة معروفة على ساحل البحر الملح في طريق الحاج المصرى، وعقبة أيلة مضافة إليها، وهذه البلدة هي آخر الشام وأول الحجاز، وهي المشار إليها بقوله تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} (2).
ومنها: المعتمل: بميم مضمومة وعين مهملة ساكنة وتاء مثناة من فوق بعدها لام، معناه: الكسوب، وهو مفتعل من الكسب أى العمل.
(1) سورة يوسف (65).
(2)
سورة الأعراف (163).
ومنها: ياروس المجوس: لم أقف فيه على كلام.
ومنها: نسف: بنون ثم سين مهملة مفتوحة، اسم لبلدة من بلاد الشرق، وإليها ينسب النسفي صاحب "الخلافيات".
ومنها: الأكهب: بكاف ثم هاء ثم باء موحدة، وهو الأحمر الذي ليس بخالص في الحمرة؛ يقال بغير أكهب واضح المكهبة بضم الكاف، والكهب بفتحها وفتح الهاء.
ومنها: الكستيحات: اسم للزنار، أما الزنار: فبضم الزاى، وأما اللفظ الأول فلا أعلم من ذكره.
ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام قتل ابن خطل والقينتين (1).
أما خطل: فبخاء معجمة ثم طاء مهملة مفتوحتين بعدها لام، واسم ولده المقتول عبد العزى، وقال ابن الكلبي: غالب، وقال ابن إسحاق: عبد الله، وأما القينتان: فتثنية القينة بقاف وياء بنقطتين من تحت ونون، وهي الأمج سواء كانت تغني أم لا والعبد يقال له قن، والقينتان المذكورتان كانتا لابن خطل المذكور وكانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهجاء المسلمين.
ومنها القت: بقاف مفتوحة وبالمثناة من فوق، وهو نبات رطب تأكله الدواب، يعبر عنه في صعيد مصر: بالقرط.
قوله: ولو طلب الأسير عقد الذمة ففي تحريم قتله قولان: أولاهما التحريم، فإن دخل حربي دارنا وبقى مدة ثم اطلعنا عليه فطلب عقد الذمة. فإن قلنا: إن الأسير يقرر، فكذلك هذا وإلا فوجهان، وإيراد الإمام يشعر بترجيح الإجابة. انتهى ملخصًا.
(1) أخرجه ابن أبى شيبه (7/ 398) والحارث في "مسنده"(698).
رجح في "الشرح الصغير" ما أشعر به كلام الإمام فقال: والأرجح الإجابة وصححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من "زوائده" فتفطن له.
قوله: وما اشتهر أن الرسول آمن فقال الروياني: هو في رسالة فيها مصلحة للمسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان رسولًا في [وعيد] وتهديد فلا أمان له ويتخير الإمام فيه بين الخصال الأربع كالأسير. انتهى.
وهذا الذي قاله الروياني قد جزم به أيضًا الماوردي، وقد رد في "الروضة" هذه المقالة واقتضى كلامه انفراد الروياني بذلك فإنه قال: ليس ما ادعاه بمقبول والصواب: إنه لا فرق. هذا لفظه.
نعم ذكر الرافعي قبل ذلك في باب كيفية الجهاد أن الرسول لا يجوز قتله ولم يستثن شيئًا بالكلية فدل على ضعف هذه المقابلة.
قوله: فإن أعتقه ذمي فيستأنف له عقد أم يكتفي بعقد سيده في حقه؟
أجرى صاحب "التهذيب" فيه الخلاف المذكور في الصبي إذا بلغ.
وعن "الحاوي" حكاية وجوه في أنه تلزمه جزية سيده، أو جزية عصبته لأنهم أخص به، أو يستأنف له عقد آخر. انتهى. ومقتضى كلامه في "الشرح الصغير" رجحان الاستئناف؛ فقد صرح بتصحيحه النووي في "زوائده".
قوله: ولا جزية على امرأة أو خنثى، فإن بانت ذكورته فهل تؤخذ منه السنين الماضية؟ وجهان. انتهى.
قال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح الأخذ.
قلت: بل ينبغي تصحيح عكسه؛ فقد تقدم قبل هذا بقليل في أثناء الركن الأول أنه إذا دخل حربي دارنا وبقى مدة ثم اطلعنا عليه لا نأخذ منه
شيئا لما مضى على الصحيح الذي حكاه الإمام عن الأصحاب؛ لأن عماد الجزية القبول وهذا حربي لم يلتزم شيئًا، وما قالوه بعينه موجود هنا بل أولى؛ لأنا تحققنا الأهلية هناك ولم نتحققها هنا.
قوله: وإذا حاصرنا قلعة ولم يكن فيها إلا النساء فطلبن عقد الذمة بالجزية ففيه قولان منقولان عن الأم: أحدهما: أنه يعقد لهن عقد الذمة لأنهن يحتجن إلى صيانة أنفسهن عن الرق كما يحتاج الرجال إلى صيانة أنفسهم عن القتل؛ فعلى هذا يشترط عليهن أن تجري عليهن أحكام المسلمين ولا نسترقهن ولا [نأخذ] منهن شيئا.
والثاني: لا يعقد الإمام لهن، فإذا فتح القلعة سباهن.
والقولان متفقان على أنه لا تقبل منهن جزية ولا تؤخذ منهن أخذ إلزام.
هذا ما نقله عامة الأصحاب على اختلاف طبقاتهم، وشذ عنهم الإمام فنقل الخلاف وجهين وجعلهما في أنه هل يلزم قبول الجزية وترك إرقاقهن؟ انتهى ملخصًا.
وما ذكره من حكاية الإمام لوجهين لا قولين هو كذلك في هذا الباب من "النهاية" لكنه ذكرها أيضًا في باب جامع السير وحكى الخلاف قولين كما ذكره غيره فذهل الرافعي عن هذا الموضع.
واعلم أن الماوردي حكى وجهين في وجوب إعطائهن ذلك بعد التزامه فقال: فعلى هذا هل تلزمهن الجزية ببذلهن أم لا؟
على وجهين: أحدهما: [يلزمهن أداؤها بعد إعلامهن عند العقد أنهن من غير أهلها](1) فإن امتنعن من بذلها بعد لزومها خرجن عن الذمة.
والوجه الثاني: لا.
هذا كلامه.
(1) سقط من أ.
قوله: وأما حرم مكة -زادها الله تعالى شرفًا- فيمنع الكافر من دخوله ولو كان مجتازًا، وهو من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على سبعة ومن طريق جدة على عشرة؛ كذا حكاه الماوردي وجماعة، ولعله أورده في كتاب الحج. انتهى.
لم يذكره الرافعي هناك، وقد حذفه النووي من هنا اعتمادًا على تقدمه في ذلك الموضع فلزم خلو "الروضة" عنه، وقد جزم البغوي في هذا الباب من "التهذيب" بالتحديد المذكور وعجب من ذهوله عنه حتى نقله عن الأحكام السلطانية.
والسبعة المذكورة في العراق والطائف هي بسين ثم باء، بخلاف المذكورة مع الجعرانة فإنها بتاء مثناة ثم سين، وقد جمع بعضهم الحدود المذكورة في بيتين فقال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة
…
ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه
وسبعه أميال عراق وطائف
…
وجدة عشر ثم تسع جعرانة
قوله: وإن استأذن في دخوله عبر الحجاز أذن له إن كان في دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة أو عقد هدنة أو حمل متاع يحتاج إليه المسلمون، وإن كان دخوله لتجارة ليس فيه كبير حاجة للمسلمين لم يأذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارته شيئًا. انتهى.
[. .](1).
قوله: أقل الجزية دينار لكل سنة، ويستحب للإمام أن يماكسهم حتى يأخذ من الغنى أربعة دنانير ومن المتوسط دينارين.
(1) بياض في الأصل.
قال الإمام: وموضع المماكسة ما إذا لم يعلم الكافر جواز الاقتصار على دينار، فإن علم بطلت الزيادة استماحه. انتهى.
قال الجوهري: محت فلانًا أعطيته واستمحته سألته العطاء.
قوله: تؤخذ الجزية على سبيل الصغار بأن يكون الذمي قائمًا والمسلم الذي يأخذها جالسًا ويأمره أن يخرج يده من جيبه أى طوقه ويحني ظهره ويطأطئ رأسه ويصب ما معه في كفة الميزان ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في همزته وهي مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن وهذا معنى الصغار في الآية عند بعضهم، وهذه الكيفية مستحبة وقيل واجبة.
انتهى ملخصًا. وهذا الذي جزم به الرافعي من أخذها على هذه الكيفية عجيب مخالف لنص الشافعي وتفسير الصغار في الآية بها أعجب.
أما النص: فقد قال الشافعي في كتاب السير من "إملائه" على كتاب الواقدي ما نصه: ولم أسمع مخالفًا في أن الصغار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الكفر. انتهى.
كذا رأيته في "كتاب الجزية" لابن الحداد نقلًا عنه.
ونقل الشيخ أبو حامد في "تعليقته" عن أهل التفسير أنهم فسروا الصغار بما ذكره الرافعي، ثم قال ما نصه: قلنا: ليس هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه، بل الصغار عنده هو رضاهم بجريان حكم لا يعتقدون صحته عليهم. ثم أطال الشيخ أبو حامد الاستدلال على ذلك، وذكر أصحاب الشيخ أبي حامد كالبندنيجي والمحاملي نحوه أيضًا، وقال الماوردي في الحاوي في قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} (1) أن الشافعي فسر الإعطاء في الآية بالالتزام، وأبو حنيفة فسره بالدفع، ونقل في "البيان" مثله عن نصه في "الأم" و"المختصر".
(1) سورة التوبة (29).
وأما بطلان تفسير الصغار في الآية بذلك فلأن الله تعالى أوجب مقاتلتهم إلى إعطاء الجزية فقال: {قَاتِلُوا الَذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} (1) فجعل غاية المقاتلة إعطاء الجزية، والمقاتلة تنقطع بالالتزام إجماعًا؛ فيبطل بذلك تفسير الإعطاء بالدفع؛ فصار هذا كقوله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَلَاةَ وَآتَوُا الزَكَاةَ فَخَلُوا سَبِيلَهُمْ} (2)، ثم إن الرافعي رحمه الله في أول الباب قد فسر الصغار أيضًا بذلك فقال: الأصح عند الأصحاب تفسير الصغار بالتزام ذلك وقالوا أشد الصغار على المرء أن تحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله.
واعلم أن النووي رحمه الله قد أنكر أيضًا أيضًا هذه الكيفية إلا أنه لم يطلع على ما ذكرناه من النصوص ولا أبدى ما ذكرناه من ما يبطل التفسير بها بل استند إلى كلام بعض الأصحاب فقال: قلت: لا نعلم لهذه الكيفية أصلًا معتمدًا وإنما ذكرها طائفه من أصحابنا الخراسانيين، وقال جمهور الأصحاب: تؤخد الجزية برفق كأخذ الدين. هذا خلاصة ما ذكره.
قوله: ويجوز أخذ الجزية باسم الزكاة ولكن بضعف الواجب؛ فنأخذ مثلًا من خمس من الأبل شاتين ومن ست وأربعين حقتين، فإن لم نجدها فبنتي لبون مع الجيران.
وفي تضعيف الجبران وجهان: أحدهما: يضعف فيأخذ مع كل بنت مخاض [شاتان أو عشرين درهمًا .. إلى أخره.
وهذا الكلام قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو خطأ ظاهر وسببه إسقاط شيئًا من مسودة الرافعي "الشرح الصغير" فإنه قال: فيه وجهان:
(1) سورة التوبة (29).
(2)
سورة التوبة (5).
أحدهما: يضعف فيأخذ عن بنت مخاض] (1). أربع شياه أو عشرين درهما؛ لأنه نقص الصدقة.
والأصح: المنع وهو المذكور في الكتاب، لأن في تضعيف الجبران تضعيف التضعيف فلا نأخذ مع كل بنت مخاض إلا شاتين أو عشرين درهما. هذا كلامه.
فسقط الكلام المشتمل على بيان المذهب الصحيح وهو من لفظه: يأخذ إلى مثلها، وقد بين الفوراني في "الإبانة" لزوم تضعيف التضعيف فقال: وذلك أنا ضعفنا حتى أخذنا منه مكان الحقة حقتين ثم انتقلنا إلى ابنتي لبون فإذا أخذنا مع بنتي اللبون أربع شياه وهذا جبران وتضعيف ولولا التضعيف لأخذنا منه شاتين. هذا كلامه.
قوله: وأما الذمي فله أن يتجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام ولا يؤخذ من تجارته شئ.
قال في "البيان": إلا أن يشترط عليه مع الجزية شئ من تجارته. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، والذي قاله المذكور أعني: العمراني قد سبقه إليه الماوردي في "الحاوي" والروياني في "البحر"، وهو واضح منقاس.
قوله: وإن بدأ الذمي بالسلام فلا نجيبه. قاله في "التهذيب". انتهى كلامه.
وهذا الذي نقله عن البغوي وارتضاه مخالف لما نقله عن صاحبه المتولي في كتاب السير وارتضاه أيضًا من كونه يحييه بقوله وعليك.
(1) سقط من أ.
وقد تقدم ذكره في موضعه وأن ذلك هو الصواب.
وقال النووى هنا: ما ذكره البغوي هو وجه حكاه الماوردي، والصحيح بل الصواب أن يجاب بما ثبت في الأحاديث الصحيحة: وعليكم. هذا لفظه.
والتعبير بضمير الجمع في عليكم مخالف لما ذكره الرافعي هناك ووافق عليه في "الروضة" وفي باقي كتبه من التعبير بضمير المفرد.
قوله: ولا يجوز لمسلم أن يوادهم؛ قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا} (1) الآية. انتهى.
وما ذكره هنا من تحريم الموادة قد خالفه في أول باب الوليمة فجزم بالكراهة، وتابعة في "الروضة" على الموضعين.
قوله: ولو كان لمسلم على ذمي دين فقضاه وجب القبول إذا لم يعلم أن المؤدي من محرم، فإن علم بأن باع الخمر بين يديه وأخذ ثمنها فهل يجبر على قبوله؟ وجهان:
أصحهما: لا يجبر، وهو المنصوص، بل لا يجوز القبول. انتهى.
واعلم أنه قد سبق في نكاح المشركين أنه إذا ترابى الذميان فباعه درهمًا بدرهمين وأسلما أو ترافعا إلينا قبل الإسلام، فإن جرى تقابض لم يلزم الرد، ولا فوق في ذلك بين أن يكون التقابض برضاهم أو بإجبار قاضيهم.
وإذا علمت ما تقدم هناك علمت منه أن الكافر يملك ثمن الخمر الذي باعه ولهذا لم يوجب عليه الرد في الكفر ولا بعد الإسلام، وإذا ملكه لزم منه وجوب قبوله في مسألتنا فترجع خلافه ذهول عن ذلك، وقد جزم
(1) سورة المجادلة (22).
القفال في "فتاويه" بما ذكرته حكمًا وتعليلا فقال: لو باع ذمي لذمي خمرًا بألف فجاء مسلم وضمن الألف عن الذمي فقال لا يصح لأنهما لو أسلما قبل القبض سقط، أما إذا قبض الثمن وهناك مسلم يشاهده فاشترى بعين تلك الدراهم من هذا المسلم فإنه يصح ويحل للمسلم تملك تلك الدراهم لأنهما لو أسلما لكانت الدراهم تحل لهذا القابض. هذا كلامه.
والمسألة التي ذكرها أولًا مسألة مهمة.
قوله: وتؤخذ النساء بالغيار في أظهر الوجهين ثم قال: وإذا قلنا به فقال الشيخ أبو حامد: يجعل الزنار فوق الإزار وفي "التهذيب" وغيره: تحته لئلا يصف بدنها، وأشار بعضهم إلى اشتراط ظهور شيء منه. انتهى.
قال في "الروضة": هذا لابد منه وإلا فلا يحصل كثير فائدة.
قوله: والتمييز في الحمام ينبني على أنه يجوز لهن دخول الحمام مع نساء المسلمين.
قال في "التهذيب": وأظهر الوجهين منعه لأنهن أجنبيات في الدين، وقد يفهم من هذا السياق أن لنساء المسلمين أن يدخلنه بلا حجر.
وعن ابن أبي هريرة أنه قال: لا يجوز إلا عن ضرورة لقوله عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة خلعت ثوبها في غير بيت زوجها فهي ملعونة"(1).
(1) أخرجه أبو داود (4010) والترمذي (2803) وابن ماجه (3750) وأحمد (24186) و (25446) و (25668) والدارمي (2651) والحاكم (7780) والطيالسي (1518) والطبراني في "الأوسط"(3286) و (4743) وأبو يعلي (4680) وعبد الرزاق (1131) و (1132) والبيهقى في "الشعب"(7771) و"الكبرى"(14580) وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 325) والخطيب في "التاريخ"(3/ 58) وابن عدي في "الكامل"(6/ 448) وابن حبان في "المجروحين"(3/ 5) من طرق عن عائشة رضي الله عنها.
قال الترمذي: حسن.
وقال الألباني: صحيح.
انتهى. والأصح في دخولهن مع نساء المسلمين ما قاله البغوى. كذا صححه النووي من "زوائده" في أوائل النكاح، واقتصر هنا على كلام البغوى، والأصح الأشهر كما قاله في "الروضة" هنا أنه لا يحرم دخولهن الحمام بلا عذر لكن يكره، وجزم الغزالي في "الإحياء" بالتحريم فقال: يحرم عليها دخوله إلا لنفاس أو لمرض.
قوله في أصل "الروضة": ولو زنا ذمي بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو تطلع على عورة المسلمين ونقلها إلى دار الحرب أو فتن مسلما عن دينه ودعاه إلى دينهم ففي انتقاض عهده طرق: أصحها أنه إن لم يجر لم ينتقض وإلا فوجهان، ويقال: قولان: أصحهما: لا ينتقض.
وهل المعتبر في الشرط الامتناع من هذه الأفعال أم انتقاض العهد إذا ارتكبها؟ صرح الإمام والغزالي بالثاني وكثيرون بالأول، ولا يبعد أن يتوسط فيقال إن شرط الانتقاض فالأصح [الانتقاض](1) وإلا فالأصح خلافه. انتهى كلامه.
فيه أمران: أحدهما: أن هذا الترجيح الأخير مناف لتصحيحه الانتقاض مع الشرط؛ ولهذا لم يذكر الرافعي ذلك التصحيح بل حكى عن طائفة الانتقاض وعن آخرين المنع ثم ذكر هذا الترجيح، وحاصله أنه توسط بين المقالتين فأخذ في كل ماله بقول طائفة.
الأمر الثاني: أن تعبيره في أول المسألة أو فتن مسلمًا عن دينه ودعاه إلى دينهم: تعبير عجيب؛ فإن صدره يقتضي أنه لابد من انتقال المسلم عن الإسلام وآخره يقتضي الاكتفاء بدعائه إليه، فهل المعتبر الأول أو الثاني؟
قهم: وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فالمذهب أنهما كالزنا
(1) سقط من أ.
بمسلمة.
انتهى. وتعبيره في القتل يشمل قتل المسلم، الذمي، وقيد في "التنبيه" المسألة بقوله للمسلم، وكذا القول في قاطع الطريق، فإنه قال: أو فتن مسلمًا عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق، وأقره النووي في تصحيحه ..
قوله: الثالثة: حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل نبلغهم المأمن؟ فيه قولان: أحدهما: نعم لأنهم دخلوا دارنا بأمان فيبلغون المأمن كمن دخل بأمان صبي.
وأصحهما على ما في "التهذيب" وغيره: المنع، بل يتخير الإمام بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لأنه كافر لا أمان له كالحربي. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا وفيه أمران:
أحدهما: أن التخيير بين هذه الأمور ليس على إطلاقه بل شرطه أن لا يطلب الذمي الذي انتقض عهده تجديد العهد، فإن طلب وجبت إجابته إلى عقد الذمة ولا يجوز قتله.
كذا نبه إن فعل ما يوجب حدًا أقمناه عليه قبل ذلك.
الأمر الثاني: أن ما اقتضاه كلامه من تصحيح عدم البلوغ إلى المأمن يشكل عليه ما ذكره في أوائل باب الهدنة فإنه قال بعد هذا الموضع بنحو أربعة أوراق ما نصه: فأما من دخل دارنا بأمان أو مهادنة فلا يغتال وإن انتقض عهدهم بل نبلغهم المأمن. كذلك نقله القاضيان ابن كج والروياني وغيرهما.
هذا لفظه، مع أن حق الذمي آكد من حق المأمون والفرق بينها مشكل.
قوله: ومن قذف النبي صلى الله عليه وسلم كفر بالاتفاق، فإن عاد إلى الإسلام فقيل: لا شيء عليه.
وقيل: يقتل حدًا لأنه حد قذف فلا يسقط بالتوبة.
وقيل: يجلد ثمانين ولو لم يقذف صريحًا لكن عرض.
وقال الإمام: الذي أراه أنه كالسب الصريح في اقتضاء الكفر لما فيه من الاستهانة. انتهى.
قال في "الروضة": الذي قاله الإمام متعين وبه قال آخرون، ولا نعلم فيه خلافًا.
هذا لفظه، وما ذكره من عدم الخلاف صرح به الغزالي في "البسيط" فقال: قيل: إنه يوجب التعزيز، والأظهر أنه رده. هذا لفظه.
قوله: يؤخذ على أهل الذمة أن يخفوا دفن موتاهم ولا يخرجوا جنائزهم ظاهره ولا يظهروا على موتاهم لطمًا ولا نوحًا .. إلى آخر ما ذكر.
ثم قال: حكى أكثر هذا عن الحاوي، وما نقله الرافعي في المسائل الثلاث التي ذكرناها هو من جملة ما ذكره الماوردي إلا أنه قال إنها لا تجب بالعقد وفي وجوبها بالشرط وجهان، وجزم في "الأحكام السلطانية" بوجوبها إذا شرطت، واقتضى ذلك، وقد أوضحت المسألة في باب حمل الجنازة والدفن من كتاب "الهداية إلى أوهام الكفاية".