الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الديات
وفيه أبواب:
الباب الأول: في دية النفس
قوله: روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعتى الناس على الله تعالى ثلاثة: رجل قَتَلَ في الحرم، ورجل قَتَلَ غير قاتله ورجل قَتَلَ رجلًا بذحل في الجاهلية"(1).انتهى.
العتو: بالتاء المثناة: وهو التجبر والتكبر، يقول: عتا يعتو عتوًا وعتيا بضم العين وكسرها فهو عات، وأما عثيا بالثاء المثلثة يعثو فمعناه أفسد، وكذلك عثي بكسر الثاء يعثي بفتحها؛ قال تعالى:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (2) وأما تعبيره بقوله: غير قاتله، فهو مجاز جعل قاتل مورثه قاتلًا له، ومنه في حديث جبير:"أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم"(3).
(1) أخرجه أحمد (6757)، والحارث في "مسنده"(697)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 410) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأخرجه أحمد (16423)(16425)، والحاكم (8025)، والطبراني في "الكبير"(22/ 190) حديث (498)، والبيهقى في "الكبرى"(15671)، وابن أبي عاصم في "الآحاد المثاني"(2303) والبخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 277)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 302) من حديث أبي شريح مرفوعًا.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(2)
البقرة: 60.
(3)
أخرجه البخاري (6769)، ومسلم (1669).
وأما الذحل فهو بذال معجمة وحاء مهملة ساكنة وهو الحقد والعداوة، يقال: طلب بذحله أي: بثأره، والجمع ذحول، قاله الجوهري.
والحديث المذكور رواه جماعة منهم ابن عدى في "الكامل".
ووقع في الباب هنا ألفاظ.
منها: السن الشاغبة بشين وغين معجمة بعدهما باء، وهي الزائدة التى خالف نباتها نبات الأسنان.
ومنها الفسطاط بيت من شعر، وفستاط بالتاء، وفساط بسين مشددة لغتان فيهما وكسر الفاء لغة فيهن؛ فتحصلنا على ست لغات.
وسميت مدينة مصر بالفسطاط لأنها بنيت في الموضع الذى كانت فيه خمية عمرو بن العاص حين فتحها لما كان أميرًا على الجيش.
ومنها المهرية والأرحبية نوعان من الإبل تقدم الكلام عليهما في الزكاة.
ومنها الإيالة بهمزة [مكسورة] وياء بنقطتين من تحت وهي السياسة وأما الثندوة فبثاء مثلثة تفتح وتضم بعدها نون ساكنة ثم دال مهملة مضمومة وواو مفتوحة إن فتحت الثاء، وإن ضممتها قلبت الواو همز.
قوله: إحداهما: إذا قتل في دار الحرب مسلمًا ظنه كافرًا فلا دية في أصح القولين، فإن أوجبنا فثلاثة أوجه: أحدها: أنها دية العمد؛ لأنه قتله متعمدًا، والثاني: دية شبه العمد؛ لأنه وإن تعمد القتل لم يقصد قتل المسلم، والثالث: دية الخطأ المحض؛ لأنه معذور في الفعل. انتهى.
لم يرجح شيئًا في "الروضة" أيضًا والصحيح الثاني؛ فقد نص عليه الشافعي في "الأم" فقال بعد حكايته لهذه الصورة وغيرها ما نصه: وكل هذا عمد خطأ يلزمه اسم الخطأ لأنه أخطأ بأنه لم يعمد قتله وهو مسلم وإن كان عمدًا بالقتل.
واعلم أن الغزالي في "الوجيز" جعل الخلاف ثلاثة أوجه فتبعه عليه الرافعي وقال في "الوسيط": إن الأولين قولان والثالث وجه.
قوله: الثانية: إذا رمى إلى مرتد أو حربي فأسلم ثم أصابه السهم ومات فالأصح وجوب الدية وفي كيفيتها الوجوه الثلاثة المذكورة في المسألة الأولى، وهذه الصورة أولى بأن تلحق بالخطأ لأنه لم يكن معصومًا عند الرمى، ويشبه أن يكون هو الأظهر لما ذكرنا أن الإمام رأي القطع به فيما إذا خرج مرتدًا أو حربيًا فأسلم ثم مات، ولكن في كتاب ابن كج أنه إذا أصاب سهمه من أسلم وكان مرتدًا عند الرمى ولم يكن قصد إلى رميه تكون الدية في ماله لا على عاقلته لأنهم يقولون إنك لما أرسلت السهم كان الرمى مهدرًا لا يلزمنا في قتله شيء. انتهى كلامه.
وما أشار إليه الرافعي من ترجيح إلحاقه بالخطأ حتى يجب على العاقلة صرح بترجيحه في "الروضة" فقال: إنه الأرجح، وما قالاه مردود بل الصواب أنها في ماله.
كذا نص عليه الشافعي في "الأم" فقال ما نصه: إذا ارتد الرجل عن الإسلام فرماه رجل ولم تقع الرمية به حتى أسلم فمات منها فلا قصاص على الرامى وعليه الدية في ماله حالة. كذا أرش الجرح إن لم يمت منها حالا لأنه عمد.
هذا لفظه بحروفه. فانظر إلى أمثال هذه النصوص الصريحة الواضحة كيف يغفلون عنها ويتحيلون في ترجيح ضعيف مستند إلى مقالة بعض المتأخرين المعدودين من المصنفين، ثم إن ما استدل به الرافعي من كلام الإمام على الأولوية فليس نظير ما نحن فيه لأن الإهدار هناك اقترن بالسبب الحقيقي وهو الجرح بخلاف مسألتنا، ولهذا لم يضمنه هناك وضمنه هنا.
قوله في "الروضة": فرع: الغالب أن الناقة لا تحمل حتى يكون
لها خمس سنين وهي الثنية، ولو حملت قبل ذلك ففي قبولها في الخلفات قولان: أظهرهما: نعم. انتهى كلامه.
وما ذكره من جعل الخلاف قولين هو الصواب، وجعله في "المنهاج" وجهين؛ فإنه عبر بلفظ: الأصح، والرافعي سالم من هذا التناقض فإنه عبر في "المحرر" أيضًا بالأصح فقط، وليس له فيه اصطلاح كما تقدم لك ذكره.
قوله: ومن لزمته الدية فإنه لم يملك إبلًا فيلزمه من غالب إبل البلد، فإن تعذر لزمه النقل إلا إذا تعدت المسافة، وأشار بعضهم إلى ضبط البعد بمسافة القصر. ثم قال: وقال الإمام: إن زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع الغرة لم يلزمه [تحصيلها] وإلا لزمه. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" ومقتضاه أن الإمام يعتبر المؤنة خارجة عن القيمة وليس كذلك وقد صرح الغزالي في "البسيط" باعتبارها لما [شرح] كلام إمامه فقال: ومعنى العجز أن يبعد عن القطر بعدًا تزيد قيمته مع مؤنة النقل على ما يشتري به في المحل المطلوب وهو محل العير زيادة تعد عنتًا في نقل الإبل. هذه عبارته.
قوله: وإن ملك إبلًا فإن كانت من غالب إبل البلدة أو القبيلة فذاك، وإن كانت من صنف آخر أخذت أيضًا، وقيل: يجب الغالب.
وإذا اعتبرنا إبل من عليه فتنوعت فوجهان: أحدهما: يؤخذ من الأكبر، فإن استويا دفع ما شاء.
والثاني: يؤخذ بالقسط.
قال: والوجهان مبنيان على القولين في الزكاة إذا تنوع النصاب نوعين فصاعدًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أنه يؤخذ من هذا البناء تصحيح الثاني لأنه المصحح في الزكاة، وقد حذف النووي البناء المذكور من "الروضة"، وحكي وجهين فقط، وهو اختصار عجيب.
الأمر الثاني: أَنّا إذا فرعنا على الأخذ من الغالب فاستويا فقد جزم هنا بإعطاء ما شاء، والمذكور في صدقة المواشي تفريعًا عليه أنه يتعين الأغبط وقيل يتخير.
قوله: الرابعة: إذا كانت الإبل موجودة وعدل من عليه الدية ومستحقها إلى القيمة أو غيرها بالتراضي جاز كما لو أتلف مثليًا وتراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل.
قال صاحب "البيان": هكذا أطلقوه، وليكن ذلك مبنيا على أنه يجوز الصلح عن إبل الدية. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما نقله الرافعي هنا من إطلاق الأصحاب وأن صاحب "البيان" قيده واقتضى كلامه عدم الوقوف عليه من كلام غيره غريب؛ فقد جزم بهذا التخريج قبل هذا الموضع بنحو أربعة أوراق في أوائل المسائل المنثورة التى ختم بها الباب الذى قبل هذا الباب.
الأمر الثاني: أنه أيضًا قيد هناك محل الخلاف بتقييد أهمله هاهنا، ولنذكر عبارته ليعلم منه الأمران فنقول: قال: هناك: إذا [جهل](1) أحد المتبايعين عدد الإبل الواجب أو سنها لم يصح البيع وإن علما ذلك ولم يبق إلا الجهل بأوصافها ففي صحة البيع الوجهان أو القولان في صحة الصلح عن إبل الدية على مال كما سبق في الصلح.
(1) سقط من أ.
قوله: فدية المرأة على النصف من دية الرجل لحديث عمرو بن حزم.
ثم قال: ويروي ذلك عن عمر وعثمان وعلىّ والعبادلة ابن مسعود وابن عمر وابن عباس -رضى الله عنهم-. انتهى.
واعلم أن تفسير الرافعي العبادلة بهؤلاء قد سبقه إليه الزمخشرى في أوائل "المفصل"(1) في الكلام على علم الغلبة، والمشهور أن العبادلة أربعة آباؤهم صحابيون وهم: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن العاص.
قال النووي بعد ذكره لهؤلاء الأربعة: أن "صحاح الجوهرى" قد وقع فيها إبدال ابن العاص بابن مسعود.
قال: وهو غلط نبهت عليه لئلا يغتر به.
كذا قال في "تهذيب الأسماء واللغات"(2) في ترجمة ابن الزبير: والذى قاله النووي غلط عجيب فإن الجوهري قد ذكر ابن العاص ولم يذكر ابن مسعود.
نعم عليه -أعنى الجوهري- انتقاد من وجه آخر وهو أنه أخرج ابن الزبير منهم وجعلهم ثلاثة فقط فقال في آخر الكلام على لفظه عبد ما نصه: والعبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
هذا لفظه: والظاهر أن الوهم سرى إلى النووي من "المفصل" للزمخشرى فإن فيه ما عزاه إلى الجوهري من الإتيان بابن مسعود وإسقاط ابن العاص وزاد على ذلك فأسقط ابن الزبير أيضًا كما سبق لك، ولا شك أنه لم يستحضر كلام الرافعي؛ فإنه لو استحضره لنقل عنه؛ إذ وقوعه في
(1) المفصل (ص/ 28 - 29).
(2)
ترجمة رقم (296).
ذلك أغرب لكونه من الفقهاء المحدثين، والظاهر أنه قلد ما في المفصل لتداول المعجم له غالبًا.
قوله من "زوائده" سبق خلاف في الذمى والمرتد إذا قتلا مرتدًا هل تجب الدية؛ فإن أوجبناها فهي دية مجوسي. ذكره البغوي. انتهى كلامه.
واعلم أن الرافعي لما حكى هنا الخلاف في وجوب الدية حكى في مقدارها وجهين من غير تصحيح أحدهما: ما اقتصر النووي على حكايته هنا وهو دية مجوسي، ونسبه أيضًا هناك إلى البغوي كما هو منسوب هنا.
والثاني: أن الواجب دية مسلم. فعلم بذلك أن هذا النقل لا عمل عليه، وأن على كلام "الروضة" انتقادًا من وجهين وهما ذكره من زوائده لما ذكره الرافعي، وإيهام العمل بهذا النقل الذى لابد له من مرجح من خارج.