الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في أحكام الردة
قوله: وكذا الكافر الأصلي إذا أسلم وتاب هل يفترق الحال بين أن يكون ظاهر الكفر وبين أن يكون زنديقًا يظهر الإسلام ويبطن الكفر. انتهى كلامه.
وتفسير الزنديق بما ذكره سبق منه أيضًا في صلاة الجماعة وفي كتاب الفرائض، وقال في كتاب اللعان في الكلام علي التغليظ: إن الزنديق هو الذي لا يتنحل دينًا، وكلامه في نكاح المشركات قريب منه أيضًا، وهذا التفسير هو الأقرب؛ فإن الأول هو المنافق وقد غايروا بينه وبين الزنديق.
وفي "الصحاح" للجوهري الزنديق من الثَنويّة وهو مُعرَّب، والجمع: الزنادقة.
وقال الرافعي في الديات فيما لو جاء المرتد أو الزنديق أو الوثني رسولًا فقتل: إن المرتد لا شيء فيه، وفي الوثني دية المجوس، وفي الزنديق تردد والأصح إلحاقه بالوثني لأنه لم يسبق منه التزام الإسلام وإن كان إلحاقه بالمرتدين من جهة أنه يظهر الإسلام ويتستر بالكفر فإظهاره الإسلام يجعل كإسلام المرتد.
قوله: وتجب الاستتابة، وفي قول: تستحب، وهي على الفور، وفي قول: تمتد إلى ثلاثة أيام؛ لما روي أن رجلًا وفد على عمر رضي الله عنه من قبل أبي موسي الأشعري فقال له عمر رضي الله عنه: هل من مغربة خبر؟ فأخبره أن رجلًا كفر بعد إسلامه. فقال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه فقال: هلا حبستموه ثلاثًا وأطعمتموه كل يوم رغيفًا واستتبتموه لعله يتوب؟ اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض
إذ بلغني (1). انتهى.
المغربة: بفتح الراء وكسرها على ما دل عليه كلام الجوهري وصرح به غيره قال: وهو الخبر الذي طرأ عليهم من بلاد سوى بلادهم، وقد تقدم في تارك الصلاة كلام في الفرق بينه وبين المرتد، فليراجع.
قوله في "الروضة": فرع: إذا وجب قتل المرتد إما في الحال وإما بعد الإستتابة فقال: عرضت لى شبهة فأزيلوها لأعود إلى ما كنت عليه فهل نناظره لإزالتها؟ وجهان: أحدهما: نعم؛ لأن [الحجة] مقدمة على السيف.
والثاني: لا؛ لأن الشبهة لا تنحصر فيورد بعضها بإثر بعض فتطول المدة فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء.
والأول أصح عند الغزالي، وحكي الثاني الروياني عن النص واستبعد الخلاف. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره رحمه الله من حكاية المناظرة عن الغزالي وعدمها عن النص غلط، بل النص على المناظرة والغزالى ذهب إلى عدمها؛ كذا ذكره الرافعي فقال فيه وجهان:
أحدهما: نعم لأن الحجة مقدمة على السيف.
والثاني: لا. ثم قال: وهذا أصح عند صاحب "الكتاب".
وحكى القاضي الروياني الأول عن النص فاستبعد الخلاف] (2) فيه.
هذا لفظ الرافعي. فانعكس علي النووي حالة الاختصار، وكذلك
(1) أخرجه مالك (1414)، والشافعي (1500) وسعيد بن منصور (2585)، والبيهقي في "الكبرى" (16664) من حديث عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه. قال الحافظ: زعموا أن هذا الخبر ليس بمتصل. وقال البيهقي: ليس بثابت، لأنه لا يعلم متصلًا.
(2)
سقط من ب.
أيضًا الموجود في كلام هذين هو ما ذكره الرافعي كالروياني إنما نقل عن النص المناظرة؛ كذا رأيته في "البحر" وجزم به في "الحلية" والغزالي إنما صحح خلافها فقال في "الوجيز": لم يناظره في أصح الوجهين، ولم يصحح [شيئا](1) في "البسيط" و"الوسيط".
قوله: وفي معني توبة المرتد إسلام الكافر الأصلي، وقد وصف الشافعي رضي الله عنه توبته فقال: أن يأتي بالشهادتين ويبرأ من كل دين خالف الإسلام، وذكر في موضع آخر أنه إذا أتي بالشهادتين حكم بإسلامه، وليس ذلك باختلاف قول عند الجمهور بل يختلف باختلاف الكفار.
قال في "التهذيب" إن كان الكافر وثنيًا أو ثنويًا لا يقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول سائر الأحكام وإن كان مقرًا بالوحدانية غير أنه ينكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلا نحكم بإسلامه بمجرد كلمة التوحيد حتي يقول: محمد رسول الله، وإن كان من الذين يقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب خاصة أو يقول إن النبي محمدًا سيبعث من بعد لم نحكم بإسلامه حتي يقول محمد رسول الله إلي جميع الخلق ويبرأ من كل دين خالف الإسلام. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا الذي قاله البغوي طريقة نسبها الإمام في الظهار إلى المحققين، والظاهر المشهور أن الكلمتين لابد منهما في هذه الحالة، وقد نبه عليه الرافعي بعد هذا بأسطر؛ فتفطن له.
الأمر الثاني: أنا إذا اكتفينا في إسلام الوثني ونحوه بالإقرار بالوحدانية على هذه الطريقة فلابد من عرض الشهادة بالرسالة عليه أيضًا، فإن أنكر
(1) سقط من أ.
كان مرتدًا. كذا قاله الرافعي أيضًا في الظهار، وكلامه هنا يشعر بأن العرض لا يجب.
الأمر الثالث: أن هذا الكلام يقتضي بظاهره أن المقر بالوحدانية المنكر للرسالة لا يحكم بإسلامه حتي يقر بهما معًا، وقد صرح في "الروضة" بذلك فقال: حتي يقول مع ذلك: محمد رسول الله.
وهو غلط؛ فإن أصحاب هذه الطريقة قائلون بالاكتفاء بالإقرار بالرسالة كذا صرح الرافعي في كتاب الظهار.
الأمر الرابع: أن الطائفة التي تقول أن النبي محمدًا سيبعث من بعد.
ذكرها الرافعي أيضًا في الظهار وحكم عليها بمثل ما حكم به هاهنا وحذف النووي ذلك في الموضعين.
قوله: ولو قال الكافر: أنا ولي محمد، لم يصح إسلامه؛ لأنه قد يحبه بخصالة المحمودة، وكذا لو قال: أنا مثلكم أو مسلم أو آمنت أو أسلمت. انتهى.
وهذا الذي قاله فيما إذا قال أسلمت أو أنا مسلم قد ذكر فيه بعد ذلك تفصيلا فقال قبيل الكلام علي ولد المرتد نقلًا عن "المنهاج" للحليمي ما نصه: وإنه إذا قال لملي -أي لصاحب ملة-: أسلم: فقال: أسلمت أو أنا مسلم، لم يكن مُقرًّا بالإسلام، ولو قيل لمعطل: أسلم. فقال: أنا مسلم أو من المسلمين، كان مقرًا بالإسلام؛ لأنه لا دين له حتي يسميه إسلامًا، وقد يتوقف في هذا. انتهى كلامه.
وقد خالف في الموضعين جميعًا في آخر الباب الثاني من كتاب اللعان فجزم بأنه قد يكون إسلامًا، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.
فتحصلنا على ثلاثة مواضع متخالفة، ولا ذكر للمسألة في "الشرح الصغير" ولا في "المحرر".
قوله: وإن حدث الولد من مرتدين ففيه ثلاثة أقوال: أصحهما -على ما أورده في "التهذيب"- أنه محكوم له بالإسلام والثاني أنه مرتد.
والثالث: أنه كافر أصلي. انتهى.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وصحح في "المحرر" الأول وعَبّر: بالأصح، وصحح النووي في "المنهاج": أنه مرتد.
واعلم أن النووي صحح في أصل "الروضة" أنه مسلم، ولم ينقله عن صاحب "التهذيب" كما نقله عنه الرافعي، ثم استدرك عليه فقال: كذا صححه البغوي وتابعه الرافعي.
هذه عبارته، ونسبة ذلك إلي الرافعي مردودة لما عرفته؛ وسببه أنه يختصر ويتصرف ثم ينسى فيستدرك بعد مدة عليه بناء على أنه من كلام الرافعي.
قوله: فإن قلنا: إنه مرتد؛ فلا يجوز استرقاقه، وإن قلنا: كافر أصلي، جاز استرقاقه.
قال الإمام: ويجوز عقد الجزية معه إذا بلغ، وهو كالكافر الأصلي في كل معنى. والذي قطع به البغوي وغيره وحكاه الروياني عن المجموع أنه لا يجوز عقد جزية له لأنه ليس كتابيًا. انتهى كلامه.
وهذا الذي جزم به الإمام هنا قد حكاه في باب عقد الذمة وجهًا وقال: إنه لا أصل له، وأن المذهب أنها لا تعقد له، وإنا إذا قلنا بعقدها ففي حل المناكحة والذبيحة تردد، وإن الوجه: القطع بالتحريم.
قوله: وهل يزول ملك المرتد عن أمواله بالردة؟ فيه ثلاثة أقوال.
ثم قال: وأصحها -على ما ذكر صاحب "التهذيب"- التوقف. فإن هلك على الردة بان زوال ملكه بالردة وإن عاد إلى الإسلام بان أنه
لم يزل. انتهى.
صحح في "المحرر" ما صححه البغوي، وكذلك النووي في أصل "الروضة"، ولم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" هنا أيضًا.
نعم ذكر في كتاب الكتابة ما حاصله ترجيح القول بزوال الملك بنفس الردة؛ فإنه قال ما نصه: وإذا وقفنا ملكه فالكتابة موقوفة أيضًا.
وقيل: لا يجيء في الكتابة الوقف؛ لأن العقد لا يوقف على أصل الشافعي.
وأجيب عنه بأنه وقف تبين.
ثم قال: والأشبه من حيث الجملة بطلانها.
هذا لفظه.
فترجيحه للبطلان مع القول بصحتها على قول الوقف يلزم منه ترجيح زوال الملك بنفس الردة.
قوله: والخلاف في زوال الملك يجري في ابتداء التملك إذا اصطاد أو احتطب، فإن قلنا: يزول، قال الإمام: ظاهر القياس أنه يثبت الملك لأهل الفيء فيما اصطاد أو احتطب كما يتحصل ملك السيد فيما احتطب، وليكن شراؤه واتهابه كشراء العبد واتهابه بغير إذن السيد حتي يجيء فيه الخلاف، والذي ذكره المتولي أنه يبقي على الإباحة، وإن قلنا إن ملك المرتد باق فيملك وإن قلنا: إنه موقوف، فموقوف، فإن عاد إلى الإسلام بان أنه ملكه من يوم الأخذ وإن مات مرتدًا قال المتولي يكون المأخوذ باقيًا على الإباحة وعلى قياس ما ذكره الإمام يتيقن أنه لأهل الفيء. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن ما قاله الإمام من كونه لا يبقي على الإباحة بل يملكه أهل الفيء قد تابعه عليه الغزالي، والمعروف ما قاله في "التتمة" من بقائه على الإباحة. قد جزم به الماوردي في "الحاوي"، وقال ابن الرفعة في "الكفاية": إنه متعين.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الإمام أيضًا في الشراء والاتهاب مردود؛ فإن الإمام قد ذكر في باب العبد المأذون أن شراء العبد إذا صح وقع للعبد ويكون السيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينزعه من يده.
وقضية هذا التخريج أن يقع المرتد ثم ينتقل إلى الفيء وذلك ممتنع؛ فتعين ما قاله المتولي.
قوله: إذا قلنا: يزول ملكه. لا يصح تصرفه ببيع وشراء وإعتاق ووصية وغيرها لأنه لا مال له، وفي الشراء ما سبق عن الإمام. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة"، فأما ما ذكره في البيع فهو صحيح وإن ورد على عين، وأما إذا ورد على الذمة فإنه يخرج على الخلاف السابق بين الإمام والمتولي، فإن قلنا بما قاله المتولي من امتناع تجدد الملك له فلا يصح إلا ثبوت مقابلة له، والتفريع على أنه لا يثبت، وإن قلنا بمقالة الإمام صح وانتقل عوضه إلى أهل الفيء.
وأما ما ذكره في الشراء فهو أيضًا على هذا التفصيل، وكذلك القول في الإجارة وغيرها من هذه التصرفات.
وأما الوصية: فإن أوصي بشيء غير معين [كالوصية بعبد ودرهم وثلث ماله صح لأن العبرة بحال الموت، وإن وصي بشيء معين](1) كهذه الدار فالمتجه الصحة؛ وذلك لأنه إذا أوصي بعين هي ملك لغيره حالة
(1) سقط من ب.
الوصية ففي الرافعي وجهان من غير تصحيح رجح النووي الصحة، ثم إن اتفق أنها في ملكه عند الموت [أخذها] الموصي له وإلا فلا.
ومسألتنا أولى بالصحة؛ لأن المرتد قادر على تملكها بالإسلام بخلاف ملك الغير فإنه لا يستقل بتملكه.
قوله: وإن قلنا بالوقف فكل تصرف يحتمل الوقف كالعتق والتدبير والوصية فهو موقوف ثم قال: وأما البيع والكتابة والهبة ونحوها فهو على قولي وقف العقود؛ فعلي الجديد: هي باطلة، وعلى القديم: توقف إن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا. انتهى كلامه.
وما ذكره في كتابة المرتد من بطلانها على الجديد تفريعًا على قول الوقف قد خالفه في كتاب الكتابة؛ فإنه نقل بطلانها عن القاضي أبي حامد فقط ونقل صحتها عن ابن القطان وابن الوكيل وأبي إسحاق المروزي والشيخ أبي حامد، ورد مقالة الأول بأن هذا وقف تبين لا وقف صحة، وهو صحيح على الجديد.
ووقع هذا التناقض أيضًا في "الشرح الصغير" فإنه صرح هنا ببطلانها وصرح في كتاب الكتابة بالصحة، وقد تقدم ذكر عبارته فيه في المسألة السابقة وجزم في "المحرر" هنا في باب الكتابة بأنها مخرجة على القولين في وقف العقود على عكس ما قاله في الشرحين هناك.
قوله في أصل "الروضة": ولا يصح نكاح المرتد ولا إنكاحه لسقوط ولايته، وحكي البغوي على قولنا: لا يزول ملكه، وجهًا أنه يجوز تزويج أمته إذا لم يحجر القاضي عليه كسائر تصرفاته المالية. قال: وهذا غير قوي وقطع المتولي وغيره بهذا. انتهى كلامه.
وهذا الذي نقله في آخر كلامه عن المتولي ومن وافقه كلام ناقص غير متضح، وقد بينه الرافعي فقال: وهذا ما أورده صاحب "التتمة" وغيره وقالوا: إنه كسائر التصرفات التي لا تقبل الوقف. هذه عبارته.