الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
الجناية السادسة: قطع الطريق
قوله: ولابد في قاطع الطريق مع الشوكة والبعد عن العون من الإسلام؛ فالكفار ليس لهم حكم القطاع وإن حافوا السبيل وتعرضوا للأنفس والأموال، ومن التكليف .. إلى آخر كلامه.
وما ذكره رحمه الله من اشتراط الإسلام قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا، ومقتضاه أن أهل الذمة لا يكونون قطاعًا وكذلك لو كان في القوم ذمي لا يثبت له حكمهم، ولا وجه له؛ فإن زعم انتقاض عهدهم بذلك وأننا نقتلهم كما نقتل الحربيين فليس كذلك أيضًا لأن الصحيح أن العهد لا ينتقض به إلا إذا شرط عليهم تركه وشرط عليهم الانتقاض به أيضًا لو فعلوه، وبتقدير القول بالانتقاض فسيأتي أن من انتقض عهده به أو بغيره يقام عليه ما يقتضيه ذلك الشيء ثم يفعل فيه بعد ذلك من القتل أو غيره مما ذكروه فالصواب الإلتزام للأحكام بدلًا عن الإسلام ويكون احترازًا عن الحربيين فإنهم لا يضمنون نفسًا ولا مالًا.
تنبيه: ذكر الرافعي هنا في الباب ألفاظًا منها: جمع الكف: هو بضم الجيم وسكون الميم، وهو اسم للكف المقبوضة، يقال: ضربته بجمع كفي أي: بكفي وهي مقبوضة وهو المسمى باللكم.
ومنها قولهم: الحرب سجال: هو بسين مهملة مسكورة بعدها جيم قال الجوهري: وهو مأخوذ من المساجلة وهو المفاخرة بأن يصنع] (1) مثل صنعه في جري أو سقى قال: وأصله من السجل بفتح السين وسكون الجيم، وهو الدلو الذى فيه ماء قليلًا كان أو كثيرًا، ولا يقال له وهو فارغ سجل ولا ذنوب، وجمعه سجال.
(1) سقط من أ.
ومنها: الدعارون: بالدال المهملة، وهم [المفسدون]، يقال: هو داعر من الدعر بالفتح والدعارة، وامرأة داعرة بالتاء، وهو مأخوذ من قولهم: دعر العود بالكسر يدعر داعر بالفتح فيها فهو داعر إذا كان رديئا كثير الدخان.
ومنها: الردء: براء مسكورة هو المعين، وقد سبق ضبطه في السرقة.
قوله: أما إذا لم يأخذ مالًا ولا قتل ولكن كثر جمع القاطعين وكان ردأهم فوجهان: أصحهما: يعزره الإمام بما يراه والثاني: ينفيه، وإذا عين صوبًا منعه من العدول إلى غيره.
وعلى هذا هل يعزر في البلد المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أم يكفي النفي؟ وجهان. انتهى.
الأصح على ما قاله في "الروضة": أنه إلى رأي الإمام.
قوله: فرع: إذا اجتمع عليه القتل والصلب لو مات قبل أن يقتل هل يجب صلبه؟ فيه وجهان. قال القاضي أبو الطيب: نعم؛ لأنهما مشروعان وقد فات أحدهما فيستوفى الآخر.
وقال الشيخ أبو حامد: لا؛ لأن الصلب صفة تابعه للقتل وقد سقط المتبوع فيسقط التابع، وهذا ما نسب إلى رواية الحارث بن سريج النقال. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا النص الذي نقله الرافعي عن النقال قد نقله عنه الشيخ أبو على في كتاب الجنائز من "شرح التلخيص" في مسألة أخرى قريبة من هذه فقال: وإذا قلنا: إنه يصلب بعد القتل، فإلى متى يصلب؟ قولان:
أحدهما: إلى ثلاثة أيام. حكاه الحارث بن سريج النقال عن
الشافعي؛ لأن الثلاث في حد القليل. هذا كلامه.
الأمر الثاني: لقائل أن يقول: لا يخلو إما أن يريد بهذه التبعية أن مشروعية الصلب تابعه لوجود القتل، أو أن مشروعيته تابعه لمشروعيته؛ فإن أراد الأول فهو محل النزاع لأن معناه أنه لا يشرع الصلب إلا إذا وجد القتل قبله، وإن أراد الثاني فمسلم ولا يلزم سقوط الصلب لأن معني ذلك أنه لا يشرع الصلب إلا إذا شرع القتل وقد وجدت مشروعية القتل في مسألتنا فيلزم وجود مشروعية الصلب.
فإن قلت: فقد زالت مشروعية القتل بالموت فتسقط مشروعية الصلب على هذا التقدير. قلنا: بتقدير سقوطها تكون تابعه لوجود القتل لا لمشروعيته، وقد تقدم إبطاله وليس الكلام فيه؛ فثبت أن المراد على الاحتمال الثاني إنما هو بتبعتها لأصل المشروعية لا لبقائها ودوامها، وأصل المشروعية قد وجد.
واعلم أن النقال الراوي لهذا النص هو بنون بعدها قاف، وقد تقدم الكلام عليه في مقدمة الكتاب، وسبق أيضًا التعرض له في أواخر الجناية الخامسة.
قوله: وهل تؤثر التوبة في إسقاط حد الزنا والسرقة والشرب قبل القدرة وبعدها؟ فيه قولان: أصحهما -على ما ذكره الإمام وصاحب "التهذيب" وغيرهما وينسب إلى الجديد- أنها لا تؤثر. والثاني -ورجحه جماعة من العراقيين- أنها تؤثر. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح من هذين القولين هو الأول كذا صححه الرافعي في باب حد الزنا وصرح بأنه الجديد فقال: وأصحهما -وهو الجديد وبه قال أبو حنيفة- أنه لا يسقط هذا لفظه.
وأشار إلى ترجيحه في "المحرر" فقال: رجح منهما منع السقوط وهذا الكلام لا يؤخذ منه تصحيح للرافعي لأنه بناه للمفعول فكأنه قال رجحه بعضهم، ولم يستحضر النووي هنا ما صححه هو والرافعي في حد الزنا بل اقتصر على ما نقل في "المحرر" نقلًا غير مطابق أيضًا فقال: قلت: رجح الرافعي في "المحرر" منع السقوط وهو أقوى، والله أعلم.
الأمر الثاني: ما نبه عليه النووي من "زوائده" في كتاب السرقة فقال محل الخلاف في عدم السقوط إنما هو في ظاهر الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيسقط بلا خلاف لأن التوبة تسقط أثر المعصية.
والذي قاله صحيح لا شك فيه وقد صرحوا به في الشهادات في الكلام على أركان التوبة وغيرها لكنه ذكر هنا بعد هذا ما ظاهره يخالف ما ذكره هناك.
قوله: ثم ما يسقط بالتوبة في حق قاطع الطريق قبل القدرة يسقط بنفس التوبة، وأما توبته بعد القدرة وتوبة الزانى والسارق والشارب فوجهان: أحدهما: كذلك.
والثاني: يشترط مع التوبة إصلاح العمل، ونسب الإمام هذا الوجه إلى القاضي الحسين والأول إلى سائر الأصحاب، والذى أورده جماعة من العراقيين وتابعهم صاحب "التهذيب" والروياني هو ما نسبه إلى القاضي. انتهى.
لم يصرح في "الروضة" أيضًا بتصحيح، والأصح الاشتراط. كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر: بالأظهر.
قوله: وإذا اجتمع عليه حدود قذف جماعة حد لكل واحد ولا يوالي بل يمهل بعد كل حد حتى يبرأ. هكذا ذكره البغوي وغيره، لكن سبق في القصاص أنه يوالي بين قطع الأطراف قصاصًا وقياسه أن يوالي
بين الحدود. انتهى.
وما ذكره من استشكال القصاص على مسألتنا قد تابعه عليه في "الروضة" وهو غريب فإن قطع الأطراف على قسمين:
أحدهما: أن يكون لواحد كما لو قطع يديه. [فاندمل ثم قطع رجليه فيجوز للمقطوع أن يوالي بين قطع يديه](1) ورجليه على المذهب وإن كان فيه مزيد خطر. كذا ذكره الرافعي في الفصل الثاني المعقود لكون القصاص على الفور، وليس هذا نظير مسألتنا.
والقسم الثاني وهو نظيرها أن يكون لجماعة، وقد صرح به الرافعي في الكلام على ما إذا قال أخرج يمينك فأخرج يساره وقال: إنه لا يوالي وذكر معها أيضًا المسألة الأولى وذلك قبيل باب العفو عن القصاص بأسطر فقال: وإذا قطع طرفي اللسان معًا فيقتص منهما معا ولا يفرق على الصحيح المنصوص بخلاف ما إذا قطع يمين واحد ويسار آخر حيث لا يوالي بين القصاص لأنه لم يجتمع خطر القطعين على واحد حتى يقابل بمثله.
هذا كلامه. وبه يظهر أنه اشتبهت عليه مسألة بمسألة، وتعبيره أيضًا بقوله معًا قد علم مما سبق أنه ليس بشرط وقد حذف في "الروضة" ما إذا كان القصاص لمتعدد ومشى على ما ذكره الرافعي في هذا الباب فتفطن له فإن خطأ محض.
قوله: من زنا مرارًا وهو بكر حد للجميع حدًا واحدًا، وكذا لو سرق أو شرب مرارًا. وهل يقال: تجب حدود ثم يعود إلى حد واحد أم لا يجب إلا واحد وتجعل الزنيات كالحركات في زنية واحدة، ذكروا فيه احتمالين. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا وفيه أمران:
(1) سقط من ب.
أحدهما: أن اقتصار الرافعي والنووي على نقل احتمالين عجيب مؤذن بأنهما لم يقفا على خلاف صريح للأصحاب، وقد صرح الإمام بنقله في آخر هذا الباب فقال: وقد تردد العلماء على وجه آخر فقال قائلون: تجب حدود على أعداد الزنيات ثم تتداخل، وقال آخرون: الزنيات إذا لم يتخللها الحد كالحركات في زنية واحدة، وهذا أقرب.
هذه عبارة الإمام، وكأن الرافعي استحضر لفظ التردد الواقع أولًا في كلام الإمام وغفل عما بعده أو لم يقف على كلام النهاية.
الأمر الثاني: أنا قد استفدنا أيضًا من كلام الإمام أن الراجح هو الاحتمال الثاني وهو ظاهر.
قوله: ولو زنا وهو بكر ثم زنا قبل إقامة الحد عليه وهو قد أحصن فوجهان: أصحهما -عند الإمام وصاحب الكتاب- أنه يكتفي بالرجم ويدخل الجلد فيه، وأصحهما -عند صاحب التهذيب وغيره- أنه يجمع بينهما. انتهى.
لم يصحح شيئا في "الشرح الصغير" أيضًا ولا في "الروضة" هنا، والصحيح وجوب الحدين؛ فقد قال الشيخ أبو على السنجي: إنه ظاهر المذهب.
قال: وعلى هذا لو زنا العبد ثم عتق فزنا قبل الإحصان فقيل: عليه خمسون جلدة لزناه في الرق، ومائة لزناه في الحرية، لاختلاف الحدين، والأصح أنه يجلد مائة فقط ويدخل الأقل في الأكثر لاتحاد الجنس. كذا نقله عنه الرافعي في الباب الثاني من أبواب اللعان وجزم به أيضا في مسألتنا الشيخ أبو إسحاق في "التنبيه" وأبدي الاقتصار على الرجم احتمالًا له فقط فقال: جلد ورجم، ويحتمل أن يقتصر على رجمه. هذا لفظه. وهو يدل على أنه لا يعرف في المذهب غيره، وصححه النووي في "أصل
الروضة" في اللعان في الموضع المشار إليه وعبر بالأصح إلا أنه في الباب الثالث لا الثاني كما في الرافعي ولا ذكر للمسألة في "المحرر" ولا في "المنهاج".
قوله: قال الماسرجسي وغيره: لو شهد رجلان بوصية لهما فيها نصيب أو إشراف لم تقبل في شيء، وإن قالا نشهد بها سوي ما يتعلق بنا من الأموال والإشراف قبلت شهادتهما. انتهى.
وقياس ما ذكره في الشهادات في نظائر هذه المسألة أن تبطل فيما يتعلق بهما ويصح في الباقي لأنه إذا جمع في الشهادة بين المقتول وغيره قبلت فيما يقبل.