الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
السبب الثالث للنفقة: ملك اليمين
قوله: وإذا كان له عبيد فالأولى التسوية بينهم في الإطعام والكسوة، وفيه وجه أنه يفضل [النفيس] على الخسيس.
وفي الجواري وجهان: أحدهما: التسوية كالعبيد، وأظهرهما تفضيل ذوات الجمال والفراهة للعادة.
ثم قال في كلامه على لفظ "الوجيز": وقوله في الكتاب: ولا يجب تفضيل النفيس في جنس الكسوة لفظ الوجوب لم يستعمله أكثر الأئمة.
ثم إن التفضيل لا يختص بالكسوة بل الطعام كالكسوة، ولفظه يشعر بتخصيص التفضيل بالسرية لكن لفظ الشافعي وعامة الأصحاب أن ذات الجمال والفراهة تفضل، ولم يفرقوا بين السرية وغيرها، بل صرح صاحب "التهذيب" بنفي الفرق.
انتهى. فيه أمور:
أحدها: أن الفراهة بالفاء هي الحذق والمعرفة، قال الجوهري: الفاره: الحاذق بالشيء، وقد فره بالفم يفره فهو فاره.
الأمر الثاني: أن كلامه يقتضي الإنكار على الغزالي في التعبير بالوجوب وفي تخصيصه بالكسوة وبالسرية وإنكار الثلاثة عجيب؛ أما الوجوب فقد صرح به إمام الحرمين فقال: ومنهم من فرق بين الجواري والعبيد.
وقال: العبيد يجوز التسوية بينهم، وأما الجواري اللواتي تكن بمحل التسرى فيجب التفاوت بينهن. هذا كلام الأصحاب.
هذه عبارة الإمام بحروفه.
وأما التخصيص بالكسوة فقد صرح به [إمام] الحرمين أيضًا والشيخ في
"المهذب" والعمراني في "البيان" وزاد العمراني فقال: كما لا يستحب تفضيلها بالطعام. وأما التفرقة بين السرية وغيرها فقد وقع أيضًا في "المهذب" و"التنبيه" و"البيان" وغيرها؛ فإنهم عبروا بالسرية كما عبر به في "الوجيز"، وقد اغتر في "الروضة" بما ذكره الرافعي فحذى في جميعه على ما قاله.
قوله: في الحديث: "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم"(1). انتهى.
الخول بالخاء المعجمة وواو مفتوحتين وهو مفرد يقع على العبد والأمة.
وقال الفَرَّاء: إنه جمع خاول وهو الراعي، وقال غيره: هو مأخوذ من التخويل وهو التمليك حكاه الجوهري.
قوله: وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه حريمه وعميله فليقعده فليأكل معه وإلا فليناوله أكلة من الطعام"(2)، ويروى:"أنه إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليجلسه معه فإن أبي فلينزع له لقمة"(3).
والأكلة بالضم اللقمة، وروعها إذا رواها دسمًا، وأشار الشافعى في ذلك إلى ثلاثة احتمالات:
أحدها: أنه يجب الترويغ والمناولة، فإن أجلسه معه فهو أفضل.
وثانيها: أن [الواجب] أحدهما لا بعينه وأصحها: أنه لا يجب واحد منهما.
(1) أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (2418)، ومسلم (1663) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (1663)، وأبو داود (3846)، والترمذي (1853) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنهم من نفي الخلاف في الوجوب وذكر قولين في أن الإجلاس أفضل أو هما متساويان، والظاهر الأول؛ ليتناول القدر الذى يشتهيه. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على نقل الثلاثة هكذا صرح بأنها أقوال، وقد يتوفق الناظر في تغايرها لأن حقيقة الأول التخيير، والثاني كذلك، والذي تحرر في المغايرة بعد اتحادهما في وجوب أحدهما أن الأول يقول بأفضلية الإجلاس والثاني يسوى بينهما، وفي أول كلام الرافعي وآخره إشعار به، ولما ذكر الغزالي في "الوسيط" هذه الثلاثة ذكر بدل الأول أنه يجب الترتيب، والذي ذكره جيد يدفع الاعتراض.
الأمر الثاني: أن الشافعي لما ذكر هذه الثلاث ذكر ما حاصله أن الأول واجب؛ فإنه قال في "المختصر" بعد ذكر الحديث: هذا عندنا -والله أعلم- على وجهين: أولاهما بمعناه أن إجلاسه معه أفضل، فإن لم يفعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه، وقد يكون أمره إجباريًا عَبّر بالجيم.
هذه عبارته. فقد رجح الاحتمال الأول فقال: إنه أولى لمعنى الحديث، ومعنى الاحتمال الأول أن إجلاسه معه ليس بواجب ولكنه أفضل، فإن لم يفعل فيجب أن يطعمه منه؛ إذ لو حمل ذلك على أنهما معًا غير واجبين لاتحد مع الاحتمال الثاني فظهر أن الراجح عند الشافعي هو الأول على خلاف ما رجحه الرافعي، والحديث المذكور روي مسلم في صحيحه معناه.
قوله: ولو لم يكن ولد الأمة من السيد بل مملوكا له من زوج أو زنا فهو كولده، وإن كان الولد حرا فله طلب الأجرة على الإرضاع ولا يلزمه التبرع به. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" وهو يوهم عدم منعها من رضاعه أو سكت عنه، وصرح الماوردي بأن له المنع لأن إرضاعه على والده، قال: وكذلك لو كان مملوكًا لغيره.
قوله في المسألة: ولو رضي بأن ترضعه مجانًا لم يكن له الامتناع. انتهى.
وتعبيره بقوله (رضي) وبلفظ (له) قد عبر به الرافعي أيضًا، وليس فيه بيان من يعود الضميران عليه.
قوله في "الروضة": لا يجوز للسيد أن يكلف رقيقة من العمل إلا ما يطيق الدوام عليه؛ فلا يجوز أن يكلفه عملًا يقدر عليه يومًا ويومين ثم يعجز عنه. انتهى.
وهذا الذي ذكره عجيب غير مطابق لكلام الرافعي؛ فإن مقتضاه أنه إذا عجز عن حمل الشيء في يوم مثلًا لا يجوز تكليفه إياه ساعة، وأنه إذا أطاق الحمل في يومين فقط مثلا لا يجوز تكليفه الحمل فيهما، وليس كذلك، والذي قاله الرافعي ما نصه: ولا يجوز للسيد أن يكلف رقيقه من العمل إلا ما يطيقه ولا يكلفه الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات ولا ما إذا قام به يومًا أو يومين عجز وضعف شهرًا أو شهرين.
هذا لفظ الرافعي، وهو صحيح واضح، ثم إن النووي ذكر بعد ذلك في العبد مثل ما ذكره هنا في البهيمة فقال من "زوائده": يحرم تحميلها ما لا تطيق الدوام عليه وإن كانت تطيقه يومًا ونحوه كما سبق في الرقيق. هذه عبارته.
قوله: الثانية: إذا امتنع من الإنفاق على مملوكه باع الحاكم ماله في نفقته؛ وهل يبيع شيئا فشيئا أم يستدين عليه فإذا اجتمع عليه شيء صالح باع؟ فيه وجهان. انتهى.
والأصح كما قاله في "الروضة" من "زوائده" هو الثاني.
قوله: ويبقي للنحل شيئا من العسل في الكوارة، فإن كان الإشبار في الشتاء وتعذر الخروج فينبغي أن يكون المتبقي أكثر. انتهى.
واعلم أن الكواري بلا ألف ولا تاء موضع الزنابير التي يخرج منها العسل، والكوارة بضم الكاف وبالألف وبالتاء أيضًا في آخره هو العسل في الشمع؛ كذا قاله الجوهري؛ وحينئذ فالتعبير بالكور أقرب من التعبير بالكوارة. وأما الإشبار فهو بالشين المعجمة، وقد سبق الكلام عليه في طلاق المكره.
قوله: لكن يكره ترك سقي الزرع والأشجار عند الإمكان لما فيه من إضاعه المال. انتهى.
تابعه في "الروضة" على هذا الحكم والتعليل، وما جزما به من أن إضاعة المال مكروهة قد خالفاها في مواضع صرحا فيها بأنها محرمة؛ منها في الجنايات في الكلام على إلقاء المتاع في البحر لإشراف السفينة على الغرق؛ وحينئذ فلا يجتمع ما ذكره من الحكم والتعليل بل إن ثبتت الإضاعة بطل القول بالكراهة، وإن ثبتت الكراهة بطل القول بكونه إضاعة.
والصواب أن يقال: إن كان سبب الإضاعة ترك أعمال كمسألتنا فلا حرمة لأن الأعمال قد تشق عليه، وإن كان عكسه كإلقاء المال في البحر حرمت.
ويشهد له أيضًا بيع نصف معين من ثوب ينقص بالقطع فقد قالوا بتحريمه وبطلانه وعللوه بالإضاعة، وقد ذهب الروياني في مسألتنا إلى التحريم ونقله عنه الرافعي في الباب الأول من كتاب الرهن في الكلام على ما إذا اتفق الراهن والمرتهن على ترك السقي إلا أنه صحح خلاف ما قاله.