الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في السكنى
قوله: والأصح أنها -أي: المتوفي عنها زوجها تستحق السكنى؛ لما روي أن فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري قتل زوجها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلي أهلها وقالت: إن زوجي لم يتركني في منزل ملكه، فأذن لها في الرجوع.
قالت: فانصرفت حتي إذا كنت في الحجرة أو المسجد دعانى فقال: "امكثي في بيتك حتي يبلغ الكتاب أجله".
فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا (1). انتهى.
فريعة: بفاء مضمومة، وراء مهملة مفتوحة، وبالعين المهملة، يجوز أن تكون تصغيرًا للفرعة بفتح الفاء وبالراء مفتوحة وساكنة، اسم للقملة، وهو الذى اقتصر عليه الجوهري. ويجوز أن تكون من قولهم: فلانة فراعة قومها فهي فارعتهم إذا كانت أجمل منهم، ثم حذفت الألف لتصغيره تصغير الترخيم.
وهذا هو الظاهر إلا أن يثبت الأول بخصوصه.
قوله: ومنها: المعتدة عن النكاح بما سوى الطلاق من أسباب الفراق في الحياة كالتي فسخ نكاحها بالردة أو بالإسلام أو بالرضاع ففيها طرق: أحدها: إطلاق قولين في استحقاقها السكنى كما في عدة الوفاة في
(1) أخرجه أبو داود (2300)، والترمذي (1204)، والنسائي (3532)، وابن ماجه (2031)، وأحمد (27132)، والدارمي (2287)، وابن حبان (4292)، والحاكم (2832) والطبراني في "الكبير"(24/ 440) حديث (1077) وسعيد بن منصور في "سننه"(1365)، وعبد الرزاق (12075)، وابن أبي شيبة (4/ 155)، والبيهقي في "الكبرى" (15274). قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألبانى: صحيح.
قول: تستحق كالمطلقة تحصينًا للماء.
وفي قول: لا تستحق لأن إيجاب السكنى إنما ورد في المطلقة فيبقى حكم غيرها علي الأصل.
والثاني: إن كان لها مدخل في ارتفاع النكاح بأن فسخت بخيار العتق أو بعيب الزوج، أو فسخ هو بعيبها فلا سكنى لها قطعًا، وإن لم يكن لها مدخل في ارتفاع النكاح كما إذا انفسخ بإسلام الزوج أو ردته أو الرضاع من الأجنبي ففي استحقاقها السكنى القولان.
والثالث: في "تعليقة إبراهيم المروروذي التفصيل المذكور في الطريق الثاني مع القطع باستحقاق السكنى في القسم الأول.
والرابع: في "التهذيب" أن الفرقة إن كانت بالعيب أو الغرور فلا سكنى لها، وإن كانت بسبب رضاع أو صهرية أو خيار عتق فوجهان: المذهب منهما: أنها كالمطلقة.
قال: والملاعنة تستحق قطعًا كالمطلقة.
والخامس: القطع بأنها تستحق. قال في "التتمة": وهذا هو المذهب. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد اختلف كلامه في الترجيح في هذه المسألة اختلافًا عجيبًا؛ فصحح في "المحرر" الاستحقاق فقال بعد ذكره الوجوب في حق المطلقة ما نصه: والأظهر أن المعتدة عن سائر أسباب الفراق في الحياة كالمطلقة. هذا لفظه.
وكلام "الشرح الصغير" هنا يشعر به؛ فإنه اقتصر على التصحيح المنقول عن "التتمة"، وصرح أيضًا بتصحيحه في الباب الثاني من أبواب النفقات من الشرحين معًا، لكن في الملاعنة خاصة ولم يصرح بغيرها.
ثم خالف ذلك كله في الكلام على ثبوت الخيار بعيوب النكاح فقال: إنها إن كانت حائلًا فالمشهور أنها لا تستحق [وقيل: فيه قولان، وإن كانت حائلًا لم تستحق](1) في أصح القولين، وقيل: لا تستحق قطعًا. وقد ذكرت لفظه هناك لمعني آخر يتعلق به، فراجعه.
الأمر الثاني: أن الرافعي سوى هنا بين الحائل والحامل وخالف بينهما في النكاح، وقد وقع الأمران معًا في "الروضة" على كيفية غريبة جدًا فإنه بالغ في عدم الاستحقاق في الحائل حتى نفى الخلاف عنها، وقد بسطته هناك فراجعه.
الأمر الثالث: أن تعبيره في الطريق الثاني بقوله: في القسم الأول، غلط بين بل صوابه القسم الثاني، وقد تفطن له في "الروضة" فقال: والثالث: إن كان لها مدخل فلا سكني وإلا فلها السكني قطعًا.
الأمر الرابع: أن الذي نقله عن "التهذيب" هنا مخالف لما نقله عنه في خيار النكاح فتأملهما.
نعم هذا الإختلاف قد وقع في "التهذيب" أيضًا، فاعلمه.
قوله: والأمة المعتدة وغير المعتدة حكمهما في استحقاق [السكني] كحكمهما في استحقاق النفقة، فإن كان قد سلمها قبل ذلك ليلًا أو نهارًا استحقت، وإلا فلا علي الصحيح.
ثم قال ما نصه: وزاد الإمام فبني استحقاق السكني على أنه هل يجب عليها ملازمة المسكن في العدة وبنى وجوب الملازمة على أنها في صلب النكاح تكون في المسكن الذي يعينه الزوج أو السيد إن بنوا لها بيتًا؟ ، وفيه خلاف.
فإن قلنا: تكون في المسكن الذي عينه الزوج، فعليها ملازمة المسكن، وإلا فإذا طلقها وهي في البيت الذى عينه السيد ففي وجوب
(1) سقط من أ.
ملازمته وجهان: وجه الوجوب: أنه المسكن الذى تراضوا به وكانت في صلب النكاح فيه.
وأظهرهما: المنع لأن العدة فرع النكاح وأثره، فإذا لم تستحق إسكانها في صلب النكاح لم تستحقه في العدة. انتهى كلامه.
وهذا الكلام الذي نقله الرافعي عن الإمام قد حذفه من "الروضة" وهو مشتمل على مسألتين:
إحداهما: أن الأمة إذا بوأها السيد بيتًا أي: هيأه لإقامتها وطلب الزوج إخراجها عنه. وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي قبل كتاب الصداق في الفصل الرابع المعقود لأحكام نكاح الأمة، وحكي فيها قولين وصحح أن المجاب هو الزوج.
المسألة الثانية: ولم يقع لها ذكر في "الروضة" أنه هل يجب على الأمة المعتدة ملازمة المسكن أم لا؟ .
إن قلنا: فيما تقدم: إن المجاب هو الزوج، أوجبنا عليها الملازمة، وإن قلنا يجاب السيد فوجهان: أظهرهما أنه لا يجب عليها ذلك.
هذا حاصل كلام الإمام؛ وحينئذ فيؤخذ منه أن الصحيح: وجوب الملازمة.
قوله: فليس للزوج ولا لأهله إخراج المعتدة من المسكن الذى طلقت فيه. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، لكن محل هذا في الطلاق البائن، فإن كانت جعية فللزوج أن يسكنها حيث شاء. ذكره [الماوردي] في "الحاوي" والشيخ في "المهذب" وغيرهما من العراقيين كما قاله ابن الرفعة وجزم به النووي في تعليقه على التنبيه.
نعم: في "النهاية": أنه يتعين عليها ملازمة المسكن.
قوله: وإن وجد سبب الفراق بعد خروجها من المنزل على قصد السفر لغرض مهم كالتجارة والحج والاستحلال عن المظلمة ولكن لم تفارق عمران البلد فالأصح عند الجمهور: أنه يلزمها العود إلى المنزل.
ثم قال: وحكي وجه غريب فارق بين أن يكون السفر سفرًا لحج فلا يلزمها الانصراف، وبين أن يكون غيره فيلزم. انتهى.
تابعه في "الروضة" على حكايته وجهًا وعلى استغرابه أيضًا، وهو غريب؛ فقد نص عليه الشافعي في "الأم"، بل لم يذكر -كما قاله ابن الرفعة- في "المطلب" غيره فقال -أعني الشافعي-: ولو أذن لها أن تخرج إلى حج وخرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهتها وتقيم فيه مقام الحج وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله.
ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة الإسلام فخرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله.
هذا لفظ الشافعي بحروفه.
قوله: ولو أذن لها في الانتقال إلى المسكن الثاني ثم عادت إلى الأول لنقل متاع وغيره وطلقها فالمسكن الثاني تعتد فيه؛ وهو كما لو خرجت عن المسكن لحاجة وطلقها وهي خارجة.
قال الإمام: وهذا إذا كانت قد دخلت الثاني دخول قرار، فأما إذا لم تدخله على قصد القرار بل كانت تتردد بينهما وتنقل أمتعتها فإن طلقها وهي في المسكن الثاني فتعتد فيه، وإن طلقها وهي] (1) في الأول ففيه احتمالان: انتهى كلامه.
وهذا الذى نقله الرافعي هنا عن الإمام أسقطه من "الروضة".
(1) سقط من أ.
قوله: وإن حدث سبب الفراق في الطريق تخيرت بين العودة والمضى؛ فإن اختارت المضى إلى القصد وانقضت حاجتها قبل تمام مدة المسافرين ففي "التهذيب" و"الوسيط" وغيرهما أن لها أن تقيم إلى تمام مدة المسافرين.
وهذا ما حكاه القاضي الروياني عن بعضهم وغلط قائله، وقال: نهاية سفرها قضاء الحاجة لا غير. انتهى كلامه.
ومقتضاه رجحان الأول، وعبارة "الشرح الصغير" أظهر في اقتضاء رجحانه؛ فإنه قال: ففي "التهذيب" وغيره أن لها إتمام هذه المدة ومنهم من نازع فيه.
إذا علمت ذلك فقد ذكر في "المحرر" ما يقتضي الجزم بالثاني فإنه قال: تخيرت بين المضي والانصراف؛ فإن اختارت المضي فلها أن تقيم إلى أن تنقضي حاجتها ثم عليها الانصراف. هذا لفظه، وقال: في "الروضة": إنه الأصح الذي قطع به صاحب "المهذب" والجرجاني.
قوله: ولو أحرمت بعد الطلاق بغير إذن فحكمه أنه لا يجوز لها الخروج .. إلى آخره.
ولم يتعرض هنا لجواز التحليل، وقد بينه في كتاب الحج فقال: لا يجوز للزوج ذلك إلا أن تكون رجعية فله تحليلها بعد الرجعة.
قوله: ويروي أن فاطمة بنت أبي حبيش بت زوجها طلاقها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم (1).
قال سعيد بن المسيب: كان في لسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها. انتهى.
(1) أخرجه مسلم (1480)، وأبو داود (2284)، والترمذي (1135)، والنسائي (3245)، وأحمد (27368) من حديث فاطمة بنت قيس.
وما ذكره الرافعي من كون فاطمة هذه هي بنت أبي حبيش غلط وإنما صوابه: فاطمة بنت قيس.
وحبيش: [مصغر حبش](1) بحاء مهملة وباء موحدة وشين معجمة.
والذرابة: بفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة: هى الحدة، يقال منه لسان ذرب، وفيه ذرابة.
قوله: وفي البائن بطلاق أو فسخ قولان: القديم: ليس لها الخروج، والجديد جوازه [كالمتوفى عنها.
قال المتولي: هذا في الحائل أو الحامل، أما الحامل: إذا قلنا تعجل نفقتها] (2) فهي مكفية فلا تخرج إلا لضرورة. انتهى.
وما نقله عن المتولي من منع الخروج تابعه عليه في "الروضة".
ولا شك في جواز الخروج لبقية حوائجها كشراء القطن وبيع الغزل، وكذلك إذا أخذت النفقة دراهم فخرجت لتحصل القوت.
قوله: فرع: عن أبي إسحاق إن زنت المعتدة عن الوفاة وهى بكر في عدتها فعلى السلطان تغريبها ولا تؤخر إلى انقضاء العدة لا كتأخير الحد لشدة الحر والبرد لأنهما يؤثران في الحد ويعينان على الهلاك، والعدة لا تؤثر في الحد.
وعن "الحاوي" وجه أنها لا تغرب لحق الزوج. انتهى كلامه.
وحاصله حكاية خلاف في التغريب من غير ترجيح، وقد صحح في "الروضة" أنها تغرب في هذه الحالة، ولم ينبه على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعى، وهو غريب، فتفطن له.
قوله - نقلًا عن "الوجيز" -: وعليه ألا يخرجها من ملكه إلا إذا كان نفيسًا
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من جـ.
لا يليق بحالها، فله أن ينقلها إلى موضع آخر. انتهى.
استدرك عليه الرافعي فقال: وقوله: إلا إذا كان نفيسًا يقتضي حصر الإخراج فيه، ومعلوم أن له أن يخرجها لسائر الأعذار -أي: من الحريق والغرق والهدم وغيرها- كما سبق، ويحسن أن يحمل ["إلا" على "لكن"] ويجعل هذا استثناء منقطعًا. انتهى كلامه.
وهذا التأويل الذي ذكره تأويل عجيب؛ فإن الاستثناء المنقطع ضابطه ألا يصدق المستثنى منه على المستثنى.
وأما ما يرد على الكلام من عدم الحصر ونحوه فليس مسوغًا لجعله منقطعًا؛ فإن الأول صادق عليه سلمنا أنه يصح انقطاعه وتقديره بقولنا لكن فليس الأمر كما توهمه من ذلك يكون دافعًا لإيراد هذه الصورة عليه؛ فإن لفظه مع التصريح بلكن لا يؤخذ منه إلا استثناء المنزل النفيس فيبقى الإيراد باقيًا.
قوله: ولا يجوز للزوج مساكنة المعتدة في الدار إلا أن يكون فيها محرم. ثم قال: واشترط الشافعي البلوغ [قال القاضي أبو الطيب: لأن من لم يبلغ لا تكليف عليه ولا يلزمه إنكار الفاحشة، وقال الشيخ أبو حامد: يكفي حضور المراهق. انتهى.
ذكر في "الشرح الصغير" نحوه أيضًا فقال ما نصه: واشترط الشافعي البلوغ] (1)، ووجه بأن من لم يبلغ لا تكليف عليه فلا يلزمه إنكار الفاحشة.
وقيل: يكفي حضور المراهق. انتهى.
وقد اختلف كلام النووي في هذه المسألة؛ فوافق في "الروضة" على اشتراط البلوغ، وجزم في "فتاويه" بأنه يكفي المميز، وكذلك في "المنهاج".
(1) سقط من أ.
وعبارة "المحرر": نعم لو كان في الدار محرم لها من الرجال أو محرم له من النساء أو زوجة أخرى أو جارية فلا بأس بشرط أن يكون المحرم مميزًا.
هذا لفظه، والظاهر مخالفته لما في "الشرح"، ولكن يحتمل أنه احترز بالرجال عن الصبيان وبالمميز عن المجانين.
ويؤيده أن الرافعي قال: ولابد في المحرم ومن في معناه من التمييز فلا عبرة بالمجنون هذا لفظه.
قوله: والحكاية عن الأصحاب أنه لا يجوز أن يخلو رجلان بامرأة واحدة، ويجوز أن يخلو رجل بنسوة إذا كن تقيات، وقد يفرق بأن استحياء المرأة من المرأة كبير من استحياء الرجل من الرجل. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الذى ذكره من امتناع خلوة الرجلين بالمرأة مقتضاه أنه لا فرق بين أن تبعد مواطأتهم على الفاحشة أم لا.
وقد اختلف فيه كلام النووي فقال في "شرح المهذب" في باب صفة الأئمة ما نصه: أما إذا خلا رجلان أو رجل بامرأة فالمشهور تحريمه لأنه قد يقع اتفاق رجال على فاحشة بامرأة.
وقيل: إن كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز.
وأما الأمرد الحسن فلم أر لأصحابنا فيه كلامًا، وقياس المذهب التحريم؛ لأن الصحيح تحريم النظر إليه مطلقًا. انتهى كلامه.
وقال في "شرح مسلم" في باب تحريم الخلوة بالأجنبية -وهو في الربع الأخير من الكتاب- ما يخالف هذا؛ فإنه لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان"(1).
قال: المغيبة: بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الباء: هى المرأة
(1) أخرجه مسلم (2173) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
التى غاب عنها زوجها عن منزلها.
ثم قال ما نصه: ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه؛ فيتأول الحديث على جماعة تعبد المواطئة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك. هذا لفظه.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من جواز خلوة الرجل بالنسوة قد جزم بامتناعه في كتاب صلاة الجماعة في الكلام على صلاة النسوة في جماعة، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.
وذكر المسألة في "الشرح الصغير"، في هذا الباب فقط كما ذكرها في "الكبير"، وقد وقع هذا الاختلاف أيضًا في "الروضة" وكذلك في "شرح المهذب" أيضًا فقال فيه في باب صفة الأئمة: وإن أم بأجنبيات خاليات فطريقان: قطع الجمهور بالجواز.
وحكى أبو الفتوح في كتاب الخناثى وجهين، ونقل الإمام وصاحب "العدة" في أول كتاب الحج في الكلام على الاستطاعة أن الشافعي نص على التحريم، لكن المذهب ما سبق؛ لأن النساء المجتمعات لا يمكن الرجل في العادة من مفسدة ببعضهن. انتهى كلامه.
وذكر مثله أيضًا في كتاب الحج من "الشرح المذكور" فقال في الكلام على الاستطاعة: جزم القفال وإمام الحرمين بأنه لا يجوز أن يصلى رجل بنسوة لا محرم له فيهن، وحكاه عن النص.
وهذا الذى قالاه ضعيف، والمشهور الجواز.
ثم قال بعده بدون صفحة: وإذا كان مع الخنثى نسوة من محارمه جاز، وإن كن أجنبيات فلا، لأنه يحرم عليه الخلوة بهن. ذكره القاضي أبو الفتوح، وصاحب "البيان" وغيرهما.
هذا لفظه من غير مخالفه له، ومقتضاه: التحريم جزمًا على عكس ما صححه قبله في الحج وفي الصلاة، وقد جزم الإمام في الحج بتحريم خلوة
الرجل بالنساء.
وقال في هذا الباب: ولا تزول الخلوة عند اجتماع رجلين بامرأة على ظاهر ما ذكره الأصحاب، وليس كخلوة رجل بامرأتين.
قوله: وإذا كانت المرأة تسكن منزل نفسها ففي "المهذب" و"التهذيب" أنه يلزمها أن تعتد فيه، لكن لها أن تطالبه بأجرة المسكن؛ لأن السكني عليه، والأولي ما ذكره صاحب "الشامل" وغيره وهو: أنها إن رضيت بالإقامة فيه بإجارة أو إعارة جاز وهو الأولي، وإن طلبت أن ينقلها فله ذلك وليس عليها بدل مسكنها بالإعارة ولا بالإجارة. انتهى كلامه.
ومقتضى كلام "المحرر" و"المنهاج" الجزم بأنه يجب عليها ملازمته على خلاف المذكور هنا وفي "الروضة".
قوله: فإن لم يكن تركة ولم يتبرع الوارث بالإسكان ففي "التهذيب" أنه يستحب للسلطان أن يهيء لها مسكنًا من بيت المال خاصة إذا كانت تزن بريبة.
ولفظ الروياني في "البحر" أن السلطان لا يلزمه أن يكتري لها إلا عند الريبة فيلزمه. انتهى كلامه.
وتزن: بتاء بنقطتين من فوق مضمومة ثم زاي معجمة مفتوحة ثم نون مشددة، ومعناه: تتهم، يقال: أزنه بالشيء على وزن أمده إذا اتهمه به، وأزنته أنا على وزن أعلمته أي: اتهمته.
قوله: فلو تبرع الوارث بإسكان المتوفي عنها زوجها من ماله حيث لا تركة لزمها الإجابة.
ثم قال: فلو أسكنها أجنبي متبرع قال الروياني: إن لم يكن المتبرع ذا ريبة فهو كالوارث، فعليها أن تسكن حيث يسكنها. انتهى.