الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب دعوى الدم
قوله: الشرط الثالث أن يكون المدعي مكلفًا ملتزمًا، فلا تسمع دعوي صبي ولا مجنون وحربي. انتهى كلامه.
وما ذكره من عدم سماعها من الحربي قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو ذهول عجيب عن قواعد مذكورة في كتاب السير وغيره فقد نصوا هناك على أن الحربي إذا دخل إلينا بأمان وأودع عندنا مالًا ثم عاد للاستيطان فإن الأمان فيه لا ينتقض على الصحيح، حتى لو كان من جملة ماله عبد كافر فقتله كافر طالبه الحربي بالقصاص أو الدية، وكذا لو أسلم العبد ولم يتفق بيعه فقتله مسلم.
وذكروا أيضًا هناك أنه إذا اقترض حربي من حربي شيئًا أو اشتراه منه ثم أسلم المديون أو دخل إلينا بأمان فالصحيح المنصوص أن دين الحربي باق بحاله، وقيل يسقط لأنه يبعد تمكين الحربي من مطالبة مسلم أو ذمي حتى لو قدرنا أن الذى اقترضه أو اشتراه كان عبدًا ثم قتل بعد رجوعه إلى مالكه بسبب من الأسباب إما برجوع المقرض أو بفسخ المشتري بالعيب ونحو ذلك طالب بدمه.
وذكروا أيضًا أنه إذا كان في دار الحرب مسلم فاقترض منهم شيئًا أو اشترى منهم عينًا ليبعث إليهم ثمنها أو أعطوه شيئًا ليبيعه في دار الإسلام ويبعث ثمنه فيجب عليه إرساله إليهم، فلو قتل العبد المذكور طالب بدمه كما سبق، ولو كان بعد إسلام المقتول وقتل المسلم إياه كما سبق.
قوله: وإقرار المحجور عليه بإتلاف هل يقبل ويوآخذ به؟ فيه وجهان مذكوران في كتاب الحجر. انتهى.
تابعه في "الروضة" على حكاية الخلاف وجهين فإنهما هكذا مذكوران في الحجر، والذى سبق منهما هناك إنما هو قولان لا وجهان، وهو الصواب.
قوله: وإن كانت الدعوي على عبد فإن ادعي العمد ففي القصاص القولان في ثبوته بالقسامة فإن منعناه -وهو الأظهر- أو ادعي خطأ أو شبه عمد تعلقت القيمة برقبته، وذكر الروياني أن المحاملي حكي في "المقنع" قولا أن العاقلة تحمل عن العبد جناية الخطأ، وحمله على غلط الكاتب. انتهى.
وهذا القول قد رأيته في "المقنع" كما نقله عنه الروياني وزاد على حكايته فقال إنه أصح القولين ذكر ذلك في أثناء باب العاقلة، وقد حذفه النووي من "الروضة" اعتمادًا على قول الروياني إنه غلط من الكاتب، والظاهر أنه كذلك فإنه لم يذكره في كتبه المبسوطة.
قوله: وللوث طرق منها أن يوجد قتيل في قبيلة أو حصن أو قرية صغيرة وبين القتيل وبين أهلها عداوة ظاهرة. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة". وفيه أمران:
أحدهما: أن وجود بعض القتيل كاف سواء كان الموجود كثيرًا أم قليلًا إذا تحقق موته. كذا ذكره الرافعي في أثناء الباب.
الأمر الثاني: أن ذلك الموضع لو كان لا يدخله غير أهله لا يشترط فيه وجود العداوة. صرح به العمراني في "الزوائد"، وذكر ابن عصرون في "الانتصار" و"المرشد" وجهًا أن عداوة الأكثر كافية، ووجهًا ثالثا أنه -تكفي عداوة واحد نظرًا إلى المعنى.
قوله: ثم قيل: يشرط أن لا يساكنهم غيرهم، وقيل: يشترط أن لا يخالطهم غيرهم حتى لو كانت القرية بقارعة طريق ويطرقها التجار
والمجتازون وغيرهم فلا لوث، والأول أوجه. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد تابعه على ترجيح الأول ثم خالفه في "شرح مسلم" فجعل مقابله هو مذهب الشافعي فقال في كتاب القسامة: السابعة: أن يوجد القتيل في محلة قوم أو قبيلتهم أو مسجدهم فقال مالك والليث والشافعي وأحمد وداود وغيرهم: لا تثبت بمجرد هذا قسامة. قال الشافعي: إلا أن يكون في محلة أعدائه لا يخالطهم غيرهم. هذا لفظه.
وهو الصواب الذى عليه الفتوي؛ فقد رأيته منصوصًا للشافعي وذهب إليه جمهور الأصحاب بل جميعهم إلا الشاذ فقد جزم به أبو الفضل منصور التميمي في كتابه المسمي بـ"المسافر" ونقله فيه عن نص الشافعي، وقال به أيضًا أبو العباس ابن سريج كما نقله عنه الدارمي في "الاستذكار"، وجزم به أبو حفص معمر ولد الإمام أبي العباس المذكور -أعني: ابن سريج- في كتابه المسمي "تذكرة العالم"، وابن سراقة في "التلقين"، وأبو الحسن بن خيران في "اللطيف"، وأبو الحسن الزجاجي في "تهذيبه"، والشيخ أبو محمد في "مختصر المختصر"، والقاضي الحسين والبندنيجي، وأبو الطيب في تعاليقهم، والصيمري في "شرح الكفاية"، والماوردي في "الإقناع"، والدارمي في "الاستذكار"، وسليم في "المجرد" و"الكافي"، والفوراني في "العمد" و"الإبانة"، والشيخ في "المهذب" و"التنبيه"، والمتولي في "التتمة"، وأبو الفرج السرخسي المعروف بالزاز في كتابه المسمى بـ"الأمالي"، وأبو عبد الله الطبري في "العدة"، وأبو نصر البندنيجي في "المعتمد"، والشاشي في "الحلية" و"المعتمد" و"الترغيب"، والبغوي في "التهذيب"، والروياني في "البحر"، ونصر المقدسي في "المقصود" وفي "الكافي"، والجرجاني في "الشافي"
و"التحرير"، وابن عصرون في "المرشد" و"الانتصار"، وابن جماعة المقدسي في "شرح المفتاح"، وصاحب "الذخائر" في تصنيفه في أدب القضاء المسمى "عمدة الأحكام" ونقله في "المطلب" أيضًا عن نص الشافعي.
نعم ذهب ابن الحداد إلى اعتبار السكني وأخذ به أبو خلف الطبري في "شرح المفتاح" وابن الصباغ وصاحب "البيان" و"الذخائر" فيها خاصة فإنه خالف في أدب القضاء كما سبق فتبعهم الرافعي ثم النووي غير مطلعين على مجموع ما سبق.
الأمر الثاني: أن ذلك الغير الذى [تسقط] القسامة باختلاطه يشترط فيه أن لا تعلم صداقته للمقتول أو كونه من أهله، فإن كان كذلك لم تمتنع القسامة قاله ابن عصرون في كتبه الثلاث:"الانتصار" و"المرشد" و"التنبيه" وتدل عليه قصة جبير فإن المقتول فيها كان معه إخوته ومع ذلك شرعت القسامة.
قوله: ثم إن شهد العدل الواحد بعد دعوي المدعي فاللوث حاصل، وإن تقدم قول العدل على الدعوي فينبغي أن يكتفى به لحصول اللوث ولا يجعل السبيل فيه سبيل الشهادات المخصوصة بمجلس الحكم المسبوقة بالدعوي، وفي لفظ الكتاب إشعار به. انتهى كلامه.
وحاصله أنه لم يطلع في المسألة على نقل لأحد فأبدي ما أبداه تفقهًا، وقد صرح الإمام بالمسألة فنقل عن بعض الأصحاب أن سبيلها سبيل سائر الشهادات، ثم رأي هو لنفسه ما ذكره الرافعي، ثم قال في آخر ذلك ما نصه: وينتظم من مجموع ما ذكرناه مسلك أحببته واخترته ومسلك آخر للأصحاب. هذه عبارته.
وذكر أيضًا في الباب مثله فقال: أقول إن العدل الواحد الذي تقبل
شهادته إذا أخبر بوقوع القتل على صيغة الإخبار ثبت اللوث؛ فإنا لا نشترط في ثبوته مراتب الخصومات. هذه عبارته.
وحكى أبو بكر بن داود الداودي [والمعروف بالصيدلاني [وجهين] في الاكتفاء بصيغة الخبر فتلخص] (1) أن المسألة مختلف فيها اختلافًا قديمًا.
واعلم أن النووي قد جزم في "الروضة" بما أبداه الرافعي بحثا فتفطن له.
قوله: ولو شهد جماعة تقبل روايتهم كعبيد ونسوة فإن جاءوا متفرقين فلوث وإن جاءوا دفعة فوجهان: أشهرهما المنع لاحتمال أنهم تواطئوا أو لقنوا، وأقواهما: أنه لوث. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في أصل "الروضة" قد أطلق التصحيح بأنه لوث ولم يذكر ما ذكره الرافعي من كونه بحثا وأن الجمهور على خلافه وهو عجيب لاسيما وقد نقل ابن الرفعة في "المطلب" عن الشافعي أيضًا [أنه ليس بلوث فتعين أن تكون الفتوي عليه.
الأمر الثاني] (2): أنه يشترط مع مجيئهم متفرقين أن لا يمضي زمان يمكن فيه الاتفاق على ما صدر منهم وهو أن يتفرقوا ثم يخبروا فقد حكى صاحب "البيان" فيه وجهين، وأن أكثر الأصحاب على اشتراط ذلك، وهو ظاهر.
قوله: وفي "التهذيب" أن شهادة عبدين أو امرأتين كشهادة الجميع، وفي "الوجيز": أن القياس أن قول واحد منهم لوث. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" والحكم ما ذكره البغوي من الاكتفاء بالاثنين؛
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
فقد جزم به الماوردي ومثل بالنسوة ونقله عنه الروياني في "البحر" وارتضاه وجزم به أيضًا الخوارزمي في "الكافي" ومحمد بن يحيي في "المحيط"، وأما ما نقله عن "الوجيز" واقتضي كلامه عدم الوقوف على نقله فقد صرح به في "الذخائر" فقال: فإن شهد به امرأة واحدة أو عبد واحد تقبل روايته، فقد اختلف فيه أصحابنا، فمنهم من قال: تقبل، وهو اختيار إمام الحرمين. هذا كلامه، وحكاهما أيضًا ابن يحيي في "المحيط".