المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجناية الأولى: البغي - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٨

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب "العدد

- ‌الباب الأول في "كيفية عدة الطلاق

- ‌الباب الثاني في "تداخل العدتين

- ‌ القسم الثاني في "عدة الوفاة" والسكنى

- ‌الأول: في عدة الوفاة

- ‌الباب الثاني: في السكنى

- ‌ القسم الثالث: في الاستبراء

- ‌الفصل الأول: في قدره وحكمه

- ‌الفصل الثاني: في السبب

- ‌الفصل الثالث: فيما تصير به الأمة فراشًا

- ‌كتاب الرضاع

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: فيما يحرم بالرضاع

- ‌الباب الثالث: في بيان الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم فيه

- ‌الباب الرابع: في النزاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌السبب الأول: النكاح:

- ‌الباب الأول: في قدر النفقة وكيفيتها

- ‌الباب الثاني: في مسقطات النفقة

- ‌الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة

- ‌ السبب الثاني للنفقة: القرابة

- ‌الباب الأول: في أصل النفقة

- ‌الباب الثاني: في ترتيب الأقارب

- ‌الباب الثالث: الحضانة

- ‌ السبب الثالث للنفقة: ملك اليمين

- ‌كتاب الجراح

- ‌ إذا تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت

- ‌قال رحمه الله: النوع الثاني: القصاص في الطرف

- ‌فصل: في ألفاظ ذكرها الرافعي فسر معانيها ولم يضبط لفظها:

- ‌ مسائل الاختلاف الواقعة بين الجاني والمجني عليه أو وليه

- ‌ حكم القصاص

- ‌الباب الأول في استيفاء القصاص

- ‌الفصل الأول فيمن يلي الاستيفاء

- ‌الفصل الثاني في أن القصاص على الفور

- ‌الفصل الثالث في كيفية المماثلة

- ‌الباب الثاني في العفو

- ‌كتاب الديات

- ‌الباب الأول: في دية النفس

- ‌الباب الثاني في دية ما دون النفس وهو جرح أو إبانة أو إبطال منفعة

- ‌النوع الأول: الجرح

- ‌ النوع الثاني: القطع المبين للأعضاء

- ‌النوع الثالث: ما يفوت المنافع

- ‌باب بيان الحكومة

- ‌ القسم الثاني في الموجب

- ‌القسم الثالث من الكتاب

- ‌ القسم الرابع: في غرة الجنين

- ‌باب: كفارة القتل

- ‌كتاب دعوى الدم

- ‌ الكلام في مسقطات اللوث

- ‌كتاب الجنايات الموجبة للعقوبات

- ‌الجناية الأولى: البغي

- ‌الجناية الثانية: الردة

- ‌الفصل الثاني في أحكام الردة

- ‌ الجناية الثالثة: الزنا

- ‌ الجناية الرابعة: القذف

- ‌ الجناية الخامسة: السرقة

- ‌النظر الأول: في الأركان

- ‌ النظر الثاني: في إثبات السرقة

- ‌ النظر الثالث: في الواجب

- ‌ الجناية السادسة: قطع الطريق

- ‌ الجناية السابعة: شرب الخمر

- ‌القول في التعزير

- ‌كتاب موجبات الضمان

- ‌ ما يلزم الولاة بتصرفاتهم

- ‌ دفع الصائل

- ‌ إتلاف البهائم

- ‌كتاب السير

- ‌الباب الأول: في وجوب الجهاد

- ‌فصل في السلام

- ‌الباب الثاني: في كيفية الجهاد وفيه أطراف

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌ الثالث:

- ‌ الرابع:

- ‌الباب الثالث: في ترك القتل والقتال بالأمان

- ‌الباب الأول: في الجزية

- ‌الباب الرابع: في عقد المهادنة

الفصل: ‌الجناية الأولى: البغي

‌كتاب الجنايات الموجبة للعقوبات

وهي سبع:

‌الجناية الأولى: البغي

قوله: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله (1).

وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"(2).

وأنه قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا"(3) وأنه قال: "من خرج عن الطاعة فميتته جاهلية"(4).

محمولة على من خالف بلا عذر. انتهى.

أما المَنْشَط: فهو بميم مفتوحة بعدها نون ساكنة ثم شين معجمة مفتوحة.

قال ابن الأثير (5): هو مفعل من النشاط؛ وهو الأمر الذى ينشط له ويخف إليه ويؤثر فعله.

وأما المكره: فهو على وزن مفعل أيضًا.

وأما قيد شبر بكسر القاف فمعناه: قدر شبر.

(1) أخرجه البخاري (6647)، ومسلم (1709).

(2)

أخرجه أبو داود (4758)، والحاكم (401) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وأصله في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه البخاري (6480)، ومسلم (97) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه مسلم (1848) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

النهاية في غريب الحديث (5/ 131).

ص: 282

وأما ربقة: فهو براء مهملة مكسورة ثم باء موحدة ساكنة بعدها قاف؛ وهي العروة التي في الحبل؛ وذلك أن صغار الغنم إذا أرادوا ربطها أخذوا حبلًا فجعلوا فيه عري ثم أدخلوا رأس كل واحدة في عروة، وتسمى كل واحدة من تلك العري ربقة، ويسمى الحبل نفسه ربقًا أي: بغير تاء التأنيث.

وأما الميتة بكسر الميم وهي هيئة الموت وحالته.

قوله: [ويشترط] أن يكون الإمام شجاعًا ليحمي البيضة، ذا رأي؛ فالرأي قبل شجاعة الشجعان.

ثم قال: فلا يصلح الناس فوضي. انتهى.

قال ابن الأثير (1): بيضة الإسلام: مستقر دعوته وموضع سلطانه ومكان اجتماعه، ويقال لها: الحوزة، أيضًا يقال فلان مانع لحوزته أي: لما في حيزه، والحوزة فعلة منه.

وأشار بقوله: فالرأي قبل شجاعة الشجعان إلى قول المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

وأشار بقوله: فلا يصلح الناس فوضي إلى قول [الأفوه] الأودي:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبني إلا له عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وفوضى: بفاء مفتوحة وواو ساكنة وضاد معجمة بعدها ألف.

قال الجوهري: تقول: قوم فوضي، إذا كانوا متساويين لا رئيس لهم، ثم أنشد بيت الأفوه السابق ذكره.

قوله: وفي عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم وجوه:

أحدها: أربعون.

(1) النهاية في غريب الحديث (5/ 451).

ص: 283

والثاني: أربعة.

والثالث: ثلاثة؛ لأنها مطلق الجمع.

والرابع: اثنان؛ لأن أقل الجمع اثنان.

والخامس: واحد.

والسادس -وهو الأصح- أن المعتبر بيعة أهل الحل والعقد ولو كان واحدًا. انتهى.

وما ذكره في تعليله هذا الوجه من أن أقل الجمع اثنان ذكره كذلك القاضي الحسين في "تعليقته" ثم البغوي في "تهذيبه" فقلده فيه الرافعي وهو خلاف المشهور من مذهب الشافعي ومخالف لما جزم به أيضًا في مواضع منها الوقف على الفقراء غير المحصورين أو الوصية لهم وقسم الصدقات.

قوله: وهل يشترط في البيعة حضور شاهدين؟ فيه وجهان حكاهما في "البيان".

قال في "الروضة" من زوائده: الأصح أنه لا يشترط إن كان العاقدون جميعًا، وإن كان واحدًا اشترط ذلك، والمراد بالواحد أي: المطاع كما سبق.

وقوله: ويشترط في انعقاد الإمامة أن يجيب الذى يبايعوه، فإن امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليها. انتهى.

ومحل ما ذكره فيما إذا كان هناك غيره، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد أجبر، وقد ذكر الرافعي في نظير هذه الصورة من القضاء خلافًا، وحكى عن الأكثرين أنه يجوز ثم استشكله، وسوف أذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

وادعى في "الروضة" هنا من زوائده أنه يجبر بلا خلاف، والقياس

ص: 284

تخريجه على الخلاف في القضاء إلا أن يفرق بأن أمر الإمامة أهم.

قوله: وتنعقد الإمامة أيضًا باستخلاف الإمام من قبل وعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما، وانعقد الإجماع على جوازه. انتهى.

وما نقله من الإجماع مردود؛ فإن فيه وجهين حكاهما الهروي في "الإشراف" فقال: ومن أصحابنا من قال: إنه لا يجوز إلا أن الناس؛ لأن أبا بكر استرضي الناس فرضوا وسكتوا، ولأن معاوية لما استخلف ولده قيل له: قد جعلت الخلافة إمارة كسروية يرد الأب على الابن. هذا كلام الهروي.

وحكى الماوردي والروياني كلاهما في كتاب الوصاية عن بعضهم: أنه لا يصح إلا بالرضا، ورضاهم أن يعلموا به فلا ينكروا، كما وقع في استخلاف أبي بكر لعمر، وحكاه أيضًا الماوردي في "الأحكام السلطانية"، والإمام في "العتابي" وهو قريب من الأول.

قوله: قال صاحب "التهذيب": والاستخلاف أن يجعله خليفة في حياته ثم يخلفه بعد موته، ولو أوصى له بالإمامة من بعده ففيه وجهان لأنه بالموت يخرج عن الولاية فلا يصح منه توليه للغير.

ولك أن تقول أولا هذا التوجيه مشكل بكل وصاية، ثم ما ذكره من جعله خليفة في حياته إما أن يريد به استنابته فلا يكون هذا عهدًا إليه بالإمامة، أو يريد به جعله إمامًا في الحال فهذا إما خلع النفس أو فيه اجتماع إمامين في وقت واحد، أو يريد به أن يقول جعلته خليفة أو إمامًا بعد موتي، فهذا هو معني لفظ الوصية ولا فرق بينهما. انتهى كلامه.

ولم يذكر رحمه الله في كيفية الاستخلاف غير هذه المقالة التي للبغوي،

ص: 285

وقد ظهر لك من كلامه -أي: كلام الرافعي- أنه لا فرق بين الوصية وبين أن يقول جعلته خليفة أو إمامًا بعد موتي، وقد اختصره في "الروضة" على غير وجهه، فإن مقالة البغوي المذكورة أولا لم يحكها بالكلية بل حكي شيئًا آخر، وذكر أيضًا ما يقتضي أن الرافعي يغاير بين الوصية بها وبين العقد بها له بعد موته فقال: والاستخلاف أن يعقد له في حياته الخلافة بعده، فإن أوصي له بالإمامة فوجهان حكاهما البغوي.

هذا لفظه من غير زيادة عليه. واعلم أن ما ذكره البغوي قد أخذه من "تعليقه" شيخه القاضي الحسين؛ فإنه قال: وإذا استخلف الإمام واحدًا في مرضه خلفه بعد وفاته فيما كان يتولاه؛ لأنه لما خلفه في العجز الأوهى فلأن يخلفه في حال العجز الأقوي أولي.

وإذا أوصي إلى واحد بالإمامة بعده فوجهان: أحدهما: يجوز كما إذا استخلف في حياته. والثاني: لا لأنه بالموت خرج عن أن يكون صالحًا للإمامة، ولم ينعقد الاستخلاف قبله. هذا كلامه.

وقد علمنا به مراد البغوي وإن كان كلام "الروضة" غير مطابق له بالكلية؛ فتفطن لذلك كله.

وليس فيه ما يدل على أن الخليفة ينوب عن المستخلف في حال الحياة حتى يخرج ثبوت ولايته بعد الموت على انعزال ثواب الإمام بموته، بل معناه أنه صار في حياته خليفة بعد موته، والمحذور من اجتماع خليفتين ما يترتب على ذلك من اختلاف الكلمة، وليس ذلك في مسألتنا لأن أحدهما فرع عن الآخر وتصرفه موقوف على موته، وإنما جوزنا ذلك لاتفاق الصحابة عليه ومسيس الحاجة إليه جمعًا للكلمة ومنعًا للطالبين.

قوله: نقلًا عن الماوردي من غير اعتراض عليه: وإنه إذا خلع الخليفة نفسه كان كما لو مات فتنتقل الخلافة إلى ولي العهد، ويجوز أن

ص: 286

يفرق بين أن يقول: الخلافة بعد موتي لفلان أو بعد خلافتي. انتهى كلامه.

زاد النووي فقال: قلت: توقف إمام الحرمين في كتابه "الإرشاد" في انعزال الإمام بعزل نفسه، والله أعلم.

والذي ذكره النووي أصلًا وزيادة يقتضي أن ما ذكره الماوردي هو المعروف وأنه لم يظفر بما يخالفه إلا هذا التوقف المذكور عن الإمام، وهو غريب؛ فقد ذكر المسألة بعد هذا بنحو ورقة من "الروضة" فقال: ولو خلع الإمام نفسه نظر إن خلع لعجزه عن القيام بأمور المسلمين لهرم أو مرض أو نحوهما انعزل، ثم إن ولي غيره قبل عزل نفسه انعقدت ولايته وإالا فيبايع الناس غيره.

وإن عزل نفسه بلا عذر ففيه أوجه: أصحها: لا ينعزل، وبه قطع صاحب "البيان" وغيره.

والثاني: ينعزل لأن إلزامه الاستمرار قد يضره في آخرته ودنياه.

والثالث: وبه قطع البغوي-: إن لم يظهر عذرًا بعزل نفسه ولم يول غيره أو ولي من هو دونه لم ينعزل، وإن ولي مثله أو أفضل ففي الانعزال وجهان.

هذا لفظ "الروضة". ولم يطلق الرافعي التصحيح وإنما حكى ما صححه النووي عن صاحب "البيان" وغيره.

قوله أيضًا نقلًا عنه: وإنه إذا عهد إلى اثنين أو أكثر على الترتيب فقال الخليفة بعد موتي فلان وبعد موته فلان جاز وانتقلت الولاية إليهم على ما رتب كما رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء جيش مؤتة. انتهى.

وترتيب الأمراء المذكورين اختلف فيه كلام الرافعي فذكر في الباب الرابع من أبواب الوصية خلاف ما ذكره في الباب الأول من أبواب الوكالة، وقد سبق ذكر لفظ البابين في موضعهما وبينا وجه الصواب فيه.

ص: 287

ومؤتة: بميم مضمومة ثم همزة ساكنة ثم تاء بنقطتين من فوق: موضع بالشام قريب من الكرك وفيه مشهد عظيم في موضع الوقعة. فيه قبور الأمراء المذكورين رضي الله عنهم.

قوله: ولو سبق أحدهما وتعين واشتبه وقف الأمر حتى يظهر، فإن طالت المدة ولم يمكن الانتظار فقد ذكر الماوردي أنه تبطل البيعتان وتستأنف بيعة لأحدهما، وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف. انتهى.

والأصح كما قاله في "زوائد الروضة": المنع.

قوله: وهل للإمام عزل ولي العهد؟

قال المتولي: نعم، والماوردي: لا، لأنه ليس ثابتًا له بل المسلمين. انتهى.

والأصح هو الثاني. كذا صححه للإمام في "العتابي" والنووي في "زوائده".

قوله: ثم إن صرحوا بسب الإمام أو غيره من أهل العدل عزروا، وإن عرّضوا ففي تعزيرهم وجهان. انتهى.

لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا، والأصح عدم التعزير.

كذا جزم به المحاملي في "المقنع" والبغوي في "التهذيب" والشيخ أبو إسحاق في "التنبيه"، وصححه الجرجاني في "التحرير"، وكلام "الروضة" يشعر به؛ فإنه قال: الأصح أنهم لا يعزرون قاله الجرجاني وقطع به في "التنبيه".

ويقتضي أنه لم يقف على ترجيح لغير هذين، ولا شك أن الأكثرين ساكتون عن الترجيح.

ممن سكت عنه القاضي أبو الطيب في "تعليقه" والماوردي في "الحاوي"

ص: 288

وسليم الرازي في "المجرد" والإمام في "النهاية" والشاشي في "الحلية" والجرجاني في "الشافي" والروياني في "البحر" والعمراني في "البيان"، واستدل الإمام على التعزير بأن التعريض حرام، وشذ أبو نصر البندنيجي فجزم في كتابه العمد بالتعزير، وصححه ابن عضرون في "الانتصار".

قوله: ولو بعث إليهم واليًا فقتلوه فعليهم القصاص.

وهل يتحتم قتل قاتله كقاطع الطريق لأنه شهر السلاح؟ أم لا. لأنه لم يقصد إخافة الطريق؟ وجهان. انتهى.

والأصح في "زوائد الروضة": إنه لا يتجه.

قوله: وإن كان لهم قاض قال المعتبرون من الأصحاب: ينظر إن كان يستحل دماء أهل العدل لم ينفذ حكمه لأنه ليس بعدل ومن شرط القضاء العدالة، ومنهم من يطلق نفوذ قضائهم رعاية لمصلحة الرعايا، وصرح مصرحون أن من ولاه صاحب الشوكة نفذ قضاؤه وإن كان جاهلًا أو فاسقًا كقضاء أهل البغي، وإن لم يكن قاضيهم يستحل الدماء والأموال نفذ حكمه.

ثم قال: وعندنا ليس البغي بفسق على ما قدمناه، ومن الأصحاب من قسم البغي إلى ما هو فسق وإلي ما ليس بفسق، ويرد قضاء الباغي الذي بغيه فسق. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره أولًا صريح في أن الباغي الفاسق ببغيه لا ينفذ قضاؤه، وهو مخالف لكلامه في كتاب القضاء فإنه حكى هذا وجهًا وأبداه في صورة المستغرب ومثل بأهل الهروان وهم ممن يستحل الدماء والأموال، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.

الثاني: أن ما ذكره آخرًا يقتضي تصحيح انتفاء الفسق بالكلية عن البغي

ص: 289

وجزم في كتاب القضاء بانقسامه إلى فسق وغيره، ولكن حكي الخلاف في صحة قضائه وسنذكره أيضًا.

وقد ذكر في كتاب الشهادات وكذلك النووي ما حاصله أنه لا فرق بين من يستحل الأموال والدماء في تنفيذ قضائه أم لا ونقله عن نص الشافعي فإنه نص على قبول شهادته وإن اتصف هذا الوصف، وذلك كله على خلاف المذكور هنا وهو الصواب أيضًا لموافقة النص.

قوله: وإن كتب قاضيهم بسماع البينة دون الحكم المبرم فهل يحكم قاضينا به؟ ، فيه قولان: أحدهما: لا لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم، وأصحهما: نعم. انتهى كلامه.

وما ذكره من حكاية الخلاف قولين ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا وخالف في "المحرر" فحكاه وجهين فقال: ويحكم بكتاب سماع البينة في أصح الوجهين.

هذا لفظه. وتبعه النووي في "الروضة" و"المنهاج" على هذا الاختلاف.

قوله: ولو أتلف البغاة أو من لهم شوكة شيئًا في حال القتال فلا ضمان عليهم في أصح القولين ترغيبًا في تسكين الفتنة.

ولو ارتدت طائفة لهم شوكة وأتلفوا مالًا أو نفسًا في القتال ثم تابوا وأسلموا ففي ضمانهم القولان: أشهرهما -عن بعضهم- لا ضمان، وخالفه البغوي. انتهى.

وما ذكره في المرتدين قد ذكر نحوه في كتاب الردة، ولم يصرح في البابين بتصحيح، والصحيح وجوب الضمان كما أوضحته هناك فراجعه.

قوله: ولا يقتل أسيرهم، فلو قتله عادل ففي وجوب القصاص عليه وجهان لشبهة خلاف أبي حنيفة. انتهى.

ص: 290

والأصح أنه لا قصاص؛ فقد نقله في "البحر" عن نص الشافعي في "البويطي" وصرح بتصحيحه النووي من "زوائده" غير مطلع على هذا النص، ونقل أيضًا في "البحر" قبل ذلك بأوراق أن الشافعي نص فيه على أنه لا قصاص أيضًا على قاتل المدبر ولا على المذفف على الجريح لشبهة أبي حنيفة؛ فإنه جوز ذلك فيهما أيضًا، ولم يتعرض الرافعي لذلك إلا أن المسائل الثلاث متقاربة في المعنى.

قوله في أصل "الروضة": ولو انقضت الحرب وجمعوهم باقية لم يطلق الأسير إلا أن يبايع، وإن بذل الطاعة أو تفرقت جموعهم أطلق.

ثم قال: هذا في أسير هو أهل للقتال، فأما إذا أسُر نساؤهم وأطفالهم فيحبسون إلى انقضاء القتال ثم يطلقون هذا هو الأصح. انتهى.

وما ذكره في النساء والصبيان قد جزم في "المنهاج" بعكسه فقال: ولا يطلق وإن كان صبيًا أو امرأة حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم. هذا لفظه.

والرافعي سالم من هذا الاختلاف؛ فإنه جزم في "المحرر" بمثل ما جزم به في هذا الكتاب -أعني: الشرح- فقال: ولا يطلق الأسير قبل انقضاء الحرب ولا بعد الانقضاء إذا كانت جموعهم باقية إلا أن يرجع إلى الطاعة باختياره، وإذا وقع نساؤهم وصبيانهم في الأسر حبسوا إلى انقضاء القتال ثم يخلون.

هذا لفظه فاختصره في "المنهاج" على غير ما هو عليه؛ فتحرر أن الصواب هو المذكور في غير "المنهاج".

قوله: حتى إنه -يعني: عليا- رضي الله عنه قتل بنفسه ليلة الهرير ألفًا وخمسمائة. انتهى.

ص: 291

والهرير: بهاء مفتوحة ثم راء مكسورة ثم ياء بنقطتين من تحت بعدها راء مهملة هي والتي قبلها؛ وهي حرب وقعت بينه وبين الخوارج، وكان بعضهم يهر على بعض فسميت بذلك، وقيل: هي ليلة صفين بين على رضي الله عنه ومعاوية.

وصفين: بصاد مهملة مكسورة بعدها فاء مشددة ثم ياء ثم نون؛ وهي اسم لمكان الوقعة.

وقد ذكر هنا ألفاظا أخرى.

منها: ابن ملجم قاتل على رضي الله عنه، اسمه عبد الرحمن، وملجم: بضم الميم وفتح الجيم، هو من بني مراد وكان من الخوارج.

ومنها: الاصطلام: ومدلوة الاستئصال وهو افتعال من الصلم وهو استئصال الأذنين؛ يقال: صلمت أذنه أصلمتها صلما على وزن ضربت أضرب ضربا إذا استأصلها فهو أصلم.

قوله في أصل "الروضة": السادسة: لو استعان البغاة علينا بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمة ليقاتلوا معهم لم ينفذ أمانهم علينا فلنا أن نقتلهم مدبرين.

ثم قال: فلو قالوا: ظننا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض، أو ظننا أنهم المحقون، أو ظننا أنهم استعانوا بنا في قتال الكفار، فوجهان: أصحهما أنا نبلغهم المأمن. انتهى.

وهذا الذي ذكره فيما إذا قالوا ظنناهم محقين له شرط آخر وهو أن يقولوا: ظننا أيضًا أن لنا إعانة المحق؛ كذا صرح به الرافعي في الشرحين "الكبير" والصغير ولكن أهمله من "الروضة" ولم يتعرض له أيضًا في "المحرر".

ص: 292